فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
4

في المنهج وسياقاته

العدد 4 - موسيقى وأداء حركي
في المنهج وسياقاته
كاتبة من العراق

في العقود الثلاثة الأخيرة توارت أجيال كاملة عن هذا العالم من التي كانت تحتفظ بفصول من تاريخنا التقليدي وأخرى في طريق سريع للتواري. ولو أضفنا إلى هذه الحقيقة التغييرات الكبيرة التي طرأت على المجتمعات المحلية التي لم تواكبها عملية بحث كافية في هذه المنطقة الشاسعة ذات الإرث الغني نكون قد أضعنا الماضي البعيد والقريب كما أننا بصدد أن نضيع الحاضر.وسيبقى تاريخنا الاجتماعي المعاصر ناقصا لأنه لم يتضمن حياة الشعب و ممارساته وتعبيراته.

1 - في المنهج

إن موضوع اللقاء الحالي عن المنهج في التراث الشعبي له جوانب متعددة, الأمر الذي يفسر صعوبة مقاربته وتغطية خطوطه العريضة من منطلق عام.   فالمقاربة المنهجية تعتمد بدرجة كبيرة على طبيعة المادة التي تستقصى و تنبثق من الموضوع الذي يحدده الباحث ليتخذ معالمه التفصيلية من الإشكالية المراد الخوض فيها.

وضع العرب والمسلمون, منذ أوائل القرن الثامن, كتابات كثيرة ومهمة, علمية و»اثنوغرافية» في الموسيقى. ولئن خفت هذه الكتابات كما ونوعا اعتبارا من القرن السابع عشر, فإنها لم تتوقف تماما. ويمكن حصر المواضيع التي تخص الموسيقى والتي ثبتت أولويتها عبر القرون, إلى: علم الأصوات, النغم, الإيقاع, الآلات الموسيقية, الرقص, أخبار المغنين والمغنيات وطبقاتهم, السماع ومسائل التحليل والتحريم ثم ما سمي «بمجموعات الأغاني» التي كانت على نوعين: كتب الأغاني التي تحتوي على كلمات الأغاني « مع تعيين إيقاعاتها مسبقا وشيئا من الوصف الذي يحل بمحل التدوين الموسيقي الذي يسمح بالوصول إلى عزفها إضافة إلى «بعض التفاصيل التاريخية المتصلة بها وبعض أخبار المؤلفين والموسيقيين» (فارمر ص7) .ثم كتب « مجرد الأغاني»  وهي مجموعات أصغر تكتفي بإيراد النصوص الشعرية (نفس المصدر السابق). وإذا لم يبق لمثل هذه المجموعات اثر يعود إلى منتصف القرن  التاسع الميلادي فإن القرن العشرين مليء بمثل هذه الكتب.

باختصار شديد يمكن الإشارة إلى منهجين في التاريخ العربي الإسلامي في مقاربة المواضيع الموسيقية: منهج له صلة بالمشتغلين في الموسيقى و آخر ذو طابع نظري بحت مرتبط بعلم الرياضيات ( لأن الموسيقى كانت جزءا من العلوم الرياضية) المتأثر بالمدرسة الإغريقية. إن صعوبة فهم مثل هذه النصوص الرياضية جعلها لا تؤثر بالضرورة على مسار عمل المؤدي (فارمر .بدون تاريخ, ص6). أما المسار العملي فإنه يتخذ شكلا يقترب ممّا نسميه اليوم بالوصف الاثنوغرافي الذي يتمثل بأبهى صوره في «كتاب الأغاني»  للاصبهاني الذي يعتمد على الإحاطة بتفاصيل كثيرة ذات صلة بالسياق الاجتماعي للموسيقى, للأداء الموسيقي وتغيراته. إن التعرف على هذه المادة العلمية الثمينة التي تعكس مفاهيم الكتابة وموضوعاتها خلال قرون طويلة يسمح بالاستفادة منها بصورة معاصرة. فهي في الوقت الذي تساعدنا على الكشف عن استمرارية بعض الظواهر الخاصة في الموسيقى, تكشف أيضا عن انعكاس المناهج التاريخية القديمة في الكتابات التقليدية المعاصرة  كما تكشف عن استمرار استخدام المادة القديمة في محاولة قسرية لتطبيقها أحيانا على واقع اختلفت بعض متغيراته (جورج صاوة 1989وفارمر ص7).

