فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
4

الثقافة الشعبية والمناهج التعليمية

العدد 4 - منتدى الثقافة الشعبية
الثقافة الشعبية والمناهج التعليمية

أدار الحوار  محمد النويري
المشاركون في المنتدى:
حسين علي يحيى.
خديجة المتغوي.
سوسن كريمي.
صالح مهدي.
ضياء الكعبي.
علي عبد الله خليفة.

أنعقدت بمقر المجلـة يوم 18 أكتوبر 2008    ندوة علميـة عنيـت بمسـألة الثقـــافة الشـــعبية والمقررات التعليمـــية شاركت فيها ثلة من المختصين في مجال التربية والتعليم والثقافة الشعبية عرضت إلى المعوقات والمنجزات والآفاق وسـعت إلى أن يكون اللقـاء منطلــقاً لحوارٍ يرمي إلى إحـلال الثقافة الشــعبية محلها اللائق بها من المقـــررات  التعليميـــــة .

علي عبدالله خليفة:

يسرني الترحيب بحضراتكم في مقر مجلة (الثقافة الشعبية ) وهي فرصة سعيدة لنا جميعاً في هذه المؤسسة الثقافية الناشئة، كما أشكر وأقدر لكم جميعا كل ما قدمتموه من تعاون سابق من أجل عقد هذا المنتدى. ونعول كثيرا على مثل هذا التعاون مع الخبراء و المختصين في إنجاح أعمالنا، فبدونه لا يمكن أن يثمر عمل من هذه الأعمال العلمية التخصصية التي يراد لها بأن تكون متقنة وعلى جانب كبير من الاحتراف. إننا نعقد هذا المنتدى حول (الثقافة الشعبية والمناهج التعليمية) وقد خطت وزارات التربية و التعليم والجامعات الكبرى في الوطن العربي خطوات رائدة بإدخال الثقافة الشعبية ضمن مناهجها التعليمية والتربوية، وهي بادرة كانت يوما ما مجرد حلم وأمنية بالنسبة إلينا نحن المشتغلين في هذا الميدان، وهي بهذا ترد للثقافة الشعبية بعضا من حقها علينا من بعد سنين من الإهمال والنكران، متطلعين إلى خطوات أوسع من مثل هذه المبادرات التربوية.

إن أفق التحاور بينكم في هذا اللقاء مفتوح دون حدود، ويأتي ليكرس تقليد الحوار العلمي الصريح المفتوح على مختلف التخصصات ذات الصلة بالثقافة الشعبية كمادة وكعلم. أتمنى لكم النجاح والتوفيق وأدعو الأستاذ الدكتور محمد النويري منسق الهيئة العلمية / مدير تحرير (الثقافة الشعبية) لتولي رئاسة الجلسة وإدارة النقاش، فليتفضل مشكورا.

 

محمد النويري :

صباح الخير حضرات الإخوة، سعيد بهذا اللقاء الذي نتناول فيه مسألة كما نعرف جميعاً الثقافة الشعبية والمناهج التعليمية. فالثقافة الشعبية كانت موضوعاً غريباً عن المقررات العلمية والتعليمية منذ فترة ليست بالبعيدة. وغير خاف أن الثقافة الشعبية كانت محور اهتمام جامعات عديدة ومراكز بحث مختلفة في العالم وباتت تحظى باهتمام خاص في المجتمعات العربية. وسنت لها التشريعات ووضعت لها حوافز وصارت الثقافة الشعبية جزءا من الثقافة الخاصة من حيث البحث ومن حيث الدرس ومن حيث العناية. وهذا أمر يمكن أن نقف عليه بالعين المجردة أمر غير خاف. ومع ذلك رغم اهتمام الخاصة بالثقافة الشعبية فإنّ المناهج التعليمية في أغلب البلاد العربية، هناك استثناءات لا شك في ذلك، ولكن المناهج التعليمية ما زالت مترددة إزاء هذه القضية إزاء إدراج الثقافة الشعبية ضمن المقررات التعليمية. البحرين ربما تمثل استثناء وتمثل ربما قدوة. سنسعى إلى تقديمها إلى القارئ العربي والقارئ الغربي لأن المجلة تنشر موادها بالعربية ولكن تقدم ترجمة لهذه المواد بما فيه الترجمة بالإنجليزية وبالفرنسية.

أطلب من حضراتكم التركيز في القضايا واجتناب ما استطعنا فضول الكلام والاستطراد غير المجدي. وألفت انتباهكم الكريم إلى أنّ ما يقال اليوم سينشر ضمن العدد الرابع للمجلة. لهذا نسعى إلى أن نتكلم باللغة التي ترغبون أن تسند إليكم. حيث ستنسب لكم عند نشر هذا العمل. وأيضاً نتجنب كل كلام ربما يحرج صاحبه ويحرج المجلة. والمحاور التي سنتناولها هي هذه المحاور المثبتة أسفل الصفحة. طبعا هذه المحاور ليست قرآناً منزلاً يمكن أن نعدل منها ويمكن أن نضيف إليها:

1-   تردد المناهج التعليمية إزاء الثقافة الشعبية: الأساليب والدواعي

2-   إدراج الثقافة الشعبية ضمن المناهج التعليمية: الغايات التعليمية والأبعاد التربوية.

3-   الثقافة الشعبية : الخصوصية والكونية.

4-   بيداغوجيا تدريس النص الثقافي الشعبي.

5-   الثقافة الشعبية والمناهج التعليمية: المنجز والطموح.

أرجو أ لاّ يستغرق المتحدث أكثر من خمس دقائق.

 ونبدأ بالمحور الأول ونحن هنا نفيد منكم وضع الثقافة الشعبية ضمن المناهج التعليمية كيف هو؟ نستمع إليكم ..

 

حسين يحيى :

كما أسلفتم في التقديم لهذه الندوة فإنّ وضع الثقافة الشعبية في مناهجنا التعليمية في مرحلة التعليم الثانوي تبدو واعدة إلى حدّ كبير، حيث إنها  تحاول مقاربة هذه الثقافة، وتوليها أهمية لم تكن فيما مضى بهذا القدر؛ سواءً على مستوى مناهجنا الوطنية أو مناهج الدول العربية الشقيقة هذا على مستوى التعليم العام، أما على مستوى التعليم الجامعي فيبدو أنّ هناك تجربة اختطتها جامعة البحرين ويمكن للدكتورة ( سوسن ) إلقاء الضوء عليها في هذه الندوة.

 

محمد النويري :

فقط نريد أن نعرف هل هناك مقررات ضمن المناهج التعليمية في البحرين، في أي مستوى وما هو مداها ؟

 

حسين علي يحيى:

منذ عامين استحدثت إدارة المناهج  بوزارة التربية والتعليم مقررًا خاصا بتدريس  الثقافة الشعبية وهو مقرر ( إثرائيّ تطبيقيّ) يُعنى بالجوانب التداولية في تناول الثقافة الشعبية،  وليس بالجوانب التنظيرية، مع التأكيد على أن الجانب المعرفيّ هو من بين ما يجب التأكيد عليه في مقاربة الثقافة الشعبية، هذا المقرر موجه لطلاب المرحلة الثانوية ( نظام توحيد المسارات الأكاديمية) وهو يشكل - مع مجموعة من المقررات الإثرائية مثل ( مقرر الخدمة الاجتماعية) و(مقرر المسرح التربوي) الذي تعتزم وزارة التربية والتعليم تدشينه مستقبلا- محاولة تربوية للتخفيف من قيود النمطية السائدة في اليوم المدرسي،  إذ إنّ هذه المقررات تشتغل على ميول الطلاب، وتلامس حاجاتهم ورغباتهم في التواصل  مع الكثير من آفاق الأمور المتداولة ثقافيا واجتماعيا وإبداعيا، بما في ذلك أفق الثقافة الشعبية الذي نحن بصدده في هذه الندوة .

 

ضياء الكعبي :

فيما يتصل بهذه النقطة سأتحدث عن تدريس مقرر«الأدب الشعبي» في جامعة البحرين.جامعة البحرين أول ما أنشأت في  1986 كان يدرس  مقرر«الأدب الشعبي»،ويحسب للأستاذ الدكتور إبراهيم غلوم إيجاد مثل هذا المقرر وجعله ضمن المقررات الاختيارية لطالب البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها.واستمر الدكتور غلوم خلال سنوات كثيرة في تدريس هذا المقرر بوصفه مادة اختيارية إلى أن حدث تغيير في برنامج: البكالوريوس في اللغة العربية منذ حوالي السنتين وأدرج مقرر«الأدب الشعبي» بوصفه مادة إجبارية وليس مادة اختيارية.وهذه خطوة تحتسب أيضا للدكتور غلوم وأيضا لأساتذة الأدب بقسم اللغة العربية.

درس المقرر الدكتور إبراهيم غلوم والدكتور عبدالقادر فيدوح والآن أنا أدرسه.والمقرر الآن بوصفه مادة إجبارية قائم على توصيف معين هو دراسة مناهج الدراسات الشعبية ومفهوم الأدب الشعبي في الوطن العربي:معناه ونشأته، ومدارسه، وفنونه، وتطوره، وأهم ملامحه، ومميزاته مع تطبيق منهجي على بعض النصوص المختارة من الأدب الشعبي والعالمي مثل: السير الشعبية،والأمثال الشعبية،والحكم،والخرافات، والأساطير،والأشعار الشعبية.والوقوف على خصائص البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمثلها النصوص الشعبية.وفي تدريسي للطلاب الآن أحاول بقدر الإمكان إغناء الجانب المنهجي لهم كي يعرفوا مناهج دراسة علم الفولكلور ثم تطبيقات هذه المناهج بالنسبة للوطن العربي.والشق الثاني أعوّد الطلاب وأشجعهم على القيام بعملية جمع ميداني من خلال بحوث فردية يتخيرون من خلالها ظاهرة من ظواهر الأدب الشعبي في البحرين ويقومون بعمل دراسات تطبيقية.إلى جانب بحث جماعي يعمل كل طالب من خلال مجموعات.وقد قسمت الصف تقريبا إلى أربع أو خمس مجموعات.وهذه المجموعات مسؤولة عن عمل مسح شامل لمصادر دراسة الأدب الشعبي في البحرين.وأحاول قدر الإمكان جمع هذه الدراسات ونشرها إما من خلال الجامعة أو من خلال جهة أخرى تتبنى مشروعات الطلاب وشكرا.

 

سوسن كريمي :

دعوني أشكركم على دعوتي لهذه الندوة، وأنا سعيدة بهذه المشاركة، وإن دل على شيء فهو يدل على المستوى الذي نحن نتقدم فيه أو بالأحرى يدل على المرحلة المتقدمة التي أحرزتها مجلة الثقافة الشعبية في الاهتمام وتبني موضوع الثقافة الشعبية / اسمح لي أستاذ أنّ أنتقل وأبتعد قليلا عن السؤال الذي طرحتموه، وأطرح نقطة مهمة جداً وهي إننا لكي نقيم وضع الثقافة الشعبية في البحرين والدراسات المرتبطة فيها، فنحن بحاجة إلى أن ننظر نظرة شاملة لواقع المجتمع البحريني. فمجتمعنا حديث من ناحية بنية الدولة ومؤسساتها الحديثة وبالتالي مسألة التراث أو الاهتمام بالتراث موضوع حديث. يمكن الأستاذ علي عبدا لله خليفة يتذكر قبل كم سنة سألته عن التراث وواقع التراث في البحرين، والنتيجة التي تم استنتاجها إنّ الاهتمامات بالتراث بدأت كاهتمامات فردية جداً على مستوى المجتمع البحريني. و أن إدراك أهمية التراث في البحرين على المستوى الرسمي بدأ في مرحلة متأخرة جداً مقارنة باهتمامات الأفراد في البحرين. والهدف هنا ليس توجيه الانتقادات بقدر ما هو التعرف على واقع تراث البحرين على المستويين الرسمي والشعبي. و تأخر الوعي الرسمي بالتراث شيء متوقع لأن الدولة حديثة النشأة و الاستقلال من وطأة الاستعمار. وهذه الأمور تأخذ وقتاً حتى تنبني وتتأسس على أعلى المستويات. فخلاصة الفكرة الاهتمام بالتراث في البحرين بدأ على مستوى أفراد  مهتمة بجمع و توثيق التراث أما على المستوى الرسمي لهذا الجانب فالوعي والممارسة كانا مفقودين. وبدأ الاهتمام بالتراث على المستوى الرسمي مع قيام مؤسسات الدولة، متمثلا في  وزارة الإعلام لكن بدأ في فترة متأخرة. وتقريبا وفي فترة التسعينات ازداد الاهتمام بالتراث من أجل اقتصاد السياحة وأهمية وجود هوية بحرينية من خلالها يتم تسويق البحرين على كل المستويات. وكذلك نتيجة لضغوطات العولمة التي أفرزت الحاجة إلى بلورة  الهوية والحفاظ على خصوصيتها. ودعني أذكر هنا ومن منظور أكاديمي أن الاهتمام بالتراث لم يبدأ باهتمام حقيقي لدراسة و بمنهجية علمية بقدر ما كان هو من منظور تسويقي وأن يكون لنا وجود في خضم هذه العولمة، أي يكون لنا وجه بين هذه الوجوه المتعددة .

أنتقل لمسألة تدريس التراث أو واقع التراث في جامعة البحرين وبالذات في قسم العلوم الاجتماعية، أنا انضممت للجامعة في نهاية 2003 م لما وصلت علمت إنه تمت مراجعة  وتحديث لمقررات شعبة علم الاجتماع، و يرجع الفضل للدكتور باقر النجار الذي أدخل مقررات حديثة جداً و تواكب التغيرات التي تحدث على المستوى الأكاديمي في الجامعات العالمية وفي الوقت نفسه تلبي احتياج المجتمع البحريني. و من ضمن المقررات التي تم طرحها هو  مقرر الثقافة الشعبية في البحرين. وهذا المقرر مهتم بدراسة مختلف جوانب الثقافة الشعبية أو التراث الشعبي في البحرين. لكن ما وجدته عند تدريس  هذا المقرر هو عدم توفر كتاب أكاديمي، ولا أعني هنا كتاباً توثيقياً فهذا متوفر إلى حد ما، بل كتاب

أكاديمي يبحث التراث البحريني بشكل علمي تحليلي. ما هو متوفر عندنا هو عبارة عن كتب مدرسية أو كتاب مدرسي يتعامل مع التراث بشكل عام ويدرس التراث كمدخل للتراث. وكما ذكرت  في البحرين تمت جهود فردية جبارة  وتستحق التقدير لتسجيلها وتوثيقها التراث البحريني، لكن تحليل هذا التراث ودراسته بشكل تحليلي يمكن من خلاله التعرف على واقع المجتمع كقضايا المرأة وغيرها من مواضيع مختلفة، فهذا الشيء لم يتمّ إلى اليوم. لا أعتقد انه تم تجميع للتراث البحريني بشكل منهجي علمي، ما حدث هو كتابات تكتب عن التراث البحريني. وأنا واجهت معضلة لدرجة أنني أدرس المقرر بشكل انتروا وكتري أو كمدخل للتراث وأطلب من الطلبة التعرف على الثقافة البحرينية بالذات من ضمن محيطهم الذي يعيشونه وذلك بعرضه وتحليله وكانت تجربة ممتازة استمتعت فيها كثيرا وتعرفت على أشياء لا أدري إن كان يمكن لي أن أتعرف عليها لو أنني دخلت كباحثة فقط .لذلك أنا ممنونة لطلبتي لأنهم عرفوني على ممارسات متنوعة مختلفة في طريقها إلى الاندثار في قرى مختلفة من المجتمع البحريني وإلى جانب ذلك فإنهم منحوني فرصة معايشة بعض ما درستهم وذلك من خلال عروضهم وكان ذلك أنني عند رسم خطة المقرر وضعت من متطلبات البحث المقرر أن يتضمن عرضاً لجانب من جوانب التراث البحريني، سواء كان في الملابس أو أكلات أو ممارسات دينية أو معتقدات. وهذا خلق في نفس الطلبة نوعاً من الاعتزاز بالثقافة البحرينية ومن التواصل بالإرث التاريخي ووعياً بتراث الجندر سواء بين الذكور أو الإناث. فهناك ممارسات موجودة فقط بين الإناث الطلاب الذكور لم يكونوا واعين بها و بدأوا يتعرفون عليها من خلال العرض والعكس صحيح. أنا أقول خلاصة بالنسبة  لمقرر التراث الشعبي الذي يدرس في جامعة البحرين في قسم العلوم الاجتماعية في شعبة علم الاجتماع بأنه مقرر مدخل محتاج أكثر ....

أتمنى لو تكون هناك إمكانية لإيجاد محور للتراث الشعبي في تخصصات علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية. حالياً وكما هو موجود فإن مقرر التراث الشعبي يدرس ضمن محور الانثروبولوجيا والذي هو أحد المحاور الثلاث  في تخصص علم الاجتماع. وشكراً

 

محمد النويري :

هل هناك إضافة لهذه النقطة ؟

 

خديجة المتغوي :

السؤال عن وضع الثقافة الشعبية في المدارس الحكومية في مملكة البحرين ؟

لم يكن هذا المقرر أمراً جديداً وإنما كانت هناك بوادر سابقة لوضع المقرر كمقرر إلزامي أو كمركز إبداعي في المدارس الحكومية لاسيما مدارس الفتيات حيث كانت تعتمد تمثيل بعض المواقف الشعبية وسرد بعض الحكايات والمثل الشعبي في المهرجانات والاحتفالات ثم وضع هذا البند ضمن أعمال النوادي الأدبية للغة العربية فكنّا مسبقاً قبل مجيء هذا المقرر نتعامل مع مسابقة المثل الشعبي ومسابقة الحكاية الشعبية وأدب الأطفال الشعبي، وعندما جاء المقرر كان استكمالا لما بدُئ به، وكأنّه قد تمخضّ عمّا يدور في خلد المعلمين والمعلمات ورغبة الوزارة المنبثقة من خطاب القيادات العليا.

 

صالح مهدي :

بالنسبة للمحور الأول وضع الثقافة الشعبية في مناهجنا التعليمية باختصار شديد هو الآن بخير، تمّ تطبيق هذا المساق على خمس مدارس ثانوية هي مدرسة الرفاع الشرقي الثانوية ( بنين ) ومدرسة الرفاع الغربي الثانوية (بنات ) ومدرسة سار الثانوية ( بنات ) ومدرسة أميمة بنت النعمان الثانوية (بنات) ومدرسة المحرق الثانوية التجارية ( بنين ) فتمّ استحداث هذا المساق في خمس مدارس و إن صح هذا التعبير في نهاية 2006 والعام الدراسي 2007/2008م  والأعوام التالية  إعادة إحياء ونهضة للثقافة الشعبية أو صحوة  في مجال الثقافة الشعبية في المناهج التعليمية بامتياز.

 لايخفى على حضراتكم أن الاهتمام بالثقافة الشعبية كما تفضلت الدكتورة في بدايته اهتمام فرديّ. ولكن بوجود رموز مثقفة ونخب واعية مخلصة أمثال شاعرنا رئيس التحرير الأستاذ علي عبدالله خليفة والأستاذ حسين وأمثالكم طبعاً، بدأ الاهتمام المؤسسي بهذا بإصدار العدد الأول من مجلة الثقافة الشعبية بداية مثلما تفضلت وسبقتني الأخت خديجة بناءً على معطيات سابقة تمّ مقابلة المعلمين وترشيح المعلمين من قبل إدارات المدارس إلى وزارة التربية لمقابلة من لديهم إيمان بقيمة التراث وحب وعشق لهذا التراث الشعبي وإيصاله ونقله للأجيال بكل أمانة. بعد المقابلة في بداية العام الدراسي 2007م استحدث هذا المساق  هناك عدة إجراءات تعزيزية لاستحداث هذا المساق من ضمنها دورة تدريبية أقامتها الوزارة بحضور الدكتور حسين عن الثقافة الشعبية مدتها ثلاثة أيام طبعاً كانت دفعة قوية جداً؛ لأنه تمت استضافة المدراء المساعدين ومنسقي المساق مع اختيار نخبة من الطلاب في هذا المساق ومتخصصين عن مفردات هذا المنهج اليوم الأول كان عن الحزاوي والأمثال الشعبية والأشعار النبطية والعامية. اليوم الثاني كان عن فنون الغناء الشعبي وعادات ومراسم الزواج في المجتمع البحريني قديماً وقد تصدَى لهذا المحور بكفاءة الفنان الأستاذ جاسم محمد بن حربان مدير إدارة الخدمات الطلابية. واليوم الثالث كان عن الحرف والصناعات التقليدية في البحرين والحمدلله وضع الثقافة الشعبية في المناهج التعليمية الآن في البحرين بخير وكل المدارس، 32 مدرسة ثانوية أو 31 أو شيء من هذا القبيل تسعى أن تطبق هذا المساق الحيوي .

