فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
3

الأمثال الشعـبـيـة البحرينية

العدد 3 - جديد النشر
الأمثال الشعـبـيـة  البحرينية
كاتب من البحرين

 

الكتاب الذي بين ايدينا من القطع الصغير في خمسمائة وسبع صفحات عنونه مؤلفه المهندس نايف عمر الكلالي باللغة الانجليزية

«Pearls of Wisdom»

اي لآلئ الحكمة واكد انها من الخليج والعالم، ووعدنا بجزء آخر او ربما أكثر له، عندما اشار على صفحة العنوان بعبارة الجزء الاول، وندعو له بالتوفيق في هذا العمل المتميز.

ويتكون الكتاب من اهداء وتقديم للمؤلف نفسه ثم شكر وعرفان خاص لمن مد له يد العون والمساعدة في ابراز هذا العمل ثم تقديم من الدكتور محمد الخزاعي، المختص في الادب الانجليزي، باللغتين العربية والانجليزية ومن ثم مراجعة للاستاذ علي عبدالله خليفة، الباحث دوما عن كل ما يعزز ومن يحتضن قضية التراث الشعبي في اقليمنا ويعمل على توثيقه ونشره، باللغة العربية جاءت مثمنة للجهد المبذول للمؤلف كما تضمنت خبرة ودراية عميقة بهذا النمط الاصيل من انماط الادب الشعبي الذي هو محور من محاول دراسة التراث الشعبي في العالم وفي منطفتنا بشكل خاص. واخيرا جاءت مراجعة للاستاذ المساعد للغات والترجمة بجامعة البحرين الدكتورعبدالفتاح الجبر الذي كاد ان يتفق معي او اتفقت معه فعلا في الاصل الواحد للفكر الانساني من خلال دراسة الامثال الشعبية ومطابقتها في اللغات والثقافات الاخرى.

ثم قام المؤلف بسرد الامثال الشعبية التي اختارها لكتابه الذي بين ايدينا والتي بلغت ثلاثمائة واثنين واربعين مثلا شعبيا موزعة حسب الابجدية العربية. 

لقد تعمدت في بداية تعاملي مع هذا السفر الجميل الانيق في شكله العميق في موضوعه، ان ادفع به الى ابني باعتباره فرداً من الجيل الصاعد الذي نادرا ما يستخدم الامثال الشعبية فما كان منه الا ان قرأه بصوت مسموع ليسمع باقي افراد العائلة وتعالت الضحكات على اللوحات التي تحكيها هذه الامثال الشعبية والتي ابدعت الفنانة يسرى هويدي في تصويرها فاغلبها تمثل رسومات كاريكاتيرية لشرائح من المجتمع مجسمة احيانا باشخاص أوبحيوانات وطيور احيانا اخرى، في اوضاع ومواقف شتى تنم عن تجارب حقيقية واقعية وان تعارض بعضها في الهدف، فنقول حين نُرغّبَ الابن في الزواج من قريبة له (حلاة الثوب رقعته منه وفيه) وعندما نريد ان نزهده فيها نقول (روح بعيد وتعال سالم) او نقول (الاقارب عقارب). وهذا هو القصد في رأينا المتواضع بالتعارض في الامثال الشعبية وليس التعارض الذي يشير اليه المثل الايرلندي القائل (الامثال لا تعارض) والذي جاء في الصفحة الحادية والعشرين من الكتاب وكان مقدمة لطرح الامثال مثلا بعد آخر.

لقد نجحت الى حد كبير مؤسسة ميريكل في تصميم واخراج هذا الكتاب الجميل وما اضفى عليه تلك النكهة الخاصة هي الترجمة الانجليزية لامثالنا الشعبية البحرينية والخليجية والعربية وصولا بها الى العالمية ومما زاد الكتاب رونقا تلك اللوحات المعبرة لعدد من الامثال الشعبية استطاعت الفنانة والى حد كبير ان تنقل معنى المثل الى بعد آخر هو بعد المشاهدة واعجبني التجليد ولوحة الغلاف فابارك لمؤسسة ميريكل هذا العمل الجديد في شكله رغم قدم موضوعه.