إن أهمية الرجوع لهذه المصادر بحاجة إلى أن يواكبها  تعرف إلى مناهج أخرى تساعد في مراقبة التجربة المعاشة والكشف, عبر أسئلة جديدة لم تكن تحتل أهمية سابقا, عن واجهات تساعد في معاينة جديدة أصبحنا بحاجة إليها.  والحق اذا كانت المنهجيات المتبعة في هذه الكتابات لم تعد تكفي لدراسة الواقع فإن الباحث العربي الذي يحمل تراثا ثريا كهذا لا يمكن له أن يكتفي أيضا بتطبيق مناهج مخصصة للموسيقى الغربية. وبكلمة أخرى هل يمكن أن نعتبر علم الموسيقى الغربى  Musicologyمنهجا مناسبا وكافيا ليطبق في دراسة موسيقانا كما نرى ذلك في بعض الكتابات التي تصدر بالعربية؟ وإلى أي مدى يمكن تطبيق المناهج الغربية وكيف يمكن الاستلهام منها بتكيفها وهو أمر بات ضروريا ؟ قد تجيب اهتمامات علم موسيقى الشعوب Ethnomusicology, باعتباره مخصصاً لدراسة موسيقى الشعوب غير الأوربية, على مثل هذه الأسئلة لسبب واضح يكمن في نشوئه على مبدإ قاعدة النسبية في النظر إلى التقاليد المختلفة. ففي منتصف القرن التاسع عشر قام الباحث جون أليس بتحليل السلالم الموسيقية المختلفة في العالم واستخلص نتيجة مفادها أن السلالم ليست عامة ولا مشتركة لأنها تتمثل بأشكال كثيرة التعدد ( ناتيية ص722). ولابد من الإقرار بأن متابعة توجهات المدارس أو التيارات المختلفة عبر الحقب الزمنية, يكشف عن بديهية تغيير الأولويات المنهجية حتى ضمن التخصص نفسه. ولإعطاء صورة أكثر وضوحا قد يكون من المفيد تعريف الحيز الفكري والمنهجي العام الذي يغطيه علم موسيقى الشعوب, هذا الفرع المنهجي المؤهل للبحث في ظواهر موسيقية غير غربية. تكمن الخصائص  الأولية لهذا الفرع في  الجمع بين الموسيقى وعلمها وبين الارتباط الوثيق بالمناهج الانثروبولوجية والاثنولوجية «الأناسة» وامتداداتها في العلوم الاجتماعية والإنسانية كعلم السيكولوجي والاجتماع واللسانيات والأديان وغيرها أي أنه علم جامع يصب في نهاية المطاف ككل العلوم في التاريخ. وعلى صعيد التيارات الكبرى في البحث يمكن الإشارة إلى أولى المراحل المنهجية التي تمثلت في ثلاثينيات القرن الماضي بمدرسة برلين للموسيقى المقارنة  التي تقارن بين النظم الصوتية في العالم (الاهتمام بقياس المسافات الصوتية وارتفاع الصوت ونظم الضبط الصوتي للآلات أي الدوزان) انطلاقا من دراسة التسجيلات الميدانية التي قام بها باحثو المدرسة. وقد تركت هذه المدرسة آثارا منهجية على درجة كبيرة من الأهمية ما زالت سارية في البحث. وقد تعاون اثنان من أعضائها بوضع الأسس لعلم للآلات الموسيقية وتصنيف كافة الآلات الموجودة في العالم ضمن أربع فصائل بعد دراسة توزيع الآلات في العالم وفق نظرية الدوائر الثقافية cultural circles.

وفي العقود الأولى من القرن الماضي ازدهرت المدارس الفولكلورية في أوربا الوسطى في بلاد سبق أن كانت تعبيراتها الموسيقية الفنية والكلاسيكية موضع دراسة واهتمام مؤسسات مختلفة. وبهذا فإن هدف المدارس الفلكلورية كان   ينصب على ايديولوجية البحث في جوهر عبقرية الشعب عبر جمع الأغاني وتسجيلها ميدانيا  ومن ثم تدوينها ومقارنة التسجيلات المختلفة للمادة الواحدة في فترة كان يعتقد فيها بوجود أصل للصيغ المختلفة (ناتيية Homme, 2004). ويبدو تأثير هذا التوجه واضحا عند بعض الجامعين العرب الذين اعتمدوا على منهج التسجيل والتدوين ثم توثيق المادة بشئ قليل من المعلومات عن اسم المؤدي وعمره واسم القرية التي يأتي منها (حسين قدوري 1984).

 وفي أوائل القرن الماضي  عندما ولجت المدرسة الأمريكية الميدان وبدأ باحثوها يدرسون تقاليد الاسكيمو ربطوا بين  «التحليل الموسيقي وبين وصف سياقات الأداء»( ناتيية 2004) بفكرة وضع دراسات وافية تختص بموضوع أو بمنطقة واحدة monography دون أن تعير اهتماما للمنظور التاريخي في تقاليد لا تملك امتدادات تاريخية مثبتة. 

مثلت ستينيات القرن الماضي بداية انعطافة نحو الربط بين العلوم الموسيقية والعلوم الاجتماعية والإنسانية كالانثربولوجيا  والاثنولوجيا  التي تدرس الموسيقى في سياقها الاجتماعي- الثقافي وتعتبر الرجوع إلى رأي الفرد المعني بثقافته  والجماعة التي تنتجها ضرورة أساسية.  وانبثقت عن هذه التوجهات مجموعة من المناهج منها منهج السيميولوجيا أي علم الدلالات المقتبس أصلا من اللسانيات والذي يبحث «في المعاني العاطفية, الشعورية, المرجعية والايدلوجية, الخ التي يربطها المؤلف أو المؤدي أو المتلقي بالموسيقى» (ناتيية, 2004 :ص55).  ويقارب هذا المنهج من ثلاثة اصعده: وجهة نظر منتج الموسيقى, وجهة نظر من يستمع إليها ثم الصعيد الجوهري للموسيقى الذي يتمثل بالمواد المكونة لها ( الشكل, التنظيم النغمي والإيقاعي).  ويمكن أن نضيف إلى ذلك اهتمامات علماء الآثار والمؤرخين الذين ليسوا بالضرورة بحاجة إلى الإلمام بقواعد الموسيقى. وفي مرحلة ما بعد الحداثة انفتحت المناهج على بعضها وتداخلت بحيث يمكن للباحث إذا لم يكن منطلقا من توجه ايديولوجي معين, أن يربط بين أكثر من منهج. في كل الأحوال لا يمكن النظر الى المنهج الواحد كمجموعة من الإجراءات التي تنتظر التطبيق بشكل ميكانيكي. فالمنهج شأنه شأن المادة الصوتية التقليدية تعبير حيوي في حالة تغيير دائم يخضع لتكييف مستمر بسبب المتغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المادة وعلى الإنسان الذي ينتجها. 

