فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
14

تصور الروح في المعتقد الشعبي في مجتمع البحرين (قرية بوري) نموذجا

العدد 14 - عادات وتقاليد
تصور الروح في المعتقد الشعبي في مجتمع البحرين (قرية بوري) نموذجا
كاتبة من البحرين

إن لكل حضارة إنسانية دينا يؤمن به أفرادها وهذا الدين يقوم على معتقدات وعادات وطقوس متعددة يلتزم بها أفراده وفق قوانين وضوابط يحددها الأفراد أنفسهم.

 

 فالدين الإسلامي هو  الدين الذي يلتزم به غالبية أفراد المجتمع البحريني بتنوع عاداته وتقاليده وتصوراته  وعلى اختلاف المذاهب الموجودة في المجتمع.ومن أهم التصورات السائدة فيه هي تصور الروح.

وسنحاول في هذا البحث فك الرموز المرتبطة بهذه الثقافة وتحليل كل ما يتعلق بها من معتقدات وأفكار مرتبطة بالتصور الديني الشعبي لمفهوم الروح.

وسنحاول في هذا البحث فك الرموز المرتبطة بهذه الثقافة وتحليل كل ما يتعلق بها من معتقدات وأفكار مرتبطة بالتصور الديني الشعبي لمفهوم الروح.

ولعل من أهم الأسس التحليلية التي سيدور حولها هذا البحث هي الشخص والمجتمع والكون في حدود من التصورات الكونية والشخصية والاجتماعية التي تؤخذ في عام المنظور واللامنظور من خلال تصور ديني.

 يلعب الدين الإسلامي دورا بارزا في المجتمع البحريني منذ بزوغه حتى عصرنا هذا.

كما أنه يعتبر جوهر أي مجتمع إسلامي، فهو مرتبط بالجوانب النفسية والاجتماعية والكونية.إن الدين الإسلامي هو أساس المعاملات في المجتمع البحريني سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

غايتنا:

يسعى هذا البحث إلى الكشف عن رؤية ثقافية وتصورية احتواها المجتمع البحريني ألا وهي تصور الروح.

و لا يمكن تجاهل دور تراث البحرين الشعبي في الربط ما بين ثقافة  الروح التي تنحصر في الإطار الاعتقادي الاجتماعي وبين دورة حياة الإنسان وخاصة الموت.

ويطرح هذا البحث عدة تساؤلات  من أهمها:

ما معنى الروح؟

ما مدى ارتباط مفهوم الروح بالكون والمجتمع والفرد في البحرين ؟

كيف تجسدت ثقافة الروح في المجتمع البحريني؟

ما العلاقة بين العالم الواقعي والعالم الكوني الآخر من منظور هذه الثقافة ؟

كما أن لهذا البحث عدة أهداف تتلخص في:

التعرف على الدلالات الاجتماعية والمبادىء الدينية والثقافية من خلال تصورات أفراد المجتمع البحريني الكونية والاجتماعية والشخصية.

التعرف على المعتقدات المتعلقة بالروح.

الوقوف على المجالات الغيبية غير المنظورة في المعتقدات الشعبية للمجتمع البحريني.

وتتمثل أهمية هذا العمل في:

1-عدم توفرالمراجع العربية وخصوصاً الانثروبولوجية منها المهتمة بموضوع الروح وتأثيره على المجتمع وخاصة المتعلقة بالمجتمع البحريني  

2-الأخذ بالاعتبار أن هذه الدراسة جديدة في منطقة البحث ولم يتطرق لها مسبقا وقد يكون وقع تناولها في مجتمعات أخرى إلا أنها لم تتناول في منطقة البحث.

3-تقوم الدراسة على فهم مدى تأثير ثقافة الروح سواء كانت مادية أو معنوية في المجتمع البحريني.

4-توضح هذه الدراسة أنواعا من الممارسات الاعتقادية التي تعبر عن مفهوم الروح التي يقوم بها أفراد منطقة البحث.

5-هدف معرفي يتعلق بتوفير معلومات وبيانات عن مدى تعلق المجتمع البحريني بهذه الثقافة ومدى تأثيرها في حياة أفراده الشعبية اليومية.

مفهوم الروح

قال ابن القيم: «الصحيح أن الروح جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس».

وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان المياه في الورد، والدهن في الزيتون والنار في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي هذا الجسم اللطيف متشابكاً بهذه الأعضاء وأفادتها هذه الآثار من الحسن والحركة والإرادة. وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح». فالروح مشتقة من الريح.

أما لفظة الروح جاءت في القرآن الكريم بعدة معان فقد جاءت بمعنى تدل فيه على الأمر الخفي اللطيف كالوحي، مثل قوله عز وجل: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده). أما لفظة الروح التي يراد بها ذلك السر الغامض الذي تقوم به حياة الأجسام، فقد ذكرها الله تعالى في كتابه الحكيم وقال: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). وفي آيات كريمة عديدة من كتاب الله العزيز، ورد لفظ الروح بمعنى بعث الحياة وبثها،  من ذلك ما قاله الله تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي قعدوا له ساجدين). وكذلك وردت لفظة الروح بمعنى بث الحياة في الجنين، وذلك في قوله تبارك وتعالى في الآيات الكريمة: (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين   ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين،  ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون). ويفهم من هذه الآية الكريمة أن الحياة لا تبعث في أي جنين إلا بوساطة الله سبحانه وتعالى، فإيجاد الروح في أي كائن حي أمر لا يقدر عليه إلا الله.

مصطلحات اعتقادية أساسية في هذا البحث:

عالم الأرواح:

خلق الله تعالى أرواح البشر حرة طليقة بعدد أبناء آدم إلى يوم القيامة وكانت مدته ألفي عام، وهو العالم الأول.

عالم الذر (الميثاق):

بعد خلق الأرواح بألفي عام خلقت لها أبدان صغيرة مثل ذرات متناهية في الصغر ولكنها بشكل أبدان الدنيا ثم وضعت الأرواح في الأبدان وسمي بعالم الميثاق.

عالم البرزخ:

كلمة أصلها فارسي وكان يستعملها العرب للتعبير عن مكان بين مكانين وقد استعملها القرآن الكريم عن مرحلة أو حياة بين حياتين، وفي ذلك يقول تعالى: (ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون) فالبرزخ مرحلة بين الموت ويوم تقوم الساعة.

والعلم الحديث يتفق مع القرآن في وجود البرزخ ولكنه يطلق عليه اسم (العالم الأثيري) وتصفه كتب العلم الحديث بأنه عبارة عن الفراغ الموجود بين الأرض وجميع السماوات المحيطة بنا... بما فيها  الشمس والكواكب السيارة وبعد الاكتشافات المبهرة في عالم الذرة أضيف إليه الفراغ الموجود في داخل جميع الأجسام الصلبة وداخل الذرة نفسها... أي: بين البروتون والالكترون، فالأرواح تعيش حرة طليقة في هذه الفراغات الهائلة لا يمنعها أي حاجز عادي وتستطيع أن تنفذ من داخل فراغات الذرة ولو كانت حائطاً من الصلب.

النفس:

مدلول كلمة النفس في كتاب الله العزيز ينصرف إلى عدة معان  فكلمة النفس في بعض الآيات القرآنية الكريمة لها مدلولها المادي أو الجسدي لأنها تعني الإنسان ككائن حي. وفي آيات أخرى تدل على طوية الإنسان وجوهره النفسي. ووردت النفس ايضا للدلالة على عين أمر ما وتأكيده حتى الذات الإلهية.

ويمكن القول بأن النفس كلمة تطلق ويراد منها أمور:

1- الدم: كما ورد في الحديث:  «ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه».

2- الجسد والعين: فيقال أصابت فلان نفس أي عين. وصحح ابن القيم هذا الرأي فقال هنا هي الروح وليست العين لأن نسبة الإصابة الى العين فيه توسع لأنها تكون بواسطة النظر. والذي أصابه إنما هو نفس العائن.

3- الذات: كما ورد في قوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) وقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم).

الحيــــــاة:

هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن يعلم ويقدر. وقال القاشاني بأن «الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية ولو اضطرارية كالتنفس».

المــــــــوت

هو فقد للحياة ولآثارها من الشعور والإرادة بما من شأنه أن يتصف بها.

وقد اعتمدت في هذا العمل على المقابلة الجماعية بين مجموعة من الإخباريات والإخباريين  حيث قمت بالتحدث معهم ومناقشتهم جميعاً مما جعلهم يتبادلون الخبرات والآراء وذكر التفاصيل التي قد تغيب عن أذهان البعض منهم. وقد اعتمدت كثيراعلى ذوي الخبرة في المجال الانثروبولوجي وعلى الاستنارة ببعض آراء أساتذة جامعة البحرين.

