فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
13

الأداء الحركي فى طقس الزار

العدد 13 - موسيقى وأداء حركي
الأداء الحركي فى  طقس الزار
كاتب من مصر

تمتلك كافة الشعوب طقوساً تمثل نوعاً خاصاً من السلوك يمكن الاستناد عليه لفهم كنه الإنسان، تماماً مثله مثل اللغة التي تعد نظاماً رمزياً قائماً على قوانين راسخة، بالتالي يمكن النظر للطقوس بوصفها نظاماً رمزياً من الأفعال، ويمكن رؤية العلاقة الشائكة المعقدة بين الطقوس واللغة فى تاريخ المحاولات العديدة لشرح السلوك الطقسي . كذلك يمكن التعامل مع الطقوس بوصفها وسيلة تعبير غير ناطقة تقوم على أساس رمزي ولغتها هى لغة الأساطير واستناداً إلى رؤية العلماء الوظيفيين يمكن عدها شكلاً من أشكال الاستجابة التكيفية للبيئتين: الفيزيقية والاجتماعية أما عن مرجعيتها فإنها تتمثل في منظومة الاعتقاد، كما أن لها علاقة بالفنون.

 

وكان «جلين ويلسون» قد أشار إلى أن الطقوس هي (بمثابة مسقط الرأس لكثير من فنون الأداء فالطقس يتميز بالتكرار النمطي المغلف لنشاط ما استجلاباً لأثر سحري. ولا يتكرر النمط السلوكي فقط نتيجة للعادة ولكن أيضاً لأنه قد اكتسب دلالة باطنية عميقة وقد تكون جذور هذا النشاط في الماضي عشوائية أو من قبيل المصادفة، أو قد تم نسيانها لكنها أصبحت الآن تغلف بمغذ اجتماعي وديني له أهميته وأشار «ويلسون» إلى عدة وظائف للطقوس أبرزها:

توسيع حدود الوعي من خلال الدخول في حالات تشبه الغيبوبة أو حالات شبه انتشائية ومن بين مكونات الاحتفالات الطقسية هناك مكونات معينة من ترنيم وغناء، وتشكيل خطوات خاصة، وأقنعة وأزياء والتى شقت طريقها وأسهمت في الأداء المسرحي)1.

يجمع العلماء على وجود علاقة وثيقة بين الطقوس والأساطير، وتتشابه الطقوس مع الأسطورة من حيث المحتويات، إذ أنها تحتوي على الإيقاع، والإشارة، والرمز وكانت «جين هاريسون» قد ربطت (نشأة الفن الدرامي بالشعائر والطقوس مؤكدة على أن الطقوس  مسرحة للأسطورة.)2

كما أنه يمكن اعتبار الزار (طقوساً شعائرية راقصة درامية، أي، رقصاً شعبياً فيه تفاعل جماعي بالحركات يؤدى في دورات الحياة. وتحتفل الكثير من القبائل في مختلف أنحاء العالم بدورات الحياة عن طريق الرقص «الزواج، والوفاة، والختان، والانتقال من حالة المرض إلى الصحة ومن الأهداف العلاجية لهذا الرقص الدرامي طرد الأرواح الشريرة أو علاج نفسي عن طريق رقصات هستيرية مزيفة أو حركات جمبازية.

يمكن تصنيف الطقوس إلى نوعين أساسيين: طقوس تتعلق بتجديد الحياة بالخصب والنماء، وطقوس تطهيرية تهدف إلى تطهير حياة الفرد من الأشباح والذنوب. فالإنسان يسعى لمحو الزمن الحسي ليعيش في الزمن الأسطوري من خلال الاحتفالات، بهذا المعنى يجوز لنا تصنيف الزار على أنه ممارسة شعائرية ضمن الطقوس التطهيرية، ذلك أن الزار يتميز بكونه نشاطاً يقوم على الرقص، والإثارة الانفعالية، وتقديم الأضاحي استرضاءً للأسياد وأملاً في عودتهم)3.

يرجع «الكسندر كراب» (جذور الممارسات الطقسية... للشعائر الطقسية الراقصة التى كان البدائي يقيمها لتحقيق النجاح في اصطياد الحيوانات بتقليد حركات الأخيرة، أو لإنماء الزرع ووفرته، أو من أجل غايات أسمى: مثل توهم البعض بأن الأجرام السماوية في ارتعاش حركتها تحتاج لشيء من التشجيع حتى لا تتباطأ حركتها، أو قد تقام لطرد الأرواح الشريرة درءاً للأمراض ويستشهد «كراب» بالعديد من النماذج الاثنوغرافية مثل الفكرة الكامنة في قفز الشباب عالياً وهم يرقصون أثناء بذر الكتان، الفكرة التي مؤداها أن الكتان سيصل طولا يبلغ ارتفاع قفزاتهم، أو مثل اللعنات التي صبها أنبياء بني إسرائيل على الممارسات الطقسية الراقصة لتطهير الديانة من تلك الرقصات التي أدت إلى سقوط عاصمتهم وتدمير الهيكل، ومثل الإكليريوس المسيحي الذى حاول إقصاء الرقص فباءت محاولاته بالفشل)4.

مجمل القول أن هذه الشعائر الطقسية تمثل بقايا ممارسات وعادات قديمة، انتشرت ونجد لها ظلالاً في الطقوس الاحتفالية للزار، وتتسم عموماً بانفعالات مشحونة مفعمة بالقلق والخوف والتوتر، مصحوبة بالإيقاع والأداءالحركى والأغانى.

والزار يطلق على الجني أو الجنية، فيقال لمن ركبته روح شريرة فيه «زار»، فهو لفظ من اللغات اللارية والكراشية بمعنى حالة تظهر على العبيد فيرقصون ويتواجدون ويسمونها «زار»)5.

كما يقال إن «زار» كلمة عربية مشتقة من «الزيارة»..  (أي أن الجن يزور الآدميين في مواعيد معينة من السنة)6.

 

وفي بعض المراجع وجدت أن كلمة «زار»مشتقة من «جار djar» وهو كبير آلهة الكوشيين الذي يتغير اسمه لدى بعض الطوائف إلى «يارو  yaro» أو «دارو daro»، وظهر منه في إطار المسيحية الحبشية إلى روح شريرة هو «زار zar» الذي استعاره المسيحيون الأحباش من بعض القبائل الوثنية. كما أن كلمة «الزار «في اللغة العربية مستعارة عن اللغة الامهرية، ذلك ان المعتقدات الشائعة في جن الزار انتقلت من أثيوبيا إلى العالم الإسلامي. وبالطبع هذا اعتقاد خاطىء وسوف أثبت ذلك فيما بعد7.

حيث أنه وكما قلنا سابقا لا يوجد تعريف محدد لـ «الزار «ولكننا نجتهد في تقديم تعريف له، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكننا أن نعرف «الزار بأنه-

(نوع من الاحتفال الذي يستهدف طرد الأرواح أو استرضائها عن طريق إجراءات طقوسية خاصة تشتمل على تقديم الأضاحي والقرابين وأداء بعض الرقصات سريعة الإيقاع)8.

(تعبير رمزي لرغبات يرتبط في ذهن المريضة الممارسة بذكريات كامنة في اللاوعي لديها، كما قد تكون نتاج حتمية ترابطية تجسد حدثا يرتبط بمسببات المرض)9.

هذا من الناحية النفسية أما إذا نظرنا إليه من الناحية الاحتفالية الطقوسية وما يحدث فيها نجد أننا يمكن أن نقول العديد من التعريفات أيضا منها ما يلي:

أن الزار (حفلة نسائية فيها الإسراف، يمحى فيها الاحتشام، وأكبر الباعث عليها الآن التقليد والفخر والمباهاة، والاستمتاع بالكثير من الشهوات الحسية والمعنوية)10.