واذا كانت الأنساق المنهجية للبحث كثيرة تعكس طبيعة تخصص الباحث و المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها وتعكس درجة النضج وعمق التجربة العلمية التي وصل إليها, فإن لمراحل ما قبل البحث أي مراحل الجمع والتسجيل الميدانيين إضافة إلى مواضيع تصنيف الأنواع الموسيقية وقضايا الفهرسة وحفظ المادة الصوتية والبصرية أيضا أكثر من منهج تعتمد على طبيعة المادة وإمكانية البلد. وهناك مؤسسات دولية عديدة تعنى بالموضوع وبتفصيلاته تواكب التغييرات التقنية وتحاول الإجابة على الإشكالات والتكييف لها.

 

2 - مراكز الجمع والتعريف والبحث  في المنطقة العربية

ترجع الحدود الزمنية لطرح مواضيع التراث الشعبي, ولاسيما مناهج الجمع الميداني والفهرسة والأرشيف إضافة إلى البحث الميداني الوصفي في هذه المنطقة الجغرافية إلى أكثر من ثلاثة عقود. فبعد مركز بغداد الذي تأسس في أوائل سبعينيات القرن الماضي تأسس مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية في الدوحة الذي قام في عام بتنظيم أربع ندوات دولية للتخطيط في مجال الجمع ودراسة كل من الأدب الشعبي, العادات والتقاليد, الثقافة المادية والموسيقى والرقص الشعبي التي طبعت في أربعة أجزاء 1984. تطرقت المداخلات إلى منهجيات التحري الميداني والفهرسة الموثقة والتصنيف والأرشيف إضافة إلى جرد وتدوين ووصف للأنواع الموسيقية في دول الخليج العربية. وفي عام 1985 عقد لقاء مشابه نظمه «مركز عمان للموسيقى التقليدية» الجديد عنوانه «الندوة الدولية لموسيقى عمان التقليدية» طبعت آثاره في ثلاثة أجزاء ظهرت عام 1994. هذا بالإضافة إلى عدد كبير من المطبوعات الجيدة التي طرحت المواضيع المنهجية( صويان 1985 و يوسف شوقي 1989) كما وصفت الميدان والأنواع الموسيقية ( طارق حسون فريد 1986) وبعض مشاهير المؤدين في منطقة الخليج (العماري 1991 ). وليس من باب المبالغة القول إن هذه المنطقة قدمت من ناحية الكم والنوع مطبوعات في مجال التقاليد الموسيقية لا نجد لها مثيلا في كثير من الدول العربية. ويمكن أن نضيف إلى ذلك ما نشرته اليونسكو من دراسات ووثائق ومطبوعات جاءت حصيلة لعدة لقاءات عقدت في باريس في مواضيع الحفظ والنشر.  عدا ذلك وعلى الصعيد الدولي ففي عام 2006 وحده –وعلى سبيل المثال- نظمت على الأقل عشرة لقاءات دولية في مسائل المكتبات الصوتية البصرية واستخدام المعلوماتية الحديثة في التوثيق. هذا إضافة إلى تقارير خاصة قدمها خبراء اليونسكو عن وضع الفنون التقليدية في بعض الدول العربية (حسن, ش.  1997 و2003).   

 إن تنظيم الندوات ونشر معظم المطبوعات الخاصة في هذا المجال جاء في معظم الأحيان نتيجة للجهود التنظيمية التي قامت بها مؤسسات عنيت بجمع ودراسة التراث كمركزي التراث في الجزيرة العربية إذ أن البحث الحديث يرتبط عادة بمؤسسات تدير شؤونها, تشجع الباحثين على التحري والاستقصاء, وتستقطبهم بعد أن توفر لهم الوسائل التي لا يمكن بدونها إنتاج معرفة. ولكي لا يكون لقاؤنا هذا نظريا وفوقيا, لابد من التساؤل عن الأسباب الكامنة لفشل معظم المؤسسات والدوائر التي عنيت بالتراث الصوتي في منطقتنا. ما هي أسباب انعدام الاستمرارية في مشاريع وضعت أساسا لدراسة الذاكرة الحية والتاريخية للتعبيرات المحلية؟ لماذا توقف العمل في المراكز وتعاني غيرها من ظاهرة موت سريري؟ وما هي الوسائل والتقنيات اللازمة لدعم إنجازات ذات استمرارية؟ وأين دور التدريب لتهيئة أجيال مِؤهلة لحماية تاريخها؟

إن التعرف عن كثب على حالة بعض المؤسسات المعنية بالتراث وظروف العمل والوسائل المتوفرة فيها لا تعتمد فقط على العاملين فيها بل أساسا على سلطة أصحاب القرار حتى وإن لم يكونوا ذوي إلمام بطبيعة مثل هذا العمل .

إن المكان الذي يأوي المادة الحية المسجلة وتلك التي أصبحت تاريخا هو الأرشيف. وما يضمه الأرشيف أو المكتبة الصوتية والبصرية من تسجيلات ووثائق يحمل قيمة اجتماعية, تاريخية, لسانية, أدبية وموسيقية لحضارة المنطقة ولثقافاتها المتعددة تمثل تسجيلا للحظة تاريخية, تمكن الأجيال القادمة من الاستفادة منها لأغراض شتى. فمحتويات المكتبات الصوتية والتراثية تغطي ميادين معرفية لا تلتفت إليها المصادر الرسمية المألوفة والمتمسكة بأعراف تعتمد تدوين الحوادث والحروب أو تاريخ الملوك والسلالات أي التاريخ الذي لا يعبأ كثيرا للتعبيرات المحلية والشفهية التي لم يكن يراها المؤرخون القدامى جديرة بالذكر. ثم إن اللجوء إلى المصادر الميدانية المسجلة, القديمة والجديدة, من موسيقى وحوار هو مصدر متوفر للدراسة ومنبع للإلهام  يساعد الموسيقي  على التغذي من الذاكرة الشفهية تماما كما يمكن للفنان التشكيلي أن يستلهم الجديد من مقتنيات المتاحف.