 تصور الروح في بعض الدراسات السابقة:

أشار الدكتور السيد الأسود في دراسته عن الروح في المجتمع المصري في كتابه «الدين والتصور الشعبي للكون»  إلى أن الروح تشيرإلى ثلاثة معان الأول يعني كيانا غيبيا والثاني يشير إلى الجوانب النفسية للشخص والثالث يربط الروح بالجوانب الاجتماعية والأخلاقية للشخص. وذكر بأن الروح تكشف عن نفسها في مجالات متعددة من الحياة مثل الأحلام وحركات البدن والكرامات والتأثير الغامض لأحداث بعينها، وذكر أيضا أن الروح تمر بتغيرات عميقة لكنها لا تفقد خصائصها المقدسة والمتسامية فهي تعيش في صورة جسدية في هذه الحياة وفي صورة غير جسدية في الآخرة وإن كانت تختلف في جوانب هامة عن صورتها الجسدية في الحياة الدنيا.

وأوضح أن العلاقة بين الروح والنفس علاقة معقدة جدا وتتطلب اهتماما خاصا وفي سياقات معينة يشار إلى الروح على أنها نفس مما يسبب خلطا وغموضا بين الأفراد، إن النفس تعني الأنا والذات والروح بقدر ما هي مرتبطة بالجسد ولذا فإن الروح والنفس تصوران يشيران إلى خاصية مشتركة مرتبطة بالريح والهواء. إننا عند مواجهة محنة الموت نسمع العبارة المألوفة أنفاسا معدودة في أماكن محدودة ويقال إن كل نفس يأخذه الفرد ينقص من عمره.

أما  ابن القيم فقد تطرق  في كتابه  «الروح»  إلى عدة مسائل يبحث فيها عن الكلام في أرواح الأموات والأحياء، فكانت المسألة الأولى هي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟فتوصل إلى أن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ويرد السلام عليه، كما ذكر في حديث عن ابن عبد البر ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:  «ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا ويسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد السلام». وثبت عن الرسول (ص) أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه.

أما في المسالة الثانية فكان سؤالها هو هل تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أرواح الموتى أم لا؟فتوصل إلى أن هناك نوعين من الأرواح إحداهما معذبة والأخرى منعمة، فالروح المعذبة  تتلاقى وتتزاور وتتذاكر مثل أرواح الشهداء.

وهل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا؟فكان هو تساؤل المسألة الثالثة في كتابه، فذكر أن شواهد هذه المسألة وأدلتها أكثر من أن يحصيها إلا الله تعالى والحس والواقع من أعدل الشهود بها فتلتقي أرواح الأحياء والأموات كما تلتقي أرواح الأحياء. وذكر أيضا أن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى و أن الحي يرى الميت في منامه ويخبره بما سيحدث له في المستقبل.

والمسالة الرابعة هي هل الروح تموت أم  أن الموت للبدن فقط؟ فكان الجواب هو أن  هناك من يرى أن الروح تموت وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت، وآخرون قالوا بأن الملائكة تموت فالنفوس البشرية هي أولى بالموت، وآخرون قالوا بأن الروح لا تموت وخلقت للبقاء ولكن الأبدان هي التي تموت.

وخامس المسائل هي كيف تتميز الأرواح بعد مفارقتها للأبدان؟فتوصل إلى أن للروح صورتين صورة طيبة وصورة خبيثة، فالصورة الطيبة تتخذ من البدن الطيب والصورة الخبيثة تتخذ من البدن الخبيث.

أما أ.د أحمد شوقي ابراهيم في كتابه  «الروح والنفس والعقل والقرين»  فقد تطرق لدراسة الروح والنفس والعقل وهي كلها ملكات غيبية والحديث فيها شائك لأنها حقائق لا تخضع لأي علم تجريبي وليس لها من مصدر للعلم بها إلا وحي خالق الإنسان، في القرآن والحديث النبوي، فأي دراسة عن ملكات الإنسان التي هي من الغيبيات لا اجتهاد فيها حسب رأيه إلا إذا استند ذلك الاجتهاد في الرأي إلى آية قرآنية أو حديث نبوي صحيح.

ولقد حاول الفلاسفة القدامى حسب رأيه الاجتهاد في تناولهم لهذه الأمور  فلم يتفق واحد منهم مع الآخر ولم يخرج أي دارس من كلامهم بشيء ولقد اعتمدوا على الاجتهاد في الرأي اجتهادا يعتمد على الظن، ولا اجتهاد ولا ظن في الحديث عن الغيبيات وكذلك فعل فلاسفة عبر العصور وكذلك يفعل بعض العلماء والكتاب في عصرنا هذا.

 أما في كتاب أسرار الموت والحياة والروح والجسد للأستاذ الدكتور السيد سلامة السقا،فقد ذكر دراسة  للمفكر الألماني  «ارنست هيجل»  والذي يمثل النظرة المادية يقول بأن الكون مؤلف من المادة فقط، وأن المادة مؤلفة من الذرات، ومن هذه المادة ظهر كل ما في الكون من أحياء وغير أحياء، وحركة العالم  هي حركة تطور دائم يبتدىء من أبسط الذرات وينتهي بأرقى الكائنات، فهذه الكائنات كلها تتألف من عناصر واحدة، لا فرق في ذلك بين حي وغير حي، وعلى ذلك فليس هناك غير المادة المحسوسة بعناصرها المعروفة التي تتألف بشكل ما لتكون المادة غير العضوية ثم بشكل آخر لتكون المادة العضوية، وليس هناك شيء آخر.

وذكر دراسة للفيلسوف الغربي «ديكارت»  ويقول فيها بأنه يرى هناك روحا ومادة، وأن الاتصال بين الروح والمادة غير معروف لنا، وإنما هو آية من آيات الخالق.

 

مجتمع البحث ومناهج البحث فيه:

قرية (بوري) هي إحدى القرى الصغيرة في مملكة البحرين، حيث تقع بالتحديد بالمنطقة الوسطى، ويحدها من الشرق قرية عالي ومن الغرب المنطقة الغربية ومن الشمال المنطقة الشمالية ومن الجنوب مدينة حمد، وتوجد في القرية كثير من المعالم التراثية والحضارية، منها البيوت والمساجد القديمة وبعض من عيون الماء العذبة منها الباقية إلى عصرنا هذا وهما عين بوري وعين حويص وغيرها من العيون التي دفنت في زمننا الحاضر بعد أن جفت فيها المياه، وتشتهر القرية بمزارعها التي تنتج الخضروات المحلية والتمور، كما تشتهر القرية بزراعة أشجار النخيل، ومزارع تربية الدواجن والمواشي، وقد سميت بوري قديما بمهد العلماء، وذلك لوجود قبور وأضرحة مزارات لأنبغ علماء الدين حيث ولدوا وترعرعوا في أرض بوري، وهذه القبوركثيرة ولكن للأسف اندثرت واختفت الآن و لا يعرف أحد عنها شيئا.

ويعود السبب الرئيسي في اختياري لمجتمع البحث هو أني أعيش فيه، أما السبب الآخر  فوجود أقارب ساعدوني في الوصول للإخباريين من الرجال والإخباريات من النساء. ومن ثم حضوري لفعاليات وطقوس ومراسيم كثيرة لهذه المنطقة في السنوات الماضية وبالأخص المناسبات الدينية.

حيث لفت انتباهي صغر حجم المنطقة إلا أنها تضم فعاليات وطقوسا وممارسات تشمل جميع مناطق البحرين. كما شدني تفاعل وتعاون أهل هذه المنطقة داخليا  «مع بعضهم البعض»  وخارجيا  مع المناطق الأخرى الموجودة بمملكة البحرين.

قد تتداخل في هذه الدراسة مجموعة من النظريات مرتبطة ببعضها البعض أي بمعنى آخر مكملة لبعضها، لأنه لا يمكن تطبيق كل منها على حدة وإغفال الباقي.

ففي النظرية البنائية الوظيفية تعالج الظواهر الاجتماعية والرمزية من منظور الوظيفة التي تقوم بها في حفظ المجتمع وتحقيق تماسكه الاجتماعي.

أما من جانب التفسير المادي الاقتصادي وممثل هذه النظرية مارفن هاريس صاحب فكرة المادية الثقافية فان التغيرات التي تطرأعلى أنماط السلوك والقيم الثقافية والاجتماعية المرتبطة بها يمكن تفسيرها في حدود من العوامل المادية أو المتغيرات الاقتصادية.

وأخيرا البنيوية التي تنطلق من المنهج اللغوي البنائي مع بعض التوجيهات من نظرية المعلومات بالإضافة إلى الاستعانة ببعض المفاهيم والتصورات الاقتصادية خاصة المتعلقة بعملية التبادل، وذلك لتحديد أنساق الاتصال المتجانسة.

