فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
16

من تراثنا البحري أنواع من السفن الخشبية في البحرين والخليج العربي

العدد 16 - أدب شعبي
من تراثنا البحري أنواع من السفن الخشبية في البحرين والخليج العربي
كاتب من البحرين

إنّه من الصعب حتى الآن لدى الآثاريين على الأقل تحديد نوع السفينة التي شيدها سيدنا نوح عليه السلام بأمر من الله تبارك وتعالى وذلك قبل أكثر من خمسة آلاف عام . وأذكر هذا لسبب بسيط جدا وهو أنّ جميع القلاليف يدّعون أخذ الحرفة عنه عليه السلام . ومهما يكن من أمر فقد استطعنا أن نحدد بعض أشكال القوارب والسفن التي تظهر على نقوش أختام شعب دلمون والتي يعود تاريخ أقدمها إلى بداية الألف الثالث قبل الميلاد .

 

ولقد عرف عرب منطقة البحرين قبل الإسلام السفن والمراكب وحفظت لنا أشعارهم بعض أوصافها كقول طرفة بن العبد :

كأن حدوج المالكية غدوة

                    خلايا سفين بالنواصف من دد

والحدوج جمع حدج وهو مركب من مراكب النساء والتي كانت تستعمل قديما في المحيط الهندي والمياه العربية. وقد عرف العرب في البحرين فيما يبدو من شعر طرفة هذا النوع من السفن. وورد في شعر طرفة كذلك ذكر نوع آخر من السفن وهي الخلايا والواحدة منها خلية وهي السفينة الشراعية الكبيرة ولا تكون خلية عند العرب كما يذكر النحوي اللغوي أحمد بن عبيد إلا إذا كانت تجر وراءها قاربا، أي (قلص كما هو معروف في تراثنا البحري) شأنها في ذلك شأن الخلية من الإبل المعطوفة على وليدها .

وتذكر لنا كتب الرحلات عند العرب خاصة عددا من أنواع السفن التي شوهدت في المياه العربية وخاصة الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، منها البارجة وهي سفينة حربية حديثة وربما تكون في الأصل سفينة هندية وتعني برجة أي سفينة حربية كبيرة، استعملها العرب فقالوا سفينة بارجة أي كبيرة الحجم مكشوفة تستعمل عموما في القتال.

وقد ورد ذكرها عند بعض المؤرخين كالبلاذري صاحب كتاب (فتوح البلدان)، وذكرها كذلك الطبري في تاريخه المطوّل عند حديثه عن سنة 251 هـ.

الدونيج ولعلها تكون أصلا لكلمة داوDhow الإنجليزية التي ينتشر استعمالها عند الغربيين ويقصدون بها سفن الخليج التقليدية. وكلمة داو سواحلية وتعني السفينة. وقد ورد ذكر الدونيج في كتاب الادريسي (المتوفى 650 هـ/ 1166 م) المعروف بـ (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) عند كلامه عن الغوص في جزيرة أوال (البحرين) حيث يقول "فإذا كان أوان ذلك (يقصد وقت الغوص على اللؤلؤ) وصفى الماء للغطاس وأكرى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي دونج والدونج أكبر من الزورق وفي إنشائه وطاء ويقطعها التجار، في كل دونج منها خمسة أقسام وستة وكل تاجر منهم لا يتعدى قسمه مـن المركب".