إن احتكاكي المباشر بمؤسستين قامتا بالجمع والتصنيف والتبويب تسمح لي أن أعرض شيئا من التفاصيل المتعلقة بتوقف العمل فيهما أو تغيير أهداف المؤسسة المعنية بالأمر.

كانت سبعينيات القرن الماضي مرحلة تغيير وتحديث مر بها العراق. وبهدف جمع وتسجيل وتوثيق المادة الصوتية قبل أن تتغير أو تتلاشى, ومن أجل التعرف على الأنواع الموسيقية في البلاد كان لي شرف تأسيس مركز التراث الموسيقي في بغداد في عام 1971 بإمكانات بسيطة سابقة لتدفق الأموال بفعل تأميم النفط. استطاع المركز خلال سبعة أعوام القيام بمسح موسيقي شامل وجدي للعراق شمل كافة المناطق الجغرافية بمحافظاتها ومدنها وقراها التي تتميز بموروث أو تعبير خاص بها. وغطى المسح تقاليد الأفراح والطقوس والممارسات الدينية كما كانت تؤدى بين الأعوام 1971 و1977 عند كافة الأقوام والديانات والطوائف التي كونت العراق منذ القدم. كانت حصيلة تلك الفترة 4000 شريط صوتي تمثل 2000 ساعة من الموسيقى. وبالإضافة إلى المواد المسجلة ميدانيا قمنا باستنساخ المواد النادرة أو ذات القيمة التاريخية الموجودة في أرشيف الإذاعة ثم حرصنا على استنساخ أكثر من 600 اسطوانة قديمة ذات ال78 دورة. وكمكمل للمشروع جمعنا نماذج من الآلات الموسيقية المستخدمة في العراق تم توثيقها وتصنيفها اعتمادا على نظم التصنيف الشائعة في علم موسيقى الشعوب وفي المنظمات المتحفية. وفي مرحلة ما قبل انتشار الفيديو تم توثيق كافة المسوحات الميدانية وأعمال التوثيق بواسطة التصوير الفوتوغرافي. هذا بالإضافة إلى عدد من المشاريع التوثيقية الأخرى التي لا مجال لذكرها هنا. وفي تلك الفترة السابقة لظهور الحاسوب كنا نلجأ إلى الوسائل اليدوية في أرشفة المادة الصوتية الميدانية بعد أن قمنا بتصنيفها إلى صيغ و أنواع انطلاقا من الواقع العراقي تم على إثره وضع نظام تصنيفي شامل بالتعاون مع المكتبة المركزية في بغداد المختصة بقضايا التوثيق والتصنيف.

باختصار تحول مركز التراث الموسيقي في بغداد, وفق رأي بعض الباحثين الأجانب الذين زاروا العراق,  إلى أهم مركز في المنطقة الممتدة بين طوكيو وأوربا. ماذا حصل لهذا العمل النبيل؟

 دخلت الأموال وتأسست دائرة خاصة للموسيقى سحبت المركز إليها بعد أن منحته عام 1977صفة رسمية تبدو لأول وهلة مهمة وأعطته اسما جديدا وهو المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية. مع هذا توقفت الأعمال الميدانية بعد إزاحة الكادر المتخصص السابق المؤسس ورميت جارورات النظام التصنيفي وبعثرت بطاقاته التي كانت ثمرة عمل يومي امتد على سبعة أعوام. وتحول المركز إلى مخزن لحفظ الأشرطة ولاستنساخ أشهر الأغاني الثورية التي تشجع الجندي العراقي في جبهة القتال. وفي حرب 1991 نقلت مواد المركز كما علمت إلى مدينة أخرى ومرت سنوات لم يعرف فيها المسؤولون ما يجب عمله بالمواد الأصيلة حتى انها رميت لفترة ما على سطح معهد الدراسات النغمية العراقي إلى أن نقلت في أواخر التسعينيات إلى وزارة الإعلام بعد أن سرقت بعض محتوياتها ومنها بعض المخطوطات و أفرغت بعض العلب من أشرطتها وأهديت بعض الآلات للزوار الأجانب. وبسبب عدم معرفة المدراء الجدد بقوانين المكتبات والإشكاليات القانونية والأدبية لاستخدام مادة الأصل تم السماح باستنساخ  كل شريط الأساس مقابل 750 دينار. ثم جاء الاجتياح الأمريكي و سقطت بغداد تحت ضربات القنابل الأمريكية التي توجهت أيضا إلى وزارة الإعلام فسقط سقف المركز على ما تبقى من مواد وسرق بعضها الآخر. وفي عام 2003 وعلى اثر الاجتياح وجهت مذكرة رسمية إلى اليونسكو –التي كانت بصدد إرسال وفد إلى العراق للتحقيق في أمر المتحف العراقي –طالبة منهم التحقق في مصير المركز والمواد الصوتية فيه. فجاء الجواب الشفهي الأول بأن كل شيء احترق. أما الجواب الثاني الذي وصل لاحقا من الداخل هو وجود بعض الأشرطة المبعثرة التي لم تصب. على إثر ذلك طلبت من مسؤول وزاري كبير وضع ثبت بالمتبقي. وفي عام 2007 من منبر المجمع الدولي للموسيقى التقليدية ومؤتمره الذي انعقد في فيينا وأمام ممثل اليونسكو طلبت من المنظمة التدخل بحكم مسؤوليتها الأدبية في حماية التراث ومفاتحة السلطات العراقية للتأكد من المواد الباقية. وقد تم بالفعل توجيه مذكرة رسمية إلى الحكومة العراقية عن طريق اليونسكو وبالتحديد إلى وزارة الثقافة التي لم تجب عليها رغم التأكيدات والمذكرات الشخصية المعنونة إلى مسؤولين في الوزارة. وحتى هذا اليوم لم يكلف أحد منهم نفسه الإجابة على تساؤلات امتدت على أكثر من خمسة أعوام. هل يبقى لدينا شك في أن بعض المؤسسات لا تدرك أهمية القيمة التاريخية للمادة التي تحتفظ بها؟