تنظر البنيوية إلى الثقافة على أنها نسق من الإشارات والرموز ذات الدلالات والمعاني المستترة التي لا يمكن الوصول إليها والتعرف عليها إلا من خلال المنهج البنيوي الذي يهدف إلى الكشف عن العلاقة بين الرموز أو الوحدات أو الظواهر أكثر من اهتمامه بالرموز أو الوحدات أو الظواهر في حد ذاتها. فصدق المعنى المرتبط برمز معين أو ظاهرة معينة لا يعتمد على رؤية الفرد، بل على علاقة الرموز بالرموز الأخرى داخل نسق رمزي معين.

وفي هذا المعنى فإ ن الصدق المقصود هو الصدق المنطقي وليس الصدق المرتبط بالتجربة أو أفعال الأفراد، فالمعنى هو نتاج تطبيق المنهج البنيوي وليس له علاقة بالواقع التجريبي المعاش، بمعنى أن البناء العميق الذي يكمن فيه المعنى المستتر يمكن فهمه من خلال العلاقات القائمة بين الرموز أو الموضوعات أو الوحدات التي تأخذ شكل التقابل الرمزي أو التقابل الثنائي binary opposition مثل: (الذكر/الانثى)، (الرجل /المرأة)،(السماء/الارض)، (الشمس/القمر)، (النيء / المطبوخ)، (الأسود: c 1990).

وتؤكد هذه الدراسة أن تطبيق مناهج التحليل الرمزي التأويلي البنيوي على أفراد المجتمع البحريني أي الاهتمام بالظواهر الاجتماعية ودلالاتها عند الأفراد وتأويلاتهم لها بصورة أكبر من الاهتمام بجوانبها الوظيفية. حيث يعتمد التحليل الرمزي البنيوي على فكرة دومو المتعلقة بالتقابل الهرمي التدرجي الاحتوائي المتميزة عن الثنائيات المتسقة عند ليفي ستروس (1963) التي تحتل فيها الثنائيات المتقابلة وضعا متساويا متكافئا (بمعنى ثنائية مع أو ضد).

 ومن أهم الصعوبات التي واجهتني هي صعوبة الربط بين تصورات أهالي القرية لعالمهم الواقعي والعالم الآخر وكيفية التعبير عنه واستغراب بعض المبحوثين من موضوع البحث وعدم تقبل إجراء مقابلات حول الموضوع.

وقبل الخوض في معرفة تصورات أفراد المجتمع البحريني عن الروح، يجب أن نحاول الوقوف على ماهية روح الإنسان وحقيقتها ومفهومها وهل هناك صفات وخصائص معينة لها، وهل هناك أنواع للروح البشرية. وهل الاعتقاد بها موجود فقط لدى ديانة معينة أم منتشر في عدة ديانات.

مفهوم الروح:

هناك عدة تعريفات للروح  دينية و علمية، لكن هناك تعريفان من أدق التعريفات التي قابلتني وتناولت فيها معنى الروح فالأول هو تعريف ابن قيم الجوزيه فقد قال بأن الروح  «جسم مخالف بالأهمية للجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح»1. أما التعريف الآخر فهو للغزالي عندما قال عن الروح «إنها البخار اللطيف الذي يصعد من منبع القلب، ويتصاعد إلى الدماغ بواسطة العروق، وإلى جميع البدن فيعمل في كل موضع حسب مزاجه، واستعداده، وهو مركب الحياة، فهذا البخار كالسراج، والحياة التي قامت به كالضوء، وكيفية تأثيره في البدن ككيفية تنوير السراج أجزاء البيت»2.

ومن التعريفين السابقين نستخلص أن الروح ينفصل عن الجسم فالجسم هو شيء مادي وملموس لكن الروح هي شيء معنوي وغير ملموس.

يقول  تبارك وتعالى:  (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). فالبحث في ماهية الروح ليس بجديد والتساؤلات عنها وعن كنهها موجودة من القدم، ولكن علم  الإنسان هو المحدود، فعقله محدود الإمكانات لا يستطيع أن يدرك ما كان خارجا عن حدود الإمكان، ولكنه مع ذلك مطالب شرعا بالبحث والتفكير والتدبر في آيات الله وفي خلق الله، داخل الإطار الذي حدده له الخالق سبحانه وتعالى، وفي هذا يقول الرسول الكريم (ص): «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا».

(ويسألونك عن الروح)، فقال البعض: إن المراد به الروح الإنسانية، فهو المتبادر في إطلاقه، وقوله: (قل الروح من أمر ربي) ترك البيان ونهى عن التوغل في فهم حقيقته الروح فإنه في أمر الله الذي استأثر بعلمه ولم يطلع على حقيقته أحدا ثم اختلفوا في حقيقة بين قائل بأنه جسم هوائي متردد في مخارق البدن، وقائل بأنه أجزاء أصلية في القلب، وقائل بأنه عرض في البدن، وقائل بأنه نفس البدن إلىغير ذلك.

وإن كان العقل البشري استطاع أن يبحث في مظاهر التكوين الجسدي للإنسان واستوعبه  فانه ظل وسيظل قاصرا عن فهم كنه الروح وماهيتها، وظلت الروح لغزا وسرا خافيا وتحديا لعقول البشر.

وفي الاعتقاد الديني والشعبي السائد لم تخلق الروح من انفجار كوني فعلي صاخب كما حدث في الكون المادي الذي نعيش فيه، بل خلقت بأمر ربها وبصيحة سرت في العدم فكانت منه وفيه، وبكلمة الله وبأمر  «كن فيكون»  أتت الروح مخلوقة مباشرة من الخالق العظيم. وهي تكمن في عالم سداسي الأبعاد وفوق إمكانات أي كائن حي للتعامل معها، مما يحفظ قدرها وقدسيتها ورفعة مقامها وعظمتها.

ليس للروح كتلة ولا وزن ولا حجم ولا كثافة، كما أنها لا تخضع لأي قانون فيزيائي، ولا تؤثر فيها حركات القوى الميكانيكية أو الكهربائية أو المغناطيسية ولاتتأثر بالحرارة أو بالضوء أو حتى بالإشعاع النووي القوي أو الضعيف، كما أنها لا تتمدد ولا تتقلص ولا تتأثر بالمواد الكيميائية أو الهرمونية.

يقال إن الروح  طاقة هائلة ومركزة ومكثفة، كما أنها لا تشيخ ولا تهرم ولا تموت بموت العضوية بل تنفصل عنها فقط. والروح ثابتة لا متحولة. وهي تنفصل عن جسم العضوية في حالة النزع دفعة واحدة أو بالتدريج. وكأن حالة النزع هي حالة خلع الروح لثوبها المادي، وفي حالة اقتطاع جزء من عضوية حية أو بتر عضو منها مما يحدث انفصالا لبعض روابطها مع الجزء المبتور لتغيير طبيعة ذلك العضو ودون أن يطرأ على الشبكة الروحية كلها أي شيء، وتبقى الروح وحدة متكاملة وتعمل عن بعد في الجزء المبتور ولو حدث تباعد مكاني بينه وبين العضوية الأم. فالروح لا تقبل الانفصال الذاتي.

والروح لا تتأثر بإشعاع الشمس أو الكواكب أو النجوم أو بالأجرام السماوية كلها. كما أنها لا تبيد ولا تخلق من جديد ولا تتوالد، ولا يحدها حجم مغلق أو بروج مشيدة أو حواجز أو موانع مهما كانت صلابتها، ومع ذلك فهي تملأ الكون بأكمله وسرها أنها لا تعمل وهي عارية عن الجسد العضوي. وإذا غادرت الروح الجسد بالموت فلا عودة لها إليه ثانية.

 

خصائص الروح علميا:

هناك خمس خواص للروح يمكن اختصارها فيما يلي:

1) التعارفية:

للروح مخططاتها وبرامجها المشفرة والمعدة مسبقا للتلاقي والتعرف على مقعدها في هذا الوجود، وتتعرف على ومن ومكان انبثاقها، فتتعرف على الذرات التي ستكون العضوية منها، وتختار من البيئة الجامدة حولها من الذرات والجزيئات والمواد الكيميائية والمركبات ما يتناسب  وبرامجها   ويتطابق مع شفرتها. فهي تتعرف أولا على عضوية جسم الأبوين والعناصر التركيبية لجسديهما وكل ما يتعلق بوجودهما، بحيث تنبثق روح المخلوق الجديد منهما. وتتابع الروح عملها داخل العضوية الحية وحتى خارجها وهي لا تقوم بأي عمل إلا بعد تعارفها على ما تتعامل به وذلك وفق هويات ومفاتيح مشفرة وبرموز يعجز كل كائن عن رؤيتها أو إدراك كنهها وأسرارها

2) التسيير الذاتي :

تكمن في الروح طاقات عظيمة وهائلة إلا أنها لطيفة وهادئة. ولا يقصد بالطاقة الهائلة تلك الطاقات المدمرة بل يقصد بها القدرة الخارقة لها على الانبثاق والانتقال من العدم الى وجود جهري مجسد في أبعاد أربعة. ثم قيامها بتركيب وخلق عضوية حية أساس تركيبها ذرات ميتة لا حياة وبأسلوب خارق، أي نقلت طاقات فائقة من منبع العدم ذي الأبعاد اللانهائية إلى عضوية لينة رخوة معقدة التركيب في كون مادي ذي أربعة أبعاد فقط، ثم تحول وتوضب جزءا من تلك الطاقة (موجبة) وتختزنها في جسم العضوية الحي كي تستطيع إنجاز أعمالها وتختزن الباقي من الطاقة اللينةذاتها، ومثال على ذلك نذكر الطاقة المختزنة  في يد الإنسان وبالتحديد في وترها، فنقول إن الروح ركبت الوتر العضلي ونفذته بحيث جعلته قادرا على  تحمل ثقل يعادل ستة أشخاص فيما لو تعلقوا به دفعة واحدة، فما بال الطاقات الأخرى المختزنة في كامل الجسم الحي؟والذي لم يكن يتم  لو لا خاصية التسيير الذاتي للروح3.

