فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
5

أعلام الطرب الشعبي في البحرين / المطرب محمد بن جاسم زويــّـد

العدد 5 - موسيقى وأداء حركي
أعلام الطرب الشعبي في البحرين / المطرب محمد بن جاسم زويــّـد
كاتب من البحرين

ذاكرة الأغنية البحرينية عامرة بأعلام الطرب الذين أوقدوا مشاعل فن الغناء والموسيقى الحديثة في البحرين ومهدوا الطريق للأجيال القادمة ليتبوأ هذا الفن  الجميل بإبداعهم مكانته اللائقة، والمطرب الكبير الراحل محمد زويد هو احد أولئك الأعلام الذين أوقدوا تلك المشاعل.

 

النشأة .. الدرب الشاق:

ولد محمد زويد عام 1900م (في المحرق بمنطقة حالة بوماهر) حيث تلقى تعليمه الأول على يد سيد علي فحفظ القرآن الكريم، لينتقل بعدها إلى مرحلة جديدة من الحياة الشاقة حيث ركب سفن الغوص مع أهل منطقته، وكان آنذاك في الخامسة عشره من عمره حيث عمل في البداية تبابا ثم غيصا.

 

بزوغ الموهبة :

وقد أهله صوته الشجي ليصبح نهاما، ثم ترك العمل في صيد اللؤلؤ بعد أن زاوله لفترة قصيرة بعدها انشغل بالغناء والطرب, حيث صادف في هذه الفترة بدء النشاط الفكري وانفتاح الخليج على العالم الخارجي إلى جانب ظهور أجهزة(الجرامافون) واسطوانات الأغاني العربية وخاصة أغاني سيد درويش في مصر والأغاني العراقية وبروز فئة مثقفه في المجتمع البحريني كما برز في الخليج في تلك الفترة مجموعة من الشعراء والفنانين

 

دار البصرة :

كان محمد زويد من المترددين على دار المطرب محمد بن فارس التي كانت تسمى ( دار البصرة ) التي كانت قريبة من منزله وكانت تقع في (داعوس بمبي) وهو زقاق قريب من الحي الذي يسكنه محمد زويد حيث كان يرتادها للاستماع للغناء والتدرب على عزف آلة العود والغناء على يد أستاذه المطرب محمد بن فارس نظير قيامه بقضاء لوازمه.

 

نجم مجالس الطرب :

عندما  تمكن الفنان محمد زويد من عزف وغناء الأصوات البحرينية اعتبره المطرب محمد بن فارس مطربا متميزا يستحق أن يشاركه الغناء في داره.

وكان يدعى أيضا لإحياء السهرات الفنية الخاصة و حفلات الزواج لقاء أجور بسيطة، فكان زويد يلبي تلك الدعوات بنفس راضية ، وبعد أن ذاع صيته أصبح يدعى للغناء في مجالس علية القوم.

 

الرحلة الفنية الأولى:

في عام  1929م قام المطرب محمد بن فارس بترشيح المطرب محمد زويد بدلا عنه لتسجيل أولى أغنياته في العراق وكان ذلك عن طريق شركة بيضا فون وهي شركة ألمانية لصاحبيها  (بطرس وجبران بيضا ), حيث كانت تزور بغداد والخليج العربي  وتتحرى عن المقرئين والمطربين لتسجيل المقامات والأغاني لقاء أجور تدفعها لهم وكان وكلاؤها في البحرين آنذاك عبدا لحسين الساعاتي وأخواه إبراهيم وإسماعيل  وهو نفس العام الذي سجل فيه  المطرب عبد اللطيف الكويتي (من الكويت) وانفتح الطريق أمام المطرب محمد زويد لتسجيل أغانيه إلا أن هناك صعوبات كانت تواجه كافة الفنانين في الخليج إذ كان السفر يتم عن طريق الباخرة إلى جانب أنهم كانوا يمكثون في بغداد فترة طويلة حتى تصل آلات التسجيل من ألمانيا.

 وقد مكث المطرب محمد زويد  في بغداد لمدة أربعة أشهر بسبب تأخر وصول آلات التسجيل من ألمانيا وقد أفاد الفنان محمد زويد من مكوثه في  بغداد بان يطلع على الفن الغنائي العراقي ويتأثر بالألحان والأغاني والمقامات العراقية ويغنيها، ومن الأصوات التي سجلها زويد في ذلك العام: صوت (نعيش بذكراكم) وصوت (ملكني قبل ما املك) وصوت (سلام يازين)

وبعد انتشار تلك  الاسطوانات ذاع صيته في أرجاء البحرين ودول الخليج المجاورة باعتباره أول مطرب بحريني تسجل أغانيه على اسطوانات.

