فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
5

تصدير

العدد 5 - التصدير
تصدير
كاتب وباحث من سوريـا - عضو الهيئة العلمية للمجلة

لم تكن ولادة “الثقافة الشعبية” مجرد استجابة لرغبة، بل تلبية لحاجة وسداً لفراغ كنا نخشى أن يطول ويتعمق ليصل إلى درجة القطيعة بين الماضي الذي نحن ُ إليه دون أن نعطيه حقه، وبين الحاضر الذي لا يمكن أن يقوم بناؤه على فراغ. نأمل من هذه المبادرة الكريمة التي قام بها إخوة أجلاء وأساتذة يشهد لهم تاريخهم العلمي والبحثي أن تستمر من الحسن إلى الأحسن وألا تصاب بالشيخوخة المبكرة التي أصابت مبادرات سابقة لأسباب قد تكون ذاتية أو موضوعية أو الاثنين معاً، وأن يتخطى توزيعها الحدود السياسية إلى الآفاق المعرفية والبحثية العلمية، خاصة وأننا بقدراتنا المعرفية والبحثية هذه قادرون على التحرر من وصاية مراكز الأبحاث الأجنبية دون أن ننكر لها فضل الريادة في زمن لم نكن- لسبب أو لآخر- نلتفت فيه إلى تراثنا الشعبي كما يجب. أما الآن وقد بلغنا سن الرشد في هذا المجال وتوفرت لدينا الإمكانات المادية. أو بعضها- بالإضافة إلى الحماس والقناعة فيمكن أن نضع بصماتنا وتواقيعنا على مانقوم به بجهد ذاتي في خدمة تراثنا الشعبي، وألا تبقى معرفتنا بالحياة البدوية منقولة فقط عن أوبنهايم وغيره أو معرفتنا بالتراث الشعبي المصري عن فينكلر مثلاً أو تراث منطقة بلاد الشام عن مراكز البحث الفرنسية والانكلينزية أثناء فترة الاستعمار، مسترشدين في ذلك بمقولة أن أهل مكة أدرى بشعابها.

مجلتنا هذه ليست سوى لبنة في بناء نرجو أن تتضافر جهود قادرة ومخلصة على الارتقاء به دون ادعاء الوصول إلى القمة، لأن الوصول إلى القمة سيعقبه الانحدار.

لا نريد من الباحثين الأجلاء أن يسترسلوا في التنظير واستعراض نظريات ومدارس البحث في التراث الشعبي، لأنها موجودة في كل المراجع المتخصصة بل نريد أبحاثاً ميدانية مدعومة بالكلمة والصورة والصوت إن أمكن، وأن تتطور المساهمات في المجلة من الانتقائية إلى المنهجية في التعامل مع التراث الشعبي معتمدين على “الكنوز الحية” حاملة التراث قبل أن يفوت الأوان وتندثر معهم معارف لا يمكن تعويضها، منطلقين من فكرة التنوع الثقافي بعيدين عن منطق تقسيم الثقافات إلى راقية وغير راقية، فالثقافة هي في المحصلة نتاج الزمان و المكان.

إن هيئة التحرير تمد يدها للباحثين جميعاً دون تمييز بين أسماء لامعة ومعروفة وأخرى في بداية الطريق أو منتصفه، لأن اللامعين كانوا يوماً ما مبتدئين. ومتى التقت يد هيئة التحرير مع يد الباحثين الجادين أمكننا أن نصفق معاً.

مازلنا في بداية الطريق ونأمل أن نستمر معاً مسترشدين بآراء ومقترحات جديدة في مسيرتنا نرتقي بها في عملنا المشترك الذي قد يتخذ أشكالاً وأبعاداً جديدة مثل تخصيص أعداد تعالج موضوعاً معيناً أو ظاهرة ثقافية شعبية مقارنة على مستوى الوطن العربي أو قسماً منه تكون مرجعاً هاماً للجميع، أو إصدار دراسات متميزة مستقلة لا يتسع حجم الفصلية لعرضها كاملة دون المساس بجوهرها وبنيانها.

قد يقول قائل إن المبادرة جاءت متأخرة ونقول: “وصولك متأخراً خير من عدم وصولك” المهم أن نبدأ ونستمر، وحسبنا الاجتهاد، فإن أصبنا فلنا أجران وإن أخطأنا فلنا أجر المبادرة.

أعداد المجلة