واقرر ان طريقة تنظيم وتصميم الكتاب كانت موفقة جدا وان قدح البعض في كون المصمم قد افرد لكل مثل شعبي صفحة كاملة تضمنت رقم المثل حسب ترتيبه الابجدي والاصل العربي او حتى نكون اكثر دفة اصله باللهجة العامية ثم كيفية نطقه مرسوما بالاحرف الانجليزية ثم ترجمته باللغة الانجليزية الحديثة وبأسفل الصفحة يأتي بمثل مطابق للمثل الشعبي في الثقافات الاخرى ولكن بلغة انجليزية ايضا، وهو اسلوب تعليمي راق متبع في العديد من المواضيع ونعتقد ان هذا جهد يستحق منا جميعا ان يثمنه له.

وقد وُفّقَ مصمم الكتاب في اختيار حجم ولون الورق ليتناسب مع اسلوب عرض موضوع الكتاب وكان لون البيج هو الاقرب الى لون الكتب الصفراء العتيقة التي تناسب موضوعا تراثيا تاريخيا كالامثال الشعبية، لم تعد كما كانت تخرج من افواه الناس بطلاقة وعفوية وانما اصبحت جزءا من تاريخ مضى، وان تداوله اليوم البعض في حدود ضيقة وان كان على لسان البعض الآخر عادة قديمة. وقد زانت اللوحات الملونة صفحات الكتاب واضفت عليه جمالا اضافيا، مما نعتقد انها عوامل ستساعد على تشجيع الاجيال الجديدة على الاهتمام بالاطلاع على هذا الكتاب والتعرف على تراث الآباء والاجداد والامهات والجدات وتجديد العلاقة به.

تعودنا ونحن نتناول موضوع الامثال الشعبية على نمط لا يكاد يتغير في الجمع والتدوين والدراسة ولي شخصيا عدة تجارب ميدانية وبحثية في هذا المجال لا بأس في اختصارها؛ فعندما كنت اعيش في بيت احسبه مجتمعاً يعيش بالتراث مرويا وممارسا باصدق صوره وشاهدي على ذلك رفيق الدرب الاستاذ على عبدالله خليفة حامل همّ التراث الشعبي في خضم الامواج والتيارات المتلاطمة، اذ كان كثيرا ما يتندر بهذه الحقيقة كلما تذاكرنا الماضي، في تلك الايام كنت اقتنص ما يخرج من امثال شعبية من افواه القوم رجالا ونساء وادونها لاتندر بها في جلساتي مع الاصحاب وقد جمعت الكثير وعندما عملت في ادارة الآثار والمتاحف في بداية سبعينيات القرن الماضي وانشئ فيها قسم خاص بالتراث الشعبي، انصرف اهتمامنا الى الموروثات الشعبية الشفيهة وكان من اولياتها المثل الشعبي لسهولة الوصول اليه، ولما عملت في مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية اقتربنا اكثر من الرواة والراويات واستمعنا الى الكثير من الامثال الشعبية منها ما يخص افراد العائلة ومنها ما يخص الحرفة او المهنة ومنها ما يخص الحيوان والحشرات والطيور والادوات والامراض والنبات والمناسبات وغيرها كثير والاجمل منها ما يخص العقيدة اوما يؤمن به الانسان من دين او معتقد.

واقتربنا اكثر فأكثر عندما كلفنا في ادارة التراث في منتصف الثمانينات من القرن الماضي بجمع الامثال الشعبية وكانت التجربة اكثر من ممتعة ومع كل هذا الارتباط بالمثل الشعبي الا اننا لم نفكر يوما بترجمته او رصد ما يقابله من امثال شعبية او اقوال في الثقافات واللغات الاخري مع ايماننا الشديد بان اصل الانسان واحد ومكوناته الفكرية والثقافية واحدة منذ الازل وان تنوعت وتشتت وتباعدت نتيجة عوامل المكان والزمان.