ويمكننا القول إن الزار هو من المماراسات الجسدية التى تمزج بين الطب الشعبى والموسيقى والغناء والأداء الحركي الذي يوظف لإراحة الجسد من خلال طاعة الجن، وإذا نظرنا إلى البعد الوظيفي للزار فنجد أنه يندرج تحت مسمى العلاج الشعبي كما أصبحت له وظيفهة ترفيهية من خلال تناوله على خشبة المسرح مستلهمين ما يحدث فى البيئة وإعادة تناوله بشكل فني مثلما قدمته فرقة باليه أوبرا القاهرة على خشبة المسرح من خلال عروضها الفلكلورية.

فالزار له طقوس رائعة، وحركات وإيماءات راقصة، وموسيقى منفردة، وإذا تخلص الزار من بعض السلبيات، فإنه يؤدي إلى غرض ترويحي علاجي.

وكان للخيال الشعبي دور في تفعيل دور الزار الاجتماعي الذي اندثر ثم ما لبث أن عاد للظهور في صورة أخرى ترتدي ثوب المدينة.

فالزار أحد أهم الأساطير والخرافات التي تجد صدى في نفوس الناس فحين كان الأطفال يقعون على الأرض كان العامة يصيحون

(اسم النبي حارسك وضامنك... وقعت على اخوك أحسن منك.... ولهذه العبارات التي لا تزال تترد داخل القرى المصرية حدس وقائي لدى العامة خوفا من الأسياد واعترافا كاملا بوجودهم وخطرهم. وحتى وقت قريب كان حين يصاب فرد ما ببعض المتاعب النفسية أو يصاب بمرض ما أو تتأخر عروس عند الإنجاب تنصح بالذهاب الى «كودية الزار»)11.

ونجد أن هناك ارتباطا كبيرا بين الزار وممارسة السحر ونجد أن السحر كما تعرفه الموسوعة الفلسفية هو «أحد أشكال الاعتقاد البدائي، إنه مجموعة من الطقوس التي ترمي إلى التأثير في الناس والأرواح المتخيلة بهدف الحصول على نتائج معينة ومن هنا نجد أن السحر يرتبط بثلاثة أشياء وهي الرقية، والطقس، وحالة الشخص الممارس للسحر في حالة تطبيق هذه المؤشرات التي يقول بها مالينوفسكي على مفهوم الزار يتضح أنه يرتبط بـ «أشياء تقال»من ناحية بتحليل مقولة الأسياد والتعاويذ الخاصة بمخاطبتهم واسترضائهم. الكلمات التي تتفوه بها كودية الزار وعباراتها تكون منغمة وموزونة وتوحي في لفظها بالغاية المطلوبة، ومن ناحية ثانية نجد أن الزار يرتبط بطقوس محددة أثناء إقامته مرتبطا بالممارسين له من الكوديه، والمغنيات، والمساعدات، وجمهور المشاركين، والمريض الذي تلبسه الروح «الجوقه».

يتسم الزار في مصر بمحدودية أعداد الممارسين له ومن ثم فهو لا يشكل الثقافة السائدة في المجتمع وإنما يعد جزءاً من الثقافة الفرعية، بالتالي هو ظاهرة اجتماعية فالزار رغم كونه طقساً لمعالجة حالات فردية فإنه لا يجوز عده ظاهرة فردية طالما أنه لا يمثل نتاجاً فردياً إنه يضرب بجذوره في أعماق الواقع الاجتماعي، موروثاً ثقافياً ناتجا عن ظروف أيديولوجية وبيئية، إنه يمثل نتاجاً للأفكار الخرافية والطقوس السحرية المرتبطة بتلك الأفكار المعبر عنها من خلال الزار وغيره من الممارسات السحرية ذات الطابع الخرافي أو السحري والتي  تصر على إثبات وجودها رغم ظهور البديل العقلاني لها وهو الطب النفسي.

 

يهمنا هنا تحديداً التعبير الذي يتجلى عبر الحركات والانفعالات وذلك من خلال ممارسة الأداء الحركي الإيقاعي، ويمكننا القول بأن الأداء الحركي في الأجواء الاحتفالية لطقوس الزار هي تلك السلوكيات التي تحمل دلالات رمزية متميزة، ويمكن التعامل معها كوقائع اتصال غير كلامي، وتعكس حالة نفسية، كما أنها قد تحمل معاني ضمنية في الممارسة التعبيرية الراقصة الرمزية والإحساس بكل ما تحويه الأجواء الطقسية المادية المدعومة بالاعتقاد في هذه الممارسة وفاعليتها.

ويلاحظ في طقوس الزار شكلاً من أشكال التعبير عن الذاتية ينعكس في بعض أدائه بطابع الرقصات الشعبية، التي تتسم حركاتها بالنظرة الذاتية من خلال معايشة الممارسة، وهي تؤدى لجسدها وذاتها .

 

يتميز الزار عموماً بكثرة أنماط الرمزية التعبيرية، المعبر عنها في الألوان والحركة والأزياء والحلي والأغاني والإيقاع والأضحية وأنواع الطعام،ويحتل اللون في طقوس الزار مساحة واسعة: حيث نجد أن اللون الأحمر هو لون رداء روح «لولية الحبشية» ولون دم الأضحية حتى أن الزار نفسه تطلق عليه تسمية «الريح الأحمر» وينعكس في الطبول المزخرفة بالحناء واللون الأزرق الغامق هو لون ملابس الأسياد «الزرق»، واللون الأزرق هو لون رداء «الدراويش» الخ. فاللون هنا كأنما يجسد لغة اجتماعية يفهمها الممارسون للطقوس، لغة تتشابك وتتفاعل في بنيتهم النفسية ولها رمزيتها. وقد يكون من المحتمل أن هذا الارتباط المحدد بين لون الأزياء والأسياد يجد تفسيراً في ارتباط الأزياء لدى الشامان، حيث ترتبط بمنظور العلاقة مع المقدس. فلكل خيط في الزار رداء يناسبه، ومن ثم ترتدي الممارسة أشكالاً مختلفة من الأزياء والألوان طبقاً للخيط. وحركياً يتجلى الفعل الرمزي في الممارسة الحركية التعبيرية الراقصة؛ الذي يمثل نشاطاً وانفعالاً جماعياً لا شعورياً وله لغته الرمزية يقول صفوت كمال  في ذلك (إن أشكال الممارسات الطقسية هي التي تعطينا التصور والتجسيد المادي والقدرة الشاعرة للإنسان البدائي؛ في إدراك وجوده وإبداعاته في تخيل أشكال القوى التي تحيط به ففي المجتمعات التقليدية لا يميز الإنسان بين شخصه وجسده فبين الإنسان والعالم والآخرين يسود النسيج نفسه بألوان مختلفة)12، وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى أن الإشارات والحركات تقوم بدور مهم في الطقوس الدينية والسلوك الديني وتشتق معناها من خلال علاقتها بالمعتقد الديني، فالأداء الحركي فى الطقوس الدينية يؤدى في خطوط مستقيمة أو دوائر، وقد يحتوي على حركات مثل الحجل والقفز وحركات الأيدي ونجد أن «الرقص بالأيدي والأصابع على سبيل المثال له معنى رمزي محدد في الهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى، وله تنظيم صارم» ويشيع استخدام الأيادي في كثير من الشعائر والممارسات الطقسية . ففي الزار نلاحظ كثيراً من هذه الحركات، فالدوران والتحرك في خطوط، والتمايل مع العنف في الحركة، وحرارة الإيقاع، كلها لها دلالتها الرمزية لاسترضاء الأسياد في مختلف الخيوط فالممارسة الطقسية يمكن تشبيهها بالأحلام من حيث أن كليهما يمثل لحظات التحرر الإنساني، التي تختفي فيها قوانين الزمان والمكان ويعبر الإنسان عن نفسه بشكل تلقائي أو ربما هى تفريغ للطاقة من خلال الرقص كما عرفه لويس الفيلد وآخرون «Lois Ellfeldt and Eleanor Mctheny» على أنه  (نوع من الفنون غير اللفظية التي تعمد إلى ترميز المفاهيم في حركات فالرقص في الممارسة الحركية هو تعبير حركي هادف)13 ويمكن اعتبار الرقص تعبيراً حركياً كوسيلة اتصال، ومن ثم فهو لغة طبيعية إدراكية ذات معان داخلية وخارجية، ويشير عبد الحميد يونس إلى أن (الرقص يعد سلوكاً اجتماعياً أو لغة جسدية ورمزاً للشعور ووسيلة أكثر فاعلية مقارنة باللغة في الكشف عن الحاجات أو الرغبات فالحركات الراقصة تصبح رموزاً نمطية مقننة، كما أن بعض أعضاء المجتمع الواحد قد يفهمون أن هذه الرموز مقصود بها تمثيل للخبرات في العالم الخارجى ويضيف أن الحركة والإيقاع اللذين يستهدفان غايات دينية أو سحرية ونفعية هما أسبق تاريخياً من اللغة، وأنه يمكن من خلال الدراما التي تتوسل بالإيماء والإشارة والحركة والإيقاع والكلمة... تتبع أشكالا متنوعة للفنون التي تحتوي في داخلها على وسائل للتعبير متعددة، فالدراما هى من أعرق الفنون وأكثرها ارتباطاً بنفسية الجماعات)14.