 

تألق وانتشار :

ظل المطرب محمد زويد يترقب الفرصة مرة أخرى للسفر إلى بغداد لتسجيل أغاني جديدة إلى أن واتته ألفرصة الثانية في عام 1936م حيث سجل أربعين أغنيه دفعه واحدة مما زاده من شهرته بين الناس وشجعه على الاستمرار في مشواره الفني والسفر إلى الهند بعد ذلك لتسجيل أغانيه لدى شركه (اوديون الهندية).

وفي عام 1940م عندما افتتحت إذاعة البحرين التي أنشأها الانجليز إبان الحرب العالمية الثانية فكانت أغاني وأصوات المطرب محمد زويد ومحمد فارس وضاحي بن وليد تذاع من خلالها على الهواء مباشرة باستمرار حيث يتناوب فيها المطربون الثلاثة الغناء كل مساء. 

وكان المطربون البحرينيون من الصاعدين آنذاك ينتظرون بفارغ الصبر أن يأتي المساء لسماع هذه الأغاني التي كانت السبب في تنمية مواهبهم الفنية أمثال: عبدا لله سالم بوشيخه وعلى خالد ويوسف فوني وأحمد وعلي خالد وغيرهم.

 

زويد وعلاقته بيوسف العمران :

كما التقى المطرب محمد زويد في العام ذاته مع احد عشاق الشعر في البحرين وهو السيد يوسف العمران الذي كان مغرما بالأصوات واستخدام القصائد العربية في غنائها وذلك في (دار لخضاري) بالمحرق مركززويد الرئيسي وظل العمران يتردد على هذه الدار إلى أن توطدت العلاقة بينهما وأصبح العمران من المقربين إلى زويد حيث كان يقوم بمعاونته في اختيار القصائد التي يغنيها بعد أن كان يقوم بهذه المهمة شخص يدعى يوسف إبراهيم مطر.

وقد نظم العمران عدداً من القصائد في الوطنية غنى زويد بعضا منها في الأعياد الوطنية للبحرين ودول الخليج العربي، وتجدر الإشارة أن المطرب محمد زويد كان يختار نصوص أغانيه من القصائد العربية الفصيحة التي يتطلبها فن الصوت والتي كان  يختارها بمساعدة يوسف العمران من دواوين الشعراء  كالمتنبي، وبهاء الدين زهير، وأبوفراس الحمداني وغيرهم إلى جانب القصائد اليمنية التي كان يحصل عليها

 

زويد يسجل اسطواناته في البحرين :

واستمرا لمطرب محمد زويد يواصل مشواره الفني في دور الطرب الشعبي في البحرين وفي الجلسات الخاصة وحفلات الزواج أو متنقلا من بلد إلى آخر لتسجيل اسطواناته  إلى أن وصلت آلات تسجيل الاسطوانات  إلى البحرين في عام 1946م فاختصرت الطريق أمام زويد فأصبح يسجل اسطوانات أغانيه في البحرين.

وفي عام1947م انتقل المطرب محمد بن فارس رحمه الله إلى جوارربه، فأضطر زويد إلى استئجار داره (دار البصرة) لكي تظل عامرة  بعد وفاته إلى جانب دار ألخضاري التي أدت نفس الدور الذي أدته الدار الأولى فاجتمع فيها المغنون وعشاق الطرب والهواة من تلاميذ المطرب محمد زويد الذي كان متأثرا  بأسلوب المطرب محمد بن فارس في الغناء.

وبعد رحيل المطرب  محمد بن فارس والمطرب  ضاحي بن وليد الذي توفى في عام 1941م أصبح المطرب محمد زويد من أشهر المطربين في أداء غناء الصوت في الخليج العربي.

 

صوت زويد ينطلق من إذاعة البحرين والإذاعات الخليجية :

في الخمسينات ازداد نشاط زويد وتنقله بين  دول الخليج تلبية  لدعوات  المعجبين بفنه حيث غنى في المناسبات الوطنية والحفلات الخاصة والعامة, كما  ساعدت إذاعة البحرين التي افتتحت عام 1955 في انتشار أغاني المطرب محمد زويد على نطاق واسع.

فضلا عن تطور آلات تسجيل الاسطوانات بحيث أصبحت الاسطوانات اصغر حجما وأكثر جودة وازدياد شركات إنتاج الاسطوانات ومحلات بيعها في البحرين وكافة دول الخليج

 

علاقاته الفنية بكبار الفنانين :

لقد كان عشق المطرب محمد زويد للغناء والطرب دافعا له للاستمرار والعطاء لذلك لم يكتف بالتسجيل في البحرين فقرر السفر إلى القاهرة عام 1957 بصحبة صديقه يوسف العمران لتسجيل مجموعه من أغانيه في إذاعة صوت العرب بالقاهرة.

