فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
18

فولكلور تيشيت: الاحتفالات نموذجا

العدد 18 - عادات وتقاليد
 فولكلور تيشيت: الاحتفالات نموذجا
كاتب من موريتانيا

أولا: تعريفات وتحديدات عامة:

ما هو الفولكلور؟

شاع استعمال مصطلح الفولكلور في القرن التاسع عشر الميلادي، وتأسس له آنذاك مفهوم يطابق معنى حكمة الشعوب وارتبطت دراسات الفولكلور في البداية بالتاريخ والعادات المتوارثة، قبل أن تتوجه إلى البحث عن الجوانب الأسطورية من ثقافات الشعوب وخاصة ما تبقى منها في الذاكرة الجماعية عبر العصور، والممارسات الطقوسية.

ثم تم توسيع مفهوم الفولكلور بعد ذلك ليدل على التراث الشفوي وفن الجماعات وخرافاتها وما يصدر عن الجماعات والشعوب من رقص وأغنيات وحكايات وطب1 وليس هناك في الواقع اتفاق بين دارسي الفولكلور حول ماهيته، ولذلك تعددت تعريفاته حتى أدى ذلك إلى نشوء ما يمكن تسميته بمشكلة تعريف هذا العلم الإنساني المتسع دلاليا.

ومن بين تلك التعريفات حوالي 20 تعريفا وردت في معجم الفولكلور الإنكليزي standard Dictionary of Mythology الشهير الصادر لأول مرة عام 1949م.

لكن الفولكلوريون يكادون يجمعون على أن الفولكلور يشمل كل المعلومات والمهارات والمفاهيم التي يكتسبها الفرد بشكل حتمي نتيجة لتأثير البيئة التي نشأ فيها حيث لا يسعى الفرد وراء اكتساب هذه الأشياء سعيا مقصودا وإنما يتشبث بها، ولا يخترعها عن عمد بشكل طبيعي ودونما تكلف أو افتعال، وإنما عن طريق التقبُّل والاستخدام والتعبير، والإيصال للغير دون أية عقول متعسفة فردية تدفع إلى ذلك، قد تكون هناك جهود مقصودة لمحاربة هذه الأشياء أو إحيائها لكن هذه وتلك دخلاء على طبيعة الفولكلور وماهيته.

وعلى هذا الأساس يمكن تعريف الفولكلور عن طريق السبل التي يتم اكتسابه بها أو استخدامه أو توصيله للآخرين لا عن طريق تطبيقه على فروع خاصة من الفنون أو أنواع خاصة من الناس، كما يحاول الأنتروبولوجيون الذين يعتبرون مجالهم هو دراسة المجتمعات الأمية فقط. وتبدو موضوعات معينة أ كثر تمثيلا للفولكلور في عقول البعض كالمواويل.

ولكن المعنى الأساسي للفولكلور لا يوجد فيه ما يوحي باستبعاد أي موضوع إن الفولكلور إذن - لا يشمل المادة الشعرية أو النثرية الشفاهية فقط، بل يشمل كل الفنون المأثورة كالصناعات التقليدية وجزءا كبيرا من المعتقدات الدينية والاجتماعية والعادات....إنه معرفة إنسانية تنتقل من إنسان لآخر وتحفظ إما عن طريق الذاكرة أو الممارسة بدل حفظها عن طريق الكتابة أو التدوين، كالرقصات والحكايات والتقاليد والمعتقدات والأقوال السائرة....

إن الفولكلور هو المادة التي تنتقل من جيل إلى آخر عن طريق الكلمة المنطوقة أو العادة أو الممارسة وهو يعبر عن بزوغ العقل البشري، وينتمي إلى المناطق الغريزية الوجدانية في الإنسان ولذلك يبدوا الفلكلور كتفسير مأثور وغير مدون- عادة- لأصل الإنسان وتاريخه القديم، ويبدو متميزا عن التاريخ الذي هو تسجيل للحقائق.

إن الفولكلور عبارة عن حفريات ترفض أن تموت من خلال هذه الرواسب الثقافية أو البقايا الحية التي تعيش بين الناس الذين ينتمون إلى مراحل متأخرة عنها. إنه محاولة لتكيف العالم المألوف مع العالم غير المألوف عن طريق اهتمامه بتاريخ الأفكار الإنسانية واستمرارها في الكلمات والدعابات والحكايات والطقوس والاحتفالات...والخلاصة: هي أن الفولكلور هو «تلك الفنون والمعتقدات وأنماط السلوك الجمعية التي يعبر بها الشعب عن نفسه سواء استخدمت الكلمة أو الحركة أو الإشارة أو الإيقاع أو الخط أو اللون أوتشكيل المادة» وإن الفولكلور أخيرا يتضمن: «الأساطير، والحكايات الشعبية بأنواعها المتعددة، والنكات والأمثال والألغاز والترانيم والرقي والتعاويذ واللعنات، وأساليب التحية في الاستقبال، والتوديع والصيغ الساخرة والتلاعب بالألفاظ وأساليب القسم، والعادات الشعبية، والرقص الشعبي والدراما الشعبية، وفن التمثيل الإيمائي والفنون الشعبية، والطب الشعبي، والمعتقدات الشعبية المأثورة والتشبيهات الشعبية والاستعارات والكنايات الشعبية وأسماء الأماكن والكنى والألقاب والشعر الشعبي، والكتابات التي تكتب على شواهد القبور، والألعاب، والإيماءات والرموز والدعابة، وأصل الكلمات الشعبية، وطرق إعداد الطعام وأشكال التطريز وأشغال الإبر، وأنماط البيوت، والعمارة الشعبية ونداءات الباعة والاحتفالات الشعبية بالمناسبات المختلفة كالأعياد ومناسبات الميلاد والختان والزواج»2

تيشيت: خلفيات سوسيو ثقافية

إن كلمة تيشيت حسب مرمول كر فخال الأسباني الغرناطي من كتاب ق16م مشتقة من كلمتين هما: تى، وتعني بلغة أهلها آنذاك أرض، وشيتو و تعني شعبا معينا كان يسكن المنطقة قديما.3

أما الحسن ابن محمد الوزان الفاسي المعروف ب ليون الإفريقي فيقول: تيشيت مدينة صغيرة بناها النوميديون في تخوم صحراء لبياسورها مبني بالآجري النيء ولا ينبئ مظهرها كثيرا عن مدينة متحضرة بل لا يدل على شيء من ذلك، يقدر سكانها بنحو أربعمائة ولا يحيط بها سوى بادية رملية ولو أنه يوجد في الواقع قرب المدينة مسافة صغيرة صالحة للحرث مغروسة بالنخيل وأخرى يزرع فيها شعير ودخن يسد بهما السكان المساكين رمقهم. يؤدي هؤلاء إتاوة كبيرة للأعراب المجاورين لهم بالصحراء ويقومون برحلات تجارية إلى بلاد السودان وجزولة حاملين معهم سلعهم بحيث لا يكاد يقيم منهم في المنازل إلاّ النصف، ...سود البشرة تقريبا لا ثقافة لهم بل النساء هن اللائي يتعلمن ويقمن بدور معلمات المدارس للبنات والبنين، وعندما يبلغ الصبيان الثانية عشرة من عمرهم يستخدمهم آباؤهم في ممتلكاتهم إما لاستخراج الماء من البئر للسقي وإما لقلب الأرض، والنساء أكثر سمنا وبياضا من الرجال وإذا استثنينا اللواتي يتعاطين الدراسة وغزل الصوف فإن سائر النساء يبقين أيديهن في حزامهن، والفقر من نصيب الجميع الماشية قليلة تتكون من الدمام فقط دون بقر ولا غنم ويحرثون الأرض بزوج من فرس وجمل كما هي العادة في نوميديا بكاملها4.

أما الفقيه التيشيتي: محمدو بن أحمد الصغير ت1324هـ فيقول في كتابه «إنارة المبهم والمظلم من أنساب بني عبد المؤمن وبني محمد المسلم» إن كلمة تيشيت» معناها: «بلاد الرفاق إشارة إلى جهل أهلها بالحرث والحصاد، ومن لم يحرث ويحصد فهو محتاج إلى الرفقة يستجلب بواسطتها المعيشة، وكانوا في قديم الزمان إلى الآن (ق14هـ) لا يعيشون بحرث ولا حصاد ولكن يبعثون الرفاق زمن الشتاء بالملح فتجلبه إلى بلاد السودان وتبيعه بأنواع المعيشة واللباس والذهب وهكذا يعيشون»

ثم يذكر في موضع آخر من نفس المخطوط أن منطقة تيشيت كانت بها الكثير من أشجار السرح والمرخ الصالحة لسقف البيوت إبان مرور الشريف عبد المؤمن بها لما بدأ في البناء بعد رحيله عن شيخه القاضي أبي الفضل عياض ومعه زميله الحاج عثمان5.