مساق الثقافة الشعبية وتحذو حذو هذه المدارس أما بالنسبة لوضع الطلاب لاقينا تفاعلاً منقطع النظير في تلقي واستقبال هذه الثقافة الشعبية لأنها ثقافة إنسانية والكل يعشق تراثه، ومثلما يقول الشاعر «خير الناس ذو نسب قديم أقام لنفسه نسباً جديدا». فلاحظنا تفاعلاً منقطع النظير وغير متوقع  كثير من أدواتنا الشعبية من تبرع الطلاب وأولياء الأمور حتى كان عندنا اليوم المفتوح أحد أولياء الأمور قال أنا عندي أغراض وتحف شعبية  أكثر من الموجودة في المتحف، عدد أكبر من 4000 ساعة فهناك تفاعل كبير من ناحيتهم فكونّا فرقاً شعبية لإحياء جميع الأنشطة الطلابية بطابع شعبي وطني جميل .

 

علي عبد الله خليفة:

من المهم ونحن نتحدث عن الثقافة الشعبية والإهتمامات الفردية، أن نلقي نظرة سريعة على ما كان بالنسبة للبحرين ومنطقة الخليج فقد أحدث اكتشاف النفط في المنطقة كما هو معروف للجميع نقلة اجتماعية في أنماط العيش وفي تغير أدوات الانتاج وانتقال المجتمع من حالة إلى حالة جديدة أخرى. هذا التغير الكبير في حياة الأفراد ولد شعورا سلبيا لدى عامة الناس تجاه كل ما يمت إلى حياتهم السابقة بصلة فهب الناس أمام وفرة المال وتوفر مختلف السلع الكمالية إلى تجديد حياتهم وتحديثها ومسايرة المتغيرات بالتخلص من كل الأدوات والمعدات التقليدية التي انتهى دورها وتعطلت وظيفتها وأصبحت الحكايات والأمثال والأهازيج والحرف والصناعات  جزءا من الماضي. ومن بعد استمرار الحياة في المنطقة على هذه الوتيرة والتشبع بها عاودت الانسان هنا صحوة من افتقد جزءا مهما من ذاته وعاوده ما يشبه الحنين إلى حياته البسيطة الخالية من هموم وتوترات حياته الجديدة فعاد يجمع من جديد أدواته ومعداته القديمة التي سبق وأن تخلص منها فأنشأ عدد كبير من أفراد المجتمع متاحف شخصية صغيرة في بيوتهم يحتفظون فيها بأدق وأشمل ما كان يستخدم قديما من أدوات وراجت تجارة بيع وتبادل هذه الأدوات والتنافس على اقتنائها وحفظها. 

وفي جانب آخر شغف نفر من مثقفي المنطقة في تتبع ما كان يسرد من الحكايات وما يتضمنه غناء صيادي اللؤلؤ من نصوص المواويل والأهازيج وما كان يداول بين الناس من أمثال وحكم وأشعار وعنوا بجمعه وتدوينه في كراسات صدر بعضها مؤخرا في كتب ومدونات شهيرة كأعمال الأساتذة عبد الكريم الجهيمان في المملكة العربية السعودية وأحمد البشر الرومي في دولة الكويت وحمد أبو شهاب في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرهم من الرواد في مختلف البلاد العربية ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن.   

ويمكن اعتبار كتاب (التراث الشعبي) لصلاح المدني وعبدالكريم العريض أول كتاب يصدر في البحرين يتحدث عن التراث الشعبي بصورة عامة بدون تفصيلات وطبعاً جهود راشد العريفي الفنان التشكيلي الذي أصدر كتابا عن الألعاب الشعبية والفنان أحمد الفردان كانت جهوده طيبة في متابعة الفرق الموسيقية النسائية والرجالية واهتمامه بالدور الشعبية إضافة إلى أعمال التدوين التي قام بها مبارك العماري وجاسم الحربان وعيسى المالكي ووحيد الخان وجهود عديدة أخرى  لدور وفرق شعبية موجودة في البحرين ظلت محافظة على ما تمارسه من فنون متشبثة بها. ظل العمل في ميدان التراث الشعبي يغلب عليه جهد الأفراد غير المنظم وغير المنهجي إلا فيما ندر كجهود الجمع وتنظيم الدورات التدريبية التي قامت بها إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام. أما جهود الجمع العلمي التخصصي فقد ظل جهدا معطلا لفترة طويلة جداً إلى أن ظهر بعض الدارسين في البحرين ممن درسوا علمي الاجتماع والانثربولوجيا وكان لهم دور تأسيسي في توجيه طلبة الجامعة إلى البحوث الميدانية المعنية بالتراث الشعبي.

 

محمد النويري :

شكراً أستاذ علي بارك الله فيك / نحن لما ننظر من بعيد نلاحظ أن البحرين كان لها دور مهم في الاهتمام بالثقافة الشعبية.  مركز الفلكلور في الدوحة كان على رأسه بحريني. المركز الإقليمي الآن من سنتين تقريباً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعليه بحريني. فالبحرين لها دور تجاوز الدور المحلي إلى الدور الإقليمي وأحياناً دور عالمي لأن المنظمة العالمية للفن الشعبي نائب الرئيس فيها بحريني. عندما نتناول هذه الأمور في الحقيقة ننطلق من واقع البحرين ولكن ننفتح على المحيط القريب والمحيط البعيد لنقدم نموذجاً بالرغم من إقرار الثقافة الشعبية ضمن المناهج التعليمية في الجامعة وفي المدرسة وفي المعهد في مناطق عديدة من العالم هناك تردد حتى في البحرين. هناك ناس يترددون ويعتبرون أنّ مثل هذه الأمور كأنها تخل بالتكوين كأنها لا يمكن أن تكون جزءاً من التكوين. وهناك جامعات وهناك مدارس وهناك مقررات تعليمية في البلاد العربية لا تفكر حتى مجرد التفكير في إدراج مثل هذه الأمور ضمن المقررات التعليمية.  نحن نريد أن نبحث وهذا دور المربي ودور الجامعي / الأسباب التي تحول دون إدراج الثقافة الشعبية ضمن أبواب المقررات التعليمية هل هناك دواعٍ نفسية؟ هل هناك أسباب تاريخية؟ هل هناك أسباب تربوية؟ تجعل الناس يترددون في إدراج الثقافة الشعبية ضمن المقررات التعليمية والمحاور البحثية .

 

ضياء الكعبي :

بالنسبة لهذه النقطة كما ذكر الدكتور الأسباب يجب أن تبحث وهي  أسباب عميقة وخاصة فيما يتصل منها بالثقافة العربية الإسلامية. من خلال دراستي للسرد العربي القديم والأنساق الثقافية لاحظت أن هناك ثنائية موجودة في الثقافة العربية الإسلامية وهي ثنائية أدب العامة في مقابل أدب للخاصة.ولاحظتُ أيضا   أنه عندما ترد العامة في أي سياق فإن أوصافاً أو حتى نعوتاً تلحق بهم واسمحوا لي أن أذكر بعضها على الرغم من قسوتها. من هذه النعوت: قد يطلق عليهم «البقر أو الدهماء  أو السوقة أو الجراد أو أهل الخفة والأوباش والطرارون والسفهاء والسواد». هذه ألفاظ ومسميات موجودة في الثقافة العربية الإسلامية.وحتى لو تعمقنا فيما يتصل بطبيعة البلاغة العربية القديمة فإننا نجدها قد رسخت منذ القرن الثاني للهجرة أنساق البلاغة الرسمية في مقابل تهميش «بلاغة العامة» كما وجد عند الجاحظ و ابن المعتز وسواهم من البلاغيين. وسنجد  دائما هذه الثنائية والتراتبيات الاجتماعية والثقافية من هذا المنظور الضيق عند البلاغيين مع استثناءات نادرة جدا  فيها  الالتفات إلى جوانب  أخرى مسكوت عنها مثل ابن وهب الكاتب في كتابه «البرهان في وجوه البيان» عنده بعض التفاتات مثلا إلى بلاغة الصمت أو إبانة الصمت. فإذن  هناك تغييب وتهميش لكل ماله علاقة بالعامة في مصنفات الأدب الرسمي والبلاغة الرسمية ومصنفات التاريخ الرسمي التي لا يرد ذكر العامة فيها إلا في الأنساق التي يأتي فيها ذكر الملك أو السلطان أو الخليفة وفيما عدا ذلك لا يكون ذكر العامة له أي قيمة. إذن هناك موقف معين أستطيع أن أقول عنه هو خطاب متعالٍ من الثقافة العربية الإسلامية تجاه العامة لأسباب مختلفة: أسباب اجتماعية وثقافية وما إلى ذلك. وهذا الموقف المتعالي استمر حتى القرن العشرين.وفي مطالع القرن التاسع عشر سجل عدد كبير من الرحالة الأوروبيين مرويات السير الشعبية العربية في بلاد الشام ومصر.في النصف الأول من القرن العشرين  طرأ تحول كبير على طبيعة النظرة إلى الأدب الشعبي عند بعض الدارسين والباحثين خاصة في مصر والالتفات إلى أهمية الأدب الشعبي بفعل دواعٍ مختلفة منها الأدب القومي والنزوع القومي و التحرري،ونوقشت أول أطروحة دكتوراه في الأدب الشعبي مقدمة من محمد عبد المعيد خان في بحثه عن الأساطير العربية الذي قدمه للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة فؤاد الأول عام 1933. ثم تلته سهير القلماوي بدراستها عن «ألف ليلة وليلة» بمساندة من طه حسين. ثم أصبح هناك التفات أكثر لإرسال باحثين عرب إلى جامعات أجنبية للتخصص. وفيما يتصل بالبحرين فإن المناهج لدينا لم تحتفِ بالأدب الشعبي لسبب بسيط هو كون واضعيها من الإخوة العرب خاصة المصريين الذين أتوا من مدارس محافظة وتقليدية جدا.وحتى البحرينيون الذين ألفوا فيما بعد كانوا متأثرين بهؤلاء.وكما ذكرت الزميلة الدكتورة سوسن كريمي بدأت جهود تدريس الأدب الشعبي بمبادرات فردية وليس بجهود مؤسساتية.

 

حسين يحيى :

إشكالية الثنائية التّراتبية التي أشارت إليها  الدكتورة ضياء والتي تصنف الثقافة الشعبية على أنها ثقافة عامة أو عامية ، تقابلها  ثقافة عالمة أو نخبوية، هذه الإشكالية  لها جذورها في تراثنا العربيّ، حيث يورد ابن خلدون في مقدمته تصنيفاً لأنواع المهن الشريفة والوضيعة من وجهة نظره. فينتصر في تناوله موضوعة الكتابة إلى  المدون في مقابل غير المدون مشيدا بدور المدون في حفظ حاجة الإنسان وتقييد ها عن النسيان، حيث الكتابة عنده مخلدةً نتائج الأفكار والعلوم في الصحف، رافعة رتب الوجود للمعاني، أمّا الثقافة الشفهية (غير المدونة) فهي قابلة للضياع والتلاشي.  وسأنطلق في مداخلتي هنا مما أورده الأستاذ علي عبدالله خليفة في مفتتح من مجلة الثقافة الشعبية،  والذي أشار فيه إلى أنّ هناك قصوراً في الفكر وتشويشاً في الرؤية تجاه الثقافة الشعبية في مجتمعاتنا العربية. وأود أن أشير هنا إلى أنّ  تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن منظمة اليونسكو في العام  2003 قد أرجع أسباب هذا القصور والتشويش إلى النظرة السائدة في أوساط النخب الثقافية  العربية، والتي تنظر إلى الثقافة الشعبية باعتبارها مظهراً لعلل في ثقافة الأمة وفي نسيج الحياة الوطنية أو القومية،  وإلى محاولات تصويرها على أنها قرين للتخلف الحضاري،  وأنها نقيض للمعرفة الرشيدة،  بهذا المعنى والمعرفة العالمة، وإلى تحذير هذه النخب من أنّ الاهتمام بالثقافة الشعبية يؤدي إلى  شرخ في الوجود الوحدوي للأمة والشعب،  وأنّ هذه الثقافة مرادف للخرافة أو هي مرض في اللغة الفصحى !! فلا غرابة في أن يكون هناك تردد في مقاربة الثقافة الشعبية، سواء على مستوى المناهج الدراسية في مراحل التعليم العام،  أو الجامعي العربي، باعتبار أنّ تدريس هذه الثقافة  لأبنائنا سيكون نقيضًا لما تعارف عليه المجتمع في تعليم  أبنائه، حيث أن التعليم وفقا لهذا العرف يعني انتقال الأبناء من العام أو العامي إلى الخاص أو النخبوي،  بعبارة أخرى من الشفهي إلى المدون. فالثقافة الشعبية غير المدونة تعدّ ارتجالية وغير موضوعية، وغير موثقة، وبالنتيجة فإنها  غير علمية من وجهة نظر القائمين على المناهج التعليمية.

وأود أن أضيف هنا أنّ التداول الفلكلوري المبتذل للثقافة الشعبية في بعض مفرداتها قد أفضى  إلى حصول قطيعة إبستيمولوجية (معرفية) مع هذه الثقافة، إنّ هذا التداول في معظمه  لم يكن أميناً، ولم يشتغل على المكون المعرفي، أو القيمي أو الأخلاقي الذي تحمله هذه الثقافة. وتواصلا مع أسماه الأستاذ علي عبد الله خليفة  في هذه الندوة بـ «  صحوة الذاكرة، أو صحوة الوجدان الشعبي»  تجاه هذه الثقافة.  إنّ المقاربة المنهجية التي تبنتها وزارة التربية والتعليم تتسق مع هذه النقلة النوعية في النظر إلى الثقافة الشعبية في مناهجنا الدراسية والتي تعدّ وجها من وجوه إعادة الاعتبار لهذه الثقافة .

ولا يفوتني أن أشير في هذه الندوة إلى  أنّ مقاربة مناهجنا الدراسية لموضوعة الثقافة الشعبية هي في الأساس قراءة واعية وعميقة في خطاب الإصلاح السياسي الذي تضمنته  مدونتا ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين  اللتان أعطتا للثقافة الشعبية وزناً يناسب  مقدار اًهميتها في حياتنا الثقافية والإبداعية. فعندما قاربت وزارة التربية والتعليم  بيداغوجيا هذه الثقافة فإنها قرأت بوعي مؤدى هذا الخطاب في بعده الوطني،  كون هذه الثقافة تمثل جامعا مشتركًا لأطياف مجتمع البحرين المتنوع الثري، مستحضرة خصوصية البعد الحضاري لهذه الثقافة وانفتاحها منذ القدم على العالم،  مرددة أصداء ملحمة جلجـامـش لأن» تكون دلمون ميناءً للعالم كله» وبهذا المعنى تكون هذه المقاربة تدشينا لرؤية تربوية، تحمل دعوة حضارية  للاشتغال على المكون الثقافي الأصيل لوريث إنسان دلمون، إنسان مملكة البحرين ليبحر في أفق التداول الكونيّ لهذه الثقافة، مرسخا-  كما هو شان أجداده - القيم المشتركة للإنسان على هذا الكوكب، حاملا بوعي أمانة الدعوة إلى أن « تكون دلمون ميناء للعالم كله» ، تفاعلا منفتحا على قيم التسامح والتعاضد الكونيّ. فنحن نتوقع من أحفاد إنسان دلمون الذي توجهنا إليه بهذا المنهج سواء، على مستوى الدراسة الثانوية، أو المستوى الجامعيّ أن يكون خير من يحمل هذه الأمانة في بعدها المعرفي والقيميّ في زمن العولمة والثورة المعلوماتية.

 

خديجة المتغوي :

لم يترك الأستاذ علي عبدالله خليفة والأستاذ حسين يحيى مجالاً لمستزيد ولكن بتلخيص موجز؛ إنّه في فترة زمنية أعتبر الموروث الشعبي هو المجرم الأساسي في جريمة التأخر العربي، وعندما جاءت المناهج التعليمية كان هدفها هو التنوير وتطوير الفكر العربي فأتجهت نحو محو الماضي بكل ما فيه وطمسه بكل معالمه، ذلك أنها جعلت الخرافة والأمية مع التراث وجهان لعملة واحدة فأعتبروا كل ما هو موروث هو من الخرافة وليس الأمر كذلك، والآن في تجربتنا العملية في المدرسة وإن تعرضنا إلى جانب الخرافة في التراث العربي فنحن لا ندرس الخرافة من أجل تمثلها وإنما من أجل تعليم منهجية التفكير والتعامل مع الخرافات، وكيف يتعامل الإنسان البحريني مع الخرافة، وكيف انخدع بها حيناً من الزمن، وكيف يمكن تجاوز الخرافات في عصرنا الحاضر ولا يخلو عصر من هذه الخرافات، اعتقد أن هناك سبباً أيضاً يؤدي إلى تردد مسؤولي المناهج التعليمية سابقا في  طرح المقرر وهو تخوفهم من عرض التراث في مختلف الجهات إذا عرض التراث بمعنى الإعادة والمحاكاة لهذا التراث محاكاة شكلية وليست تحليلية، وبذلك سيكون التراث مجرد محاكاة لا يحمل أهدافاً رفيعة إذا غض الطرف عن المبادىء والقيم السامية التي يحملها هذا التراث، فالآن مهمتنا في المدارس هو تحليل مادة التراث وصولاً إلى القيم وما تمثله هذه القيم، من الأسباب أيضا ما عودتنا عليه الوزارة في أنها تتوجه التوجه العلمي البحت حيناً فتلغي حصص النشاط والمجالات وما أشبه، وأحياناً أخرى تدرجها ثانية في المناهج التعليمية وهنا يجب التنويه على ضرورة وجود مثل هذه المناهج الإنسانية التي تنمي شخوص الطالب، وتظهر ذاته بعيداً عن هم الدرجات، وبعيداً عن هم التحصيل، وللترفيه عن النفوس الثقافة الشعبية في المدارس الآن هي معرفة وترفيه وقيم تتضافر مع بعضها البعض لتكوين هذا المقرر الجيد .

 

حسين يحيى : 

سأعقب هنا،  هذا المقرر إثرائي – تطبيقيّ لا تحتسب عليه درجات؛ لذا فإنّ الطالب  يقبل على دراسته  تحت دافع الاشتغال على ما يحمله محتواه التعليميّ من قيمة معرفية وأخلاقية ووجدانية مضافة، وليس  من أجل الحصول  على درجات أكاديمية تضاف إلى معدله الدراسي التراكميّ إنّ تبني هذا المقرر الإثرائي يفترض أن مهمة تدريس موضوعة الثقافة الشعبية سوف تعهد إلى معلم يميل لأن يعطي هذه الثقافة ويتفاعل مع مكوناتها عن دراية ووعي، يمكّنانه من إكساب  الطلاب الأدوات الصحيحة المطلوبة للاشتغال على هذه الثقافة،  هذا المشروع الثقافي التربوي  قدم البديل المناسب للتناول غير المنهجيّ لمفردات هذه الثقافة المبعثرة بين هذه المادة أو تلك أوالمقدمة من خلال  نشاط مدرسيّ يعطى لمعلم غير متخصص لاستكمال نصابه في جدول الحصص اليومية. لقد أصبحت الثقافة الشعبية منهجا دراسيا تداوليا قابلا للنماء على يد معلم يجدها متوافقة مع ميوله الإبداعية، وفي وجدان طالب يجد في ممارستها استجابة لرغبته الكامنة في التعاطي مع مكونات ثقافته الشعبية الأصيلة .