وفي القاهرة التقى هناك لأول مرة بالمطرب  المصري كارم محمود الذي كان صديقا للعمران وسرعان ماتطورت العلاقة الفنية بينهما وكانا يشتركان معا في إحياء السهرات الفنية.

كما نشأت علاقة ودية بين زويد والمطرب الراحل فريد الأطرش وكان ذلك في إحدى سفراته إلى  بيروت بصحبة صديقه يوسف العمران حيث التقى زويد وفريد الأطرش في سهرة أقامها أحد الأمراء الخليجيين وغنى زويد أثناء ألسهرة عدداًً من الأصوات والأغاني  فأعجب فريد الأطرش بصوت زويد  وقال مادحا (إن في صوت زويد غنة لطيفة).

 

زويد يشارك في حفلات فرقة أسرة هواة الفن الموسيقية :

وتعتبر أعوام الستينات قمة التألق الفني بالنسبة للفنان محمد زويد حيث انطلق صوته عبر الإذاعات الخليجية التي افتتحت في هذه الفترة

وقد خصصت بعض إذاعات الخليج لزويد منذ تلك الفترة وصلات غنائيه طويلة في يوم الجمعه من كل أسبوع تقديرا لريادته وتميزه  في أداء فن الصوت ومحافظته على خصوصيته وأصالته.

لقد كان النشاط الفني مزدهرا في البحرين منذ أواخر الخمسينات، خاصة بعد أن أنشئت فرقه أسرة هواة الفن الموسيقية وقد شارك المطرب الشعبي الكبير محمد زويد في العديد من الحفلات التي أحيتها الفرقة في مختلف مناطق البحرين.

 

زويد يشارك في حفلات المناسبات الوطنية بدول الخليج :

ومن أهم الحفلات التي شارك في إحيائها المطرب محمد زويد في بداية الستينات والتي زادت من شهرته مشاركته في إحياء احتفالات دوله الكويت بمناسبة استقلالها  في عام 1961م فسجل لإذاعة الكويت بهذه المناسبة أغنيته المشهورة  (جسد ناحل وقلب جريح).

وفي تلك الحفلة التقى زويد بأحد التجار الكويتيين المولعين بالغناء ويدعى فاضل مقامس الذي استضافه في داره ودعاه إلى الإقامة فيها كلما زار الكويت.

وفي دار مقامس تعرف زويد على الملحنين المصريين الكبيرين بليغ حمدي ومحمد الموجي والمطرب السعودي محمد عبده.

وقد استعان زويد في فترة الستينات بعناصر من فرقة أسرة هواة الفن الموسيقية بقيادة الفنان أحمد الفردان حيث شاركوه في  جولاته الفنية في دول الخليج وبعض الدول العربية حيث كان يستعين بآلتي القانون والكمان والإيقاعات في مصاحبته في الغناء.

 

أهم الحفلات وجلسات السمر :

كثيرة هي  جلسات السمر والحفلات التي  أطرب فيها زويد  بصوته الشجي الجماهير على امتداد الخليج العربي ولكن أروع تلك الحفلات تلك التي صورها تلفزيون البحرين لزويد في منتصف السبعينات بمناسبة العيد الوطني.

فقد غنى زويد في تلك الحفلة بمصاحبة الفرقة الشعبية وآلتي القانون الكمان لأول مرة فن السامري وألبستة والخماري. كما غنى أيضا أغنيه وطنية من تأليف يوسف العمران.

كما تنوعت الأغاني التي غناها زويد خلال مسيرته الفنية، بالإضافة إلى أدائه للمقامات التي لم يتمكن المطرب محمد بن فارس من تسجيلها ضمن أصواته كما  أدى زويد بتمكن واقتدار فن الصوت وبأسلوب في الأداء تميز به مستقلا  عن سابقيه بن فارس وضاحي بن وليد كما غنى الأغاني المصرية والعراقية والشامية ولكن بصورة محدودة ومن أشهر هذه الأغاني أغنيه (كو كو) إلا أن ما اشتهر به هو فن الصوت .

 ومن أشهر ضاربي المرواس الذين صاحبوا زويد بالنقر على المر واس، محمد عيسى علاية الذي أصبح بعد ذلك مطربا شعبيا والفنان راشد سند ومبارك سعد، أما أشهر عازفي الكمان فهما صالح عزرا وشخص يدعى ضيف الله .