وقد تداولت بها قبائل شتى وآخر دولة بها هي دولة أبناء بلّه بن داوود ابن محمد ابن عثمان وقد انقرضت في سنة سبع وستين ومائتين وألف هجرية في حرب بينهم وكانت هذا الحرب هو متم 15حربا من الحروب التي وقعت بتيشيت ... وهي اليوم على شفا خراب أقام الله بأهلها عمادها وسكن بهم أوتادها6»

أما الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل في شرحه لنظم محمد مولود الملقب أمرابط اغشممت المجلسي المسمى: سلم الإظهار في الفرق بين الليل والنهار7 فيقول: «أن أصل بدء أمر تيشيت أن وليا من أولياء الله سودانيا مكفوف البصر حج ببيت الله الحرام وسأل الله عز وجل بعد الاستخارة أن يعينه على بناء قرية تكون زيادة في الإسلام وفي مدن أهله، فأجاب الله دعوته، وقيل له صفة قريتك كذا وكذا، ورائحة تربتها التي تبني فيها كذا، فأمر تلاميذه أن لا يمروا ببلد في مرجعهم إلا وأخذوا له قبضة من ترابه، فكان كلما أتوه بتربة فشمها يقول ما هي التي شئت حتى طال عليهم الأمر، وظنوا أنه على غير بصيرة، فاختبروه يوما فأعطوه تربة قد أعطوها له أمس، فلما شمها قال لعلكم ضللتم، هذه تربة مقيلنا أمس فتعجبوا من صدق وعده ونفوذ بصيرته، فلما بلغوا موضعا آخر ناولوه منه قبضة، فلما شمها قال هي التي شئت، فكان اشتقاق تيشيت من ذلك اللفظ»8.

ويورد محمد صالح ابن عبد الوهاب في فتوى له قائلا: «وبعد فإن سؤال أهل تيشيت عن حكم أرضها لمن هي منهم وعن حريمها جوابه: أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وقد أورث تعالى أرض تيشيت لماسنه كما هو معروف بالاسم موصوف بالوسم لا يمتري فيها غير المفتري ولم ينازعهم فيها منازع.»9

أما الخليل بن أنحوي في مؤلفه: المنارة والرباط فيقول إنه اعتمادا على الرواية الشفوية السائدة في تيشيت، إن اسم تيشيت سبب إطلاقه أن الشريف عبد المؤمن لما قدم تيشيت ورأى خصوبة أرضها قرر السكنى فيها وقال: تي شئت. فأصبح الاسم المركب من اسم الإشارة (تي) والفعل (شئت)علما يطلق على المدينة10.

والأمر الذي لا جدال فيه أن الحياة الثقافية والاجتماعية في تيشيت ظلت مستمرة منذ قرون داخل سياقات متمايزة تمايزا جوهريا لكن ذلك التمايز ظل يشكل لوحة تراثية فنية ذات ألوان ثقافية بديعة احتضنها وشحذها الوضع المناخي الصحراوي الخاص.

وتبدو العزلة المضروبة على المدينة منذ قرون وكأنها قد جعلت من التنوع الثقافي في تيشيت موميا تراثية خالدة حافظت على تلك العجينة الحضارية المشعة بقيم الشعوب الإسلامية العريقة داخل منظومة من الصيغ التعبيرية الحية الدالة على عمق الحضارة السودانية الساحلية الناطقة بالعربية ومرمزة بصيغ أخرى عن اندماج عربي بربري سوداني عميق، إنه الصلصال الذي انصهر منذ المرابطين في بوتقة الإسلام  الذي كان وما يزال هو عصب الحياة والمعين المشترك لفرقاء تيشيت مهما كان منشؤهم.

وإن ألوان اللوحة الدالة على التمايز والتداخل التيشيتي تتجلى أساسا في الجدل الثقافي المدون، وفي أنماط الفولكلور الحي المعبر عن الذات في بعدها الوجداني والثقافي

وسيكون عملنا هذا مركزا حول جزء من ذلك الفولكلور وهو الأفراح والاحتفالات في هذه المدينة التاريخية.

أولا: معالم ومزارات تيشيتية:

إن مدينة تيشيت التاريخية توجد الآن(2006) فوق مرتفع مساحته حوالي 500م في 500م في المدخل الشرقي لواحة شبه مطمورة في رمال الصحراء ناحية الباطن الشرقي لسلسلة جبال تكانت في نهاية منطقة أدافر، ورغم اعتماد أهلها تاريخيا على التجارة فإنه لا يوجد بداخلها سوق عامة ما عدا ما يتم من التبادل في ساحة السبخة

ومن أهم معالمها.

- المسجد:مسجد تيشيت العتيق ذو المنارة الشهيرة ويتكون من أربع قطع منفصلة لا يجمعها إلا الحائط الخارجي، وهذه القطع هي:

    - الكنفات: من الناحية الشرقية:وهي عبارة عن بيت عادي من الحجارة مفتوح في اتجاه الغرب له ثلاثة مداخل، بدون نوافذ، ولا تدخله الشمس إلا في أوقات الظهر والعصر، ولذلك كانوا يصلون فيه صلاتي الظهر والعصر في زمن الشتاء فقط.

    ويوجد داخل هذا الجزء وفي الزاوية الجنوبية الغربية منه قبر غير منقوش يخبرونك بأنه قبر«الشريف عبد المؤمن مؤسس المدينة» كما يشيرون عليك في الزاوية الشمالية الشرقية خارج الكانفات على قبر آخر كذلك غير منقوش على أنه قبر الحاج عثمان أحد الحجاج الوادانيين وزميل الشريف عبد مؤمن

    - السكفه: وعلى بعد 5 أمتار غربا (مساحة غير مغطاة) يوجد الجزء الثاني من المسجد ويسمونه السكفه وهو بناية تضم خمسة صفوف تصلى فيها الجمعة والصلوات الخمس، أما المساحة الغير مغطاة الموجودة بين الكنفات والسكفه فيخرج إليها الإمام كل ليلة 14 من ابريل حسب التقويم الشمس العمري من كل سنة لصلاة العشاء والمغرب والصبح فيها، وهذا الخروج معروف عند أهل تيشيت ويعبرون عنه ب: «ليلة خروج الإمام»

    - المنارة: توجد منارة مسجد تيشيت الجميلة في الناحية الجنوبية في نقطة شبه متساوية بين الكنفات والسكفه، وهي غير متصلة بأي منهما.

    - حجرة النساء: وهي حجرة ضيقة توجد قرب المنارة داخل حائط المسجد من الناحية الجنوبية.

    - الأبواب: لمسجد تيشيت أو لحائطه ثلاثة أبواب أحدها في الناحية الشمالية- والثاني في الناحية الجنوبية والباب الثالث هو الباب الرئيسي ويوجد في الغرب.

    ومسجد تيشيت هو المسجد الوحيد في المدينة. ولقد استمعنا إلى حكايات شفوية هنا وهناك من أطراف المدينة تتحدث عن:«كيف تم إفشال محاولات قام بها البعض لإقامة مسجد أو مساجد أخرى في أطراف المدينة.

- شوارع المدينة: ما تزال شوارع وساحات مدينة تيشيت تحتفظ بأسمائها القديمة الآزيرية أو الأؤداغوستية.ومن أشهر تلك الشوارع:

    - شارع «بَامْبِِّ»: ويعني وسط المدينة، وبه حفرة كبيرة تتجمع فيها مياه الشوارع الأخرى.

    - شارع كمكينَّ : وهو شارع مبلط الجوانب قديما ب «زرف» من الحجارة

    - شارع ديرار: وهو الشارع الذي ينتهي في المسجد من الشمال ويسمونه شارع الأئمة. وقد اهتم مشروع صيانة وتثمين التراث الثقافي الموريتاني بهذه السوح والشوارع وقام بتبليط بعضها بالحجارة المحلية.

