فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
13

صون التراث الشعبي العربي

العدد 13 - جديد النشر
صون التراث الشعبي العربي
كاتبة من مصر

القوانين- الببليوجرافيات- الموسيقى- الرواة- الموتيفات - الأعلام

تناولنا في مقالتنا المعنونة "دراسات في توثيق التراث الشعبي العربي" التي صدرت بالعدد السابع من المجلة - خريف 2009 - بعض الدراسات التي اتجه أصحابها اتجاهاً توثيقياً في المعالجة العلمية، وقد عرضنا لبعض المؤتمرات إلى جانب دراسات أخرى عكف أصحابها على توثيق بعض موضوعات التراث الشعبي كالحكايات الشعبية، والنقود، والأماكن، والحرف والمهن الشعبية.

ونحاول في هذا العدد من جديد النشر أن نقدم للقارىء العربي اتجاهات جديدة في هذا الإطار، غير أننا آثرنا أن نقدم تنويعات من تجارب عربية وعالمية في موضوعات جديدة، وهو نهج وضعناه لهذا الباب، إيماناً منا بأهمية الدراسات العربية التي تهتم بصون التراث الشعبي في المرحلة الراهنة. والمتتبع لباب جديد النشر منذ العدد الأول، سيلحظ اهتمامنا بعرض الدراسات الشعبية العربية والعالمية من خلال محاور ثلاثة، الأول: عرض الجديد من الدراسات في كافة الموضوعات الفولكلورية. الثاني: عرض الجديد من الدراسات الفولكلورية في بلد بعينه. الثالث عرض دراسات فولكلورية في موضوع بعينه بصرف النظر عن ارتباطه بهذا القطر أو ذاك.

وعودة لما سنقدمه في هذا العدد الذي يدخل ضمن المحور الثالث وهو وحدة الموضوع، ونقصد به "صون التراث الشعبي وتوثيقه". حيث آثرنا أن نتعرض لنماذج عالمية في مقدمتها وثيقة اليونسكو لحماية التراث اللامادي التي صدرت في كتاب بلغات ثلاث. ثم دراسة تطبيقية لتصنيف آرني تومبسون للحكاية الشعبية. وعلى المستوى العربي نناقش بيبليوجرافيا البحرين الوطنية التي وثقت للدراسات البحرينية خلال العقد الأول من القرن العشرين في كافة مجالات المعرفة. ومن دولة قطر نعرض لتجربة مهمة حول توثيق تراث الرواة القطريين في العديد من أشكال التراث الشعبي. ومن سلطنة عُمان نتناول كتابا توثيقيا جديدا حول موسيقى عُمان التقليدية. وأخيراً نقدم نموذجا فريدا حول توثيق أعلام التراث الشعبي من خلال الكتاب الذي صدر مؤخراً عن عالم الفولكلور العربي للأستاذ الدكتور محمد الجوهري.

النصوص الأساسية:

المؤسسة العربية صاحبة الإسهام الأكبر في هذه الطبعة هي هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي أسهمت في دعمها ونشرها باللغات الثلاث (العربية- الإنجليزية- الفرنسية). وقد كان لهيئة أبو ظبي من قبل المبادرة بنشر كتاب "التراث غير المادي: كيفية الحفاظ عليه وإعداد قوائم الحصر.. تجارب عربية وعالمية"، عام 2008 والذي عرضنا له في العدد السابع من مجلتنا الثقافة الشعبية.

النصوص الأساسية لصون التراث غير المادي

أصدرت منظمة اليونسكو الدولية اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي عام 2003.. ومنذ هذا التاريخ تجتهد دول العالم في تطبيق نص الاتفاقية والإسهام في تقديم قوائم الحصر التي تحتاج إلى صون أو إلى صون عاجل. وكانت نصوص تلك الاتفاقية يتم تداولها في المؤتمرات والملتقيات الدولية في شكل ملزمة مصورة.. أو علي مواقع الإنترنت.

والجديد هذه المرة أن اليونسكو أصدرت طبعة جديدة مزيدة ومنقحة وشاملة في كتاب مستقل- 104 صفحة- في سبتمبر 2010 حمل عنوان: النصوص الأساسية: اتفاقية عام 2003 صون التراث الثقافي غير المادي، والحق فإن المؤسسة العربية صاحبة الإسهام الأكبر في هذه الطبعة هي هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث التي أسهمت في دعمها ونشرها باللغات الثلاث (العربية- الإنجليزية- الفرنسية). وقد كان لهيئة أبو ظبي من قبل المبادرة بنشر كتاب "التراث غير المادي: كيفية الحفاظ عليه وإعداد قوائم الحصر.. تجارب عربية وعالمية"، عام 2008 والذي عرضنا له في العدد السابع من مجلتنا الثقافة الشعبية.

