فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
29

مؤتمرات عربية وعالمية حول التراث والتنوع الثقافي

العدد 29 - جديد النشر
مؤتمرات عربية وعالمية حول التراث والتنوع الثقافي
كاتبة من مصر

اهتمت الأوساط الثقافية الدولية خلال عام 2014 بقضية التنوع الثقافي، وشهدت انعقاد عدة مؤتمرات وملتقيات علمية لمناقشة هذا الموضوع المهم، والنظر في الوضع الراهن للثقافة خاصة في البلدان العربية. وقد انعقدت أربعة مؤتمرات حول التنوع الثقافي، الأولنظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي لحوار أتباع الأديان والثقافات في مقره في مدينة فيينا حول مقارنة تجارب اللجان الوطنية في مجال تعزيز التنوع الثقافي والديني، والثاني عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية، بالتعاون مع الجمعية الدولية للعلاقات العامة«IPRA» بعنوان”إدارة الحوار عبر التنوع الثقافي في العالم” بمدينة فييناأيضاً، والثالث ارتبط  بالأوضاع السياسية خاصة ما يحدث في العراق وسوريا، والذي عقدته اليونسكو بباريس تحت عنوان “”التراث والتنوع الثقافي المعرضان للخطر في العراق وسوريا”، على حين اختتمت القاهرة حلقة الاهتمام بالتنوع الثقافي بعقد الملتقى الدولي للمأثورات الشعبية بعنوان: “المأثورات الشعبية والتنوع الثقافي- دورة أسعد نديم” الذي سنفصل في عرض الأوراق البحثية التي قُدمت به.

اليونسكو واتفاقية التنوع الثقافي
وقد أعلنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم اتفاقية “حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي” عام 2005، ومنذ هذا التاريخ بدأ العالم في تطبيقها من أجل الاهتمام بخصوصيات التعبير الثقافي لدى الشعوب. ومنذ هذا التاريخ شهدت الأوساط الثقافية في العالم العديد من الملتقيات وورش العمل والمشروعات الدولية لتحقيق أهداف الاتفاقية. وتشير الاتفاقية في المادة رقم 4 منها إلى أن مفهوم “التنوع الثقافي” يقصد به “تعدد الأشكال التي تعبّر بها الجماعات والمجتمعات عن ثقافاتها. وأشكال التعبير هذه يتم تناقلها داخل الجماعات والمجتمعات وفيما بينها. ولا يتجلى التنوع الثقافي فقط من خلال تنوع أساليب التعبير عن التراث الثقافي للبشرية وإثرائه ونقله بواسطة أشكال التعبير الثقافي المتنوعة، بل يتجلى أيضاً من خلال تنوع أنماط إبداع أشكال التعبير الفني وإنتاجها ونشرها وتوزيعها والتمتع بها، أيا كانت الوسائل والتكنولوجيات المستخدمة في ذلك.
وتهدف الاتفاقية اأضاًإلى تهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها تفاعلاً حراً تُثري من خلاله بعضها بعضاً؛ وتشجيع الحوار بين الثقافات لضمان قيام مبادلات ثقافية أوسع نطاقاً وأكثر توازناً في العالم دعماً للاحترام بين الثقافات وإشاعة لثقافة السلام؛ فضلاً عن تعزيز التواصل الثقافي بهدف تنمية التفاعل بين الثقافات بروح من الحرص على مد الجسور بين الشعوب. كما تهدف إلى تشجيع احترام تنوع أشكال التعبير الثقافي وزيادة الوعي بقيمته على المستوى المحلي والوطني والدولي؛ وتجديد التأكيد على أهمية الصلة بين الثقافة والتنمية بالنسبة لجميع البلدان، وبالأخص للبلدان النامية، ومساندة الأنشطة المضطلع بها على الصعيدين الوطني والدولي لضمان الاعتراف بالقيمة الحقيقية لهذه الصلة؛ إلى جانب الاعتراف بالطبيعة المتميزة للأنشطة والسلع والخدمات الثقافية بوصفها حاملة للهويات والقيم والدلالات؛ وتجديد التأكيد على حق الدول السيادي في مواصلة واعتماد وتنفيذ السياسات والتدابير التي تراها ملائمة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي على أراضيها. وأخيراً العمل على توطيد التعاون والتضامن الدوليين بروح من الشراكة، ولا سيما من أجل النهوض بقدرات البلدان النامية على حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي.

ثلاثة مؤتمرات بفيينا وباريس
وتحقيقاً لأهداف الاتفاقية شهدت العاصمتان فيينا وباريس ثلاثة مؤتمرات مهمة في هذا الإطار نبدؤها بالمؤتمر الدولي الذي نظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي لحوار أتباع الأديان والثقافات في مقره في مدينة فيينا،حول “مقارنة تجارب اللجان الوطنية في مجال تعزيز التنوع الثقافي والديني” وذلك في الفترة من 28 إلى 31 مايو 2014. وقد أُجري هذا المؤتمر بالتعاون بين قسم الأبحاث ومجلس الأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية التابع لجامعة مدينة مونريال في كندا. وقد شارك في هذا المؤتمر مجموعة كبيرة من الباحثين الأكاديميين والقيادات الدينية وصناع القرار من مختلف القارات. وكان التركيز على دراسة الجوانب المتعلقة بكيفية تحويل مخرجات توصيات اللجان الوطنية في الدول لتقييم مدى فاعليتها على المستوى الوطني وأثرها الخارجي. وقد تناول المؤتمر عدداً من المحاور من بينها دراسة التحديات والاطلاع على التجارب المتميزة في مجال صياغة التوصيات المتعلقة بالتنوع الديني والثقافي من أجل ضمان تنفيذها لدى صانعي القرار السياسي، والتعريف بالتجارب الناجحة للجان الوطنية التي حظيت بتغطية إعلامية ملائمة. كما بحث المؤتمر دور صناع القرار في إيجاد أجوبة اجتماعية وسياسية ملائمة حول التنوع الديني والثقافي، وتقنيات التواصل الفاعلة والاستراتيجيات الملائمة لإعداد التوصيات  والتقارير الختامية.
وفي فيينا أيضاً عُقد المؤتمر العربي الدولي الثاني للعلاقات العامة عبر الثقافات المتعددة «إدارة الحوار عبر التنوع الثقافي في العالم»، خلال الفترة من 4 إلى 7 نوفمبر، بمدينة فيينا في النمسا، والذي عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية، بالتعاون مع الجمعية الدولية للعلاقات العامة«IPRA». وقد شارك في هذا المؤتمر خبراء في فنون التواصل والعلاقات العامة الدولية ومشاركة ثلاثة عشر دولة عربية وأوربية هي: المملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، والبحرين، وفلسطين، ومصر، والمغرب، والمجر، وأيرلندا، وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، وبولندا، وبلجيكا. وقد تمحور المؤتمر في التركيز على تأثير التنوع الثقافي في أساليب التواصل بالعصر الحالي، ودراسة نقاط الاتفاق والاختلاف في أساليب التواصل، إذ أن اختلاف الثقافات يسايره أيضاً اختلاف في أساليب التواصل، لتتناسب مع الثقافات المحلية واستيعاب مفاهيمها.
وفي باريس أعدت منظمة اليونسكو مؤتمراً دولياً في 3 ديسمبر 2014 استجابة للأزمة الراهنة بكل من سوريا والعراق وتعرض التنوع الثقافي لكلا البلدين لأخطار تهدد كيانهما يوماً بعد يوم كتدمير المتاحف التراثية، والأماكن الثقافية، والأضرحة والكنائس، ومواقع التراث العالمي. وقد انعقد المؤتمر تحت عنوان “التراث والتنوع الثقافي المعرضان للخطر في العراق وسوريا”، وافتتحه السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بكلمة عبر الشاشة التلفزيونية.كما أكدت “إيرينا بوكوفا” مدير عام اليونسكوفي كلمتها على أهمية التراث كهوية للشعوب، وناشدت المجتمع الدولي للتحرك في وجه التطرف والتشدد الذي يهدد التنوع الثقافي والحضاري في سورية والعراق. كما طالبت بوضع آليات لوقف نهب القطع الأثرية من البلدين وتسويقها في الخارج. وشارك في المؤتمر شخصيات دولية مهمة من بينها”ستيفان دي ميستورا” المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا الذي أكد على دور المصالحة في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. و”نيكولاي ملادينوف”الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق. كما ضم خبراء من دول العالم مثل إيميلي رفيرتي رئيسة متحف “متروبوليتان” وماركوس هيلغيرتمدير متحف الشرق الأوسط القديم في برلين. وقد ناقش المؤتمر خلال عدة جلسات وموائد مستديرة كيفية مكافحة تهريب الاثار والإجراءات الدولية التي تساعد على مواجهة الاتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية والتذكير بالقوانين والاتفاقيات الدولية التي تطالب بحماية الآثار، وكيفية اتخاذ تدابير محددة لوقف النزف الثقافي، والنظر في نشوء أشكال جديدة من التطهير الثقافي، فضلاً عن التركيز على الصلة بين حماية التراث الثقافي وتحقيق الأمن في العراق وسوريا.

التنوع الثقافي بالقاهرة (دورة أسعد نديم)
واختتمت الفعاليات الدولية حول التنوع الثقافي في 2014 بمؤتمر القاهرة التي شهدت فعاليات الملتقى الدولي المأثورات الشعبية والتنوع الثقافي(دورة أسعد نديم) في الفترة من 15-17 ديسمبر 2014، والذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة. وشارك في الملتقى مجموعة من الباحثين والخبراء العرب من كل من:مصر،والسودان، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، وسوريا ولبنان والأردن، والإمارات، والسعودية، وقطر، وسلطنة عمان، والبحرين. وقد أعلنت ورقة المؤتمر عن ثلاثة محاور رئيسية، تناول الأول “توثيق المأثورات الشعبية وتعزيز تنوعها الثقافي” من خلال دور توثيق المأثورات الشعبية في التنمية الثقافية والحفاظ على حيوية التنوع الثقافي، وتطوير طرائق توثيق المأثورات الشعبية التي تعزز تنوع أشكال التعبير الثقافي (الأرشيف والتكنولوجيا الحديثة). والمحور الثاني حول “الصناعات الثقافية” من خلال دور المأثورات الشعبية في تنمية الحرف التقليدية بما يحفظ تفردها وتنوعها الثقافي، وإسهام منظمات المجتمع المدني في تنمية الصناعات الثقافية، وحماية تنوع سماتها الثقافية، والكنوز البشرية الحية ودورها في الارتقاء بالصناعات الثقافية وحماية الهوية الثقافية. أما المحور الثالث والأخير فقد تناول “الترميم ودوره في صون العمارة التقليدية وإبراز تنوعها الثقافي” من خلال بحث العمارة التقليدية وأساليب ترميمها وصونها بما يراعي تنوع أشكالها الثقافية، والمتاحف ودورها في صيانة وترميم أدوات الحرف الشعبية، واستلهام موتيفات العمارة التقليدية المتنوعة في البناء الحديث.

