فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
11

عبد الصادق شقارة فنان تطوان الأصيل

العدد 11 - موسيقى وأداء حركي
عبد الصادق شقارة فنان تطوان الأصيل
كاتب من المغرب

الموسيقى الأندلسية بالمغرب:

يرى المرحوم الأستاذ الباحث محمد المنوني، أن الموسيقى الأندلسية المغربية تمتد في مرحلتها الأولى إلى العصر المرابطي، حيث بدأت تتدفق على المغرب، بعد توحيده مع الأندلس، فازدهرت في بعض المدن بسبب انتقال إمام التلاحين الأندلسي – وهو ابن باجة – إلى المغرب، واستقراره به عشرين سنة كوزير لمخدومه يحيى بن يوسف بن تاشفين، وقد توفي بمدينة فاس  سنة  533هـ. ومن المعروف أن ابن باجة هو منظم الألحان المعتمدة بالأندلس. وفي هذا يقول عنه ابن سعيد : «وإليه تنسب الألحان المطربة بالأندلس التي عليها الاعتماد»(1).

وإذا كان فن الموسيقى الأندلسية قد تعرض لشيء من المقاومة أيام الموحدين، تأثرا بما قامت عليه الدولة من التدين ومقاومة المنكر، إلا أنها قاومت وصمدت في وجه التيار المحافظ، لتفرض وجودها بعد ذلك في حواضر المغرب الشهيرة كفاس ومراكش وسلا والرباط وتطوان وشفشاون وغيرها. وخصوصا بعد الهجرة النهائية للأندلسيين سنة 1610م. ومن الجدير بالذكر أن هذه الموسيقى تمغربت مع مرور الزمن، بما أدخل عليها المغاربة بعد هذه المرحلة، من تعديلات مختلفة في ألحانها وأشعارها وترتيبها. ويرى الباحث المغربي عبد العزيز بن عبد الجليل أن المغاربة شاركوا منذ البداية في تكوين هذا التراث، واستقلوا به بعد هجرة المسلمين من غرناطة «هذا التراث الأندلسي هو تراث أندلسي مغاربي... والمعروف أن الغرناطيين عندما هاجروا، انتقل بعضهم إلى المشرق العربي، إلى مصر مثلا، ولكن أغلبيتهم نزلوا في المغرب بشفشاون على بعد كيلومترات من تطوان، وكان ما يدعوهم لأن ينزلوا في هذه المنطقة لأنه كانت بها إمارة بني رشيد، وانتقلوا بعد ذلك إلى مدينة تطوان، حيث ازدهرت المدرسة التطوانية، بالإضافة إلى ذلك نزلوا فاس، وبها انتقلت المدرسة الغرناطية مع المدرسة البلنسية القديمة، وامتزج الكل ليفرز هذا التصور للوضع الجديد من خلال الصورة الجديدة للموسيقى الأندلسية التي نعرفها الآن.»2

تطوان مستودع الطرب الأندلسي:

شكلت مدينة تطوان (الواقعة شمال المغرب)، إحدى المراكز المهمة التي حافظت على التراث الموسيقي الأندلسي، وطورته عبر مراحل تاريخية مختلفة، فاشتهرت بطابعها وطبوعها. ويعتبر محمد بن الحسين الحايك التطواني أحد الرواد الكبار الذين لمع اسمهم في القرن الثالث عشر الهجري، والمشهور بـ «كناشه» «الجامع للنوبات الموسيقية الأندلسية». وقد وجدت هذه الموسيقى في عصر ضاع أكثر من نصفها، ولم يحفظ منها كاملا سوى أحد عشر طبعا، والباقي، وهو أربعة عشر ضاع أكثره، ولهذا اقتصر في مجموعته على أحد عشر نوبة، وأضاف لجلها ما تبقى من الطبوع الأخرى كل ما يناسبه في النغمة، حيث صار أكثر النوبات مركبا من طبوع عديدة يجمعها اسم النوبة، وهو يضع فوق كل شغل أو زجل أو توشيح عدد ما فيها من الأدوار بالأرقام المغربية تفاديا من الزيادة أو النقصان، وقد صدرت هذه المجموعة بفصلين: الأول في حكم السماع، والثاني في منافعه وأحكامه3.

وبهذا يكون الحايك قد جمع الآلة الأندلسية ودونها، وحفظها من الضياع، وصارت مجموعته عمدة الموسيقيين إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، إضافة إلى القيمة الكبرى التي يحظى بها كناشه من الناحية الأدبية، لأنها مجموعة شعرية شيقة تشمل على باقات متنوعة من الموشحات الأندلسية والأزجال المغربية اللطيفة، بل تشكل ثروة أدبية أندلسية مغربية هامة. وكانت موضوع دراسة جامعية للمستعرب الإسباني (فرناندو بالديرما) حيث حصل على الدكتوراه من جامعة مدريد / اسبانيا تحت عنوان الفقيه الحايك والموسيقى الأندلسية.

