فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
15

القهوة العربيّة

العدد 15 - أدب شعبي
القهوة العربيّة
كاتب من سوريا

القَهْوَةُ: من أسماء الخمر، قيل سُمّيت بذلك لأنّها تُقْهِي، أي تذهب بشهوة الطعام، وأقْهَى الرَّجلُ، إذا قلَّ طُعمُهُ، قال المرقّش الأصغر:

وما قهوة صهباء كالمسك ريحها

بأطيب من فيها إذا جئت طارقاً

تعلّ على الناجود طوراً وتقدحُ

من الليل بل فوها ألذُّ وأنصحُ(1)

وقال رجل من بهراء:

ألاعللاني من سلافة قهوة

أظنُّ خيولَ المسلمين وخالداً

تسلي هموم النفس من جيّد الخمرِ

ستطرقكم قبلَ الصباحِ من البشرِ2

أمّا في أيّامنا هذه فالقهوة تعني مغليّ البنّ، والمقهى: مكان عام تُقدّم فيه القهوة والشاي ونحوها من الأشربة.

 

يروى أنّ أوّل من اكتشف القهوة المتّخذة من البنّ المجلوب الذي ينبت في اليمن هو الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعيدروس المتوفّى عام 909 للهجرة، وكان أصل اتّخاذه لها أنّه مرّ في سياحته بشجر البنّ فاقتات من ثمره حين رآه متروكاً مع كثرته، فوجد فيه تخفيفاً للدماغ واجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة، فاتّخذه قوتاً وطعاماً وشراباً، وأرشد أتباعه إلى ذلك، ولا زال يطلق على البكرج الذي تغلى فيه القهوة اسم الشاذلي في بعض مناطق الشام ومصر، ثمّ انتشرت القهوة في اليمن ثمّ في بلاد الحجاز ثمّ في الشام ومصر، ثمّ سائر البلاد، واختلف العلماء في أوائل القرن العاشر للهجرة في القهوة، حتّى ذهب إلى تحريمها جماعة منهم الشيخ شهاب الدين العيثاوي الشافعي، والقطب بن سلطان الحنفي، والشيخ أحمد بن عبد الحقّ السنباطي تبعاً لأبيه، والأكثرون ذهبوا إلى أنّها مباحة3.

أمّا في الغرب فلم تُعرف القهوة في أوروبا إلاّ في القرن السابع عشر للميلاد، وفي أوائل ذلك العصر فتح أوّل مكان لشرب القهوة في إستامبول ثمّ في فينّا ثمّ في إنجلترا عام 1652م وألمانيا وفرنسا وباقي جهات أوروبا، وقد أراد شارل الثاني أن يغلق المقاهي في إنجلترا لأنّها مصدر للمشاغبات السياسيّة، ومركز لتحريض الشعب ضدّ الحكومة، ومنبع للحركات المخلّة بالأمن، ولكن هذا وذاك لم يحولا دون انتشار القهوة، فانتشرت حتّى كاد لا يخلو منها مكان فوق البسيطة.

ويقدّر البعض أنّ أصل القهوة من الحبشة ويعزى اسمها إلى قرية صغيرة فيها تدعى "كفا"، وينبت البنّ هناك من تلقاء نفسه، وانتقل من الحبشة إلى اليمن، وانتشرت من اليمن إلى باقي الأصقاع في جنوب بلاد العرب، وبلغت جاوه، فسيلان، فسورينام 1781، فجاميكا، فجزر الهند الغربية فالبرازيل وأمريكا الجنوبية4.

وشجرة البن دائمة الخضرة، ترتفع ما بين مترين إلى خمسة أمتار، والتقليم الجيد يفيدها في الاحتفاظ بجودة الشكل كما يجعلها لا تعلو كثيراً بل تبقى في متناول اليد ليسهل جني ثمارها، والورقة على شكل رأس الحربة، وتنمو الأوراق في أزواج متقابلة على الساق، والسطح العلوي للورقة أكثر اخضراراً منه على السطح السفلي.

تزرع شجرة البن عادة بالبذور، وتعدّ من أفضل النباتات، وتوضع في مشاتل حتى تبلغ عامها الأول، وسرعان ما تظهر بعد ذلك الشجيرات الصغيرة التي تشتل بعدئذ في البساتين حتّى تثمر، وتحظى شجرة القهوة بكثير من الاهتمام نظراً لأهميتها التجارية الكبيرة،

وتزهر شجرة البن حين تبلغ ثلاث أو أربع سنوات، والزهرة أنبوبية الشكل, وتظهر في آباط الأوراق حيث تنمو في مجاميع كثيفة، وشجرة البن المزهرة آية في الروعة والجمال رغم أنّ الأزهار لا تبقى إلاّ أياماً قليلة.

وثمرة البن بيضاوية الشكل، لونها في بداية تكوينها أخضر داكن، تنضج في غضون ستة أو سبعة أشهر، فيتحوّل لونها إلى الأصفر فالأحمر القرمزي، وثمار البن تشبه إلي حد كبير ثمار الكرز المعروفة في الحجم والشكل واللون حتى إن كثيراً ما يطلق عليها اسم كرزات, والجلد الأحمر لكرزة البن يغلف لبّاً حلواً تكمن بداخله حبتان من البن، والحبتان مغلفتان بغشاء داخلي رقيق يسمى الرقّ، وهناك غطاء رقيق أخر اسمه الجلد الفضي, وحبوب البن لها شكل مميز، وأحد وجهيها مفلطح، أمّا الآخر فيشبه القبّة، وأحيانا تحوي الكرزات حبة واحدة، ويطلق عليها اسم أعناب بازلائية، وهي ثمينة بسبب النكهة التي تتميز بها القهوة التي تصنع منها،

ويتم جني الثمار يدويّاً، ويستغرق وقتاً أطول، لأنّ الكرزات لا تنضج كلها في وقت واحد, والكرزات الناضجة هي التي تجنى فقط، لذا تطول فترة جني الثمار، إذ تستغرق أسابيع ريثما يتم نضج جميع الكرزات إلى الحد الذي يسمح بجنيها.

وتفصل الحبوب عن القشرة واللب والأغشية الرقيقة والجلد الفضي في المعامل الخاصّة، وبعد ذلك تصنّف الحبوب إلى عدة أصناف، وتعبّأ في أكياس للتصدير سعة الكيس حوالي 132 رطلاً، وأفضل الأكياس المصنوع من الليف .

ورغم أنّ القهوة حديثة العهد إذ أنّ اكتشافها لا يتجاوز خمسة قرون، إلاّ أنّها تعدّ دليل أصالة وعراقة، والمداومة على صنعها يدلّ على طيب المحتد، ويوصف من اعتنى بها: «ما تطفي ناره» واشتهر ابن سعيد وهو من شيوخ العزازمة من عشائر بئر السبع بدلاله وبكارجه باعتنائه بالقهوة لدرجة أنّ بعضهم أخذ يحلف بها فيقول: «وحياة بكارج ابن سعيد»، ومن شروط البيت الذي تحلّ فيه المشاكل، وتجري فيه مراسم القضاء أو ربط العلم أن تدار فيه القهوة، فقالوا: «في ديوان وبكرج مليان»، حتّى لو كان القاضي نفسه لا يشرب القهوة لعلّة مرضيّة، يصنعها ويسقيها للجلوس، ويشترك المحلّية أو المعازيب في إحضار القهوة إلى الديوان، فتوضع في كيس أو جراب، وهم يتفنّنون في إعدادها، ويضيفون إليها البهارات مثل حبّ الهان وجوزة الطيب والزنجبيل والعنبر، وقاعدة صنعها: «امرشها مرش، واجرشها جرش، واطبخها طبخ الهرش» أي لا تحرقها في الحمس، واجعل طحنها خشناً واطبخها جيّداً، فلحم الهرش لا ينضج من الطبخ الهيّن، وفي بداية إعدادها تُسمّى «البكر» أو «الراس» أمّا إذا أضيف إليها حين توشك على الانتهاء ماء جديد وبنّ، وأعيد غليها تُسمّى «ثنوة»، حتّى إنّهم قالوا في وصف الرجل الغشيم في تذوّقها: «ما يعرف الثنوة من الراس»، وتدار القهوة حسب السنّ، الأكبر فالأصغر، تُصبّ أوّلاً للضيوف إن وجدوا حسب السنّ أيضاً، ثمّ تُدار على المعازيب، وقالوا: «القهوة خصّ والشاي قصّ»، فالشاي يصبّ من اليمين إلى اليسار على التوالي: »ابدأ باليمين حتّى لو كان أبو زيد على اليسار«، أمّا القهوة فيخصّ بها البعض، وإذا كان هناك أمراء أو شيوخ متساوون في المنزلة فيمكن أن يحضر لكل واحد منهم ساقٍ وفنجان، وتصب لهم القهوة في وقت واحد، وهناك عادة أن الزعيم أو القائد يصبّ له في فنجان ثمّ يكسر هذا الفنجان كي لا يشرب فيه أحد غيره، فهو نسيج وحده.