 

سوسن كريمي :

هناك نقاط مهمة أثيرت هنا وسأواصل الكلام الذي ذكرته الدكتورة ضياء والأستاذة خديجة بالذات عن البعد التاريخي. أثر أو عبء البعد التاريخي الذي ترك ظلاله على واقع الثقافة الشعبية في المجتمع البحريني، بشكل ملخص جدا،ً أقول أننا مررنا بثلاث مراحل عشناها مع واقع الثقافة الشعبية أو التراث الشعبي. الجانب التاريخي الذي تكلمت عنه الدكتورة ضياء بإسهاب وصدق، نعم كانت هناك ثقافة النخبة وثقافة العامة هذا ومن المنظور الثقافي على  مستوى الوطن العربي، لكن من المنظور الانثروبولوجيي، فعندما ننظر لوضع المجتمع البحريني فهذا الواقع لم يكن بهذا الانقسام الشديد، وكمثال على ذلك إننا في المجتمع البحريني اللغة المتداولة، المصطلحات، الأغاني، الأشعار، كلها مشتركة بين مختلف طبقات المجتمع حتى بين فلنقل المناطق الجغرافية. وعلى الرغم من صغر البحرين فهناك اختلاف من الناحية الجغرافية،ولكن يوجد واقع ثقافي وحس ثقافي مشترك، وكالاختلاف ليس انعكاساً للطبقة كما هو الحال،  لو نقارن مثلاً، مع الواقع الثقافي بالمجتمع الانجليزي بالذات، وأنا لا أقول الثقافة البريطانية بل الانجليزية والذي نجد فيه ثقافة الطبقة بقوة، حيث اللغة والأهازيج والملابس تختلف حسب الانتماءات الطبقية الاجتماعية, و يكون هناك فرق شاسع بين الطبقة العاملة والطبقة الارستقراطية. هذا الواقع لم يكن معاشاً في المجتمع البحريني خلاصة الأمر إنني أتفق مع الجماعة الذين يذكرون الأسباب التاريخية (ثقافة النخبة وثقافة العامة) والذي أفرز نظرة دونية للتراث الشعبي. وهو واقع موجود وترك ظلاله. لكن الواقع المعاش في البحرين لم يكن بهذه الدرجة متأثراً لدرجة أن يخلق حالة انفصام. المرحلة الثانية التي أود أن أذكرها هي مرحلة مرتبطة بأثر الاستعمار، فنحن نعلم تاريخياً أن بعد أفول وهج الحضارة الإسلامية حدث تراجع شديد لمجتمعاتنا مما أدى بكثير من  مثقفينا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، و حتى المثقفين المتدينين منهم، إلى حالة مراجعة للذات بهدف التعرف على أسباب هذا التخلف. ومن نتائج هذه المراجعات هو إلقاء اللوم على التراث في تخلف الأمة.

وتم طرح إمكانية تجاوز حالة التخلف عن طريق استنساخ التجربة الغربية في حضارتها المادية.  طبعاً إلى حد ما تم ذلك في جوانب كثيرة من الحياة، أي استنساخ هذه التجربة وصار ذلك على حساب الهوية العربية الشرقية والإسلامية. وتمثلت أوج هذه المرحلة في القرن العشرين. لكن تلتها مرحلة، واستعير عبارة أحد السيولوجيين الايرانيين (د. علي شريعتي)، مرحلة العودة إلى الذات،  وارتبطت بفكرة انه لن يكون لنا وجود في العالم ولن يكون لذواتنا قيمة ننطلق منها إن لم يكن هناك تقدير لهذه الذات العربية الشرقية الإسلامية واحترام تراثها وموروثاتها. وحتى التراث الذي فيه كلام بذيء، أرجع هنا للكلام الذي ذكرته أستاذة خديجة حول  أسباب عدم التعامل مع التراث الشعبي،  الابتذال فيه وظيفة تؤدي، أعني نحن كأكاديميين يفترض أن نتعامل مع كل هذه المواد من منظور علمي أكاديمي وليس من  منظور تقييمي أي أن نقول إنّ هذا سيء وهذا جيد، وأن نسعى لمعرفة المعاني الضمنية ووظائفها. أرجع للأخت كانت تقول مسألة القيم مسألة القيمة طبعاً شيء أساسي جداً المعرفة في حد ذاتها هي الاستفادة من التجربة الإنسانية عبر التاريخ فحتى هذا الابتذال فيه تجربة إنسانية فيه منظور معرفي يفترض إننا نستفيد منه. أظن إنّني أبشر بالخير ، أي أننا نمر في مرحلة صحية ومعافاة، وفي مرحلة مراجعة مع التاريخ العربي الإنساني ومع تراثه .

 

حسين يحيى : 

أودّ أن أوضح هنا ما عنيته بالابتذال، الذي هو ليس محتوى المفردة الشعبية أو مضمونها وليس الابتذال الذي تحدثت عنه الأخت خديجة هو القيمة السالبة أو الموجبة لهذه المفردة،  التي يجب أن تستحضر في المعالجة كما هي،  كونها تمثل في ذاتها مكونا ثقافيا.  الابتذال إذا يمس طريقة تناول المفردة الشعبية، سواء على مستوى تقديمها إلى الجمهور، أو في  أسلوب التعاطي المبتذل مع مضمونها، بما يحرف هذا المضمون عن غايته الثقافية. هذا الابتذال أساء إلى المفردة الثقافية الشعبية بشكل عام ليس في البحرين فقط بل الثقافة الشعبية العربية،  أقصد الابتذال في التناول وليس في المضمون .

 

سوسن كريمي :

شكراً

 

ضياء الكعبي :

أريد أن أوضح نقطة بالنسبة للتراتبية بين أدب العامة وأدب الخاصة أنا أتفق معكِ دكتورة سوسن ولكن النقطة التي أردت توضيحها إن خطاب السلطة في الثقافة العربية الإسلامية سواء السلطة السياسية أو الدينية هذا الخطاب هو الذي أوجد هذه التراتبية.يعني المرويات والسير الشعبية كما ذكرتُ كانت رائجة عل سبيل المثال عند المتلقي العام وعند المتلقي الخاص. ولكن في المقابل هل كان هناك نقد يعضد ويتوازى مع هذا الرواج والانتشار؟ لم يكن هذا النقد موجودا وأستطيع أن أقول أن النقاد العرب القدامى غيبوا السيرة العربية الشعبية مع أنها ظهرت في العصر العثماني وربما أبكر في العصر المملوكي  ومع  ذلك غيبت السيرة الشعبية ولم يلتفت إليها نقديا ..وهذا التغييب والموقف المتعالي من المتخيل الشعبي سنجده حتى عند المفكرين العرب المحدثين مثل  محمد عابد الجابري الذي غيب هذا المتخيل في «نقد العقل العربي» مقصيا إياه ثم رجع عن موقفه في «العقل السياسي العربي»عندما تحدث عن المخيال الجمعي. ووجدنا هذا الموقف من قبله عند الإمام الشيخ محمد عبده. وهذا الفكر المتعالى الذي ينبثق من مرجعيات فكرية متنوعة ولكنها تصب في غايتها إلى إقصاء وتهميش الثقافة  الشعبية. وهذا الفكر أثر على واضعي المناهج في البحرين كما ذكرت آنفا وكانت مناهجنا معظمها مستوردة من مصر أو البلاد العربية الأخرى ومقولبة في نمط التقليدية والمحافظة. ولا يزال حتى الآن عدد من الأساتذة الجامعيين الأكاديميين بأقسام اللغة العربية في الجامعات العربية وفي جامعة البحرين ينظرون بعين الاستهجان والازدراء لهذا النوع من الثقافة.

 

سوسن كريمي :

بالنسبة للتعليق الذي علقته فانا اتفق معكِ عن المرحلة التاريخية التي عشناها، لكن هنا أنا أتكلم على مستوى الحياة اليومية المعاشة في البحرين. طبعاً توجد النخبة الفكرية ولديهم سلوكياتهم ومواقفهم التي تميزهم عن عامة الناس. لكن من منظور أنثروبولوجي، عندما  أتكلم عن حياة الناس اليومية و معيشتهم، هل توجد ثقافة النخبة وثقافة العامة في الحياة اليومية؟ عندما نتحدث عن حال الفرجان فهذا الواقع لم يكن معاشاً على المستوى البحريني على الأقل. لدي نقطة أخيرة أود أن اذكرها، وهو وبالأخذ بعين الاعتبار، أقول بناءً على المراحل التاريخية التي مرت فيها مجتمعاتنا، أظن أننا الآن في أكثر مرحلة من مراحل التاريخ بحاجة للتعرف على تراثنا أكثر وذلك بسبب تبعات الظروف التاريخية السياسية والواقع الثقافي وأثر العولمة وهيمنة ثقافات معينة .

 

صالح مهدي :

بالنسبة إلى ما تفضل به الأخوة والأخوات الكريمات عن أسباب تردد المناهج التعليمية إزاء الثقافة الشعبية طبعاً هناك أسباب واضحة هي أسباب ثقافية حضارية بما أن الثقافة هي كل مركب من العناصر المادية والمعنوية أدت إلى توريث الأبناء مفاهيم مغلوطة عن الثقافة الشعبية وإنها نكوص إلى الوراء ورجعية وإنما هو أصل العلم وأصل التربية هو نقل وإحياء وتجديد التراث الثقافي في نفوس الناشئة طبعاً من أروع التعاريف التي سمعتها عن العقل وأظن انه حديث شريف يقول (العقل هو حفظ التجارب) نحن لم نأت من فراغ. البحرين حضارة زاخرة  قبل اختراع الكتابة وقبل اختراع الكتابة كان هناك في التاريخ مجاهل وظلمات غير موثقة ومن اختراع الكتابة هناك العصر الدلموني فلتكن دلمون ميناء للعالم كله كما استفدتها من الدكتور إلى الآن الحضارة العربية الإسلامية البحرين منذ دلمون إلى عصرنا هذا زاخرة بالثقافة الشعبية فرصيدها الثقافي والحضاري جداً عظيم وعال ومجيد وزاخر فلا بد أن تنقل هذه بكل أمانة بدون تشويه بدون أي ذاتية بدون أي فئوية بدون أي طائفية في إيصالها إلى الأجيال. طبعاً إذا تعدل المفهوم الثقافي والحضاري عن الثقافة الشعبية سيورث الأبناء مفاهيم ناصعة عن هذه الحضارة الشعبية والأصيل منها والمأخوذ بالحكم من البحرين طبعاً بما أنها ميناء للعالم كله فهي ملتقى الحضارات والثقافات إذا عدل المفهوم الوراثي ننتقل إلى التربية يعلم الناشئة و ينقل إليهم بكل أمانة ما وصل إليهم من تراث آبائهم وأجدادهم فبالتالي يعلمون على نحو صحيح ويدربون فيه كل حسب مجاله.  كثير من الطلاب  يميلون إلى حفظ الأمثال وتمثلها وحفظ القصص. لاحظت أن طلاباً كثيرين خاصة في منطقة الرفاع الشرقي عندهم عشق عظيم جداً للطرب الشعبي والفنون الشعبية، الشعر النبطي والعامي في مجال الثقافة الشعبية الجماعية في مجال الطرب الشعبي والغناء الشعبي لاحظت  أن كثيراً من الطلاب جعلوا مركز الثقافة الشعبية أو دار الثقافة الشعبية قبلتهم في كل حصص النشاط. فيأتون دائماً ويحيون تلك الفنون الشعبية ووزارة التربية والتعليم وفرت مقنن عبارة عن أدوات الطرب الشعبي. وأيضاً متابعة دقيقة من قبل الدكتور حسين وإدارة التعليم الثانوي دائماً يتصلون بنا سائلين عن المقرر وتدريسه وتفاعل الطلاب معه ؟ وأيضاً إدخال موروثات من الثقافة الشعبية وممارسات شعبية في معظم الأنشطة الطلابية في جدول مسابقات الأنشطة الطلابية في المناسبات الوطنية مثل إحياء مناسبة العيد الوطني ، والشكر موصول لوزارة التربية والتعليم على اهتمامها واحتضانها للطلاب المبدعين والموهوبين والهواة .....

 

محمد النويري :

لحظة انت بعدت بنا عن النقطة ، نحن في تردد المناهج

 

صالح مهدي :

نعم آسف بحكم أن الإخوان أوفوا فيها طبعاً مثل ما تفضلوا / قلة وجود مؤسسات واهتمامات بهذه الثقافة تدعو إلى الانتماء الحقيقي لها و ضعف الاهتمام الرسمي بإحياء الثقافة الشعبية بحكم أنها نكوص للوراء / تشويه صورة التراث الشعبي الإنساني ووضعه في أطر ضيقة..

 

حسين يحيى :

لحل إشكالية التراتبيه بين الثقافة الشعبية وثقافة النخبة أو الثقافة العالمة يقدم تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 قراءة يمكن الاحتذاء بها في إعادة قراءة الكثير من مفردات ثقافتنا الشعبية العربية.  ففي قراءته لمفردة « التحميدة « الشائعة في تراثنا الشعبي البحريني والخليجيّ،  والتي تتمثل في الاحتفاء الشعبي بتخريج الصبي الحافظ للقرآن من الكتّاب حيث  يزف في موكب،  تردد فيه الأهازيج والأناشيد الخاصة،  وتولم له وليمة، يعدها هذا التقرير  احتفاءً بالإضافة المعرفية التي قدمها عقل هذا الصبيّ ابن الثانية عشرة لمجتمعه،  وما يترتب على تلك الإضافة من مسؤوليات اجتماعية تؤهله بمعرفته المضافة للتعايش مع  متطلبات العارفين في مجتمعه.  هذه القراءة لمفردة أصيلة من مفردات التراث يمكن أن تحل – من وجهة نظري – إشكالية التراتبية في النظر إلى الثقافة الشعبية،  التي تقدمها هذه القراءة على أنها ثقافة تتصل بالمعرفة المؤصلة، ولا أدل على ذلك من احتفاء العامة  وفقا لهذه المفردة بقيمة المعرفة. هذا ما أردت إضافته  لإعادة الاعتبار لمفردات ثقافتنا الشعبية الثرية بالمضامين المعرفية والقيمة الإنسانية.

 

علي عبد الله خليفة:

أتمنى أن يستقر تدريس هذا المنهج في مدارس البحرين وتتسع دائرة وصله بمختلف المراحل التعليمية لا أن يكون مجرد منهج تجريب.. وللبحرين خاصية انفتاحية منذ فجر التاريخ هذه الخاصية تتمتع بها شعوب الجزر وما يشكله مجتمعها في احتضان الجديد الوافد والتأقلم معه دون حساسيات دينية أو مذهبية أو عرقية إلا أنه يصهر هذا الجديد ويعيد خلقه ليكسبه شيئا من نفسه ومن روحه. هذه الخاصية يتمتع بها شعب البحرين وهي نفس قضية الثقافة العالمة والثقافة الشعبية ففي مايو من عام 2007 تم اختيار البحرين مقرا إقليميا للمنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV) وكانت ثلاث عواصم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتنافس على أن تأخذ هذا الموقع والذي رجح كفة النقاط التي حصلت عليها البحرين نقطة جداً جميلة تمثلت في طبيعة مجتمع البحرين الذي استقبل فنونا دخيلة عليه جاءت من خارجه، يعني استقبل فنوناً من إفريقيا ومن الساحل الفارسي تفرج عليها ومارسها وتفاعل معها ثم أعاد صياغتها واعتبرها فنونه الشعبية الخاصة مثل فنون الـ (طنبوره) و الــ (ليوه) و الـ (جربه) أو الـ (هبان) أو الــ (كاسر) وهي الفنون التي وفدت مباشرة مع هجرات عرب الساحل الفارسي ومن إفريقيا عن طريق سلطنة عمان. شعب البحرين كان لديه هذه الخاصية خاصية التفاعل مع الآخر وتقبل فنونه وإعادة صياغة هذه الفنون ودمجها ضمن فنونه. السمة الغالبة في مجتمع البحرين هي القبول بهذه الفنون، لكن هناك فئات في مجتمع البحرين تعتبر هذه الفنون دخيلة وهي فئات قليلة.

 

سوسن كريمي :

بناء على الكلام الذي قاله الأستاذ أظن أن الأفراد الذين ينظرون للتراث أو يتعاملون مع التراث من منظور وجود «أصالة جوهرية»،  مع كل احترامي، فهم لا يعرفون ألف باء تراث الثقافة الشعبية، ليس هناك  تجربة إنسانية تبتدئ من صفر وتنتهي إلى ياء، يعني  كل تجاربنا الإنسانية عبارة عن تبادل وتراكمات وتفاعل مع المجتمعات الأخرى يعني هذه النظرة الدونية أو الاستعلاء على الآخرين لا تنفع في التعامل مع الثقافة بشكل عام وبالذات مع الثقافة الشعبية .

 

محمد النويري :

رغم هذه التراتبية ورغم هذا الصراع بين الثقافة الشعبية وثقافة الخاصة التي كانت فيه الغلبة لثقافة الخاصة عبر مراحل التاريخ كما نعرفها لأسباب كثيرة يطول الحديث فيها سوف لن نتطرق لها اليوم لأنها تحتاج إلى يوم دراسي آخر أدرجت الثقافة الشعبية ضمن المناهج التعليمية في البحرين في التعليم الثانوي. والثقافة الشعبية تدرس في جامعة البحرين وهي مواضيع بحث وقد قرأنا أعمالاً جميلة ونشرنا بعضها في العدد الثاني والثالث والرابع أيضاً من مجلة الثقافة الشعبية . الثقافة الشعبية دخلت منتدى الخواص في كل المجالات الشعبية ويبدو أنها أخذت ترتاح في دخولها أخذت تستقر منهجاً تعليمياً وتستقر في محاور الدراسة والبحث ما هي الغايات التعليمية والأبعاد التربوية التي نرمي اليها من إدراج الثقافة الشعبية ضمن المقررات التعليمية. ندرجها ونحن نريد أن نصل إلى غايات في التربية والتعليم ما هي هذه الغايات ؟

 

حسين يحيى :

تواصلاً مع ما طرح حول  تردد المناهج في مقاربة الثقافة الشعبية،  بودي أن أتحدث الآن عن المدخلية الأخرى المتعلقة بمبادرة وزارة التربية والتعليم إلى تبني المقاربة البيداغوجية لهذه الثقافة. حيث تحيلنا النظرة التحليلية لمتضمنات وثيقة مشروع منهج تدريسها إلى غايات هذه المقاربة ومنهجيات التناول التداولي لتدريس مفرداتها، وتقنيات تقويمها  ومتابعتها؛ فأهداف هذه المقاربة  تتمحور بيداغوجيا  حول المكونات الأساسية الثلاثة الآتية:

المكون الأول : المكون المعرفي الذي يجب أن يتوفر عليه الطالب المتلقي لهذه الثقافة الشعبية.

المكون الثاني : هو المكون القيمي الذي يتوفر على منظومة الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد وما تتضمنه الثقافة الشعبية من أساطير يمكن للطالب تمثل غاياته القيمية والإبداعية.