وفي عام 1997 قمت بتكليف من منظمة اليونسكو بتقييم ست مكتبات صوتية في اليمن معظمها تابع لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون اليمنية. وسأكتفي هنا بعرض إشكالية أرشيف راديو عدن الذي قال احد المسؤولين فيه « إن الوضع خطير جدا عندنا فنحن في واد بعيد ولا أحد يسمعنا «. ربما كان أرشيف عدن الذي أسسه الإنكليز عام 1954على أمل أن تقارع إذاعة عدن صوت العرب في القاهرة, من أهم ما تحويه الجزيرة العربية من وثائق سياسية وثقافية فريدة عن تاريخ شبه الجزيرة إضافة إلى مواد موسيقية ثرية تعود إلى أكثر من نصف قرن. أصاب هذا الأرشيف الذي كان الضحية الأولى للاضطرابات والتغييرات السياسية, تدهور كامل كالذي ألم بالمؤسسات اليمنية في الجنوب.  ففي العامين 1984 و1994 تعرض الأرشيف في موقعه المطل على الشارع العام إلى قصف مدفعي أضر بعدد كبير من الوثائق كما أن فراغ السلطة الذي جاء على اثر انهيار النظام الجنوبي 1994 شجع على تدمير وسرقة وثائق مهمة كما حدث في بغداد. وتماما كما حدث في بغداد تولى إدارة المركز عدد من المدراء الإداريين من الذين لم يدركوا الأهمية الثقافية والتاريخية لمحتويات المكتبة الصوتية والمرئية مما أضاف إلى حالة الخراب. وفي عام 97 عند زيارتي الميدانية كان الأرشيف بدون ميزانية يعاني من انعدام أفق يمكن من التغير.

نستنتج من هذين المثالين إشكالات متعددة الأوجه منها: سوء الإدارة, عدم توفر الإمكانيات المادية, ضعف معرفة المؤسسة التي تؤطر العمل بمكانة المادة وأهميتها التاريخية, صراع الأشخاص في مؤسسات كبيرة الحجم يعاقب فيها الموظف بنقله من دائرة إلى أخرى, هشاشة الأوضاع السياسية في بعض المناطق, الاستخفاف غير المقصود بمسألة حفظ المادة بعيدا عن مصادر الخطر ثم انعدام فكرة التدريب المستمر والتخصص في أعمال مثل هذه المراكز لكي تسترجع مثل هذه الأماكن عافيتها بعد مراحل التدمير.

 

3 - المفاهيم الفكرية في مقاربة التراث الصوتي لمنطقتنا.

 

الصيانة والاستمرارية

أهمية الميدان وارتباطه بالبحث:

كلنا نعلم أن التراث لا يقتصر على الإرث التاريخي المدون إنما ينعكس أيضا في الممارسات اليومية الشفهية التي لم توصف أو تدرس. بطبيعة الحال لابدّ للباحث أن يكون على علم بما كتب إلا أن المساهمة الفعلية والأصيلة لواقع معاش لابد أن تأتي من المراقبة الميدانية وتحويل الاستقصاء فيها إلى مادة علمية تخضع لآليات البحث المنهجي الذي يكشف عن تفاصيل المعاش الاجتماعي. وقد يكون سبب ضعف مثل هذه الكتابات في عالمنا راجعا إلى فكرة معاكسة سائدة. ففي المهمات التدريسية التي قمت بها كزائرة في بعض العواصم العربية. كنت أستمع إلى شكوى الشباب عن استحالة البحث والكتابة دون وجود مصادر مكتوبة عن الواقع المعاش. وعلى صحة التساؤل فإن شيوعه يكشف عن الاعتقاد بأن العلم يأتي فقط من الكتب قبل أن يكون نتيجة استخلاص من مراقبة ودراسة الواقع المحلي. إن الابتعاد عن المنهجيات المعاصرة التي تشجع متابعة ما يجري في الميدان ووصفه وصفا دقيقا لابد أن يؤدي إلى ضياع أجزاء من التاريخ المعاصر إذا ما تقبلنا فكرة أن كل ما نقوم به سيصب في نهاية المطاف في تيار التاريخ ليصبح جزءا من سيرورته الزمنية.

 

الأرشيف: الاستنساخ و الصيانة

قد يشعر الكثير منا بالاطمئنان عند معرفتهم بأن مادة صوتية معينة قد سجلت معتقدين أنها بذلك قد أنقذت من النسيان. وكثيرا ما يفوتنا أن المادة المسجلة معرضة للتلف, سريعة العطب لا تعيش بشكل ابدي ولا سيّما القديمة منها التي تعرضت لتقلبات مناخية في أمكنة غير مكيفة وغير مخصصة.