وتُصبّ القهوة الجاهزة (الوالمة) للضيف عند نزوله، ثمّ تُعدّ له قهوة جديدة خاصّة، ويُصبّ له في بعض المناطق فنجانان، الأوّل هيف، والثاني كيف، أمّا الفنجان الثالث فهو محبّة المحلّي للضيف، أو احترام للضيف، على أنّ الكميّة المصبوبة في الفنجان قليلة، بالكاد تبلّ الشفتين واللسان، وهي رشفة (جغمة) أو رشفتان، فقانون القهوة «الكيف على روس الشفايف»، وفي بعض مناطق بلاد الشام والجزيرة يظلّ القهوجي يصبّ إلى أن يهزّ الشارب الفنجان، وقد لا يرتوي الشارب كما يقول الشاعر ناصر بن عبد الكريم :

خمسة عشر فنجال لحنيف صبّيت

لو إن بطنـه قربـةٍ قـد ملاهـا

فرد عليه الشاعر حنيف بن سعيدان المطيري بقوله:

لا تحسب أنّي من دلالـك  تقهويـت

يا موصّي الحرمة على صكّة البيت

قلّلت في طبخهـا وكثـّرت ماهـا

تقول مـــا أنتـه فيـه وأنتـه وراهـا

وفي النقب وسيناء يعيّن لكلّ رجل فنجان، وتوضع الفناجين على صينيّة، وهي صغيرة الحجم مقارنة بالمناطق الأخرى، ويمكن للصابّ أن يمدّ الصينيّة وهو جالس، وتغسل الفناجين بعد شرب الفوج الأوّل، ليصبّ للفوج الثاني، وقد يحمل أحدهم فنجانه في عبّه أو جيبه، إذا خشي العدوى من الأمراض، أو أحسّ أنّ به مرضاً، وفي مناطق في الشام يحمل الصّاب فنجانين أو ثلاثة فقط، وهي أكبر حجماً، بحيث إنّها تمكّن الشارب من إدخال أنفه في الفنجان عندما يرتشف القهوة، ويصبّ للضيوف والمعازيب وهو واقف وراء بعضهم البعض دون غسل الفنجان، «الكيف مناقلة»، وعلى من أحسّ بأنّه مصاب بالرشح عليه أن ينبّه الصاب أو يكفأ الفنجان، ويرى البعض أنّ «القهوة ما تعدي»، والذي يدير القهوة عليه أن يقرع الفنجان بلسان المصبّ لينبّه الشارب إلى أنّ القهوة وصلته، إذ قد يكون منشغلاً بحديث، ولم ينتبه للرجل الذي يصبّ له القهوة، وكان في أغطية البكارج كرات من النحاس تصوّت كلّما مال البكرج.

ولا يجوز للشارب أن يطلب من الساقي أن يملأ له الفنجان، ويصفونه بأنّ «كيفه بطينيّ» ليس في الرأس، ولا يستأهل القهوة، والأولى أن يُصبّ له اللبن ليرتوي، بل يستطيع من مُلئ له الفنجان أن يقاضي الصّاب، فالفنجان الملآن لا يُصبّ إلاّ للنفساء أو العجوز المسنّة، فيقول عند القاضي: «هذي ما هي صرفة فنجان، هذا قلبه عليّ مليان، هذا صبّ لنسوان».

ويجب أن يناول الصاب الفنجان بيده اليمني، وكذا على المستقبل أن يتناوله بيمناه، وهو جالس، وإن كانت يده اليمنى مقطوعة أو مشلولة أو معطّلة، فيجوز له التناول بيسراه، أو يوضع له الفنجان على طاولة أو على الأرض، كي يتسنّى له مسكه، وعلى المتناول أن يشرب الفنجان بسرعة، وإذا كانت القهوة ساخنة عليه أن يديرها في الفنجان لتبريدها، ويحظر عليه أن يتريّث في الشرب، كأن يرتشف ويتحدّث، أو يضع الفنجان على الأرض أو يلفّ سيجارة.

ومن اللائق أن يذوق معدّ القهوة قهوته قبل أن يقدّمها للشاربين ليتأكّد من حسن إتقانها وطعمها وحرارتها وثقلها وخفّتها، والغريب أنّ بعض الباحثين يفسّرون ذلك بأنّه طمأنة من معدّ القهوة للشاربين، ليثبت لهم بأنّها ليست مسمومة، فليس من عادة العربيّ أن يسمّ ضيفه، وإن أراد ذلك فلا يعدم الوسيلة من تقديم السمّ في الماء أو الغذاء أو فنجان آخر، وهذا من أغرب التأويلات، حتّى اللص إن أكل وشرب عند أناس لا ينبغي له أن يسرقهم، لأنّه أصبح بينهم «عيش وملح» وفي العادة أن يضع معدّ القهوة في الفنجان الأوّل شيئاً من القهوة، ويديرها فيه، ثمّ يسكبها في النقرة أو في صينيّة، وهو بذلك يدّفئ الفنجان أو يتخلّص من قطرات الماء التي به، وعلى من أحسّ بأنّ القهوة فاترة أو باردة أن ينبّه الصاب بأن يقول له: «قهوتك فاكّة» وفي بعض المناطق يقولون: «قهوتك دافية» ولا يقال «باردة».

تُعدّ القهوة في الصباح الباكر في الديوان بالنقب وسيناء، وعلى معدّها أن يناول كلّ شارب لقمة مغموسة بالملح كفراش للقهوة، وغالباً ما يضع العجين في محماسة القهوة وينضجها على النار قبل أن تدار القهوة، أو يعرض على الجلوس شيئاً من التمر، وهناك بكرج يعدّ ضحى، وهو »بكرج حومة الطير«، قال الشاعر الأمير محمد الأحمد السديري:

قم سو فنجال الضحى يا ابن قمّاع

صبّه لمن هو ضايق البال من لاع

همٍ بقلبي بين محني الأضـلاع

لاراح همٍ جات همومٍ لها أسناع

في صبته يا القرم خلك سريعـي

اغدي هواجيس الضمائر تضيعي

شيٍ يضيــق بـه الحماد الوسيعـي

تسابق لقلـب المشقّـى جميعـي

وهناك بكرج العصر، ثمّ بكرج الليل، وهو «بكرج التعليلة»، وبعد الغداء الدسم أو العشاء يتناول الناس عدّة فناجين من القهوة، فهي تساعد على الهضم.