3) التجانسية والشمولية:

تتوزع الأمواج في الشبكية الهيكلية الروحية وكذلك في التقاط الروحية بشكل متجانس فيها بحيث لا توجد فضاءات أو فراغات كما لا توجد تجمعات عشوائية فيها، ويبدو ذلك التجانس بمظهرين أولهما أن الروح موجودة في كل ذرات جسم الكائن الحي وبالتالي في كل خلاياه دون استنثاء، وثانيهما أن لها نفس القوة والقدرة في سائر ذلك الكيان العضوي دون استثناء أيضا، وهذا التوزع لا يخضع لأي قوة كونية، بل يتبع منهجا وبرنامجا معدا لها. والروح متجانسة مع ذاتها ويبدو ذلك في دقة أدائها لمهماتها، والذي يتم بدقة لا خطأ فيها، كما أنها متجانسة مع عضويتها فلا يشذ أحد الأعضاء عليها أو يتمرد بل هو خاضع لها خضوعا مطلقا لا تردد فيه ولا تلكؤ،  ويشمل ذلك كل العضويات وأرواحها من ذات النوع، بحيث يجري تدفق الأرواح المتماثلة ضمن نفس السلالة. وبالتالي تولد في نفس السلالة حواس غريزية وراثية متماثلة مثل قوة السمع أو قوة الشم أو الرؤيا وأحاسيس مشتركة كالخوف من وحش مفترس معين. أو التغذي على نوع معين من الغذاء.... الخ أو الاقتران بنفس نوع الإناث في فصيلته4.

4) توحد الخواص:

كل الشبكات الروحية وهياكلها متشابهة ضمن النوع الواحد من الكائنات الحية، وتختلف عن بقية الكائنات الحية بحيث تكسب نفس الفصيلة صفات متماثلة وخواص مشابهة لا تتماثل أو تتشابه مع فصائل حية أخرى.وسبب الاختلاف يكمن في الشيفرات الروحية بين الكائنات.

5) الاستقلالية الروحية:

صحيح أنه يوجد توحد للخواص ضمن نفس النوع والفصيل الحي، إلا أن الأحداث التي تواجه الفصيل الواحد لا تشمل بالضرورة كل أفراده بنفس المدى، كما لا يشترط أن ما تمر به عضوية حية من أحداث يجب أن تمر حتما على كل أفراد فصيلتها، وبالتالي لا علاقة لما به عضوية حية من أحداث يجب أن تمر حتما على  كل أفراد فصيلتها. وبالتالي لا علاقة لما يجري لروح واحدة من أحداث بما يجري لأخرى رغم أن الأحداث قد تكون متماثلة، فكل روح مستقلة منفردة بذاتها ولا ترتبط بغيرها، وهذا ما جعلها سهلة الحلول والخروج من عضويتها دون أن تتأثر بغيرها من الأرواح، كل ذلك بسبب تمايز واختلاف الشيفرات الشبكية للروح واستقلاليتها، ولكل منها هوية تعارفية خاصة بها. لهذا كان للأحياء البشرية تحديداً تعددية بنيوية وتنوع نفسي وشخصي، واستقلالية ذاتية بحيث صار لكل مخلوق بشري دوره الحياتي والوجودي المستقل5.

رؤية مقارنة للروح في ثقافات مختلفة:

أنواع الروح:

عندما خلق الله آدم وأحسن تسويته جسديا بأن جمع كل توازنات الكون في جبلته  (طين الأرض وصلصالها...) نفخ الله فيه الروح الكاملة الخالدة، فكان بشرا سويا، ولكن الخطيئة التي حلت بآدم وحواء عندما غرهما الشيطان بشجرة الخلد (وهي شجرة التكاثر الجنسي)، وما تلاها من وسوسته لهما بكشف عورتيهما وتذوق متعة كانت عليهما محظورة أو مؤجلة. وتحول الخلق عندها من خلق آني مباشر بالأمر (بالانفصال) إلى خلق متطور لا مباشر (بالولادة)، وهكذا حملت الروح الكاملة مهمات كانت مؤجلة  ألا وهي بناء الجسد البشري ونسخ خلاياه ذرة ذرة وجعله يشغل حيزا في الوجود، وهكذا صار للروح مهمتان: أولهما مهمة جسدية بناءة (روح قائد)، والأخرى مهمة قدسية واعية مدركة (شاهد) تعنى بأمور الفكر والعقل والصلاح.

  1 ـــ الروح الجسدية (روح قائد)

هي الجزء الروحي المشرف على الأمور التخليقية والحياتية والحركية للكائن الحي مثل التغذية والتكاثر والبقاء، أي هي المسؤولة عن أمور الغريزة والفطرة لدى الكائن الحي ومهما كان نوعه، فهي تنفذ مهمة بناء الجسد العضوي للكائن الحي ووفق شيفرتها الذكورية أو الأنثوية، ذلك ان لبنية الشفرتين الجسديتين ال DNA  صفتي الانفصال والتكامل، وتشرف تلك الروح وتسيطر على كل فعاليات الجسد الحيوية (البيولوجية) طيلة حياته، وهي تنفذ ما تكلف به بوعي دون إدراك (أي لا تحلل ولا تحرم شيئا). وهي التي تولد العقل الباطن للكائن الحي وتعمل من خلاله وتربطه بالوجود وبالعقل الشامل. فهي روح الحيوان التي تعمل من خلال الدماغ، وتتلقى التكليف بالتخليق من الخالق عبر العقل الباطن الشامل، ولحظة الميقات معلوم تشرع بحث وتحريض البداءات العضوية لتنسج الجسد الفيزيقي للكائن الحي. وتسيطر تلك الروح الجسدية على كل أجزاء الدماغ لدى الحيوان والجنين البشري والطفل في أول عمره. كما ينسب إليها السلوك الغريزي والعدواني والجنسي والحركي عند الكائنات الحية والمعتمد على الجهد العضلي. أما في الإنسان فينسب إليها إضافة لذلك صفة الشر عنده6.

2 ـــ الروح القدسية (روح شاهد)

هي روح الإدراك والوعي، روح الفكر والمثل العليا والمعاني الراقية والتي تعمل من خلال العقل الباطن الأثيري.. روح الحب والخير والعدل والضمير، وهي لا تدخل إلا الجسد البشري الكامل التكوين والمنفذ بدقة تخليقية فائقة لا مثيل لها في الوجود. حيث تقوم الروح الجسدية بتنفيذ هذا التصميم لهذا تتأخر الروح القدسية في الجسد البشري حوالي أربعة أشهر من لحظة بداية انقسام أول خلية من جسم الجنين، لذلك كل أعمالها معنوية عقلية فكرية سلوكية تسجيلية وليست حركية  أ و جسدية (عضلية). لهذا كانت تلك الروح هي روح الوعي والإدراك من ناحية (روح عقلية)، ومن ناحية أخرى هي روح اتصال ومحاورة مع كل ما هو واع في هذا الوجود (روح أثيرية)، وهي روح الحوار المتبادل بين العقل والنفس، وتقوم بتسجيل كل ما يمر بحياة الإنسان من أحداث (لذلك كانت شاهدا).

الروح في الديانات الأخرى:

لأن الروح بحث بما لايخضع للتجربة ويخرج عن الحواس فقد انقسم الناس في نظرتهم إلى الروح وخصوصا الديانات المختلفة فلكل منها نظرته ومفهومه الخاص عن الروح، وهنا لا بد من وقفة قصيرة لاستعراض مفهوم الروح في الديانات المختلفة.

الروح عند المصريين القدماء:

اعتبر المصريون القدماء ظل الإنسان أحد مكونات الروح استنادا إلى المعتقدات الدينية لقدماء المصريين فإن روح الإنسان مكون من 7 أقسام:

رين، هو مصطلح قديم يعني الاسم الذي يطلق على المولود الجديد.

سكم، وتعني حيوية الشمس.

با، وهو كل ما يجعل الإنسان فريدا وهو أشبه بمفهوم شخصية الإنسان.