المكون الثالث: ويتعلق بالمكون السلوكي المهاريّ ذي الصلة بمنظومة المهارات التواصلية والحرفية والفنية التي يهدف المقرر إلى إكسابها للطالب، تمثلا، وممارسة، وسلوكا. متصلا بأخلاقيات هذه المهنة أو الحرفة التقليدية أو الفنّ الشعبيّ، في سياق التداول المتعارف عليه في مجتمع البحرين القديم. ذلك المجتمع الذي  وصفه الأستاذ علي عبد الله خليفة بالمنفتح، على تلك المهن وممارسة أخلاقيات مزاولتها إبداعيا،  دون دونيه في النظرة،  بل باستحضار الروح الجماعية القائمة على التآزر والتعاضد والتشاركية، وفي تمثل  روح القيم  الجمالية المصاحبة لتلك الممارسات، فهل يستطيع مشروع المنهج العمل على تربية الجوانب التذوقية في التواصل مع تلك الجمالية الفطرية ؟ فمثلاُ في مفردة « صناعة السفن « تستحضرعملية الطرق على الخشب  إيقاعها الخاصّ الذي  شكل تعامل الإنسان البحريني معه بفطرته جمالية إيقاع مصاحب شكل مكوناً ثقافياً إبداعياً فيه شيء من الرقص، و شيء من الإبداع، الذي بمصاحبته تتم للقلاف عملية إنتاج تكون محصلته الإبداعية ذلك  المنتج الذي  أطلقنا عليه  اسم السفينة، والتي يتمكن بواسطتها شقّ عباب البحر ليمارس مهنته، وينفتح في ذات الوقت على آفاق العالم الفسيح متعرضًا في رحلة الاستكشاف تلك للأخطار. فهل تستحقّ رحلة البحث عن المجهول واستكشاف آفاق التواصل مع ضفاف البحر المحيطة بهذه الجزيرة بمساعدة شراع السفينة التعرض لكل هذه المخاطر؟! . الجانب المهم المتعلق بالواقع البحريني الاجتماعي، والذي يستحق التوقف عنده مليا  هو ما طرحته الدكتورة سوسن؛  إنّ مسألة استحداث هذا المقرر كما أسلفت تمثل تواصلاً مع القراءة التربوية مع خطاب الإصلاح السياسي في المملكة وهو ما نصّ عليه الهدف الرابع في منظومة أهداف وثيقة المشروع والمتعلق بـ « تعزيز الإيمان لدى الطالب بالوحدة  الوطنية وتقبل التنوع الثقافي في مجتمعه، وتقدير أثر الثقافة الشعبية في ثراء النسيج الوطني الواحد لأبناء شعب البحرين وتماسكه عبر الأزمنة والعصور «.

محمد النويري :

مهم جدا هذا الكلام. اسمح لي، أنت طبقت المفصل في قراءتك لهذه النقطة. أنا لمّا أدرّس تلميذا في الرفاع  أو في سترة أو في الإحساء أو المغرب الأقصى، الثقافة الشعبية، ماذا أنتظر منه. عندما أقدم له حكاية شعبية وأشرحها له ماذا يمكن أن أضيف إلى تكوينه، إلى أي مدى يمكن أن أساهم في تربيته؟ هذا موضوع اهتمامنا.

 

حسين يحيى : 

في هذا الجانب أو في غيره من الجوانب يجب أن يكون هناك تمثل للمفردة التراثية، سواء على مستوى تناولها ،  أو في  ابتكار أدوات معالجتها التعامل معها تداولياًّ،  بحثا، وجمعًا، تدوينًا وإعادة تداول، أو في عملية نشرها أو تبادلها.  وهذه أمور سنتناولها بالتفصيل عند حديثنا عن منهجيات التناول البيداغوجي.  وفي الجانب التداولي بالذات ، وانطلاقا من خصوصية التنوع الثقافي في المجتمع البحريني أستحضر الآن أطروحة بهذا الشأن للدكتور إبراهيم غلوم  في العدد الثالث من مجلة الثقافة الشعبية حيث دعا في موضوعه الثقافة وديناميتها الجديدة إلى إرساء إثنولوجيا للثقافة البحرينية تتناول فيما تتناوله المعتقدات والآداب الشعبية والفنون والصناعات والعمارة وحراك الجماعات والعشائر وتشكيلات المدن والقرى وعلاقة كل هذه الأمور بالمكان من بحر ويابسة وبادية؛  فهذه المكونات الثقافية بتنوع بيئاتها في المجتمع البحريني يجب أن تستحضر على نحو يؤسس للقيمة الإنسانية المضافة التي توفرها تناول الثقافة الشعبية  في مناهجنا الدراسية ويرسخها. هذه القيمة الإنسانية المضافة، يمكن لها من خلال تداولها في سياق مناهجنا التربوية التعليمية أن تكون رافدًا حضاريا حيا للثقافة التي اصطلحنا على تسميتها « الثقافة العالمة « فنكون بذلك قد أوجدنا حلا موضوعيا لتجاوز إشكالية  التراتبية التي يتمّ بموجبها تصنيف مكونات ثقافة الشعب البحريني إلى ثقافة عالمة أو نخبوية في مقابل ثقافة أخرى شعبية، وبذلك تكون الثقافة البحرينية في بعدها الشعبي رافدا أصيلا يثري الثقافة البحرينية ويغنيها،  سواء على مستوى التعاطي المعرفي ( الإبستمولوجيّ ) أو على مستوى التداول اليوميّ،  وذلك يحتم علينا الاعتراف  بأن الثقافة الشعبية هي مصدر ثراء وغنى لثقافتنا البحرينية بل لثقافتنا القومية بشكل عام .

 

خديجة المتغوي :

سوف أنطلق من السؤال الذي طرح ماذا بعد ماذا ننتظر من الطالب بعد تدريسه المادة

 

 محمد النويري :

ربما السؤال لم يكن واضحا لأني عندما أدرس الثقافة الشعبية ماذا أنتظر أن أضيف إليه في مستوى شخصيته وتفكيره وفي مستوى انتمائه وفي مستوى المنظومة الأخلاقية التي ينتمي إليها؟ في مستوى علاقته بالآخر إن كان جنيساً له أو كان مختلفاً عنه؟ عندما أدرسه هذا ماذا أنتظر أن أضيف إلى تكوين شخصيته؟ نحن بصدد تلاميذ نربيهم نكونهم ماذا يمكن أن نضيف إليهم؟

 

خديجة المتغوي :

هذا ما سأتعرض إليه سأنطلق من موقفين من مواقف الثقافة الشعبية أو من أمثلة الثقافة الشعبية ولن أكون خجلى من طرح بعض القضايا التي نمثلها داخل الصف ففي تجربة تنويم الأطفال

( التهويده ) الطالبات عندما يلبسن الزي الشعبي ويحملن الطفل الصغير وينشدن. نام يوليدي نومة الهنية ونومة الغزلان في البرية . بشرتني القابلة وقالت غلام، عسى ديك القابلة تزور الإمام، بشرتني القابلة وقالت ابنيه، عسى ديك القابلة تقرصها حية وفي الاخير تقول يوم قالوا لي ابنيه، أظلم البيت عليه، سندوني بالمساند ضربتني البردية . بعد هذا الموقف التمثيلي تدور جلسة حوار ومناقشات مكثفة حول التمييز بين الذكر والأنثى، وضرورة إلغاء هذا التمييز، فالحصة تبدأ بعد التمثيل وليست قبل التمثيل كذلك من الجوانب الايجابية مثلاً بعد مسرحية الزواج التقليدي وبعدما تتزوج الفتاة مسرحياً وفي نفس ليلة الزواج يُمثل مشهد أن الزوجة تقول للزوج أظلم الليل علينا يا بن عمي، روح لأمك وأني باروح لأمي، فيرد عليها :

ويش أسوي في أمي يا خلف أمي، أنا اريدك أنتين ما ريد أنا امي، يدور حوار جميل جدا حول كيف له أن يستغني عن أمه بمجرد الزواج يعني ينسى أمه وينسى أهله وتدور جلسات حوار ومناقشات ذات أبعاد تربوية رائعة وجميلة جدا، إنيّ أدرس الطالبة من وراء هذا الشيء أن تكون مثالاً للزوجة الصالحة، كذلك في أغاني الزواج مثلاً في واتريمبوه بعدما يغنين واترينبوه، أوضح لهن ما في الأغنية من نصح للزوجة وهن يناقشن هذا النصح لأن الأغنية تقول يفطوم لين دخلتي البيت لآلي، وقولي مرحبا بك يا لهلالي، يا فطوم لين دخلتي البيت سمي وقولي مرحبا بك يا بن عمي، أي تعليم الزوجة التأديب مع الزوج، وكذلك الزوج وضرورة تحميله للمسؤولية، وفي الأغنية تقول بما معناه، حبيبي لا تقول أشعب ولا ألعب ولا تأخذ بنات الناس تلعب، بنات الناس يبغون الدراهم، دراهم يا دراهم يا دراهم، فلم يكن المشهد مجرد تمثيل وإنما هو ذو بعد تربوي رفيع وسامي، وجلسات الحوار لو تسجل لأدركتم مدى قدرة الطالبة على إبداء رأيها وشخصيتها وأفكارها، ومعالجتها للقضايا هذه الأمور هي الأولى من التمثيل.

 

صالح مهدي :

نتوقع من الطالب من المتعلم بعد هذه المواقف التعليمية الأستاذة حافظة نصوصاً من التراث الشعبي وأيضاً يعني بكل أمانة أن البنات ناحية العاطفة عندهم والمشاعر تغمر والأولاد عندهم ولكن غلبة الجانب المهاري عند الأولاد أكثر من الجانب العاطفي. أنا انتظر من المتعلم وأتوقع منه بعد هذه المواقف التعليمية في التراث الشعبي أن يتمثل هذا التراث ويعمل به ويؤمن بقيمته لأن الإيمان بقيمة العمل هي الأساس فأنا عندي اهتمام خاص بالمسرح فأحاول قدر الإمكان أن أمسرح هذه المعلومات التي نستقيها من التراث الشعبي في مثلا الحزاوي الشعبية في الأمثال نمثل. يعني كل مثل نسمعه له قصة معينة نحاول أن نمثلها أنا أطبق إذن أنا أفهم يعني لما يطبق الطالب يعني يحقق جميع الأهداف المعرفية والوجدانية من حيث انه مؤمن بقيمة هذا التراث ويعتز به ومن ناحية مهارية يصبح هذا الطالب من مجرد هاو إلى ممارس وحتى إلى الاحتراف فبعض الطلاب يمتلكون موهبة فطرية منذ الطفولة . مثلاً عندنا يوم في الطابور في الصباح يوم أو يومان يوم بحرينيات معلومات عن التراث البحريني . واليوم الثاني عن تمثيل بعض الأمور من أروع الذكريات الجميلة التي مثلت الزواج في المجتمع البحريني القديم بإدخال الآلات الإيقاعية ويعني هذا الذي تتوقعه من الطالب بعد هذه المواقف التعليمية أن يكون ممارساً ومعتزاً ويؤدي هذا الفن على نحو رائع.

 

سوسن كريمي :

أعتقد أني سألخص الكلام الذي ذكرتموه كله وهو بعبارة إننا عن طريق حفظ التراث ونقله نبني الإنسان بمختلف جوانبه، أنا إذا أريد أن يمثلني أحد في أي مؤسسة عالمية في أي مكان أنا أريده أن يكون بحرينياً واعياً عارفاً ومعتزاً بتراثه وثقافته ومن دون تعصب أو عنجهية. طبعا هذاً بناءً على الكلام الذي قلناه إن تراثنا مأخوذ من الآخرين مثلما الآخرون أخذوا منا. الإنسان الذي يعترف بهذا الواقع يعلم أن التجربة الإنسانية قائمة على الأخذ و التبادل  من الآخرين وبذلك لا يمكن أن يكون متعصباً. خلاصة كلامي أنا لما أنقل و أدرس التراث لطلبتي أسعى، على الأقل، لأن أساهم في بناء إنسان بحريني واع معتز بتراثه وأخلاقياته ومن هذا الإحساس بالعزة والكرامة والخُلق ينطلق لبناء المجتمع و ينطلق لان ينقل هذا التراث لأبنائه و معه ينقل التجارب الإنسانية. اسمحوا لي استخدم عبارة قاسية جداً ومسامحة على هذا التعبير، هنا أقول مجتمع بدون تراث هو مجتمع لقيط، يعني ينظر له بشك وبدون احترام بين المجتمعات الإنسانية. وكلما انطلق الإنسان من قاعدة الوعي التاريخي ومن هذه القاعدة التراثية كان له قبول واحترام والتقدير من قبل الآخرين، وسواء كان هذا الوعى والانطلاق على مستوى أفراد أو مستوى مجتمعات أو مستوى حكومات أو مستوى مفكرين.

 

ضياء الكعبي :

طبعا أنا أتفق مع الإخوة جميعا:مع الأستاذ علي عبدالله خليفة ومع الدكتور حسين وأيضا مع الأختين الفاضلتين هناك قضية أساسية أريد فقط أن ألخصها في محور ناظم أساس وهي :كيف نبني الطالب منهجيا؟وهذه قضية أساسية بالنسبة للطالب البحريني؛ فطبيعة المجتمع البحريني قائمة على الانفتاح والتعدد إثنيا وعقائديا وثقافيا.ونحن نعيش في مجتمع فيه تعدد ثقافات وتعدد أعراق وهذا كله يخلق ثراء فبدلا من الصراع العرقي والطائفي كما يحدث في مجتمعات أخرى يجب أن نحاول تنمية تقبل قيم المواطنة القائمة على التنوع والتعدد و والتميز القائم أساسا على الاختلاف وليس الخلاف بالطبع .من واقع تجربتي البسيطة في  تدريس الأدب الشعبي وهي تجربة لا تتعدى

أسابيع قليلة أحاول أن يخرج الطالب من إطار التفكير الضيق المحدود إلى آفاق إنسانية أوسع تتقبل مناهج غربية وتتقبل الآخر وتحاوره نقديا ومعرفيا.طلابي كلهم من خلفية أيديولوجية واحدة وينتمون إلى مجتمع القرية والمدينة لذا أحاول معهم أن ينفتحوا على ثقافات وآفاق أوسع فمثلا أعطيهم بيانا عن التنوع في بيئات البحرين فإلى جانب ثقافة القرية والمدينة لدينا أيضا ثقافة الصحراء بتنويعاتها في الخطاب القبلي وهي ثقافة القبائل القادمة من الجزيرة العربية لذا تتجاور في مقرري نصوص الصحراء إلى جانب الثقافة الكربلائية والأشعار العزائية وثقافة البحر حيث الموال وأغاني النهمة .وقد نوّع طلابي أبحاثهم وسررت كثيرا أن بعضهم حاول من خلال بحثه التعرف إلى ثقافة الآخر والتواصل معه.مجتمع البحرين بالفعل قائم على هذا التنوع وهو مجتمع يحتضن هذه الهويات لذا فمجتمع البحرين مجتمع متميز على مستوى الخليج لامتلاكه هذه الخاصية.

 

حسين يحيى :

 غايات المقاربة البيداغوجية للثقافة البحرينية الشعبية كما تجلت في طرح الأخوان وأيضاً ما رفده من طرح الدكتورة سوسن والدكتورة ضياء من جامعة البحرين، تشتغل على  عملية التأسيس للطالب البحرينيّ بعد تخرجه من المرحلة الثانوية والتحاقه بالمراحل الجامعية  أن يتعامل مع فضاء ثقافيّ  حضاري يمس هويته وانتماءه الوطنيّ، نكون نحن الذين وضعنا اللبنات الأولى لمشروع تدريس الثقافة الشعبية قد سهلنا أمامه كيفية ولوج هذا الفضاء، متخصصا. وللوقوف على أفق هذا الطموح سأستعرض في هذه الندوة مجموعة من الأهداف التي  تفصح عن الغايات البيداغوجية لتدريس مقرر الثقافة الشعبية  والتي من أبرزها: يستمد الطالب من مكونات الثقافة الشعبية (الموسيقية والفلكلورية ، والحرفية ... وغيرها .. ) أساليب إبداعية ووسائل فنية ، ويعمل على توظيفها في إعادة إنتاج الموروث الشعبي وتداوله ، على نحو إبداعي ومعاصر .

1-   يستمد الطالب من مكونات الثقافة الشعبية ( الموسيقية والفلكلورية ، والحرفية ... وغيرها .. ) أساليب إبداعية ووسائل فنية ، ويعمل على توظيفها في إعادة إنتاج الموروث الشعبي وتداوله، على نحو إبداعي ومعاصر .

2-   يبدي ميلاً إلى البحث في جوانب الثقافة الشعبية المتعلقة بفنون سرد الأحاجي، والحكايات، وضرب الأمثال ، وتوظيف العوالم الأسطورية، لأغراض البحث في المعارف المتصلة بها وتداول خبراتها عبر الأجيال .

3-   يجسد جوانب الإبداع الشعبي والذائقة الجمالية في مجالات الفنون والمهن والفلكلور، حفاظاً على الصبغة الوطنية للثقافة الشعبية البحرينية الأصيلة في زمن العولمة الثقافية والإعلام الفضائي المفتوح .

4-   يقدر أهمية الانفتاح على المعارف والخبرات الثقافة الشعبية المشتركة للأمم الأخرى، ويعمل على دمجها في نسيج ثقافته الشعبية، إثراءً لمكوناتها المعرفية والفنية والتقنية .

5-   يبدي ميلاً إلى محاكاة بعض الحرف والفنون الشعبية التقليدية مبتكراً أساليب إبداعية لضمان انتقال مهارات ممارستها عبر الأجيال .

6-   يتعرف سبل الاستفادة من وسائل الإعلام الجماهيري والمهرجانات والمتاحف  ومعارض التشكيل الفني في الترويج للإنتاج الثقافي الشعبي والارتقاء بالذائقة الجمالية الإبداعية لمتلقيه .

أنا أيضاً أعددت دراسة تحليلية للبنية الموضوعية والفنية لهذه الوثيقة تلقي الضوء على الفلسفة التي تكمن في صياغتها، ولماذا صيغت؟ والأفق التداولي لتدريسه، وأفق التوقع المفتوح لولوج فضاء التوسع في تناولها تداوليا فيما بعد. وهذه المهمة منوطة بالإخوة  المربين في المدرسة الثانوية البحرينية، لذلك أسمينا مقاربتنا البحرينية للثقافة الشعبية  مشروعًا، لتكون هذه الوثيقة مجرد انطلاقة في فضاء  مفتوح على أفق قابل لأن يضاف إليها،  لتنهل من  الخبرات الميدانية للمعلمين والمعلمات، ولتغتني من بصمات الإبداع الفني  في تداولهم لهذا الجانب الثقافي.

 

علي عبدالله خليفة :

أرى بأن هذه الوثيقة في غاية الأهمية بما تفتحه من أفق مرن للإضافة الإبداعية. ومن المهم الإشارة فيها إلى ضرورة أن يكون في الميدان.. أعني في الفصل تقديم أمثلة من واقع الحياة الشعبية في البحرين لربط التراث الشعبي بالمعرفة الكونية ككل وبثيمات محلية. ونعطي مثالا بسيطا على ذلك، لعله مازال موجودا في القرية إلا أنه في المدينة قد انقرض قبل حوالي خمسين سنة تقريبا : الزوجة عندما تتزوج تكون في بيت أهلها للأيام السبعة أو العشرة الأولى ثم تنتقل إلى بيت زوجها وتسمى هذه النقلة ( الهدية) وعند باب بيت الزوج وقبل أن تدخل إلى بيت الزوجية يفرشون أمام عتبة الباب من الخارج أعواد برسيم طرية  وتقوم إحدى القريبات بغسل رجلي الزوجة بماء الورد على أعواد البرسيم قبل أن تخطو خطوتها الأولى إلى داخل بيت الزوج. فإذا نظرت إلى معنى هذا التقليد . . فلماذا البرسيم؟ سنجد بأن من أمثالنا الشعبية المتداولة مثل يقول:( يَـعَـلْ عمرك عـويد جـت كل ما جزوه نبت) والمعنى الظاهر لهذا المثل الشعبي العميق المعنى: جعل الله عمرك كما عود البرسيم (الجت) الذي كلما جُـز نبت وتطاول. أما المعنى البعيد فيعود بنا أولا إلى خاصية نبات البرسيم فهو من أقدم المحاصيل النباتية في التاريخ الإنساني، وكانت من أعواد البرسيم المزهرة تعقد أكاليل الغار للجنود المنتصرين في الحروب بالمجتمعات القديمة وزهرة البرسيم البنفسجية الصغيرة نفسها مرسومة على معابد قديمة في اليونان وفي بعض الممالك الأخرى القريبة من الثقافة اليونانية القديمة. ومن خواص هذا النبات أن أعواده دائمة التجدد والنضارة تعاود النمو سريعا كلما اقتطعت. ومعنى ذلك جلي في التيمن بهذا النبات لاستمرار الحياة الزوجية الجديدة مزهرة نضرة خضراء تعاود النمو من جديد كلما تعرضت لانقطاع. إن حدث الزواج الذي يمثل حلقة في دورة حياة الإنسان البسيط العادي الذي يتكرر في المجتمع دون انقطاع  مرتبط بالتاريخ الكوني للإنسانية ككل. فإعطاء مثل هذه الأمثلة ذات الدلالات العميقة للطالب تجعله في حالة تشوق وانسجام مع المادة وتجعل منها مجالا للبحث والاكتشاف. هذا الربط البعيد بين الثيمة التراثية وبين المعرفة الكونية مهم جدا لتعضيد الأهداف البعيدة التي ذهبت إليها هذه الوثيقة.