- المكتبات الأهلية: يمكن -بدون مبالغة- وصف مدينة تيشيت بأنها مدينة المكتبات المخطوطة، بامتياز وتختص هذه المكتبات عن باقي مكتبات المدن القديمة بالكثرة على مستوى الكم والغنى والندرة على مستوى النوع والخطوط والأقدمية في تاريخ الخط، ولا يزال حتى اليوم (ابريل 2006) يتم العثور على مكتبات مطمورة داخل أنقاض الدور المنهارة، ومن ذلك مثلا مكتبة أهل الحاج أعمر التي تم العثور عليها في إحدى الخرائب مؤخرا، وقدمت لنا لأول مرة في:15/4/2006 من طرف عمدة المدينة وأثناء فهرستنا لهذه المكتبة الضائعة وجدنا شرح عبد الباقي للشيخ خليل مخطوطا بخط المؤلف.

- مقبرة مدينة تيشيت: معلم تاريخي مهم للباحث وتوجد في الناحية الشرقية من المدينة في منخفض سهلي وعلى مساحة لا تقل عن مساحة المدينة كلها. وأضرحة هذه المقبرة خالية من أي نقش بأسماء أصحابها، ويعزون سبب عدم النقش لفتوى شرعية تيشيتية تفيد عدم إباحة التعريف بأصحاب القبور.

- واحة تيشيت: وهي عبارة عن واد من النخيل متقطع الحدائق يمر غرب المدينة مقامة حدائقه على عيون ماء عذب قريب الغور وتتشكل حدائقه على شكل قطع صغيرة نظرا لاشتداد غزو الرمال المتواصل لهذه الواحة، وهذا الماء العذب المتفجر في أعماق الصحراء ربما يكون هو الذي جعل من وضعها العقاري المترجم عنه في نوازل الحريم والإحياء والمكوس معلما تراثيا غنيا، يجدر الاهتمام به وتخصيصه بدراسات سسيو تاريخية لا شك أنها ستسهم في إغناء الدراسات الاجتماعية الوطنية.

- السبخة: وهي مملحة قديمة توجد بالناحية الجنوبية للمدينة على بعد 3كلم تقريبا، وهي أحد شرايين الحياة الاقتصادية للمدينة وهي المكان الوحيد للتبادل على مستوى المدينة وبعبارة أخرى فإن تيشيت لا توجد بها سوق عامة ما عدا المملحة، وتتلخص حيوية هذه السبخة في أحد الأمثلة الشعبية التيشيتية الذي يقول: «عندك حڤ تيشيت واجدع تيشيت وآمرسال تيشيت، مانك فقير اتليت» أي إذا كان لديك حق من الإبل، ولديك شاب صغير «جذع» من الناس وعندك مملحة تيشيت، فأنت لا تعد من الفقراء.        ثانيا: تيشيـت والأفـراح:

تبدو مدينة تيشيت التاريخية - للمهتم بالفولكلور- كمدينة متخصصة في صناعة الأفراح وذلك لوجود فرق محلية دائمة ومتعددة بتعدد الجماعات التشيتية منتظمة خصيصا لإقامة الأفراح الشعبية. وتنقسم المناسبات الاحتفالية في تيشيت إلى قسمين:

مناسبات عامة يشترك أهل تيشيت في اعتبارها فرصة لإقامة الأفراح مع باقي المدن والجهات الموريتانية الأخرى، مثل الأعياد الدينية، وحفل ختم وبدء قراءة كتابي الشفاء للقاضي عياض وصحيح البخاري وكذلك حفلات الزواج.

مناسبات خاصة ب أهل تيشيت يقيمون فيها أفراحهم وتتظاهر فيها عامتهم ومن هذه المناسبات:

    - أفراح نزول المطر.

    - العيد السنوي لبمبارة.

    - الاستسقاء الشعبي المنظم من طرف فرقة بمبارة,

    - العيد السنوي لرابطة تكري وحفلات الزواج المنظمة من طرفها.

    - المهرجان السنوي النائم المعروف محليا ب “مقران”.

    - عيد المولد النبوي الشريف.

وتعتبر الفترة الممتدة ما بين 12 من شهر ربيع النبوي و18 منه من كل سنة وهي الأسبوع الفاصل بين ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم واسمه، فترة احتفالات وأفراح عامة في تيشيت، وتستعد كافة الجماعات والأفراد والفرق الشعبية التيشيتية لهذا الأسبوع الذي يدعونه:(الأيام الكبرى).

ويخطط الكثيرون منهم حتى يجعلوا من هذه الفترة موسما لاحتفالاتهم الخاصة كحفلات الزواج وختان الأولاد وإقامة الحفلات الموسيقية من طرف الفنانين المحليين.

وفي هذا الموسم يعود المواطنون التيشيتيون المنتشرون في كثير من البلدان للمشاركة في هذه الأيام شبه المقدسة، فتنشط فرقة بمبارة المحلية ويأخذ المواطنون زينتهم وتدب الحركة في داخل الفرق الشعبية المعروفة محليا بفرق تكري.11

ويحرص الفنانون التيشيتيون خاصة عائلة أهل بوجيجه على اشتراك آلتهم (عودهم) المسمى:“تكره” في هذه الأيام، هذا بالإضافة إلى النشاط الملحوظ الذي يطرأ على جماعة المسجد التي تختار من بينها أشهر البارعين في ضرب الأمداح النبوية، وتحرص على ختم ثلاث مدونات مدحية في هذه الأيام وهي:

- ديوان ابن مهيب

- همزية وميمية البصيري الشهيرتين    

عيد الفطر والأضحى

يحتفل أهل تيشيت بعيد الفطر والأضحى احتفالا عاديا على غرار النواحي الأخرى، ولا يتميزون عنهم إلا بحرص نسائهم على إعداد ما يسمونه “العيدية” التي تعدها النساء الغير متزوجات في الغالب ويتفننون في تنظيمها إما على شكل ملابس مختارة أو وليمة ترسلها النساء للرجال “الفضلاء” من المحتاجين أو ممن يستحقون الاحترام. وتنتظر النساء من الإكرامية صالح الدعاء أو إظهار الود وحسن النية تجاه ذلك الفقيه أو ذالك العالم. كما يتم التوادد بين الأسر وبين مناصريها في القرية ممن يسمون محليا “سكلات”.

- ظاهرة اتسكليل: لكل أسرة في تيشيت أسرة أخرى تقوم لها بوظيفة اتسكليل وهي عبارة عن مناصرة ذات طابع احتفالي توفر فيها السكلية أدوات الزينة وإشاعة المناقب وتوزيع أخبار الأسرة على أقاربها وأصدقائها “أتكنك” على الأقارب إبان الاحتفالات ويكون لهؤلاء الخوَلْ والحشم دور كبير في حفلات الزواج وأيام الأعياد ويسمون من يقوم بهذا النمط من المناصرة باتسكليل، ولا بد لكل أسرة تيشيتية من أسرة أخرى تقوم لها بهذه الوظيفة، وقد يكون لمن يقوم بوظيفة اتسكليل أسرة أخرى تناصره وتقوم له هو بهذه الوظيفة كذلك.

الاحتفال بدء وختم قراءة كتابي البخاري والشفاء للقاضي عياض:

عندما يهل هلال شهر رجب، تبدأ الناس رجالا ونساء وصبيانا بالتجمع في الساحة الواقعة ما بين “دار الفقيه” والمسجد، وذلك للاحتفال ببدء قراءة كتاب صحيح البخاري في الحديث الذي تستمر قراءته لمدة شهري رجب وشعبان، ثم تليها قراءة كتاب الشفاء من مستهل رمضان إلى نهايته ثم يتم الاحتفال بختم قراءة الكتابين حيث تحضر إلى جانب الرجال النساء والأطفال من كافة الأجناس، ويجتهد كل الحاضرين في أن يضع يده على كتاب البخاري ويحاول حمله على رأسه لأنهم يقولون أن من وضعه على رأسه بعد الختم، يكون أمانا له فلا يناله سوء طيلة السنة.