كا، وهو القوة الدافعة لحياة الإنسان وحسب الاعتقاد فإن الموت هو نتيجة مفارقة كا للجسد.

آخ، وهو بمثابة الشبح الناتج من اتحاد كا وبا بعد الموت.

آب، وهو»  قطرة من قلب الأم».

شوت أو خيبيت وهو ظل الإنسان.

الروح عند اليهود والنصارى:

هناك مفاهيم مختلفة واستعمالات كثيرة  تأتي من بعض ما كتبوا في العهد القديم والعهد الجديد، فهم يذكرون روح الحق أو روح القدس، وتقابلها روح الضلالة أو روح النجس، وهم يذكرون أيضا أن هناك أرواحا ربانية وأرواحا شيطانية نجسة، فهناك روح الله أو روح الرب مصدر الخير والسعادة والحماية وهناك أرواح الشياطين الشريرة النجسة سبب الشر والتعاسة في الأرض.

وبجانب المفهومين السابقين اللذين يدوران حول وجود نوعين من الأرواح أحدهما يمثل الخير والآخر يمثل الشر، تجد مفهوما للروح الصالحة المستقيمة الفاضلة يقابله مفهوم روح الكذب والضلال.

لا يوجد في التوراة تعريف دقيق لكلمة الروح ويذكر سفر التكوين أن الخالق الأعظم خلق الإنسان من غبار الأرض ونفخ الخالق في أنف الإنسان ليصبح مخلوقا حيا.واستنادا إلى سعيد ابن يوسف الفيومي (882-942) وهو فيلسوف يهودي من مواليد مصر فإن الروح يشكل ذلك الجزء من الإنسان المسؤول عن التفكير والرغبة والعاطفة واستنادا إلى كتاب كبالاهkabbalah الذي يعتبر  الكتاب المركزي في تفسير التوراة فان الروح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

نفيش (Nafesh) وهي الطبقة السفلى من الروح وترتبط بغرائز الإنسان الجسدية وهو موجود من لحظة الولادة.

روخ (roach) وهي الطبقة الوسطى من الروح والمسؤولة عن التمييزبين الخير والشر وتنظيم المبادىء الأخلاقية.

نيشامة (neshamah) وهي الطبقة العليا من الروح وهي المسؤولة عن تمييز الإنسان عن بقية الكائنات الحية.

وهناك تشابه كبير بين هذا التقسيم وتقسيم سيمغوند فرويد للاوعي الذي قسمه فرويد إلى الأنا السفلي والأنا والأنا العليا.

 

الروح عند المسيحية:

تعتبر المسيحية الروح بمثابة الكينونة الخالدة للإنسان وتعتقد أن الخالق الأعظم بعد وفاة الإنسان إما يكافىء أو يعاقب الروح ويوجد في العهد الجديد من الكتاب المقدس وعلى لسان المسيح ذكر للروح وتشبيه لها برداء رائع وأروع من كل ما كان يملكه سليمان، هناك إجماع في المسيحية أن الوصول إلى المعرفة الحقيقية عن ماهية الروح هو أمر مستحيل واستنادا إلى المفكر المسيحي اورليس اوغسطينس (354-430) فإن الروح عبارة عن مادة خاصة وفريدة غرضها التحكم في الجسد

هناك جدل في المسيحية حول منشإ الروح فالبعض يعتقد أنها موجودة قبل ولادة الإنسان وعند الولادة يقوم الخالق بإعطاء الروح إلى الجسد بينما يعتقد البعض الآخر أن روح الإنسان تتنقل كمزيج من روحي الوالدين وأن آدم هو الشخص الوحيد الذي خلقت روحه مباشرة من الخالق بينما يرى طائفة شهود يهود أن الروح مطابقة لكلمة نفيش (nefesh) العبرية والتي حسب تصور الجماعة هي مشتقة من التنفس وعليه فان نفخ الخالق للروح في جسم  يجعل هذا الكائن كائنا حيا متنفسا وهناك البعض ممن يعتقد أن الروح تذهب الى حالة من السبات لحين يوم الحساب.

الروح في الهندوسية:

يمكن اعتبار الجيفا jiva في الهندوسية مرادفا لمفهوم الروح وهي حسب المعتقد الهندوسي الكينونة الخالدة للكائنات الحية وهناك مصطلح هندوسي آخر ويدعى مايا ويمكن تعريفها كقيمة جسدية ومعنوية مؤقتة وليست خالدة ولها ارتباط وثيق بالحياة اليومية ويبدو أن المايا شبيه بمفهوم النفس في بعض الديانات الأخرى واستنادا إلى هذا فان الجيفا ليست مرتبطة بالجسد أو أي قيمة أرضية ولكنها في نفس الوقت أساس الكينونة.

ينشأ الجيفا من عدة تناسخات من المعادن إلى النباتات إلى مملكة الحيوانات ويكون الكارما (الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها) عاملا رئيسيا في تحديد الكائن اللاحق الذي ينتقل إليه الجيفا بعد فناء الكائن السابق وتكمن الطريقة الوحيدة للتخلص من دورة التناسخات هذه بالوصول لمرحلة موشكا والتي هي شبيهة نوعا ما بمرحلة النيرفانا (الانبعاث وحالة التيقظ التي تخمد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام مثل الشهوة، الحقد والجهل) في البوذية.

هناك مصطلح آخر في الهندوسية قريب من مفهوم الروح وهو أتمان atman ويمكن تعريفه بالجانب الخفي أو الميتافيزيقي في الإنسان وتعتبره بعض المدارس الفكرية الهندوسية أساس الكينونة ويمكن اعتبار أتمان جزءا من البراهما (الخالق الأعظم) داخل كل إنسان، هناك اختلاف وجدل عميق بين الهندوسيين أنفسهم حول منشأ وغرض ومصير الروح فعلى سبيل المثال يعتقد الموحدون (ادفيدا)من الهندوس بأن الروح ستتحد في النهاية مع الخالق الأعظم بينما يعتبر غير الموحدين (دفايتا) من الهندوس الروح لا صلة لها على الإطلاق بالخالق الأعظم وأن الخالق لم يخلق الروح ولكن الروح تعتمد على وجود الخالق.8

تصور الروح بين هذا العالم والعالم الآخر:

 أين مركز الروح هل هو القلب أم هو الفم أم هو السرة ؟. كثيرة هي التساؤلات التي يطرحها الإنسان لمعرفة أصل الكون وطبيعته وأصل الإنسان وروحه، فكل يفسر ويؤول حسب معتقداته ودينه وقيمه.

ففي كتاب (سفر التكوين كأسطورة) لأموند ليتش يوضح لنا بداية خلق الكون، حيث أن التناقضات الثنائية سمة جوهرية من سمات التفكير الإنساني ونلاحظ أن أي وصف للعالم يجب أن يميز المفاهيم عن بعضها في الصورة التالية: «أن س هو ما ليس غير س». فالشيء حي أو غير حي، ولا يستطيع الإنسان أن يصوغ تعبيرا واحدا يوضح مفهوم الشيء الحي إلا من خلال الإشارة إلى نقيضه وهو الشيء الميت. وتهتم الأديان في كل مكان بالمقابلة بين الحياة والموت. فالدين يحاول – في رأي المؤلف – أن ينكر الرابطة الثنائية بين الكلمتين. وهو يفعل ذلك من خلال خلق الفكرة الغيبية عن  «العالم الآخر»  وهو: أرض الموتى التي توجد فيها الحياة الأبدية، ويلاحظ أن الصفات التي تضفي على ذلك العالم الآخر هي بالضرورة تلك التي لا تنطبق على عالمنا هذا، فالنقص والقصور في هذا العالم  يصبح كمالا في العالم الآخر من كل وجه من الوجوه. إلا أن هذا الترتيب المنطقي للأفكار تترتب عليه نتيجة غير منسجمة معه في الواقع، إذ ينتمي الله إلى ذلك العالم الآخر ومن ثم تصبح  «المشكلة»  المحورية في الدين هي محاولة خلق نوع من الصلة بين الإنسان والله.9

الفرق بين الروح والنفس:

النفس تصور مرتبط بالظروف الفيزيائية للشخص الحي المستقل وتختفي مباشرة بعد الموت. وبالرغم من أن الناس يستخدمون كلمات النفس والروح بصورة متداخلة، فإنهم ينسبون لكل منها خصائص ودلالات معينة. ويستخدم أهالي القرية (قرية بوري) كلمة الروح أكثر من النفس، حيث توجد ثنائية تدرجية هرمية في هذا السياق وهي(الروح/النفس)  فتكون للمكون الأول – أي الروح – قيمة أعلى من الثاني وبالتالي تحتويه. إن الاختلافات والتمايزات، كما يقول دومو، تكون مدركة ومقبولة، لكنها تكون تابعة لوحدة واحدة ومحتواه فيها.