يعاد عرض القهوة على الضيف بعد برهة من الزمن، فيقول له الرجل الجالس وراء البكرج: «أصب لك قهوة؟» فإن قال: «صبّ» أو «ما هي رديّة»، وإن كان لا يرغب فيها يقول: «يكفّ عنّك شرّ الدهوة»، فيترك مدّة أخرى ثمّ تُعرض عليه، ومن حقّ الضيف أيضاً أن يطلب أن يُصبّ له فنجان حين يهمّ بالمغادرة، ويسمّى «فنجان ظهيري» أي قبل أن يمتطي ظهر مطيّته، وقد يطلب أحدهم أن يصبّ له فنجان بسرعة إذا كان مسافراً، وعرّج على ديوان، ويريد الانصراف.

قلنا في النقب وسيناء تصنع القهوة في الديوان، الذي يرتاده الرجال والضيوف، ولكن في مناطق من فلسطين وبلاد الشام، يتّفق على مكان السهرة، فيعدّ القهوة من تكون السهرة عنده، فكلّ بيت فيه معاميل قهوة، ويحكى أنّ رجلاً نزل بأسرته جوار قوم، فراعهم ما يحمل من بكارج ومعاميل قهوة، فتساءلوا: أهو يهتمّ بالقهوة إلى هذا الحدّ أم هي للمظهر فقط؟ فقرّروا مناداته ومعرفة سبب انعزاله عن ديوان العشيرة، فأرسلوا في طلبه، وصبّوا له فنجان قهوة، فتناوله وقبل أن يصل إلى فمه أعاده في الصينيّة دون أن يذوقه، فسئل عن السبب، فقال: «قهوتكم صايدة»، فسكبوا القهوة وفتّشوا بكارجهم، فوجدوا في إحداها حشرة (خنفساء)، وفي اليوم الثاني نادوه وصبّوا له فنجاناً فسألوه عن قهوتهم فقال: «قهوتكم معاش وكيف» وفتّشوا بكارجهم فوجدوا في إحداها حبّة شعير، فدهشوا من دقّة تذوّقه، وفي اليوم الثالث أعادوا الكرّة، وصبّوا له فنجاناً من بكرج بِكر، فقالوا: كيف تذوق قهوتنا اليوم؟ فقال: «هذا البكرج صُرف منه فنجان وأُضيف إليه فنجان» وعندما تحرّوا عن ذلك أخبرهم معدّ القهوة أنّه شرب فنجاناً من البكرج وأعاد فيه فنجان ماء بدل فنجان القهوة، عندها شهدوا له بأنّه كيّيف بل هو قاضي كيف.

ويروى أنّ هنديّا أتى إلى بلاد الشام فوجد شجرة بنّ، لا يعرفها السكان فأغار عليها بفأس وقطعها خشية أن تنتشر زراعتها، ومن ثمّ يستغنى عن استيراد القهوة من الهند التي تعتمد في اقتصادها على ما يدرّ عليها تصديرها من أرباح، وقال عندما قطع الشجرة: "بهندي ولا بالهنود كلهم". أي أنّه يضحّي بنفسه بقلع هذه الشجرة من أجل حياة الهنود جميعاً.

ويستغرق إعداد القهوة أكثر من ساعة، ولها ثلاثة بكارج، أحدها فيه القهوة الخميرة، وهو ما تبقّى من حثل وقهوة من المرة السابقة، وبكرج الطبخ، والثالث للصبّ وفيه القهوة الجديدة،

والقهوة السادة تقدم بدون أن يضاف إليها السكر، وهناك قهوة حلوة يضاف إليها قليل من السكّر تسمّى على الريحة، وهناك القهوة الحلوة، وبالنسبة للون: القهوة الغامقة، والقهوة الفاتحة أو الشقراء، وهذه لا تحمّس كثيراً، فلونها أصفر وبها لذعة من إضافة الزنجبيل عليها، والقهوة الصفراء منتشرة في الخليج العربي والجزيرة العربية.

والمعتادون على شرب القهوة عندما يحرمون منها تتغيّر أمزجتهم، ولا يستطيعون التركيز، يروى أنّ مسافراً في الصحراء قدم على جماعة يحتسون القهوة، وكان مكفهرّ الوجه، وعندما صبّوا له فنجان قهوة وشربه تفتّحت أساريره وابتسم، وكأنّه يراهم للتوّ، فقال: سلامات يا أجاويد، لا تآخذوني، والله غير توّ اللي حقّيتكم.

 

أدوات القهوة:

جراب القهوة: كان يصنع من جلد الغزال، على شكل مخلاة يوكى فمها بشريط جلدي، يوضع بها حبّ القهوة قبل التحميس، وهم يحمّسون كلّ يوم، ولا يحتفظون بها محمّسة أو مطحونة كي لا تفسد، وليتمتّعوا بإعدادها من تحميس ودق وغلي كلّ يوم.

المنقل: وهو الكانون: يصنع من الحديد أو النحاس تصفّ عليه البكارج، وقد يستغنى عنه بنقرة النار وهي حفرة تحفر لوضع النار فيها.

الدلال: أي البكارج وتصنع من النحاس بأحجام مختلفة: بكرج لطبخ القهوة، وبكرج الخميرة، والمصبّ، والمصب قد يكون بكرجاً صغيراً أو وعاء له مقبض على اليسار أو اليمين حسب الطلب، وتصب فيه القهوة بعد تجهيزها، وتدار على الشاربين، ويضاف إليها في هذه الأيّام الترموس، ولكن القهوة التي توضع في الترموس لا تمكث طويلاً طازجة، لأنّ بخارها يعود إليها، أمّا التي توضع على النار مباشرة فيتصاعد بخارها عنها فهي أطيب مذاقاً، قال حامد بن مايقة الحبابي محتجّاً على وضع القهوة في الترموس، ويطالب بإعادتها في البكارج:

يا عَاملِين البن وسطَ  الترامِيـس

ردّوه لأمات الخشـوم المِقَابِيـس

ما عاد شفنا البن وسط المحاميس

لا تقطَعونه من حشا  مرضعاتـه

صفر الدلال اللي عليهـا  حلاتـه

يحمس وصوت النجر طوّل سكاته

المحماسة: صحن من حديد سميك له يد طويلة، يستخدم في تحميس القهوة ونسفها.

المحراك: قضيب من حديد له رأس مفلطح تقلّب به حبّات القهوة إذا كانت المحماسة ثقيلة، كي لا تحرق بعض حبات القهوة وتظلّ أخرى نيّئة.

المبراد: وعاء خشبي على شكل الخفّ له مقبض تنشر فيه القهوة لتبرد قبل طحنها.

النجر: وعاء خشبي مجوّف، فوّهته مطعّمة بالفضة والنحاس، وهو مزيّن بالرسومات والخزف، وله مرادفات منها الجرن والمهباش، وكانوا يحفرونه من خشب البطم أو البلوط أو المشمش.

وفي بعض المناطق يستخدم هاون من فخّار، وتطحن فيه القهوة بإدارة عصا خشبيّة ثخينة تسمّى المسحانة، وفي بعض المناطق يكون الهاون صغير الحجم من نحاس أصفر، وله يد نحاسيّة قصيرة .

يد النجر: تسمّى مسحانة، وهي عصا غليظة ثقيلة مدبّبة من أسفل لهرس القهوة وهي مزيّنة أيضاً ومدهونة بطلاء.

مطحنة البن: مطحنة يدويّة أو كهربائيّة، تستخدم لطحن حبات البن وتحويلها إلى بودرة ناعمة حسب الرغبة، وهي حديثة العهد.

المنصب: يصنع من قضبان الحديد له ثلاث قوائم يوضع عليه البكرج على النار.

قال الشاعر:

البكرج اللي انتصب رنّت فناجيله

رجلٍ بلا عزوته بطلت مراجيلهْ

الفناجين: أقداح صغيرة ومتنوعة من الصيني تستخدم لاحتساء القهوة العربية، والذي يستخدم للقهوة المرّة بدون عروة.