فالمراكز الصوتية في العالم تحافظ باعتزاز على نسخة الأساس أي النسخة الأولى التي سجلت ميدانيا ولا تسمح باستعمالها إلا لغرض تسجيل نسخة ثانية يمكن أن تخدم أغراض الاطلاع والبحث. وكلا النسختين بحاجة إلى صيانة دائمة والى تحويل مستمر إلى مساند حديثة متجددة. وهذا العمل أي الاستنساخ والصيانة هو من أساسيات العمل في المراكز الصوتية والبصرية إلا انه عمل طويل ومكلف.

ومثل هذه الممارسة تقريبا معدومة الوجود في غالبية المكتبات الصوتية التي تعرفت عليها في عالمنا العربي. ومنذ نصف قرن ونيف أي منذ تاريخ مكتبة عدن وإلى يومنا هذا لم تجر أي محاولة استنساخ لحماية الأصل إضافة إلى الانعدام شبه التام للصيانة والتغلب على عوامل التآكل الطبيعية كالجو والغبار وغيرها من العوامل الخارجية.  ففي مكتبة عدن التي أشرت إليها تكاد الرفوف المعدنية أن تقع مع محتوياتها بفعل دودة الأرضة التي توغلت إلى داخل الأشرطة. ولم يتم بطبيعة الحال استنساخ أي من الأشرطة أو الاسطوانات القديمة التي تملأ الرفوف والتي قد لا تكون صالحة الآن. أما مركز عمان الذي ما زال قائما, فإن التسجيلات الميدانية التي أجريت في السبعينات والثمانينات, لم تستنسخ ولم تحول على مساند جديدة ولم تصن بصورة كافية حسب شهادة المتابعين للمركز بحيث أصبح الجهد الذي بذل سابقا مهددا لأن يتحول إلى جهد ضائع.

 

إشكالية عدم الاهتمام بالثقافة الشعبية

مما لا شك فيه وجود صراع بين الثقافتين الشعبية الشفهية والثقافة المكتوبة التي تتمثل بدورها في صراع بين ثنائية أخرى هي التقاليد والحداثة. ولابد من الإقرار بأن المثقفين الجدد في العالم العربي منذ عهود الاستقلال ينظرون إلى التراث الشعبي وإلى كل موروث بشيء من الاستعلاء ويعتبرونه صنوا لتخلف المجتمعات العربية التي يسعى المثقف الجديد إلى تحريرها. في حين ينظرون باعتزاز كبير إلى كل مظاهر التحديث وتعبيرات الثقافة الغربية. صحيح أن هناك مؤسسات في العالم العربي كوزارات الثقافة ومؤسسات الإذاعة أدركت ضرورة تأسيس مراكز للجمع والأرشفة, إلا أنها في الوقت ذاته لا تنظر إلى مثل هذه المشاريع كما تنظر إلى المكتبات الوطنية التي تحتفظ بالكتاب والمخطوط في حالات السلم. وفي رأيي إن التمييز الثقافي –الاجتماعي بين المادة المكتوبة والمادة الشفهية المحفوظة في الأشرطة أو ما يقابلها ما زال قائما في وعينا كما كان قائما في كثير من الحضارات التي عرفت الكتابة. 

 يمكن للمتتبع للكتابات العربية في مجالات الفكر والفلسفة والثقافة وغيرها خلال أكثر من خمسين سنة أن يتحقق ان الموروث والحداثة يقاربان على أنهما ضدّان ينفي واحدها الآخر. وصراع هذين الضدين يأتي دوما على حساب الموروث. والمثقف حتى وإن كان كبيرا وواعيا, كما كان طه حسين مثلا, فقد ورث واستبطن التقييم السلبي لمجمل الثقافة المحلية الشفهية دون تمييز بين أركانها وتعبيراتها المختلفة. ففي مجال الموسيقى مثلا ندد طه حسين بالموسيقى المحلية. ودعا إلى فرض بث الموسيقى الغربية في الإذاعة. ولا يسع مجال هذه المداخلة إلى تتبع مصدر هذه الفكرة التي انتشرت في مصر في العقود الأولى من القرن الماضي لتنتقل بعد ذاك إلى مراكز حضرية أخرى من العالم العربي.

 

الأداء الشعبي والتقليدي أداء كلي

إن الثقافة الشعبية والتقليدية هي ثقافة تركيبية تجمع بين أكثر من مجال ومن فن وتتميز بحدودها المفتوحة بين المجالات المختلفة إضافة إلى ارتباطها بإرث تاريخي يحمل قيما ورموزا. يسمي الأداء الشعبي أو التقليدي «بالفعل الموسيقي الكلي», «الكامل» أو الإجمالي لأنه يجمع بين الموسيقى والشعر والحركة وبين مسار الحفل أو الطقس وبين المناسبة ومجموع القيم الاجتماعية والتاريخية المرتبطة بها. فكل هذه الأوجه متداخلة مع بعضها كما أن المعاني التي تصل إلى المتلقي هي بدورها مرتبطة بكلية الأداء. إن معظم الجماعات التقليدية التي تنظم احتفالا أو تلك التي تتلقاه لا تفكر في الجانب الموسيقي وحده حتى أنها لا تسميه بالموسيقى في كثير من الأحايين. إن التداخل بين جوانب التراث المختلفة يتطلب أحيانا مقاربة تعددية التخصصات تجمع بين التاريخ وعلم الموسيقى والعلوم الاجتماعية والعلوم التقليدية القديمة وعلم اللغة.