وتتمثل النفس أو الذات في ضمير الحاضر «أنا»، والضمير هو ملكة خلقية فطر عليها الإنسان ينطوي على مجموعة من القيم والمعايير التي نحكم بموجبها على أفعالنا بالاستحسان أو الاستهجان10. أي أنه ذلك النداء الداخلي أو الخفي غير المرئي القادم من أعماق الإنسان يدفعه إلى فعل يؤكد به حريته وصدقه وقوته ويمنعه عن فعل آخر يشير إلى عبوديته لهوى أو غريزة أو كذبة. إن الضمير هو الباعث على التأمل والتدبر في أحوال النفس البشرية ومن ثم يتجه إلى البحث عن سبل لتقويم السلوك وعن معايير لا يخرج عنها الإنسان السوي، فالمعايير واحدة والغايات متطابقة، إنها الصدق بين الظاهر والباطن لدى الضمير.

ويعرف بعض أهالي قرية بوري النفس بأنها ذات الإنسان والأداة المحركة له ما دام حيا وبعد موته تنتقل النفس إلى مرحلة أخرى تسمى بالروح. وبذلك تكون هذه الثنائية (الروح / النفس) مفهومين متداخلين مع بعضهما البعض لدرجة الخلط بينهما عند أهالي القرية.

وتفيدنا الإخبارية  «أم علي»  بتعريفها للروح بأنها كائن غير مرئي ولا دخل للإنسان في صنعها وخلقها، فهي شيء توازني ومقدس، أي هي شيء رباني، الله سبحانه وتعالى هو المسؤول عن خلقها، فالروح مسيرة بأمر ربها، ففي قوله سبحانه وتعالى:  «إنما أمره إذا  أراد شيئا أن يقول له كن فيكون»10، وقوله تعالى:  «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»11.

ويقسم أهالي القرية الأرواح إلى قسمين: الأرواح الطيبة «وهي الأرواح المؤمنة بالله سبحانه وتعالى». والأرواح الشريرة  «وهي الأرواح الخبيثة التي تتسبب في أذى وضرر الأفراد». فالأرواح غير الطيبة تتمثل في الجن و العفاريت وأرواح الأفراد غير الصالحين، فروح الإنسان في الأساس روح خيرة ولكن بعد نزاع الإنسان من أجل الحياة في الدنيا والمعيشة أصبحت شريرة.

ويربط أهالي القرية الروح بالموت، فبالنسبة لهم فان الروح هي روح أبدية ومرتبطة بالجسد لكنها تفارقه عند موت الإنسان ولكن تنتقل معه إلى العالم الآخر ومن ثم يحاسب الإنسان وهي معه. فقد يستخدمون تصوراتهم في بعض العبارات مثل: «رحم الله من قرأ سورة الفاتحة لروح فلان»،  «رحم الله رويحة فلان»، «راح روحش»،  «يا بعد روحي أو يا خلف روحي»، «تحملي بروحش».

ومن العبارات السابقة يتبين لنا بأن أهالي القرية يعتقدون أن الروح أزلية وخالدة والجسد فان وذلك يتضح عندما يقرأون الفاتحة ويهدونها إلى أرواح المؤمنين، وعند الترحم على أرواح المؤمنين فهم لا يقولون رحم الله فلانا وإنما رحم الله رويحة أو روح فلان وعندما يقرأون الفاتحة أو جزءا من القرآن (الختمة) فهم لا يهدونها إلى فلان وإنما إلى روح فلان.، و يعتقدون أن الروح موجودة في الإنسان وهو حي وليست فقط عندما يموت وذلك يتأكد عندما يقولون (تحملي بروحش) أو (راح بروحه) فهذا يبين أن الروح موجودة مع الإنسان أينما ذهب.

فكلمة (روح) تكون أكثر تعبيرا من كلمة (نفس) لأنها تحمل دلالات ذاتية أقل من كلمة (نفس) وتحمل معاني دينية وكونية أكثر من تلك التي تتضمنها كلمة (نفس)، فكلمة (روح) تستخدم بشكل يومي لكن من دون شعور الإنسان بها، فهو يتكلم عن الروح لكنه لا يخوض في تفاصيلها الغيبية لأنها أمور دينية خصوصا الذين لا يفقهون في الدين كثيرا.

 وأيضا تدخل لفظ الروح في حالة المرض فاذا اشتد المرض بالمريض يقول (بغت روحي تطلع من هالمرضة)، أما في حالة الموت يقال (طفرت روحها) أو (تنازع روحها) وكذلك في حال الدعوة على عدو يقول الشخص لعدوه (روح راحت روحك) أو (عساك ريح).

قد تترك الروح تأثيرا  إيجابيا أو سلبيا على الشخص، خصوصا إذا كانت روح الميت مرتبطة بهذا الشخص. وقد عبر عن ذلك الإخباري «علي»  عند فقده لجدته (لقد شعرت بحزن شديد عند موت جدتي الله يغمد روحها الجنة).

حيث يعتقد أهالي القرية بأن الروح مرتبطة بالجسد وليست بالعقل، وهذا ما أكدته  «أم محمد»  عندما قالت (عندما تخرج الروح من الجسد يعتبر الشخص مات ويدفن جسده ويذهب للعالم الآخر وكذلك عندما تنفخ الروح في الجنين فهي تنفخ في الجسد فيأتي إلى  الدنيا، فلو ارتبطت الروح بالعقل فبمجرد ماأن يصبح الإنسان ناقص عقل أو مجنونا فيعتبر أن روحه فارقت الدنيا وهذا غير صحيح فالإنسان غير العاقل توجد فيه روح كأي إنسان آخر). ويعتقد أهالي القرية بأن روح الإنسان هي حياته فإذا خرجت روحه تنتهي حياته.

ومن وجهة نظر بعض من أفراد القرية فإنهم يجدون شكل الروح شفافا فهي غير مرئية ويمكن أن تتجسد بأي شكل من الأشكال. ومثال على ذلك: الروح الأمين  «جبريل عليه السلام»  الذي ينزل على النبي محمد (ص) بعدة أشكال فأحيانا يهبط في شكل رجل أو طير أو... الخ.  والأرواح على مختلف أنواعها منتشرة في كل مكان، فالأرواح الطيبة تتواجد في المساجد والمآتم ودور العبادة والبيوت وغيرها، أما الأرواح الشريرة فتتواجد في الأماكن القذرة. تتجسد الروح في هيئات عديدة، فهي تتجسد في الإنسان والحيوان والحشرات.

أما فيما يخص تجسد الروح في الحيوان فيمكن أن نأخذ القطط كمثال شعبي وواقعي عند أهالي القرية، فمثلا في مقولتنا الشعبية (السنور أبو سبعة أرواح)، حيث تطلق هذه المقولة أو هذا المثال على الشخص الذي يتعرض لنفس الموقف وينجو منه، ولو نظرنا لهذا المثل من الناحية البيولوجية لوجدنا أن القط عظامه لينة وغير قابلة للكسر بسرعة، فهو لديه مرونة في عظامه تمكنه من السقوط والنهوض لمرات متتالية.

تصور الروح في هذا العالم وما بعده:

هناك تصورات منتشرة في القرية حول تلاقي أرواح الأموات بأرواح الأحياء وزيارتها لهم، حيث يعتقد بعض أفراد القرية أن في بعض المناسبات الدينية ومن خلال الطقوس التي تؤدى فيها تتعانق الأرواح والأنفس. ففي مناسبة ليلة القدر الشريفة تفتح أبواب السماوات، حيث تتجول الأرواح الطيبة وتزور أهلها، اما الأرواح الخبيثة فتكون محبوسة والأبواب مغلقة عليها. ففي اعتقادهم أن روح الميت تتشكل على هيئة حشرة غريبة لم نرها من قبل وعادة تكون بيضاء اللون مائلة إلى الرصاصي حيث تزور أهلها وأصحابها في يوم الجمعة ويقال إن (روح أو رويحة فلان زارتنا) ويقرأ لها الفاتحة ويهدى ثوابها لذلك الشخص ويجب أن تترك هذه الحشرة إلى أن تخرج بدون أذى أو طرد أو قتل  و يشاع عند أهالي القرية بأن هذه الحشرة لها أحجام على حسب عمر الشخص  الميت.

وهذا دليل على اعتقاد أفراد القرية بأن أرواح الأموات تلاقي أرواح الأحياء، حيث أفادني الإخباري أبو حسين بدليل من القرآن الكريم حيث قيل للنبي (ص) ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا مت رفعت فوقنا فلا نراك. فأنزل الله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)12.

أما في حالة خروج الروح من الجسد مباشرة بعد موت الإنسان فيعتقدون أنها تبقى أمام الجسد وتنظر إلى الأهل والأصحاب وهم يبكون ويصرخون وتنظر إلى المشيعين الذين يمشون حول الجنازة، وعند وقت التغسيل والتكفين تكون الروح مصاحبة للجسد وفي ذلك الوقت تتشكل الروح على حسب أعمال الشخص ولكن لا يراها الآخرون وإذا كانت أعماله حسنة فتنبعث منها رائحة عطرة ويشع منها النور.