كما لعبت الزوايا الصوفية بالمدينة دورا مهما في هذا المجال باعتبارها مراكز لتعليم الموسيقى وتربية الذوق الفني في أواسط المريدين. نذكر منها زاوية الفاسيين التي عرفت نشاطا دائبا، كان في بعض الأحيان يتجاوز نطاق الإنشاد الصوتي إلى نطاق العزف بالآلات، وكان من رجالها الأوائل المهدي بن الطاهر الفاسي التطواني؛ ثم الزاوية الريسونية التي تنسب إلى العالم الصوفي المصلح، والشخصية المعروفة في الأوساط التطوانية بلقب السيد – لوجاهته – (توفي سنة 1299هـ/1882م). وكان عارفا بالموسيقى «ماهرا في الإيقاع والألحان، واخترع عودا على شكل غريب وجعله وترا واحدا في أعلاه صفر، وكان إذا نقر فيه أبكى الحاضرين4».

وسماها البعض (السلاكة) أو (محسن النغم)5، تحولت مجالس عبد السلام بن ريسون إلى حلقات منتظمة لتعليم الموسيقى غناء وعزفا، وتخرجت على يده نخبة من العازفين والمنشدين. ويذكر بعض الباحثين أنه أدخل على الموسيقى الأندلسية الأمداح النبوية. فقد استعاض عن قصائد الغزل والخمريات في الشعر الأندلسي بقصائد وقطع في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في كثير من موازين الآلة، ولا يزال ذلك متداولا في المغرب6.

أما الزاوية الثالثة فهي زاوية الحراق، وقد بدأت عملها كمركز لتعليم الموسيقى الأندلسية على يد الشيخ إدريس الحراق في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وقامت على أسس فنية متينة فكانت بحق مدرسة موسيقية مكتملة الخصائص والسمات، تخرج منها أرباب الصناعة الموسيقية الذين زخرت بهم تطوان وما تزال. ناهيك عن المرحوم محمد الآبار (1904/1959م) فقد كان آية في جمال الصوت وحلاوة النبرات وسعة العارضة؛ وكان عازفا بالآلات الموسيقية منها (الدربكة = الطبلة) والطر. وهو إلى ذلك ذو مقدرة فائقة على التلحين. إضافة إلى أنه كان أديبا وأستاذا ممتازا7. ويحتفظ التاريخ بأسماء لعائلات تطوانية كانت مشهورة في هذا الميدان، تتوارثه أبا عن جد كعائلات ابن عبد اللطيف والشودري والنبخوت وابن ادريس والغازي. كما كانت في تطوان معامل صغيرة لصنع آلات الطرب كالعود والرباب والقانون8. وعلى العموم فقد كانت مدينة تطوان كما يقول مؤرخها المرحوم الأستاذ محمد داوود: «ورحم الله زمانا كانت فيه تطوان ممتازة بين مدن المغرب بإجادة أهلها – رجالا ونساء – للموسيقى الأندلسية»9

ومما امتازت به مدرسة تطوان في الطرب الأندلسي – وما زالت – هو أنها كانت سباقة إلى إدخال أساليب التجديد، سواء في مجال الأداء الصوتي أو الآلي. ويتجلى ذلك بوضوح في أن جوقها الأندلسي تبنى منذ أواخر القرن الثالث عشر الهجري آلة البيانو منذ أن لمع في العزف عليها الفنان السيد عبد الكريم بنونة، وأصبح هذا العمل تقليدا فنيا متوارثاما يزال قائما حتى اليوم، كما أصبحت هذه الآلة تحتل الصدارة بين الآلات الموسيقية الأخرى، بل إنها تقوم من جوق تطوان مقام الرباب من جوق فاس. وتماديا في سبيل التطوير والتجديد، لجأت مدرسة تطوان، قبل غيرها، إلى إدخال الأصوات النسائية ضمن المجموعة الصوتية، وبذلك أضفت على الألحان الأندلسية حلة من الروعة والبهاء، وفتحت إمكانيات تعبيرية جديدة في مجال الأداء الصوتي.10

عبد الصادق شقارة: براعة في العزف والغناء.