وتشير إيرينا بوكوفا المدير العام لليونسكو في مقدمتها لهذه الطبعة التي صدرت في هيئة فخمة إلى أن الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي، الذي اعتمدته اليونسكو في عام 2003، قد وضع التنوع الثقافي في مصاف "التراث المشترك للإنسانية" باعتباره ضرورياً للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للطبيعة. ويؤكد الإعلان أيضاً على أن الدفاع عن التنوع الثقافي هو واجب أخلاقي مُلزم، لا ينفصل عن كرامة الإنسان. وكان اعتماد اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2003 خطوة حاسمة أخرى في الجهود التي طالما بذلتها اليونسكو من أجل التنوع الثقافي رداً على ما يتعرض له التراث الحي غير المادي من تهديدات ناجمة عن عمليات العولمة المعاصرة والتحولات الاجتماعية التي لم يسبق لها مثيل.. وتستطرد بوكوفا بقولها: إن تنفيذ هذه الوثيقة القانونية الطليعية هو أولوية قصوى بالنسبة لليونسكو.. ولقد صُممت الطبعة الأولى من النصوص الأساسية التي صدرت في مارس 2009، لتكون أداة عملية يستعين بها جميع المعنيين - المسؤولين الحكوميين وصانعي السياسات غير الحكومية والمنظمات الدولية - من أجل زيادة فهم اتفاقية 2003 حرصاً على تنفيذها على أكمل وجه. وقد جرى تنقيح هذه الطبعة الثانية لتعكس قرارات الدورة الثالثة للجمعية العامة للدول الأطراف التي عقدت في يونيو 2010.. وتعكس التوجيهات التنفيذية المنقحة الدروس المُستفادة في الفترة من 2008 إلى 2010، والتي من شأنها أن تحسن طريقة استفادة كل دولة طرف من آلية الاتفاقية، لتصبح تلك الوثيقة هي المرجع الأول في صون تراثنا الحي.

واشتمل الكتاب على عدة موضوعات رئيسية جاء في مقدمتها نصوص اتفاقية التراث الثقافي غير المادي التي بلغت 40 مادة. وتُعرف الاتفاقية مُصطلح "التراث الثقافي غير المادي" - المادة رقم2 - بأنه "الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي غير المادي الذي يتفق مع الصكوك الدولية القائمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع مقتضيات الاحترام المتبادل بين المجموعات والأفراد والتنمية المستدامة. وعلى ضوء هذا التعريف يتجلى صون التراث الثقافي غير المادي، في طبعة 2010 بصفة خاصة في المجالات التالية :

• التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، بما في ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي .

• فنون وتقاليد أداء العُروض .

• الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات.

• المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون.

•]المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.

ويقصد بكلمة "الصون" التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي، بما في ذلك تحديد هذا التراث وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه ونقله، لا سيما عن طريق التعليم النظامي، وإحياء مُختلف جوانب هذا التراث.  وبشأن صون التراث الثقافي غير المادي على الصعيد الوطني أكدت الاتفاقية في (المادة 12) تحت عنوان " قوائم الحصر" على أن تقوم كل دولة طرف بوضع قائمة أو أكثر لحصر التراث الثقافي غير المادي الموجود في أراضيها، ويجري استيفاء هذه القوائم بانتظام.

كما اشتمل الكتاب على التوجيهات التنفيذية التي من شأنها تطبيق اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، وذلك من خلال بعض المحاور من بينها مناقشة صون التراث الثقافي غير المادي على المستوى الدولي وأنشطة التعاون والمساعدة الدولية، والتعريف بصندوق التراث الثقافي غير المادي ووظيفته، ثم كيفية المشاركة في تطبيق الاتفاقية، والتوعية بمسألة التراث الثقافي غير المادي واستعمال شعار الاتفاقية، ونظام تقديم التقارير إلى اللجنة. كما يعرض الكتاب للنظام الداخلي للجمعية العامة للدول الأطراف في الاتفاقية، وكذا النظام الداخلي للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، والنظام المالي للحساب الخاص بصندوق صون التراث الثقافي غير المادي. ويختتم الكتاب بمجموعة مرفقات مهمة تحوي نماذج لوثائق التصديق/ القبول/ الموافقة/ الانضمام، ونموذج رسالة بشأن المساهمات الطوعية في الحساب الخاص للتراث غير المادي، ودورات الجمعية العامة للدول الأطراف في اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، ودورات اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، ونماذج الترشيحات والاقتراحات، وطلبات المساعدة، والإبلاغ الدوري.

الببليوغرافيا الوطنية: دعوة لتوثيق تراث البحرين

صدرت عن المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي بالبحرين عام 2010 البيبليوجرافيا الوطنية لمملكة البحرين، جمع وإعداد علوي محمد عاشور، ومحمد حميد السلمان، ومريم جعفر إسماعيل، وإيمان عبد النبي كويد. إشراف ومراجعة منصور محمد سرحان. وقد وقعت البيبليوجرافيا في 271 صفحة واشتملت على مقدمة، ثم القسم الرئيسي من البيبليوجرافيا والتي احتوت على الكتب التي ألفها الأفراد أو التي صدرت عن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وتحوي 1717 كتاباً مرتباً ترتيباً هجائياً.

الببليوغرافيا الوطنية: دعوة لتوثيق تراث البحرين

صدرت عن المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي بالبحرين عام 2010 البيبليوجرافيا الوطنية لمملكة البحرين، جمع وإعداد علوي محمد عاشور، ومحمد حميد السلمان، ومريم جعفر إسماعيل، وإيمان عبد النبي كويد. إشراف ومراجعة منصور محمد سرحان. وقد وقعت البيبليوجرافيا في 271 صفحة واشتملت على مقدمة، ثم القسم الرئيسي من البيبليوجرافيا والتي احتوت على الكتب التي ألفها الأفراد أو التي صدرت عن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وتحوي 1717 كتاباً مرتباً ترتيباً هجائياً، ثم كشاف العناوين للمجموعة نفسها، وأخيراً الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية وعددها 70 كتاباً، ويتبعها كشاف بالعناوين أيضاً. ويُغطي الإطار الزمني للبيبليوجرافيا عشر سنوات هي الفترة من عام 2000 حتى عام 2009، ومن ثم فهي تصدر بمناسبة مرور عشر سنوات على ميثاق العمل الوطني الذي يجسد المشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى.. وهذه الفترة - كما يشير منصور سرحان في مقدمة البيبليوجرافيا - تميزت بغزارة الإنتاج الفكري المحلي بشكل بات يمثل منعطفاً ثقافياً مهماً في تاريخ مملكة البحرين.. وجدير بالذكر أن عدد الكتب التي صدرت في البحرين على مدى مائة عام أي في الفترة من 1900م وحتى عام 1999 بلغ 1502 عنوان كتاب، بينما بلغ عدد الكتب التي صدرت في البلاد منذ بزوغ فجر الميثاق وحتى عام 2009م 1650 عنوان كتاب. ما يعني تفوق ما صدر من كتب خلال العشر سنوات الماضية على ما صدر خلال قرن من الزمان.