أسعد نديم صاحب التجارب الرائدة (1928-2011)
وقد كانت هذه هي الدورة الخامسة لملتقى المأثورات الشعبية، وكانت المرة الأولى التي يغيب عنها الدكتور أسعد نديم الذي رحل عن دنيانا عام 2011، وقد قررت الوزارة إهداء هذه الدورة لاسم الراحل العظيم. والدكتور أسعد نديم هو أستاذ الفولكلور والمأثورات الشعبية وخبيردولي في ترميم وحفظ وتنمية المناطق الأثرية والتاريخية، والذي عُرف بجهوده المصرية والدولية في هذا المجال. وهو خريج  قسم اجتماع بجامعة القاهرة، وحصل على دبلوم معهد الدراسات الأفريقية بالجامعة نفسها، ثم درجة دكتوراه الفلسفة فى الفولكلور من جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية. وارتبط نشاط الدكتور أسعد نديم بعدة مؤسسات وطنية ودولية كالجمعية المصرية للمأثورات الشعبية. والمعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون الذي أشرف فيه على العديد من الدراسات الأكاديمية. ولجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة.كما أسهم إسهامات مميزة بالمؤتمرات الدولية فى مصر والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وسويسرا واليابان ‏والصين والخليج العربى.‏ وقد كان من أبرز مشروعاته- في تنمية الحرف التقليدية والحفاظ على الكنوز البشرية-إنشاء معهد المشربية لتنمية فن بلادنا لتكوين جيل جديد يتقن الفنون التقليدية بالمستوى اللازم لترميم ‏الآثار.‏ كما قام بإجراء البحوث وتدبير الموارد والتنفيذ لمشروع “ منطقة بيت السحيمى “بحارة الدرب الأصفر بالجمالية ‏بالقاهرة.‏ ثم تأسيسه لمشروع “أرشيف الثقافة الشعبية” ببيت الخرزاتي بالدرب الأصفر. كما أسهم نديم خلال حياته في مجال السينما التسجيلية من خلال مشاركته لأخيه الأكبر المخرج سعد نديم في إعداد بعض الأفلام حول الحرف التقليدية في مصر. أما مؤلفات أسعد نديم فهي كتابه “كشف أفريقيا” (بالاشتراك)، وكتاب “فنون وحرف تقليدية من القاهرة”. كما قدم دراسته الشهيرة حول “توثيق وترميم وتنمية منطقة بيت السحيمى: حارة الدرب الأصفر ، الجمالية ، القاهرة في بحث ‏منشور فى كتاب “ القاهرة التاريخية “. وترجم نديم كتاب “الفيلم فى معركة الأفكار” لجون هوارد لوسن.‏ وفي افتتاح الملتقى كرم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة اسم الدكتور الراحل أسعد نديم، وسلم درع وزارة الثقافة لابنه أدهم نديم، وأعرب عصفور عن سعادته بأن هذا الملتقى يحمل اسم أسعد نديم رائد الفولكلور التطبيقي، كما أشار للحضور بأن أسعد نديم هو الذي قام بتصميم القاعة الرئيسية للمجلس الأعلى للثقافة، وأنه كلما دخل القاعة يذكر فضله في تحويل المأثورات الشعبية إلى صناعات وحرف تقليدية، وهذه الدورة والتي تحمل اسمه، اعترافاً بالدور الذي قام به. وقد فاجأت الدكتورة نوال المسيري زوجة الراحل أسعد نديم الحضور بتقديم فيلماً تسجيلياً قام بتصويره فى النوبة، حول عادات وتقاليد أهل النوبة قبل التهجير عام 1962، مشيرة إلى أن الفيلم لم يتم عرضه منذ نصف قرن، وقد استعانت بسيدة نوبية من منطقة الحمدان “الحاجة ربيعة” للتعليق على الفيلم. وقد اختتم الحفل الافتتاحي بعرض فني لفرقة توشكى التلقائية، على حين اختتمت فعاليات المؤتمر بعرض فني لفرقة الموسيقى الشعبية بقيادة المخرج الفنان عبد الرحمن الشافعي.

الأوراق العلمية بالملتقى
وعلى مدار ثلاثة أيام تم مناقشة ما يقرب من 60 ورقة بحثية. وطُبعت ملخصات الأبحاث في كتاب من القطع المتوسط يحوي 126 صفحة  تحرير أحمد بهي الدين، ورُتبت وفقا لأبجدية أسماء الكُتاب، وقد اعتمدنا في عرض الأوراق على هذه الملخصات التي قدمها المشاركون للمؤتمر، وقد رُتبت فعاليات الجلسات وفقاً للمحاور التي جاءت على النحو التالي:

الصناعات الثقافية والتنمية المستدامة
ناقش هذا المحور خمس أوراق بدأها أدهم نديم في ورقة بحثية بعنوان “التراث الثقافي المادي وتنمية الصناعات التراثية”عرض فيها تجربة والده أسعد نديم في التعامل مع التراث الثقافي المادي وغير المادي من خلال مشاريع حقيقية كانت لها إسهامات تنموية ملموسة خلقت آلاف فرص عمل، واستناداً إلى هذه التجربة وضع أدهم تصوراً لخارطة طريق تُدمج من خلالها الصناعات الحرفية التقليدية مع الاقتصاد القومي، بحيث تدعمه بدلاً من أن تكون عبئًا عليه، محققة بذلك تنمية مستدامة حقيقية. وتنتهي الورقة بوضع تصور للدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع الخاص في هذه المرحلة، وما تقوم به الدولة ومؤسساتها من دعم للنهوض بتراثنا والمحافظة عليها. أما عبد الحميد حواس (مصر) فقد قدم ورقة بعنوان الحرف التقليدية المقاومة، لفت فيها الانتباه إلى تعرض “الطاقة الإبداعية” لدى منتجي الثقافة الشعبية إلى عمليات إنضاب وتجريف تعمل على تآكلها، فأصناف الحرف التقليدية هي في الواقع تجليات نوعية لهذه الطاقة المبدعة، دائبة العمل في الثقافة الشعبية، هي التي تحقق تميز أي من هذه الأصناف، وتنجز تمايزه المعبر عن الهوية، وما قيام الغزو والاستعمار – على مجرى التاريخ – بنزع منتجي الحرف والصنائع من مجتمعهم المحلي وترحيلهم إلى بلاد الغزاة، إلا مظهر صارخ لعملية التجريف والانضاب للطاقة المبدعة لدى الشعوب المغزوَّة. وما العودة - المتكررة – لانبعاث هذه الحرف واستئناف نشاطها من جديد إلا مظهر من مظاهر المقاومة الشعبية لعمليات التجريف والانضاب، ليؤكد عبد الحميد حواس فلسفة ومنهج أسعد نديم في ضرورة الحفاظ على الحرف والحرفيين. وفي المحور نفسه قدم فاروق أحمد مصطفي(مصر) ورقة بعنوان “أثر المأثورات الشعبية  في تنمية الحرف التقليدية..دراسة أنثروبولوجية” تناول فيها دراسة المأثورات الشعبية وأهميتها وميادينها المختلفة، والتنمية الاجتماعية بأنواعها المختلفة مع التركيز على أهمية التنمية المستدامة. ثم أشار إلى أهمية الدراسات الأنثروبولوجية في المحافظة على المأثورات الشعبية، والمناهج والأساليب المستخدمة فيها بصفة عامة وتنمية الحرف التقليدية بصفة خاصة. كما قدم نماذج من هذه الدراسة للحرف التقليدية وتطويرها والاستفادة منها كصناعة الفخار، والزجاج، والصناعات الخشبية المعتمدة على النخيل، وصناعة المنسوجات اليدوية.واستكمالاً لفكرة هذا المحور قدم محمد حافظ دياب ورقة بعنوان “أسئلة الصناعات الثقافية مقاربة نقدية”، حدد فيها منهجه ببحث استطلاع الفاعليات التي تقدمها هذه الصناعات، والمشكلات التي تواجهها عن طريق التعامل النقدي معها، بما يعين على إدراك تحريك واعٍ لفهم آلياتها ومعانيها وتوجهاتها المستقبلية. ويؤكد دياب إلى أنه من المستطاع ترجمة مسعي هذه المساهمة بصورة أجلى، من خلال التماس الجواب عن تساؤلات من قبيل: ماذا عن الدخل العام الذي سيَّج فكر الصناعات الثقافية؟ واستتباعًا: ما الذي تعنيه هذه الصناعات وبخاصة في ظروف تزاحم مصطلحات أخرى معها (الصناعات الاتصالية، الصناعات التربوية، رأس المال الرمزي، الصناعات المصنعة، القوة اللينة، صناعة العواطف،، صناعة الذكريات...)؟. ثم استكمل تساؤلاته: كيف السبيل إلى تصور نظري يؤمِّن درسها من خلال درس الاتجاهات المقدمة: مدرسة فرانك فورت، مدرسة الدراسات الثقافية؟، ومادورها في التنمية وفي تحقيق التنوع الثقافي؟ وأخيرًا ما التوجهات التي ينتظر أن يترسمها مسارها؟. واختتم هذا المحور بورقة نجيمة طايطاي (المغرب) حول “التراث الثقافي غير المادي والصناعات الثقافية وعلاقتهما بالتنمية المستدامة”عرضت فيها للدور الذي يمكن أن تلعبه السياحة البيئية أو السياحة الثقافية في تحسين الأوضاع المادية لحاملي كنوز التراث الثقافي غير المادي، مع الحفاظ على التنمية المستدامة، أي تحقيق التوازن بين متطلبات المعيش اليومي وما توفره الطبيعة من إمكانيات؛ فالتراث الثقافي غير المادي يزخر بالمأثورات الشعبية التي تتيح هذا التوازن وتسهله، سواء على مستوي العادات والتقاليد والتعابير الشفهية (أساطير، معتقدات، أحاج، أمثال...)، أو على مستوى فنون الفرجة (موسيقي، غناء، رقص، ألعاب شعبية...)، والممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية (أعياد، معارض، تجمعات شعبية، أشكال تنظيمية تقليدية، ذاكرة شفهية ...)، والمعارف والممارسات المرتبطة بالطبيعة والكون (المعارف المتصلة بالتغذية، المعارف والممارسات المتعلقة بالبيئة...)، ثم التقنيات والمهارات المتعلقة بالحرف التقليدية.
 

صون العمارة التقليدية وتعزيز تنوعها الثقافي
تناول هذا المحور عدة أوراق اتسمت بالجانب التطبيقي بدأ بورقة طارق سليم (مصر) حول “أسلوب المنهج العلمي لمشروع ترميم منطقة بيت السحيمي”، هذا المشروع الضخم الذي استغرق قرابة ستة أعوام حتي كَمُل، وهي مدة قصيرة بالنسبة لحجم المشروع الذي تكون من ثلاثة بيوت أثرية وسبيل وكُتَّاب، إضافة إلى إعادة البنية التحتية لحارة الدرب الأصفر التي تقع بها هذه المباني الأثرية مع أعمال تجميل الحارة نفسها وجميع المنازل بها.. كما تناولت الورقة أسلوب المنهج الذي اتبع في هذا المشروع، وكيف كان مختلفًا عن بقية مشروعات الترميم التي تمت قبل ذلك، من خلال أنواع دراسات التوثيق، عمليات الترميم الإنشائية، مقارنة منهج هذا المشروع بالمشروعات السابقة للجنة حفظ الآثار العربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ومقارنة منهج هذا المشروع بالمشروعات المماثلة الأخرى التي سبقتها، والدروس المستفادة منه. وعن استلهام موتيفات العمارة التقليدية في البناءات الحديثة (مدينة الكاف نموذجاً)..تناول محمد الجزيراوي (تونس) من خلال دراسته الميدانية في منطقة “الكاف” الواقعة بالشمال الغربي التونسي، وجود مجموعة من الأشكال الفنية في مبانٍ تقليدية، تبرز مجالات الإبداع الفني الشعبي، ويحاول الجيزاراوي تحديد الأشكال والرموز التقليدية التي كشفت عنها الدراسة والبحث عن دلالاتها ومعانيها وعن منابعها الأصلية وروافدها الإضافية. وتحديد مظاهر نقل موتيفات العمارة التقليدية في البناءات الحديثة، والتأكيد على إيجابيات هذا الإجراء والمتدخلين فيه. رؤية نقدية لهذا النقل من خلال إبراز حدوده المادية والتقنية والجمالية، ومن ثمة تقديم مجموعة من التوصيات التي يمكن الاستفادة منها لعل أهمها الحفاظ على المباني التقليدية وحمايتها بالترميم للحفاظ على مصدر الاستلهام. وتهدف الدراسة، في بُعد من أبعادها، إلى الخروج بالمأثور الشعبي من عزلته، وإعطائه الأهمية اللازمة، والكشف عن دلالات الموتيفات وحجم ما تحمله الرموز من معانٍ وقيم قد تساعدنا، يومًا ما، على صياغة عمارة حديثة أصيلة ومتأصلة.  كما أثار محمد عباس (مصر)في ورقته “توثيق المأثورات الشعبية والثورة الرقمية وحدود الإبداع الشعبي” بعض القضايا الموضوعية والمنهجية التي تستلهم ذاكرة الشعوب وتوقظها من غفلتها، لاسيما في خضم التطور والتغير الاجتماعي والثقافي العنيف الناجم عن الابتكار التقني الرقمي أو الثورات الشعبية الجامحة.. ويطرح عباس عدة قضايا منها: حجم رصيد الشعب المصري من قيم وأخلاقيات المأثور الشعبي التلقائي والمصطنع وحدود تغييره تلقائياً أو قسرًا؟. تراجع الحوار حول الماضي في خزانة الموروث من المأثور..وما علاقة ذلك بما يطلق عليهتجاوزًا الموروث النازل؟!. موروث المأثور في مجتمع...مضطرب. المأثور الشعبي بين حيوية التنوع الثقافي وسرعة وحدود الإبداع المجتمعي الشعبي. المأثور الشعبي وحدود الإبداع والعنف الديني. طرائق التوثيق: اليدوية، التقليدية، التكنولوجية، الإلكترونية،الرقمية،..والنظرة إلى طرق للتوثيق أسرع خطى. ثم انتهى بتساؤل حول كيفية السبيل إلى إعادة صناعة وصياغة الموروث من المأثور والتسويق الثقافي؟.وفي إطار صون العمارة التقليدية أيضاً قدم مختار الكسباني (مصر) ورقة بعنوان “ترميم الأثار بين التقنية الفنية والرؤية التنموية المجتمعية، دراسة تطبيقية على مشروع ترميم بيت السحيمي  وتطوير الدرب الأصفر”، تناول فيها المنهجية العلمية في هذا المشروع من خلال المحور التقني ويتضمن دراسة أثريه لمكونات بيت السحيمي وتأريخها بدقة لتحديد أقدم هذه المكونات، ودراسة الحاله الراهنة للعناصر المعمارية والفنية للبيت،وتحليل الخامات المختلفة المكونة لعمارة البيت (مونات- أحجار- أخشاب- معادن- دهانات- ألوان... إلخ). ثم وضع التصور العلمي لمعالجة مشاكل هذا البيت على الأسس المعتمده للمواثيق الدولية عند تنفيذ المشروع.أما المحور التنموي فقد تضمن مشروع ترميم بيت السحيمي استخدامه كمنارة إشعاع ثقافي وفني من خلال أنشطة متعددة ثقافية وفنية اجتماعية كان لها انعكاساتها المتعددة. حيث شمل الترميم أيضَا بيت الخرزاتي، والدرب الأصفر بكامل مكوناته من بيوت عادية ومحال تجارية، وإعداده ليكون مزارًا سياحيًا ومكانًا ترفيهيًا يعود بالنفع على سكان المنطقة. أما نايري هامبكيان (مصر) فقد تقدمت بورقة حول “ترميم وصون بوابة باب زويلة الخشبية”عرضت فيها لترميم ضلفتي أحد الأبواب الباقية من أبواب القاهرة التاريخية وهو باب زويلة، الذي كان في حالة يرثى لها، متروكًا في العراء دون أي حراك، اعتلته طبقات الأسفلت التي تتكون منها الطرق الحديثة، مما جعله عرضة للانهيار الناجم عن أي خلخلة طبيعية أو صناعية. وقد كان على فريق العمل خلع هاتين الضلفتين الكبيرتين من مكانهما وترميمهما وإعادتهما إلى مكانهما، أخذًا في الاعتبار المثابرة بداية بمرحلة “الفك” مرورًا بالترميم وانتهاءً بالتركيب، ثم المثابرة على صونه مستقبلاً بعد ترميمه، فقد كان من الضروري فك ألغاز الباب التصنيعية الفريدة والوصول إلى الحلول التي تلائم هذا الأثر النادر الذي يعتبر جوهرة خشبية.