 

وهناك جانب آخر في الممارسة الطقسية يتمثل في الإيقاع والصوت والكلمة، والتى يمكن أن يكون لها معنى في البنية الأساسية للزار، فهناك إيقاعات محددة وأغنيات معينة لكل نوع من أنواع الزار تتناغم مع الرقص الطقسي وقد نلاحظ أن المؤديات يزداد حماسهن لممارسة الرقص بمجرد سماعهن للإيقاع، مما يقود للاستنتاج بأن تلك الإيقاعات والأغاني تحمل دلالة رمزية ترتبط في ذهنية الممارسات بالرقص والتفاعل النفسي. كما نلاحظ وجود علاقة جوهرية بين اللحن وتركيبه وبين الأغنية ودورها الرئيس في مناشدة أرواح الأسياد من خلال الأدوار المختلفة المتلاحقة تباعاً.

 

الزار و طبيعة الأداء الحركي الراقصة:

استخدام الرقص لأغراض تأهيلية في علاج الاضطرابات النفسية والانفعالية. (ويعتمد هذا النوع من العلاج النفسي على افتراض مؤداه أن تحسين التناسق، والمشية، والإيقاع في حركات الجسم يؤدي بالفرد إلى الشعور بالثقة، والاطمئنان النفسي بدرجة كبيرة)15.

وفي المعالجة بالحركة والرقص فنجد أبعاداً جديدة ركز عليها المعالجون فإلى جانب استخدام الخيال نجد التركيز على الجسد وحركاته (كما أن مكونات الرقص العلاجي يمكن أن تحتوي على رقص إيقاعي وحركة إبداعية وتلقائية... لا واعية ورمزية...)16  كما أن لغة الجسم Body language  امتداد للتعبير عن الذات من خلال ما يقوم به الفرد (من حركات وإيماءات جسمية كبديل عن التعبير بالكلام أو بالإضافة إليه. وتعد هذه الحركات والإيماءات الجسمية صورة من صور التواصل)17.

فممارسة الزار يمكن عدها نوعاً من الممارسات الشعائرية التي تتميز بالرقص الجماعي وبأشكال محددة من الحركات التي تنفذ بطرق محددة متنوعة تتسم بالتكرار والنمطية، وهي حركات لها مضمونها الرمزي في لغة الزار بوصفها لغة تواصل بين جماعة الزار، لغة وظيفتها استرضاء الأسياد ونيل العفو والرضاء منهم. فهي بهذا المفهوم ممارسة مدعومة بعوامل اعتقاد في فاعلية النهج العلاجي، وبعوامل حفز تزيد من الإثارة ومن الجهد المبذول من جانب كافة المشاركين الذين يبددون من خلالها قدرا من الطاقة عبر أوضاع مختلفة ثابتة ومتحركة.

يتضح من ذلك أن الأداء الجسماني في طقوس الزار له شقان من حيث التأثير: فمن جانب هناك تأثير على الناحية النفسية والإدراك الحسي والمعرفي، وإثارة وحفز؛ ومن جانب ثانٍ تأثير على الكيان العضوي الداخلي.

وتقوم الممارسة للزار على مبدأين:

أولهما: الاعتقاد في فاعلية المعالجة على يد شيخة الزار.

وثانيهما: ممارسة الطقس بما يتضمنه من أداء حركي «راقص».

(ذلك أن الزار يتميز بكونه نشاطاً يقوم على الرقص، والإثارة الانفعالية، وتقديم الأضاحي استرضاءً للأسياد وأملاً في عودتهم)18.هذا إلى جانب أن  (حفلات الزار التي حضرتها أثناء العمل التجريبي الميداني تبرز أن أعراض التعب الخارجية تأخذ في الظهور على الممارسات لتلك الحركات التعبيرية العنيفة، وتمثلت تلك الأعراض الخارجية في تصبب العرق بغزارة، وتلاحق التنفس وسطحيته، والتغير في تعبيرات الوجه الذى بدت عليه علامات التشتت وعدم التركيز. وفي اعتقادي أن تفسير ذلك مرتبط بعملية التكيف...  وصولاً بالشخص إلى درجة الحيرة والارتباك مما يؤدي إلى زيادة قوة الإيحاء وتمزق السلوك القديم)19.

والزار و ما يمارس فيه من إيقاعات موسيقية, رقص, ملابس, تمائم, بخور, أغاني يستهدف منه شفاء المريض بمعرفة الأسياد ومحاولة إرضائهم وتقديم القرابين لهم

كيف يتم ممارسة الزار

تقوم (الكودية) بوضع كرسي في وسط المجلس، تجلس عليه صاحبة المنزل التي نصب لها الزار، وتحضر فرختين و ديكا وتربط أرجلها (أو أي نوع آخر من الذبائح أو الأضاحي ولكن ذلك على سبيل المثال لما يحدث)، ثم تضع الديك على رأسها، والفرختين كل واحدة على كتف من كتفيها، ثم تتلو نصوصا معهودة وتنشد بعض الأناشيد ومنها كما نقلها الباحث من إحدى الفرق التي تؤدي طقس الزار:

 «تيك تيك

تيك تيك مين تيك تيك مين

تين على موز لاء موز على تين

تين على موز او موز على تين

كلة مغطى القمر الدين

توتة توتة يا تحت التوتة دى الحدوتة والسامعين

جدى يقولى النار لا تخلى لما تولع ناس ظلمين

كان ياما كان فى زمان ومكان

كانو تلاتة من التلاتين

جمع شين على زين الدين عملة

مأمرة على الباقين

اصل الشلو بيشبة للوة حتى حمار الزبالين

بعد ما شالو حطو وغطو نامو

وغطو ومش خايفين

قامة قومة فى عز النومة لا خلى كاف

ولا شين ولا زين

توتة توتة دى الحدوتة وادى التوتة والسامعين»

بينما الحاضرات يقلن دستور يا سيادي

مدد يا اهل الله يا سيادي

ثم تضرب الكودية ومن معها على الدفوف والطبول بأنواعها بنغمات مختلفة متسارعة.