ولد عبد الصادق بن عبد السلام شقارة في مدينة تطوان سنة 1931م، تلقى تعليمه بالكتاب أولا، ثم بالمدرسة الابتدائية، وفي نفس الوقت كان ينهل من والديه المبادىء الأولى في الآلة والذكر والمديح. ثم في طفولته وشبابه أخذ يلازم زاوية أجداده: الزاوية الحراقية، وهي مدرسته الثانية بعد أبويه. «اجتذبتني شخصية أسطورية الشيخ سيدي عرفة الحراق، شيخ الزاوية، فأصبح منذ ذلك اليوم صديقي وأستاذي11»

فكان هذا الأب الروحي المبرر هو الذي أهداه أول عود ليتمكن من العزف دون علم أبيه (وهو موسيقي كذلك) والذي كان يتمنى لابنه دراسة العلم بدلا من فن الموسيقى الذي استهواه منذ طفولته.

«كنت أغادر الكتاب (المسيد) فأتوجه إلى دكان أبي، وبمجرد ذهابه إلى المسجد أو إلى السوق، كنت أغتنم الفرصة لألتمس بعطف وحنان آلات الموسيقى، وأراجع الكتب التي تعنى بفن الموسيقى، بعد ذلك كنت أتوجه إلى بيت الشيخ عرفة الحراق لإتمام تكويني12»

لقد لعبت الزاوية الحراقية دورا مهما في حياته الفنية والروحية، فهي التي صقلت موهبته، وكونته تكوينا متينا في بحار المديح والآلة والكمان، وأودعته في ذاكرته ووجدانه كنوز وبحار الهمزية والبردة وديوان الحراق وأدعيته، وغير ذلك من البراويل والابتهالات وأشعار المدح في مختلف الدواوين، فما أن بلغ الرابعة عشرة من عمره حتى انضم إلى جوق شيخه عرفة الحراق الذي كان له دور في تربيته الصوفية، فقد لازمه في كل حركاته ورحلاته إلى أن توفي هذا الأخير.

فتحمل بعده زمام القيادة في مجالس الذكر والأمداح أيام الجمعة والمواسيم الدينية برحاب الزاوية التي نصبته عملاقا فيها، وأهلته ليكون علما كبيرا لا يضاهيه أحد من أقرانه في المغرب قاطبة في ميادين الإنشاد والبراعة في العزف على آلة الكمان.

وفي سنة 1947م التحق عبد الصادق شقارة بمعهد الموسيقى بتطوان طالبا، فأخذ ينهل ويحفظ الكثير من لب الآلة، بصنائعها وأدوارها وموازينها، على أيدي أعلام الآلة الكبار وهم الأساتذة: العياشي الوراكلي، والعربي الغازي وأحمد الدريدب، وأخيه عبد السلام أستاذه في الكمان، ومحمد بيصة، وأحمد البردعي، ومحمد ابن عياد، ومحمد العربي التمسماني وغيرهم.

لقد كان دور المعهد – بعد الزاوية- جليا في حياة هذا الفنان حيث أنشأه طالبا ومتفوقا نشيطا، وفي مرحلته العلمية جعله أستاذا بارزا وفنانا مبدعا كبيرا.

وهكذا انطلق في شبابه وكهولته باحثا ومنقبا عن نوادر أشعار المدح وصنائع وأدوار الآلة في تطوان وفاس وشفشاون والرباط وطنجة والعرائش وغيرها... فتعرف على عبد السلام علوش أستاذ الملحون الذي أخذ عنه أهم درس في هذا النوع من الموسيقى. وهو أن الوتيرة أهم من الكلمة. والتقى بالأستاذ العميد المرحوم محمد الفاسي المعروف بأبحاثه ودراساته القيمة في التراث الموسيقي الأندلسي. وتعرف على الفنانين الحاج مصطفى كديرة وأحمد الوكيلي بمدينة الرباط. كما ربط علاقة صداقة متينة مع الأستاذ الكبير محمد العربي التمسماني الذي أصبح بعد ذلك رئيسا لجوق تطوان للطرب الأندلسي.

«بنت بلادي» الرائعة الخالدة:

في سنة 1957 وبعد الاستقلال مباشرة أنشأ عبد الصادق شقارة جوق المعهد الموسيقي بتطوان وصادف ذلك افتتاح مسرح محمد الخامس بالرباط، وبحضور جلالة المغفور له محمد الخامس صفق الجمهور لأول أغنية شعبية تطوانية وهي (الحبيبة وجرحتني) التي عرفت نجاحا كبيرا بالمغرب. كما شارك في عدد كبير من الحفلات الموسيقية في سائر مدن المغرب وخارجه (اسبانيا، فرنسا، انجلترا...)

