فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
16

قيم الشباب في عالم متغير

العدد 16 - التصدير
قيم الشباب في عالم متغير
كاتب من لبنان

ترتبط القيم والثقافة بالبنية الاجتماعية وتتطور تبعا لتطورها،  فالتفاعل يحصل دائما بين مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتربوية وكل ما هو معاش يوميا، وكل ذلك يوجه سلوك الانسان، فتتحدد الخيارات، تبعا للمواقف الحياتية للفرد كما للجماعة.

 

يعيش مجتمعنا العربي حالة استثنائية ترتكز إلى العلم والتكنولوجيا وما أنجز من وسائل وتقنيات حديثة في مجال الاتصالات، الأمر الذي أدى إلى عمليات تحول وتغيير مرتبطة بثورات معرفية، وهذا ما يعرف بثقافة العولمة. وهنا تسود حالة من التجاذب والصراع بين القديم والجديد، فإذا كان هناك من قوة جبرية تؤدي إلى التغيير، فهناك قوة مضادة تقاومه توقعنا على خطوط تماس بين طرفين. فمن جهة نخاف أن نقترب كثيراً من الحداثة، ومن جهة ثانية نخاف الابتعاد عن البنى التقليدية. وهذا ما يسميه خبراء اليونسكو « بالتفكك الثقافي العميق».

أما الشباب فهم الفئة الاجتماعية الفتية النامية، إنهم رجال ونساء المستقبل، إنهم في مرحلة النمو المتوثب والمتطلع إلى التغيير، ورسم طريق أفضل للمستقبل. إنهم بداية التغيير في الواقع المجتمعي ومنظومة القيم، وهذا ما يتجسد في الصراع بين الشباب ومحيطهم الاجتماعي بشكل عام. إنهم المنجذبون والساعون لكل ما هو جديد، وقد أتيحت لهم في أيامنا هذه محفزات ومعطيات هامة لم تكن متوفرة للأجيال السابقة.

مما يؤدي إلى حالة من التجاذب، أو أشكال من الصراع، مع الأهل أو مع الجيل السابق او مع السلطة.

فالشباب هم الشريحة الأكثر انتساباً للأحزاب السياسية والتنظيمات المتطرفة والثورية... إنهم ينشدون التغيير، بطموحات  بلا حدود، لذا يستحقون منا كل رعاية واهتمام، فلنهيء  لهم  مستقبلا يستحقونه   ويعيشونه، فقد خلقوا لزمان غير زماننا، ويستحقون حياة أفضل من حياتنا.

إن ما يثير الاهتمام حاليا هو النمط المغاير للشكل الأول، وهو عملية التلقين التي يتلقاها الصغار والكبار، بإدخال مكونات ثقافية خارجية تُسقط على الأفراد. وهنا الفارق بين النقل والتقليد الداخليين وهو أمر طبيعي، وبين حالة الإسقاط الخارجي والقسري، انها عملية «إثقاف» بدل التثاقف المعروف بين المجتمعات.

حاليا تبدو أشكال «الغزو » الثقافي مختلفة عن كل ما سبق، فهي سريعة الحركة وناشطة في مختلف المجالات. تضع الفرد أمام معطيات كمية هائلة وبكل الاتجاهات وعلى مختلف المستويات، مما يفقد المتتبع القدرة على الاختيار. وتواصل شباب اليوم سريع وعالمي، ففي حوزتهم كمّ من التقنيات الحديثة: هواتف نقالة، انترنت، I.pad، ستالايت... كل ذلك مقومات ومغريات وانفتاح واسع، والحلول هنا يجب ان تكون بمستوى المعطيات وسرعتها ودقتها، وأي تدبير آخر ربما يأتي بنتائج سلبية. ويترك الشباب في مهب رياح الاستقطاب المتطرف. فإما أن نعتني بأولادنا وشبابنا ونقوم برعايتهم وبتربيتهم، أو أن نتركهم للآخرين يعتنون بهم وعلى أسس مغايرة بعيدة عن ثقافتنا وقيمنا التي توارثناها وطوّرناها عبر العصور.

إن حالة  الصراع بين العلاقات التقليدية والحديثة يمكن أن تنتج ردات فعل اجتماعية وثقافية، وتأخذ أشكالا متنوعة بمواقفها، إما بالإنفتاح الإيجابي او بالإنغلاق السلبي والتطرف لأقصى الحدود.

فهناك بين الشباب فئة تقبل الوافد كما هو حتى ولو كان يتناقض مع  ثقافتنا.فيكون تقليد حماسي وربما أعمى، من خلال الاقتداء بالأقوى (مقولة ابن خلدون المغلوب يقتدي بالغالب)، فنجد مظاهر ثقافية جديدة، وأشكال متنوعة ربما بلا مضمون، إنه التقليد الصوري.

وفئة أخرى تلتزم التقليد وعدم الخروج عنه، تقليد يعادي التجديد حتى ولو كان إيجابياً. فتبرز عندها حالة من اللاتوازن برفض الآخر (الأجنبي) وبذات الوقت تستهلك إنتاجه. فالرفض يطال الشكل، مع عدم وجود عقلانية في التعاطي معه وكأننا نعيد تجربة الماضي. انعزال دفاعي بتجنب الوافد، وهنا  يحصل نوع من الانطواء على الذات. والمشكلة في مجتمعاتنا التي لم تعد مكتفية ذاتيا، فالحاجة إلى الإستهلاك باتت تطال حيزا واسعا من حياتنا.

 اما الفئة الثالثة فهي تقيم توازنا بين الطرفين، وبمعطيات عقلانية تحدد الانتقاء بما يتناسب مع واقعها.

تتعرض المجتمعات الهشة اوتلك التي تعيش اضطرابات أمنية أو سياسية أو اقتصادية إلى تأثير المعطى الخارجي أكثر من غيرها، ومجتمعاتنا لا تزال في أوضاع مضطربة منذ نشاة الكيان الصهيوني وحتى اليوم، وهي مستهدفة بالغزوين العسكري والثقافي على حد سواء. والانكشاف الثقافي والأمني يؤدي إلى الاضطراب، وتظهر الآثار مباشرة على الشباب لأنهم الحلقة الأساس في هذه المعادلة. من أجل ذلك تبرز أهمية هذه المقاربات وخاصة حاليا لما تشهده مجتمعاتنا المنقسمة عموديا. فالحركات التي نشهدها اليوم نخشى ان تقودنا الى الغربة والاضطراب بدل أن تقودنا نحو الاستقرار والنمو والتقدم.

أعداد المجلة