 

طقوس قد تبدو غريبة لكنها منتشرة بشكل كبير، وهي تتضمن أيضا رقصات وأغاني الزار، وتجري هذه الحفلات في العادة عند سيدة تسمى (الكودية أو العاقة) كما ذكرنا سابقا، حيث تتجمع عندها النساء الراغبات في التخلص من الجان والعفاريت. فتقول إحدى مساعدات الكوديه (أن حفلات الزار عادة ما تبدأ بدقات الطبول والدفوف مصحوبة بترانيم وتمتمات غير مفهومة، ثم تبدأ طقوس حركات الأجسام واهتزازها مع انتشار الأبخرة في الأجواء المفعمة بالضجيج والحركة وتستمر هذه الأعمال حتى تسقط المريضة على الأرض، وبمجرد سقوطها تبدأ الكودية بممارسة طقوس إخراج الزار، حيث تقوم بالصراخ بصوت عال على الجن و الشياطين والعفاريت وتطلب منهم الخروج من جسد المريضة، ولكن لابد أن تتعهد له الكودية «أي للجان المتلبسين بالمريضة» بتلبية مطالبهم التي عادة ما تكون ديكا أو خروفا بمواصفات معينة يلتزم أهل المريضة بإحضاره، على أساس أن ذلك مطلب الجن مقابل خروجه من جسد المريضة)20   

 

وهذه الطقوس تختلف من منطقة لأخرى فمثلا في بعض المناطق يتلبس الجني الانسان بسبب «العين» أو السحر أو العشق، وقد يكون هذا الجني من المسلمين، وهذا الجني يحضر على من هو في جسده «أي الانسان الملبوس» ويرقص عندما يضرب له بالدفوف ويغني له بغناء مخصوص . وعند حضور هذا الخبيث قد يطلب بعض الطلبات مثل بخور معين أو إيقاع معين وقد يجعل الانسان الملبوس هذا يأكل الجمر أو بعض الطعام الحار جدا، وربما يكون قد حصل بينه وبين جني آخر خلاف أو عراك بحجة أنه من عائلة أصيلة كأن يكون إفريقيا أو ساحليا أو أي شيء آخر، والآخر من حثالة القوم، أو لأنه مسلم والآخر كافر، وربما يشير إلى أحد الجالسين ويأمر بطرده من المجلس لأنه جنب أو لأنه سكران إلى آخر ذلك من أمور، إذا ما غضب هذا الجني فإنه يتعب من هو متلبس به ولا يرضى حتى يبخر له بنوع من البخور معين أو تذبح له ذبيحة.

(وفي بعض الأماكن أو المناطق الأخرى نجد طقوسا أخرى للزار مختلفة تماما كالطقوس المتعلقة بالألوان مثلا، خاصة في الملابس التي تختلف باختلاف ملوك الجن الذين يراد استرضاؤهم، كما أن الاعتقاد السائد بالألوان مرتبط بالاعتقادات الشعبية في الكواكب وتأثيرها على حياة الإنسان وطبائعه، مثل الاعتقاد في كوكب المريخ وأن ألوانه في الثياب تكون أحمر أو اصفر، وأما كوكب الزهرة فألوانه التي تكون في الثياب تكون أخضر وأبيض، ويمتد هذا الاعتقاد فيشمل الأيام الخاصة بهذه الكواكب، الذي يمكننا رده إلى «العبادات البابلية القديمة» فيوم الثلاثاء هو يوم كوكب المريخ ويوم الجمعة هو يوم كوكب الزهرة وهكذا،)21

وهكذا تظل المريضةأاسيرة لهذا الزار، فمثل هذه الاعتقادات تكثر بين فئة من الناس خاصة بين من هم بهم مس مما يسمونهم شيوخ الزار، وهؤلاء الناس هم أجهل ما يكون في الدين، لذلك تجدهم أي أغلبهم بهم مس من الجن، بل إن الجن يتوارثونهم وكأنهم عبيد عندهم، إذا فهذا الحفل النسائي لطرد الأسياد التي تتقمص الأشخاص، أو استرضائهم بتقديم الأضاحي والقرابين لهم، وأداء رقصات بإيقاع سريع على دقات الطبول والدفوف الصاخبة على اعتقاد بأن استحضار هذه الأسياد و بإفصاحها عن أسمائها تفقد قوتها. «فالزار» في المعتقد الشعبي أيضا وسيلة للشفاء من الأمراض النفسية والجسمية على حد سواء مثل«الاكتئاب – الصداع – أو ولادة أطفال مشوهين أو ميتين...  الخ»

وقد يستمر العلاج عدة أيام على هذه الصورة إلى أن يخرج الجني، فإن عصا عالجوه بالضرب بالعصا.

 (ومن معتقداتهم في هذا الصدد أن الجن قد يصيب الفتاة ويسكن جسدها من يوم مولدها، ويكتشف أمر هذا الجني إذا تزوجت الفتاة، فاذا أنجبت مولوداً حياً ثم مولوداً ميتاً، وهكذا، فإنهم يقولون إنها مصابة «بأم الصبيان» وهي جنية شريرة.كما يعتقدون بأن الفتاة التي تبقى عانسا لا تتزوج، تصاب أيضا بالزار، ويعالجونها بالإيحاء لها بالكلام عن مشكلتها)22.

   

أما من يقومون بطقوس الاستحضار والطرد والتي تسمى كما قلنا سابقا الكودية «الشيخة أوعريفة السكة»، هي في الغالب امراة سوداء ترث دور الوسيط بين الملبوسين والأسياد من أمها، فان لم يكن لها بنت تورثها إلى أحد «العرائس» وتتعامل الكودية مع كافة الأسياد وهذا ما يجعلها تحمل عددا كبيرا من التمائم بعدد الأسياد. بينما العروس تحمل قيمة «تميمة» واحدة فقط للسيد الذي يتلبس بها.. وتقيم الكودية  ثلاث انواع من حفلات الزار-

1ـحلقة الزار الأسبوعي

يقتصر الاحتفال فيه بإظهار الاحترام للسيد واسترضائه وحاضرات هذا وكان حضورهن حفلات الزار يمنحهن الشعور بالراحة واعتقادهن بعدم قدرتهن على الحياة بدون المشاركة في حفلات وحلقات الزار الأسبوعية هذه.

 2 ـ حلقة الزار الكبير

وهو الحفل الذي تمارس فيه طقوس كل عناصر الزار من «موسيقى، رقص، ملابس، تمائم، بخور، أغاني» ويستهدف منه شفاء المريضة بمعرفة الأسياد و محاولة إرضائهم وتقديم القرابين والأضاحي لهم.

 3ـ حلقة الزار الموسمي

وهو الحفل الذي يقام كل عام في شهر رجب تخصصه الكودية لكل الأسياد المعروفة لها.(تستعين الكودية بفرق تدق على أنواع من الدفوف والطبول وارتباط كل سيد من الأسياد بالإيقاع خاص به تحدده الفرقة التي تعزف الموسيقى المصاحبة لحفلة الزار. حيث أن لكل سيد من الأسياد جنسا وجنسية وأغان ملائمة وملابس خاصة به سوف نذكرها فيما بعد، فإذا كان عربيا لبست له المرأة لباسا عربيا وهكذا. ويوجد للزار الآن ثلاثة أنواع من الفرق تمثل كل منها حالة موسيقية وايقاعية وغنائية مستقلة، وقد كانت هناك فرقة رابعة ولكنها اندثرت وهي كانت تسمى «الرنجو»

أما الأنواع الثلاثة فهي  المصري أو الصعيدي

وهو غير مسموح للرجال بحضوره ويستخدم الدفوف والطبول وهو مكون من خمس نساء «ثلاث منهن على المزاهر – وواحدة على الطبل – والاخيرة تلعب بالصاجات»وهي تستخدم المقامات العربية في الموسيقى الخاصة بها.

أبو الغيط

هي فرقة تتكون كلها من الرجال وأداؤها مشتق من فنون المداحين أو الدراويش وهي مكونة من أربعة أشخاص «راقص يقوم بالرقص – اثنان منهم يعزفان على الصفارة أو المزمار – وآخر يقوم بالضرب على الرق» وهي تستخدم المقامات العربية أيضا في الموسيقى الخاصة بها.

السوداني او الطنبورة

تشترك فيه النساء مع الرجال وبها يقوم البعض بالضرب على الطنبورة وأغلبهم من أصل زنجي، وبها أيضا عازف«منجورة أو المنقورة»  واثنتان من عازفات الطبول و الدفوف)23.

والعنصر الأهم في حفل الزار هو القرابين، والأضاحي. فلكل سيد مطلب يطلبه من المريض محدد بل أدق تحديدا مثل «أنواع من التمائم – الملابس – الرقصات»، أما عن الزار في المجتمعات الذكورية يمكن اعتباره أرضا نسائية خصبة محررة يمرحن ويرقصن ويخلقن ناديهن الخاص بعيدا عن السيطرة الذكورية في الخارج.