التوثيق والصون والتنمية
شكل هذا المحور مجموعة متنوعة من الدراسات الميدانية والتطبيقية في أكثر من موضوع في المأثور الشعبي المصري، بدأ بدراسة أحلام أبو زيد (كاتبة هذه السطور- مصر) بورقة بعنوان: “دورالجماعات الشعبية في الحفاظ على المأثور الشعبي: واحة سيوة نموذجاً”.تناولت الورقة واحدة من التجارب التي شاركنا فيهامع مجموعة من الأساتذة المتخصصين في المجال في دعم اتجاه مشاركة الجماعات في توثيق تراثها الشعبي، وقد اخترنا واحة سيوة التي تقع على بعد حوالي 800 كم من القاهرة لتكون نموذجاّ، وقد تمت تلك التجربة من خلال مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، والاتحاد الأوروبي (مشروع سيوة – طنجة: نحو حياة أفضل) والاشتراك مع منظمة كوسبي. واشتملت التجربة عدة دورات وورش عمل قمنا فيها بتدريب مجموعة من شباب وفتيات الواحة على المناهج والأساليب العلمية لجمع وتوثيق موضوعات المأثور الشعبي، وكذا تدوين وتصنيف المادة الميدانية - وطرائق توثيقها.. وبتطبيق ما تعلموه- ومتابعتنا لهم بالمراجعة والتوجيه المناسب-قدموا نتائج جيدة خاصة الفتيات اللاتي أثبتن درجة عالية من الجدية والوعي بأهمية المشروع. ثم تولى فريق من مشايخ الواحة مراجعة جميع البيانات تمهيداً لأرشفتها على أحدث نظم التوثيق بمركز متخصص تم إنشاؤه لهذا الغرض. ولعل تعميم هذا المنهج من شأنه تحقيق عدة أهداف منها المحافظة على المأثور الشعبي من خلال أبناء المنطقة، ورفع درجة الوعي بأهمية التراث واحترامه، فضلاً عن المساهمة في عمليات التنمية الثقافية، والحفاظ على حيوية التنوع الثقافي بين الجماعات. وفي مجال الموسيقى الشعبية قدم زين نصار(مصر) ورقة بعنوان “استخدام الألحان الشعبية في المؤلفات الأوركسترالية المصرية”، استعرض فيها أهمية المأثور الشعبي المصري، ودوره كمصدر للإلهام، ودافعًا لعدد من مؤلفي الموسيقى المصريين لكتابة مؤلفات موسيقية أوركسترالية تعتمد في بنائها على ذلك التراث، سواء باستخدام الألحان الشعبية وإعادة صياغتها لتقدم في صورة أوركسترالية، أو باستخدام الآلات الموسيقية الشعبية في بعض تلك المؤلفات.. حيث يري أن استخدام الألحان الشعبية المحلية في هذا المجال يجدد حيويتها، ويقدمها في صورة جديدة تعمق الإحساسبها وبالبيئة التي نشأت فيها. ويذكر نماذج منهالأبو بكر خيرت ورفعت جرانة وكامل الرمالي وعطية شرارة وأعمال فرقة رضا للفنون الشعبية التي ألفها على اسماعيل.. وغيرها. وفي مجال الموسيقى الشعبية أيضاً عرض محمد شبانه (مصر) لورقة بعنوان “توثيق الموسيقى الشعبية المصرية: ضرورة علمية وقومية” أشار خلالها إلى أن الموسيقى الشعبية هي التعبير الفني الصوتي عن الثقافة الشعبية المصرية بتنوعها وتميزها وثرائها الكمي والنوعي. وكيف يجمع مجال الموسيقى الشعبية بين المأثور الشعبي ممثلا في الإبداع الموسيقي عزفًا وغناءً وما يرشح عنه من أشكال وأنواع..وجانب مادي يتمثل في الآلات الموسيقية الشعبية المصرية بتعدد فصائلها وتنوع أحجامها وأشكالها، وكذلك صناعتها باعتبارها حرفة متميزة تتطلب وجود الحرفيين المهرة. وتطمح هذه الورقة إلى طرح بعض الأفكار والرؤىفي تأسيس أرشيف ومتحف متخصصين للموسيقي الشعبية المصرية، وذلك وفق رؤية توثيقية تضمن الإتاحة والعرض الفني والمتحفي سمعيًا وبصريًا، وخلق آلية تتيح مصادر دخل تضمن الاستمرار والتطوير لهذا الأرشيف وهذا المتحف. والورقة على هذا النحو تثمن التجربة الرائدة للأرشيف القومي للمأثورات الشعبية المصرية في هذا المجال. أما الورقة الأخيرة فقدمتها نوال المسيري (مصر) بعنوان “الصناعات الثقافية التراثية المصرية” تناولت فيها علاقة مفهوم الصناعات الثقافية عمومًا بالصناعات الثقافية التقليدية، وكان إطلاق مفهوم “الصناعات الثقافية” على الثقافة التقليدية أمرًا يُنظر إليه بقدر كبير من التوجُّس والحذر من المهتمين بالمأثورات  وحماتها من جهة، ومن الفنانين التشكيليين من جهة أخرى. وتركز نوال المسيري على عدة قضايا منها المتعلقة بالفنون والحرف التقليدية في مصر، فضلاً عن علاقة الحرف التقليدية بالصناعات الثقافية التراثية، وعلاقة الحرف والفنون التقليدية بالوثائق والأرشيف. كما تتعرض لمفهوم الصناعات الثقافية والسياسات في العصور المختلفة، وسياسات بعض الكيانات المعنية بالحرف والفنون التقليدية كعنصر من الثقافة التقليدية. ثم تلقي الضوء على التنمية وأهمية التكتلات الصناعية، ومسؤوليات المتخصصين والسياسات البحثية. وأخيراً ربط الصناعات التراثية المصرية بالإنتاج الصناعي الحديث.

المأثورات الشعبية وجهود التنظير
ويحمل هذا المحور مجموعة دراسات تنظيرية بدأها سميح شعلان (مصر) بورقة بعنوان “المادي وغير المادي في التراث الثقافي الشعبي وصل بغير فصل”، تناول فيها الحوار الذي يدور حول اتفاقية التراث غير المادي 2003 التي أعلنتها منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، حيث يؤكد على أهمية إجراء مراجعة جادة وموضوعية، تؤكد الهدف وتعززه بأفكار قد تسهم في تعديل بعض المسارات بغرض تفعيل بنود الاتفاقية بما يتلاءم ويتفق مع الواقع الثقافي للجماعات البشرية، ويعزز وضوح الرؤية وإمكانية التطبيق من خلال الحوارات العلمية للمحاور التالية:اختبار مدى كفاءة مصطلح المادي وغير المادي في التعبير عن المقصود بهما في تراث وثقافة الشعوب، ومناقشة مدى تعبير الموضوعات التي حددتها الاتفاقية للتراث الثقافي غير المادي عن الواقع الميداني لتلك الموضوعات، والكشف من خلال ذلك عن مدى قدرة تلك التقسيمات على الفهم والتناول والرصد والتوثيق بغرض الصون والحماية.آملاً أن تسهم الورقة في إجراء حوار علمي رصين مع المحاولات الجادة لصون الملامح الحضارية للخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإنسانية. وحول موضوع الاتفاقية أيضاً قدم سيد حامد حريز(السودان) ورقة بعنوان «المعارف والمهارات والصناعات التقليدية في ضوء اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، تناول فيها المعارف والمهارات والصناعات التقليدية في إطار المجالات المختلفة للمأثورت الشعبية. وبدأ بعرض موجز لتلك المجالات خلال الفترة التي نشطت فيها الدراسات الفولكلورية، وذلك في النصف الثاني من القرن العشرين، ثم يعرج إلى مناقشة الموضوع الذي يطرحه في ضوء اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية تسعى إلى تفعيل التراث، وربط الماضي بالحاضر وتوجيه المأثورات الشعبية نحو الإسهام في حل القضايا المجتمعية. وفي مجال الجهود التنظيرية أيضاً يقدم طارق صالح سعيد (مصر) ورقة بعنوان الصناعات الثقافية إدارة اقتصاد الثقافة كأحد المصادر الرئيسية للدخل القومي في المجتمعات الحديثة، حيث يرى أن تسليط الضوء على العناصر المشتركة للموروث الحضاري المتنوع أحد العناصر الرئيسية للتقارب بين أبناء الوطن، والموروث الحضاري المصري من أغنى الموروثات ويتميز بالتنوع والتباين، فمصر بجذورها الفرعونية وثقافتها القبطية وخلفيتها الإسلامية تتميز بتنوع شديد وتراكم ثقافي أدى إلى صهر ذلك الموروث في بوتقة خاصة جداً أنتجت مزيجًا متجانسًا له نكهة خاصة، ولما كانت حياتنا المادية ذات إيقاع سريع فإنها تتطلَّب الاستفادة من مواردنا، من ثم يُعد الموروث الحضاري ثروة طالما أهملناها، وقد حان الوقت لإدارتها على الوجه الأكمل لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منه وإضافة مورد جديدللدخل القومي. حيث يقدم تصنيف عناصر اقتصاد، وعرض تجارب ناجحة من دول أخرى، إضافة إلى رؤية مستقبلية لإدارة تلك العناصر لتحقيق استفادة تؤكد أن هذه الموارد الرئيسية يمكن أن تضيف الكثير إلى الدخل القومي.