أما الإطار الموضوعي للبيبليوجرافيا فقد غطى جميع فروع المعرفة من أدب وتاريخ وتراجم وعلوم ودين وسياسة وثقافة وتربية واقتصاد واجتماع وتعليم وفنون وبقية فروع المعرفة الأخرى، ما يعني مساهمة المؤلف البحريني مساهمة حقيقية خلال هذه الفترة في رفد الثقافة بمختلف توجهاتها. وإذا كان الإطار الجغرافي للبيبليوجرافيا هو مملكة البحرين فإن هذا الإطار - من واقع البيبليوجرافيا - اشتمل الكتب التي نشرت حول البحرين أو غيرها بأقلام بحرينية، سواء داخل البحرين أو خارجها، إذ ترصد البيبليوجرافيا - إلى جانب كتب البحرين - كتباً نُشرت ببيروت والقاهرة والكويت ودمشق وغيرها من العواصم العربية. كما اشتملت على كتب مترجمة عن الإيرانية والكورية واليابانية بمترجمين بحرينيين. وقد اتبع القائمون على البيبليوجرافيا القواعد الأنجلو- أمريكية للفهرسة الوصفية التي توثق البيانات البيبليوجرافية دولياً في حقول مرتبطة ببيانات المؤلف، والعنوان، وبيانات الطبعة، والنشر، والسلسلة، والوصف المادي..إلخ.

وعلى قدر أهمية هذه البيبليوجرافيا إلا أنها لم تقدم لنا تصنيفاً موضوعياً لما تحويه من معلومات، إذ أن الفيصل الأساسي في البحث البيبليوجرافي مرتبط في المقام الأول بتوجه الباحث للموضوع الذي يبحث عنه، ثم يأتي في المرتبتين الثانية والثالثة توجهه لمؤلف بعينه أو عنوان بعينه، ومن ثم فقد أرهقتنا البيبليوجرافيا في البحث عن الكتب المرتبطة بالثقافة الشعبية البحرينية، والتي توصلنا إليها بعد استعراض كافة العناوين، ونقدم للقارىء العربي بعضاً منها للتعريف بنماذج من الإنتاج الفكري البحريني في هذا المجال:

• بنادر التراث.- البحرين: وزارة الإعلام والثقافة والتراث الوطني، 2003.- 180ص.

• بول روفسنغ أولسن. الموسيقى في البحرين: الموسيقي التقليدية في الخليج العربي/ ترجمة فاطمة الحلواجي، مراجعة فنية أحمد الجميري، مراجعة حسين المحروس.- بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005.- 215ص.

• حسن كمال. أغاني وموال: أشعار شعبية.- البحرين: وزارة الثقافة والإعلام، 2009.-101ص.

• صلاح علي المدني. أمثال البحرين الشعبية: النظرية والتطبيق.- البحرين: مؤسسة الأيام، 2007.- 351ص.

• عبد الرحمن مسعود مساعد. ألوان من تراثنا الشعبي .- بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001.- 346ص.

• عبد الله آل سيف. طوائف ومعتقدات.- بيروت: دار المحبة البيضاء، 2005.- 210ص

• محمد رضا إبراهيم المعراج. عادات الدفن في تايلوس (موقع الشاخورة).- البحرين: وزارة الإعلام، 2007.- 202ص.

• وحيد أحمد بن حسن الخان. أغاني الغوص في البحرين: دراسة تحليلية لبعض النماذج.- الدوحة: مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، 2002.- 218ص.

• وهيب ناصر. التنجيم في عيون الفلكيين.- البحرين: جامعة البحرين، 2001.- 45ص.

• يوسف أحمد بن ماجد النشابة. الزواج في مملكة البحرين: عادات وطقوس وتقاليد.- البحرين، 2009.- 99ص.

هذه الببليوجرافيا تدعونا لمناشدة مركز عيسى الثقافي بإصدار بيبليوجرافيا متخصصة في الثقافة الشعبية تتضمن جميع الكتب التي صدرت في المجال، فضلاً عن المقالات وأبحاث المؤتمرات، والأطروحات العلمية في التراث الشعبي البحريني، كما نأمل أن تصدر هذه البيبليوجرافيا مشروحة وليست وصفية فقط حتى تكتمل الفائدة. ولتكن هذه البيبليوجرافيا المأمُولة أحد الركائز التي يقوم عليها أرشيف الفولكلور البحريني.. هي دعوة لم نكن لنطالب بها لولا تقديرنا لهذه البيبليوجرافيا الوطنية المهمة.

توثيق الموسيقى العُمانية

أصدر مركز عُمان للموسيقى التقليدية بوزارة الإعلام عام 2008 كتابا توثيقيا مهما حمل عنوان "أنماط المأثور الموسيقي العُماني – دراسة توثيقية وصفية" لمؤلفه جمعة بن خميس الشيدي. والكتاب يعد نموذجا يُحتذى به في تصنيف أنماط الموسيقى التقليدية، سواء من ناحية الجمع الميداني أو التوثيق العلمي الموضوعي أو رصد الانتشار الجغرافي لكل نمط.