«والعروس» في الغالب تعاني من مشاكل نفسية كما قلنا سابقا مثل «غياب الزوج في السجن أو السفر أو الموت – أو أن تكون العروس عانسا – أو تعرضت إلى أي ضغط كالاغتصاب مثلا» وغيرها الكثير من المشاكل، كالمشاكل النفسية مثلا أو أنها تعاني من بعض التصرفات غير الإرادية الخارجة عن نطاق الوعي فتعتقد أنها ملبوسة أو أن عندها نوع من الاكتئاب الذي لا يزول إلا بعد أن تخرج الكبت عن طريق إخراجها لكل طاقاتها في أداء الحركـــات والإيماءات في الزار وما معه من موسيقى صـاخبة مما يخرج الكبت من النفوس،،أو أنها تتوهم بأنها يركـبها عفريت، وفي هذه الحــالة نقول المقـولـة الشـهيرة «علاج الموهم بالوهم» ، أي أنها إذا كانت تتوهم بأنها ملبوسة وهي تعتقد أيضا أنها لن تشفى إلا بالزار فإن أداءها لحلقات الزار يجعلها تعتقد أنها شفيت - وبذلك فإنها تشفى.

تقسيمات الأسياد في الزار:

وقد قسم دارسو علم الانثربولوجيا الأسياد إلى الفئات التالية 

أرواح اقليمية.

أرواح طبيعية.

أرواح قبطية وإسلامية.

أرواح تدل على أصحاب مهن.

أضاف ليتمان فئة خامسة وهي الأرواح التي تسمى بأسماء الأشخاص. وفيما يلي شرح كل فئة منها وما تضمها من فئات فرعية

أ- المجموعة الإقليمية:

تضم عددا من المجموعات الفرعية

المجموعة السودانية: وفيها الطنبورة السودانية.

المجموعة الحبشية: وعلى رأسها سلطان الحبش وإخوانه وهوانم الحبشة والست الكبيرة أو حبوبة الحبوبات, وتعتبر جدة للأرواح الحبشية.

المجموعة الصعيدية: على رأسها الصعيدي «ابودنفا» ويعتقد أنه يظهر على ثلاث مراحل وله أخت تعرف باسم الست الصعيدية.

المجموعة العربية: على رأسها العربي ورفيقته العربية «عرب العربان».

المجموعة المغربية: على رأسها السلطان المغربي ويطابق المعتقد الشعبي بين السلطان المغربي وعبدالقادر الجيلاني.

ب ـ الأرواح الطبيعية:

وينتمي إليها مجموعة النار وعلى رأسها سلطان الجن الأحمر وأخواته.. وأسياد الماء أو أسياد البحر وعلى رأسها السلطان البحري وأخواته, وكذلك الأسياد المؤنثة التي تعرف باسم «الست سفينة» والمجموعة الجبلية وعلى رأسها السلطان الجبلاوي وأخته جندر ويعتقد كريس أن هذا الاسم مشتق من إسم جندر مدينة في الحبشة.

ج ـ المجموعة القبطية والإسلامية:

وعلى رأس هذه المجموعة السلطان النصراني أو سلطان الدير والسلطانة ماري والمجموعة الإسلامية فيبرز فيها إسم الدرويش وأسماء عدد من الأولياء المسلمين.. وأصحاب الطرق: أما عن الشخصيات النسائية الإسلامية فتذكر «أم الغلام» وقد دار جدل طويل حول تحديد السيدة المقصودة بهذا الاسم فطرح احتمال أن يكون المقصود بهذا الاسم القرينة أو أم الصبيان.

د ـ المجموعة المهنية:

      وعلى رأسها الأرواح ذات الأسماء العسكرية أو الحربية وينتمي إليها «الياوري بك» وأخته الست ركاش هانم وفي صورته الرفيعة باسم «سلطان اللواء» وفي صورته الوضيعة باسم العسكري والحكيمباشا.

 

الملابس المصاحبة للزار:

حيث أنه لكل سيد من الأسياد مطالبه التي يحددها نظير خروجه من جسد المريضة وهذه المطالب مختلفة منها الملابس والتمائم وغيرها، فالتمائم مثلا متنوعة في أشكالها ومضمونها وأحجامها، ولا يقتصر استخدامها في الزار، ومن أبرز التمائم هي (الخلخال، وله مواصفات خاصة فهو رفيع ينتهي برأس كروي دائري، وله شروط في المعتقد الشعبي يجب أن تتوفر ليكون له الفعالية المطلوبة والمرجوة منه، فمثلا يجب أن يكون مصنوعا من الحديد، وأن يشترى بمال قد قام أصـحابـه بشحذه من الناس، ويجب ان يكون مصنوعا عن حداد قد ورث مهنة الحدادة عن آبائه وأجداده إلى سابع جد، وتلبس الكودية مجموعة كبيرة من التمائم المصنوعة من القطع المعدنية التي تعلقها حول رأسها فوق منديل للرأس، وهناك عدا هذه المجموعة من التمائم والمعلقات المصنوعة من معادن أخرى أو من الصدف أو من البلاستيك وهي ذات أشكال وتنويعات وكتابات متباينة..  أما الملابس التي يطلبها الأسياد فتكون عند البعض دقيقة ومعقدة فالست السودانية مثلا تتطلب زيا كاملا متعدد العناصر, فتطلب من عروستها أن ترتدي «ملاءة سودانية» كبيرة مزينة مربعات سوداء وبيضاء وبكنار أحمر اللون عرضه حوالي 8سم, وتطلب طاقية مشغولة ومزركشة بالخرز والأصداف الدقيقة ذات الألوان المتعددة. وعقدا من الأصداف المثبتة في نسيج مشغول, وحزاما يبلغ عرضه نحو 12سم, وعقدا مشغولا بالخرز والصدف, وخلخالا وأساور, ويزيد على العقد سلاسل حول الرقبة تتعدد من حالة لأخرى, وتكون في العادة مثبتا فيها تميمة أو أكثر على هيئة كيس داخل في تكوين العقد وتحمل العروس علاوة على ذلك خنجرا ذا مقبض مصنوع من الخشب أو العظم والحراب الموضوع فيه مزين بالخرز الملون كذلك وتحمل أيضا عصا يبلغ طولها نحو 60 سنتميترا محاطة من جميع جوانبها بالخرز, وأحيانا ترتدي طربوشا مزينا بالقصب.  أما السلطان ذو الأصل البدوي فيطلب عباءة بيضاء محلاة برسوم ومنقوش على ظهرها جمل وراع وراء هذا الجمل وعلى الجانبين أهداب زرقاء اللون ذات نقوش دائرية الشكل وترتدي عروس هذا السلطان العربي أيضا كوفية حريرية بيضاء, مزركشة بزهور ذهبية اللون, ويرتدي فوقها عقالا عربيا, أما أخته الست العربية فتطلب «ملس» حريريا أبيض بأكمام طويلة منقوش على حوافه وعليه برقع تتدلى منه بعض العملات المعدنية المذهبة اللون بصورتها التقليدية المعروفة كما تتدلى فوق الملبس بعض قطع الخرز والصدف الزرقاء والبيضاء والحمراء علاوة على الحزام البدوي التقليدى24.

(أما «الست السفينة» فتبدو في مظهرها إمرأة في نصفها الأعلى وسمكة في الأسفل من جسدها, ولا تطلب لنفسها ملابس خاصة, ولكن حين الغناء لها لابد أن يكون هناك إناء كبير من النحاس, مملوء إلى نصفه بالماء, وتعوم فيه بعض الأسماك الحية لكي تلعب بها المريضة, وتغمس رأسها أيضا وتلعب بالأسماك أثناء الغناء)25.