 

عيد الختان

من عادات أهل تيشيت القديمة أن يكون ختان الأولاد عندهم جماعيا، وعندما يقرر موعد معين لختان مجموعة من الأولاد، يقام فرح كبير في الليلة السابقة له، فتضرب الدفوف، وتشارك كل فرق الإنعاش.وتسمع الناس عامة الزغاريد والأغاني والرقص فيقال لمن هذا الفرح؟ فتكون الإجابة أن هذا احتفال بمناسبة ختان جماعي سيتم غدا في ساحة معروفة وسط المدينة، وكل جماعة تأتي بصغارها، ويأتي الطبيب التقليدي ويقوم بختان الأولاد أثناء ضرب الدفوف والزغاريد فلا يشعر الأولاد بآلام القطع، وعندما يقومون من مكان الختان تتم حركتهم العرجى على إيقاع الأغاني والزغاريد. وأخبرني الكثير من كبار السن في تيشيت من الرجال بأسماء أترابهم الذين شاركوهم العملية، وعن بعض الأغاني التي كانت تتردد أثناء ذلك الفرح الشعبي وأن كل جماعة كانت تحرص على الإشادة بخصال قومها من خلال نصوص تلك الأغاني12

 

الفرح بمناسبة سقوط المطر

عندما تتأكد ساكنة تيشيت من نزول غيث عام كاف لسقاية البلاد والعباد، يكون الجو مناسبا لاحتفال تنظمه نساء تيشيت خاصة، ويسمونه: “احتفال اسحاب” فتطلق فيه الزغاريد من نواحي المدينة، وتقوم نساء الطرفين “الجنوبي والشمالي” كل على حدة بالخروج إلى الجبل الموجود شمال وشرق المدينة، فكل فرقة تنزل في مرابعها المعتادة، وهي عبارة عن مغارات معروفة ب “اكنتور” بعد أن يسقن إليها شياها وتأخذن معهن عمالا لشي اللحم، ويظللن يوما وربما الليلة الموالية في جو احتفالي يرتمي فيه العذراء وغيرهن بالشحم واللحم ويرقصن ويغنين آخذين زينتهن لذلك الموسم المشهود عند أهل تيشيت وتعود النساء في المساء أو ضحى اليوم الموالي دافعات بقايا شحم ولحم شياههن مفتخرات بعضهن على بعض بذلك.

 

العيد السنوي لفرقة بمباره

في تيشيت توجد فرقة شعبية خاصة مزودة بطبول قديمة يطلقون عليها هناك “اطبول بمباره” وتتكون هذه الفرقة في الوقت الراهن (2006) من ثلاثة رجال وامرأة.

وحسب الرواية الشفهية لرئيس الفرقة الحالية فإن من عادة هذه الفرقة المساهمة في العديد من المناسبات الاحتفالية المحلية، وتنشط خاصة إبان الأعياد الدينية كالمولد النبوي والفطر، وفي المناسبات المحلية، وفي التعبئة العامة، والتحسيس، ولهذه الفرقة موسمان خاصان بها أحد هذين الموسمين هو:

 “العيد السنوي لبمباره”: ويحل هذا العيد بعد نهاية الكيطنة في موسم الخريف، وفي ذلك اليوم المعروف عند الفرقة تقوم فيه بتحضير دفوفها ولا بد فيه أن تجوب طرقات المدينة، وتمر بشوارع بعينها وتجول حول الأضرحة وهناك تجتمع عليها العامة، ثم يتوجهون إلى مكان مقدس عند الفرقة يسمونه “الشڤ” وهو عبارة عن شق في الجبل المحاذي للمدينة من الشرق، وفي هذه المغارة. تبقى الفرقة يوما كاملا مليئا باللعب والرقص وضرب الدفوف ويذبحون ذبائحهم ويحضرون أطعمتهم ويحرصون على عدم العودة بفضلات طعامهم بل يتركونها على صفائح حجارة تلك المغارة مدعين أنها موجهة إلى الأرواح والطيور والحيوانات. ولابد لهم من إيقاد نار ملتهبة وسط ميدان اللعب والرقص.13

 الاستسقاء الشعبي: عندما يتأخر المطر كثيرا عن مدينة تيشيت، تقرر فرقة بمباره يوما معينا للقيام باحتفال خاص بالمناسبة، ولابد أن يكون يوم الجمعة ويدعونه “الاستسقاء”، فيتوشح أفراد الفرقة طبولهم المعروفة شعبيا، ويقومون وهم يضربونها بإيقاعهم المعهود بمسيرة استعراضية داخل شوارع المدينة محددة بالاسم ويطوفون وهم يضربون الطبول بمضارب خاصة ويرفعون أصواتهم بأغاني باللغة البمبارية ويمرون أيضا بالأضرحة.

ويلتحق بالفرقة -أيضا- الكثير من المتفرجين من الصبيان والعامة ثم يتوجهون إلى مكان خارج المدينة يطلقون عليه هذه المرة “الشاهد” ويوقدون نارهم ويحضرون أطعمتهم عند ذلك المكان الذي يقولون أنه مكان دفن أول ولي من أولياء الله التيشيين يسمونة ألمين بن الحاج.

وفي هذه المرة لا حرج عليهم في العودة ببقايا الطعام، ويعودون مساء يغنون وينتظرون سقوط المطر على المنطقة.14

 

فرقة أهل بوجيجه الموسيقية

في موسم الاحتفالات بعيد المولد النبوي الشريف وغيره من الاحتفالات الدينية لا بد من أن ينزل إلى تيشيت أحد أفراد هذه الأسرة الموسيقية الشهيرة، ويشترك في المناسبات الدينية والأعراس والعقيقية، ويقيم هو لنفسه احتفالا خاصا به.

وقد زرنا محمد ولد يب ولد بجوده ولد بو جيجه في تيشيت وهو يجلس في ساحة عامة من ساحات المدينة (كمكينه) ويتأبط عوده الذي يطلق عليه (تَكرَه) ويضع أمامه حوضا صغيرا ويصطف من حوله النساء والصبيان وهو يعزف من عوده الثلاثي الأوتار الذي يدعي أنه يستطيع أن يضرب عليه ما لا يستطيع أصحاب الأوتار الخمسة أن يفعلوا. وكان بعض النساء التشيتيات يرقصن حول موسيقاه وإذا اشتد الطرب بإحداهن رمت ما معها من متاع وفي حوض يب هذا، وقد يهتز أحد الحضور طربا فيرمي ما معه من متاع أو نقود في ذلك الحوض.

 

 هيأة تكري الأهلية:

تكري : عبارة عن رابطة أهلية ذات طابع اجتماعي بعيدة الجذور في مدينة تيشيت، تنشأ وتنتظم عادة على مستوى رجال المجموعات المحلية، وينظم إليها طواعية رجال تيشيت دون مراعاة للفئة الاجتماعية أو العمرية، فدخلها الكبار والصغار والسادة والعامة.

وحسب أمينو ولد البشير الرئيس الحالي لتكري المسمى باسم الجماعة الشمالية(الشرفاء) والمعروف باسم تكري “ازحيله” وأمينو هذا رئيس هذه المنظمة منذ 1978م “فإن تكري عبارة عن تجمع أهلي قديم، وما نزال نحفظ أسماء الكثير من قادته عبر تاريخ تيشيت، ولقد جاء الفرنسيون وهو قائم وأقروه على حاله”.

ومن العادة أن ينظم إلى هيأة تكري هذه كل من أراد ذلك من الرجال من كل الفئات بعد إبداء الرغبة والموافقة على شروطه، وتقديم اشتراك رمزي، وهو عبارة عن مواد غذائية وأفرشة وآلات مطبخ ويطلعون العضو الجديد على أن دخول الهيأة وإن كان خاضعا لإرادة العضو في البداية فإن الخروج منها مرتبط بقرار تقديري من مكتب الإشراف على الهيأة الذي يتكون من:

- رئيس

- نائب للرئيس

- قاضي

- وسكلي، بالإضافة إلى خلايا تنشأ حسب عدد الأعضاء المنتسبة إلى الهيأة ولا يزيد عدد أعضاء الخلية الواحدة عن عشرة، وتسمى هذه الخلايا الأرباع، وكل ربع له رئيس ولهذه الهيأة هدفان رئيسيان هما:

1 - تنظيم حفلات الزواج في المدينة.

2 - القيام بأنشطة جماعية ذات طابع تضامني.

  ثالثا:تنظيم حفلات الزواج

عندما يتم عقد الزواج لعضو من أعضاء تكري أو لشخص يمت لهم بصلة، يستدعى رئيس الهيأة العضو المكلف بالتعبئة والتنظيم، وهو المعروف عندهم ب”السكلي” ويأمره بإطلاع جميع أعضاء الهيأة المتواجدين في المدينة و”اتكنك”: أي إطلاع أقارب الزوج والزوجة على الحدث السعيد، وتحديد مكان وتوقيت الحفل.

ويتم على الفور اختيار عضوين من أعضاء الهيأة ليقوما بمراقبة الزوج وحراسته، ويستحب أن يكونا في سنه ويقاربانه في الهيأة؛ ويحرم النطق باسمه علنا أو الجلوس معه على فراش واحد إلا من طرف الزميلين المختارين ولا يجوز لعضو من الأعضاء ربط نعل يماثل نعله. ثم توضع على رأس العريس غفارة حمراء ويعمم بعمامة بيضاء.