توثيق الموسيقى العُمانية

وفي سلطنة عُمان أصدر مركز عُمان للموسيقى التقليدية بوزارة الإعلام عام 2008 كتابا توثيقيا مهما حمل عنوان "أنماط المأثور الموسيقي العُماني – دراسة توثيقية وصفية" لمؤلفه جمعة بن خميس الشيدي. والكتاب يعد نموذجا يُحتذى به في تصنيف أنماط الموسيقى التقليدية، سواء من ناحية الجمع الميداني أو التوثيق العلمي الموضوعي أو رصد الانتشار الجغرافي لكل نمط. والقائمة التي عكف المؤلف على تصنيفها تحوي أكثر من مائة وعشرين نمطاً موسيقياً تقليدياً رئيسياً، وقد اعتمد فيها التصنيف الهجائي حسب أسمائها الأكثر تداولاً بين الناس... وقد أشار جمعة الشيدي في مقدمته للكتاب إلى أن هذه القائمة قابلة للزيادة إذا ما أضيفت إليها الأنواع التي تتألف منها بعض تلك الأنماط، فعلى سبيل المثال، اعتمد المؤلف في هذا التصنيف أن يكون فن "الرزحة" بأنواعه الثلاثة نمطاً موسيقياً واحداً لم يتكرر في القائمة، أما (الهمبل، القصافي واللال العود) فقد اعتمدت في القائمة التصنيفية على أنها أنواع أو فروع أو تقسيمات تفصيلية في داخل النمط نفسه، في حين اعتُمدت الرزحة ثلاثة أنماط مختلفة في تصنيف آخر، وكذلك إذا ما أخذنا فن "الباكت" أو غيره من الأنماط التي  تضمنتها القائمة ليست أنماطاً موسيقية في أساسها، ولكنها في نفس الإطار أو المضمون نظراً لما يتضمنه بعضها من ترديدات غنائية أو إنشاد أو نحو ذلك، وهي في أصلها تقاليد موروثة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعادات المجتمع العُماني وتقاليده عبر الزمن، مثل: التيمينة، التهلولة، الشعبانية، العقبة، الرعباه، القرنقشوه، وغيرها.

وقد تألف الكتاب من بابين رئيسيين الأول عرض فيه المؤلف لموضوع المأثور الموسيقي التقليدي العُماني من خلال ارتباطه بعادات المجتمع العُماني وتقاليده، ثم استعرض أنماط غناء العمل والتي تتضمن غناء البحّارة والسفر على السفن الكبيرة، وأنماط الغناء في المهن التقليدية، مُشيراً إلى أنماط الغناء في البادية وأنماط غناء الرّعاة، وبعض الأنماط ذات التأثيرات الأفريقية والآسيوية، وأخيراً أنماط الإنشاد الإسلامي، منهياً هذا الباب بجدول بياني بأنماط المأثور الموسيقي التقليدي وتقسيماته.

أما الباب الثاني فقد استحوذ على المساحة الكبرى من الكتاب إذ ضم الجانب التوثيقي وتصنيف أنماط المأثور الموسيقي إلى أنواع وأجزاء والتي بلغت كما أشرنا ال 102 نمطا  على النحو التالي: أبو الزلف – أم بم – باكت – برعة – بن عبادي – غناء التبسيل – تروري- تسبيح – تشح شح – تصويت – غناء التصييف – تعاويب – تغرود البوش – تلوليو – تنجيليه – تيمينة – غناء الجازره – غناء الجداد – غناء الحرث – حمبورة – دان دان (1) – دان دان (2) – دان (مسندم) – دبرارت – غناء الدّواسة – غناء الذّري – ربوبة – رزحة – رزقة – غناء الرّعي – رماسية – رواح – ريوا – زمط المنجور – سامعين سامعين – سحبة – غناء السّناوة – سومه – سيع – شبّانية – شرح (ظفار) – شرح الوادي – شوباني – غناء الصباغة – صوت الزنوج – غناء صيد السمك – طارج – طبل النساء – غناء الطاحون – طنبورة – عازي – عيّالة (1) – قرنقشوه – غناء الكارية – كاسر – كواسة – كونزك – غناء الكيذا – لاروه (السيروان) – لانزيه – لولاي – ليالي الجمرية – الليمكبور – ليوا – مالد (موامة) – مالد ( بحراني) – محورب – محوكة – مدار – مديمة – مردار – مريحانة – مزيفينة – معلاية – مغايظ – مكوارة – مولد (برزنجي) – مولد (دويعي) – ميدان – نانا – نيروز – هبّان – هبّوت – همبل البوش – همبل الخيل – هيريابو – وداع رمضان – وقيع – ونّة – عيّالة (2) – ويلية (الظاهرة) – ويلية (منح).