- الثقافة التقليدية والفولكلور أم وحدة الثقافة التقليدية

 هل يقتصر الموروث الثقافي الموسيقي على الشعبي منه؟ وهل يمكن وضع حدود واضحة بين الثقافتين الشعبية والحضرية أو بين الشعبية والفنية في الموسيقى رغم وجود صفات خاصة بكل منهما؟ هل يمكن فصل التراث الديني عن الدنيوي؟ إن دراسة الخزين الموسيقي التقليدي ترينا وجود صلة قوية بين التقاليد الحضرية الفنية وبين الشعبية إضافة إلى الترابط الكبير بين العالمين الشفاهي والمكتوب في حضارة تعرف الكتابة. وقد التفت المجلس الدولي للموسيقى التقليدية إلى ذلك عندما تغيرت تسميته في أوائل السبعينيات من المجلس الدولي للموسيقى الفولكلورية إلى المجلس الدولي للموسيقى التقليدية.  تم تطبيق هذا الفهم في تسمية مركز عمان. ولأن الكثير من الممارسات في العالم العربي قد تقع بين حالتين, الشعبي والفني, ولأننا أهملنا عموما دراسة حضارتنا وثقافاتنا التقليدية ولأن مؤسساتنا الثقافية تهتم عادة بالعلوم الحديثة المقتبسة من الغرب ولأن معظم الدوريات والمجلات توجه جل اهتمامها إلى الثقافة الحديثة, لم يعد هناك حيز لدراسة الموروث غير الشعبي مكتوبا كان أم شفهيا. لذا باعتقادي أن حصر التسمية بالموروث الشعبي بدل من تسميته بالتقليدي قد يلفظ ما لا يدخل في الشعبي من موروث فني حضري. وفي الحالة هذه سيبقى الموروث الفني دون حماية أو تأطير. 

 

أولوية النظري والدعوة إلى التوحيد ومسألة المصطلح

لو تفحصنا النتاج المطبوع في البلاد العربية, مستثنين ما نشر في دول الخليج,  لأمكنت مراقبة محدودية المواضيع التي يعاد طرحها والتي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة محاور:

1- مركزية النظام النغمي وهيمنة النظرية على التشخيص المنبثق من الأداء أو الميدان. تختص أعداد كبيرة من المطبوعات العربية مثلا بموضوع التنظيم النغمي وبمواضيع السلم الموسيقي ودرجاته. وهذا يعني أن التوجه البحثي هذا لا ينطلق من معاينة الممارسة إنما ينطلق من النظرية ومن معاينة مدى توافق الواقع العملي معها بعكس نهج موسيقى الشعوب الذي ينادي بالانطلاق من المعاش لوضع نظرية

2ـ بغض النظر عن التعددية الحية الموجودة في تراث المنطقة العربية والدعوة إلى توحيد المقامات والأشكال والأساليب الأدائية. فنموذج ما يسمى الموسيقى العربية بدأ ينتشر في موسيقى كافة المناطق العربية بأسرها في إطار مغلق ويبعدها عن الثقافات الشعبية رغم قنوات الاتصال بينهما.

3- موضوع تقليد الغرب في مصطلحاته ومحاولة الوصول إلى نموذجه. إن مسألة ما يؤخذ من الغرب وكيف يجب أن يؤِخذ والمعنى الذي يترتب عليه نوع الأخذ لم يدخل بعد ضمن اهتمامات معظم الموسيقيين الذين ينظرون إلى الموسيقى كظاهرة عالمية وليس كظاهرة ثقافية خاصة بالمنطقة الجغرافية. فبطبيعة الحال يمكن الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي ومن المنهجيات التي تدفع بالبحث إلى الأمام. وفي استخدام أي مصطلح غربي قد نكون أحيانا بحاجة إليه يجب أن نلتفت إلى الحيز الذي يغطيه والى توافق المصطلح المقتبس من اللغات الأوربية مع الواقع العربي لأن كل مصطلح يغطي حيزا دلاليا معينا. ويجرنا هذا إلى إشكالية استخدام المصطلح الأجنبي في حالتين

 1- حالة تكرار المعنى: فالفولكلور, الثقافة الشعبية, المأثورات الشعبية, التراث الشفاهي وغيرها من المصطلحات تشير كلها إلى معنى واحد يعبر عنه بالعربية «بالشعبي» الذي يتطابق تماما مع مصطلح الفولكلور الانكليزي الذي بدأ يشيع استخدامه باللغة العربية دون أن يضيف شيئا إلى معنى المصطلح العربي أو محتواه. فهو بهذا ليس إلا ترجمة حرفية لمصطلح موجود .

   2- حالة استعارة مصطلح له حّيز دلالي معين في اللغة التي استخدم فيها إلا أن هذا الحيز الدلالي لا وجود له في الثقافة العربية. وبهذا فإن الاستعاضة عن المصطلح المحلي الذي يحمل معه مفاهيمه بمصطلح أجنبي لا جدوى إيجابية منه سوى تغيير في المفاهيم وتناقض بين المعنى المحلي والمعنى المستعار. المثال على ذلك هو شيوع تشخيص الصوت العربي اليوم  بالسوبرانو أو الباص أو غيرها. فهذه المصطلحات قد تكون مهمة في النظام الغربي الذي تتمثل به الأصوات بطبقات معينة. في حين يوصف الصوت في المنطقة العربية وفق خصائصه وبصرف النظر عن طبقته.