 

صالح مهدي :

بالنسبة للكلام الذي تفضل به الشاعر علي عبدالله خليفة إنّ هذا سنة نبوية يستحب  للرجل يغسل أقدام زوجته ويخلع خفها. والبرسيم يعني دربك خضر وحياة عامرة بالأفراح.

 

حسين يحيى :

ما قصده الأستاذ علي عبد الله خليفة هو إن أي مفردة في ثقافتنا الشعبية يمكن تمثل في ذاتها أفق بحث، هذا ما حاولت مقاربتنا التربوية البحرينية لهذه الثقافة استحضاره من خلال  وثيقة مشروع المنهج. فالوثيقة لا تقدم دعوة اعتباطية للبحث في تجليات المفردة التراثية بواقعها المادي فقط،  بل تتناول - كما تفضلت الأخت خديجة - البعد المعرفي الكامن وراء هذه المفردة، والاشتغال من ثم على تمثل البعد السلوكي، واستيعاب البعد القيمي. هناك أبعاد فلسفية واجتماعية كامنة وراء مكونات هذه المفردة التراثية أو تلك. بعض المفردات التراثية بنيتها الفلسفية مجردة،  وتتضمن رموزًا معينة، ينبغي للتعامل معها السعي إلى فك مغاليقها وهذا هو المجال المحرض للبحث لدى الطالب، بمعنى أنّ المعلم الذي يستطيع إثارة فضول الطالب لولوج عملية الاشتغال الذكي على الرمز سيكون معلما قادرا على إثارة  فضول البحث لدى هذا الطالب أو مجموعة الطلاب، هذا المعلم وهذا الطالب باستحضارهما الواعي لمفردات ثقافتهما الشعبية وفق المنهجية المشار إليها سيكونان قد تعاملا مع  الثقافة الشعبية بوصفها مكونا حيا وفاعلا للثقافة ببعدها العالم، ويكونا  في الوقت ذاته قد رفدا البعد العالم في الثقافة الشعبية نفسها.

علي عبدالله خليفة :

من ضمن ممارسات طقوس الاحتفال باستقبال البحارة العائدين من رحلة الغوص  على اللؤلؤ وفي معية أهازيج الفرح تقوم النساء المحتفلات على الشاطئ بكي ماء البحر بجريدة في طرفها شعلة نار حتى يتوب البحر عن تغييب الأحباب، ويغنين الأهزوجة الشهيرة : توب . . توب . . يابحر.

 

محمد النويري :

إخواني انا عندي مجموعة من النقاط لهذا أسرع. ما استمعنا إليه جميل جداً فالنقاط التي استمعنا اليها من الاستاذ حسين منذ قليل تبرز أن المنهج التعليمي للثقافة الشعبية مؤطر من جميع النواحي من حيث المبادئ التي يسير عليها المدرس ومن حيث القيم التي يصبو إليها ومن حيث كل الغايات التربوية التي نريدها من العملية التربوية أمور مؤطرة تأطيراً كاملاً. أيضاً الإخوة والأخوات المدرسون لاحظنا أنهم يضيفون إليها من روحهم الخلاقة التي تتيح لهم إضفاء أبعاد أخرى على ما تقره هذه الوثيقة. ذلك أن أية وثيقة في نهاية الأمر لا تعني شيئا من دون المدرس. المقرر المكتوب على ورق من دون مدرس كالشهدة الهف التي لا عسل فيها. فهذه النقاط الجميلة التي استمعنا إليها وما ذكرته الدكتورة ضياء أيضاً عندما قالت إنها تدرس الطالب ثقافته الشعبية وتجعله ينفتح على الثقافة الغربية لأنها تتناول هذه الثقافة الشعبية بمناهج لا تقتصر فيها على مناهج دون غيرها فهي منفتحة على الأفق العلمي هذه النقطة تصل بنا إلى المحور الثالث عندنا: الثقافة الشعبية الخصوصية والكونية وهنا أريد أن أوضح هذه النقطة .. كيف وأنا أدرس طالباً صغيراً هذه الثقافة الشعبية أجذرهُ في بيئته الحضاريه والثقافية من ناحية ونجعله منفتحاً على الآخر بما تعنيه كلمة الانفتاح من قدرة على الإنصات والتسامح والقبول بالآخر من دون التفريط في الهوية .

 

خديجة المتغوي :

في هذه النقطة لن اشتغل بالتنظير وإنما سأشتغل بالجانب العملي بصفة حضوري معلمة في مجال الثقافة الشعبية، فيما يتعلق بالثقافة الشعبية الخصوصية والكونية يحضرني موقف في إحدى حصص مقررات الثقافة الشعبية وهي حصة المثل الشعبي وإذا بطالبة أردنية تقول: ما هذه الثقافة البحرينية كلها متواجدة في الأردن فسألتها: أيمكنك عرض شيء من هذا القبيل؟ فأعدت درساً إلكتروني مطولاً جداً عن ثقافتها في العادات والتقاليد والأمثال وما أشبه وعرضت قصتين وبشكل موجز جداً أن شخصين قد ذهبا بسفر طويل لطلب الرزق على حمار أجلكم الله فمات الحمار فقررا دفنه في أحد الجبال الصماء، وهم يحضرون وبعد دفن هذا الحمار مرت جماعة فقالت لهم ما الذي تفعلون فخجلوا من فعلهم فقالوا ندفن ولياً فدفعوا لهم مبلغاً من المال لضريح هذا الولي، ومرت جماعة أخرى بعد الانتهاء ودفعت مبلغاً آخر، وهكذا إلى أن جمعوا مبلغاً طائلاُ وأصبحوا قائمين على هذا الضريح الأيام الطوال والأشهر، بعد تكاثر الثروة أرادوا تقسيمها فاختلفا، فقال أحدهما دعنا نصلي له ركعتين، فقال له صاحبه (محنا دافنينه سوا) فإذا بالطالبات البحرينيات يقلن (جذب الجذبه وصدقها)، عندها وصلنا لنتيجة إنّ موروثنا العربي هو موروث واحد لكوننا شعبا واحدا وأمة واحدة ودينا موحدا وقالت الطالبة السورية أنا سأعرض تراثي وهكذا المصرية ..الخ .. فأصبحت الثقافة مجالا من مجالات التوحد والتقرب والمحبة الإضافية وقد أعجبنا بالأمثال المصرية كثيراً والسورية وهكذا فكانت هذه تجربة عملية داخل الصف انفتح فيها البحريني على إخوانه العرب من مختلف الدول في ثقافة شعبية واحدة.

 

محمد النويري :

شكراً أستاذة جميل الكلام الذي سمعناه ...

انفتاح البحريني على المصري في نهاية الأمر كأن الإنسان ينظر لنفسه في المرآة باختلاف بسيط.

 

سوسن كريمي :

في حچوة، على قول البحرينيين، تقرقع في قلبي،  عادة في نظريات التعليم المعلم يكون وسيطاً لكن ما وصلني في هذا الاجتماع من مدرسي التراث، و الذي  أنا فخورة به جداً وطمأن قلبي، أنّ عندنا معلمين مثلكم يدرسون أولادنا. يوجد أناس يعملون كمدرسين أو كوسطاء للتراث، ولكن انتم لستم فقط مدرسين وإنما أيضا حاملين للتراث، وهذا شيء لا يتحصل بسهولة. يمكن نحن كأكاديميين نتعلم أساليب العلمية ونتعلم تحليل المضمون ونعلم الطالب انه يبحث وكل هذه الأشياء، وأنتِ بالذات مع التهويدة التي القيتها لنا، أنا صراحة استمتعت جدا،  عشت حالة متعة في هذه التجربة التراثية واطمأننت بأننا  ليس عندنا فقط معلمون لكن أيضا عندنا حاملون للتراث يقومون بتدريس التراث. شكراً .

 

علي عبدالله خليفة :

هناك نقطة صغيرة قد تكون حساسة في البحرين لدى الطالب فيما يتعلق بمفردات البيئات الاجتماعية، فعندما نتحدث عن شيء له علاقة ببيئة القرية فإن الطالب من بيئة المدينة ربما يتساءل مثلا عن معنى كلمة (واترينبوا . . وا نيومي) قد ينظر إليها ككلمة غريبة بالنسبة إليه فلابد في رأيي من تبيان طبيعة كل بيئة من بيئات مجتمع الخليج الثلاث المشهورة وهي بالتأكيد جزء من بيئات كل الوطن العربي الذي تمثله أربع بيئات من الضروري أن يتعرف عليها الطالب فهي البيئات التي أنتجت الثقافة الشعبية وأعطتها هذا الكم من التفرد والتنوع:

1- البيئة الصحراوية أو البدوية.

2- البيئة الزراعية أو القروية وهي بيئة القرى المستقرة.

3- البيئة البحرية وهي بيئة المدن والقرى الساحلية التي ارتبط نشاطها بالبحر.

4- بيئة المدن القديمة الكبرى التي تأسست على مدى التاريخ ولها عاداتها وتقاليدها التي تجمع البيئات الثلاث ببعضها نتيجة نزوح ابن القرية وابن البادية إلى المدينة حاملاً معه كل ما يمت إلى تراثه وعاداته وتقاليده لتعيد المدينة صياغتها في منجز أو في صورة أخرى.

من الضروري جداً أن يدرك الطالب بأن هذه البيئات مثل حبات العقد ينتظمها سلك واحد هو التراث الشعبي العربي فإن اختلفت التفاصيل فهو اختلاف ساكني غرف البيت الواحد. وتجربتي كفرد من البيئة البحرية مع الشعر النبطي وهو أحد فنون الشعر في البادية العربية على سبيل المثال، كنت أحاول قراءة الشعر النبطي لكني لا أفهم منه شيئا ولا أتذوقه لكن بتكرار المحاولة وبالقرب من نصوص كبار الشعراء وبتذليل بعض المفردات البدوية وبالاستماع إلى الشعر يقرأ ممن يجيد قراءته تذوقته وأحببته وأسرتني معانيه. 

 

سوسن كريمي :

المحرقيين عندهم شعر نبطي ....

 

علي عبدالله خليفة :

نعم، لكن مو كل المحرقيين يكتبون الشعر النبطي. جاء الشعر النبطي إلى البحرين مع هجرة قبائل البدو من الجزيرة العربية إلى أطرافها كانت لدى شعراء البحرين أهازيج ومواويل وأزجال يعني من البداية كانت الأهازيج عامية بحته لا علاقة لها بلهجة أهل البادية لكن كانت مجتزءات الأبيات ومقاطع من القصائد النبطية تفد إلى البحرين مع الوافدين فيتلقفها الناس ويعيدون ربما تحويرها أو خلقها بما يتلاءم والوجدان العام ، بدليل أغاني التهويد على الأطفال فبعضها كلمات وأبيات من نصوص شعرية ومقاطع من قصائد نبطية تغنيه الأمهات للتهويد على أولادهن فهي نصوص من الشعر النبطي لكن لا تؤدى باللهجة البدوية فقد أخذته الأم المحرقية وأعادت صياغته وقدمته كشيء آخر فيه رقة وعذوبة المرأة البحرينية. 

 

حسين يحيى :

تواصلاً مع ما أبديتموه أستاذ علي أودّ أن أشير  إلى الهدف الثاني في وثيقة مشروع المنهج والذي ينصّ على أن “ يستكشف الطالب جوانب المعارف والمعتقدات والفنون والصناعات والحرف والعادات والأخلاق التي تحملها الثقافة الشعبية الوطنية، وتنوع مجالاتها بتنوع البيئات البدوية والبحرية والزراعية والحرفية في مجتمع البحرين القديم ».

ويردفه هدف آخر ينصّ على اعتزاز الطالب  بثقافة البحرين الشعبية ، وما تعكسه من وعي فطري ومظاهر تثقيف وأساليب توعية وترفيه “ هذا فيما يتعلق بالخصوصية،  أما العالمية فقد أفسحت لها منظومة أهداف الوثيقة مجالا  استلهمت فيه مضامين تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن اليونسكو الذي تمثلت من خلاله  مفهوم الثقافة الشعبية ووضعناه ضمن أفقه الأرحب في موضع المعرفة العالمة، ثمّ أنزلناه إلى موضع المعرفة القابلة للتعلم، بحثا عن مقاربة تعليمية ميسرة  تترسم فضاءات المعرفة المتعلّمة الملائمة لهذه الثقافة والقابلة للتداول البيداغوجي فهما، ووجدانا، وسلوكا ومنظومة قيم. هكذا نحتنا المفهوم التربوي البحريني العالميّ للثقافة الشعبية منفتحا- كما ينصّ  الهدف الثامن في منظومة أهداف وثيقة المشروع والذي يؤكد “ تقدير الطالب أهمية الانفتاح على المعارف والخبرات الثقافية الشعبية المشتركة  للأمم الأخرى، ويعمل على دمجها في نسيج ثقافته الشعبية،إثراءً لمكوناتها المعرفية والفنية والتقنية “ وبهذا الأفق  التداوليّ اشتغلت الأخت خديجة واشتغل الأخ صالح إذ أنّ مشروع المقاربة البحرينية للثقافة الشعبية لم يكتف بالانفتاح على دائرة الانتماء الوطني أو دائرة الانتماء القومي فقط وهما  نطاق يتسع لدائرة واحدة هي دائرة الفعل الثقافي الشعبي العربي، التي تحمل الكثير من المعطيات الثقافية المشتركة، بل انفتحت على أفق التداول الكوني مع ثقافات الشعوب الأخرى التي قد تشترك  معنا في الكثير من المفردات الإنسانية، أو تختلف معنا في كيفيات التعاطي مع  هذه المفردة التراثية أو تلك،  هذا الاختلاف الذي تنفتح الأفق البيداغوجي البحريني في دراسة الثقافة الشعبية البحرينية على دراسته، إن في بعده  التداولي المقارن، أوفي دراسة جوانب الالتقاء الثقافي المشترك مع ثقافات المجتمعات الأمم الأخرى.  وذلك من شأنه أن يعزز تواصلنا الإنساني، وفهمنا للآخر ويعزز،  فهم الآخر لثقافتنا، وخصوصياتنا. والطالب بحسب ما تقترحه وثيقة مشروع المنهج مطالب بأن يتواصل عالمياً باللغة الانجليزية أو اللغة الفرنسية المقررتان في مناهجنا الدراسية، وذلك على نحو  تداوليّ  مع طلاب آخرين ينتمون إلى أمم أخرى تتعاطى مع هاتين اللغتين في تعليم طلابها.أضف إلى ذلك أنّ وثيقة مشروع المنهج  تنص على أن تناول الثقافة الشعبية يجب أن يستفيد من الوظائف التداولية التي تتيحها تقنيات الحاسوب والشبكة العنكبوتية في هذا المجال.

 

ضياء الكعبي :

تواصلا مع هذه النقطة “الثقافة الشعبية بين الخصوصية والكونية” من  بداية هذا المقرر أدركت هذه النقطة ربما ليس بوضوح كبير.وإنما في مرة من المرات وأنا أحضر للمادة قرأت :حكايات الأطفال والبيوت”للأخوين جريم ووقفت عند قصة “سندريلا” ونذكر من قراءاتي السابقة بحثا للدكتورة نبيلة إبراهيم عن قصة “سندريلا الفرعونية” وقرأت للكاتبة البحرينية الدكتورة منيرة فخرو مقالا تتحدث فيه عن فسيجره فقلت لطلابي هناك في الأدب الشعبي ما يسمى باستعارة النقل الثقافي.  والفولكلور قائم أساسا على انتقال وتراكم وانفتاح بين الثقافات والحضارات وأعطيتهم هذه النصوص الثلاثة على سبيل المقارنة وبوصفها تجسيدا حقيقيا لكلامي.وأعطيكم أمثلة أخرى :السيرة الهلالية معروف أن  الهلاليين  خرجوا من شبه الجزيرة العربية من نجد وجرى انتقالهم من مصر إلى ليبيا ثم إلى أقطار المغرب العربي الأخرى،ولا تزال حتى الآن في ثقافة المغرب وثقافة مصر الثقافة الهلالية رائجة ومترسخة في الوجدان الشعبي.

في نيجريا وتشاد هناك أيضا رواج للسيرة الهلالية:وكانت عندي مراجع باللغة الإنجليزية عن السيرة الهلالية في نيجريا:كيف كانت تروى؟وما تمثلاتها الثقافية؟ وما المخيال عند هؤلاء النيجيريين.وعندما نعود إلى أصول هذه السيرة في ثقافة مجتمع الجزيرة العربية سنجد لها بعض التمثلات :بالصدفة قرأت كتاب «حكايات من البادية «لطلال السعيد ويذكر في الكتاب حكاية شعبية عن عليا وأبي زيد الهلالي الذي يتنكر على هيئة العبد ،وتذكرت امرأة كبيرة عندنا في العائلة تتكلم عن  عليا وأبي زيد وهي امرأة أمية تماما .وحقيقة لم أكن أتوقع  أن هذه المرويات موجودة في البحرين ولكنها موجودة. والظاهر أنها انتقلت مع مرويات القبائل العربية التي تعود جذورها الأولى إلى نجد.وبدأت أنبه الطلاب إلى هذه الموروثات ونحاول أن نقوم بعملية الموازنة بينها.وأمثلة أخرى أطرحها للطلاب: الغجر وهو الجماعات الهامشية الموجودة في المجتمعات العربية وفي أرجاء من العالم لهم أيضا مروياتهم الرمزية ومخيالهم الرمزي وقد ارتبط بعضهم  خاصة غجر مصر برواية بعض السير العربية مثل الزير سالم/،وبعضهم يحاول اختلاق نسبة أسطورية بالانتساب إلى جساس بن مرة فيقولون إنهم من أحفاد جساس بن مرة غضب عليهم الزير سالم فامتهنوا الأعمال الحقيرة وطبعا أقول للطلاب هذا ليس صحيحا الغجر معروفون أنهم جماعات من الهند ومعروفة أصولهم ونشأتهم.

 

صالح مهدي:

هو تعبير يعكس التراث الشعبي التقليدي لأي شعب من الشعوب نلاحظ بأن حتى مسألة تهويدة الأطفال كل شعب من الشعوب له نفس المعنى ولكن بلهجته المحلية. أنا مرة سمعت بالطائرة الظاهر أم يبدو أنها تونسية إبنها كان يصيح في الطائرة فكانت تقول له نام يا أوليدي يا أعز الناس، أمك فضة وأبوك نحاس. واحنا عندنا أيضاً هو هو هو عن الجلب والعوة .... حتى يستذكر من التراث الإسلامي السيدة فاطمة الزهراء تهود إبنيها الحسن والحسين ... فتقول :

 

أنت شبيهاً بأبي لست شبيهاً بعلي

    أشبه أباك يا حسـن وابعد عن الخلق الرسن ..