واشتملت عمليات التوثيق لكل نمط شرحاً وصفياً مختصراً ومركزاً للأنماط الموسيقية التقليدية التي تتضمنها قائمة التصنيف سابقة الذكر، من حيث ماهية هذه الأنماط وتكوينها الأدائي، ووصف الأداء الحركي التعبيري فيها، والآلات الموسيقية المُصاحبة لأدائها، ومُناسبات إقامتها، ومدى ارتباطها بعادات المُجتمع العُماني وتقاليده عبر السنين. إلى غير ذلك من المعلومات والبيانات العامة الفنية منها والاجتماعية. وقد تم تدعيم مُعظم الأنماط بنماذج من السياقات الفنية للنصوص الشعرية التي تُغنى فيها: ( شلات، مقاسب، مزامل وغيرها ) من نوعيات الشعر المُغّنى فيها وأوزانها الشعرية. كما تضمن أيضاَ، جداول بيانية بأشكال وأنماط الموسيقى التقليدية التي تُمارس في كلّ مُحافظة ومنطقة على حدة من مُحافظات ومناطق السلطنة المُختلفة، ممّا يُسهّل على الباحث والقارىء معرفة الكثير مما تزخر به هذه المُحافظات والمناطق من تنوّع في أنماط ثقافتها الموسيقية التقليدية، والتعرّف، أيضاّ، على الأنماط والقوالب المشتركة بين المناطق، وما تنفرد به كل منطقة عن الأخرى من أنماط لا توجد في غيرها. ويتضمن الكتاب أيضاَ هوامش لعدد كبير من المصطلحات والمفردات المحلية والتعريفات، واختار المؤلف أن تكون أرقام الهوامش في تسلسل رقمي من بدايتها حتى نهايتها، الأمر الذي يُمكّن من التعريف بهذه المصطلحات في حينه، والاقتصار على ذكر رقم الهامش في صورة تكرار المصطلح أكثر من مرة، وهذه الطريقة تُغنينا عن وضع ملحق خاص بجملة المصطلحات المستعملة الواردة في الكتاب. والكتاب مُدعّم أيضاً بالصُّوَر الفوتوغرافيّة لمعظم الأنماط الموسيقية التقليدية، ويذكر الباحث أنها قد التُقِطت خلال جولات الجمع والتّوثيق الميدانية التي نفّذها المركز منذ إنشائه حتّى الآن، وهي جزء ممّا يتضمّنه أرشيف المركز. كما اشتمل الكتاب على قرص مُدمج صوتي (CD)، احتوى نماذج لمعظم أنماط وقوالب وأشكال الموسيقى التقليدية العمانية.

توثيق الرواة في قطر

صدرت الطبعة الثانية لكتاب من أفواه الرواة: مأثورات من التراث الشعبي لمؤلفه علي عبد الله الفياض، عن قسم الدراسات والبحوث بوزارة الثقافة والفنون والتراث بالدوحة عام 2009، وقام بمراجعته عبد الله الزوايدة، ويقع الكتاب في 298 صفحة من الحجم الكبير. قام المؤلف بجمع مادته ميدانياً من الرواة الثقاة في قطر منذ عام 1980 مستخدماً أكثر من أداة للجمع. وقد عكف على توثيق الرواة أنفسهم من ناحية وما يحملونه من مأثورات إبداعية من ناحية أخرى.

توثيق الرواة في قطر

وفي دولة قطر صدرت الطبعة الثانية لكتاب من أفواه الرواة: مأثورات من التراث الشعبي لمؤلفه علي عبد الله الفياض، عن قسم الدراسات والبحوث بوزارة الثقافة والفنون والتراث بالدوحة عام 2009، وقام بمراجعته عبد الله الزوايدة، ويقع الكتاب في 298 صفحة من الحجم الكبير. قام المؤلف بجمع مادته ميدانياً من الرواة الثقاة في قطر منذ عام 1980 مستخدماً أكثر من أداة للجمع. وقد عكف على توثيق الرواة أنفسهم من ناحية وما يحملونه من مأثورات إبداعية من ناحية أخرى.

وقد جاء الكتاب مُتنوعا في مادته ومتعددا في فصوله التي تفاوتت عدد صفحاتها بين الخمسة صفحات والعشرين صفحة والثمانين صفحة حسب ما توافر لكل موضوع. وقد بدأ كتابه بفصل صغير بعنوان: من قصص الفيحاني وأخباره رصد فيها رواية عن الراوي المرحوم جبر بن جمعة الكواري الذي نقل له كيف كان الشاعر الفيحاني ينزعج من قراءة بعض مفردات شعره خطأ، كما روى الكواري روايات أخرى حول ملابسات إبداعه لبعض قصائده، وكيف كان يبدع قصائد أخرى بعد غوصه في البحر وخروجه مباشرة. وإن لم يقدم لنا نبذة عن الفيحاني للتعريف به.

وقد خصص المؤلف قسماً آخر في كتابه حول بعض الأمثال والحكم والأقوال الشعبية اشتملت خمسين مثلاً وحكمة، وقد سجل المثل وأتبعه بشرح لمضمونه، ومن بين ما رصده هذه الحكمة التي تقول: "على نياتكم ترزقون"، ويشير الفياض إلى هذا المعنى بأن الإنسان يرزق بحسب نيته، فإن كانت حسنة جاء رزقه مباركاً فيه ولو كان قليلاً. وإن كانت نيته سيئة خبيثة جاء رزقه ضيقاً نكداً وإن كان كثيراً. ثم يضيف ما يؤكد تلك الحكمة من السنة النبوية، فيشير إلى قول رسول الله (صلعم) "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى". ونضيف نحن في هذا السياق ما يقابل تلك الحكمة في مصر - بلغتها العامية - حيث يقولون "كل واحد على قد نيته".

ويستطرد الفياض في كتابه ليرصد لنا فصلاً حول القصص والحكايات الشعبية القطرية، ومن بينها بعض الحكايات التي رُويت حول سعد بن علي بن مسند المهندي الملقب بسعد الشاعر، فضلاً عن مجموعة متنوعة من الحكايات الشعبية والخرافية منها : ابن نصف والذئاب - الوصايا الثلاث - من حكايات الجن - ابن دسمال يصارع الذئاب - شوقي غلب شوقك - سبعة أرزاق..إلخ. ولم يشر المؤلف هل جمع هذه الحكايات كما دونها على هذا النحو، أم قام بإعادة صياغتها باللغة الفصحى.