دور الصناعات الثقافية في صون وتنمية المأثورات الشعبية
يقتصر هذا المحور على ثلاث ورقات من مصر والبحرين بدأته دينا باخوم (مصر) بورقة بعنوان «قيم التراث الثقافي وسبل الحفاظ عليها»، ناقشت فيها كيفية الحفاظ على مدينة القاهرة التاريخية وتراثها من خلال احترام القيم المختلفة لها، ومن خلال المشاركة الجدية لكل الأطراف المعنيين، منطلقة بما ورد في ميثاق بورا (استراليا) أن أهمية التراث الثقافي تتمثل في قيمه الجمالية والتاريخية والعلمية وأيضاً الاجتماعية والروحية.وتضيف: عندما ننظر إلى مدينة مثل القاهرة التاريخية نجد أنها غنية بالتراث الثقافي الحي الذي يحوي العديد من القيم المختلفة متمثلة في تراثها المعماري وتنظيمها العمراني وحرفها التقليدية وتقاليدها التي ما زال العديد منها موجوداً حتى الآن. ولكن في بعض الأحيان لا يتم النظر إلى كل هذه القيم في مجملها، ويوضع في الاعتبار أن القيم الجمالية والتاريخية والعلمية فقط لها الأولوية القصوي. أما ريم سعد (مصر) فقد تناولت في ورقتها «الحرف التقليدية في صعيد مصر: تحولات في المعنى والقيمة» ظروف إنتاج واستهلاك بعض الحرف التقليدية في صعيد مصر، وعلاقة ذلك ببعض ملامح التركيبة الاجتماعية لجنوب الصعيد في ظل التغيرات في أنماط الإنتاج والاستهلاك التي يشهدها ريف الصعيد، وما نتج عن ذلك من عوامل أثرت على إنتاج الحرف التقليدية وغيرت من طرق استهلاكها.وتشير إلى أنه رغم العوامل التي أثرت على الحرف التقليدية مثل انتشار المدنية، والعولمة، إلا أن تلك الحرف ليست في طريقها للاندثار. وتعد الورقة على هذا النحو محاولة لتفسير استمرار وبقاء العديد من الحرف التقليدية، ورصد بعض جوانب التحول في ظروف إنتاجها واستهلاكها. وعن الوحدات الزخرفية في الفن الشعبي البحريني كمصدر لتنوع الإنتاج الفني تناقش سميرة محمد الشنو (البحرين) محورين رئيسين: الأول الفنون التشكيلية الشعبية وجمالياتها في مملكة البحرين من خلال ماهية الفن الشعبي التشكيلي، والفن الشعبي كفن وتطبيق، والهدف من دراسته والعوامل المؤثرة فيه، والزخارف الشعبية السائدة في السطوح المختلفة لعناصر التراث البحريني، والأبعاد الفلسفية والثقافية لهذه الفنون، ثم تناقش سميرة تصنيف الفنون الشعبية  التشكيلية في البحرين. أما المحور الثاني في ورقتها فيتناول جماليات الزخرفة الشعبية من خلال بحث الزخارف الشعبية الخليجية، ومبادئ الزخرفة، الزخرفة الإسلامية، ماهية التصميم وعناصره، والنظام البنائي للتصميم (هيكل التكوين- إطار العمل الفني المصمم)، والأسس الفنية له. وتتناول في النهاية القيم الفنية والجمالية، والمعالجات الفنية المرتبطة بالتصميم.

تجارب في التوثيق والتنمية
يعد هذا المحور من أكبر المحاور الذي كتب فيه المشاركون في المؤتمر، وبلغ حوالي خمسة عشر ورقة، من بينها أربع ورقات حول الكنوز البشرية الحية سنعرض لها في فقرة مستقلة. وقد تم مناقشة الأوراق على عدة جلسات. بدأت بمناقشة الورقة التي قدمها حسن عبد الله خليل (السعودية) بعنوان “مهرجان الجنادرية..وإحياء التراث الشعبي في المملكة العربية السعودية” تناول فيها إسهام هذا المهرجان في إحياء التراث الشعبي بنوعيه المادي وغير المادي، من خلال المأثور الشعبي متمثلاً في العادات والتقاليد، الفنون السمعية ، الفرق الفنية والاستعراضية والفولكلورية، التراث التعليمي والثقافي، التراث الاجتماعي السعودي، المأثور الشعري والقصصي. ثم تناول التراث الثقافي المادي والمأثور الشعبي متمثلا في التراث المعماري، التراث الزراعي، الحرف والمقتنيات، الصناعات التقليدية، الأسواق والدكاكين الشعبية، الألبسة والمنسوجات والأزياء، تشجيع إنشاء المتاحف الشعبية، الأطعمة والمأكولات. كما تناول الحياة الاجتماعية في المأثور الشعبي للمملكة. وناقش أخيراً أثر مهرجان الجنادرية بطابع الحياة في المملكة، فأصبح يوجد في كل منطقة، بل وفي كل مدينة وقرية انعكاس للجنادرية. ثم يقدم سليمان العقيل (السعودية) ورقة بعنوان “مشروع توثيق الحياة الاجتماعية للمجتمع السعودي: دارة الملك عبد العزيز نموذجاً”قدم فيها رؤية حول المشروع ومنهجيته، والأنظمة الاجتماعية بتفريعاتها. وبدأ بأهمية توثيق المأثور الشعبي السعودي في حفظ التاريخ للأجيال القادمة، وكيف أصبحت دارة الملك عبد العزيز هي خزينة ذاكرة المجتمع السعودي، ثم شرح تفاصيل المشروع الذي يقوم على دراسة مسحية اجتماعية أنثروبولوجيا تاريخية توثيقية لكل نسق من أنساق البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المكون للمجتمع السعودي، من خلال تقسيمه إلى 17 نسقُا كبيرًا تندرج تحت كل نسق عناصر تفصيلية وجوانب مادية ومعنوية، مع الأخذ في الاعتبار التداخل الحتمي والطبيعي بين العناصر كلها، والتـأثير البيئي، وتغير الحيز المكاني، والتحديث الزماني...إلخ. ويذكر أن لهذا المشروع التوثيقي مجموعة كبيرة من الأغراض والأهداف تحققت بشكل مباشر وغير مباشر، وهي متروكة لمن يستفيد منها. أما علي عبدالله خليفة (البحرين) فقد شارك بورقة حول “دوريات الثقافة الشعبية والمنظمة الدولية للفن الشعبي” وقد عرضها الأستاذ عبدالقادرعقيل، والورقة تقوم على وجهين: الأول ماتتضمنه من معطيات، والثاني ماسيفضي إليه الحوار مع أعلام الثقافة الشعبية الحاضرين، عسى أن تكتمل الرؤية وتتضح معالم الطريق. وعلى هذا النحو اهتمت ورقة خليفة بتقديم رؤيةلطبيعة العلاقة التي كانت للمنظمة مع البحث العلمي. فقد كانت المنظمة الدولية للفن الشعبي IOVتوجه اهتمامها إلى العروض الفرجوية أما الجانب البحثي التخصصي فقدكان شبه غائب ولم يظهر على نحو واضح صريح إلامع مجلة الثقافة الشعبية التي تأسست بناء على إرادة سياسية كرستها «رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم». ولا شك أن مفهوم الرسالة في الثقافة العربية الإسلامية مفعمة بالدلالات الإيجابية، فهو يعني فيما يعني التواصل مع الآخر واختصار المسافات التي تفصل عنه.. مسافات الزمان والمكان واللغة والثقافة والأفكار المسبقة، سعيًا إلى إزالة أسباب الخلاف وسوء التفاهم اللذين طبعا العلاقات بين الشعوب لأسباب عديدة.ولئن كانت الثقافة الشعبية تقوم بدورها الثقافي والعلمي مع نظيراتها من المجلات المتخصصة فإن دورها يبقى رائداباعتبارتعاونها الوثيق مع المنظمة الدولية للفن الشعبي وتوزيعها الواسع في حوالي 180دولة هي أعضاء هذه المنظمة التي تعمل ضمن منظمة اليونسكو .أما الدكتور محمد النويري فقد قدم ورقة موضوعها»الثقافة الشعبية سبع سنوات المنجز والمأمول» واستعرض ما رآه منجزا لمجلة الثقافة الشعبية مبرزا دورها الثقافي والعلمي وهو دور يشمل مختلف المجالات التي تعنى بها الثقافة الشعبية جمعا وحفظا وصونا لخصائصها التي تميزها عبر الأجيال المتعاقبة . وأما الدور الثاني فهو علمي بالأساس يهتم بالدرس والتحليل على أساس منظومات معرفية نشأت في أحضان معارف علمية متعددة اهتمت بالإنسان في مراحل حياته المختلفة . وهي علوم تتوزعها اهتمامات مختلفة وتؤلف بينها غايات واحدة شغلها الشاغل هو الإنسان في أنحاء حياته المتعددة كالأنتروبولوجيا والاجتماع وعلوم اللسان وعلم النفس وبين المحاضر أن مجلة الثقافة الشعبية التي تصدر في البحرين إنما تندرج في هذا الأفق متناغمة مع شقيقاتها في الحالم العربي ،غايتها توفير المجال الفكري لخدمة الثقافة الشعبية جمعا وصونا ونظرا ودرسا . أما محمد بغدادي (مصر) فقد شارك بورقة بعنوان «دور المأثورات الشعبية في تنمية الحرف التقليدية في الهيئة العامة لقصور الثقافة».حاول من خلالها وضع تصور لخطة إستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على الحرف التقليدية وتنميتها، بهدف الارتقاء بالمستوى الحرفي حفاظًا على الهوية المصرية من خلال تطوير قصور الثقافة للحفاظ على الحرف التقليدية والمهن المرتبطة بالمأثورات الشعبية والتراث المصري، بما يؤكد تفردها وتنوعها الثقافي، وتتضمن الورقة: لمحة تاريخية عن نشأة الثقافة الجماهيرية، وأهمية الحرف التقليدية، حيث يوجد أكثر من 350 حرفة تقليدية يجيدها المصريون، فهي تراكم خبرات متعددة ومتنوعة، توارثها الحرفيون عبر أجيال من الأجداد والأباء المهرة من شيوخ الصنعة، حيث تختلف وتتنوع الحرف التقليدية من مكان إلى مكان، ومن بيئة إلى بيئة ساحلية، صحراوية، حضرية قروية، وفقًا لتنوع الإنتاج الزراعي، والنشاط الإنساني، وتنوع الخامات ومتطلبات واحتياجات الأفراد من مكان لآخر.ثم تطوير قصور الثقافة وتحويلها إلى مراكز إبداعية للحرف التقليدية في محافظات مصر كلها، بحيث يضم كل قصر منهامركزًا حضاريًا للحرف التقليدية يجهز بأحدث الوسائل وعناصر الإنتاج...حيث يكلف مشايخ الصنعة المخضرمين (الكنوز البشرية) لتعليم دفعات متتالية من الشباب والفتيات، من خلال دورات تدريبية، وبهذا تتم عملية شاملة للتنمية البشرية لاكتساب وتنمية المهارات.
وفي السياق نفسه يعرض عز الدين نجيب (مصر) لتجربته حول «موسوعة الحرف التقليدية في مصر محاولة أهلية للحفاظ على المأثور والهوية».أشارفيها إلى أنه في ظل المتغيرات العديدة في المجتمع المصري منذ منتصف القرن الماضي، في العادات والتقاليد والمعتقدات وأنماط الذوق والثقافة السائدة، ودور الدولة في تنمية أو رعاية الحرف، تراجعت منتجات الحرف التقليدية عن المشهد العام للحياة المصرية. وانطلاقًا من الإدراك لخطورة هذه الحالة، بادرت جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة عام 2004 لإصدار سلسلة من الكتب المتخصصة باسم موسوعة الحرف التقليدية في مصر، ويقع كل منها في 200 صفحة، من بينها60 صفحة ملونة للنماذج الحرفية محل الدراسة، ويقوم على كل منها فريق من الباحثين الميدانيين ومن الباحثين في مجال التاريخ، والعقائد، والعادات والتقاليد، والدراسات الاجتماعية والفنية، ليشمل كل جزء جوانب الحرفة بتاريخها وجوانبها الثقافية والنفعية والجمالية والتقنية ومحيطها البيئي والإقليمي وغير ذلك. وقد صدرت منها حتى الآن ستة أجزاء، ولاتزال الجمعية تواصل استكمال رسائلها بجهود ذاتية مستعينة ببعض الجهات الداعمة بين الحين والآخر.كما قدمت آسية البوعلي (سلطنة عُمان) ورقة حول «التراث الثقافي غير المادي بسلطنة عُمان والتنمية المستدامة»، سلطت خلالها الضوء على كيفية إدخال هذا التراث ضمن مخطط برنامج التنمية المستدامة بمجلس البحث العلمي، وكيفية الربط بينهما.وتذكرالكاتبة عدة أهداف للدراسة منهاالحث على إنشاء مركز بمسقط العاصمة للتراث الثقافي غير المادي، وإقامة المزيد من ورش للفنون الشعبية العُمانية، والعمل على إيجاد قرى ومراكز وأسواق تراثية بمختلف مناطق السلطنة، والحث على إصدار مجلة علمية أكاديمية مُحكمة تُعنى بالتراث، ورصد التحديات والمعوقات التي تعترض جهود السلطنة في صون هذا التراث. ومن منظور التراث الثقافي  يقدم حسن سرور(مصر)»تجارب تطبيقية في التنمية المستدامة»، حيث تنحاز هذه الورقة إلى مفهوم «التراث الثقافي»؛ لكونه يجمع سلسلة من المصطلحات في المجال العام، تندرج ضمن التراث الثقافي غير المادي، والتراث الثقافي المادي، والتراث الطبيعي، فالمفهوم يوسع من زاوية الرؤية التي تتضمن المحتوى الثقافي، الذي يُعد ضرورة في بلادنا من أجل تنمية مستدامة حقيقية ،واستناداً إلى ما قدمته الورقة من تعريف لمصطلح «التنمية المستدامة» تذكر أيضاً أمثلة من التجارب التطبيقية في هذا المجال التي وظفت عناصر ومفردات من التراث الثقافي في مصر منها: بناء قرية القرنة الجديدة (الأقصر) تجربة حسن فتحي، معارف حول الأعشاب والنباتات في مصنع كيسم (الشرقية) تجربة إبراهيم أبو العيش، حرفة النجارة البلدية في معهد المشربية (الجيزة) تجربة أسعد نديم، حرفة السجاد والكليم في قرية الحرانية (الجيزة) تجربة رمسيس ويصا واصف، منتهياً بحرفة الفخار في جمعية بتاح لتدريب أولاد الريف والحضر على صناعة الخزف بقرية تونس (الفيوم) تجربة إيفيلين بورية.
وفي إطار التوثيق والتنمية أيضاًقدم حكمت النوايسة (الأردن)- الذي لم يستطع حضور الملتقى-ورقة حول الجهود الأردنية في الحفاظ على المأثورات الشعبية وزارة الثقافة نموذجاً.. ألقى خلالها الضوء على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة الأردنية في الحفاظ على المأثورات الشعبية، من خلال إعطاء نبذة تاريخية عن هذا الدور، وإضاءة المشروعات الحالية للوزارة بعد تأسيس مديرية التراث فيها، واللجنة الوطنية العليا للتراث، والمشكلات التي تواجه عملية حفظ التراث وتوثيقه في الأردن، والمشروعات التي تنوي الوزارة إقامتها في المستقبل المنظور بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتراث الثقافي، والفنون الشعبية.كما اشترك عز الدين بوزيد، وأحلام البجار (تونس) في ورقة بعنوان «إسهام منظمات المجتمع المدني في تنمية الصناعات الثقافية»، وحماية تنوع سماتها الثقافية.. من خلال طرح منهجي للإشكاليات التي أسهمت في دفع الجمعية التونسية للمحافظة على الألعاب والرياضات التراثية،ودراسة المأثور الشعبي في مجال الألعاب والرياضات الترفيهية. كما تطرح المقاربات العملية التي ساعدت على السمو بسمات المأثور الشعبي  الترفيهي، وتوسيع قاعدة ممارسته بمختلف مناطق الجمهورية التونسية ودول العالم ضمن مؤسسات ومنظمات حكومية وأهلية تعنى بالطفولة، والشباب، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، والفضاءات الترفيهية والسياحية. ومن زاوية أخرى تبرز ورقة البحث التمشي البيداغوجي التعليمي حول العلاقة التفاعلية بين النشاط الترفيهي المستوحى من المأثور الشعبي من جهة، وتنمية النشاطات الإبداعية للأطفال من جهة أخرى. أما الورقة الأخيرة في هذا الإطار فكانت لنهال محمود النافوري (سوريا) حول المأثورات الشعبية السورية بين الإلهام والإسهام».شرحت فيها علاقة المأثورات الشعبية بالتنمية بشكل عام، وبالحرف اليدوية التقليدية بشكل خاص. وتَمَيٌز سورية بكثرة وتنوع الحرف التقليدية، وما تتعرض له هذه الحرف من ضياع وإهمال. وتعرض الباحثة لتجربتها من خلال عملها في هذا المجال ومنها: مشروع توثيق واستلهام الأزياء الشعبية السورية أثناء عملها في وزارة الثقافة. استلهام العناصرالزخرفية الشعبية في تصميم أثاث منزلي، من خلال تجربة طلاب مرحلة الدراسات العليا جامعة دمشق – كلية الفنون الجميلة...ثم تجربة الباحثة في استلهام التراث الشعبي، من خلال توظيف الوحدات الزخرفية الشعبية في أعمال تشكيلية فنية، ثم توظيف هذه التشكيلات في أعمال نفعية في مجالات مختلفة كالتصميم الداخلي والأزياء والإكسسورات، بهدف الحفاظ على جزء من التراث، وخلق فرص عمل للشباب من خلال التوعية بأهمية التراث الشعبي واستلهامه للحفاظ على الهوية والخصوصية.