ولا يمكننا هنا أن نعرض طلبات كل الأسياد في الملابس, الذين بدورهم لا يمكن إحصاؤهم ولكن يمكن القول إن هناك مجموعات داخل كل مجموعة يوجد سلطان أو سيد أكثر أهمية من غيره. ولا يمكن أن تصنف هذه الأسياد فهي لا تستند على أساس موحد, فإذا كان عربيا لبست له المرأه في الزار لباسا عربيا ورقصت رقصة عربية وغنت له الجوقة المصاحبة غناء بلهجة عربية وإذا حضر الجني هذا على لسان الست تكلم بلهجة عربية، وكذلك إذا كان مغربيا أو سودانيا أو حبشيا،والمعتقد الشعبي لم يضمها في أشكال ثابتة متسقة مع بعضها ولا يمكن لأي كودية أن تتصور وجود علاقة بين الأسياد ثابتة، كما أن هناك بعض الاعتقادات بالألوان مرتبطة بالاعتقادات الشعبية في الكواكب وتأثيرها على حياة الانسان كما ذكرنا من قبل مثل (الاعتقاد في المريخ وأن ألوانه في الثياب هي الأحمر والأصفر، أما كوكب الزهرة فألوانه في الثياب تكون هي الأخضر والأبيض، إضافة إلى الاعتقاد في الأيام الخاصة بهذه الكواكب والتي قسمت كالتالي

كوكب زحل              يوم السبت

نجم الشمس               يوم الاحد

كوكب القمر                 يوم الإثنين

كوكب المريخ              يوم الثلاثاء

كوكب الزهرة              يوم الجمعة

ويتم في الزار طقس آخر غريب وهو تبادل الملابس لإعطاء تأثير سحري، فحين يتبادل الرجال ملابس النساء والعكس فإنهم يقصدون بذلك مخادعة الروح الشريرة، كما أن تبادل الملابس في اعتقادهم يستخدم أيضا في مقاومة السحر ورده)26.

كلمات الأغاني المصاحبة للزار-

والآن سنعرض العديد من الأغاني وكلمات الزار التي تقال أو تغنى في حلقات الزار الحقيقية وأيضا التي تقال في بعض العروض المستوحاة من الزار سواء كان ذلك في أفلام سينمائية أو عروض مسرحية أو عروض حية لفرق قد عملت في الزار الحقيقي فعلا وتقوم بعروض عنه مثل ما قدم  في المركز الثقافي المصري «مكان» في القاهرة بجوار ضريح سعد زغلول.

طنوش

طنوش قالك طناش وما تعصلجلناش

تعملى فيها عنتر دة شىء ما يخصناش

بس البعيد هيتعب وهتبقى حالتة اصعب

خليك من حسب اشعب طنش تاكل بلاش

تنح قفاق وفقم وازرع وشك قوالح

ماطحتش المصالح ما بين خاصم وصالح

دة مافيش خصومة دايمة تفضل ع الوش عايمة

و لا القيامة قايمة الا فى لحظة طناش

غفير وخلتة داية لو مسكوة عصايا

ولبسوة عبايةوحطوة ع المرايا

هيشوف اتخن امير ملعون ابو الفقير

وتسأل ع الاصول يقول ما شفتهاش

يا بنت ماما يا أم الغلام

يامُ الغلام والعفو منك

يامُ الغلام واشفي عّيانك

يامُ الغلام والطبل طبلك

يامُ الغلام والدبح دبحك

يام الغلام والكل عندك

يام الغلام والليلة ليلتك

الآلات الموسيقية المصاحبة للزار:

وهذه الآلات الأكثر شيوعا في الاستخدام داخل حلقات الزار أو العروض التي تقوم لتجسيد هذه الظاهرة أو الحفلات التي يقوم بها الدجالون أنفسهم منها على سبيل المثال (الصاجات) و(الطنبورة) و(المنقور) «المنقورة هي حزام به الكثير من قرون الماعز وأظفارها، يلبسه الرجل على وسطه، ويهزه في إيقاع صوته مزيج بين هدير أمواج البحر وخبط الأغصان المعلقة التي يحركها الهواء. بإمكان لاعبه المتمرس إصدار درجتين من الأصوات–ما تقابلان نقرة شديدة أو عادية على الطبول». وفيما يلي استعراض لبعض أهم الآلات المصاحبة لحفلات الزار مع اسم كل منها ووصف له

الرحماني

وهو عبارة عن نوع من الطبول شكله دائري يدق عليه من الناحيتين، ومشدود عليه من كل ناحية نوع من جلود الإبل كجلد الماعز مثلا، وهذا الجلد مشدود بالحبال بطريقة مميزة تعطي شكلا جميلا حولها وهو قصير يتراوح طوله ما بين 25 الى 35 سم.

الرحماني الطويل

وهو يشبه الرحماني العادي ولكنه أطول منه  فهو يتراوح طوله ما بين 55 إلى 65 سم تقريبا، ويضرب عليه من الناحيتين أيضا.

الرنة          

وهو في نفس طول الرحماني الكبير ولكنه مخروطي الشكل، أي أنه ذو دائرة واسعة من الأعلى تضيق نزولا الى أسفل، ويدق عليه من جهة واحدة فقط هي الجهة الكبيرة وصوته يكون أعلى من الرحماني الطويل.

 

الكاسر

وهو عبارة عن نوعين من الطبلة أحدهما رفيع و قصير والآخر أسمك منه وأطول قليلا يصدران نوعين من الأصوات المختلفة لهما نفس الشكل تقريبا مع اختلاف ربطة الحبال، ويوضعان بجوار بعضهما البعض كأنهما آلة واحدة فقط ويعزف عليها عازف واحد فقط.

الكاسر القصير

هو طبلة واحدة فقط ولكنها قصيرة وهي تشبه إلى حد كبير الرحماني ولكنها أعرض منها ولها طريقة مختلفة في ربطة الجلود عليها مما يجعل صوتها مختلفا.

الكاسر المفلطح

وهو نوع من طبول الكاسر ولكنه مفلطح الشكل قصير جدا لا يتعدى طوله 15 سم ولكنه عريض ويتم الضرب عليه بواسطة عصى وصوته ليس مرتفعا جدا بل هو معقول.

 

الدهلة والمزاهر

والدهلة هي االرق الدائري الشكل والمفرغ من داخله ولا يحتوي على الصاجات حوله أو مكان يمسك منه.أما المزاهر فهي عكس الدهلة فهي أيضا دائرية الشكل ولكنها أعرض من الدهلة ومفرغة أيضا من الوسط ولكنها تحتوي على صاجات كثيرة تلفها دائريا عبارة عن  صاجتين فوق بعضهما كما أن لها مكانا معينا تمسك منه وهو مجوف داخل المحيط الدائري لها.

ومن كل ما سبق نخلص إلى أن طقوس الزار تدفع المريضة للمشاركة في تجربة جسمانية تعبيرية رمزية غير واعية، ترافقها بخيال نشط يتجسد في التقمص لشخوص الزار والتعامل معهم من خلال إرضائها بالحركة الراقصة والانفعال والتفاعل من خلال حركة صادرة عن دوافع داخلية،. كما أن الممارسة الاحتفالية في طقوس الزار يمكن وصفها بحلم يقظة فيه هجرة من العالم الخارجي إلى عوالم داخلية تتميز بالترابط الصوري والعاطفي.

ونجمل ذلك فى النقاط التالية-

1- تؤسس الممارسة الطقوسية على دعامة ذات طابع اعتقادي وخرافي، وترتبط بخلفيات ثقافية واجتماعية؛ وتؤمن الأيدولوجيا المرتبطة بالممارسة للمريض النفسي، خطة عمل تدفعه للتخلص من الصراعات الداخلية لاستعادة توازنه الاجتماعي؛ كما أن الأجواء الطقوسية للزار تشتمل على نوع من التحييد للقيود الاجتماعية.  تعاني غالبية الممارسات للزار عموماً من أعراض شبيهة بالتفاعلات العصابية: هستيرية، واضطرابات نفسية، وقلق.

2- تدعم تلك الدراسات والأبحاث فرضية أن طقوس الزار تمثل شكلاً من أشكال العلاج الجماعي الذى يتم فيه المزج بين أساليب مختلفة مثل الغناء، والطبول، والإيقاع، والرقص، كما أنه يحتوى على تعبيرات فنية يستخدمها مثل الملابس الشعبية ووسائل مسرحية تقليدية كما أن حفل الزار يحوي بداخله عنصرا هاما من عناصر الدراما الشعبية. فنجد أن الطقس يحتوى بداخله على ممارسات (ممثلين) ومشاهدين، والشيخة هي التي تؤدي دور المخرج المسرحى الذي ينظم كافة خطوات الحفل.ويتم في هذه الطقوس استخدام الكثير من العناصر المسرحية مثل الجمهور، عنصر الخيال، والتمثيل بحركات جسدية، وبها أيضاً حبكة مسرحية. والحركات فى هذه الطقوس تتميز بالإيهام والطابع الرمزي، وفيها كثير من الارتجال. فالحفل الطقوسي يمكن عده حدثا مسرحيا تتلاقى فيه جماعات عرقية مختلفة للتخفيف من حدة التوتر، وتتألف بنيته من تعبير سلوكى صريح، ومكشوف من خلال تقمص شخوص فى الحركة والأداء واللبس والزينة.