3- استعارة مصطلح لا مقابل له بالعربية لكونه يمثل مفهوما جديدا نحن بحاجة إليه وفي الحالة هذه يجب التأكد من صلاحيته. بدأ يشيع في الآونة مصطلح الثقافة المادية تقابلها الثقافة غير المادية.  إن أصل هذا التمييز له جذور إدارية وجدت في اليونسكو عندما كانت هذه المنظمة تعنى تحديدا بإدامة وحماية الآثار المعمارية في العالم منذ عام 1972. ولكن باقتراح من مجموعة من المثقفين المغاربة تم توسيع مهمة اليونسكو لكي تعنى بكافة جوانب الثقافة التقليدية وهكذا تم نحت تعبير الثقافة غير المادية لكي يتناسب مع مصطلح الثقافة المادية الموجود ولكي يكمل حيز التعبيرات التقليدية التي يجب أن تعنى بها المنظمة. عدا هذا فإن الباحث يعرف بحكم ارتطامه بحقائق يكشفها له البحث أن مثل هذا التمييز ليس إلا تقريبيا لأن الثقافة المادية مرتبطة باللامادية ارتباطا وثيقا لا يمكن فصلهما. وكما ورد في تقرير آيو بامبوسة من جامعة أبيدجان عن إشكاليات الحفاظ والإحياء «إن الموسيقى والرقص والمسرح التي تعتبر عموما ضمن فصيلة التراث اللامادي مرتبطة بأداء الآلات الموسيقية وربما بالملابس أو بالأقنعة الأفريقية التي تدرج بشكل قطعي ضمن التراث المادي». ثم إن حفظ الثقافة الحية الشفهية الطابع التي تسمى أحيانا باللامادية يحولها إلى ثقافة مادية.

ختاما فإن الحداثة يمكن أن تعني شيئا ما عندما يكون للمجتمع تقاليد قديمة هناك من يحفظها من يهتم بدراستها وينقلها إلى أجيال جديدة ففي الحالة هذه يصبح للحداثة قيمة.

 

المراجع

الوثائق الكاملة للندوة الدولية لموسيقى عمان التقليدية (1985).  مطبوعات مركز عمان للموسيقى التقليدية.  في ثلاثة أجزاء. 1994.

- سلسلة ندوات التخطيط لدراسة التراث الشعبي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية. الدوحة-قطر:-

1 -ندوة التخطيط لجمع وتصنيف ودراسة الأدب الشعبي. 1984

2 - توثيق الموسيقى والرقص الشعبي.  1984    

3 - دراسة العادات والتقاليد والمعارف الشعبية. 1985

4 - لدراسة الثقافة المادية والفنون والحرف الشعبية.1985

حسون فريد, طارق     1986

- مشروع الجولات الاستكشافية للحضارة الصوتية والحركية الشعبية في دولة قطر. مطبوعات مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية. الدوحة.   حسين قدوري    1984

- لعب وأغاني الأطفال الشعبية في الجمهورية العراقية. منشورات المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية. بغداد:-

. شوقي,يوسف 1989 معجم موسيقى عمان التقليدية  . إصدار مركز عمان للموسيقى التقليدية. وزارة الإعلام. مسقط.

.الصويان, سعد العبدالله 1985 جمع المأثورات الشعبية. إصدار مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية. الدوحة.

. فارمر, هنري جورج الترجمة العربية غير مؤرخة مصادر الموسيقى العربية .ترجمة حسين نصار, مكتبة مصر. القاهرة. (كتبت نسخة الأصل الانكليزية عام 1940) .

. فارمر, هنري جورج الترجمة العربية غير مؤرخة تاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر. عربه وعلق على حواشيه جرجيس فتح الله المحامي, منشورات دار الحياة.بيروت (كتب الأصل الانكليزي بين 1919 و1925) في كلاسكو.

. العماري, مبارك عمرو  1991 محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في الخليج. من جزأين. المطبعة الحكومية. دولة البحرين. 

1993   Intangible Cultural Heritage : Problems of safeguarding and Revitalization.     

International Consultation on New Perspectives for Unesco Programme: The  Intangible Cultural Heritage, Unesco, Paris, June 16-17 .

Hassan,Scheherazade      1997

Collect and documentation of the musical tradition in Bahrain: A field Survey. A UNESCO expertise field report.

Hassan, Scheherazade      2003       

  Traditional Music in Sound Archives in Yemen: State of preservation, documentation and propositions. A UNESCO expertise field report.

 Hassan,Scheherazade       2004

« Tradition et modernisme: le cas de la musique arabe au Proche-Orient ». IN : Musique et Anthropologie. L’Homme : Revue de l’anthropologie française. Editions de l’école des Hautes Etudes en Sciences Sociales.

Nattiez, Jean-Jaques      2004

«  Ethnomusicologie et significations musicales ». IN : Musique et Anthropologie. L’Homme : Revue française d’anthropologie. Editions de l’école des Hautes Etudes en Sciences Sociales.

Nattiez, Jean Jacques   2004

“Ethnomusicologie”, IN : Musiques : Une Encyclopédie pour le XXI siècle. 2 « Les Savoirs Musicaux ». Sous la direction de J. J Nattiez. Actes Sud/ Cité de la Musique.

Sawa, George Dimitri    1989

 Music Performance Practice in the Early Abbasid Era 132-320 AH /750-032 AD. Pontifical Institute of Medieval Studies. Canada.

Shawqi,Yusuf  and Christensen, Dieter      1994

 Dictionary of Traditional Music in Oman.  Revised and expanded by Dieter    Christensen. Intercultural Musical Studies. Florian Noetzel. Wilhelmshaven.

 

أعداد المجلة