وللحقيقة والتاريخ نقول أنّ ابن بطوطة (المتوفى 779هـ/ 1377م) الرحالة العربي المغربي الشهير قد حفظ لنا في مصنّفه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) ذي القيمة التاريخية والجغرافية والاثنوغرافية والفولكلورية المتميزة، أسماء عدد من المراكب والسفن المختلفة في البلاد التي زارها، وترك لنا وصفا عنها وعن أحوالها في ذلك الوقت. ذكر فيه المؤلف (الجلبة) ولعلها (الجالبوت) وقال إنّه ركبها في سفره بمياه البحر الأحمر من جدّة إلى اليمن. والجلبة نوع صغير من السفن كان يخاط بالحبال قديما، كما كان الحال بالنسبة للسفن الأخرى في المنطقة، وهذا يذكرنا بما قام به العمانيون عندما خاطوا بوم صحار ليجوب البحار في رحلة تاريخية إلى الصين في أقصى الشرق، وأرادوا بذلك إثبات مسألة وصول سفن الخليج والتي تصنّع محليا إلى مدينة كانتون الصينية. وذكر المؤلف كذلك (الصنبوق) وهو حتما (السنبوك أو السمبوق) وقال عنه "ثم ركبنا من ساحل البصرة في صنبوق القارب الصغير إلى الأبلّة وبينها وبين البصرة عشرة أميال". ومن أنواع المراكب (البيرجة أو الباروجة) وهي السفينة التي تمتاز بهيكلها العميق أي لها (خن) بطن عميق إلى حد مـا. والباروجة كلمة فارسية تعني الأصيص الذي يكون فيه الزرع، ولعل التسمية هذه جاءت من شبهها الكبير به وخاصة في عمقه، وقد ذكر المقدسي (المتوفى 380هـ / 990 م) نوعا من البيرجة وهي من السفن المستعملة في الخليج العربي قديما، ولعل هناك صلة بينها وبين البارجة التي ظهرت فيما بعد. ويعتقد بعض المؤرخين أنّ البوم وهو من السفن التقليدية في المنطقة قديم جدا ربما يعود إلى عصور حضارة دلمون وحضارة وادي السند في شبه القارة الهندية. ولا نكاد نلحظ له ذكرا في كتب الرحالة في العصور الوسطى إلا أنّه عاد ليظهر من جديد إبّان حركة الكشوف الجغرافية التي قام بها البرتغاليون في المحيط الهندي والبحار العربية الجنوبية وذلك في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلاديين. ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا بأنّ الوجود البرتغالي في الخليج العربي وبحر العرب قد أدّى إلى تأثر صناعة السفن ببعض ملامح تلك السفن البرتغالية، فقد أخذ أهل الخليج يقلّدون بعض ملامحها فظهرت لديهم بعض الأنواع الهجينة إن جاز لنا التعبير، مثال على ذلك ما صار يعرف عندهم بـ (البغلة) وخاصة مؤخرة هذا النوع وارتفاعها وطريقة تركيب سكانها أي (دفتها) حتى غدت فيما بعد تزّين بنقوش محلية تشبه تلك التي نراها أحيانا على الأبواب والنوافذ في العمارة التقليدية عندنا. وورد في المعجم اللغوي (المنجد) في مادة (ركب) ما يلي: ركب ركوبا ومركبا، وركب على الدابة أي علاها ، وركب البحر أي سافر فيه، وركب الطريق أي مشى عليها، وركب أثره أي تبعه، والمركب مفرد المراكب، والمراكب منها البحرية ومنها البرية.

وظهر في القرن العشرين ما يعرف بالمركبات وهي السيارات والطائرات وسفن الفضاء ذات السرعة الهائلة. والمركب عند آبائنا وأجدادنا مفهوم جديد ورد إليهم مع دخول عصر جديد للملاحة البحرية وهو عصر إدخال الآلة بدل الشراع سواء كانت آلة البخار أو آلة الاحتراق وهي عندهم (الماكينة أو المكينة). ومن الأسماء التي شاعت بينهم للدلالة على السفن والمراكب (الخشب) وتطلق في الغالب على الجمع، ونادرا ما يراد بها المفرد. وأسموها خشبا لأنها تصنّع منه من باب إطلاق اسم الكل على الجزء. و (المحامل) ومفردها محمل والشيء بالشيء يذكر، فالمحمل عند العرب هو الهودج على ظهر الجمل، ولعل تسمية السفن بالمحامل جاءت أساسا من هذا المصدر أو لأنها أتت لكونها تحمل المسافرين والأمتعة أو أنّها يحمل عليها الناس والبضائع ويحملها البحر من مكان إلى آخر.

ولقد سمعنا بعضهم يسمي السفن (بدن) والواحدة منها (بدنة) والمعروف أنّ البدنة هي الناقة، وقد ورد في القرآن الكريم قول الله عزّ وجلّ "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فأكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون" (سورة الحج الآية 36). كم أنّ البدنة هي (جسم) أو جذع الشجرة الذي يقطّع إلى ألواح عريضة يصنع منها جسد السفينة.

وتعددت أسماء السفينة في البحرين والخليج عامة، واختصت بلاد دون غيرها بأنواع معينة استخدمت بعضها للصيد والبعض منها للغوص على محار اللؤلؤ والبعض الآخر للتجارة والأسفار الطويلة ولنقل الركاب من بلاد إلى بلاد أخرى. وتجد في أحيان كثيرة نوعا واحدا منها قد استخدم لهذه الأغراض جميعها، إلا أنّ حجمها يختلف في كل مرة باختلاف مهمتها التي بنيت من أجلها. أو لعل بعضها يكون قد غيّر مهمته من غوص على محار اللؤلؤ إلى صيد أو من صيد إلى غوص وهكذا.