أوراق حول الكنوز البشرية الحية
وفي محور التوثيق والتنمية تم عرض أريع أوراق تناولت تجارب متنوعة حول الكنور البشرية آثرنا أن نقدمها تحت هذا العنوان. الموضوع الأول قدمته إيمان مهران من خلال ورقة بعنوان “الكنوز البشرية الحية وتنمية الحرف التقليدية..تجربة أسعد نديم نموذجاً”، استعرضت فيها تجربته في التعامل مع الكنوز البشرية الحية المُلمَّة بالمهنة وأسرارها بهدف الحفاظ عليها.. حيث حاول هذا الرائد جاهداً إزالة العوائق أمام الحرفي للوصول إلى أفضل النتائج المرجوة منه كمبدع يحمل تقاليد مهنته ويتحكم فيها، كما حاول من خلال فهمه لفلسفة الحرفة تيسير السُبل أمام الحرفي للحصول على أفضل سُبل التطوير، وتذكر الورقة عدداً من حاملي التراث الحرفي الذين اعتمد عليهم أسعد نديم، منهم محمد ابراهيم البياتي (محمد زكي)، الذي شارك في ترميمات أُجريت بالمسجد الأقصى بالقدس الشريف عام 1946، وحسن أبو زيد وأولاده الذين كان أحدهم مفتاح مرحلة كاملة في العمل التنموي التطبيقي في مجال الخشب في مصر من خلال أسعد نديم، وتدعو الورقة إلى مزيد من التفعيل لدور حاملي الخبرة وكيفية الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم في مجال تنمية الحرف التراثية.
والورقة الثانية حول الكنوز البشرية الحية لرحمة ميري (المغرب) بعنوان “تشكيل منظومة الكنوز البشرية الحية بالمغرب”، وتتمثل هذه المنظومة في الاعتراف رسميًا بحاملي وممارسي هذا التراث وتشجيعهم على نقل خبراتهم ومعارفهم للأجيال الجديدة، وتشير إلى أنه في نفس الإطار قامت وزارة الثقافة المغربية- ضمن البرنامج المشترك من خلال مكتب اليونسكو بالرباط- بمشروع يضع الأسس الضرورية لتنفيذ منظومة الكنوز البشرية الحية، والذي تبين من خلاله ضرورة تعاون عدة قطاعات لإنجازه، وعلى رأسها قطاع الصناعة التقليدية. وتتمثل هذه الأسس في ثلاث آليات متكاملة: الآلية القانونية ومهمتها تقنين منظومة الكنوز البشرية الحية ابتداء من تعريف حملة التراث إلى الاعتراف بهم مروراً بعمليات الترشيح والاختيار..ثم الآلية المؤسسية: تقترح تشكيلة الوحدة الإدارية التي ستكون مسؤولة عن تنفيذ منظومة الكنوز البشرية الحية وطريقة عملها. وأخيراً الآلية المالية: تقدم السيناريوهات المحتملة لطريقة تمويل الكنوز البشرية الحية والحقوق الاجتماعية الخاصة بهم. أما الورقة الثالثة فكانت لعلي بزي (لبنان) بعنوان “الكنوز البشرية الحية ودورهم في الارتقاء بالصناعات الثقافية وحماية الهوية الثقافية”، يُعرف فيها الكنوز البشرية الحية بأنهم الشخصيات المتوفر لديهم مستوى عال من المعارف والمهارات الضرورية لتأويل أو إعادة بناء العناصر الخاصة بالتراث الثقافي ببعديه المادي وغير المادي. من خلال توليف بين الإطار النظري الذي يقدم ماهية هؤلاء، والإطار العملي الميداني الذي يعرض نماذج دراسات وأبحاث خاصة قام بها، أو أبحاثًا قام بها الآخرون، حيث معلومات الكنوز البشرية الحية تُشكل مصدرًا مهمًا، وتُعتبر الركن الأساسي في إعداد هذه الأبحاث. ويهدف برنامج الكنوز البشرية الحية إلى: أن مصطلح الكنوز البشرية الحية، يعتبر مهمًا أولاً للباحثين أو المتعلمين المشتغلين بالأبحاث العلمية، فهم الطاقات المهمة التي ينبغي تسليط الضوء عليها، وثانيًا للكنوز أنفسهم بإعطائهم الأهمية وإشعارهم بقيمة وجودهم. و لتشجيع الدول على الاعتراف رسميًا بالأشخاص الذين يمتلكون معرفة التقاليد والممارسات الإبداعية، وكذلك ضمان انتقال هذه المعارف والمهارات إلى الأجيال الفتية.والورقة الأخيرة التي عرضت لموضوع الكنوز البشرية كانت لمحمد حسن عبد الحافظ (مصر) بعنوان “فاطمة وعبد الباسط: كنزين بشريين”، وتدور حول الكنوز البشرية الحية في مجال الأدب الشعبي وفنون الأداء الشعبية. من خلال مناقشة مفهوم “ الكنز البشري الحي”، وتاريخه، مع التطبيق على نموذجين من حملة المأثور الشعبي، يتمتعان بالمهارات والدراية اللازمة لنقل الخبرة الفنية والمعرفة إلى جيل جديد، وهما فاطمة أم محمد، 70 سنة، مغنية شعبية من واحة الخارجة محافظة الوادي الجديد. وعبد الباسط أبو نوح، 60 سنة، وهو مداح ومغنِّ بلدي وشاعر سيرة، من الغابات مركز البلينا محافظة سوهاج. وتطرح الورقة أفكارًا قابلة للتطبيق في مجال حماية الكنوز البشرية الحية، والإفادة من معارفهم الفنية المأثورة ومن مهاراتهم في نقل الخبرة والتدريب.
 