وقد أضاف إلى هذا القسم مجموعة من الروايات حول بعض الشعراء كالشاعر لحدان بن صباح الكبيسي تحت عنوان "من طرائف لحدان الكبيسي": لحدان والطير – لحدان وأم الحصم – لحدان والسارق.

كما خصص قسماً صغيراً حول القصائد الفكاهية الطريفة اشتمل على بعض الطرائف الشعرية، ثم أعقبه بقسم حول أشعار وطرائف الغوص، ثم قصائد ومقطوعات لم يسبق نشرها. أما القسم الخاص بالأغاني الشعبية فقد خصصه المؤلف لجمع وتوثيق بعض أغاني السامري، والفراقي، والمراداة. وقد عَرِّف كلاً منها تعريفاً موسوعياً فالسامري ضرب من الغناء الشعبي يؤدى جماعياً بإيقاع منسق على الطيران ويكون على هيئة صفين متقابلين، وشعر السامري يتكون من قصيدة نبطية مقفاة بقافيتين متقابلتين مختلفتين. أما الفراقي فهو لون من الغناء مرتبط بالتراث القطري، وهو لحن خاص حزين تدور معانيه حول فراق الأحباب وذكر الأشواق إلى الأهل، ويؤدى بلحن مميز يدعى فراقي بالاسم نفسه. وكان الرجال يرفعون به أصواتهم في نواديهم عند سمرهم، وفي البرايح وفي خلواتهم عند البر، أما النساء فكن يؤدينه في حال ركوبهن الحمير وذهابهن لموارد الماء، وعودتهن. أما المراداة فهو نوع من الرقصات الشعبية النسائية في الخليج تؤديها مجموعتان من الفتيات والنساء تتناوبان الغناء في صفين متقابلين دون مصاحبة أية آلة من آلات العزف أو الإيقاع، وفي مكان خال مناسب بعيداً عن أعين الرجال. وقد أنهى المؤلف رحلته التراثية التي رصدها من أفواه الرواة بقسم صغير حول الألغاز الشعبية، وجميعها ألغاز تقوم على الشعر.

وقدم لنا المؤلف في الفصل الأخير من الكتاب تراجم لحياة بعض الرواة (13 راوٍ) وصور شخصية لهم، وخلت هذه القائمة من الراويات النساء، ومن ثم فقد ترك لنا تساؤل مهم: ألم يكن هناك راويات نساء أم أنه قصد اختيار الرواة الرجال فقط..؟

تصنيف السير الشعبية العربية

صدر في مطلع هذا العام 2011 كتاب تصنيف السير الشعبية، فهرست الموتيف: لمؤلفه فرج الفخراني، عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، بالإسكندرية.

ومن المهم الإشارة هنا إلى نقطتين هامتين بمناسبة ظهور هذا الكتاب، الأول أن مجلتنا قد نشرت في العدد العاشر دراسة حسن الشامي حول فهرست الجزيئيات للمأثورات الشعبية الشفاهية (نموذج ستيث تومبسون). ثم نشرت في العدد الثاني عشر دراسة الفخراني حول موتيفات أنواع الأشياء السحرية؛ وهي تطبيقات على سيرة سيف بن ذي يزن. وبعد صدور العدد بأيام صدر كتاب تصنيف السير الشعبية الذي نعرض له في هذا العدد.

تصنيف السير الشعبية العربية

صدر في مطلع هذا العام 2011 كتاب تصنيف السير الشعبية، فهرست الموتيف: لمؤلفه فرج الفخراني، عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، بالإسكندرية.

ومن المهم الإشارة هنا إلى نقطتين هامتين بمناسبة ظهور هذا الكتاب، الأول أن مجلتنا قد نشرت في العدد العاشر دراسة حسن الشامي حول فهرست الجزيئيات للمأثورات الشعبية الشفاهية (نموذج ستيث تومبسون). ثم نشرت في العدد الثاني عشر دراسة الفخراني حول موتيفات أنواع الأشياء السحرية؛ وهي تطبيقات على سيرة سيف بن ذي يزن. وبعد صدور العدد بأيام صدر كتاب تصنيف السير الشعبية الذي نعرض له في هذا العدد.

وقد أشار المؤلف لمدى الاستفادة من تجربة حسن الشامي في فهرسته للحكايات الشعبية العربية، وبخاصة فهرست كتاب ألف ليلة وليلة الذي أهداه الشامي له عام 2009. ويقدم الفخراني فهرست موتيف سيرة سيف بن ذي يزن بالتأكيد على أن اختصار فهرسة الموتيف هو (MIFAE-1) وهو الخطوة الأولى من مشروع طموح يتضمن ثلاث عشرة خطوة معلومة لتصنيف السير الشعبية المدونة في فهرست الموتيف، حيث يتضمن الفهرست الحالي فقط الموتيفات الموجودة في سيرة سيف بن ذي يزن التي تقع في أربعة مجلدات فيما يربو عن ألفي صفحة، ويضيف المؤلف قوله: أن الفهرست يسترشد في مداخله وأقسامه الرئيسية، والأقسام الفرعية التي تنبثق منها الموتيفات، وأحياناً الموتيفات الفرعية بتصنيف الشامي الذي أعده ليكون مرشداً لأي دارس يشرع في تصنيف مادة أدبية شعبية عربية في فهرست موتيف، حيث يذكر الشامي أن التصنيف يهدف إلي مساعدة الباحثين لتمثيل مواد الموروث الثقافي في عبارات ذات أرقام "موتيف" كمماثلة أو مطابقة تربط البيانات المتضمنة بنظام ثقافي اجتماعي شامل، وتضع تلك البيانات بشمولية متعددة المعالجات وتضعها أيضاً في مصفوفات بحثية أكاديمية".