الصينيّة: تصنع من نحاس أو ألمنيوم أو خشب، تصفّ عليها الفناجين.

الملقط: أو الماشى: من الحديد لمسك الجمر وتحريك النار تحت البكرج أو إبعاد الجمر عنه.

الممسك: خرقة من نسيج غليظة أو قطعة ليف يمسك بها يد إبريق القهوة، وهناك الليف الذي تسدّ به أفواه الدلال.

وقيل في تلغيز القهوة.

أنا المحبـوبة السمراوأجنى في الفنـاجيـنِ

وعود الهال لي عطرٌوذكري شاع في الصينِ

تقدم القهوة المرّة في الأفراح والأتراح، ولا يقدّم غيرها في المآتم، يعتبر البعض انسكاب القهوة فألاً حسناً، ولكنّ آخرين احتجّوا على ذلك فقالوا: يكبّوا قهوتهم من عماهم ويقولوا خير من الله جاهم.

 

أشعار شعبيّة قيلت في القهوة:

لم يحظَ مشروب بما حظيت به القهوة من شعر شعبي، ويجب على الشاعر الفحل أن ينظم قصيدة أو أكثر في صنعها ووصف بكارجها، قال الشاعرفي وصف دلال شيخ:

ودلال عنده تستبي من رآها

من كثر ما فيها تصاوير ورسوم

يفضّل شرب القهوة في مكان هادئ ليس فيه منغّصات، ومع ندماء بينهم مودّة وحميميّة،

قال راكان بن حثلين:

يا ميحلى الفنجال مع سيحة البال

هذا ولـد عمٍّ وهـذا ولـد خال

في مجلس ما فيه نفسٍ ثقيلة

وهذا رفيـقٍ ما لقينا مثيله

وعندما يضيق صدر الشاعر المطوّع ينادي زوجته نورة لتحضر له الحطب ليعدّ القهوة:

لا ضاق صدري قمت أصوّت لنورة

من قبل ولد اللاش يبدي بشوره

هاتي حطب وارميه للجار والضيف

حمّست من حبّ اليمن غاية الكيف

وقال الشاعر ابن عبيكة في مشهد مشابه:

لا ضاق صدري جبت ضفّة جثامير

ثمّ انحرفت وجبت عوج المناقير

نجرٍ ليا حرّك يصوّت كما الزير

فنجالها يشبه خضاب الغنادير

لا شفّها الطرقي كما بلجة الطير

إن جن مع الخلّ الشمالي دعاثير

إن ساعفت حطّيت راسا مع المير

باغٍ ليا مدّوا وراحوا على خير

شبيّت ناراً مثل نار الحرابة

سودا من الملّة عقاب التهابه

من جوف ابن عمر قطع من هضابه

لا شافته عذرا تمنّت خضابه

يسفر بوجهه عقب وسم الخلابة

شرهين باليمنى نحنّي رقابه

وإن عاضبت يكفيه قولة هلا به

وتوافقوا من شاف شيٍ حكى به

 

ولابن عبيكة أيضاً في وصف مراحل إعداد القهوة وتناولها:

قم يا المقهوي دن نجرٍ ومحماس

احمس  وزين  حمسة  البن  مقياس

صبه لممرور على الخيل مدباس

من فوق ما تاخذ على الخيل منواس

واثنه لمن  حوله على  الزبر جلاس

ابن  عبيكة  هرجته  ما بها  باس

طول الجدار وقصرت الرجل نوماس

تصير  بعيون   الرفاقة   معك   باس

يصير قالات ويصير  لولاس

قلبك  يصد  ويضرب  القلب  عوماس

خلك  على  بابك  تقل   لول   حرّاس

لا جن من الخل الشمالي لها أضراس

نرحّب بهم من قبل  تجديع الالباس

ونذبح  لهم  كبش  مربع   بالاطعاس

هذي  سلوم  جدودنا  قبل  من  راس

واحمس لنا من حب صنعا نماها

دقه ولقّمه وعدّل سواها

تقفي  عنه  صم  الرمك لا نصاها

لا جدعت خبثات الأنفس  حذاها

أهل السموت اللي بعيدٍ مداها

تطرب  لها  كرام  اللحى  من   حلاها

لا صار  ما  للرجل  داع دعاها

لا  صار  ما  تدعي  ترى  من  عناها

ونوبٍ   من   الأدنين    ياتي    بلاها

والنفس  تقدح   عقب   زايد   غلاها

لا   جوا   عليهن   محترين   عشاها

والكل   تشكي   رجلها   من    حفاها

نقلّط  لهم   تمر   الحلا   من   نماها

نقلطه   من    قبل    يقرب    مساها

واللي   بعدنا    كان    ربـــي    هداها

 

وهذا عنيز العرادي شاعر سيناء يداوي ضيقه وهمومه بإعداد دلّة من القهوة لتلهمه قول القصيد:

لي ونّةٍ ما ونّها كلّ رجّال

وأصبحت أسوّي لمخّة الراس فنجال

تمّيت أصفّي ماه من جملة دلال

منّه فضلت أنقل من الراس ما قال

غير واحدٍ وهويته زي هواتي

بنّه وهاله كلّهن مشتراتي

لمّا غدا صبّه على مشتهاتي

واللي انكتب للعبد لا بدّ ياتي

 

وقال الشاعر مدوّخ المطيري ينتقد جماعة يسرفون في شرب القهوة عند الغير، وهم لا يقتنون المعاميل في بيوتهم، ولا يشترونها ويعتنون بها، وكأنّهم يستكسبونها:

الكيف خلّه عند من يشترونه

يا حامسين الكيف لا تحرقونه

حتّى يجيك محمّرٍ كن لونه

صبّه على اللي ربعته يدهلونه

وصبّه على اللي ربعته يتبعونه

وعدّه عن اللي واقفٍ له بشونة

ما غير عنده طايراتٍ عيونه

المشكل اللي جابها من بلدها

حذرى من الشعلة تغيّر قندها

مجّة جرادة ظاهرة من جسدها

له ربعة من راح منها حمدها

مع دربه الخلفة تضيّع ولدها

يمسي ويصبح عارفٍ لك عددها

لا باع شاته يحتزم في وعدها

 

وعندما يضيق صدر زيد الخشيم يعمد إلى صنع القهوة أيضاً:

لا ضاق صدري قمت أسوّي من الكيف

بكــرٍ على بكرٍ عــــذيٍّ عـن العــيـف

وانٍ مصبّه كـن لونـه إلـى شيـف

صبـّه لممـــرورٍ براســـه زعــانيـف

ويثنى عن الرّبع المقفيـن بالسيـف

وفينا محازمنـا سـوات الكرانيـف

لعيون غيـدٍ شرّكـت تنثـر الليـف

بشرقي قفارٍ كنّها مزنــــة  الصيـــف

اللـي نماهـا للمساييـر والضيـف

صرنـا لعـدلات المناظـر كلاليـف

فنجـال بـــن مــا يغـبــب سـريـبـه

يطرا علي إن نام خطـو الزريبـه

سلك الحريـر إلـى تمهـّل صبيبـه

اللـي إليـا شبـت يصالـي لهيبـه

لا حـلّ فـي تـالي التفافيـق ديـبـه

ومعنـا خطـاة ملظـبٍ لاح شيبـه

اللـي شكـا وارد قناهـا عسيـبـه

شرقٍ عن البطحا بجـازع  شعيبـه

يوم إن ولـد النـذل حـارب قريبـه

ننجش لهم ملح الشفـا كـل  عيبـه

 