أما بالنسبة لأحجام السفن التقليدية فهي متفاوتة في الحجم أوالجرم والشكل أو ما يعرف عند القلاليف بـ (الكبر والحملة والويه أي الوجه، والصدر)، وهناك ما يشبه العرف بين القلاليف بالنسبة لحجم السفينة ونوعها، ومن المعروف أنّ (الفرتة أو الوارية أو الشاشة) لا يمكن إلا أن تكون صغيرة الحجم جدا بحيث لا يتجاوز طولها طول جريدة النخل الطويلة ، وكذلك (البلم) الذي يصنع بحفر جذع من شجرة الساج أو نحوها ، يتراوح قطره ما بين أربعة إلى خمسة أقدام تقريبا. وقد يتخذ البلم (قلصا) إلا أنّ القلص عموما يصنع كما تصنع السفينة تماما ويكون عادة صغيرا جدا. ولا يستعمل فـي تـسيره إلا المجاديف أو (الخطرات) وهي نوع من الخيزران السميك القوي ، ويكون القلص عادة كقارب النجاة بالنسبة للسفينة الكبيرة حيث يسير خلفها ويستعمل غالبا في التنقل بين البر والسفينة ولنقل المؤن والأمتعة عليه إليها. أما (التشالة والجالبوت واللنج والهوري والشوعي) فنادرة جدا أو نكاد لا نراها بالحجم الكبير ونقصد بالحجم الكبير هنا ما يتراوح طوله بين 50 – 100 قدم أو يزيد، وغالبا ما تأتي هذه الأنواع الخمسة بالحجم الصغير، وكانت تستخدم في الصيد في المياه الساحلية الضحلة نسبيا ، كما أنها استخدمت كـ (عبارات) لنقل الركاب بين جزيرتي المنامة والمحرق والجزيرة (جزيرة النبيه صالح) وذلك قبل إنشاء الجسور بعشرات السنين. كما استخدم بعضها لـ (قص) أي قطع الحصى أي الحجارة و(الفروش) وهي القطع المسطحة والرقيقة من الحجارة البحرية، وخاصة الجالبوت وكانت تسمى حسب وظيفتها (الحصاية) أما الحجم المتوسط منها ونقصد به ما يتراوح بين عشرين إلى ستين قدما أو يزيد قليلا، فقد استخدم هذا الحجم من النوع (الجالبوت واللنج والهوري والشوعي) في الغوص على محار اللؤلؤ وصيد الأسماك في الغالب. أما التشالة فقد استخدمت لنقل البضائع من وإلى (الفرضة) الميناء من السفن الكبيرة التي كانت ترسو في المياه العميقة بعيدا عن الساحل.

ويعتبر (البانوش) من أحدث أنواع السفن التقليدية القديمة الموجودة في بلدان الخليج وفي البحرين بشكل خاص، ويعتقد أنه النوع المطوّر عن السنبوك. وقد استخدم بأحجام مختلفة، فالصغير منه للصيد القريب وللعبرة أي نقل الركاب محليا، ومتوسط الحجم للصيد والغوص. كما استخدم في بعض الأحيان كسفن خفر للسواحل في المياه الإقليمية. أما الحجم الكبير منه وهو قليل في العدد نسبيا فقد استخدم لنقل الركاب بين موانىء الخليج وفي (القطاعة) وهي التجارة بين موانىء الخليج شرقيها وغربيها، شماليها وجنوبيها. أما السنبوك فهو من السفن العربية العريقة والقديمة في مياهنا العربية في الخليج العربي وبحر العرب جنوبا والبحر الأحمر غربا. وربما هناك علاقة بين تسميته بالسنبوك وبين سنابك الخيل أو الدابة عموما. بينما يرى بعضهم أن هناك تشابها في اللفظ بين إسمه وبين الكلمة الهولندية (تشيامبوكس Chiambox) والتي يعنون بها تلك السفينة الخاصة بالغوص على اللؤلؤ. وقد لا نستغرب أصل الكلمة الهولندية إذا علمنا أنّه كان للهولنديين دور في تجارة اللؤلؤ خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين من تاريخ الخليج العربي.