كما يستشهد الفهرست الحالي أيضاً بفهرست نويمان للأدب التلمودي المدراشي، وذلك للعثور علي مواضع بعض الموتيفات التي لم يوجد مقابل لها في فهرست الشامي، أما الموتيفات التي لم يُعثر على مواضع لها في فهرست الشامي وفهرست نويمان فيتم وضعها بالقرب – قدر الإمكان – من الموتيف المشابه لها في المضمون، كذلك فقد سار الفهرست الحالي على نظام فهرست نويمان عند تكرار نفس الموتيف، حيث يتم تكرار رقم الموتيف دون استحداث أرقام عشرية جديدة.

وقد تضمن الكتاب مختصراً لفهرست الموتيف، أتبعه المؤلف بالتصنيف الموضوعي لتومسون، متضمناً عناصر السيرة، وهي: A- الموتيفات الأسطورية والمتصلة بالإيمان- B- الحيوانات- C- المحرمات (المحظورات)- D- السحر والأحداث الخارقة- E- الموت- F- العجائب (الغرائب)- G- الغيلان والشيطان- H- الاختبارات- J- الأذكياء والأغبياء- K- مظاهر الخداع- L- انقلاب الحظ- M- تقدير المستقبل- N- الفرصة والقدر- P- المجتمع- Q- المكافآت والعقوبات- R- أسرى وهاربون- S- قسوة غير طبيعية- T- الجنس- U- طبيعة الحياة- V- الدين- W- مميزات الشخصية- X- الفكاهات- Z- مجموعات متفرقة من الموتيفات. وأنهى المؤلف كتابه بمعجم الأعلام التي وردت بالسيرة على اختلاف مجلداتها.

محمد الجوهري عالم الفولكلور والأنثروبولوجيا

دراسات مهداة إلى الأستاذ الدكتور محمد الجوهري، عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، تحرير علي ليلة، أحمد زايد.

والكتاب نموذج لدراسات التوثيق المرتبطة بأعلام الوطن العربي، إذ يمثل تجربة مميزة لتقديم أعلام التراث الشعبي العربي في قالب علمي فريد. وهناك عدة ملامح يمكننا رصدها في هذا العمل، الأول، هو الاحتفاء بأساتذة لنا وهم على قيد الحياة، ليشهدوا ثمار علمهم وعطائهم عبر الزمن مع تلامذتهم وزملائهم.

محمد الجوهري عالم الفولكلور والأنثروبولوجيا

صدر في 2010 كتاب "الثقافة والمجتمع: دراسات مهداة إلى الأستاذ الدكتور محمد الجوهري، عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، تحرير علي ليلة، أحمد زايد.

والكتاب نموذج لدراسات التوثيق المرتبطة بأعلام الوطن العربي، إذ يمثل تجربة مميزة لتقديم أعلام التراث الشعبي العربي في قالب علمي فريد. وهناك عدة ملامح يمكننا رصدها في هذا العمل، الأول، هو الاحتفاء بأساتذة لنا وهم على قيد الحياة، ليشهدوا ثمار علمهم وعطائهم عبر الزمن مع تلامذتهم وزملائهم. والملمح الثاني أن العمل خرج حاملاً عنوانا علميا هو "الثقافة والمجتمع" على حين جاء العنوان الفرعي "دراسات مهداة إلى الأستاذ الدكتور محمد الجوهري"، وهو تأكيد على أن الرسالة المقدمة هنا مرتبطة بالعِلّْم في المقام الأول. أما الملمح الثالث فهو الإخراج العلمي والتقني للعمل، وإن كنا قد تمنينا أن يحوي الكتاب بعض الصور التذكارية الشخصية والعائلية الخاصة بالعالم الجليل كنموذج يُحتذى به في الحياة العلمية والعملية. والملمح الرابع والأخير هو التنوع والثراء الذي اشتمل صفحات الكتاب من دراسات مهداة للجوهري أو دراسات حوله أو الشهادات التي قدمها تلامذته وزملاؤه.

والدكتور محمد الجوهري الذي تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1960 صاحب إنتاج ضخم في علم الفولكلور والأنثروبولوجيا، وهو المؤسس الأول لأدلة العمل الميداني في المنطقة العربية، وصاحب كتاب علم الفولكلور الذي يعد الأهم والأشهر في التعريف بالعلم. وصاحب الريادة في البحث العلمي في مجال العادات والمعتقدات. ولن نستطيع في هذا السياق أن نقدم الجوهري وإنجازه العلمي الكبير. ولنتصفح محتويات الكتاب الذي بدأ بمقدمة أشار فيها علي ليلة وأحمد زايد إلى أن الكتابة للجوهري وعنه شكلت صعوبة كبيرة لتلاميذه الذين عاصروه على مدى أربعة عقود شهدت تفاعلات ثرية ومتداخلة من جميع النواحي العلمية والفكرية والعاطفية. وقُسم الكتاب إلى خمسة أقسام احتوى الأول على رؤية محمد الجوهري في عيون تلاميذه، وكتب فيه نبيل صبحي حنا حول محمد الجوهري عالماً وأستاذاً، كما قدم أحمد زايد فصلاً بعنوان قراءة تلميذ للأستاذ ومنجزاته، وقدم إسماعيل عبد الباري دراسة حول أخلاقيات البحث العلمي في فكر محمد الجوهري، أما علي ليلة فقد كتب بحثاً بعنوان "محمد الجوهري عالماً له بصماته على خرائط علم". وفي ميدان علم الفولكلور كتب إبراهيم عبد الحافظ حول إسهامات محمد الجوهري في علم الفولكلور مشيراُ إلى إسهامه في تحديد ميدان العلم والتعريف بنظرياته، أما مصطفى جاد فقد تناول منهج الجوهري في توثيق التراث الشعبي العربي. واختتم هذا القسم بدراسة حسن الخولي حول محمد الجوهري والدراسة العلمية للفولكلور.