3- السياق الرمزي الذي تمارس فيه هذه الطقوس له أهمية واضحة ويرتبط بالتكوين النفسي للممارسات، وفيه تتجسد فكرة اجتياز العتبة الفاصلة بين المرض والعافية والصحة كما أن الطقوس تعكس رمزية التفرقة بين الجنسين وعدم استقرار الحياة الزوجية لذا يتم فيها استخدام كل أشكال الانفعالات، وتحمل رموزا ومعلومات عن المجتمع وعلاقات أعضائه وقيمهم وعاداتهم، إلى جانب الكثير من الدلالات الرمزية الدينية أو الغير دينية، وتحتوي على رمزية الصراع والتنافس مابين الخير والشر.

4- لقد أظهرت الدراسات بالعلاج بالحركة والرقص وجود الكثير من الإيجابيات بالنسبة لعلاج مرض الاكتئاب، والسلبية، لأنها تكسب الجسم حيوية واسترخاء، وتتميز بالتلقائية والحرية في الحركة والممارسة، وفيها خيال نشط وحركات نابعة من أعماق اللاوعي بدون ترتيب ويمكن عدها حركات تفريغية لأنها أشد تماسكاً، وتبرز القلق والتوتر وذلك لاقترانها بتصورات، ويعكس العلاج بالحركة والرقص تجربة غير مدركة بالعقل.

الجمع الميداني:

وقد قمت بزيارة المركز المصري للثقافة والفنون والذي يسمى (مكان) الموجود في 1 شارع سعد زغلول، الدواوين 11461، القاهرة. وهو مكان تقام فيه عروض مستوحاة من الزار المصري كل إربعاء من كل أسبوع، والمسؤول عنه هو الأستاذ أحمد المغربي أحد العاملين بالمكتب الثقافي المصري بباريس سابقا.    

هو عبارة عن مبنى صغير مكون من طابقين والعرض يقام في الطابق الارضي من المبنى، عند الدخول أول شيء نلاحظه هو الإضاءة الخافتة جدا داخل المكان وعند دخولنا يستقبلنا أحد الموجودين والجالس على مكتب صغير في الغرفة الأولى غرفة الدخول ونلاحظ كمية الصور الكثيرة المعلقة على حائط هذه الغرفة ومكتوب تحت كل صورة اسم صاحبها وماذا كان يعمل ومعظمهم إما يعمل كأحد العازفين في فرق الزار الحقيقية أو بإنشاد الأغاني والمواويل الشعبية، ثم بعد ذلك ندخل الغرفة الثانية وهي الغرفة التي يقام فيها عرض حلقة الزار، ونلاحظ هنا أيضا الضوء الخافت الذي يصعب فيه التصوير أو الرؤية بوضوح كما أن ديكورات المكان توحي بأنه يشبه المنزل المصري الريفي القديم فالجلوس في هذه الغرفة يكون على كراسي خشب قصير الى حد ما وبدون ظهر لها كما يوجد على الأرض مجموعة من (الوسادات) أي بعض أكياس القماش المحشوة بالقطن كما في البيت المصري القديم تماما ومفروش على الأرض مجموعة من السجاد الأحمر، كما أن العرض لم يتم على خشبة مسرح بل على الأرض في نفس مستوى أرض الغرفة التي نجلس فيها، فالغرفة ليست كبيرة ولكنها صغيرة المساحة، في واجهة الباب تماما توجد العديد من الآلات الخاصة بالعزف لموسيقى الزار منها (الطنبورة – والدف – والمزاهر – والرحماني بأنواعه – والكاسر)، و بدأت الفرقة والتي تسمى (مزاهر) بالدخول إلى المكان الذي نجلس فيه استعدادا لتقديم العرض، فلاحظت أن ملابسهم أيضا بسيطة فهي متمثلة في الجلباب للرجال والعباءات للنساء مع بعض الاكسسوارات والحلي الذهبي الذي تضعه النساء، كما لاحظت  أن كثيرا من الموجودين يسلمون عليهم ويرحبون بهم كأنهم يعرفونهم، وعرفت بعد ذلك ان هذه المجموعة دائمة الحضور لهذا العرض بل ويندمجون مع الفرقة ويرقصون ويغنون على الموسيقى الخاصة بهم. مما جعلني متشوقا لرؤية العرض، حيث أنها كانت أول مرة لي في حضور عرض مماثل، كما أن ما رأيته أثار في  الفضول والشوق لرؤية ما سوف يعرض.

وأخيرا بدأ العرض حيث بدأت الأضواء تنخفض حتى أصبحت الغرفة شبه مظلمة ولا يوجد سوى مجموعة مصابيح قليلة الإضاءة أيضا موجهة على المكان الذي تتواجد فيه الفرقة لتأدية العرض، وفي البداية قامت (الكودية) والتي تسمى (أم سامح) بوضع بعض البخور في مبخرة صغيرة وقامت بالذهاب إلى كل واحد من الجالسين لكي يتبخر بهذا البخور حتى وصلت إلي وكنت أرى كل واحد من الجالسين يسحب بعض الدخان المتصاعد من المبخرة آلية بكف يده ففعلت مثلما رأيت تماما، وقد كانت تقول بعض الكلمات أثناء سيرها بالبخور مثل (بيت الزار بيت مرمر واتباعة بيت يوسف واتباعة، امينة هانم روكش هانم...... الخ) وغير ذلك من الكلام الذي لم أستطع فهم معناه تماما، ثم بدأت الفرقة في عزف الموسيقى ولكنها في البداية لم تكن صاخبة بل كانت شبه متوسطة مصاحبة للكلمات التي كان يغنيها أحد أعضاء الفرقة والذي كان يمسك في يده زوجين من الصاجات ويلعب بهما باحتراف واضح ويقف بجواره أحد العازفين الذي كان يعزف على المزمار، وفي اثناء غنائه

 

(يا عاشقين النبي – يا عاشقين النبي على النبي صلوا – انا بمدح نبي زين عدد ما في  الحرم صلوا – القول على رجال يا نبي لا صاموا ولا صلوا) إلى آخره من كلمات هذا الموال، كما كانت هناك بعض الكلمات التي كانت ترددها وراءه الفرقة (وكأنها جوقة في المسرح اليوناني القديم)، وهذه الكلمات مثل (اللهم صلي عليك يا نبي الله)، ثم بدأت الموسيقى تعلو لدرجة أنني لم أستطع سماع ما يقال من كلمات، ثم قامت إحدى السيدات من أعضاء الفرقة وهي تحمل الصاجات أيضا في يديها وتلعب بهما وتتمايل مع الموسيقى وتغني معهم، ثم بدأت الفرقة كلها تغني معا في وقت واحد، ثم بدأت الموسيقى تعلو وتعلو وتتسارع وأخذت السيدة التي كانت تؤدي دور المريضة بالتسارع في حركاتها والرقص بشدة والتمايل بشدة ثم تحركت نحونا ونحن جالسين وبدأت بالدوران حول نفسها في خفة لم أر مثلها على الرغم أنها من ذوات الوزن الثقيل، وبدأت نغمة الفرقة كلها تتوحد على نغمة واحدة متسارعة لدرجة كبيرة وصاخبة لأعلى درجة ممكنة وهي كالتالي (دوم تك تك دوم تك تك) ثم أخذت في التسارع والتسارع والعلو في الصوت وفجاة سكتت كل الفرقة ما عدا الدوف في ثلاث ضربات (تك تك تك)، وهنا تتوقف الفرقة كلها ولا أسمع سوى تصفيق الموجودين دلالة على أن العرض انتهى وبعد انتهاء الاستراحة، بدأ عرض جديد يشبه تماما ما حدث في العرض السابق مع اختلاف طفيف في الموسيقى المصاحبة للكلمات، ولكن الكلمات كانت مختلفة تماما عن العرض السابق، كما أن من قام بالغناء هذه المرة هي قائدة الفرقة او (الكودية) (أم سامح)، حيث أنها قامت بالغناء والرقص بنفسها وفي نهاية العرض تقريبا قامت بالضرب على الدف بنفس النغمات السابقة في العرض الأول، ولم تختلف أم سامح عن سابقتها التي قامت بالرقص، فهي رشيقة أيضا بل وأكثر اختلاطا بالجمهور، حيث أنه في هذا العرض وبعد دقائق من بدايته، قامت أم سامح بالاندماج مع الجمهور الموجود داخل الغرفة واختلطت بهم، وبدأت تشد بعض النساء والرجال من الجالسين ليقوموا إلى داخل الحلقة (حلقة الزار) ويرقصون على نغماتها وهي تغني، وفعلا اندمج معها معظم الموجودين وقاموا بالرقص والتمايل مع نغمات الفرقة كأنهم في حلقة زار حقيقي.