طرائق أرشفة عناصر المأثورات الشعبية وتوثيقها
يطالعنا هذا المحور بأربع أوراق لكل منها تجربة خاصة في أرشفة المأثورات الشعبية وتوثيقها، نبدأها بورقة حنا نعيم (مصر) الذي قدم “رؤية مستقبلية في دراسات الثقافة المادية من خلال تطوير طريقة التوثيق المعمق”. تناول فيها البحث عن طريق الأمثلة المتعددة عناصر المأثور الشعبي باستخدام المصادر المعاونة من مختلف العلوم ذات الصلة بالجوانب الصناعية والفنية والهندسية، بالإضافة إلى الجوانب المتعلقة بالوصف العلمي للعناصر التي لها صلة بالفنون الإبداعية... حيث يشير إلى أن عناصر التراث الثقافي المادي المتعلق بالحرف والصناعات والمشغولات والعمارة وغيرها، لها أصول علمية يدركها الفنان بالفطرة من خلال خبراته الطويلة في الميدان، وهذا النوع من الخبرات متراكم ومتوارث ومتناقل بين عدة أجيال من الحرفيين، وإن كانت لاتسمى بأسمائها العلمية الصحيحة، ويطبق حنا نعيم تجربته بعمل الرسوم الخطية لنول النسيج اليدوي وطريقة تشغيله بحيث تُقرأ الرسوم بمفهوم الرسوم الصناعية والفنية، وعلى هذا النحو يتيسر الأمرفي مجال الإعداد لبرامج التنمية أو برامج الفولكلور التطبيقي. أما ورقة عاطف نوار (مصر) فقد حملت عنوان “أرشفة المأثورات الشعبية المصرية من الريل إلى الأندرويد”، أشار فيها إلى أن المأثورات الشعبية تحتاج حين جمع المادة الميدانية وجود أجهزة لتوثيقها وأرشفتها واسترجاعها، ووجود برمجيات خاصة. وفي هذه الورقة يستعرض واحدة من أهم المحطات التكنولوجية التي مرت بها عمليات التوثيق والأرشفة في مصر، وبخاصة ما تم إنجازه من خلال الأرشيف المصري للمأثورات الشعبية للمصريين على رأسهم أسعد نديم أستاذ الفولكلور التطبيقي. وتحتوى التجربة التي يقدمها عاطف نوار على عرض للأجهزة والعتاد مثل: أجهزة الصوت- أجهزة الفيديو- أجهزة الحاسبات والسيرفات- الأجهزة المحمولة. ثم البرمجيات التي تحوي  نظم التشغيل والبرامج المساعدة- البرامج التطبيقية- تطبيقات الويب.ويحدثنا عبد المحسن القحطاني (السعودية) عن المأثور الشعبي والتنوع الثقافي، باعتباره أحد أهم روافد الثقافة وأرسخها، الذي يُعنى بالثقافة في كل محاوره، ويقف عند الثقافة وكيف تعاملت معها التوجهات المختلفة.. و سعى الدارسون والباحثون إلى استبانة حركة الثقافة تأثيرًا وتأثرًا من خلال الموروث والمأثور، وكيف استطاعت الثقافة ووسائل الإعلام أن تصنع لغة مشتركة يتوافق عليها كل أطياف المجتمع، فهمًا ولغة وحواراً، وهذا مالم تنجح فيه بعض اللهجات الضيقة، ومع ذلك استطاعت الأمثال الشعبية بما تحمله من حكايات أن تحافظ على مأثورنا الشعبي وخصائصه، وإلا لغاب عنا الكثير من المأثور الشفهي..، كذلك الدراسات السابقة التي حفلت بالكثير من موضوعات المأثور الشعبي التي تصب في التأسيس، وفي تجزير جزئيات بعينها، هي صلب هذه المواضيع، وتكون في مجملها الهيكل العام للمأثور الشعبي الشفاهي، ولعل ارتباط صفة الشعبي بالتراث تنبئ عن أنه ضرب بأطنابه في جذور التاريخ، وشيد خيمته على أرضية واسعة لمجتمعه، وخير مثال على ذلك تشابه الحكايات الشعبية السعودية مع حكايات كثيرة في التراث العربي الذي نقلته لنا المصادر، برغم ماينفرد به المأثور الشعبي السعودي من أمثال خاصة به، تتماشي مع طبيعة المكان وطبائع الناس وظروف معيشتهم. أما هيثم يونس (مصر) فكانت ورقته حول “الأرشيف الرقمي للمأثورات الشعبية” تناول فيها ريادة أسعد نديم في السعي إلى بناء أرشيف علمي، يكون مصدرًا موثقًا وقاعدة علمية يمكن الاستفادة منها في التدريب على المهارات التراثية وتنميتها، وتقديم مواد ومصادر ومراجع موثقة يمكن استخدامها وتوظيفها في مختلف المستويات، ونتيجة لازدياد الوعي بأهمية المعلومات في مجالات الحياة كافة أدى إلى إيجاد سبل لتخزين واسترجاع ومعالجة البيانات ومراعاة خصوصيتها. فتم بناء قاعدة بيانات متكاملة لحفظ معلومات من أجل الوصول إلى إدارة أكثر كفاءة لهذه البيانات، وقد واجه ذلك العديد من التحديات، منها: تعدد التصنيفات المستخدمة على مستوى العلم أو على مستوى الفرع. تنفيذ قاعدة بيانات مفتوحة تسمح بتعدد المستويات وصولاً لأدق نقطة. ربط قاعدة بيانات بشكل جغرافي (تفصيل المكان). ربط قاعدة البيانات بالمادة الميدانية ذات الوسائط المتعددة. إتاحة الإضافة إلى المادة الميدانية التي تم جمعها في عهود سابقة. الواقع الألكتروني. أما الورقة الأخيرة فيإطار بحث موضوع أرشفة المأثورات الشعبية وتوثيقها فكانت لمصطفى جاد (مصر) بعنوان “إشكالية إتاحة المادة الفولكلورية” ناقش خلالها ما يشهده عصر المعلومات من ثورة في إتاحة المعلومات للجمهور العام قبل المتخصص في العالم، ويرى أنه إذا كنا نتحدث في هذا الإطار حول إتاحة المادة الشعبية للباحث المتخصص، فإن مسألة الإتاحة للجمهور العام يجب أن تدخل دائرة الضوء، فالجماعة الشعبية هي الأحق بالاطلاع على تراثها، ومع ذلك فإن المادة الشعبية على مدى أكثر من نصف قرن لازالت حبيسة الوسائط بداية من شرائط الريل مرورًا بالكاسيت والديسك وصولاً للسي دي روم، ولم تحفل بالاطلاع الذي يتناسب مع حجمها وأهميتها.. غير أنه لأسباب متعددة ومعقدة لم يشهد لعمليات الإتاحة أي نجاح مما أهدر عشرات الجهود العلمية التي بذلها المتخصصون في جمع وتوثيق المادة الشعبية. ويطرح السؤال المحوري: ما العراقيل التي تقف أمام إتاحة الماده الشعبيه؟ التي يرى في تقديره أنها تتلخص في النقاط التالية:عدم وجود نظام محدد لعمليات الإتاحة في ظل قوانين حماية الملكية الفكرية.العراقيل الإدارية من أجل السماح بالاطلاع على المادة الشعبية.غياب الضبط العلمي لعمليات التوثيق والاسترجاع داخل المؤسسة.عدم الإعلام الجيد عن موضوعات التراث الشعبي التي تم جمعها، وضعف القدرة على عرض المادة الشعبية، والتوجس الدائم من سرقة المادة إذا ما تمت إتاحتها،وأخيراً عدم سماح بعض الجامعيين صراحة بإتاحة ما قد جمعوه. ويرى أن هذه الإشكاليات تمثل ظاهرة عربية منتشرة في معظم مؤسسات المنطقة، وعلى مستوى الأفراد هناك العديد ممن يحتفظون بأرشيفات خاصة دون أن يودعوا منها نسخًا بالمراكز البحثية.. وتطرح الورقة بعض الأفكار التي من شأنها تيسير عمليات الإتاحة لمواكبة الخبرات العالمية في هذا المجال.

الحرف التقليدية وأدوارها التنموية
هذا المحور شهد تجارب متنوعة لأكثر من بقعة عربية بمصر والسودان وليبيا والجزائر، نبدأها بتجربة إيمان مصطفي عبد الحميد (مصر) حول تجربتها الخاصة في “إعادة إنتاج العروسة الشعبية المصرية” باعتبارها مرآة عاكسة للأفكار والمفاهيم المختلفة التي يسقطها المبدع الشعبي على الملامح الثقافية الخاصة بجماعته, وذلك لكونها وسيلة للعب واللهو حيناً، وأداة للسحر والشعوذة حيناً آخر، أو هي رمزلمناسبة أو احتفال شعبي أو تذكار سياحي أو تحفة فنية قيمة تُقتنى، ولذلك تفاوت أسلوب تناولها ما بين البساطة الشديدة والتلقائية وبين المغالاة والتكلف. ولذلك تسعىالورقةإلى إيجاد صيغ جديدة تسهم في إعادة إنتاج العروسة المصرية الشعبية وبثها بين الناس لاستعادة ملمح من ملامح الشخصية المصرية والهُوية المرتبطة بطبيعة هذا الشعب واحتياجاته وتصوراته عن الإبداع وما يصاحبه من أفكار، وذلك بتحديد ملامحها وتوفير آليات عصرية تمكنها من استعادة مكانتها بين جماعاتها الشعبية، وتهدف الورقة أيضاً إلى استثارة المبدعين التشكيليين لإيجاد صيغ فنية أخرى تتناسب مع طبيعة الإبداعات عند المبدعين المصريين. أما درويش الأسيوطي(مصر)  فقدم ورقة مميزة حول “دور المأثور الشعبي في تنمية حرفة الزراعة في مصر”..تناول فيها الدور الذي لعبه المثل الشعبي في تنمية الحرف التقليدية، والحفاظ على تفردها من خلال العلاقة بين المثل الشعبي والواقع المعيش الذي قد تجلوه الحرف التقليدية الموروثة.. حيث يُعنى في هذه الورقة ببحث العلاقة بين المثل الشعبي وحرفة الزراعة وتبيان أثر المثل الشعبي على الحرفة ودوره في نقل الخبرات الحياتية وتنميتها والحفاظ على تفردها، من خلال مجموعة من الأمثال الشعبية التي توفرت لديه، ومن خلال تحري ما تحمله من قيم وما تنقله من خبرات. سوف نتبين ملامح تفرد حرفة الزراعة في مصر الذي أسهم المأثور الشعبي ومنه المثل في تأكيده. ومن جنوب الوادي يقدم لنا محمد المهدي بشري (السودان) ورقة حول “الحرف النسائية التقليدية: دق الريحة نموذجاً”، تناول فيها حرفة صناعة العطور التقليدية، وهي حرفة تؤدي في طقس يسمي “دق الريحة” ويرتبط بطقوس الزواج. حيث تختص الإناث  في الكثير من المجتمعات بحرف يمارسنها دون الذكور. وتعنى هذه الورقة بدراسة “دق الريحة” على ضوء مفهوم الاستمرارية والتغيير. حيث يمارس طقس “دق الريحة” في أغلب أجزاء السودان  وبخاصة في وسطه، ويقصد بهذا الطقس إعداد العطور التي تستخدم في إعداد العروس.، وتبدأ مراسم الطقس بعد اتفاق أسرتي الخطيب والخطيبة، وإعلان ميعاد الزواج، وعلى العريس إحضار “الشيلة” وهي مبلغ من المال وكل مستلزمات طقس “دق الريحة” وبخاصة المواد الأولية والنباتات، ومستخرجات حيوانية مثل المسك، وتبدأ أم العروس مباشرة في نظافة (الضفرة) التي تستغرق ثلاثة أيام، وتساعدها النسوة اللائي يحضرن لمباركة الشيلة، ثم تقوم أم العروس بصحن الريحة الناشفة في السوق، وتجهز ما ينقص من قوارير وبرطمانيات لتعبئة الريحة، ثم يحدد يوم لحضور قريبات وجارات العروس - على سبيل التعاون والمجاملة - لمساعدة أم العروس، وعادة ما تشرف على الطقس- الذي يستمر قرابة الأسبوع- إمرأة كبيرة السن خبيرة في ممارسة الطقس، الذي يقام في جو احتفالي من الغناء والرقص- في الماضي كان مصحوبًا بنوع خاص من الغناء هو غناء الدنقر الذي تؤديه فرقة مكونة من  سبع أو ثمانٍ من النساء- وتقوم أم العروس بإعداد طعام وشراب خاص لهم، ولا بأس من ذبيحة، وهذا ما يسمى بالنفير، إذ تقوم أم العروس بمساعدة الأخريات عندما تحين الفرصة، وقد تقدم هدايا عينية للنساء المتزوجات عبارة عن عطور ودهون مما تصنعه. وهناك عدة أنواع من العطور تصنع في هذا اليوم معظمها تخص العروس فقط، وأرياح لأم العروس وروائح للضيوف، وأربعة أنواع رئيسية هي: خمرة الضفرة، والخمرة الشعبي، والخمرة المخلوطة، والدلكة. وبعد ذلك ننتقل لورقة محمد سعيد محمد (ليبيا)بعنوان “بعض الحرف اليدوية القائمة على خوص النخيل بين الماضي والحاضر في الريف الليبي”، من خلال الحديث عن الخامات وأشكالها التي تُستخدم في صناعة الزنابيل والعماري والأطباق، وتجهيزها، والدور الذي تلعبه كل أداة. وأساليب العمل ومن يقومون به، ومكان وزمان الحرفة، والأنواع والأشكال المختلفة لكل نوع، ثم الوظيفة التي تؤديها في حياة الناس، والتغير والتطور الذي طرأ على الحرف المذكورة في الحاضر، وأسباب تقلص الحرف السابقة، وقلة المشتغلين بها، وتصور الباحث لإعادة وجودها بين الناس. وتتخلل الورقة صورًا للخامات، وكيفية ممارسة الحرفة، والأشكال المتعددة للزنابيل والعماري والأطباق، في الماضي والحاضر. أما الورقة الأخيرة في هذا السياق فكانت لمريم بوزيد (الجزائر) بعنوان “من الحلي التقليدية إلى الحلي الإثنية رحلة مع صانعات الحلي” حاولت من خلالها إلقاء الضوء على تقاليد صناعة الحلي النسائية، التي تشكِّل بذلك الاستئناء من القاعدة بصمت التقاليد الشفاهية عن الحرفيات ومنتوجاتهن. وتفصل الباحثة في شرح تقاليد جمع وتركيب الحلي، وتركيب العقيق والفضة والمرجان وحبيبات الذهب في ثقافات وجغرافيات واسعة، انطلاقًا من موريتانيا، مرورًا بمالي إلى الجنوب الغربي الجزائري، ليتوقف بها المطاف عند منطقة ساحلية شرق العاصمة الجزائر، مدينة بومرداس. وتشير بوزيد إلى أن المشوار طويل طول نَفَّس الصانعات وصبرهن، هذا الصبر الذي سيُكلل بتصاميم حديثة لبعث روح تلك التقنيات النسائية، من خلال دور مصممة حلي حديثة راهنت على إكمال المشوار والتعريف به والتوثيق له.