هذه أمور تربوية تنقل من الطفولة إلى الأبناء بالنسبة عن التعبيرات الشفوية الحكايات الأحاچي الحزاوي أنا لما أقول حزاوي مذكور في الوثيقة إنها الألغاز الشعبية بينما كثير من الطلاب الحزاوي عندهم الحكايات فالكويت يسمونها الغطاوي لأنها فيها تورية وتغطية عن المعنى بالنسبة للأشعار الشعبية كما تفضل الأستاذ علي عبدالله خليفة بأن هناك تواصلاً وانفتاحاً على كثير من الآلات الموسيقية. وكثير من الرقصات والفلكلور الشعبي أدخلت إليها وهذه طبيعة الحضارة وهذه الثقافة الشعبية بأنها ثقافة إنسانية منفتحة. التعبيرات الحركية الرقصات الشعبية هذبت وأدخلت بما يوافق المجتمع مثلاً الرقصة الجنائزية حولت إلى رقصة فرائحيه بالنسبة للتعبيرات الملموسة الرسومات والفنون التشكيلية الحفر والنحت الصناعات الشعبية بالنسبة للآلات الموسيقية الأشكال المعمارية كل هذا فلكلور خاص بالشعوب كل شعب له فلكلور خاص ولما يمتزج يكون عندنا ثقافة شعبية خاصة بكل الدولة.

 

خديجة المتغوي :

أمر مفرح أن ننتقل من الخصوصية إلى الكونية وجميل أن نطلع على ثقافة الآخر كالإنجليزي والأمريكي والأجمل أن ننفتح على الثقافة الشعبية للأردني والسوري والمصري والأجمل جداً أن نحقق شيئاً على مستوى الوطن الواحد وفي مدرسة سار الثانوية للبنات بوصفها خليطا من القرى كسار والدراز والبديع ولا توجد قرية تحمل المذهب السني إلا قرية البديع فهن محتضنات في أوساط هؤلاء جنبا إلى جنب، وللثقافة الشعبية دور في تحقيق مثل هذا الشيء الذي يمحو الطائفية بين أبناء هذا الشعب وهذا هدف كبير جداً أشعرني أنني حققت هدفاً من أهداف الثقافة الشعبية وهو أن أجمع أبناء الوطن الواحد ومن ثم أبناء الوطن العربي .....

 

محمد النويري :

عندما نتحدث عن الانفتاح على الآخر ليس معناه أن نأخذ بأسباب ومضامين ثقافته الشعبية. دعونا ندرس ثقافتنا نحن وفي ذلك تكريس لهويتنا وتجذير لشخصيتنا من ناحية وانفتاح على الآخر من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق يحضرني ما قام به اللساني الروسي فلاديمير بروب Vladimir Propp في كتابه Morphology of the folk tale حيث انطلق من دراسة مائة حكاية شعبية روسية ليرد كل عناصر الحكي فيها إلى 31 وظيفة مثلت في تقديره جملة العناصر الشكلية التي تقوم عليها الحكاية. ومن خلال دراسة الباحثين والعلماء لجدوى هذا المنهج ومدى فاعليته اكتشف الناس في الدنيا كلها الحكاية الشعبية الروسية. هذا النوع من المعرفة هو الذي نصبو إليه. فإضافة إلى أن دراستنا تتيح لنا الشعور بالإنسان فينا وفي الآخر المختلف عنا فينبغي أن تمكننا من الإسهام في إنتاج المعرفة من خلال البحث والنظر وإعمال العقل واختبار فاعلية النظريات وأنحاء الإجراءات.

 

سوسن كريمي :

أحد الأساليب التي تستخدم في علم المنطق هو  تعريف الشيء بالنقيض، وفي مناهج الانثروبولوجية بالذات المقارنة منهجية أساسية جدا في التعرف في دراسة الشعوب، فنحن لن نعرف إن هذا الشيء فقط بحريني إلا إذا قارناه بالآخرين، فمسألة التعرف على الآخر مسألة أساسية جدا في التعرف على الذات يعني لا أتعرف على ذاتي إذا ما أتعرف على الآخر المختلف، لا نستطيع  أن نلغي الآخر،  وجود الآخر ضروري لكي أكون موجوداً وأتعرف على ذاتي، أي من خلال دراسة الآخر أنا أتعرف على ذاتي. وهذه المنهجية نحن نتبعها بالذات في دراسات الأنثروبولوجية والإثنوغرافية.

 

صالح مهدي:

بالنسبة لتلاقح الحضارات والثقافات الثقافة الغربية استفادت استفادة كبيرة جدا من ثقافتنا العربية والشعبية والإسلامية هناك حديث يقول حب الوطن من الايمان وهو من أجمل الأحاديث في تعزيز المواطنة لدى الطلاب يقابله في المثل الشعبي مرد الطير لسدرته أو ما شاء الله من هذه الأمثال هم استفادوا من هذه الأمثال فقالوا East or west home is best فهناك كثير من الأمثال الشعبية الموجودة عند الغرب استقوها من نصوصنا الإسلامية وثقافتنا الشعبية.

 

علي عبدالله خليفة :

أتمنى أن يتحقق يوما ما تكوين جيل يغرم بهذا المجال من المعرفة ويطمح في دراسة علم الفولكلور وأن توفر وزارة التربية منحا للدراسات العليا بالدول المتقدمة للطلبة البحرينيين الراغبين في التحصيل. ومن المهم ونحن ندرس هذا المنهج أن نخلق لدى الطلبة طموح التخصص الأكاديمي النادر، فالبحرين و المنطقة بأسرها بحاجة إلى أعداد من الباحثين الفولكلوريين المؤهلين. ومما يؤسف له أن أغلب الأكاديميين الفولكلوريين العرب هجروا أوطانهم في السنوات الماضية عندما كان الاهتمام بالثقافة الشعبية اهتماما هامشيا لا يرضي طموح الناشطين.

 

محمد النويري :

أرجو تأجيل هذه النقطة للأخير.

(اســتراحة)

محمد النويري :

إخواني نواصل في تحاور ونصل إلى محور مفصلي في محاورنا وهو يتعلق بيداغوجيا تدريس النص الثقافي الشعبي. وأعتقد أننا سنفيد كثيرا من الأخوان حسن والأخت خديجة والأخ صالح ولكن أيضا سنفيد من الجامعيين فلا تحسبوا أن الجامعيين ليست لهم بيداغوجيا.

 

علي عبدالله خليفة :

يهمني أن نعرف قارئ (الثقافة الشعبية) البسيط ببعض مصطلحات حديثنا، فلا بد من تعريف ماذا نقصد بالبيداغوجيا فالقارئ العادي عندما يقرأ ما نذهب إليه تكون الصورة لديه جلية دون لبس.

 

محمد النويري :

بيداغوجيا هذا من المصطلحات التربوية السائرة العادية المعروفة عند المدرسين في الابتدائية والثانوية خاصة وهو يتعلق بفنون تبليغ المعرفة ووسائلها وطرقها. البيداغوجيا هي طريقة المدرس في إبلاغ المعرفة من حيث تبسيطها من حيث إيضاحها من حيث كل ما يمكن المتعلم من إدراكها بوسائل تربوية مختلفة تبلغه المعلومة وترسخها بأسهل السبل. هذا هو تعريف البيداغوجيا وهي مدارس كثيرة ومناهج تربوية متعددة وحتى أنحاء في تعريفها مختلفة.

 

سوسن كريمي :

يسمى أصول علم التعليم

 

حسين يحيى :

البيداغوجيا تمثل جملة الأساليب والوسائل التي بها تتحقق فنية إيصال المعرفة للطالب وأصل إطلاقها في التداول الشعبي يعني  معلم الصبي في قصور الأمراء أو الذي يرافق الصبي  إلى المدرسة  ويطلق لقب البيداغوجي على معلم الصبي ..

 

سوسن كريمي :

هل في اللغة العربية كانت تستخدم ؟

 

حسين يحيى :

لا ليست في اللغة العربية هي مستجلبة عن أصل يوناني.  .

البيداغوجيا إذن في سياق هذه الندوة المتخصصة هي فن تدريس الثقافة الشعبية.

دعونا ندخل في الأفق التنظيري أو أفق المنهجية قبل أن نتناول الجوانب التداولية في تدريس مقرر الثقافة الشعبية. فقد تزامن التفكير في إنتاج وثيقة المنهج مع صدور اتفاقية صون التراث اللامادي عن منظمة اليونسكو،  وقد تمّ تداول هذه الاتفاقية - التي تنصّ في إحدى موادها على الدعوة إلى إدخال الثقافة الشعبية في التعليم غير النظامي كأساليب من أساليب حفظ التراث الشعبي وتداوله عبر الأجيال - في ملف خاصّ نشر في العدد الأول من مجلة الثقافة الشعبية وقد استفاد واضعو وثيقة مشروع  المنهج من الكيفية التي  تقترحها الاتفاقية في تناول المضامين الثقافية الشعبية، إلا أنّ واضعي الوثيقة  تجاوزوا الأمور الجدلية المثارة حينها حول تقسيم التراث الشعبي إلى تراث مادي وغير مادي، مستفيدين في مقاربتهم لهذا الموضوع الحساس من  التقسيم المنهجي الذي اختطه تقرير التنمية الإنسانية العربية في العام 2003 والذي اعتمد منهجية علمية واضحة في نقل الثقافة الشعبية ونشرها اعتمادا على مقومين رئيسين هما الثقافة الشفاهية ذات الصلة بالحزاوي والأمثال والأساطير والقصص والشعر الشعبي والنبطي وغير ها من الجوانب الحكائية القولية . أما المقوم الثاني الذي اصطلحت الوثيقة على تسميته بـ الثقافة الجماعية متضمنة فنون الغناء  الشعبي، وفنون الزواج وعاداته، والحرف والصناعات الشعبية التقليدية.  وقد اقترحت الوثيقة لكل مكون ثقافي شعبيّ يندرج تحت هذين المجالين مجموعة من الأهداف البيداغوجية المميزة، واقترحت تدريس مجموعة من المفردات الخاصة به. وأفردت الوثيقة مجموعة من التقنيات والأساليب البداغوجية النّشطة لتدريس كل مجال وتقويمه على نحو تداوليّ . واضعين في الاعتبار أنّ عملية تقويم مكتسبات الطالب في هذا المقرر تركز على  ربط الجوانب المعرفية بالجوانب التداولية ( التطبيقية) القائمة على استحضار الممارسة والمحاكاة في التداول التراثي الشعبي  وتمثله من خلالهما.  هذا التمثل ذاته كان منهجنا في عملية اشتقاق منظومة  الأهداف العامة والمميزة للوثيقة وفي اجتراح رؤيتنا التربوية  المستمدة في الأساس من خصائص الهوية المميزة لثقافة البحرين الشعبية،  بما لا يتعارض مع تطلع القائمين على الوثيقة في  تحقيق الانفتاح الواعي من خلال مضامينها الحضارية على أفق التداول العالمي، جمعاً وحفظاً وعرضاً ،  سواءً عبر أساليب التداول الإلكتروني أو التداول العاديّ، موجهين المعلم إلى  ضرورة الإلمام  بأساليب توظيف الحوامل الورقية / والحوامل الالكترونية تدريس المتضمنات الثقافية الشعبية التي يقترحها المنهج، مع ترك مساحة إبداعية كافية  للاجتهاد في عملية الإضافة.

 

محمد النويري :

أعطانا الأستاذ الإطار النظري للممارسة البيداغوجية ونريد أن ننتقل إلى إطار عملي فيما تصورته هذه النصوص النظرية كيف تمارسون؟ وأتوجه بالسؤال هنا للأخت خديجة والأخ صالح كيف تمارسان تدريس الثقافة الشعبية في الفصل كيف هي الممارسة العملية لتدريس الثقافة الشعبية وبيداغوجيا إبلاغ المعلومة الشعبية الثقافية؟.

 

خديجة المتغوي :

مادة الثقافة الشعبية التي سوف تعرض تحدد استراتيجية العرض أو بيداغوجيا العرض فمثلاً في مادة الحكاية الشعبية فإنّ الفتيات في الجلسة الأولى يلبسن الملابس النسائية القديمة ويسردن فيها حكايات بذات الإيقاع بذات النفس بعد ذلك ننتقل ونحن في هذا الفضاء الواسع في هذا الفضاء الحر ننتقل إلى جلسة حوار ومناقشة لمضامين الثقافة الشعبية وأهدافها وقيمها إلخ، أحياناً تسند هذا الدرس بعض الأنشطة كأن تكون هناك كاسيتات بصوت كبار السن وهم يحكون هذه الحكاية، أو يكون هناك أشرطة إلكترونية تعرض بالداتا شو واللاب توب، أو أن تكون هناك كتيبات صغيرة . قد جمعت مسبقاً من قبل كبار السن، وفي الأغنية الشعبية يتعرضون فيه للأغاني كأغاني الزاجرة وهي أغاني الساقية وأغاني الزواج وأغاني تنويم الأطفال والتهويد من خلال التمثيل والمسرحة ومختلف هذه الأساليب المعتمدة وأحياناً نعتمد على أشرطة فيديو خاصة وقد زودت المدارس ببعض منها، أما في مسألة عادات وتقاليد الزواج فيمثل مشهد الزواج كاملاً بدءاً بالخطبة وانتهاء بالزواج مسرحية كاملة لها مواقف ولها كتابة تأليفية مسبقة مأخوذة من كتب التراث، أيضاً وفي الأزياء يكون هناك عرض أزياء تذكر فيه مواطن الزي كالهند حتى أن بعض الطالبات يستفدن من هذه العروض ويمزجن بينها لتكوين عرض أزياء جديد ومستحدث، وهناك حوارات وكذلك زيارات، زيارات لمتحف البحرين الوطني وزيارات للمصانع كمصنع الفخار مثلاً وزيارات لمصنع النسيج، وهناك استضافات أحياناً لمختصين في مجال الثقافة الشعبية أو استضافات لمشتغلين فيما يتعلق بالموروث الشعبي كأن يكون حواجاً أو صانعاً في أمر ما، وهناك عروض إلكترونية كثيرة خاصة فيما يتعلق بدروس مثل الأمثال الشعبية مثلاً يذكر المثل ويسند بصورة فكاهية معبرة عن هذا المثل، وبالنسبة للألعاب الرياضية فنحن نستعير الصالة الرياضية أو موقعاً معيناً بالمدرسة على أن يكون ممثلا للبيئة الشعبية وتلعب الألعاب الشعبية فيه، وبالنسبة للشعر الشعبي العامي والنبطي فإنّنا نستضيف شعراء نبطيين وشعراء عاميين من أجل التفاعل مع هؤلاء الطالبات ونستضيف أطباء شعبيين وبالنسبة لموضوع الطبخ الشعبي هناك بوفيه شعبي يعد لهذا الغرض ويكون هذا خاتمة الدروس فلا تُنسى .

محمد النويري :

درس الثقافة الشعبية ليس درساً باهتاً يلقى على التلاميذ ويتلقفونه ويطوون الكراريس ويعودون إلى بيوتهم .

 

خديجة المتغوي :

لا أبداً لا يُدرس من خلال كراسة حتى أن هذه الكراسة القيمة التي أطلعنا عليها الأستاذ هي موجودة عند المدرس فقط وهو يتعرّف الأهداف ثم نتمثلها كأداء كتطبيق.

 

حسين يحيى :

أودّ الإشارة هنا إلى نماذج من  الأهداف المميزة لمكون الحزاوي الشعبية على سبيل المثال:

- يتعرف بعض أساليب الأجداد في ممارسة التسلية الهادفة وتزجية أوقات فراغهم فالوثيقة  تذهب إلى الممارسة التراثية في أصلها الثقافي وفلسفتها.

- يتعرف القيمة التربوية والتثقيفية للحزاوي، بوصفها رياضة ذهنية تستثير الحواس وتنمي القدرة على التفكير والتحليل. هذا جانب تعليمي لكنه يتكئ على الموروث الشعبي.

- يستكشف البنية الفنية والمضمونية للحزاوي،  مقدراً براعة معديها في توظيف تراكيب اللغة العامية في صياغتها وإخراجها .

- يتعرف التقاليد الشعبية الخاصة بإجراء مطارحات الحزاوي، بمعنى أنه يستفيد من توظيف السياق التداولي وهو المطارحة،  بمعني أنه ليس مطلوبا من الدارس الإتيان بمجموعة حزاوي لإلقائها أمام زملائه، بل  المطلوب من المعلم والطالب سياق العمل على تهيئة سياق تداولي لممارسة هو “ المطارحة نفسها “ فالمطارحة في ذاتها مفردة تراثية لها تقاليدها، وتنظيم مجالسها، وأساليب تداولها.  فالطالب هنا يستحضر الممارسة كما هي، وعلى المعلم  أن يتدرب هو الآخر على  تمثل الممارسة ليكتسب الدربة الكافية لتدريب طلابه على هذا التمثل في الموقف الصفيّ .

- يكتسب الاتجاه للبحث الميداني في أصول فن الحزاوي في الثقافة الشعبية البحرينية ويرجعها إلى بيئاتها البحرية البحرينية المتنوعة البحرية والحضرية والبدوية. هذا ما أكد عليه الأستاذ علي في مداخلته، وهذا الجانب يحتاج إلى كفايات معرفية ومهارية تعتمد القدرة على فن البحث والتجميع والتصنيف والنشر .

- يكتسب مهارات تدوين الحزاوي البحرينية القديمة وتوثيقها ونشرها وتداولها

- التداول الإلكتروني للحزاوي،  وهنا قد يقارن بين مضامين الحزاوي في بلده مع ما يشابهها من حزاوي تماثلها في المضمون لدى أمم أخرى أو ثقافات أخرى.

 

صالح مهدي:

ميدانياً عملياً تدريس الثقافة الشعبية هي حصة ممتعة ومفيدة في ذات الوقت بحكم أن مدرستنا كبيرة جداً والطلاب كلهم متكدسون في المبنى الجديد ومركز الثقافة الشعبية عند مكتب المدير في المبنى القديم والسعي إليه سعي صعب جداً ومسير طويل يعني كأنه سفر والطالب يمشي في الشمس وكذا فأنا أحاول أنزل كل طاقاتي وقواتي في أول حصة يعني هو مثل الطعم كيف تسوق لبضاعتك فأنا دائماً في أول حصة أنزل كل طاقاتي وقواتي إنّي أراقب الطلاب في الحضور لأن المسافة جداً بعيدة ويقاس مدى نجاح المعلم أو مدى نجاح هذا المساق في ترغيب الطلاب في الحضور لأن الطالب غير ملزم بالحضور المكان متميز عبارة عن متحف أو ديوانية المدرسة دائماً أقول للطلاب هذه داركم هذا محلكم طموحنا ألا تكون مجرد ديوانية. المدرسة لو يجينا ضيف يزور بيت القرآن يزور المتحف أيضاً يزور هذا المكان لأنه مكانكم منكم وإليكم. أيضاً فيه هدايا بسيطة مثلاً مسباح صدق قيمته ريال ولكن أثره معنوي كبير وجوائز قيمة لكن لها أثر كبير في نفسية الطالب

 

حسين يحيى :

ما يفرح في الأمر أنّ تدريس هذا المقرر قد صاحبه تطوير في فضاءات تداوله مدرسيا فهناك في مدرسة الرفاع الثانوية كما ذكر الأستاذ صالح مركز للتراث وليس غرفة صف اعتيادية النمطية، الثقافة الشعبية ليست مادة دراسية نمطية، إنها متطلب للتخرج لا تحتسب على انتظام الطالب فيه درجات، هذا في الحقيقة يفرحني جداً. للتو كنت أسأل الأستاذة خديجة هل يوجد مركز مماثل عندك في المدرسة فقالت إنّ مدرسة سار الثانوية للبنات بصدد استحداث مركز للثقافة الشعبية في  المبنى الجديد للمدرسة.  أن نخصص له مكاناً لتداول معطيات هذا المقرر وتدريسه فذلك مما يبرز أهميته.

 

صالح مهدي:

ما يدور داخل هذا المركز دائماً أقول للطلاب أي واحد غير مستمتع يقدر يستأذن من الحصة وأنا أأذن له لكن لا أحد يتحرك حتى أولياء أمور عرضوا تعاونهم حتى في اليوم المفتوح المركز كان مفتوحاً لاستقبال أولياء الأمور، فأبدوا للتبرع والمساهمة في هذا النشاط والرحلات التربوية لها أثر جدا كبير في نفسية الطلاب.