ثم تتداول الهيأة بكامل أعضائها في المدة التي سيتم فيها«ربط الزوج عن زوجته» هكذا يعبرون ويعمل جميع الأعضاء في تنظيم مكان خاص إما منزل الزوج أو منزل أحد الأعضاء ليعلن مقر إقامة العريس مدة الحفل وعدد أيام الربط.

وفي كل ليلة من ليالي الحفل يزف العريس من مكان إقامته إلى مكان الحفل، وعندما يتم إخراجه من المنزل إلى مكان الحفل تطلق العيارات النارية من مدافع تقليدية تملك المنظمة منها أنواعا محفوظة في خزائنها، ومن تأخر من الأعضاء عن وقت خروج العريس من المنزل لمصاحبته إلى مكان الحفل توضع عليه ضريبة تسمى “الكبظة” وأثناء كل ذلك يتم حجب العريس عن عروسته للمدة المقررة، ويسمون هذا الحجب بالربط.

وتمارس تكري سلطتها كاملة على أفرادها أثناء حفل الزواج، ويأخذون زينتهم وينعشون الحفل باللعب والرقص، ثم يتحلقون على شكل أرباع   كل ربع ينتظر مائدته الخاصة به، ويدور بينهم السكلي وأعوانه.

تكري والأعمال التضامنية:

تقوم هذه الهيأة بالإضافة إلى إدارة حفلات الزواج طبقا للعوائد التيشيتية، بتنفيذ أعمال ذات نفع عام، بمبادرة من أعضائها أو يطلب من غيرهم فإذا كانت مبادرة العمل الجماعي صادرة من رئيس المنظمة تتولى الهيأة بنفسها الإنفاق على أعضائها طيلة أيام العمل.

فكثيرا ما كانوا يتطوعون لإزالة الرمال عن حدائق نخيل الواحة، وقاموا في أواخر التسعينيات بإزالة الرمال عن مسجد تيشيت بعد ما كادت تقضي على الجزء الشرقي منه المسمى بالكنفات وعلى منارة المسجد من الناحية الجنوبية.

وقاموا ببناء وترميم مساكن بعض المحتاجين من أهل تيشيست وعندما تكون مبادرة العمل الجماعي صادرة من غير الأعضاء، فلا يكلفون الداعي لذلك إلا إطعامهم فترة المدة التي يعملون فيه ومن تخلف منهم عن أعمال عامة قررتها قيادتهم يضعون عليه غرامة يسمونها الغرامة الكبرى”تونْي” ومعناها مخالفة العادة، ومن مشاهير القادة القدماء:

- عيسى ولد همن ابريك

- داوود ولد أبريك

- الشيخ أحمد ولد عبد الله

- انطار

- العيد ولد كديَّ

- باب غزار

- ممو ولد همن كلاجي

ومن مشاهير الأعضاء من الشرفاء

- أحمد ولد عبد المومن

- احماه الله ولد إيد

- احمالت ولد بوعسرية

- محمد ولد حدي

- داداه ولد إيدَّه

وفي الظروف العادية تتابع قيادة “تكري” سلوك أعضائها ومن عاد منهم مثلا من غيبة عليه أن يجدد علاقته بالهيأة عن طريق تقديم هدية فإذا كان معه غنم يعطي منها شاة للهيئة أو إذا كانت معه مواد غذائية يعطي منها للمنظمة ما تيسر ومن ولد له ولد جديد لابد أن يسلم للمنظمة شاة ومن وصل إلى مرحلة “الدَّرميزْ” أي حلاقة الرأس جميعا يعطي شاة للمنظمة ويقام له احتفال من طرف أقرانه وكل أسرة تقدم لهم طعاما بهذه المناسبة. وإذا ارتكب أحدهم مخالفة سلوكية مرتبطة بعادات القوم ألزموه ضريبة “الكبظة” ولما سألنا قاضي تكري بابه كلَّه عن مرجعية العقوبات التي يصدرون في حق أعضائهم أجابنا بأنه “ينبغي أن تعلموا أنه لا دخل في أمر هيأتنا هذه لأصحاب الشريعة والدين بل الذي يحكم فيها هو تقاليد وعادات أهل تيشيت القديمة” والمثل الحساني المعروف “هذا دبش قاضي” ينطبق على قضاة منظمتنا تماما فهم يحكمون على المخالفين بما يرونه مناسبا لعاداتهم وقد يصل العقاب عندهم إلى السطو على مخزن المخالف وممتلكاته، بل قد يصل إلى عقابه البدني ووضع ظرف مملوء بآمرسال على ظهره وتركه في العراء لبعض الوقت وهذه القساوة جعلت بعض أعضاء هذه الهيأة يتظلمون منها أمام السلطات الفرنسية إبان حكمها لهم، ولما أخبروا بانتظام الناس في هذا النمط من التنظيم منذ زمن بعيد رفضوا التدخل في شأنهم.15

وفي أوائل سبعينيات القرن الماضي وقعت حادثة شهيرة في تيشيت معروفة بواقعة محمد الأمين بن داوود أحد أعضاء تكري المعروفين عندما قرر من تلقاء نفسه الخروج من الهيأة فطلب منه رئيسها أن يدفع مبلغا ماليا كبيرا مقابل ضريبة المخالفة الكبرى (تونْي) فرفض ولجأ إلى حاكم المقاطعة آنذاك المسمى المرتجي ولد مولاي أحمد، فأحال الحاكم أمر محمد الأمين هذا إلى قاضي المدينة آنذاك وهو احمالت ابن بوعسريه فرد القاضي على الحاكم بالرسالة التالية:

الحمد لمستحقه والصلاة والسلام على أفضل خلقه.

أما بعد فمع كامل السلام ووافر التوقير وكامل الاحترام إلى السيد الحاكم المرتجي بن مولاي أحمد مما أوجب الكتابة إليكم يسرني أن أدخل عليكم قضية من شأن سودان تيشيت يقال لها: “تكري” قديمة وربما يدخلها الشرفاء حتى أني دخلتهم رجاء أن أستعين بهم في البناء زمنا بعد أن ذكروا لي أن مبنى أمرهم على التعاون.

وقد أمروني مجتمعين أن أجدد لهم كتابة مؤسسين بها أمرهم إذ ذاك مفادها: أن الداخل بشيء خفيف والخارج لا يخرج إلا بإعطاء كثير عينوه وقتها في الكتابة، والحامل لهم على ذلك فساد الزمن والحرص على نظامهم، وأنتم تعلمون خبر شق العصا.

وحيث أتاكم محمد الأمين ولد داوود ردوه إلينا من دون جواب له. والسلام. وكتبه حمى الله بن عسريه قاضي تيشيت بتاريخ 1/10/1395هـ، ويبدو أن الحاكم أجاب القاضي برسالة لم نعثر عليها في محفوظات تكري في تيشيت إلا على جواب القاضي هذه الرسالة وهو: بتاريخ 10/11/1395هـ

الحمد لمستحقه والصلاة والسلام على أفضل خلقه، مع أكمل ما يليق بالمقام من التحايا والتبجيل والإكرام، إعلام السيد الحاكم المرتجي أنني ما كنت أظن أن الكتاب الذي أتاه به رئيس تكري فيه إشكال محتاج إلى الرجوع إلينا من جهة أن الذي اجتمع عليه جمع من الأحرار بالغين غير محجورين ووضعوه على أنفسهم طائعين غير مكرهين، لا يتردد أحد في لزومه عليهم كما أنكم تعلمون أن من تحمل بأمر شرعي يجب عليه أداؤه حسب الطاقة.

وهذا شخص محسوب آنذاك من أهل الحل والعقد، وهم من تمد إليهم الأيدي عند النوائب وفي نوازل الكصري وغيره أن أمرهم نافذ على غيرهم وأحرى عليهم، ولكن أنتم لكم السلطة وتعلمون السياسة وربما تقودون الشخص لقضاء الحق، مع علمه أن لابد من كونه إذا خرج يؤدي خروجه إلى مفسدة.

إن عمارة وعمل البدل يعتمد على اليدوبين، وأن عمارته وعمله للسودان، وأنتم أيها السيد / الحاكم تعلمون أن الزواجر ثلاث:

- زاجر التقوى وتغلبه الشهوة

- وزاجر المال وتغلبه الغنى

- وزاجر السلطان أقواها

وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين وقهر الرجال، وفي الاختتام مع كثير السلام سددوا واعطوا الذوي الحقوق حقوقه بلين ورفق أوردوا الشارد بالحالة اللائقة - حمى الله بن عسرية.

