فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
13

الثقافة الشعبية بين معطيات الماضي وتحديات الحاضر

العدد 13 - التصدير
الثقافة الشعبية بين معطيات الماضي وتحديات الحاضر
معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية جامعة الخرطوم

تمهيد:

تفاعل البيئة والإنسان، وتناغم الزمان والمكان، وتواصل الأحفاد والآباء والأجداد، واندغام الفرد في الجماعة والجماعة في الفرد كلها من سمات الثقافة وخصائصها. والثقافة الشعبية تحديدا تمثل للوجدان الجمعي المتجذر في التاريخ والصادر عن مبادرات وإبداعات أفرادها وتجلياتهم المتوجة بميمها تعبيرا عن القبول والاستحسان والجدارة. وذلك الاستحسان الذي تعبر عنه الجماعات بالإقبال الطوعي والمشاركة والحرص التام عن صون تلك الإبداعات وتداولها.

تتناول الفقرات التالية في شيء من الإيجاز التحدي الذي يواجه الثقافة الشعبية من خلال مقارنة ما كان عليه الحال وما آل إليه. وذلك من خلال موضوعين يحتاجان لمزيد من الدراسة وهما:

أ- الحرص على الروح المجتمعية والإبداع الشعبي الأصيل.

ب- التفاوت في استخدام الحواس والمهارات اللغوية وتأثيرها على الإبداع.

 

- الحرص على الروح المجتمعية والإبداع الشعبي الأصيل:

يتم التعبير عن الإبداع الثقافي الأصيل في سياق مجتمعي يشارك فيه الصغير والكبير، الرجل والمرأة، والحاذق وغير الحاذق، و«المتعلم» ومن هو في طور التعليم الذاتي. ولذلك نجد الكبار الحافظين للنص والمجودين للإيقاع جنبا إلى جنب مع الأطفال (أو حتى الكبار) المبتدئين وغير المتقنين؛ الأمر الذي يجعل ساحات الإبداع الثقافي مهرجانا فنيا وتربويا وإعلاميا متكاملا له هدف ومعنى ودلالة لدى الأوساط الشعبية والمجتمعات التقليدية الصادر عنها والمعني بخدمتها. فهو منها واليها. فعلى سبيل المثال إذا نظرنا في الطريقة التي تؤدى بها الرقصات الشعبية (كمثال لفنون الأداء) في مجتمعاتنا المعاصرة، نجد أنها تغلب عليها المهنية العالية Professionalism. وتفقد روح التعلم الذاتي والتلمذة التقليدية Apprenticeship. فالصفوف المتراصة بانضباط يشبه طابور العسكر، والأغاني والأهازيج والألحان التي لا تعلو عن مقاماتها قيد أنملة تصبح الهدف الرئيس لتلك الفنون الأدائية. ومعنى ذلك أن الأهداف الفنية والمقاصد السياحية طغت عن الأهداف الأخرى.

 

- التفاوت في استخدام الحواس والمهارات اللغوية وتأثيره على الإبداع:

الثقافة الشعبية تتطلب حضورا كاملا للحواس الخمس: العبق، والأريج، والنغم والإيقاع، والمذاق والطعم، واللمس والنظر تتفاعل جميعها فتشكل مجمل الثقافات الشعبية بإبداعاتها المختلفة. وأهم من هذا وذاك فالروح الجماعية Communal Spirit تبعث الحياة في عناصر الثقافة الشعبية، ومدى تأثيرها على الأجيال الناشئة، وعلى قدرتهم الإبداعية ومهاراتهم اللغوية تحديدا.

إذا كان جيل الآباء والأجداد يتعامل مع الثقافات الشعبية في سياقها الأصيل، فذلك التعامل يتم من خلال الاستخدام الكامل لجميع الحواس الخمس، وفي جو تسود فيه الروح الجماعية. وفي مقابل تلك الصورة تجد صورة الشاب (أو الطفل) الجالس منفردا أمام جهاز الحاسوب. هذا إن لم يكن يقضي جل وقته مع «محطة الألعاب Play Station» التي تزيده اغترابا عن أهله ومجتمعه. يتم ذلك التعامل في جو تسوده الروح الانفرادية في مقابل الروح الجماعية وفي قصور لاستخدام الحواس والمهارات اللغوية.

بداية التعامل مع جهاز الحاسوب يتم من خلال اللمسة Touch والومضة Blink (أي من خلال حاستي اللمس والإبصار) ومن ثم تأتي الصورة ويأتي الصوت، ونفتقد كل ما يتعلق بحاسة الشم. وأما بالنسبة للمهارات اللغوية الأربع (الاستماع والكلام والقراءة والكتابة) فلقد أثر الاعتماد المتزايد على القراءة والكتابة، وعلى آلات التسجيل ووسائل الحفظ والتخزين، أثر سلبا على القدرة على الارتجال Improvisation التي كانت من أهم وأمتع خصائص التراث الثقافي.

نحتاج إذاً للانتباه للآثار السالبة للتقانات الحديثة على الرغم من أهميتها. كما نخشى على الثقافة الشعبية من سطوة المهرجانات والكرنفالات في زمن أصبحت فيه الثقافة تجارة وصناعة.

أعداد المجلة