فأهالي القرية يقومون بممارسات معينة عند مفارقة الروح الجسد حزنا عليها وتخفيفا من عذابها، حيث يقام مأتم عزاء على مفارقة الروح ويطلق عليها الفاتحة ويقصد بها قراءة القرآن ويهدى ثوابه إلى روح الميت.

وتستمر هذه الممارسة لمدة 3 أيام ويأتي العديد من الأهل والأصحاب والجيران المأتم وهم مرتدون اللباس الأسود لمواساة أهل الميت ويقومون بالتخليق على أهل الميت لفقدهم هذه الروح، حيث يقال لهم بعض العبارات مثل «البقى براسكم»  و«عظم الله اجركم»  و«احسن الله عزاكم»  ويرد عليهم اهل الميت  «اجرنا واجركم»  أو  «احسنت جزاك الله خير».

وبعد أربعين يوم من وفاة الشخص يقام له مأتم لإحياء ذكراه ويسمى  «بالأربعين» ، ولا يتم ذكراه فقط في الأربعين وإنما بشكل أسبوعي خصوصا يوم الخميس أو الجمعة عند زيارة قبر الميت حيث يوقف على قبره وتقرأ له الفاتحة وتهدى لروحه ويتحدث إليه أيضا عن أخبار أهل الدنيا حيث لديهم اعتقاد أن روحه تسمعه.

وهذه الممارسات لا تقتصر على الأصحاب والأهل وإنما أيضا تشمل أهل البيت عليهم السلام حيث تقام مجالس حسينية لإحياء ذكراهم والحزن على ما أصابهم خصوصا في العشر الأوائل من محرم الذي يصادف وقوع واقعة كربلاء، وأيضا عند الذهاب للأماكن المقدسة والتي ورد فيها قبور أهل البيت عليهم السلام حيث يقومون بزيارة هذه القبور وقراءة الفاتحة لإهدائها لأرواحهم والتضرع والدعاء بطلب الحاجة منهم عليهم السلام لأنهم يعتقدون أن أرواحهم تسمعهم و لهم يقين تام باستجابتها لدعائهم وتلبية حاجاتهم واعتقادهم بقدرتها على خلق المعجزات.

وهذا يدل على مدى ارتباط أفراد القرية بالروح ومدى قيمتها وعظمتها عندهم.

وترى  «أم علي»  بأنه عند خروج الروح من الجسد وانتقالها إلى العالم الآخر، ينادى عليها في عالم البرزخ بأن فلان قد أتاكم فهل تعرفونه وهو من الصالحين فإذا كان من الصالحين يدخل عالم البرزخ أما إذا كان من المشركين وغير المسلمين فيدخل في عالم «البرهود»! والبعض يقول إن هذا العالم موجود في اليمن !

الروح في الأحلام:

النوم هو الصورة المخففة للموت، أي الانطلاق المؤقت للروح فهي تسبح مرتحلة إلى أقصى الغرب وتعود إلى أبعد الشرق وتزور القاصي وتعود للداني، تسافر إلى القارات وتقطع البحر والمحيطات في أقل من طرفة عين، ترى آلاف المشاهد وتستعرض مئات المناظر وتسمع ملايين الكلمات وتتحدث مئات الأحاديث في برهة.

ولا شك أنه حدث لكل إنسان مرة أو أكثر أن رأى في منامه منظرا بشكله أو مكانا بذاته أو حادثا بتفصيله، ثم نسي الحلم أو لم ينسه، وبعد فترة طالت أو قصرت يتذكر الحلم إذ يرى في الحقيقة المنظر بشكله ولم يكن قد سبقت له رؤيته ويرتاد المكان بذاته ولم يكن قد سبق له زيارته أو يرى الحادث واقعا دون أن يكون قد وقع قبلا13.

حيث عقب الاخباري «ابو حسين» بقوله (إن الرسول «ص» قبل بعثه بالرسالة للأديان يرى الحلم ليلا فإذا به يتحقق صباحا، حيث قال الرسول  «ص» (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة).

فالأحلام عند أهالي القرية لها أهمية  كبيرة في حياتهم، و لا يمكن الاستهانة بها والتحريف فيها «الى يكذب في الحلم يكذب على الله»  ففي اعتقادهم هي من عند الله، فهي تفسر على أنها رسائل أو تنبيهات آتية من البشر سواء كانوا أحياء أو أمواتا. وهناك الكثير من الأحلام التي سمعتها من أهالي القرية تبين تلك الأهمية وذلك الاعتقاد لديهم حيث ذكرت إحدى الإخباريات بانها حلمت بشخص توفي وهو من نفس القرية وأن الأشخاص من حوله يشيعونه وفي اليوم التالي من الحلم خرجت في الصباح وإذا بالحلم يتحقق ونفس الشخص يتوفى.

 ويعتقد أهالي القرية أنه لا يمكن للروح الظهور إلا في الليل وقت الظلام والسكون لهذا يفسر البعض من أهالي القرية أن الأرواح  تزور الأحياء دوما في الأحلام وقت الليل.

 

والحلم هو أحد نشاطات الروح فهي التي تمارسه وتتحكم في نوعه أيضا حسب قوتها وضعفها الإيماني.

ولهذا يقسم أهالي القرية الحلم تيمنا بالنبي (ص) إلى ثلاثة أقسام هي:

1) الرؤيا الصادقة أو بشرى المؤمنين: وهي التي تتحقق في الواقع تماما كما حدثت في الحلم سواء كانت رؤيا صريحة أو مرموزة وهي مرتبطة بالأرواح الطيبة.

2) الحلم الشيطاني: وهي الكوابيس كما هو معروف وتكون مرتبطة بالأرواح الشريرة.

3) محاكاة النفس أو حديث النفس: وهي الأحلام التي ترتبط بجميع أنواع الأرواح.

ففي حالة النوم وقت الليل تخف القيود على الأرواح بدرجة تسمح لها بالانطلاق والتحليق في أرجاء الأرض والسماء والاتصال بالأرواح الأخرى والانتقال عبر الزمان والمكان بما تسمح لها طبيعتها وحالتها من القوة والضعف.

وعزز ذلك الإخباري  «أبو حسين»  بقوله إن الروح عند النوم تغادر البدن لذلك يطلق على النوم موتة صغرى لأن الروح لا تكون متلبسة فيه ولكنها تعود مرة أخرى للبدن بعد الانتهاء من الانتقال إلى أماكن أخرى، ودلل على ذلك أبومحمد(ع)14:  «أما الإنسان إذا نام فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء إلى وقت يتحرك صاحبها إلى اليقظة، فإذا أذن الله برد الروح جذبت تلك الروح الريح وجذبت الريح الهواء فرجعت الروح إلى مسكنها في البدن، وإن لم يبعث الله برد الروح إلى صاحبها جذبت الهواء الريح وجذبت الريح الروح فلم ترجع إلى صاحبها إلى أن يبعثه الله تعالى».

ويعتقد أهالي القرية أن روح الميت تزور أصحابها عند النوم وتحدد لهم ما تبتغيه منهم، فاذا حلم الشخص بأنه يريد هدية من فلان أو أخذ هدية منه أي أنه يريد منه قراءة القرآن أو يصلي ركعتين ويهدي ثوابها له وكذلك إذا حلم الشخص بأن الميت يناديه أو أخذه الى مكان لا يعرفه فهذا يعني أنه سوف يلتقي معه قريبا في العالم الآخر، حيث أكدت على ذلك الإخبارية «فخرية»  عندما فقدت إحدى قريباتها ابنتها (حلمت قريبتي بأن أخا زوجها  «وهو ميت»  ينظف غرفة متسخة فسألته لماذا تنظفها ؟، فقال لها سوف تزورني أختي وابنتها، وبعد عدة أيام من هذا الحلم توفيت ابنة أخته).

واتفق معها الإخباري  «علي»  وعقب (انا مررت بنفس التجربة تقريبا لكن لله الحمد لم يتوف أحد، لكن حلمي فتح عيني على شيء أغفلته لفترة طويلة ونسيته، حيث حلمت بأنه زارني شخص في النوم يقول لي بأنه علي دين ويجب أن أؤديه وعندما استيقظت من النوم تذكرت بأن عليَّ  «نذر»  لم أؤدهِ، وظل هذا الحلم يتكرر مرات ومرات إلى أن أديت الدين فتوقف ذلك الحلم).

و الملاحظ أن أفراد القرية يختلفون بعض الأحيان في تأويل وتفسير هذه الأحلام كل حسب ما درج عليه في أسرته وعائلته فمثلا إحدى الإخباريات تقول إنه عندما يرى في الحلم شخص متوف والنائم يريد منه شيئا فيمسك بالإصبع الكبيرة  «الإبهام» للشخص المتوفى في يده ويطلب منه الشيء الذي يريده فيتحقق ما يريده، لكن تعارضها صديقتها وتقول بأنه إذا حلم بشخص متوف فيجب عدم الاقتراب منه أو الذهاب معه إلى أي مكان وذلك نذير شؤم حيث تفسره بانه سوف يلحقه للعالم الآخر ويموت.