فرفض الحاكم القيام بأي إجراء تجاه محمد الأمين ولد داوود حتى اضطر بن داوود إلى دفع ما طلب منه أعضاء تكري أمام القاضي، وأرسل القاضي بذلك، رسالة إلى أي الحاكم تفيد بفض نزاع عضوية محمد الأمين ابن داوود وتكري تقول: الحمد لمستحقه والصلاة والسلام على أفضل خلقه.

أما بعد فالمسطور يعلم منه أن محمد الأمين بن داود خرج من مجمع قومه المسمى تكري الذي انعقد منذ مئات السنين واشترطوا في زمنهم أن الداخل يدخل بقليل من المال والخارج منهم يخرج بكثير، وفعلوا ذلك سياسة وحرصا على أن لا يتفرقوا، وقد قال صلى الله عليه وسلم من أراد أن يشق عليكم عصاكم فاقتلوه كائنا من كان.

ومحمد الأمين بن داوود خرج على قومه من غير سبب وعالجوه كل علاج يلين ورفض وعلى أن لا يشتت شملهم ويفرق مجتمعهم وعلقوا له الخروج على إعطاء شروطهم وأعطاها تامة بعد كتب ما في المقلوب، وبعد تاريخه بسبعة أيام. حمى الله بن بوعسريه.

 

 أفراح مقــران أو كوصخ: (مهرجان تيشيت الشعبي النائم)16

تفيد الروايات الشفوية المتواترة في تيشيت والعديد من الوثائق المخطوطة أنه كان في مدينة تيشيت مهرجان شعبي أو ألعاب ذات طابع ديني تقام سنويا على مدار قرون من الزمن في المدينة في الفترة مابين ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. وتوقف هذا المهرجان منذ مارس 1325هـ17

ويخص هذا المهرجان أساسا الشباب في تيشيت منطلقا من عادة عندهم هي أن الشباب الذكور الذين سيحلقون رؤوسهم الحلاقة الفاصلة بين فترة المراهقة وفترة الرجولة (تسمى شعبيا بالدرميز) تقام بشكل جماعي كل سنة وتختار لها الأيام السبع الفاصلة بين ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وبين اسمه.

وتسمى هذه الأيام عند أهل تيشيت بالأيام الكبرى أو الأيام المقدسة، فكل أسرة لها ولد سيقوم بهذه الحلاقة الجماعية تجمع له أسرته “الآلة” من ملابس وحلي ومواد غذائية وأدوات زينة ويبدأ سكان الناحية الجنوبية بتشكيل فريقهم الذي سيشارك في هذه المناسبة بقيادة من رشحوه لأن يكون “مقران” ذلك العام ويقوم سكان الناحية الشمالية (الشرفاء) بتشكيل فريقهم لهذه المناسبة.

ومنذ شهر صفر يشكل كل فريق لجانا لجمع التبرعات والهدايا، وحسب العادة فلهذه اللجان الحق كذلك في اقتحام البيوت إذا رفض أصحابها دفع ما هو مطلوب منهم”، ولا يحق للمعتدى عليه أن يشتكي لأن العادة لا تحرم ذلك النوع من التصرف بهذه المناسبة.

وعند ما يقترب المولد النبوي الشريف يكون الشباب في الناحيتين من تيشيت قد أعد عدته وأخذ زينته، وتكون كل ناحية قد اختارت بطلها (مقرانها) لذالك العام. ويسمى هذا البطل قبل نهاية المهرجان واختيار الأفضل من طرف الجميع “المعقود عليه” وتبدأ الناحيتان في تحسين صورة معقودهما وإلباسه كافة أنواع الحلي والأقمشة وتتزين فتيات كل ناحية بأنواع الزينة حتى الأولاد الصغار بما في ذلك الرضع وتعم البهجة والأفراح أرجاء المدينة.

وليلة بلوغ هلال الربيع النبوي أثنتي عشرة ليلة تنطلق الاحتفالات حول مسجد تيشيت بعد خروج المصلين من العشاء الأخيرة، فتوقد الشموع الزيتية بجدران المسجد بعد تنظيف ساحاته وتزين بتعليق المصابيح عليها ويصطف الناس في الناحيتين الشمالية والجنوبية، كل فرقة تحمل طبلها، فتضع فرقة ماسنه طبلها عند الباب الجنوبي في المسجد وتضع فرقة الشرفاؤ طبلها عند الباب الجنوبي له، ويخرج المعقود عليهما يتقدمان فرقتيهما وقد علق عليهما من الذهب والفضة وقلائد الجواهر الكثير، ولا بد أن يكون كل منهما قد تعلم الكثير من متون العلم وشرب من معين الثقافة كالشعر والسير والموسيقى ... ولا بد أن يكونا قد أوتيا من الجمال الجسدي نصيبا وافرا ويكون التنافس بين البطلين حول:

- جمال صورة المعقود عليه الجسدية

- حفظه للمدائح والأشعار

- حفظه وتجويده للقرآن الكريم

- مهارته في الغناء وحسن الصوت.

وكان الجميع يسمح لكافة أعضاء الأسرة بالخروج للمشاركة وتكثير سواد الأهل وتبيت الحناجر والدفوف والزغاريد صادحة بألوان المديح النبوي بكل لغات المدينة (عربية، أزيرية، بنبارية...).

وكان التجار حينها يساهمون في تمويل هذا المهرجان الهام لكي يتمكنوا من بيع بضائعهم أثناء موسم الاحتفالات ويستمر هذا الحفل البهيج حتى السدس الأخير من الليل ثم يلتئم في الموعد نفسه في الليلة الموالية  حتى الثامن عشر من الربيع الأول (يوم اسمه صلى الله عليه وسلم).

وعند نهاية المهرجان تظهر براعة وجمال صورة وحسن خلق وقوة حافظة وسرعة بديهة أحد المعقود عليهما فيدعى على ألسنة العامة “مقران” تلك السنة.

ويبدو أن لهذه الألعاب أو الاحتفالات (المهرجان) اسمين أحدهما هو الاسم الرائج على ألسنة العامة في تيشيت وهو ألعاب مقران والاسم الآخر الغير مستعمل حاليا وهو: ألعاب كوصخ

أما كلمة مقران فحسب استقرا آتنا من كبار السن في تيشيت وفي غيرها فتعني: الشيخ أو البطل، ونفس المعنى تحمله الكلمة “مقران” في جنوب الجزائر18

وإن مبدأ وأصل هذه الألعاب أو الاحتفالات حسب فتوى محمدو ولد أحمد الصغير قد استفاده أهل تيشيت من تينبكت وهو أن شيوخ تينبكت كانوا يجتمعون ليلة الميلاد وعلى مدار الأسبوع ويمرون بالأزقة يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم بالمدح ويقفون عند كل باب ثم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم19 ثم تطورت المسألة في تيشيت حتى كان شبابها يتهيأ كل سنة قبل أيام الميلاد بأشهر لكي يقيم مهرجانا شعبيا ذا طابع ديني بجوار مسجد تيشيت العتيق لمدة أسبوع في الفترة الفاصلة بين الميلاد والاسم.

وليلة بلوغ هلال ربيع النبوي اثني عشر يوما تنطلق الاحتفالات بعد خروج المصلين من العشاء الأخيرة، فتوقد الشموع الزيتية بعد أن تنظف الساحة الواقعة أمام مسجد تيشيت العتيق وتزين بتعليق المصابيح على جدرانها، ويصطف الناس في الناحيتين إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال ويخرج المعقود عليهما مع فرقهما من خدم وحشم وقد علق عليهما من دماليج الذهب وخلاخيل الفضة وقلائد الجواهر والأقمشة الجميلة والحاجة النادرة الكثيرة من ذلك ولا بد أن يكون المعقود عليهما قد تعلما الكثير من متون العلم، وعب من معين الثقافة العامة والشعر والسير الكثير وأوتيا من الجمال نصيبا

وينطلق التنافس بين الفريقين، ويسيطر في هذا التنافس أمر جمال صورة المعقود عليهما وحفظهما للمدائح النبوية والأشعار والقرآن الكريم ومهارتهما في الغناء والرقص... يكون ذلك هو المسيطر طيلة المهرجان لكن الأمر لا يصل إلى درجة الفتنة، وإنما يظل مجرد تنابز بالألقاب وتنافس ينتهي مع انتهاء أيام المهرجان في اليوم الثامن عشر من ربيع النبوي.

وكان الجميع يسمح بالخروج لأسرته للمشاركة وتكثير سواد الأهل والجماعة، وتظل الدفوف والزغاريد والحناجر صادحة بألوان المديح النبوي بكل لغات المدينة عربية أو أزيرية أو بنبارية.