وتضمن هذا القسم مجموعة من الشهادات حول تجربة بعض الأساتذة مع الجوهري في ميدان علم الاجتماع والفولكلور، وقد حملت الشهادات عنوان " باقات ورد من زملائه وتلامذته ". فكتب السيد الحسيني حول الجوهري الإنسان والمفكر والأستاذ. وكتبت سعاد عثمان "شهادتي". وكتبت فاطمة القليني "كاريزما الأستاذ والمُعلم". ومن الأردن كتب عبد العزيز خزاعله حول محمد الجوهري والثورة المعرفية في مجالات علم الاجتماع بالعالم العربي. وكتب محمد محيي الدين تحت عنوان "شهادة".

أما القسم الثاني من الكتاب فقد حمل عنوان "العطاء الفكري والعلمي للأستاذ الدكتور محمد الجوهري" واحتوى ثلاثة فصول: تضمن الأول حواراً أجراه علي ليلة بعنوان محمد الجوهري الذي لا نعرفه. وهذا الفصل كشف عن عشرات الملامح لشخصية الجوهري عالم الاجتماع وعالم الفولكلور ورحلة بحثه حول نقاط الالتقاء بين العلمين، كما تضمن الحوار إثارة بعض النقاط حول اهتمام الجوهري بميدان المعتقدات الشعبية في التراثين العربي والشعبي، ومواقفه السياسية والشأن العام وارتباطه بالمهام الجامعية الإدارية بداية من العمادة لآداب القاهرة حتى رئاسته لجامعة حلوان. كما تطرق الحوار لمستوى البحث الأكاديمي الراهن ورؤيته للنهضة المجتمعية، وعلاقة النخبة بالجماهير، وأزمة الطبقة الوسطى، وذكريات التدريس بالجامعة، وإشرافه على عشرات الباحثين من مختلف الدول العربية كاليمن والسودان والمغرب والجزائر والعراق والسعودية والكويت وفلسطين وعمان والأردن وقطر وليبيا..إلخ. كما اشتمل القسم الثاني دراسة لمحمد فتحي عبد الهادي تضمنت دراسة تحليلية ورؤية بيبليوجرافية حول العطاء الفكري لمحمد الجوهري. واختتم هذا القسم بتوثيق مفصل لسيرته الذاتية.

أما أقسام الكتاب من الثالث حتى الخامس فقد تضمن مجموعة من الأبحاث المتخصصة في مجالي الأنثروبولوجيا والفولكلور، تميزت بحداثتها ومناقشتها لعديد من القضايا الرئيسية في العلم، وقسمت إلى ثلاثة موضوعات الأول تحت عنوان "الاتجاهات الحديثة والمعاصرة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا" وقد اشتمل مجموعة من الأبحاث، بدأت ببحث الاتجاهات النظرية والمنهجية الحديثة في دراسة صور العمل الجديدة في عالم ما بعد الحداثة لآمال عبد الحميد. ثم دراسة الاتجاهات النظرية والمنهجية المعاصرة في دراسة العنف السياسي لفاروق الجهمي. كما قدمت عالية حبيب رؤية أنثروبولوجيا ما بعد الحداثة لقضايا التغير الاجتماعي، ثم كتب فاروق العادلي دراسة حول منهجية البحث الأنثروبولوجي، ثم قدمت سامية ونيس دراسة بعنوان "الجسد في الدراسات  السوسيوأنثروبولوجية". واختتم هذا القسم بدراسة علي جلبي حول التحولات الاجتماعية وظواهر الاعتدال والتشدد في الحياة اليومية: رؤية مستقبلية.

وتناول القسم الثاني من الدراسات المتعمقة موضوع الثقافة: إشكاليات التراث والهوية والتحديث، واحتوى خمسة فصول، تضمنت أبحاث: الموروث الشعبي والهوية الوطنية لمحمد عباس. ثم دراسة دورة الحياة في صعيد مصر: رؤية سوسيولوجية من خلال بعض عناصر التراث (الأغنية الشعبية والمثل) لمديحة عبادة. كما كتب جمال الطحاوي حول القيم والموروثات الثقافية والمشكلة السكانية. أما علي المكاوي فقد تناول التراث الشعبي والمعاصرة في مجتمع الإمارات: الطب الشعبي نموذجاً. واختتم هذا القسم بدراسة محمود الكردي حول الثقافة الحضرية وقابلية التحديث بالمجتمعات العربية.

أما القسم الأخير من الكتاب فقد حمل عنوان مشكلات اجتماعية: حول الشخصية والطفولة  والمرأة، اشتمل ثلاثة فصول: الأول بعنوان ملامح الشخصية المصرية في ظل متغيرات العصر لأحمد حجازي. والثاني بعنوان: إساءة معاملة الطفل: حقائق ونتائج لعدلي السمري. والبحث الأخير لمحمد حمدي إبراهيم بعنوان: ظاهرة العداء تجاه المرأة في نصوص التعليم اليوناني – الروماني.

والكتاب على هذا النحو ذخيرة حية لريادة عالم جليل، وأبحاث متعمقة في أحدث اتجاهات العلم، وتجربة رائدة لكيفية الاحتفاء بالأعلام.

أعداد المجلة