وتوقيت وقوع الحلم له أهمية كبيرة حول مصداقية الأحلام، فبالنسبة لأهالي القرية الكل اتفق على أنه إذا وقع الحلم بداية النوم أو قبل آذان الفجر فهو صادق ويتحقق ولكن ليس حرفيا وفي بعض الأحيان تكون هناك تفسيرات لأشياء معينة في الحلم وهذه التفسيرات هي التي تتحقق والكل متفق عليها، أما بالنسبة للأحلام التي تقع بعد آذان الفجر أو في وقت الظهيرة فهي غير صادقة لأنها وقعت وقت أداء الفريضة فتعتبر من عمل الشيطان لأنه يلهي النائم عن أداء فريضته.

 

فالأحلام الصادقة والتي تتحقق تسمى رؤيا حيث يكون الشخص ما بين النائم والصاحي، فهذه الرؤى لا تحدث لأي شخص وإنما للأشخاص الصالحين والعلماء الروحانيين حيث هؤلاء الأشخاص تزورهم أرواح الأولياء الصالحين والأئمة الأطهار ويكون هناك هدف من وراء هذه الزيارة مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو حثهم على السير في  الطريق الصحيح في أمور هم محتارون فيها، فهؤلاء الأشخاص يعتبرون من المحظوظين لأنهم رأوا الأئمة الأطهار والأولياء الصالحين حيث يقول لهم العامة»  عليكم بالعافية»  و يتمنون أن تزورهم هذه الأرواح المشرفة. وهناك الكثير من الأمور الغريبة التي حدثت وتحققت وكان السبيل في تحقيقها هي الأحلام، حيث حدثت المعجزات والكرامات التي جعلت الأهالي يؤمنون بهذه الأحلام.

الروح  وخلق الكرامات والمعجزات:

إن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بالعقل والتدبير والعبادة، والإدراك والفهم والتفسير والاستدلال والحكم على غيره من المخلوقات. وهذه الكرامات الخاصة تكشف ما  للإنسان من ملكات خاصة يتميز بها عن غيره من الكائنات، كما أنها تكشف بمقدار توفرها لدى الإنسان الفرد عما يتمتع به من فروق فردية عن بني جنسه.

فلقد ميز الله رسله ونبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن باقي خلقه بقدرات خارقة يعجز البشر عن الإيتاء بمثلها وذلك بقدرته وعظمته وبقوله كن فيكون.

حيث دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الله عز وجل يكرم من يشاء من عباده الصالحين، ويجري على أيديهم من عجائب قدرته، فالله عز وجل فعال لما يريد لا يسأل – سبحانه وتعالى – عما يفعل، والخلائق يسألون.

المعجزة والكرامة

المعجزة تعريفها باصطلاح الشرع: أمر خارق للعادة يظهر على يدي مدعي النبوة، مقرون بالتحدي.

وكلمة أمر خارق للعادة: معناها ليس من عادة البشر فعل هذا الشيء كتفجر الماء من يدي رسول الله.

مقرون بالتحدي: معناها أن يتحدى بها النبي على نبوته. سالم من المعارضة بالمثل:  لا أحد يستطيع أن يأتي بمثلها. كالذي حصل مع سيدنا موسى لم يستطع سحرة فرعون أن يأتوا بمثل ما أتى به موسى.

 

يظهر على يدي مدعي النبوة: معناها فما كان خارقا للعادة لكنه لم يقترن بدعوى النبوة كالخوارق التي تظهر على أيدي الأولياء أتباع الأنبياء فإنه ليس بمعجزة بل يسمى كرامة  ولكن تسمى معجزة للنبي الذي يتبعه هذا الولي لأنه لو لم يسلك طريق هذا النبي لم يصل إلى هذه الكرامة14.

والمعجزة يجب إظهار معها دعوى النبوة دون الكرامة، فيجب على الولي أن يخفيها إلا عند الضرورة. فكل ما وقع معجزة للأنبياء جاز وقوع مثله للأولياء، إلا إنزال القرآن، وطلوع السماء بالجسد يقظة15.

فكثير من أهالي القرية لا يميزون بين المعجزة والكرامة فكل شيء خارق للعادة يطلقون عليه لفظ معجزة، على الرغم من معرفتهم بمعنى المعجزة ومعنى الكرامة ومعرفتهم بأي منها يخص الأنبياء أويخص  الأولياء الصالحين وأهل البيت (ع) لكنهم يدمجون معنى الكرامة في لفظ المعجزة.

كرامات الأرواح الطاهرة

ومن الملاحظ أن أهالي القرية يؤمنون إيمانا تاما بهذه المعجزات والكرامات، لكنهم يذكرون الكرامات ويتداولون سيرتها ويتناقلونها أكثر من المعجزات، وكان تبرير الإخبارية فرية على ذلك بأن المعجزات لا اعتراض عليها ولا نفي في حدوثها فهي مذكورة في القرآن الكريم والجميع يعرفها، لكن الكرامات وخصوصا التي تخص أهل البيت عليهم السلام فهي حدثت فيهم ومنهم واستمرت الى زمننا هذا وسوف تستمر إن شاء الله، وعليها اعتراض  ونفي, وفي بعض الأحيان يطلق عليها بالتكفير والضلالة وبأنها بدع من خلق الإنسان. 

الخاتمة:

الإنسان جسد وروح موروثة فطرية... وبديهة عقلية.. ومعلومة دينية.. وحقيقة علمية... فكل إنسان يتكون من جسد وروح والروح عنده  أهم من الجسد فالطقوس التي تتم والعادات التي تتوارث عند المولد وعند الموت كلها تشير إلى اهتمام الإنسان الفطري بالروح.

وكذلك الحال مع جميع الديانات والمجتمعات، وبين العامة من البشر حتى الجهلة منهم فهم يؤمنون بالروح بل وبأنها أسمى وأقدس وأعز ما يملكون بل إنها تملكهم ولا يملكونها، ولذلك نجد أنه يتوارد في أحاديثهم أنهم يحبونهم بالروح، أو أنهم يفتدون من يحبون بأرواحهم، وكذلك يتكرر منهم أن هذا روحه مألوفة وهذا روحه صافية وذلك روحه مشاغبة والكل يوصي بالاعتناء بالروح.

ونجد أن الإنسان من أقدم تاريخه، والطفل من أولى مراحله، والمجتمعات منذ قيامها وكل من هم على الفطرة لا جدل عنهم ولا نقاش فيهم فهم يؤمنون إيمانا لا شك  فيه بوجود الروح. مما يؤكد أن الإيمان بالروح هو موروث فطري  فطر الله الناس عليه كما فطرهم على الإيمان به. حيث يؤمن كل انسان أيا كان وضعه وأيا كانت درجة علمه وحصيلة معرفته في أي زمن كان وفي أي بقعة عاش وفي أي عمر هو بوجود قوة عاقلة مدبرة حكيمة رحيمة قادرة خلقته وخلقت العالم الذي يعيش فيه، وإن اختلفت تصورات الناس لهذه القوة بقدر عقولهم وطاقة عملهم ومدى استيعابهم للدعوات الدينية التي وصلت إليهم، ولكن الفطرة التي استقرت في وجدان كل نفس وتملأ كل قلب هي فطرة الإيمان بالخالق، وكذلك الفطرة التي هم عليها بالنسبة للروح فإنهم يؤمنون بوجودها وعلو شأنها وعظيم قدرتها وإن اختلفوا في تصورها وتحديد ماهيتها.

 

المراجع
1 ـ سماحة الشيخ حسن خالد، مرجع سبق ذكره، ص 77.

2.مجلة المعرفة، من تجارب الامم: بين الروحي والمادي، ص 50.

3.مخلص عبد الحليم الريس، مرجع سبق ذكره، ص 126.

4.المرجع السابق، ص 127.

5.مخلص عبد الحليم الريس، مرجع سبق ذكره، ص 127 و 128

6.د.مخلص عبد الحليم الريس، الطاقات الخفية اللاإنسانية، ص 70 – 71.

7.المرجع السابق، ص 72.

8.المرجع السابق.

9.علم الفولكلور، ج 1، تاليف د. محمد الجوهري، ط 3 جامعة القاهرة، 2000 م.

10.محمد محمد قاسم، مدخلى الى الفلسفة، 2005 م.

11.سورة الاسراء: آية (85).

12.سورة النساء: آية 69.

13.عبد الرزاق نوفل، من أسرار الروح، ص 72.

14.المقصود بابي محمد «ع» هو الإمام الحسن العسكري.

15.http://www.aljawhra.net/12.htm

16.http://elksad.com/lofiversion/index.php/t87694.htm

أعداد المجلة