ومن العجيب حقا أن السنبوك في القاموس المعجم يعني الزورق الصغير، ومع ذلك فإنّ آباءنا وأجدادنا من القلاليف صنّاع السفن كانوا دائما يصنعون السنبوك بجرمه المتوسط والكبير والكبير جدا في بعض الأحيان. أما المتوسط منه فكان يستخدم في (القطاعة) أي التجارة الخليجية الداخلية وفي الغوص على اللؤلؤ أما الحجم الكبير منه فكان للأسفار البعيدة خارج مياه الخليج العربي . ويعتبر (البوم) من أهم وأكبر السفن الخليجية حجما ولا علاقة في التسمية بينه وبين طائر البوم أو البومة، وقد أشار الشاعر الكويتي المعروف خالد الفرج إلى ذلك قائلا:

ولا تحســـبن البوم طيرا

                       فما هو غير فلك ذي شراع

 وقد يكون معنى كلمة بوم هو نوع من السفن الشراعية الكبيرة كما هو في اللغة الإنجليزية (Boom). وكان يستخدم في الأسفار البعيدة والتجارة البحرية الدولية لعظم حجمه وأسلوب بنائه. وكثيرا ما كان يستخدم في تسييره شراعان وثلاثة أشرعة وقد اشتهرت به منطقة الخليج واهتم بصناعته واقتنائه أهل الكويت خاصة واتخذوه كسفينة وكراوية وهي السفينة التي تقوم بنقل المياه العذبة من شط العرب جنوبي العراق إلى مدينة الكويت، كما سافروا به بعيدا للتجارة حتى وصلوا مدن جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا وغرب الهند وجزيرة سرنديب وهي سيلان أو سريلانكا اليوم. ومن هذا النوع عرفت منطقة الخليج بوما آخر كان يسمى (بوم بوقاعة) ويختلف عن البوم العادي باستواء قاعدته أي إنّ قاعدته (قاعته) عريضة من الأسفل وكان الغرض من ذلك أن يكون طافيا أكثر، على سطح الماء وليستوعب حمولة أكبر وأثقل من غيره. واستعمل عادة كالتشالة لنقل البضائع الثقيلة من السفن الكبيرة التي كانت ترسو في المياه العميقة بعيدا عن الساحل أو المياه الضحلة. ويمتاز البوم عموما بمقدمته المائلة التي تنتهي في الأعلى بامتداد طويل يكون الرأس فيه منحنيا مملسا على شكل نصف دائرة . وتشبه مؤخرته مقدمته في الميلان وبوجود السكّان أي الدفة .

البقّارة وهي من سفن الغوص القديمة في المنطقة، متوسطة الحجم إذ يبلغ طولها عادة ما بين أربعين إلى مائة قدم. ولا يوجد شبه بينها وبين البقرة ولا ندري لماذا سميت بالبقّارة، وإن اعتقد البعض بأصلها الأفريقي السوداني وقال بأنّها من سفن قبائل البقّارة هناك. وربما يكون اسمها قد حرّف من أصلها العربي القديم (بركة) والتي كانت آنذاك عبارة عن سفينة خفيفة سريعة الحركة وقد استعملها العرب في الجاهلية والإسلام وهـي تختلف تماما عما هي عليه من الضخامة والحركة المعتدلة. وقد بدأت البقّارة في الاختفاء تدريجيا في أوائل القرن العشرين لتفسح المجال لأشكال أخرى بدأت تأخذ مكانها في الساحة كالجالبوت والبوم والشوعي وغيرها.

 البغلة سميت بهذا الإسم تشبيها لها بالبغل الذي عرف بقدرته الفائقة على تحمّل الأحمال الثقيلة والسير بها لمسافات طويلة. وهذه هي حال سفينة البغلة في البحر وهي سفينة تمتاز بحجمها الكبير وبمؤخرتها ذات النوافذ والنقوش الجميلة، وعادة ما كانت تحتوي على مقصورة على سطحها أو ( فنتها ) أي الجزء من سطحها القريب من مؤخرتها، وكانت تسير بالشراعين أو بالثلاثة لتقطع المسافات الطويلة بأكبر سرعة ممكنة.

