فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
16

يد الصانع التقليدي

العدد 16 - لوحة الغلاف
يد الصانع التقليدي

لعب فن تطريز الملابس المتوارث عبر أجيال عديدة دورا مهما في تشكيل وتلوين وزخرفة ملابس النساء التقليدية، وبعض ملابس الرجال في البحرين والخليج العربي، وربما في كل مكان من أنحاء العالم، وإضفاء قدر لا يستهان به من الجمال والأبهة نم عن مواهب متعددة وذائقة عالية في اختيار خيوط التطريز وتلوينها وإبتداع مختلف الأشكال والوحدات الزخرفية بإتقان وجمعها في تناغم وانسجام، بحيث وصلت بعض قطع الأزياء النسائية لأن تكون تحفة فنية راقية في بعض المتاحف الإثنوغرافية.

وقد توارثت بعض العائلات مهنة حياكة وتطريز الملابس فتخصصت عائلات في تطريز الملابس النسائية وأخرى في عبايات الرجال (البشوت) مستخدمين الإبرة والخيوط بأشكالها وأنواعها وألوانها. ودخلت خامة خيوط الحرير والخيوط المذهبة والمفضضة مما يسمى محليا بـ (الزري) ضمن تشكيل الوحدات الزخرفية إلى جانب دور رئيس في استخدام (الزري) بلونيه الذهبي والفضي في تطريز ثياب (النشل) النسائية وتطريز (البشت) الرجالي، وهو من قطع الملابس الرجالية الشهيرة التي يطرز جانبيها. ويجلب الصانع المحلي مختلف خيوط الزخرفة أساسا من الهند ومن سوريا عدا (الزري) الذي تجلب أنواعه الممتازة من ألمانيا، وهو خيط قطني رفيع يطلى بالذهب أو الفضة وترتفع أسعاره حسب نقاء ودقة تنفيذ ما يطلى به .

ينفذ التطريز على خامة معدة سلفا لأن تكون جزءا من إحدى قطع الملابس، إما من الكتان المحاك يدويا أو القطن أو الحرير الطبيعي أومما يسمى بـ (الشيفون). وتستحوذ مقدمة اللباس على أكبر مساحة من التطريز التي تبدأ عادة من العنق متحدرة إلى الصدر وتكون كذلك على الأطراف كما في ثوب (النشل)، أو على مقدمة ذراعي (الدراعة) أو على طرفي رجلي السروال. وأغلب طلبات تذهيب الزخارف تأتي عادة من أفراد الطبقة الغنية أو المتوسطة ذات القدرة على تحمل الكلفة العالية لأجود أنواع التطريز بخيوط القصب المذهبة أو المفضضة.

وقطعتا اللباس اللتان استطاعتا مقاومة التغيرات التي طرأت على ملابس الرجال والنساء هما ( النشل) و(البشت)، إذ إلى اليوم هناك طلب على هاتين القطعتين لارتباطهما بالوجاهة التقليدية بالنسبة للمرأة وللرجل في الخليج والجزيرة العربية، على الرغم من أن المرأة لا تلبس (النشل) إلا في الأعراس والأفراح وبعض الاحتفالات الشعبية والرسمية في الوقت الذي يعد فيه (البشت) أحد مكونات اللباس الرسمي االضروريّـة للـرّجل وبالذات الرسميين منهم.

ولتسهيل الحصول على ملابس محلاة بالقصب المذهب أو المفضض برع الصناع الهنود في تقليد الزخارف المحلية باستخدام أنواع مقلدة من (الزري) تجلب للبيع ويميزها المشتري الخبير بسهولة، وتبعت الصين الهند في تقليد هذا النوع من الأزياء الشعبية ببراعة وبكلفة أقل؛ نتيجة استخدام الآلة وابتداع طرق وأساليب حديثة أسرع من جهد الصانع التقليدي غير أنها لا تستطيع منافسة جودة منتجه.

على امتداد الخليج والجزيرة العربية تزدهر أعمال العديد من المشاغل المتخصصة في زخرفة ملابس النساء التقليدية إلى جانب ورش منزلية، وتأتي البحرين الأولى في تطريز وخياطة (النشل) وتشتهر البحرين والإحساء بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية بجودة صناعة البشوت وزخرفتها بالقصب وتأتي بعدها الصناعة السورية لهذا النوع من الملابس الرجالية. ومن أهم مشاغل تطريز الملابس النسائية التقليدية في البحرين مشغل الفنان محمد صالح محمد الذي ورث  المهنة عن والده الحاج صالح الشهير بـ (صالح الزري) وهما من عائلة توارثت هذه المهنة أبا عن جد.

على الرغم من تطور هذه الصناعات بإدخال الآلة واستخدام الكمبيوتر لإتقان التصاميم وضبط تناغم الوحدات الزخرفية إلا أن يد الصانع التقليدي المتمكنة والدقيقة ظلت سيدة الموقف بالنسبة للذواقة وطالبي أعلى مستويات الجودة.

وصورة غلافنا لهذا العدد ليد صانع مبدع من مشغل السيد محمد صالح محمد الذي أتاح لـكاميرا (الثقافة الشعبية) فرصة توثيق أعمال التطريز بالصور.

أعداد المجلة