سعدت كثيرا بهذا الكتاب الذي بين يدي الآن واهم ما شدني اليه ترجمته الى لغة عالمية هي اللغة الانجليزية مع تحفظي احيانا في اختباره بعض الالفاظ الانجليزية للتعبير عن الفاظ امثالنا الشعبية مع احترامي الشديد لرأي صديقنا الدكتور محمد الخزاعي - الذي كتب احدى مقدمات الكتاب -  بهذا الخصوص.

  واستوقفتني بعض الترجمات لبعض الامثال الشعبية على سبيل المثال Twice is nice  واتفق مع الدكتور الخزاعي ان المؤلف بذل جهده لاستخدام السجع والقافية لتجميل وصول المثل الى الاجنبي الناطق باللغة الانجليزية، ولكنه في رأينا المتواضع قد ذهب بعيدا عن المعني حين نقول في مثلنا الشعبي (زيادة الخير خيرين)  فالمعنى في الاصل اعمق بكثير مما تؤديه الترجمة السالفة الذكر.

لقد جاءت مقدمة المؤلف مقتضبة وكنا نتمنى منه في سياق الحديث عن الامثال الشعبية ان يتناول صيغة المثل وتنوعها من قطر الى قطر آخر من اقطار الخليج العربي، وان اتفق المعنى فيها جميعا، وكم كنا نتمنى كثيرا ان يعرّب هذه الصفحات القليلة من الكتاب التي تعبر عن رأيه وتوضح رؤيته في الامثال الشعبية لتتم الفائدة للجميع، الناطقين منهم بالعربية وكذلك الناطقين بالانجليزية الذين حرص المؤلف في تصورنا على الوصول اليهم قبل غيرهم وتوصيل امثالنا الشعبية اليهم بلغتهم بهدف سامي هو نشر الثقافة الشعبية المحلية على نطاق عالمي اوسع.

وهذا مطلب عزيز حرص عليه القليل في الماضي ونحن اليوم احوج ما نكون اليه من خلال المكتب الاقليمي للمنظمة الدولية للفن الشعبي IOV التي يتولى مسئوليتها في اقليمنا الاستاذ علي عبدالله خليفة والذي نتمنى لمشروعه (رسالة التراث الشعبي من البحرين الى العالم) النجاح والتوفيق.

وجاءت الفاظ عدد من الامثال الشعبية على غير ما تواتر بين الناس في الماضي القريب ولعل ذلك عائد الى زمن جمع هذه الامثال ونعتقد انه كان زمنا قريبا جدا، بَعُدَ كثيرا عن مجال استخدامه وترديده ولعل اعتماد المؤلف على المنقول دون المدون الموثق واستعانته بالبعض ممن نعتقد انه قد خانته الذاكرة او اعتمد على اسلوبه في رواية الامثال كلها في جلْسة واحدة في آن واحد، وليس حسب الموقف واللحظة الحاسمة للاستشهاد بالمثل عند الضرورة.

هناك ملاحظتان عابرتان اولاهما بشأن اللفظ الشعبي لبعض الحروف واسلوب رسمها حيث كان على المؤلف ان يراعي المشهور والمتبع في هذه القضية، والا قد يصعّب هذا على غير العارفين باللهجة الشعبية النطق والفهم على حد سواء وهناك بعض الامثلة البسيطة.

اما الملاحظة الثانية فهي بشأن طريقة اسقاط الفاظ المثل الشعبي - بل لاكون اكثر وضوحا - معناه على الورق بدقة بالغة حيث ذهبت بعض اللوحات وهي قليلة جدا بعيدا عن معنى المثل، وان سهلت على الراسخين في بحث ودراسة المثل الشعبي، الا انه قد يصعب على البعض التوفيق بين الفاظ ومعنى المثل واللوحة التي تصوره.

ولا ادري الى اي مدى اعتمد المؤلف على منهج التوثق من طريقة لفظ بعض الامثال الشعبية فقد يكون المثل قد قلب في لفظه وان كان المعني باق لا يغير كثيرا في الهدف المقصود من وراء المثل فهناك روايتان للمثل الشعبي القائل (ام زر تعيب على العورة ) أو (العورة تعيب على ام زر).