بعد ذلك لحن مجموعة من الأغاني الشمالية (الجبلية) وطورها بأسلوبه الموسيقي الرائع حتى كون منها ثروة كبيرة مهمة وسجلها على الاسطوانات والأشرطة، ولقيت إقبالا عظيما، واهتماما كبيرا من لدن المولعين والمهتمين مثل: (الحرامية) (مولاي عبد السلام) و (النار كدات في كلبي) (الخد حمار = أحمر يا السامعين) و(أنا مزاوك) و (بنت بلادي) التي تظل إبداعا استثنائيا بكل المقاييس، فهي المحطة الأساسية في مشواره الفني التي خلدته إلى اليوم، وقد كتب عنها الباحث والأديب محمد العربي المساري ما يلي: «تمثل تلك المقطوعة بالفعل شيئا متميزا تحفل به الذاكرة الغنائية المغربية، نظرا للحيز الذي تحتله في الربيرطوار الوطني وباعتبارها من الأمثلة الدالة على التراث المشترك فيما بين عدوتي المغرب والأندلس. فقد تغنى جيل بكامله بالأغنية المذكورة وبقيت مثالا للنكهة الشمالية التي يمتزج فيها الجبلي بالأندلسي بالريفي، وانتشرت كذلك في الأندلس.13»

وقد سجلها سنة 1979م بالإذاعة المغربية، وهي من كلمات الزجال عبد الرحمن العلمي، تقول كلماتها:

يا بنت بلادي

سلبُوني عيْنيْك

والزين اللِي فيك

قلبي تايبغيك

يا بنت بلادي

شعرها مطلوق

طويل ومغلوق

 

قلبي عليها محروق

يا بنت بلادي

صغيرة ومزيانة

قارية وفنانة

هكذا حبيت أنا

يا بنت بلادي

العرض و الجود

قابطة الحدود

والورد في الخدود

يا بنت بلادي

 

وبعد انتشارها، استهواها الجمهور المغربي، وأصبحت تردد في حفلات الأعراس، فاخترقت الحدود إلى الضفة الأندلسية. وتجاوب معها الجمهور الاسباني الاندلسي كذلك، فغناها شقارة برفقة الفنان الأندلسي (ريكي مورينطي) سنة 1982 بغرناطة، وحدث أن أبياتا أنشأها (خوسي إيريديا) أضيفت إلى المقطوعة، وبدا أن الكلمات التي أضيفت بالاسبانية كانت تركب المتن الشعري والموسيقي بسلاسة، فتم آداؤها بالعربية والاسبانية. فتحقق بذلك التمازج بين الموسيقى الشعبية التطوانية والفلامنكو الاسباني. فلقبت بأغنية (الضفتين).

فأصبح واحدا من المبدعين في مجال الطرب الشعبي، ولاسيما العيطة الجبلية (شمال المغرب)، فقد طوره بشكل كبير «بدأت منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي أبحث في هذا الجانب، فوجدت مجموعة من الأشكال الغنائية الجبلية التي يمكن أن تصاغ في قوالب موسيقية معينة، لاسيما قطعة (الحبيبة وجرحتني) . لم يكن إسهامنا يتضمن إضافات كثيرة ولا تغييرات جذرية حتى تبقى لتلك القطع الغنائية شعبيتها المعهودة. وكنا نكتفي في الغالب بإعادة التوزيع الموسيقي. والملاحظ أن القطع الغنائية التي كانت متداولة في المدن الشمالية كانت جلها مشمولة بطابع أندلسي. ومن ثم كان دورنا هو الحفاظ على هذين الوجهين من أوجه تراثنا الموسيقي والتعريف بهذا في ذاك والعكس بالعكس.14»

وفي سنة 1961م ساهم في تسجيل النوبات الإحدى عشر للموسيقى الأندلسية، وبدأ في السهرات والحفلات وفي تسجيل الآلة والإنشاد والتقاسيم والبراول والأغاني التراثية التطوانية، وأغانيه التي يلحنها باستديوهات الإذاعة والتلفزة المغربية والاسبانية. كما شارك في المهرجان الإسلامي بلندن سنة 1975 بحضور الملكة إليزابيت الثانية .

«وفي إنجلترا عملت مع أحد كبار الموسيقيين وهو الموسيقار (مايكل نيومان) وهو أحد أحسن العازفين على البيانو في الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية. وعملنا عدة تسجيلات مشتركة تمكن فيها هذا الموسيقار من إدخال طابع سمفوني على الطرب الأندلسي.15»

وفي سنة 1992م ، وعلى هامش المعرض الدولي بإشبيليا (اسبانيا) انبهر أكثر من عشرة آلاف متفرج بسحر وجمال هذا التمازج الفني المغربي الإنجليزي، وفي نفس السنة وشح صدره ولي العهد محمد بن الحسن بوسام العرش من درجة فارس، الذي منحه المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني لأساتذة الموسيقى الأندلسية الذين ساهموا في التسجيل الكامل لموسيقى (الآلة) على أسطوانة (لايرز)، وشكل هذا الحدث الهام تتويج مسيرته الفنية.