ثم ما تلبث تلك الحناجر أن تبدأ في مديح جهاتها وجماعاتها ويستمر الحفل حتى السدس الأخير من الليل، ثم ينفض ويلتئم في الليلة الموالية بالمكان نفسه، وتستمر الأفراح إلى الليلة الثامنة عشر من ربيع النبوي حيث يلملم الجميع أمتعته حتى السنة القادمة، بعد أن تظهر براعة أحد المعقود عليهما وجمال صورته وحسن خلقه وخلقه وقوة حافظته وسرعة بديهته  وجدارة بني جلدته بالاحترام...فيلقب مقران تلك السنة على ألسنة العامة.

ويبدو أنه كان لهذه الاحتفالات أو الأفراح أهداف متعددة:

أولاها: الاحتفاء بعيد المولد النبوي الشريف وتلك ظاهرة مشهورة في المدن الموريتانية القديمة وخاصة مدينة تيشيت

وثانيها: إبراز شمائل ومناقب المجموعات المحلية، العلمية والمادية وتفوقها في كثير من النواحي، ويتجلى ذلك في كون المعقود عليهما لا بد أن يكونا متفوقين في الدراسات العلمية وكذلك مظاهر البذخ التي يحرص كل طرف على إبدائها طيلة المهرجان.

ثالثها: إشاعة الفرح بين شباب يعيش حالة من الكبت والخوف في جو تندر فيه مناسبات المسرة والحبور المفتوحة.

رابعها: هو أن هناك أهدافا تجارية كان تجار المدينة يحرصون بسببها على استمرار ديمومة هذا الحدث لتوافد الناس عليه من الحواضر والبوادي.

ثم إن الفقهاء رأووا فيه خروجا على الشرع، وناقشوه من هذه الزاوية لكن توقفه لم يكن سبب الفتاوى الشرعية لأنه عندما طرح الفقهاء تساؤلاتهم حول بعض المسلكيات التي قد تصاحب هذا المهرجان، أفتى الشريف حمى الله في نوازله باعتبار “لعب عيد المولد مقران” من البدع الجائزات... وظل هذا المهرجان الشعبي ذو الطابع الديني متواصلا كل سنة معبرا عن ظاهرة ثقافية واجتماعية لها شأن كبير واهتمام بالغ في مدينة تيشيت طوال قرون من الزمن. ورغم المؤلف الضائع الذي ينسب لأحمد الصغير (ت1272) المعروف في تيشيت ب: نصيحة الأقران في تحريم مقران فإن الناس لم ينتهوا عن معاودة تنظيم مهرجانهم كل سنة، وظل الجدل الفقهي متواصلا ووصل إلى منطقة “القبلة” وكانت إجابة ولد متالي في شأنه موجودة في المكتبة الوقفية إلى وقت قريب حسب داده ولد أيده20.

وأثر هذا النقاش الفقهي على شكل وحجم المهرجان لكنه لم يوقفه نهائيا، فجاء دور الفقيه الورع محمدو ولد أحمد الصغير ت(1324)فألف فتوى بعضها منثور وبعضها على شكل أرجوزة موجهة إلى الآباء والتجار الذين يمولون هذا المهرجان، طلب منهم فيها الامتناع عن تمويله ومنع أبنائهم من التوجه إليه معللا موقفه بما يحصل فيه من الاختلاط ونوم عن الصلاة فلم يتوقف المهرجان، وعندما أدرك عدم جدوائية تأليفه هذا، تروي فاطمة بنت داده ولد المختار: قالت لي جدتي شاسري بنت محمدو بن المحدة الحاجية أنه عندما يبدأ أحد أفراد العيل “الفتيان” “إحسن” يدبر لهم والديهم في الآلة الكاملة، ويقطعونهم بالجيف ولكحال.

ومن ليلة ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم اسمه وفي كل ليلة يأخذ أهل الناحية “الزر” الجنوبية طبلا يضعونه في باب المسجد الجنوبي ويضع أهل الناحية “الزر” الشمالي طبلا بباب المسجد الشمالي، ويجتمعون عند الباب الأوسط الغربي ويبدؤون “الهول” والمدح والرقص...

ولم يكن محمدو ولد أحمد الصغير على علم بهذا لقد كان محجوبا عنه عمدا لأنه ظن أنه توقف بسبب فتواه وفتوى أبيه، حتى مقران الأخير، عندما عاد محمدو هذا من صلاة العشاء ارتفعت أصوات أهل المهرجان كثيرا وسأل محمدو عن ذلك فأخبر به فأخذ فراشه ووضعه في ساحة لعب الجماعتين وأخذ يصلي فلما رآه الشباب من الطرفين وضعوا طبولهم جانبا وتلثمت مجموعة منهم وحملوه وتوجهوا به إلى منزل امرأة وحيدة أجنبية وفتحوا بابها ونادوا عليها يا فلانة لقد جاءك العالم محمدو قومي وانزلي عنه فنادت هي من جانبها “يا وني” يا أهلا بالعالم أنت اتصل بك السفهاء هذه الليلة؟ أجابها لقد تسببت في ذلك وأغلقوا عليه الباب حتى انتهوا من لعبهم ففتحوا الدار وأعادوا المرأة إلى دارها وأرجعوه هو إلى بيته لكي لا تفوته صلاة الصبح.

 وكانوا حسبما قالت لي جدتي يبالغون في الزينة حتى أنهم يلوون للأولاد والصغار لي النساء ويحملونهم على أكتافهم21 وآخر الرجال الذين شاركوا في احتفال مقران وهم شباب: أبو بك ولد أحمال ولد المختار الشريف، وأحمال ولد محمدو، ومحمد لشواف22

ثم قام محمدو الصغير بعد ذلك وقعد، وقال إنه لا يسكن تيشيت ما دام مقران يقام فيها وتوقف مقران نهائيا بعد آخر مقران المواقف لشهر الثالث من سنة 1324هـ. وهي من ناحية سنة وفاة العالم محمدو ولد أحمد الصغير ومن ناحية أخرى سنة وقوع المنطقة في قبضة الفرنسيين

ويقول داده ولد أيده في حديثه عن مقران بأنه توقف بسبب غياب دولة المال وكلام الفقهاء فيه23،

 نظم محمدو بن أحمد الصغير حول مقران:

الحمد لله الذي أبان كرمـا

                      ربيـعا الأول فيمـا أكرمــا

وخصه بين الشهور كلهـا

                     بما به قـد صار مـن أجلهـا

من كونه قد كان شهر مولـد

                      كـل النِّسا لمثلـه لـم تلــد

أفضل مصطفى عباد الصمد

                      نبيُّنــا سيـدنـا محمـــد

صلـى وسلـم عليـه أبـدا

                      وكـل مـن بدينـه تعبــدا

هـذا وفضـل مولـد النبي           

                      بـادٍ لـدى الذكـي والغبـيّ

لا يمترى في قدره المنيف

                     مـن ينتمي لدينـه الحنيـف

فهـو مـن أعياد هذ لأمة

                      كما به قـد صـرح الأئمَّــهْ

محتـرم لديهـم معظــم

                      لمــا بــه نبينـا يعظــم

ككثـرة الصـلاة والسـلام                                            ومـدحـه بطيــب الكــلام