تنوع أنماط توثيق المأثورات الشعبية وتطورها
اشتمل هذا المحور أيضاً على عرض لعدة تجارب عربية متخصصة، بدأها إبراهيم عبد الحافظ (مصر) الذي اهتم في ورقته المعنونة “مُتحف الحياة الشعبية إحدى وسائل صون المأثورات الشعبية” بالإشارة إلى استخدام الوسائل التقنية الحديثة في الجمع والحفظ والتوثيق العلمي باستخدام الصورة الفوتوغرافية، وأفلام الفيديو، والتسجيل الصوتي، والرسوم التوضيحية التي يعدها متخصصون، هو الذي يعزز وظيفة المتحف الشعبي، وتركز الورقة على نماذج للمتاحف الشعبية التي تتنوع وظائفها وأدوارها في صون التراث من خلال المتحف الإقليمي، المتحف المكشوف، المتحف الملحق بمراكز البحث العلمي بوصفه أداة للتوثيق والبحث والدراسة.أماليلي خلف السبعان (الكويت) فقد قدمت ورقة بعنوان “دور الأمثال في تنمية مناهج التقعيد النحوي: الأمثال في كتاب “مغني اللبيب” لابن هشام نموذجاً”، وتقوم فيها برصد الأمثال التي استشهد بها ابن هشام في كتابه “المغني” مسلطة الضوء على دورها في تنمية مناهج التقعيد النحوي العربي، وكيف كانت كتب النحو وبخاصة المغني نموذجًا للتوثيق النحوي في التراث الثقافي العربي. إضافة إلى أهميتها في تفسير قضايا اللغة. من هنا تظهر أهمية هذه الدراسة عن دور الأمثال في تنمية قواعد التقعيد النحوي من خلال الأمثال في كتاب “مغني اللبيب، لابن هشام،  فقد أخرجت الأمثال التي استشهد بها من كتب الأمثال، وذكرت ما فيها من قضايا نحوية ومدى درجة فصاحتها، وموقع المثل بين الشواهد الأخرى، وبينت دور الأمثال في تنمية قواعد التقعيد النحوي، وكيف عبرت الأمثال عن التنوع الثقافي العربي وبخاصة التنوع اللهجي، ولايخفى الدور الذي قام به النحاة من توثيق للأمثال عبر استشهادهم بها.  وفي إطار بحث الأمثال الشعبية أيضاً عرض محمدو أمين (موريتانيا) لورقة بعنوان “الأمثال الشعبية أداة للتنمية الثقافية”، استعرض فيها تقديم قراءة سريعة في الأمثال الشعبية الموريتانية من خلال مدونة مجتزأه تركز على الخلفيات المعرفية والخلقية لهذا النمط من الثقافة الشعبية، علَّ استنطاقَها يلقي مزيداً من الضوء على جوانب من خصوصيات هذا المجتمع، ويساعد في عملية التنمية الثقافية والاجتماعية بالبلد.واختيار الأمثال تحديدًا لما لها من تأثير كبير في المنظومة الثقافية لمختلف الشعوب على المستويين الأفقي والعمودي. وتعود قوة تأثير الأمثال والحكايات والأساطير- من بين أمور أخرى– إلى تصميمها الموجز وبنيتها التركيبية المحكمة وإيقاعها الموسيقي المتناسق ولغتها الواضحة وبنيتها الحكائية السلسة، وكلها أمور يسهل استظهارها وتداولها بمرونة وانتقالها من جيل إلى جيل وعبر مختلف الأوساط والفئات الاجتماعية بغض النظر عن مستوياتها الثقافية والعلمية المختلفة. أما مها كيال (لبنان) فكانت ورقتها بعنوان “التنوع الثقافي والثقافة المهيمنة رمزياً في الفولكلور اللبناني: ثروة ثقافية وشُّح معرفي – توثيقي – تنموي” تناولت فيها دلالات ورموز القرية اللبنانية (الأرزة، الجرة، العين، الدبكة، المنجيرة، العتابا، الرعيان..). وما تحمله هذه الرموز من دلالات ذات هيمنة رمزية في مخيال اللبنانيين عن لبنان، وهي مؤشر على رمزية متفاوتة في استحضار المأثور الشعبي اللبناني الذي من المفترض أن يعكس تنوعًا دلاليًا كتنوع الاجتماعية اللبنانية. والمسألة الدلالية الرمزية للمأثور الشعبي اللبناني تصبح أكثر إقصائية- تضيف كيال- إذا ما تخطينا الجماعات الاجتماعية المكونة، لندخل أكثر في تكوينات هذه الجماعات لا سيما على المستوى الطبقي، وهي مسألة تشعرنا بتقصيرنا البحثي في مجالاتها، وفي ظل الأحداث التي نعيشها اليوم في لبنان، كما في مجتمعاتنا العربية. هذه الأحداث التي أظهرت من بين ما أظهرت، مدى جهلنا للكثير من خصوصيات عيش وثقافة الفئات المهمشة، والدلالات الرمزية الثقافية التي تشكل أساسًا لسماتها الثقافية، هذه الفئات التي شكلت وتشكل وقود الكثير من الحركات المتطرفة. وستنطلق الباحثة في مقاربتها لموضوع الثقافة في مجتمع متعدد الثقافات، كالمجتمع اللبناني، من مقولة ماكس فيبر بأن كل ظرف اجتماعي هو، في الوقت عينه، تنظيم لإدراك العالم الاجتماعي كـ”فضاء مركب من علاقات ذات معنى”،وأن نفهم مدى أهمية الحراك الدائم ضد التبسيط، التجميد، تثبيت المعارف في فهم الجماعات الاجتماعية الواقعية وفي وعي دينامياتها النسبية. والورقة الأخيرة في هذا المحور كانت لنهلة إمام بعنوان “سيرتنا على لسانهم: توثيق عادات المصريين ومعتقداتهم في أعمال المستشرقين”، قدمت فيها رؤية تاريخية للاهتمام الغربي بدراسة الشرق من الزاوية الثقافية مع التركيز على مصر كحالة خاصة، كما تعرض مناظرة لبعض الدراسات الغربية التي اتخذت من مأثورات الشرق الشعبية موضوعًا لها؛ مناظرة تحترم سبق الغرب إلى دراسة الشرق وامتلاك أدوات البحث العلمي والتدريب الاحترافي والجمع السديد، ولاتغفل السؤال الحيوي عن الدوافع. ومن خلال استعراض بعض تلك الدراسات، مع التركيز على القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، فإلى تلك الدراسات التي اتخذت من المصريين موضوعًا لها يرجع الفضل في إلقاء الضوء على مجالات للبحث ما كان الشرق ليلتفت إلى أهمية تدوينها وتثمينها، فيما عدا ما قدمه المؤرخون، فهي رحلة إلى الشرق بدأها الفرنسيون والبريطانيون، وتبعتهم بعد الحرب العالمية الثانية أمريكا، ولكن لم يستطع ظهورها الجامح في مجال دراسة الشرق أن يتجاوز ما أنجزه المستعمر الأول، ومن ثم لابد من إخضاع تلك “الدراسات” للفحص كمحاولات أولى لتوثيق المأثور الشعبي المصري.

تنوع المأثورات الشعبية وصون الهوية
هذا هو المحور الأخير الذي اختتم أعمال الملتقى، وحفل بتجارب جديدة ارتبطت جميعها بالتراث النوبي بدأت بورقة أسامة عبد الوارث (مصر) المعنونة “التراث النوبي: قوالب الحفاظ وآليات الإحياء”، وتسعى الورقة لمحاولة ترسيخ منهج عملي وعلمي لإحياء التراث النوبي مجملاً ومفرداً..حيث تتخذ من التراث النوبي حالة دراسية، ليس بغرض الانكفاء على التراث النوبي، فعلمياً يمكن إعادة قراءة هذه الورقة - كما يقول صاحبها- بما يتوافق مع التنوع الثقافي المصري..حيث تسلط الضوء على الإطار الفلسفي لإحياء التراث النوبي، والتنوع الثقافي وجدلية الانتماء، وجمالية الهدف، وكذلك الإحياء الثقافي، وتحريك الفولكلور النوبي.وفي النوبة أيضاً قدمت سعاد عثمان (مصر) ورقة بعنوان “إعادة إنتاج الجرجار: دراسة للثوب النسائي في قرى الفاديجا النوبية”، وهي محاولة لدراسة “ الجرجار” باعتباره ثوبًا نسائيًا مهمًا ترتديه المرأة من كافة الأعمار، والمستويات الاجتماعية، وفي كل المناسبات. وذلك عند خروجها من منزلها في قرى الفاديجا النوبية، مع محاولة تحليله وتفسيره من منظور مدخل إعادة إنتاج التراث، وقد تم الاعتماد على المادة الميدانية المحفوظة في أرشيف الحياة والمأثورات الشعبية. وتتناول الورقة أهمية ومنهجية الدراسة  من حيث مشكلة الدراسة وتساؤلاتها، ومصادر وأدوات جمع المادة، ولمحة جغرافية وتاريخية عن مجتمع البحث قرى الفاديجا مع تتبع تاريخي لتطور أثواب الخروج النسائية عبر العصور، يلي ذلك محاولة لإلقاء الضوء على تفاصيل الجرجار من حيث تسميته ووصفه وسن ارتدائه، ومسمياته، وزينته، لتنتهي الورقة ببعض الاستخلاصات حول استمرار الجرجار كقطعة من قطع الملابس الخارجية الأساسية للمرأة في قرى الفاديجا، فاستمراره يرجع إلى كونه يعيد نفسه من خلال إحداث تغييرات سواء في خطوط تصميمه، أو في نقوش أقمشته، كما يرجع إلى كونه جزءًا منالسياق الثقافي التقليدي العام، ومن الملابس التقليدية للمرأة في قرى الدراسة. أما الورقة الثالثة فكانت لمحمد عبد الصمد (مصر) بعنوان “النوبة جذور الذهب” تناول فيها النوبة التي تقع جغرافيًا في أقصى جنوب مصر، وتمتد إلى داخل دولة السودان، ويسكن فيها سبيكة بشرية يتفاعل أفرادها بعضهم مع بعض، معبرين عن أصولهم وانتماءاتهم الإثنية،  ويحاول إلقاء الضوء على التنويعة الثقافية النوبية، مؤكدًا على أهمية تنوعها الثقافي وإثرائه للثقافة الأم، كما تؤصل لبعض العناصر الثقافية التي تبنَّتها الثقافة النوبية، وجعلتها جزءًا من بنيتها، ومن أنساقها الثقافية والاجتماعية، مع الحرص على إبراز التعدُّد داخل التنويعة الثقافية ذاتها، ومرجع ذلك الأصول المتعدِّدة للعنصر البشري، والتغيُرات الثقافية التي مسَّت بنية الثقافة لأسباب مرتبطة بالتفاعل مع الثقافات الأخرى؛ بالاختلاط والتجارة والهجرة والمجاورة والتعليم، وتأثيرات الوسائط الإعلامية على العقلية الجمعية. وتختتم الورقة بالتأكيد على أهمية الدراسة الجادة للتنويعة الثقافية النوبية، وأهمية وضع خطة حقيقية وجادة لتوثيق وتصنيف عناصر هذه التنويعة الثقافية، وإتاحتها للدراسات العلمية الجادة. والورقة الأخيرة حول التراث النوبي كانت لمصطفى عبد القادر (مصر) الذي قدم ورقة بعنوان “التراث النوبي ودوره في تنمية المجتمع”. أشار فيها إلى أن منطقة النوبة في أقصى جنوب الجمهورية كان لها طبيعة خاصة عملت على صياغة عناصر تراث متفرد في ذاته ومتكامل في عمومه مع ثقافات مناطق الجمهورية المختلفة لتشكل في مجموعها الثقافات الشعبية المصرية، ولما كانت المصلحة العليا للوطن تقتضي تهجير النوبيين من مناطقهم الأصلية إلى مناطق توطين جديدة عند بناء السد العالي سنة 1964. وبعد استيفاء الغرض المنشود من المشروع واستقرار الأوضاع ترى الدولة إعادة النوبيين إلى مناطقهم الأصلية، وألزمت نفسها بذلك بالنص في دستور 2014 على أن: “تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، مع مرعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي...إلخ”. وتسعى هذه الدراسة إلى لفت الانتباه إلى ضرورة توظيف عناصر التراث النوبي في التنمية البشرية قبل التنمية الاقتصادية العمرانية تصويبًا لما أفرزته الأخطاء التي شابت عملية التهجير الأولى، والتي نتجت عن إهمال الجانب الثقافي للمجتمع، وكانت سببًا في عدم تكيف النوبيين مع مناطق التوطين الجديدة وهجر الكثيرين منهم – وبخاصة الشباب – لبيوتهم وأرضهم والبحث عن سبل العيش والاستقرار في مدن الجمهورية المختلفة. أما الورقة الأخيرة في هذا المحور وفي الملتقى فكانت لمصطفى الرزاز(مصر) بعنوان “مشروع قاعدة بيانات للحرف اليدوية في مصر لحماياتها من الاندثار”،  تناول فيها آليات مشروع يسعى إلى حماية عدد من حرف النوبة والقاهرة من الاندثار، وتركز على المحاور التالية: برنامج تدريبي وورش عمل للمشاركين في المشروع للتعرف على طبيعة المأثورات الشعبية المعرضة للاندثار في النوبة: صناعة أطباق الخوص، وصناعة الفوانيس المعدنية في القاهرة القديمة.. التدريب على استخدام القوائم والاستبيانات ميدانيًا.جمع صور النماذج الأصلية التي اندثرت من المتاحف والمجموعات الخاصة وتوصيفها وتحليل عناصرها ..إلخ.عمل التحليل الفني للعناصر الزخرفية وأنساقها..إلخ. وأشرف على المشروع صاحب هذه الدراسة وفريق من الخبراء والأساتذة في مراحل التدريب وإعداد القوائم والاستبيانات، ووضع خطط العمل الميداني وبرامج تحليل البيانات والتوثيق والبحث عن النماذج الأصلية التي اندثرت وغالبيتهم من أعضاء الجمعية المصرية للفنون الشعبية، بالتعاون مع اللجنة الإقليمية لهيئة اليونسكو بالقاهرة، ووزارة التعليم العالي، وقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة التي أشرفت على إقامة المعرض النهائي بالمنتجات المتميزة للحرف النوبية وحرف الفوانيس. كما وفرت مقرًا لبرنامج التدريب وورش العمل.