قال مشعان بن هذّال يوصي معدّ القهوة أن يعدّها له في دلّة بيضاء حسنة المنظر، ويضيف إلى القهوة الهيل والزعفران والبهارات، ويقدّمها للنشامى، ويقصرها عن النكرات الذين ليس لهم حظّ من الذكر بالأفعال الحميدة:

قم سو فنجالٍ ترى الراس منداش

في دلّةٍ مربوبةٍ كنّها الشاش

الهيل كثّر ولا توانى ولو جاش

أبّيه رسمٍ للنشامى عن اللاش

لعيون من قرنه على المتن مرجود

وبهارها كفٍّ من الهيل والعود

والزعفران اقنع على شذرة العود

اللاش لا فاقدٍ ولا هو بمفقود

وقال الأمير هايس بن مجلاد ينصح بإعداد قهوة ثقيلة تعلق على الفنجان، ويعدّه في دلال بيضاء كالبطّ اللائي تدلّي أعناقها في الماء، ويصف له التحميس والدقّ، وينصحه بصبّ القهوة للفرسان والكرماء وصرفها عن الضعفاء والجبناء:

قم سو ما يجمد على الصين يا ذياب

ونسفها لامن العرق فوقها ذاب

نجرٍ يصيح وللمسايير جذّاب

ليا ذلق فنجالها كنّه خضاب

صبّه لمن قاد السرايا للأجناب

والثاني اللي لا لفوا له على ركاب

والثالث اللي لا غشى الزمل ضبضاب

وباقي الملا يكفيهم التول لو شاب

اللي نهار الكون يفزع بمصلاب

بدلال وصفٍ للبطاط المحاديب

واستدنِ ما يجذب عليك الشراريب

طقّه على طول الدهر للمواجيب

ورسٍ صبغ بكفوف بيضٍ رعابيب

في مفرسةْ يشبع به النسر والذيب

بأطراف بيته تقول مجزر قصاصيب

يرخص بعمره دون زمل الرعابيب

رصاصة المقعد حمير المشاعيب

كبار الأنفس ساهجين المواجيب

 

والأفضل أن تعدّ القهوة في الصباح الباكر، ويكون الوقود من حطب السدر الجزل، لا من الجلّة والبعر، قال الشاعر:

ليا بانـت النجمـة بكفّـي تناوشـت

أنا وما حاشت يدينـي ومـا  نشـت

دريت لو عاشن هذي الأيام ما عشت

الله على الفنجـال حـزّة  محلّـه

وقودهـا سـدر ولا هـو  بجلّـة

دلال بيـض والمقاضـب براغيـل

بالبن والمسمار والجوز والهيـل

لا بـد مـن قبـر عليـه المخاييـل

إلى صار مقصوره وماء دلته سيل

الزعفران بهارها وخالطه هيـل

 

ذاع صيت دغيم الظلماوي الشلاقي الشمري إبّان عهد الأمير محمد العبد الله الرشيد بالكرم وخاصة الاعتناء بالقهوة العربية على مدار اليوم، وبينما كان ابن رشيد جالساً في مجلسه يتجاذب أطراف الأحاديث مع مسامريه، تطرّق أحد جلسائه إلى كرم دغيم الظلماوي وحرصه على دوام تجهيز القهوة في بيته مع فقره، وناره لا تنطفئ والقهوة عنده جاهزة دوماً، وأنشد قصيدة الظلماوي في القهوة التي تقول:

يا كليب شب النار يا كليب شبـه

وعليّ أنا يا كليب هيله وحبّه

وادغث لها يا كليب من سمر جبه

باغي ليا شبيتها ثـم قبـّه

بنسريةٍ يا كليب صلـفٍ مهبـّه

سراتٍ بليـل وناطحيـنٍ مهبـّه

الوالمة يا كليـب عجـّل بصبـه

صبّه لقرمٍ صرفته مـا حسبّـه

وصبّه لمنعورٍ ليا جاه نبّه

وعده عن اللي ما يداري المسبّه

عن الطيب عده نازلاً له بغبّه

لا باطن الهلباج خطو الجلبّه

اقحص لهم وأبدي سلام المحبّه

سلام أحلى من شخاليل جبه

مع كبشٍ مصلاح راسه نجبّه

خطو الولد يوم الملاقى نكبه

وحتى أيش لو يلبس وبينٍ وجبّه

أنا لقيت الصبر يا زين غبه

من لا صبر يا كليب في حكم ربه

يقولها اللي ما حسّ بالمسبّة

هذا هوى بالي وهذا مطبّه

عليك شبه والحطب لك  يجابِ

وعليك تقليـط الـدلال العذابِ

وشبّه إلى منه غفا كل هابِ

تجلـب لنـا ربعـاً سـراتٍ غيابِ

لا هـب نسناسـه تقـل سـم دابِ

متكنفيـن وشوقهـم بالعذابِ

والرزق عند اللي ينشي السحابِ

يوم البخيل مكنهب الوجه هابِ

يرخص بعمره والدخن لها ضبابِ

اللي يـدور بالقصـير الغيابِ

يضرب على درب الخطا ما يهابِ

يا حلو خبط عصيّهـم بالركابِ

لا جوا على هجنٍ يديهم خرابِ

وأحلى من السمن الجديد العرابِ

لا أدبـر الهيـن متيـن العلابِ

يأتي علينا من حسـاب الزهابِ

معيرة على غضير الشبابِ

يرقيك روس مشمرخات الهضابِ

هذاك يوم البعث ما له ثوابِ

ولا عرقل الأجواد ببعض الهلابِ

من قبـل ما يسفـح علينا الترابِ

 

فأراد ابن رشيد أن يتأكد من صحّة زعم الظلماوي، فكبسه على حين غفلة في منتصف إحدى الليالي شديدة البرودة، فتسلل خلف بيت دغيم، وإذ بالنار مشتعلة والدلال على النار، ثم إنّ النار بدأت تخبو فقال دغيم لكليب قم شب النار. فقال كليب: اليوم برد وإحنا في آخر الليل ولن يأتي أحد، فقام دغيم وأشعل النار بنفسه، وإذا بابن رشيد واقف على رأسه فارتجل معتذراً:

مدّه رهن لولاك ما قلـت يا كليـب

في ليلة تجدع سـواة المشاهيـب

نطعن بعزك يا حصـان الأطاليـب

يا الجوهر الناريز يا المسك يا الطيـب

تكفي محاليـب وتملا محاليـب

يا طير شلوى ما لقي بـك عذاريـب

يا بو اليتامى والأرامل ومن عيـب

وأبو المحروم والأعمي والمحاديب

إن كان هرجي به عليكم عذاريـب

ولا قلت شب النار وصر موقداً له

نسريـّةٍ تلصـق خليـلٍ لخـلـه

عسى الله جمع حزمتك مـا يفلّـه

يـا عنبـراً مـن جرّبـه ما يملّـه

وكبـداً تيبسـهـا وكـبـداً تبـلـه

لو تستحتي ما تجمع الطيـب كلـه

وأبو لمن صار العصا ثالث لـه

ومن ضامته بعقاه تصير والداً لـه

سامح عسى اللي عقبك بألف حلـه

 

وصدق من قال: إنّ من البيان لسحرا، فعندما سمع ابن رشيد هذا الشعر قال: يا الظلماوي. قال: نعم. قال: والله ما تشريه غير ما شريته ما دام أنا حي، كل ما احتجت تجي يمّي وتاخذ حاجتك.