من نثر وشعر يثير ما كمـن

                     مـن حب أكرم نبي مـؤتمـنْ

ونحو ما يفعل فيـه من لباس

                  جميع الأثواب وما في الكل باس

كمقتضى السرور من كل مباح

                   أحلـه الشرع العزيـز وأبـاح

أما الذي حرمه الشـرع كمـا

                    رسـخ في بلـدنا واستحكـما

مـن لعب يدعـونه مقـران

                    يخشى به على القلـوب الـران

فالعلمـاء صرحوا بالمنـع

                     بفعل ما فيـه خلاف الشـرع

من كل ما ابتدع في الميـلاد

                       الانـور للفسـاد في البـلاد

فيه اجتماع للنساء والرجـال

                     ونحوه من كـل منكـر يحال

كالسيـد المختـار والحفـار

                   وصاحب المدخـل والمعيــار

وغيـرهم لأن تعظيـم النبي

                     بما يحرَّم قصـارى لعجــب

وإنمــا التعظيــم بأتبـاع

                     مشروعه وتــرك الابتــداع

وليـس يختـلف في هـذا أحد

                   من علمـاء شرع ربنـا الأحـد

هـذا ومقـران القبيـح ألفـا

                     والـدنـا في منعـه مـؤلفــا

وإن “كوصـخ” إذن لمنكــرا

                    ليس لمـن يعـرفه فيـه أمتـرا

كـاد يكـون كالـذي قد علما

                      ضرورة من كل ما قـد حرمـا

وجاحد والضروري من ذي الدين

                 قد كفره من صنفـوا في المعتقـد

كتـرك أهلـه صـلاة صبحـه

                    إلى الضحى وذاك بـان فتحـه

إذ تارك الصـــلاة بعض العلما

                       كفَّــره كمـا حكــوه حكما

لأنـــه نسبــه ثبت لبيـب

                   لمذهب ابـن حنبل وابـن حبيب

وللمحــدثين والجمهــــور

                   مذهبهـم في تــركهـا مشهور

وليـس يخلـو من محـرمـات

                     أخــرى وأشيــاء مؤثمـات

منهــا تزاحم أجانب الرجــال

                 مــع فواسق النساء في المجـال

في الطرقات الضيقات والرحاب

                  مع التبـرج وبئس الاصطحـاب

كــذاك أخــد أهلــه اللباس

                       لـه بأشيــاء تثيــر الباسـا

مثل التســـور على الديـار

                     وأخذهـا بالجـور والإصــرار

والاختلاس ومحرم الســؤال

                   وغيـر ذا عمـا يضـر بالمـال

غـالبهـم يصنــع ما يشاء

                       مـن ذا ولا يمنعــه الحيــاء

ولا مبــالاة بــدين اللـه    

                     لشغــل بالــه بذي المـلاه

والعلــوي قال في المـراقي

                    مـا صد عـن مقران كـل راق

ما ربنــا لـم ينه عنه حسن

                وغيـره القبيـح والمستحســن24

وأخيرا ومن أجل إحياء الفولكلور الشعبي الاحتفالي في مدينة تيشيت التاريخية وخاصة مهرجانها الشعبي النائم منذ قرابة قرن ينبغي في رأيي القيام بعدة نشاطات احتفالية على النحو التالي:

- إقامة مهرجان شعبي في تيشيت خاص باحتفالات المدينة يتم فيه استعراض كل الأنماط الاحتفالية التي ما تزال حية في المدينة ومحاولة خلق تنافس إيجابي بين هذه الفرق الأهلية التقليدية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل احتفال شعبي خاص بأهل تيشيت يتكون تلقائيا من فرقتين إحداهما تمثل الناحية الجنوبية(ماسنه) والأخرى تمثل الناحية الشمالية(الشرفاء) إلا فيما يتعلق بفرقة بمباره فهي وإن كان لها موسمان متمايزان إلا أنها مستقلة عن صراع الجنوب والشمال التقليدي.

- العمل مع المجتمع المدني المحلي وقطاع الثقافة والسياحة والهيئات الدولية على خلق الأسلوب الأفضل لإحياء مهرجان مقران.

- القيام بعمل ميداني مماثل في المدن التاريخية الموريتانية الأخرى من أجل نشر سلسلة فولكلور المدن التاريخية. 

 

الهوامش والمراجع

1: الموسوعة العربية الميسرة الصادرة عن دار الشعب مؤسسة افرانكلين للطباعة بإشراف محمد غربال ص1338ط25

2: خلاصة نتائج اجتماع خبراء العرب حول دور التسجيل وقواعد البيانات في الحفاظ على المعارف التقليدية والفولكلور المنظم في القاهرة في الفترة ما بين 30-11حتى1/12/2005 وخاصة مداخلة د- أحمد مرسي رئيس الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية ذلك الاجتماع الذي انعقد في مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي المصري بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة

3: مرمول كرفخال من مواليد غرناطة في ق16م، شارك في احتلال مدينة تونس على يد الإمبراطور شرلكان سنة 1535م، ثم التحق بالسلاطين السعديين في مراكش، وكانت إقامته في المنطقة قرابة اثنتين وعشرين سنة، وعند عودته كتب كتابه عن إفريقيا. وقد ترجمته عن الفرنسية سنة 1984م لجنة من الأساتذة المغاربة، وطبعته مكتبة المعارف. أنظر القبائل البيضانية في الحوض والساحل الموريتاني وقصة احتلال فرنسا للمنطقة، تأليف بول مرتي، تعريب محمد محمود ولد ودادي ص14

4: أنظر صفحة 115-116 من جزء نوميديا من كتاب وصف إفريقيا للحسن ابن محمد الوزان الفاسي المعروف ب ليوه الإفريقي ترجمة محمددلحجي – محمد الأخضر ط دار الغرب الإسلامي – بيروت .

5: إنارة المبهم والمظلم من أنساب بني عبد المؤمن ومحمد المسلم مخطوط محفوظ في المكتبة الوقفية بتيشيت ضمن مكتبة الفقيه محمد بن حمى الله مسجل تحت رقم 1054

6:  إنارة المبهم والمظلم من أنساب بني عبد المؤمن ومحمد المسلم مصدر سابق

7: مؤلف النظم هو محمد مولود ابن محمد بن المختار الملقب أمرابط أغشممت ابن حبيب الله ابن أعمر ابن محمد ابن أحمد وينتهي نسبه إلى عبد الله ابن بادل ابن آد المجلسي ص1 من شرح  الشيخ سعد أبيه لهذا النظم المسمى كشاف حجب الأستار عن وجه رموز سلم الإظهار مخطوط مسجل تحت رقم 2398 بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي

8: كشاف حجب الأستار عن وجه رموز سلم الإظهار للشيخ سعد ابيه ولد محمد فاضل ص38 المصدر السابق

9:  أنظر نص فتوى محمد صالح ابن عبد الوهاب مخطوط محفوظ في حوزة الدكتور محمد ولد بوعليب أستاذ لمادة الأدب بكلية الآداب جامعة انواكشوط

10: المنارة والرباط تأليف الخليل النحوي تونس 1987م.ص69-70

11: الشريط رقم 2 من بعثة تيشيت

12: الشريط رقم 1 من تسجيلات بعثة تيشيت مصدر سابق

13: الشريط رقم 1 (مصدر سابق)

 

14: الشريط رقم 3 من تسجيلات بعثة تيشيت.

15: الشريط رقم 5 من تسجيلات بعثة تيشيت.

16:  الشريط رقم 5 من تسجيلات بعثة تيشيت.

17: الشريط رقم 3 من تسجيلات بعثة تيشيت

18:  في كتاب تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس للقاضي محمود الكعت التينبوكتي أن أزكي الحاج محمد (أشهر ملوك الأساكي) لما أستتب له الملك  حج بيت الله الحرام وطلب من أمير مكة أن يغطيه واحد من الشرفاء ليتبركوا به. ولما قرب هذا الشريف الصقلي  من تبنبكتوا رأى الإمام محمود بن عمر بن أقيت في المنام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحد عاشر ذي الحجة وبعيره جاث، فقبله الشيخ ثم قال له  يا محمود إنه يقدم عليكم اليوم حفيدي ... فإذا أتاكم فانزلوه قرب المسجد والماء والمقابر والسوق ثم نبح كلب فوثب بعير النبي صلى الله عليه وسلم فانتبه الشيخ وتوضأ لما انفلق الصبح فأقبل على مجثي البعير فدور على ذلك الموضع بهراوته وسماه كصخ واتخذه أهل تينبكت موضعا يمدحون فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام العظام ص16-17-18 من كتاب الفتاش الذي وقف على طبعه السيد هوداس مدير اللغة العربية بباريز وشاركه السيد دلافوس مدرس اللغات السودانية    

19: الشريط رقم 1 من تسجيلات بعثة تيشيت (مقابلة مع داده ولد أيده)

20: أفادنا السيد الشيخ سيد أحمد ولد باب مين بأن كبار السن في جنوب الجزائر أخبروه بأن لفظة مقران تطلق على الشيخ وعلى البطل

21: فتوى نثرية مخطوطة للفقيه محمد ولد أحمد الصغير محفوظة في مكتبة أهل أحمدو الصغير في تيشيت

22: المرجع شريط كاست رقم    3 المسجل ضمن بعثة المعهد الموريتاني للبحث العلمي إلى تيشيت في الفترة ما بين 8/4 حتى 22/4/2006

23: لمرجع الشريط رقم   3  من بعثة المعهد الموريتاني للبحث لعلمي مسجل في الفترة ما بين 8/4 حتى 22/12/2006 مع إما مسجد تيشيت الحالي

24:  

25: الشريط رقم 1

26:  الشريط رقم 4

 

أعداد المجلة