ولعل المتفحص في دراسة الامثال العربية سيدرك وهو يقلب صفحات الكتاب انه تضمن عددا من الامثال العربية الفصيحة ذات الاصول التاريخية العريقة، او بأن البعض منها قد قًََبلًهُ الفكر العربي ثم وطنته الثقافة الشعبية بعدما أخذته عن الاصل الاجنبي من الثقافات الاخرى، ولذلك توجّب الالماع الى هذه الحقيقة.

كما كنا نتمنى على المؤلف ان يرصد تلك الامثال التي تغيرت في أيامه عن الماضي القريب الذي سبقه ونذكر على سبيل المثال، الأمثال التي تعود الى زمن الغوص على المحار واستخراج اللؤلؤ منه وما عايشه من حرف ومهن متعددة، كان لها اكبر الأثر في انتعاش وانتشار امثال شعبية بعينها ولعل الرصد لبعض تلك الامثال سيساعد القارئ العربي قبل الناطق بالانجليزية الى الاقتراب اكثر من طبيعة المجتمع العربي الخليجي الذي انتج تلك الامثال المعبرة عن حكمة بالغة على دروب الحياة المختلفة، في ابهى صور البلاغة واروعها.

وبما ان المؤلف قد اختار لآلئ الحكمة عنوانا لكتابه فقد كان الاولى به ان يختار من الامثال الشعبية ما يدل على الحكمة والتجربة الفردية الجماعية المجتمعية المتواترة، ويضعها بين دفتي هذا السفر الانيق، والا يتضمن اختياره شيئا من الاقوال السائرة او الاوصاف المعتادة التي صنّفها بعض الدارسين كأمثال شعبية،  ولأهمية موافقة الموضوع بالعنوان كان عليه ان يتجنب تلك الامثال التي لا قصة لها ولا مناسبة،  مثال ذلك هذه الاقوال السائرة على السنة الناس كأمثال (الناس اجناس) و(نصيبك يصيبك) و(همه في بطنه) و(النار تحت الرماد) (لا مال ولا جمال) و(ما يخدم بخيل) وغيرها كثير.

واثمن للمؤلف عاليا حرصه على رصد المراجع التي اقتصر عليها في استقاء امثلة من تلك الامثال الشعبية التي يزخر بها المجتمع العربي والخليجي وان كان عددها قليلا الا انها تعد اليوم مراجع اساسية في تناول هذا الموضوع، ولكنه اغفل العديد من المراجع الاخرى، وكان الاجدر ان يرجع اليها من بينها مراجع عربية واخرى اجنبية.

والاهم من كل تلك المراجع كان الاصل ان يعود الى حملة التراث من الرواة والراويات للمثل الشعبي ويعايشهم لبعض الوقت ليتبين ماهية المثل الشعبي صيغته الاصلية ومناسبة قوله، فهو في اعتقادنا الطريق الامثل لمن انبرى لبحث ودراسة الامثال الشعبية وان اعتذر المؤلف بصعوبة الوصول اليهم لكونهم الجيل الاول من الرواة والراويات فهناك الاجيال اللاحقة من المهتمين الذين سبقوه في هذا المجال وهم كثر اليوم يمكن الرجوع اليهم في الموضوع.

واما اعتماد المؤلف وهو من أبناء هذا الجيل المعاصر على المواقع الالكترونية للوصول الى الامثال الشعبية والدراسات المتعلقة بها، فهو منحى جديدا اليوم في بحث ودراسة مواضيع التراث الشعبي ولا غرابة في ذلك.

ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله فقد تفضل المؤلف بشكر كل من قدم له يد المساعدة والعون لابراز هذا السفر الجذاب لموضوع شائق من مواضيع تراثنا الشعبي العريق.

وسننتظر من المؤلف المهندس نايف عمر الكلالي وفي شوق بالغ، انجازه للجزء الثاني من هذا الجهد الكبير.

أعداد المجلة