وحاول الشاعرعبد الله القبالي الحميضي معارض الظلماوي فقال:

يا عــــلي شـــب النار يا علـي شبـّه

وأرمس بها ياعلي من جرم خبه

حنكيّةٍ مـا تنجلـي لـو نربـّه

يااللي تقول النـار كـلا يشبـه

لا راع ظل مشمرخات الهضابِ

وقلّط بها اللي مثل عنق الغرابِ

بلغودها تلقى سنا النـار صابِ

الفرق كله عند ليـن الجنابِ

 

ولسلطان بن عبد الله الجلعود في إعداد القهوة وتناولها:

الله على الفنجال مع هجعـة النـاس

مع حمسةٍ يملا بهـا كـل محمـاس

قم يا فرج شبّه تري الكبـد والـرأس

حطّ الجروم اللي مـن العـام يبـّاس

واحمس على جمر ترى ما له  أجناس

وأودع بهاره هيل وارهه بالأجـراس

ودقـّه بنجـر يسمعـه كـل نعـاس

وصفّه وصبّه ترى هو الصفا بقياس

اللي يحطّه بأوسـط النـار مرفـاس

بـدلال نــارٍ ما يبـطـــــل ســــنـاهـا

ويقلّبـه قـرم يـَعـرْف استـواهـا

والعين أشوفها قازية مـن خطاهـا

لياما يطـوح ضوّهـا مـع فضاهـا

وكفّـه ليـا منـه عرقهـا غشاهـا

يا خالط الفنجال تـري هـو  حلاهـا

ولاتغلق الضبـّة علـى مـن بغاهـا

ماهو خطاة الخامـل اللـي  طهاهـا

لمـا يطيـر قبوهـا مـع غمـاهـا

وقال الشاعر عايد السندي الرشيدي من قصيدة طويلة في وصف إعداد القهوة وما يرافقها من كرم وذبائح وحكمة:

يا ما حلى رفعة مـن البيـت  الأشنـاق

العصر هفهوفٍ وبالصبـح مشـراق

ومهيّلٍ من جـوف زينـات الأعنـاق

يقعد عماس الراس ريحه ليا أنسـاق

سوّاه شغمومٍ علـى الطيـب سبـّاق

صلّى صلاة الفجر من قبـل الإشـراق

وقرّب وقودٍ من هشيمٍ لـه شنـاق

ثم بـدا باللـي تقـول لـون نغّـاق

وبـدا يصلفقهـا بالايـدي تصلفـاق

فكره حضر للحمس من خوف الأحراق

ودقه بنجـرٍ يسمعـه كـل مشتـاق

ولقّم برسـلانٍ لهـا القلـب عشـاق

وزلّه على مصبوبـةٍ عنقهـا دقـاق

وساقه على اليمنى لزاكين الأعـراق

مع منسفٍ يحمل بالأطراف وحـلاق

واليا حصل ما قلت من عنـد  خـلاق

ما انى علـى الدنيـا ولـوهٍ ومشتـاق

والعمر لو طـوّل لـه المـوت لحـّاق

ليا أقفى الهجير وصـار دور البـرادِي

وسوالـفٍ حـلـوة دوا  للـفـوادِي

من وارد الرسـلان بيـضٍ جـدادِي

ريح البخترى فـي صحاصـيح  وادِي

اختـار حبـّه مـن بعيـد الـبـلادِي

من عقب ما صلّى على خيـر هـادي

شعاع ضوه مع سنـا الصبـح بـادِي

سودٍ جنوبه مـن صبـاح  وهجـادِي

وفاحت بريحٍ مثـل ريـح الزبـادِي

لـو تنـدهـه ماينتـبـه للمـنـادِي

نجرٍ يجضور عنـد لمـس الأيـادي

وحطّه علـى جمـرٍوقـوده يـزادى

وبهّـر بهيـلٍ ذاعريـنـه بـكـادى

فهود الرجال اللـى تضيـم المعـادي

الحيـل فوقـه تقول زلـمٍ رقـادي

هـذا هـوى بالـى وغايـة مـرادي

ولا أبكى علـى حـيٍّ وراه النفـادي

ولا يــدوم إلاّ كفـيـل الـعـبـادي

والشاعر محمد بن مديبغ التميمي يوصي دلّته:

يا دلتي لا يجزعـــك واهــــج  النــار

أبي ليا جونا مشاكيـل وأخيـار

ياعنك ماأغظلم حجاجي عن الجار

ماجبتـك إلا باغـيٍ تحْضنينـه

أقلّطك والـرزق ربـّي ضمينـه

ولايوم ماعنى تقـازي الظّغينـةْ

 

أمّا حمد بن ناحي المطيري يفضّل عمل القهوة عصراً حيث ينتشر الفيء ويهبّ البراد العليل:

يا زين شبّة نارها العصر يا خليف

كسرت فنجال على غاية الكيـف

جونا مسايير يبـّون العجاريـف

جابوا سوالف طيبين المحاريـف

لا مالـت الفيـّه وزان البـرادِي

لا عــــجّ ريحه مـــثل ريــح الزبـادِي

ليا أوحوا دنين النجر مثل المنادي

اللي عليهم يقهـــرون الطــــــرادي

 

وهذه قصيدة مشهورة للشاعر زيد سلامة الخوير المتوفّى عام 1334هـ في القهوة تبيّن مدى العناية بإعداد القهوة، يقول بعد أن يشير إلى شاعريته وتمكّنه من نظم القوافي، وبعد أن يفخر بكرمه وأنّ بابه مفتوح أبداً وناره لا تخبو عن دلاله يقول: إن قهوته صافيه وإن من يقوم بإعدادها مؤهل ذو كفائه لهذا العمل بدءاً من وضع الدلة الشامية على الجمر وحرصه على تقليب حبات البنّ التي هي الكيف عنده إلى أن تصفر وتحمر وكأنها الذهب ثم طريقة سكبها من دلة إلى أخرى حتى تكون صافيه تماماً لا تنتقد حتى مرحلة تذوقها كما ينصح بأن يغلق لسان الدلّة بالليف كي لا تدخله الحشرات، وتقدّم لأبطال الرجال وممن هم في قمة من المروءة والكرم، يشترون القهوة ولو غلا ثمنها لا يرجون من وراء اقتنائها مكسباً أو تجارة، ويشترون ما يلزم لها من الهيل الذي يجلب من الهند فيقول:

قال الذي يبدع على كل قافي

بمنومسةْ لقّم على بكر صافي

خلّه ليا ما تونس النذل غافي

بدلال ما عنهن سنا النار طافي

مبرهجٍ تسفي عليه السوافي

واحمس ولقّّم بالعجل يا السنافي

حمّاسها قرمٍ من الغوش شافي

وزلَّه وصَفَّه عن سريب المصافي

كِنَّه ليا منه غشاها الرّعافي

وبهارها من يمّة الهند لافي

وإن كان تزمل من طيورٍ هوافي

فنجالها لا شف بين الأشافي

يبرى لها من بين فِجّ الخوافي

صبه لمن يثني خلاف المقافي

ونفَّل بها اللي للمرّوات وافي

اللي ليا غليت شراها جزافي

يا سامعٍ مني علومٍ تشافي

دنياك لو ضحكت تراها بخافي

انهب منه من قبل ما العمر يافي

صيُّور عمرك ناهجٍ للذلافي

صيُّور ما يمسي لظى الجمر طافي

وليا حصل عزٍّ مع الكيف كافي

من ضامرٍ ياتن ريامٍ مواليف

عليه من شغل ابن سكران توليف

وقرّب دلالٍ مثل بطٍّ مهاديف

بوجار من لا دونهن بابهم جيف

من خلْقته ما طق في ركزة السيف

بشاميةٍ طرّف لها الجمر تطريف

دايم يقلّبها حريصٍ على الكيف

من خوفة أحدٍ قال بالكيف يا حيف

نثر الذّهب من فوق لوح المشانيف

في مركبٍ يقداه زجر العواصيف

بيضٍ فسدّ أفواهها بأشقر الليف

لا كن يجذب من شفا شاربه شيف

بكايرٍ تِرْمَهْ سهيلٍ ليا شيف

يوم الفرنج يقذِّف الملح تقذيف

ما دوَّر التَّجْرات به والمصاريف

ما رطّله عند الدلاليل بنصيـف

خذها من اللي نافلٍ كل عرِّيف

يبرم دواليب الشِّقا والتكاليف

صيٌّور ما تقفي ركابك مواجيف

سمر الليالي تكمله بالتتاليف

دنيا تفرّق كل ربعٍ مواليف

ماني على الدنيا كثير التحاسيف

 