وهنا أتيحت لي الفرصة لكي أرى شيئا أقرب إلى الحقيقة حيث الفرقة والغناء والموسيقى الصاخبة والتفاف الراقصين حول المؤدية (أم سامح)، رقص كل الموجودين والتمايل مع الموسيقى لدرجة الاندماج، حتى أنه أثناء العرض وجدت أحد الموجودين عندما شدته أم سامح ليرقص معهم في الحلقة رأيته يرقص وقد أغمض عينيه. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الاندماج مع الموسيقى وكأن لاأحد حوله.

وهكذا انتهى العرض الثاني لهذا الزار وكانت هناك عروض أخرى أيضا لا تختلف كثيرا عن العرض الأول والثاني إلا في الكلمات أو المؤدين، وبعد ذلك استطعت أن أندمج مع هذا الجو الجديد والغريب بالنسبة لي وبدأت أدقق في الكلمات التي تقولها أم سامح أثناء غنائها فسمعت في أحد أغانيها (الحكيم باشا) (الهنادوة) وقمت بسؤالها وسوف ياتي ذكر ذلك فيما بعد. وأخيرا انتهت كل العروض في تمام الساعة الحادية والنصف تقريبا، وذلك بسبب أن الموجودين طلبوا من أم سامح أن تسمعهم شيئا إضافيا بعد انتهائها من كل العروض التي كانت تحضرها مسبقا، ولم تستطع أم سامح الرفض أمام إصرار الموجودين وتصفيقهم لها بشدة وذلك لإعجابهم بما قامت بتقديمه في هذه الليلة.

 

الهوامش

1 جلين د. ويلسون،2000، سيكولوجية  فنون  الأداء، ترجمة شاكر عبدالحميد، مراجعة  محمد عنانى، سلسلة عالم المعرفة، عدد 258 يونيو2000.
2 Encyclopedia Americana 1966, International Edition, vol.26: American Corporation.p162-163
3 Maria Leach and Jerome Fried (eds.) 1994, Standard Dictionary of Folklore, Mythology and Legends, New York: Funke Wagnall>s Company.
4 ألكسندر كراب،1967، علم الفولكلور، ترجمة رشدي صالح، دار الكاتب العربي، القاهرة.ص 464-465
5 اللارية والكراشية والبستكية:- إنها بعض اللغات القديمة التي كانت مستخدمة بين قبائل الحبشة.
6 معجم الالفاظ الكويتية – مبحث كلمة (زار).
7 عبد الرحمن اسماعيل – دراسة – نقلا عن (سامي حرك – الزار وبقايا طقوس الديانة المصرية –الطبعة الاولى- مطابع     روزليوسف للنشر والتوزيع)
8 الكوشيين:- احد القبائل الموجوده في اثيوبيا.
9 اللغة الامهرية:- احد اللغات المتداولة بين قبائل الحبشة ايضا.
10 الموسوعة الاسلامية – دائرة المعارف الا سلامية – مجلد 10/329.
11 محمد الجوهري – كتاب علم الفلكلور- 1980م – دار المعارف- القاهرة.
12 /امال النور حامد – الرمزية من منظور التحليل النفسي – رسالة ماجستير- 1998م – كلية العلوم الاجتماعية- جامعة الفاتح – طرابلس
13 محمد سيد محمود – في تعريف الزار- موسوعة كنانة – موقع كنانة الرابط التالي www.kenanah.com.
14 (كودية الزار):- المرأة المسؤولة عن عمل فرقة الزار وطقوسه المختلفة في مصر.
15 مقالة الزار عند القدماء المصرين – موسوعة كنانة – موقع كنانة الرابط التالي www.kenanah.com .
16 صفوت كمال،1979، «الرمز والأسطورة والشعائر في المجتمعات البدائية»، عالم الفكر، المجلد 9 العدد 4 يناير/فبراير/مارس، الكويت، ص. 181-185.
17 Lois Ellfeldt and Eleanor Mctheny, 1958, ‘Movement and Learning: Development of a general theory’, Research Quarterly 29 October.p 246
18 عبد الحميد يونس،1972، «الفولكلور والميثولوجيا»، مجلة عالم الفكر، مجلد ثالث، العدد الأول أبريل/ مايو/ يونيو، الكويت.
19  قاموس التربية الخاصة - http://www.bdss.org/dic.htm
20 Bernstein P.L. 1986, Theoretical approaches in Dance-Movement Therapy, vol.I, Dubuque,IA Kendall/Hunt.
21  قاموس التربية الخاصة - http://www.4uarab.com    
22 آمال النور حامد -1997 - الإعياء والانفعالات المصاحبة له في طقوس الزار وعلاقتهما بالترويح النفسي - رسالة ماجستير -  كلية العلوم الاجتماعية - جامعة الفاتح - طرابلس.
23 عبد الحميد يونس،1972، «الفولكلور والميثولوجيا»، مجلة عالم الفكر، مجلد ثالث، العدد الأول أبريل/ مايو/ يونيو، الكويت.
24 (الكودية): معناها في اللغة العربية التسول – وهي المسؤولة عن فرقة الزار وما يقومون به.
25 ساحة الحوار والفكر – باب العلوم والثقافة العامة – موقع رمال نت الرابط التالي www.ramal.net.
26 العين):- وهي تعني تلبس الجني للانسي بدون سبب معين.
 اللارية والكراشية والبستكية :  إنها بعض اللغات القديمة التي كانت مستخدمة بين قبائل الحبشة .
 الكوشيين :  احد القبائل الموجوده في اثيوبيا .
 اللغة الامهرية :  احد اللغات المتداولة بين قبائل الحبشة ايضا .
  (كودية الزار): المرأة المسؤولة عن عمل فرقة الزار وطقوسه المختلفة في مصر .
 (الكودية): معناها في اللغة العربية التسول – وهي المسؤولة عن فرقة الزار وما يقومون به .
 (العين) : وهي تعني تلبس الجني للانسي بدون سبب معين .
 (العبادات البابلية القديمة): وهي عبادات تقام في أيام معينة لعبادة الكواكب وتلبس لكل يوم نوع من الملابس بألوان معينة .
 (العرائس): هم المساعدات الذين يساعدن الكودية في عملها وتحضيراتها لحفلات الزار .
  (منجورة او المنقورة ): الة موسيقية مصاحبة لحفلات الزار – وهي عبارة عن حزام يلبسه الرجل على وسطه وهو به الكثير من قرون الماعز وأظافرها – ويهزه في إيقاع صوته عبارة عن مزيج بين هدير امواج البحر وخبط الأغصان المعلقة التي يحركها الهواء- فبمكان لاعبه المتمرس إصدار درجتين من الأصوات .
 (العروس) : هي كما قلنا من قبل احد مساعدات الكودية في فرقة الزار – ولكنها تعني هنا المريضة التي يقام لها حفلات الزار لعلاجها .

أعداد المجلة