 

حسين يحيى :

هناك مقنن خاص من الوزارة لهذا المقرر، فكل مدرسة من المدارس الخمس التجريبية خصصت لها - على علمي - ميزانية من المقنن الذي اشتغلت مع فريق بناء الوثيقة على رصد احتياجاته ومتطلبات تنفيذه. والآن وفي ضوء انه سوف ينفتح أمام المعلمين أفق أوسع لتداول الثقافة الشعبية، يتجاوز المدى الذي تقترحه الوثيقة؛ فإن ذلك يتطلب توسعة هامش مخصصات المقنن، خاصة مع أفق التوقع المعول عليه في تعميم تجربة تدريس الثقافة الشعبية.

 

صالح مهدي:

هناك جانب مهم إن نحن استفدنا كثيراً من إبداعات الطلاب في مجال الطرب والفنون الشعبية  هذا الجانب فاستفدت أيضاً من فنونهم فهم ما شاء الله عليهم كل واحد منهم عنده دكتوراه في هذا الجانب مبدعون متميزون بالفطرة والوراثة والتربية والدربة يعني ولا يحتاجون أحداً يدربهم فلاحظنا إبداعات جداً متقدمة في هذا الجانب هو بمجرد إن الطالب يؤمن بأهمية التراث الشعبي تصير عنده أهمية وجدانية لهذا الجانب فلا بد أن يعرف بعض الأمور النظرية الممتعة حقيقة والمفيدة مثل الاستمتاع بهذه الجلسة الحنونة الدافئة لكن الملاحظ أن الطلاب من حماسهم للمادة يستعجلون التطبيق ، يقولون: « أستاذ احنا نبغي انمارس نبغي نطرب ونبغي نستانس ... » فلا بد من المعرفة قبل ذلك .

 

ضياء الكعبي :

بالنسبة لنقطة «بيداغوجيا تدريس النص الثقافي الشعبي» وأتكلم الآن على مستوى الجامعة، وقبل أن أتحدث أنا معجبة إعجابا شديدا بتدريس الثقافة الشعبية على مستوى وزارة التربية والتعليم.بالفعل الخطوات التي تقومون بها رائدة سواء على مستوى النظر أو التطبيق و أتمنى أن يكون هناك تنسيق بين وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين.وأطمح إلى أن يكون هناك مقرر ثقافة شعبية إجباري على الأقل:مقرر خانعة إجباري.ربما أقفز لكن مرة أخرى بالنسبة فيما يتعلق بتدريس النص الثقافي الشعبي على مستوى الناحية الأكاديمية لطلاب الجامعة كما قلت هو مقرر إجباري خاص بطلاب البكالوريوس في اللغة العربية وهو إجباري لطلاب السنة الرابعة ورقمه هو (عربي 441).ودائما أقول لطلاب السنة الثالثة والرابعة أي طلاب التخصص يجب أن تخرجوا بمعرفة منهجية من هذا المقرر، وأنا مهم عندي التأسيس المنهجي للطالب الجامعي المتخصص فمن القضايا الأساسية أن أعطي الطلاب المفاهيم والمصطلحات ،وأحاول أن أنفتح على مناهج الدراسات الشعبية فيما يتعلق بالاتجاهات النظرية الكلاسيكية والبنيوية والدراسات الثقافية والنقد الثقافي هذه مرحلة ثم تأتي مرحلة أخرى وهي محاولة للتعرف إلى دراسات تطبيقية منهجية على مستوى الوطن العربي،يعني على سبيل المثال :دراسة الروسي فلاديمير بروب آتي لهم بكتابه أولا ونقرأه  ونتحاور فيه ثم يأتي بعد ذلك التطبيق. عل دراسة الساريسي والديك فيما يتصل بالحكاية الشعبية.دراسة د.سعد  الصويان  عن الشعر النبطي واحدة من الأمثلة التطبيقية عندي  وهذه الأطروحة المتميزة وهذه الدراسة المنهجية الأكاديمية جديرة بالتناول.وأنا أحاول دائما التوازن بين النظري والجمع الميداني وقد خصصت للطلاب محاضرات كافية لتدريبهم على كيفية الجمع  الميداني حتى  تتسنى لهم عملية الجمع قبيل انصرام العام الجامعي لذلك خصصت ساعة مكتبية لكل طالب .ولحسن الحظ طلابي قليلون لا يتجاوزون عشرة طلاب .وأشير أيضا إلى قضية أشارت إليها الأستاذة خديجة وهي قضية الزيارات الميدانية التي أراها ضرورية جدا لذا سأحاول التنسيق مع الدكتورة سوسن في ذلك كي نأخذ طلابنا في زيارات مشتركة ومن المقترحات الأخرى استضافة مصادر حية للتراث الشعبي نأتي بهم في غرفة الصف في محاضرة من المحاضرات كي يلتقي الطالب بهم ويحاورهم.ولدينا في جامعة البحرين مركز التعليم الالكتروني e_learning  وهناك عدد كبير من مقررات الجامعة تحولت إلكترونيا ويقوم الأستاذ بالجمع بين المحاضرة التقليدية الكلاسيكية وبين التعليم الإلكتروني موجدا ما يسمى blended_learning  فيمكن لأستاذ الأدب الشعبي أو الثقافة الشعبية أن يستثمر هذه المعطيات التكنولوجية  وتوفر للطالب مواقع للدرس ومكتبة شعبية إلكترونية.وقد أعجبني موقع د.الصويان وهو موقع سمته أكاديمية منهجية ولا سيما أنه يدرس الفولكلور ومتخصص في الانثروبولوجيا ويعمل بجامعة عريقة هي جامعة الملك سعود بالملكة العربية السعودية.ومن المهام التي كلفت طلابي بها فهرسة مجلة المأثورات الشعبية التي كانت تصدر عن مركز التراث الشعبي بالدوحة_قطر وكذلك  مجلة” الثقافة الشعبية” وبحثت عن مجلة التراث الشعبي العراقية لكني للأسف لم أجدها في مكتبة جامعة البحرين.

 

علي عبدالله خليفة :

يمكن الكتابة إلى دائرة الشؤون الثقافية التابعة لوزارة الثقافة ببغداد وتطلب منهم نسخ أعداد المجلة القديمة، قد لا تكون كل نسخ الأعداد التي صدرت متوفرة لكن قد يتم توفير نسخ من أغلب الأعداد.

 

ضياء الكعبي :

اطلعت على أعداد مجلة «التراث الشعبي» أثناء دراستي للماجستير والدكتوراه بالجامعة الأردنية بالفعل هي ثرية جدا.صحيح في مرحلة من المراحل تم تسييسها وصار فيها نوع من الأيديولوجية أيام صدام حسين لكنها في جميع الأحوال مفيدة جدا.

 

حسين يحيى :

هل بإمكان مكتبة جامعة البحرين أن تخصص قسماً خاصاً ببلوغرافيا  الثقافة الشعبية،  يستفيد منه حتى طلابنا في المرحلة الثانوية ؟

 

خديجة المتغوي :

لدينا آلية وأسلوب في التعامل مع الثقافة الشعبية هي آلية الانطلاق من مفردة مثلاً النخلة في التراث الشعبي أو الأم في التراث الشعبي يحدد للطالبة مسبقاً ويترك لها حرية اختيار أساليب العرض. كتمثيل دور الأم في التهويده ودور الأم في ترقيص الأطفال وعرض أمثال في الأم وحكايات، كحكاية الأم الخيرة وحكاية الأم الشريرة مع تداخل هذه الاساليب في الحصة الواحدة تعطي الحصة متعة خاصة وتمنع عنها حالة الرتابة من أن تكون تمثيلاً فقط أو مسابقة فقط أو أمثالاً فقط، ذلك أن التزاوج يعطي المتعة  .

 

حسين يحيى :

أنا أفضل أن يترك للطالب أو الطالبة اختيار المفردة الثقافية الشعبية، وفقا لميوله ورغبته، إذ يمكن للطالب أو الطالبة اختيار مفردة ما يرغبان في البحث فيها ولديهما القدرة على تداولها أو التعاطي معها، تحت إشراف المعلم،  فبكون ذلك أفضل من أن نفرض على الطالب مفردة محددة.

 

علي عبدالله خليفة :

أود أن أطرح سؤالا: هل يمكن تشكيل فريق بحث من الطلبة أو الطالبات وإجراء عملية جمع ميداني حقيقية كتدريب عملي أولي. فهذا سيعطي أولا فرصة للخروج من الصف في الوقت ذاته يوفرراويا قد نجهله. وبإمكان (الثقافة الشعبية) التعاون مع أي مدرسة من المدارس للقيام بعمل ميداني تجريبي وسنتولى توفير كافة الأدوات اللازمة ، فلو أمكن مثلاً أن تقوم  كل مدرسة بتشكيل فريق بحث ميداني من الطلبة والطالبات المتميزين لجمع مادة محددة من الميدان ، و المهم هنا هو تدريب الطالب على كيفية التعامل مع الرواة ضمن عناصر التشويق التي يوفرها الميدان ولقاء شخص مسن والتعرف على أساليب التعامل معه وتحفيزه على الإدلاء بما عنده من محفوظات، فاللقاء بالرواة ممتع ومشوق وبه عنصر تسلية للطالب. كذلك التدرب على تقنيات تسجيل الإفادات والتعامل مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة ذات الدقة العالية. هذا سيعرف قيمة الراوي حامل الثقافة الشعبية وسيعرفه على أساليب جمع وتسجيل وتدوين المادة وتوثيقها.

 

خديجة المتغوي :

هل هناك أسماء معينة ؟

 

علي عبدالله خليفة :

نعم لدينا كشف بأسماء الرواة والحفاظ والإخباريين والأدلاء من كل مناطق البحرين يعبرون عن تعدد الأعراق والأقوام واختلاف المذاهب وتنوع البيئات

 

خديجة المتغوي :

لدينا تجربة صغيرة محدودة في الحكاية الشعبية، أنهن رجعن لأمهاتهن كبيرات السن وأحضرن الحكاية موثقة بإسم الوالدة مثلاً وتسجل تسجيلاً صوتياً.

 

حسين يحيى :

أفق طموح وثيقة مشروع المنهج أن يتم تدريس الثقافة الشعبية وفق تقنية ما يسمى بيداغوجيا التعلم بالفريق، انطلاقا من مبدأ تفعيل إحدى الاستراتيجيات النشطة التي تقترحها الوثيقة وأعني بها إستراتيجية التعلم التعاوني،  عندما يتم تشكيل الفريق وفق آليات هذه التقنية بحيث تتنوع أدوار الطلاب داخل هذه التشكيلة،  فينتقل الطالب مثلا من دور المتلقي المتفاعل إلى دور الراوي،  أو ينتقل الطالب بحثيا إلى موقع الظاهرة المستهدفة ميدانياً، نكون بالفعل قد عودناه على ممارسة عملية  التوثيق وما يستتبعها من دقة وأمانة و تأصيل في ردّ الظاهرة الثقافية الشعبية إلى  مصادرها، سواء سمعها بالتناقل( بالرواية )، أو قرأ عنها، وقد أثلج صدري كثيراً – أستاذ علي - استعداد مجلتكم الغراء ( الثقافة الشعبية ) لرفد أبنائنا الباحثين من الطلبة في المدارس الثانوية أو في الجامعة بما تتمتعون به من خبرات رائدة متراكمة في مجال البحث الثقافي الشعبيّ، مما يفتح الباب واسعا أمامنا لتدريب كل من  المعلم والطالب من خلالكم على منهجيات البحث العلمي الميداني في مجال الثقافة الشعبية. هذا أفق تطمح وثيقة مشروع المنهج في أن يرتقي إليه عملنا،  وهذا أفق يبدو أنه لن يكون مستحيلاً بفضل استعدادكم الكريم، أظنّ أنه أفق مشوقٌ جداً وممتعٌ جداً، ويخرجنا من التداول النمطي المعهود في تناول الشأن الثقافي العام.

 

محمد النويري :

يستفيد منه الطالب والمدرس والقنوات مفتوحة.

 علي عبدالله خليفة :

إننا نحرص في (الثقافة الشعبية) أن نجند كل أفراد المجتمع ونحفزهم على التعاون معنا لجمع مواد التراث الشعبي، وتهمنا وزارة التربية والتعليم بالتحديد لتوفر أعداداً من الطلبة والطالبات يتوزعون الإقامة على كل الرقعة الجغرافية للبحرين تقريبا فهي مصدر ومنفذ وأداة مثلى لتحقيق أعمال جمع المأثورات الشعبية. فمثلا لو كلف كل طالب من مرحلة دراسية ما يتم اختيارها  بأن يجلب حكاية واحدة من جدته أو من أمه فسيتم الحصول على كم من الحكايات الشعبية وقس على ذلك الحصول على مواد أخرى كالأمثال الشعبية وغيرها.

 

ضياء الكعبي :

نحن أيضا نحب أن يدرب  طلابنا على الجمع الميداني وأتمنى أن يتخصص طلاب الماجستير في اللغة العربية وآدابها بجامعة البحرين في الفولكلور والأدب الشعبي إذ حتى الآن لم تناقش ولا رسالة واحدة في الأدب الشعبي والفولكلور.

 

علي عبدالله خليفة :

ذلك ينطبق على طلبة الجامعة أيضا ونحن على استعداد للتعاون مع أي فريق يمكن تشكيله للقيام بمهام الجمع الميداني، وسنكون سعداء بذلك.

 

سوسن كريمي :

لدينا مقرر في الجامعة في محور الأنثروبولوجيا في تخصص علم الاجتماع وهو مقرر تقنية جمع التراث، وكان الدكتور السيد الاسود الله يذكره بالخير يقوم بتدريسه.  وهذا الفصل الدراسي  لم تطرح المادة لنقص في الأساتذة والفصل القادم يفترض أن  أقوم بتدريسه. في كلمة  أود أن أقولها للإخوة في وزارة التربية والتعليم، سجلوا أنا أغبطكم على طريقة تدريسكم فقط بدون تسجيل أنا أحسدكم صراحة « حسد مشروع « فقط ينزل في المجلة إني أغبطكم، الجدول الذي تم تنظيمه لكم ممتاز وانتم تنقلون التراث للطلبة من خلال معايشتكم له. ممتاز وجميل بحق، وحتى المشروع الذي أنجزتموه  في المدرسة شيء ممتاز، أنا استفيد من  تجربتكم و من أفكاركم وأود أن أطرحها في الجامعة ، كان بودي تنظيم أشياء بسيطة لكنها لم تتحقق، لكنكم  مددتوني بالقوة لأستمر في أن أطلب أكثر. أرجع لبيدغوجيا الثقافة الشعبية في جامعة البحرين،، أتكلم على مستوى عام أولاً فاطرح النظرة الشمولية ثم أعود إلى الواقع المعاش. لدينا في مجتمعاتنا إشكالية  مع فلسفة التعليم وفلسفة المعرفة وهذا يلقي بظلاله على فلسفة تناول التراث، على الأقل أنا أقول على مستوى جامعة البحرين هذا الشيء غائب لحد الآن، وبناء عليه لحد الآن لم يتم توثيق ما تم انجازه فما بالك بالتحليل. فإذن  أمامنا درب طويل. أرجع للواقع العملي الممارس في جامعة البحرين، بالنسبة لتدريس التراث ، كما ذكرت سابقا،  نقوم بتدريس  مادتين،  مقرر التراث الشعبي الذي  أدرسه منذ أربع سنوات  تقريباً، ومقرر تقنية جمع التراث وهو مقرر مهم جداً يمكن للآخرين الاستفادة  منه. مثلاً إذا أردتم في وزارة التربية والتعليم المشروع الذي طرحه الأستاذ علي حول تدريب المدرسين و الطلاب في جمع التراث وتوثيقه ومن ثم تحليله يفترض أن نستطيع في الجامعة أن نقدم هذه النوعية من التدريب.

 

حسين علي :

ممارسة واقعية أو هو افتراض إمكانياتكم إشلون قدراتكم اشلون .

 

سوسن كريمي :

القرارات العلمية موجودة لكن المشكلة عندنا هو في نقص الكوادر. فمن يقوم بتدريس هذه المادة يكون تحت ضغط كبير بسبب الإشراف على الطلبة. أي لدينا  نقص  في الكوادر حالياً بسبب التغيرات التي حدثت مثلا في  قبول الطلبة وكذلك عدد المقبولين. لكن حتى بالنسبة للدكتورة ضياء فنحن لدينا هذا المقرر الذي يفترض أنه يساعد الطلبة ويفترض أننا نقدر من خلاله على فتح الباب للآخرين لأن يتعلموا جمع التراث وتوثيقه. أما بالنسبة لتدريس مادة التراث الشعبي فالأسلوب الذي انتهجته بطرح فلسفة التراث على مستوى معرفي نظري، أي ما هي فلسفة التراث وما هي مجالاته؟ وهي النظريات الموجودة. أي نحن في المستوى الجامعي لا يمكن أن نعطيهم المادة التراثية فقط دون النظر في هذه المجالات كأهمية التراث حتى خطورته و تداخله مع مجالات مختلفة في الحياة من الاقتصاد من السياسة.  لكن لدينا إشكاليات في تدريس المادة، إحدى هذه المشاكل التي هي في الواقع بسيطة لكن بالنسبة لي كانت مؤثرة حيث أن الطلبة ينجزون مشاريع ممتازة جدا لكن نفتقد لمكان تحتفظ فيه بالبحوث والمشاريع.

عدم توفر أماكن لحفظ الابداعات الطلابية التراثية / ومثل ما قال الأخ أنا أتعلم على أيدي يوجد أشياء غير معروفة حتى على مستوى التراث البحريني المطروح بشكل رسمي . إحداهن أنجزت بحثاً حول المرجحانة وطبقته عملياً وما زلت أحتفظ بهذه المادة. فكنت أطلب على الأقل غرفة للاحتفاظ بإنتاجات الطلبة. في احد البحوث تعلم بعض الطلبة عمل السعف للسلال  ثم عرضوا لنا في الصف كيفية صنع السلال.  سألوا كبار السن عن كيفية تعلمه وتعلموا منهم و هذا  إنجاز كبير يا جماعة. جلبوا الإنتاج وجلبوا المواد الخام وقاموا بصنعه في الصف. القصد للاحتفاظ بهذه الإنتاجات نحتاج لقاعة على الأقل. هناك أشياء كثيرة مثلاً هناك أشياء الطلبة جلبوا لي الحِب الذي كانوا يحتفظون فيه بالمهياوة يمكن عمره خمسين ستين سنة ، هذا جانب من الدعم المادي هناك مسألة غياب التعاون مع المؤسسات مرة احنا بصعوبة حصلنا القرية التراثية في المتحف وكان الطقس حاراً وصيف والطلبة الطريقة التي كانوا يعرضون فيها مشروعهم أن كل مجموعة تشترك في موضوع معين سواء يكون زواج أو القرقاعون فأخذنا القرية التراثية وأخذوا غرفاً  في القرية، كل مجموعة تعرض في مكان وطبعاً مساكين كانوا مشتغلين من يومين قبل هناك حتى الإمدادات أوصلوها في ذاك الحر هذا ما استمر للأسف بسبب إشكاليات من قبل الطرفين. هناك جانب آخر اعتقد يمكن استثماره هو بحوث تخرج الطلبة بحوث تخرج البكالوريوس التي يشتغل عليها الطالب مدة ثلاثة أو أربعة أشهر نحن نحاول أو نشجعهم إن ينجزوا بحوثاً في التراث البحريني.