وقال الشاعر:

يا مسوي الفنجال حوفه وذوقـه

صبّه على اللي وافي ٍ في  حقوقه

وسقها على اللي تلاعج  بروقـه

وسقها على اللي كل عدٍ يذوقـه

خص الرجال وبد ناسٍ على  ناس

يملا الصحن ويطمن النفس للناس

فكاك ربعه يوم الاريـاق  يبـاس

تلقى أخباره مثل عطات  الأمراس

 

وقال الشاعر فديغم بن خنيفر بن سبيل الرشيدي في وصف القهوة:

البارحة جاني عن النوم هوجـاس

يا علـي قـــرّب دلتيـــنٍ ومحمـــاس

نبّي ليـا منـه رقـد كـل نعـاس

سويت فنجال يداوى خوى الـراس

والله يا لولا بـن زينـات الأجنـاس

لقنب قنيب اللى عوى عقب الأدماس

من لا فزع يـوم الأريـاق  يبّـاس

جتني هواجيسٍ على كـل نوعِ

خلّك ليا أرسلتك هميـــمٍ وطـــــــوعِ

سهّاجة الواجـب عيـال التبوعِ

بدلال يشـدن البطـوط الوقوعِ

اردع بهــن همٍ لجـــا فـــــى  ضلوعِ

غير الظما ياعلي حاديـه جوعِ

يوم السعة ما حـدٍ يبي لـه فزوعِ

 

كان الرجال يحملون القهوة في أردانهم، لأنّهم لا يستطيعون الاستغناء عنها في حلّهم وترحالهم، وهذا الشاعر محمد بن ونيان من حرب، وهو شاعر واقعيّ، يعترف أنّ المرء بين يسر وعسر،

وكان له جار اقتنى دلالاً فاخرة وتظاهر بالكرم, ونزل على محمد ضيف، وأعدّ له القهوة بحضور جاره الثري، فأراد التباهي أمام الضيف بأنه يملك القهوة الجيّدة الغالية, فسأل محمد بن ونيان قائلاً: هل قهوتك يمانية؟ فقال: لا، إنها شامية. فطلب من محمد أن يكفأ الدلة ويعيد عمل القهوة، وناوله حفنة من قهوته, فأحرج محمد، وسكب القهوة، وأعدّ قهوة مما قدّمها جاره، وعندما خلد الضيف للنوم، وانصرف جاره إلى بيته، أنشد هذه القصيدة التي تصور حالته وحال جاره وما حدث بينهما :

يا الله يا اللـي سايلـه مـا يملّـه

تفرج لمن كنّه على صَالي ومَلّـه

لا ضاق صدري جبت نجـرٍ ودلّـةْ

وإن جا المسيّر عمس عندي دوا له

بكر على بكـر ليـا جيـت أزلّـه

وإن كثر هتّاش الخـلا مـا نملّـه

يومٍ ولد الـلاش ياقـف بظلّـه

ومعبّريـنٍ كـل وقــتٍ بحِـلّـه

حيٍّ هشيم وحـيٍّ نوقـد بجلّـةْ

ونوبٍ بيسرٍ ونجمع الكيـف كلـه

تعبا لضيفٍ عانـيٍ مـن محلـّه

يا منبت العشب الخضَر بالرِشاشي

متحيّـرٍ ضاقـت عليـه الممـاشي

وسوّيت مـــــا يطفي لهيـب بجاشـي

فنجال مــا ســــوّاه خطــــو الخداش

يشبه خضاب مردوعات النقاشـي

حقـّه علينـا فــزةٍ بانبهـاشـي

كنّه على درب المراجـل يهاشـي

نصبر على ما كاد والرزق ماشـي

ومـرٍّ نبهّرهـا ومــرٍّ بـلاشـي

ونوبٍ على الشاميّةٍ أم الغشاشـي

نمشي قصَاد ولا نحـبّ انتفاشـي

 

قال الشاعر سعد بن قطنان المراغين، يطلب من مساعده أن يجرّ الفراش ويقرّب الدلال والفناجين، ويصف لون القهوة التي يحتسونها، ومقدار جودتها وغلاء ثمنها:

جرّ الفراش لنا وهـات الدلالـي

ترى حلاة النـار دوم اشتعالـي

فنجال أشقر مثـل دم  الغزالـي

اتعب لها بالسوم لو كان غالـي

نشري لها المثلوث هو شف بالي

أربع مغاتيرٍ على النـار تدنـا

وسوقة فناجيلٍ عليهم من أدنـا

ليا نقص شي من الكيف زدنـا

لو كان زوّد بالثمن مـا  نشدنـا

لو كان سوقه نازح عن بلدنـا

 

ولسعيد بن قطنان المراغين يطلب من رويشد أن يشعل النار، ويحمس القهوة ويدقّها بالنجر، وهناك من يدقّ النجر فيخرج موسيقىآسرة تشنّف الآذان:

 قم يا رويشـــد شب ضـــو المنـاره

نجرٍ ليا حـرّك تزايـد عبـاره

يا مســـوي الفنجــــال كثّـر بهـاره

حاذـــور يا الصبـــــاب تثنـي مـداره

أحدٍ ليـا سيـر عرفنـــا وقـــــاره

كم واحدٍ ناشـي بليـا  خسـارة

هو يحسب أنا ما نعرف الصقـــاره

يا حبنـا والله لجمــــــع التـجـاره

ثم هات من صوته يقود المسايير

يا زين صـــــوته بين عوج الدواوير

جلـف ويتلنـه ثمـانٍ مغاتيـر

إلاّ على اللي ينطحون المخاسير

واحدٍ ليا سيـر يـدور التفاكيـر

مصبّرٍ نفسه على البخل تصبير

يعد عمره من حساب المناعيـر

لولا الحياء حنّا نَعَرْف المعاذيـر

 

 قال الشاعر نجا الرشيدى في وصف القهوة:

البارحة سهران فى هجعـة النـاس

العيـن ما نامـت ولا طبّهـا نعـاس

طارنٍ علي من الهواجيس هوجـاس

أكيل في مكيال فكـرى  والأحسـاس

قمت أضرب الأفكار بأخماس وأسداس

ليا قلت هانت ردها بالحشـا اليـاس

وسويت فنجالٍ يعالج خـوا الـراس

قلّبت حمستها على أطراف محمـاس

ودنّيت من صوته يهجرس تهجراس

وقنّنت طبختها على الكيـف بقيـاس

عطرٍ هوا ريحه مغـذّى للأنفـاس

خافه يهدّي خاطـرٍ فيـه وسـواس

عيـــني همومٍ بالحشــا مسهـرتهـا

تقـول سـلاة النـخـل مطرفتـهـا

فكـّرت بأوّلـهـا وفــى تاليتـهـا

وأردّها عن ضيقها في سعتها

وعينـي تفيـض بعبـرةٍ كاتمتهـا

الله يعـجـل بالـفـرج خاتمـتـهـا

فى دلةٍ جمـر الغضـا مـن تحتهـا

يمناى قبـل إحـراق حبـّه جذتهـا

نجـرٍ يـده جتهـا يـدٍ لاعبتـهـا

وقـدّرت قيمـة هيلهـا وقهوتـهـا

ليا شمّتـه نفـس العليـل اشتهتهـا

وتبرد جـروحٍ مهجتـى مخفيتهـا

 