 

شهادات وذكريات

الأستاذ حسن كمال :

يروي الأستاذ حسن كمال مدير إذاعة البحرين السابق ومدير إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام السابق أيضا وهو من أبرز شعراء الأغنية البحرينية الحديثة في أحد اللقاءات الصحفية أنه في إحدى المرات طلب من أصدقائه في النادي الأهلي دعوة المطرب محمد زويد ليصحبهم  في إحدى الرحلات فذهب الأستاذ حسن كمال إليه ودعاه فلبى زويد الدعوة وفي الطريق وهو في السيارة بدأ محمد زويد يغني ويعزف على العود إلى أن وصل إلى مكان الرحلة فواصل غناءه إلى مابعد منتصف الليل ونام قليلا ثم عاود الغناء إلى مساء اليوم التالي دون ملل أو تعب .

 

الفنان أحمد الفردان :

كما أشاد الفنان أحمد الفردان في أحد اللقاءات الصحفية أيضا بفن المطرب محمد زويد وشخصيته المتواضعة. ويضيف أحمد الفردان بأن زويد كان يغني بإحساس الفنان المحب لفنه ويقول إن من أطرف الحوادث التي تدل على حب محمد زويد للفن والغناء, أن زويد كان في صحبتهم هو وأصدقاؤه في رحلة بأحد البساتين وصادف أن مر عليهم فلاح كان يغني وكان صوته شجياً أطرب محمد زويد فدعاه ليغني أمامه فاعتذر الفلاح مدعيا بأنه سيتأخر عن عمله, فمد زويد يده في جيبه وأخرج بعض المال ودفعه للفلاح وطلب منه أن يكمل غناءه ويأخذ النقود بدلا من الأجر الذي يحصل عليه من ذلك اليوم .

 

المطرب الراحل علي خالد :

 ويروي المطرب الراحل  علي خالد في أحد اللقاءات الصحفية بأن شهرة زويد ملأت الآفاق إلى درجة أن احد الباحثين الأجانب  المستشرقين بحث عن زويد في جميع بلدان الخليج إلى أن وجده في إحدى الحفلات بدولة الإمارات العربية وطلب منه مقابلته بعد أن شرح له المشاق التي تحملها في سبيل العثور عليه .

 

وزارة الإعلام تكرم المطرب محمد زويد :

ولقد كان آخر حفل شارك فيه المطرب محمد زويد حفل تكريمه الذي أقامته وزارة الإعلام تقديرا لشخصه ولمشواره الفني الخصب واعترافا بدوره الرائد في المحافظة على فن الصوت البحريني الأصيل ونشره، حيث أقيم الحفل  عام 1978م في استديو (3) بتلفزيون البحرين، كما احتفت به كذلك في هذه المناسبة العديد من المؤسسات الوطنية  حيث قدمت له الهدايا التقديرية.

كما شارك في حفل التكريم عدد من المطربين الشعبيين من الذين واكبوا المسيرة الفنية للمطرب محمد زويد وهم: عبدا لله سالم بوشيخة ،علي خالد هجرس ، عبد الله احمد، يوسف فوني، الأستاذ جاسم العمران، الفنان يوسف قاسم، الشاعر عبد الرحمن رفيع وعدد من أبرز الفنانين الشعبيين منهم: النهام سالم العلان، النهام احمد بوطبنية وقد سجلت الحفلة ووزعت على كافة تلفزيونات دول الخليج العربي.

 

الرحيل :

و في الخامس من يونيو عام 1982م انتقل المطرب محمد زويد إلى جوار ربه بعد أن أثرى الأغنية  البحرينية والخليجية بالكثير من الأعمال الغنائية المعبرة عن آصالة الفن الخليجي وتحديدا في أدائه المتميز لفن الصوت الذي يعتبر زويد من أهم رواده والمساهمين في نشره والمحافظة عليه

 

انجازاته الغنائية :

وقد بلغت أغاني زويد حوالي ( 300 ) أغنية بين مقام وصوت وبسته وسامري وخماري وغيرها ومده هذه الأغاني 25 ساعة تقريبا فضلا عن العديد من الأغاني التي سجلها للإذاعات والتلفزيونات الخليجية والعربية

من أغاني المطرب محمد زويد :

·     ظريف المحاسن

·     هم يحسدوني

·     ياحمود ماشفت الخضر

·     مقام ( وقفة أيها القمر نتشاكى )

·     صوت ( لمع البرق اليماني )

·     أتهجرنا وأنت لنا حبيب

 

أعداد المجلة