البتّيل من السفن التقليدية التي استخدمت في الماضي في الغوص على اللؤلؤ والطواشة. وتمتاز بميليها المتجانسين، أي أن مؤخرته لا تختلف عن مقدمته أو بعبارة أدق لا (رقعة) مؤخرة عريضة له. وربما يكون شكله من بقايا سفن الفينيقيين الذين يعتقد أنّهم مرّوا بساحل الخليج العربي وهم في طريقهم نحو ساحل البحر الأبيض المتوسط في لبنان. وهو من أنواع السفن الكبيرة نسبيا، وكان يستخدم في الماضي في الحروب وخاصة بواسطة المغامرين لما عرف عنه من سرعة الحركة والمناورة. ولا نعرف شيئا عن أصل تسميته بالبتّيل، وهناك سفينة ذات صار واحد تعرف بالإنجليزية بـ (سابتيل Subtile) تمتاز بوجود ساحتين للقتال إحداهما عند المقدمة والأخرى عند المؤخرة يمكنها أن تستوعب ثمانية مدافع اثنان منهما ثقيلان أحدهما في المقدمة والآخر في الجزء المدبب من المؤخرة، ولعلها قلّدت في المنطقة العربية لتسمى بعد ذلك بـ (بالبتّيل) باللهجة العربية المحلية.

الغنجة لعلها في الأصل قد جاءت من الهند وهي تشبه سفينة (البغلة) في مؤخرتها ونوافذها وما عليها من نقوش جميلة. والغنجة من سفن الأسفار البعيدة والتجارة البحرية الدولية، ومن أشهر من تفنّن في صناعتها أهل مدينة صور العمانية على ساحل بحر العرب، وكانت تستخدم عندهم في الملاحة البعيدة حتى وصلت حـدود أفريقيا الجنوبية غربا والهند والصين شرقا.

الدنقية وتتميّز عن سابقاتها بارتفاع مؤخرتها حتى لتبدو وكأنها أعلى شيء فيها. وهي مـن السفن القديمة التي استعملت في التجارة في الخليج والمحيط على السواء. وقد تصل حمولتها إلى ثلاثمائة طن من البضائع والسلع المستوردة أو المصدرة.

هذه نبذة سريعة عن بعض أنواع السفن الخشبية التقليدية التي عرفتها البحرين وغيرها من بلدان المنطقة، وهناك مسميات كثيرة تنتشرهنا وهناك لعدد من هذه الأنواع أو غيرها مما عرف في بعض المناطق ولم يعرف في غيرها، فهناك على سيبل المثال (الشاشة، الماشوة، الزاروق، الكيت، والكوتية، والشاحوف، والمنور، الدنكري، العشاري، البسالة، المقيرة، الغراب، والصنقريري، البرعاني، والحدوج، والباروجة وغيرها كثير) إلا أننا قد حاولنا حصر أشهرها في المنطقة وما استعمل منها في البحرين وعلى الخصوص في الغوص والقطاعة (أو التجارة البينية) والتجارة الدولية والصيد ونقل الركاب والمسافرين.

والجدير بالذكر أن هذه الأنواع من السفن قد مرّت بمراحل تاريخية ساد فيها نوع ثم حلّ محله نوع آخر أكثر ملاءمة منه لما جدّ من حاجة أو وظيفة وهكذا. ولعل عرب الخليج قد قلّدوا في بعض أشكال سفنهم ما كان يرد إلى مياههم أو يرونه في أسفارهم من سفن الهنود والبرتغاليين وغيرهم كالأفارقة. وقد استطاع (القلاف) صانع السفن المحلي أن يكيّف بذكائه وخبرته ومهارته جسد السفينة حسب طالبها وأن يبني له ما يروق له من أنواع السفن التي تجوب المنطقة. وأشهر سفن الغوص في البحرين هي الجالبوت والسنبوك والبوم والبانوش، وأشهرها للتجارة البوم والجالبوت والسنبوك ذات الأحجام الكبيرة، وأنسبها للأسفار البعيدة البوم. ومما يرويه لنا الآباء عن الأجداد حرصهم الشديد على تسمية سفنهم بالأسماء المحببة إليهم والتي عادة كانوا يتفاءلون بها ويرجون فيها الخير والسلامة. فلقد عاش العرب مع نوقهم وجمالهم وكانوا يتخيرون لها الأسماء وهكذا هم دائما فعندما وصلوا ساحل البحر وتركوا أعقلة جمالهم وأمسكوا بحبال سفنهم لم ينسوا جمالهم ونوقهم بل أطلقوا أسماءها على سفنهم التي أحبوها ورجوا الخير فيها كما كانت جمالهم ونوقهم، فمنهم من أسمى جالبوته (بركة) ومنهم من سمى بومه (سمحان) ومنهم من أطلق إسم (مساعد) على بتيله، ومنهم من أطلق على سنبوكه إسم (مرزوق) وهكذا.

أعداد المجلة