فعارضه ولده فيصل نجا الرشيدى فقال:

قم يا قصيدى وانتفض واقضب  الفاس

وشبّ القوافى لا يجى لعينـى عمـاس

وسوّ أشقرٍ بنّه يداوى هـل البـاس

وصب المعانى واكتب الصدر قرطاس

جتنـى المعانـى كنهـا در والمـاس

من غالى فى خاطر الشعـر نبـراس

يالعنبوهـم تـقـل دق  الأجــراس

لا طبت يا راسى ولا طـاب الأونـاس

وأجهم وأغوص اليـم للهمّ عسـّاس

وأعقل رحول الغدر في صدر الأنجاس

يا بوى أنا ما عندى إلاّ أنـت بالنـاس

وهات الغضاه القاسية في صفتهـا

تـرى الطـوارى داخلـى مجهمتهـا

فى دلةٍ يا مـا السمـر قـد حمتهـا

النفـس ضاقـت والسمـا ماسعتهـا

وأغلى مـن بنيـات فيصـل سمتهـا

يمناه لـو تبغـى النجـوم وصلتهـا

وليا هجوسٍ كـل نفـسٍ هجتهـا

لين أعرف منين الهجـوس وجهتهـا

وأكبـح جمـوحٍ تبتـرم ساقيتـهـا

وأبذل نفيـسٍ فـى يـدى مبذلتهـا

وروحى لك اليمنى وهـذى صفتهـا

وقال سليمان المحمد الهزاع:

لافي على جمر الغضى سو فنجال

حيثك قديم مغربل البـن غربـال

خلّه على المطلوب يلفت لنا البـال

إلى انطلق من ثعلب المبهرة مـال

فنجال بنٍ من رخيـصٍ وغالـي

حكيم عنـد مصاطـرات الدلالـي

يفتح لنا المعنى بمبـدا  المقالـي

يشدي خضاب مخفـرات حيالـي

 

وقال أحد الشعراء يفرج عن ضيق صدره:

إن ضاق صدري قمت أحوف المعاميل

ونحط بالمحمـاس هيـلٍ بـلا كيـل

لمن غدت مثل السواحـل بـلا ذيـل

ولن أقبلن عوس الركايب مـع الليـل

نفرش لهم زيـن السجاجيـد ديبـاج

ونطلع لهم زين المواكيـل بصحـون

أحوفهن من قبل يبـدي بهـن عـار

ونحمس الطبخة على حاجـز النـار

حمرا وصفرا وصاحب الكيف بيطـار

نهفي لهم من قبل لا يـدري الجـار

ونجيب شاة ما حنا على الضيف حذّار

من حب برٍّ غارسينـه علـى أنهـار

 

 وقال آخر عندما شعر بضيق في صدره:

إن ضاق بالي شب لي تالي الليـل

ودنّي من الحاجات خمسه وثنتيـن

دنّي لي المحماس والنجر والهيـل

ودنّي لي الطبخة وجزل بها الهيل

شبه الزبادي بخد مريوشة العيـن

لا صار بعيون الرخـوم الرقـادي

ثمانيـة مالهـن شبيـهٍ يشـادي

وخمرة ومصفاتين وأربع زبـادي

اليا صار أشقر الفنجان جاي وغادي

ولا زهر نـوار فـي بطـن وادي

 

ونختم هذه الأشعار الخاصّة بالقهوة بقصيدة القهوة الشهيرة للشاعر محمد العبد الله القاضي:

يا من لقلبٍ كلّ ما التمّ الأشفاق

يجاهد جنود في سواهيج الاطراق

إن عن له تذكار الأحباب واشتاق

دنّيت له من غاية البنّ ما لاق

احمس ثلاثٍ يا نديمي على ساق

وإيّاك والنيّة وبالك والأحراق

لاصفرّ لونه ثم بشّت بالعْراق

أعطت بريحٍ فاضحٍ فاخرٍ فاق

دقّه بنجرٍ يسمعه كلّ مشتاق

لقّم بدلّةْ مولعٍ كانّها ساق

خلّه تفوح وراعي الكيف يشتاق

أصغر قموره كالزمرّد بالاشعاق

زلّه على وضحا بها خمسة أرناق

مع زعفرانٍ والشمطرى ليا انساق

ليّا اجتمع هذا وهذا بتيفاق

فنجال صيني زاهيٍ عند الارماق

لا صبّ من ثعبته تقول شبراق

شكّل غرا الفنجال صبغه كما راق

خمرٍ إلى منّه تساقى بالارياق

راعيه كانّه شاربٍ ريق ترياق

يحتاج من خمر السكارى إلى فاق

عبْثٍ يعيل بحبّةٍ منْه ما ماق

بين شْفتيه إليا غنج بارقٍ حاق

سحرٍ كتب من حبر عينيه باوراق

كنّ العرق بخدودها حصّ الارناق

إليا تبسّم شعّ واشرق بالآفاق

بالعنق كنّ المسك والورس به راق

يمشي برفقٍ خايفٍ مدمج الساق

إليا صفتْ لك ساعةٍ وأنت مشتاق

فليا حضر ما قلت عندي فالأرزاق

هذا وصلّوا عدّ ما ناض برّاق

عْلى النبي ما زجّ زاجٍ بالآوراق

من عام الأول به دواكيك وخفوق

ويكشف له أسرارٍ كتمها بصندوق

باله وطاف بخاطره طاري الشوق

بالكفّ ناقيها عن العذف منسوق

ريحه على جمر الغضا يفضح السوق

وأصحَ تصير بحمسة البنّ مطفوق

وغْدَت كما الياقوت يطرب لها الموق

ريحه كما العنبر بالأنفاس منشوق

راعي الهوى يطرب إلى طقّ بخفوق

بلّورةٍ مربوبةٍ قول غرنوق

ليا طفحْ له جوهرٍ صحّ له لوق

وكبارها الطافح كما صافي الموق

هيلٍ ومسمارٍ بالاسباب مسحوق

والعنبر الغالي على الطاق مطبوق

صبّه كفيت العوق عن كلّ مخلوق

يغضي وكرسيّه خْدانٍ لمعشوق

رنقٍ تصوّر بالحمامة على الطوق

دمٍّ لقلبٍ وإن مِزِع منه معلاق

وعْليه من ما صافيَ الورد مذلوق

كاس الطرب وسرور من ذاق له ذوق

خشفٍ يشفّ شفاه والعنق مفهوق

وْهو يضاهي باهي البدر بشعوق

عجلٍ رفيفه بالطهى يعطي طبوق

خدّيه صادينٍ ونونينِ من فوق

ينثر على صفحات بلّورة الشوق

نورٍ يفوق البدر مع حسن منطوق

ما مشخصٍ في صدره الشاخ مدقوق

يفصم حجولٍ ضامها الثقل من فوق

فاقطف زهر ما لاق والعمر ملحوق

بيدي كريمٍ كافلٍ كلّ مخلوق

وما شكا الفرقةْ شفيق لمشفوق

وآله وصحبه عد ما سيق ميسوق(6)،7

 

المراجع والمصادر

1: معجم الشعراءلأبي القاسم الحسن الآمدي المطبعة العلمية بيروت 1982م.

2: البداية والنهاية لان كثير دار الحديث القاهرة 1998م

3: شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي دار إحياء التراث بيروت.

4: القضاء بين البدو عارف العارف مطبعة بيت المقدس 1933م.

5: قضاء العرف والعادة عبد الكريم الحشاش مكتبة الأقصى دمشق 1991م.

6: الأدب الشعبي في جزيرة العرب عبد الله ابن خميس مطابع الفرزدق الرياض 1982م.

7: الأزهار النادية من أشعار البادية محمد سعيد كمال مكتبة المعارف الطائف مجموعة أعداد.

أعداد المجلة