حسين يحيى :

هل بإمكان مجلة الثقافة الشعبية أن تبني بعض الدراسات والبحوث غير المحكمة خاصة على المستوى الجامعي، أو دراسة بعض نتاجات الطلبة وبحوثهم التراثية الشعبية وتحكيمه ونشرها أو نشر نبذ عنها؟

 

علي عبدالله خليفة :

أشكر الدكتورة سوسن على ما تفضلت به من تقديم كم كبير من أبحاث طلبة وطالبات جامعة البحرين، وقد بدأنا منذ عددنا الثاني بنشر دراسة حول عادات وتقاليد الزواج في قرية النويدرات وهو بحث طلابي لسوسن إسماعيل ولدينا ما يقرب من 15 بحث من بحوث الطلبة رهن عملية التحكيم العلمي حتى تجاز وتنشر، أضف إلى ذلك ومن ضمن التعاون مع الجامعة فإن الدكتورة قامت بتشكيل فريق بحث ميداني نرتب للاجتماع به والبدء في تنفيذ أبحاث ميدانية مخطط لها مسبقا. كما ننتظر من الدكتورة ضياء كذلك تشكيل فريق بحث من الطلاب العشرة الموجودين لديها وسنسعى بكل الوسائل الممكنة لإقناع وزارة التربية و التعليم بتخصيص بعثات دراسية للتخصص في علوم الفولكلور وفي حال تعذر الأمر عن طريق وزارة التربية والتعليم فسنفتح أفقا آخرا بالطلب من المجتمع البحريني ككل أن يعني بهذا الأمر وهو مجتمع كريم.

 

سوسن كريمي :

أنا طرحت على الطلبة ممكن يعملوا بحوثاً حتى في إجازتهم وإني أشرف على هذه البحوث حتى من خارج منظومة هذا الكورس كورس التراث وإن المجلة تقبل هذه البحوث وتحكمها وفيه دعم مادي وحافز مادي من المجلة فهم متحفزون. 

 علي عبدالله خليفة :

يمكن الدكتورة حصة سيد زيد الرفاعي من جامعة الكويت هي متخصصة في الفولكلور وقد قدمت رسالة ماجستير عن أغاني البحر في الكويت لإحدى الجامعات المصرية وبعد ذلك قدمت دكتوراه في جامعة أنديانا بأمريكا وما زالت على صلة بجامعة أنديانا وهي المتخصصة الوحيدة في علم الفولكلور حسب علمي، وتدرس الآن بجامعة الكويت. هناك الدكتور سعد العبدالله الصويان من السعودية قدم دراسته في الدكتوراه في الشعر النبطي باللغة الانجليزية وطبعت الرسالة في مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية باللغة الانجليزية ووزعت، ونعتبره من المتخصصين في الفلكلور تخصصاً أكاديمياً. هناك الدكتورة ليلى صالح البسام قدمت دراسة عن ملابس النساء في نجد وهذه رسالتها للدكتوراه.

 

سوسن كريمي :

أضيف نقطة مهمة جداً تذكرتها للتو في جامعة البحرين تناولنا للتراث ليس من منظور فلكلوري بل من منظور إنثروبولوجي،على الرغم من التداخل المعرفي بين التخصصين،   فأنا لا أعلم  لماذا تم وضع التراث مع الأنثروبولوجيا كمحور واحد في برنامج علم الاجتماع,  طبعاً هو فيه تداخل شديد جداً يعني لا نستطيع أن ننكر هذا الجانب، لكن دراسة التراث من منظور علم الفلكلور ً فيه اختلاف عنه من منظور الأنثروبولوجي، في الأخير يحقق أهداف الأنثروبولوجي في المعرفة وليس أهداف علم الفلكلور في المعرفة. نحن نكون متفائلين جداً لو يكون عندنا في يوم من الأيام محور متخصص في علم الفلكلور وعلى أساسه ينبني حتى تخصص علم الفلكلور هذا حلم ويمكن أن يتحقق، علينا أن نحلم لكن .....

 محمد النويري :

يمكن أن ندع هذا إلى آخر الحوار..

 

حسين يحيى :

فيما يتعلق بالمنجز أجد أننا في هذه الندوة  قد وصفنا وبالتفصيل ما اجتمعنا بصدده. لديّ اقتراح تنظيمي وهو أن نتحدث الآن عن الطموح.

 

محمد النويري :

الأستاذ علي أعتقد أننا قطعنا عليه الحديث وهو كلام متعلق بهذه النقطة فأرجو أن يعود من البداية.

 

علي عبدالله خليفة :

في تقديري أول منجز حققته البحرين إلى جانب المنجزات الفردية منجز رسمي وأنا أعتبره خطوة متقدمة جداً حتى بالنسبة لمنطقة الخليج وهو إدراج مادة الثقافة الشعبية في المناهج وإن كان بشكل تجريبي فهي خطوة متقدمة، ولا بد لنا من أن نثني على الجهود التي بذلها التربويون للوصول بالفكرة إلى حيز التنفيذ.

الطموح : في تقديري هو وصل هذا العمل التربوي بالعمل المجتمعي إن أمكن ذلك. فالمادة في هذه التجربة التربوية يجب ألا تكون مجرد مادة نظرية تدرس للطالب في الفصل وإنما يجب وصلها بالمجتمع ووضع الطالب في مواجهة ميدانية مع المادة التي يدرسها ليكون استيعابه لها بصورة أعمق وأكثر حيوية، وذلك عن طريق اقتران المادة النظرية بالجهد العملي، وذلك عن طريق تشكيل فرق بحث ميداني من الطلبة و الطالبات - ولو بشكل أولي - بالتعاون مع أطراف عديدة مثل جامعة البحرين ومجلة (الثقافة الشعبية) وإدارة الثقافة والفنون وغيرها. والمهم ألا نحمل هذه التجربة وهي في بداياتها الأولى أكثر مما تحمل وفي الوقت ذاته يجب ألا ننظر إلى هذه التجربة على أنها مجرد فكرة تربوية قيد التجريب ليس إلا.

النقطة الثانية هي نوع من الرجاء أو الأمل في أن يتم فرز الطلبة المتميزين في استيعاب هذه المادة والاهتمام بهم إلى أبعد الحدود الممكنة. فحب هذه المادة والتعلق بها وعشق العمل في ميدانها أعتبره ضرورة تأسيسية، فهؤلاء الطلاب الذين نفترض عشقهم للثقافة الشعبية من الممكن أن يشكلوا فريقا من الدارسين لعلم الفولكلور في الخارج، وأن تطرح وزارة التربية هذا العلم كخيار أمام أوئل خريجي الثانوية العامة المرشحين لبعثاتها الدراسية. ولا أعتقد بأن هذا الأمر عسير، فإن تعذر فلا بد من العمل على تمويل هذه البعثات من أطراف رسمية أو أهلية، كما كان يوما عندما مولت وزارة الإعلام أوائل السبعينيات بعثات خاصة إلى الكويت وإلى مصر لدراسة الموسيقى والمسرح مما وفر للحركة الثقافية بالبلاد جيلا متعدد المواهب في المجالين أثرى الوسط الثقافي ووفر لوزارة التربية معلمين بمستويات تخصصية عالية في الموسيقى و الفنون المسرحية.

أما النقطة الثالثة، فهي تشجيع الجهات الأهلية والرسمية على التنسيق فيما بينها. فهناك جهات رسمية يفترض بأن لديها مادة خام مجموعة من الميدان، وهناك فرق بحث ميداني أنشأت بجامعة البحرين، وهناك لجان ببعض مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في العمل الثقافي كلجنة التراث الشعبي بالملتقى الثقافي الأهلي وغيرها مما قد لا نعلمه، فلا بد من إيجاد تنسيق مشترك بين كل الأطراف والجهات الرسمية. قبل أيام استلمت مادة فنية غنائية مسجلة على CD أنتجها أحد الأندية الصغيرة بإحدى القرى وهي جهد لفنان شاب جمع كلمات الصبية في احتفالية الـ (قرقاعون) التي يحييها الأطفال في البحرين والخليج العربي عند منتصف شهر رمضان وقام بتوزيع ألحانها وإعادة تقديمها بطريقة فنية على ألسنة الصبية بنين وبنات وبأصوات شجية معبرة، تسمعها فتستمتع وتطلب المزيد. وهو عمل منتج بأدوات وإمكانيات بسيطة لكنه متقن ومقبول وأعتبره أنموذجاً أولياً لما يمكن أن نتعاون على إنتاجه.

إن ما يزعج هو ضياع الوقت وتبديد الجهد وتشتيت الأعمال دون طائل. فعلى مدى ربع قرن من الكلام عن توحيد الجهود الرسمية والأهلية لجمع مواد التراث الشعبي وتدوينها وتصنيفها وأرشفتها وتوثيقها وتأسيس مركز إقليمي للتراث الشعبي وتأسيس وإنشاء نقاط ارتباط له في كل الدول الخليجية وتعدد بحوث الجمع وتكرار الدورات التدريبية المتخصصة في المجال والاستعانة بالخبراء والاستشاريين العرب والأجانب و و و و .. إلخ، إذا جئت إلى الحصيلة من كل ذلك لا تجد إلا الكلام مقرونا بحصيلة ضئيلة جداً مودعة في درج هنا وفي درج هناك، يعني 25 سنة من العمل لم ينتج مادة توثيقية يمكن الركون إليها إلا فيما ندر.  وليست العبرة في أن ننشئ جهازا مختصا في جمع المادة وليس في تنظيم سلسلة من الدورات التدريبية واستقدام الخبراء دون أن تكون لدينا خبرة ولو أولية بالميدان ودون أن يكون لدينا أقل القليل من هذه المادة التي نفتقد مصادرها كل يوم بموت الرواة والحفاظ والإخباريين.

 

محمد النويري :

هذا يتجاوز المقررات التعليمية هذا يشمل كل المؤسسات المهتمة بالشأن الثقافي في وزارة الإعلام ربما أيضا الجمعيات الأهلية.

ماذا أنجزنا وإلى ماذا نطمح في المقررات التعليمية ؟

 

ضياء الكعبي :

نقطة الكلام عن مؤسسات المجتمع  المدني والثقافة الشعبية مهمة جدا لأن بالفعل في البحرين نحن بحاجة لاستراتيجية لتوثيق “الثقافة الشعبية”.وكان الكلام عن مركز التراث الشعبي في دول الخليج العربي الذي أنشئ في الدوحة وبعد ذلك أغلق وانتقل الأرشيف إلى البحرين.وكان فيه طموح من قطاع الثقافة لإنشاء وتأسيس مركز للتراث الشعبي في البحرين لكن فيما يبدو لا يزال الأمر وكأنه مشروع متوقف.أنا أقترح على الأقل في البحرين أن ننشئ مركزاً خاصاً بالتراث الشعبي على مستوى البحرين لخلق نوع من التنسيق بين الوزارات المختلفة مع الجامعة أو إنشاء مركز في جامعة البحرين؛ فجامعة البحرين الآن فيها أكثر من مركز لدراسات مختلفة يمكن اقتراح مركز خاص بالتراث الشعبي كي يحدث نوعاً من التنسيق والتواصل بين الجامعة والوزارات المختلفة. .تكلمت منذ قليل عن مقرر :الأدب الشعبي”وطموحي أن يكون “ مقرر الثقافة الشعبية” مقررا إجباريا ليس على مستوى وزارة التربية والتعليم وإنما متطلب جامعة إجباري لطلاب جامعة البحرين كافة لأهمية هذا المقرر.وكما أشار الإخوة أيضا ضرورة التنسيق مهمة جدا لأننا الآن في الجامعة كأننا نكتشف للمرة الأولى أن هناك ثقافة شعبية بوزارة التربية والتعليم؛فقضية التنسيق مهمة جدا،نقوم بتسويق أنفسنا والآخرون يقومون أيضا بتسويق أنفسهم.المشكلة أننا في البحرين على مستوى الشراكة الثقافية نعاني مشكلة كبيرة جدا ولا أعرف هل فيه نوع من الاستعلاء بين الأطراف المختلفة بين الجامعة ومؤسسات ثقافية في المجتمع على سبيل المثال.هذه مشكلة كبيرة جدا ويجب أن نحطم هذه الحواجز وشكرا.

 

محمد النويري :

في تقديري ينبغي أن يشعر كل واحد منا بأنه معني بحفظ التراث وألا ينظر إلى نفسه على أنه مجرد موظف ينتهي دوره عند مغادرته مقر العمل. المسؤولية ليست على الدولة فقط وإنما هي علينا أيضا. ومثل هذه اللقاءات تكسر الحواجز وتتيح فرصة الالتقاء على عمل مشترك فالجماعة معنا نستمع إليهم مثل الأستاذ حسين والأستاذة خديجة والأخ مهدي صالح والأختين والأستاذ علي كل واحد منفتح على الآخر والجميع ينتظر أن يستفيد من الآخر فالحواجز تجاوزناها في رأيي مثل هذه اللقاءات تكسر من هذه الحواجز وتتيح فرصة العمل المشترك وما اقترحه الاستاذ علي تكوين طلبة للجمع الميداني والفريق الذي شكل مع الاستاذة كريمي فريق يشكل معك فالجماعة يمدون أيديهم وكلهم رغبة في التعاون.

 

ضياء الكعبي :

أقصد هنا الحواجز ليس من القائمين وإنما الحواجز الإدارية والبيروقراطية في بعض الأحيان  والحواجز النفسية أيضا .ولا أخص فقط العمل في ميدان الثقافة الشعبية وإنما حتى العمل الثقافي يعاني من هذه الحواجز.فعلى سبيل المثال يكون هناك برنامج واستضافة ندوات ومحاضرات  لمؤسسة ثقافية معينة دون أن تشارك فيها المؤسسات الأخرى ولو من باب العلم والاستشارة والتنسيق والتواصل .ونحن نعاني من هذه البيروقراطية في مواقعنا المختلفة في الجامعة والوزارات والمؤسسات الثقافية.وأنا أؤمن بضرورة وضع استراتيجية ثقافية ناجعة قائمة على الشراكة والتنسيق بين الأطراف الثقافية الفاعلة في البحرين دون إقصاء طرف ما أو تهميشه لأي سبب من الأسباب.

 

خديجة المتغوي :

لا أطمح في إيجاد كتاب مقرر للتدريس وإن وجد فيجب ألا يكون كتاباً إلزامياً حتى لا يدرس بنظام المحاضرة فتفقد المادة قيمتها، بل الأفضل عرض مشاريع وإضاءات بسيطة حتى ينطلق فيها المعلم والطالب معاً كذلك أطمح إلي وجود لجنة تنسيق بين مدارس المملكة كافة، ويتم النشاط بشكل جماعي بين مدارس متعددة وبتنظيم مسبق وإدارة جيدة، كما أطمع في تأسيس القائمات على هذا المقرر تأسيسا جيدا وأتمنى أن يتم التنسيق بين المدارس والجامعات لإعطاء دورة تدريبية بسيطة جداً لعرض هذا المقرر ومدارسته بشكل عملي جيد وبشكل ممتع.

 

حسين يحيى :

لقد  بذرنا البذرة الأولى وحاولنا أن نوجد النواة الأساسية لإثارة وعي طلابنا وإثارة وعي معلمينا بموضوعة الثقافة الشعبية  التي لم يعط حقها فيما سبق. لقد قدمنا من خلال هذا المقرر الإثرائي فهمنا لخطاب الإصلاح ، خاصة ما يتعلق منه بالمكونات الأساسية لوعي شعبنا عبر التاريخ، وتطلعه لأن يحقق وحدته وانتماءه الأصيل لهويته الثقافية في زمن العولمة،  لعل هذه الندوة قد أفصحت عن وجود حاجة ألقى الضوء عليها الأستاذ علي والإخوة المنتدون،  وأشرت إلى وجود حاجة مجتمعية وأكاديمية لأن تتبنى ثقافتنا الشعبية، على مستوى الجمع والتوثيق والتدوين والتداول، وهذا ما سعت وثيقة المنهج للاشتغال عليه، مركزة على أهمية التداول خاصة أنّ المقرر الذي نحن بصدده  مقرر إثرائي ( تطبيقي ) لا يعتمد كثيراً على التنظيرات،  وطالب المرحلة الثانوية يمكن له أن يستدرك ما فاته فيما بعد ،عندما يرغب في التخصص الأكاديمي الجامعي في مجال دراسة الثقافة الشعبية. لقد رتب علينا تبني مقاربة تدريس الثقافة الشعبية مسؤولية وطنية استشعرنا عظمها خلال ساعات هذه الندوة. إنّ طموحنا لن يتوقف عند حد هذه الإثارة وهذا الإحساس بالمسئولية، إذ نعول على  أن يكون هناك قسم في جامعتنا الوطنية متخصص في تدريس الثقافة الشعبية، أو أن تكون هناك بعثات متخصصة للراغبين في دراسة هذه الثقافة في بعض الكليات المتخصصة أو مراكز البحث، خاصة أننا اكتشفنا من خلال تدريس هذا المقرر أنّ من بين طلابنا من لديه  الدافع للاشتغال أكاديميا على هذا الجانب، ويمكن توجيهه إلى التخصص فيه.

 

سوسن كريمي :

بالنسبة لما قاله الأستاذ علي عبدالله خليفة إيجاد دعم مادي من مؤسسات مختلفة أن عدة مؤسسات توفر بعثات للطلبة بعض المؤسسات التي ممكن أن أزودكم بأسمائها توفر وتدفع مصاريف الدراسات العليا وممكن أن نتعاون مع عدة مؤسسات لنخلق حلقة وصل مع مؤسسات مختلفة وننسق مع بعضنا وندعم هؤلاء الطلبة وبصراحة أنا شخصياً أقول إنه عندي طلبة فطاحل ممتازين وقلبي يتألم لأننا لم نستطع توجيههم إلى دراسات عليا إذا عندهم قدرة على البحث وإمكانيات فكرية هائلة جداً فأعتقد أن المسألة الأساسية هي مسألة التنسيق .

 

صالح مهدي :

من خلال المحاور الجميلة التي طرحت والمعلومات الطيبة التي طرحت في المنتدى والطموحات انتقلت فعلاً في هذين العامين خاصة من بعد 2006/2007 بالذات و 2008 انتقلت ثقافتنا الشعبية من طور الإهمال ،  إلى طور الاهتمام والعناية والإجلال والرعاية طبعاً لا بد من استثمار طاقات الطلاب والطالبات واستخدام ذكائهم في إحياء التراث الشعبي على ما أذكر ولا أريد أن آخذ من وقتكم نحن أنجزنا مسرحية متواضعة جداً هي مسرحية ختامية لكل طالب لا بد أن يكون له مشروع يحيي فيه التراث الشعبي فهذه المسرحية قصة شاب صادق أمين في يوم من الأيام بعد أن انتقل من طور الطفولة إلى طور البلوغ أقاموا له التحميده لأنه ختم القرآن تلك الزفة الحلوة وطلعوه ... الحمد لله الذي هدانا للدين والإسلام اجتبانا سبحانه  من خالق سبحانا نحمده وحقه أن يحمدا حمداً كثيراً ليس يُحصى عددا ... التحميد فانتقل إلى طور العمل حيث اشتغل في الزراعة، هناك طلاب الثقافة الشعبية وطلاب المتطوعين والفنانين في مجال الإيقاعات الفنية اقترح علينا إيقاع « أسقي على البمبرة وأسقي على التينة.» 

تضمنت المسرحية لقطات رائعة تنتهي الغاية منها إلى تثمين قيمة الأمانة التي يكافأ عليها الشاب مكافأة مجزية شبيهة بما نجده في أغلب الحكايات الشعبية من زواج سعيد بكاعب حسناء. المهم كيفية الأداء والغناء تمثيل التراث الشعبي وإدراك أبعاده الرمزية.

 

محمد النويري :

أنا سعيد بهذا اللقاء بين الجامعة ووزارة التربية ومجلة الثقافة الشعبية . وقد استفدنا من تجربة التربية في تدريس الثقافة الشعبية ومع أكثر من قطاع في توثيق هذا التراث.

هذه الندوة ستفرغ وستخرج من طور الكلام إلى النص وحقيقة أنا سعيد جداً ومن دون مجاملة أفدت إفادة حقيقية من مداخلات  الدكتورة ضياء والدكتورة كريمي والأستاذة خديجة والأستاذ حسين والأستاذ صالح والأستاذ علي وأريد أن أشكر كل من قام على الإعداد لهذه الندوة وأخص بالذكر السيد خميس البنكى والسيدة سوزان محارب والشكر موصول للسيدة فاطمة محسن التي ستتولى تفريغ أشرطة المنتدى .

أعداد المجلة