وكان يرى أن موسيقى (الآلة) أو على الأصح الطرب الأندلسي المغربي «هو كل لا يتجزأ. وهو ملك للمغاربة جميعا، ولا توجد فوارق جوهرية بين الطبوع التطوانية أو الفاسية أو الشاونية أو ما إلى ذلك. كل ما هناك أنه ثمة طرقا مختلفة شيئا ما في النطق إضافة إلى بعض الخصائص القليلة التي تجدها في أقاليم الشمال دون أن تكون في باقي أنحاء المغرب، والعكس صحيح. ولكن بعد الاستقلال مباشرة تم توحيد أنساق النوبات فلم تعد بينها فوارق حقيقية بين هذه المنطقة أو تلك.16»

ورغم تقاعده عن عمله الرسمي في المعهد الموسيقي، استمر في نشاطه المعهود بمساعدته لهواة الآلة الشباب، فكان يزودهم بصنائع الآلة وأدوارها وموازينها، وأحيانا يدربهم على غنائها وعزفها. كما واصل نشاطه الفني مع مجموعة موسيقية إسبانية وجوقه في اسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال وانجلترا وغيرها.

كان عبد الصادق شقارة فنانا أصيلا، منح سحر الطرب غناء وعزفا، فتفنن في طريقة جذب الجماهير إليه ليبهرهم ويستولي على شعورهم، ويسحر عواطفهم، كل ذلك منبعه، هو تمكنه من المقامات الموسيقية وسلاليمها وموازينها، والبحور الشعرية الزجلية وموازينها وقوافيها. كما أودعه الله، سبحانه وتعالى ملكة عظيمة وبراعة نادرة في إنشاد المواويل، وبراعة في الإلقاء بعذوبة ذوقية تطوانية أصيلة تسحر العواطف والوجدان، وتجعل المستمع يعيش في عالم الجمال والخيال. لقد غادرنا بعدما أطربنا بمئات من الأغاني والقطع الموسيقية الجميلة، وخلد اسمه وفنه على صفحات العباقرة والمبدعين الكبار، وفقدت تطوان ابنها البار الذي هام في حبها وعشقها. وامتد فيها مساره الفني لخمسة عقود إلى أن توفي بها سنة 1998م.

رحم الله الفنان الكبير عبد الصادق شقاره.

 

المصادر والمراجع الشفهية

1ـ  - انظر مجلة البحث العلمي عدد مزدوج 14 و 15 سنة 1969 ص: 150 / دراسة : «تاريخ الموسيقى الأندلسية بالمغرب».

2 - انظر الحوار الذي أجراه معه عبد الحق بن رحمون لجريدة (الزمان) الملحق (ألف باء) عدد 1189 / 19 / 04/ 2002م ص: 9.

3 - انظر مجلة البحث العلمي ص: 156. مرجع سابق.

4 - نفس المرجع . ص: 162.

5 - انظر كتاب (مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية) عبد العزيز بن عبد الجليل / سلسلة عالم المعرفة / عدد: 65 مايو 1983 ص: 214.

6 - انظر مجلة «الفنون المغربية» عدد: يناير – مارس 1975 ص: 123 (مقالة الطيب بنونة عن ابن الأبار – فنان

7 - نفس المرجع ص: 123. وانظر كتاب (مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية) ص: 214.

8 - نفس المرجع ص: 123.

9 - تاريخ تطوان – المجلد الرابع ص: 407.

10  - انظر كتاب (مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية» ص: 215-216.  مرجع سابق.

11  - نقلا من كلمة الدكتور محمد اليملاحي الوزاني بمناسبة تكريمه من طرف «جمعية تطوان أسمير» 14-15 غشت 1996 – أنظر المطبوع الذي صدر بالمناسبة ص: 6.

12  - نفس المرجع ص: 6.

كما أن باقي المعلومات المتعلقة بشخصية عبد الصادق شقارة هي مقتبسة من نفس المطبوع.

13 - انظر صحيفة (الاتحاد الاشتراكي) عدد: 15-16 / 2007 ص: 13.

14 - حوارا معه في صحيفة (الاتحاد الاشتراكي) عدد: 16/6/1996م ص: 9.

15 - نفس المرجع.

16  - نفس المرجع.

أعداد المجلة