المائدة المستديرة: المأثورات الشعبية وتنمية المعرفة الإنسانية
وعلى هامش المؤتمر عقدت حلقات المائدة المستديرة التي أدارها عبد الرحمن الشافعي(مصر)، ومن خلالها تم مناقشة عدة تجارب، الأولى بعنوان “موروثنا الثقافي وفن صناعة المبدعين” لزينب صبرة(مصر) التي ترى أنه من الضروري دراسة موروثنا الثقافي الشعبي بالفهم والتحليل والتوجه نحو الاستلهام على أسس من المعرفة العلمية والتذوقية والإدراك لرسالة وأهمية ذلك الموروث في الحفاظ على ثقافة الأمة وحضارتها، فبعمق الفهم والوعي والاستيعاب للقيم التي يستند إليها تراثنا الفني، بأبعادها الجمالية المرتبطة بفلسفته ، نستطيع أن نخلق حوارًا إبداعيًا حديثًا يتسم بالأصالة والمعاصرة والخصوصية...حيث تقول أننا لن نخطو إلى حضارة العصر والمستقبل إلا بالسير على قدمين، أولاً: نقد العقل العلمي والنظري في ضوء دراسة علمية. وثانيًا: استيعاب علوم العصر منهجًا ونظريات وآلية تفكير في ظل مناخ علمي وتنشئة اجتماعية تصوغ إنسانًا معاصرًا ومجتمعًا قادرًا على الإسهام والعطاء، والوصول إلى هذا الهدف يقتضي حشد وتعبئة جهود الأمة الاقتصادية والإعلامية والتعليمية. لذلك تتبنى مؤسسات التعليم الجامعي مفهوم “ثقافة الإبداع” من أجل تصنيع وهندسة إنسان مبدع.أما الورقة الثانية، فكانت حول نص “شفيقة ومتولي” لزينب العسال (مصر) تناولت فيها دور الراوي المبدع من خلال الحكاية الشعبية “شفيقة ومتولي” والتي تحولت في منتصف الخمسينيات إلى موال شعبي، كيف قدم الفنان الشعبي هذه الحكاية، ودوره في التأكيد على قيم ودلالات بعينها تبناها المجتمع المصري، وبخاصة في جنوب الوادي، وفي منتصف السبعينيات منالقرن الفائت ظهرت أغنية “شفيقة ومتولي”. تتساءل: هل التزم المطرب بالحكاية الشعبية، وما مدى توافق الأغنية  مع قضية الثأر،  والقصة الحقيقية لشفيقة ومتولي، وفي أوائل الثمانينيات أنتجت السينما المصرية فيلمًا يحمل اسم الحكاية “شفيقة ومتولي”، والسؤال أيضاً: لماذا تعيد السينما إنتاج هذه الحكاية؟ وهل اختلفت رؤية صلاح جاهين عن الفنان الشعبي حفني أحمد؟ وما دور تقنيات السينما في تجسيد المأساة؟ وانعكاس اللحظة التاريخية في تفسير هذا العمل الإبداعي. أما الموضوع الثالث فكان لمحمد عبد الله حسين (مصر) حول “النص الدرامي وتوثيق التراث الشعبي المصري: دراسة في نماذج مختارة”. حاول فيه الوقوف أمام بعض الأعمال الدراميه التي قامت في مجملها على المأثور الشعبي المصري القح على اختلاف مشاربه، أو بمعنى أدق الأعمال التي يُعد المأثور الشعبي بمثابة العمود الفقري التي تقوم عليه هذه الأعمال، ومن ثم يمكن اعتبارها توثيقًا لهذا المأثور من خلال ماتضمنه من مظاهر تراثيه شعبيه، وكيف أسهمت الفنون الأدبية الحديثة وبخاصة (المسرحية – الرواية – القصة القصيرة) في محاولة توثيق هذا المأثور عن قصد أو غير قصد- عن طريق تضمينها لموروثنا الشعبي (مواويل - طقوس احتفالية - ملابس – عادات – ألفاظ شعبية... إلخ)، بل إن بعضها يعد وثيقة تراثية شعبية بامتياز. وقد وقف هذا البحث عند نماذج مختارة من الدراما المصرية، والتي يمكن اعتبارها وثائق شعبية – إن صح التعبير- تناولتها الدراما تناولاً يستنطق ويستقرئ تلك الحياة الشعبية المجتمعية بكل ما فيها (الاحتفالية، والعادات والتقاليد، والمظاهر)، لتثبت هذه الأعمال الدرامية أن الأدب الشعبي، بوابة جيدة وعريضة للدخول إلى عوالم كثيرة ومتنوعة، ثلاثة نماذج يراها من أكمل النماذج التي تسهم في توثيق المأثور الشعبي على تنوعه، وهي: مآذن المحروسة، زوبة المصرية، والمسرحيتان للكاتب محمد أبو العلا السلاموني. ثم حفلة أبو عجوز... لدرويش الأسيوطي، وسيتناول البحث هذه النماذج المسرحية عارضاً ومحلـلاً مـايمكن اعتباره وثائق شعبية مصرية خالصة نستطيع رصدها من خلال هذه النصوص مثل: (فن التخبيظ – احتفالات الزواج والختان وما يقدم فيها من طقوس شعبية– الزار- الحضرة وحلقات الذكر – السبوع – احتفال عيد وفاء النيل – المولد النبوي... إلخ)،هذه الظواهر الشعبية ومظاهرها الاحتفالية تسهم بشكل أو بآخر في إبقاء النبض الحيوي للمأثور الشعبي، وتضمن استمراريته بشكل متجدد ودائم بوصفه تراثاً إنسانيًا خالدًا على مر العصور.أما العمل الرابع فكان بعنوان: “العمارة التقليدية في الرواية بين دلالات التنوع الثقافي وإمكانات التنمية: قراءة في روايات نجيب محفوظ”.لمحمد عليسلامة (مصر) الذي يرى أن المكان ركن ركينمن أركان القصة والسرد، حيث يتجلى انعكاس المكان على شخصيات السرد الروائي وأحداثه، وأن اختيار الأديب لأماكن بعينها يقصد به تأثير هذه الأماكن على الأحداث والأشخاص، ولكن هناك هدف آخر للرصد والتصوير المرحلة الأولى: العمارة التقليدية في الرواية التاريخية وتتمثل في المعابد وما حولها من توابع بيوت المسؤولين بجانب الفرعون، وعلى مستوى التنمية فإن هذه العمارة تربط المتلقين داخلياً أو محلياً بتاريخهم، فتحقق في وقت واحد، تعريفاً بتاريخهم، وحافزاً للحفاظ عليها باعتبارها ثروة قومية يتزودون بها من الماضي للحاضر والمستقبل. وعلى مستوي التلقي الخارجي يُعد نقل هذه الأعمال إلى لغات أخرى، فإنها تحقق إلى جانب التعريف بها وبتاريخها، مزيداً من رغبة المتلقي في مشاهدة هذه العمارة على أرض الواقع فتحقق هدفاً تنموياً يتجلى في السياحة أو استلهامها في بيئات أخرى. المرحلة الثانية: تنوع أنماط العمارة التقليدية في المرحلة الاجتماعية لتكشف عن فارق طبقي، وهو بطبعه كاشف عن تنوع ثقافي من خلال سلوكيات أبناء كل طبقة، فما بين قصور الأغنياء وبيوت الفقراء بون شاسع، ويمكن أن يتضح الفارق بين الأثنين من خلال مقارنة بين “القاهرة الجديدة “و” زقاق المدق”، والمكان فيهما هو البطل وهو عنوان، فهل كان نجيب محفوظ يريد التسوية أو العدل؟! إنه سؤال التنمية. ثم يمكن أن نقارن بين “حضرة المحترم”و “السراب”، ثم يجتمع ذلكـ كله في “بدايه ونهايه” إلى أن يصعد إلى قمته في “الثلاثية التي تُعد أوج إنتاج نجيب محفوظ. المرحلة الثالثة: الاهتمام العابر العماره التقليدية – ملامح أشباح (رموز خطافه). المرحله الرابعة: بين العودة إلى القديم واستغراقه، والانطلاق خارجًا في نطاق الميراث العربي. والموضوع الخامس والأخيرلنيفين محمد خليل حول “المأثور الشعبي.. حيوية وتاريخ: مجتمع الفرافرة بالوادي الجديد نموذجاً”، قدمت من خلاله عدة موضوعات منها: تنوع مظاهر البيئة الطبيعية والظروف الجغرافية لواحة الفرافرة،والعمارة كتاريخ وإبداع وتعبير روحاني، والأزياء ومكملاتها، ودور اللغة المحلية في الحفاظ على الهوية الثقافية. وخصوصية واحة الفرافرة وطابعها المميز وعاداتها وتقاليدها وفنونها الشعبية، والتي تعد نتاجاً لتزاوج عنصري الإنسان والبيئة. كما عرضت التجربة نموذجاً لفنان من أهل الواحة تأثر بالظروف المحيطة به وكذلك العصور التاريخية التي مرت بالمنطقة التي كان لها أبلغ الأثر في استلهامه وابتكاراته الفنية، وهو الفنان المبدع “بدر عبد الغني”

أعداد المجلة