فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
17

الثقافة الشعبيـة.. مستودع ذاكرة الهوية

العدد 17 - التصدير
الثقافة الشعبيـة..  مستودع ذاكرة الهوية
السودان

الثقافة الشعبية أو الفلكلور أو الموروث الثقافي ...الخ كلها مترادفات لمقصد واحد هو ثقافة الشعوب المتداولة بينهم والمنقولة من جيل إلى جيل. قام بتعريفها الكثيرون، لثيودور قاستير في القاموس الوسيط للفلكلور والميثولوجيا والخرافة حيث قال:"هو ذلك الجزء من الثقافة الإنسانية المحفوظ شعوريا أو لا شعوريا في المعتقدات والممارسات والعادات وفي ما يحدث في المحيط الاجتماعي في الاسطورة والحكاية والخرافة. من ناحية أخرى يعبر الفلكلور عن الاخلاق والقيم التي تميّز المجموعة وليست تلك التي يحملها الفرد، مودعة  في فنونه وحرفه وصناعاته... انتهى تعريف ثيودور قاستير.

فإذا كانت القيم والأخلاق الخاصة بهذه الأمة أو تلك مودعة في الثقافة الشعبية فلا غرو أن يكون ميلاد هذه الدراسات في أوروبا  متواكبا مع ظهور القوميات الحديثة.  ولي قناعة راسخة أن نشاط الشعوب في حركة حياتهم اليومية، في أدبهم الشعبي وعاداتهم وحرفهم التقليدية وفنون أدائهم من موسيقى ورقص وغناء هي مستودعات للذاكرة الجمعية إذا استنطقت نطقت بهوية أهلها قسما وحقا. وهذا لا يتأتى إلا من خلال الجمع الميداني المباشر الذي يساعدنا على فهم الثقافة من داخل جسمها فهما موضوعيا  أصيلا يقوم على النظر بعيون الشعوب و النطق بلسانهم وليس على اطلاق الأحكام من الخارج و بالوكالة عن الشعوب.

عانت الدراسات كثيرا من الاهتمام بالتاريخ السياسي والإداري وطغيان ذلك على التاريخ الثقافي الاجتماعي، وهذا ليس تقليلا من شأن التاريخ السياسي أو الإداري، فالسياق السياسي مع السياق الاجتماعي والاقتصادي و الايكولوجي هي السياقات التي تنتج الثقافة الشعبية في إطار التراكم التاريخي.

جاءت كلمة حق في مفتتح العدد الأول من مجلة الثقافة الشعبية الصادرة 2008 "هو السعي الى الإحاطة بأصول الأنا فينا في زمن الخشية والحيرة والاضطراب ازاء توجس الآخر منا وتخبطنا في تقديم أنفسنا إليه. وأنى لنا أن نفعل  والنماذج تتعاورنا  كأنها تأخذنا من جذورنا" وهذا قول في صلب حقيقة فهم الأنا و فهم الآخر المستند على مخزون  مستودعات الذاكرة الشعبية الشاهدة على الهوية والناطق الرسمي بأسم الشعوب في كشف هويتها والتعبير عنها.

دراسة مستودعات الموروث والثقافة الشعبية كذاكرة جمعية ليست ترفا وانما هي محاولات جادة لاستنطاق السجل الثقافي لفهم الثقافة من داخل جسمها لكي تعبر هذه الثقافة أو تلك عن نفسها يتعين علينا الابتعاد عن اطلاق الاحكام القيمية المسبقة والقفز فوق الحقائق.

المعروف أن الموروث الثقافي أو الثقافة الشعبية تتسم بميسم التوليف الثقافي السلمي لأنه في كثير من المستودعات الثقافية نجد توليفا من تيارات  ثقافية متعددة، متصالحة و متحدة و منسجمة انسجاما تاما، كان ذلك في طقوس العبور أو القصة الشعبية أو الشعر أو الثقافة المادية أو ثقافة الأداء والموسيقى وكذلك فى اللغة العامية التي ينطق بها هذا النشاط البشري، فإلى جانب التيارات المحلية نجد تيارات ثقافية أخرى وافدة  تأخذ شكل هارمونيا ثقافية عالية الإنسانية –هذا هو الفهم الذي تنشده، أذ أن الثقافة الشعبية هي ثقافة سلام لا مراء فيها ولا شك.

أذكر هنا ايضا ان كل أدبيات المنظمة الدولية للفن الشعبي تقوم على عمد واحد هو ان الثقافه الشعبية هي ثقافة سلام.

ثانيا، يتعين علينا الابتعاد عن روح الدراسات الأولى التى سيطرت على الفكر الأوروبي والتي جربها وعاشها الرواد الأوائل لعلم الفلكلور، وهي روح أجسامهم بأن اساليب العيش الحديثة تهدد الموروث الشعبي بالاندثار وكان ذلك من جراء الحركة الرومانسية التي سادت الفكر الأوروبي وأشاعت فيه الحنين الى حياة الماضي وبساطة الحياة الريفية ونقائها. على إثر ذلك انتشرت هذه الفكرة وهي أن الثقافة الشعبية أو الفلكلور دائما تبتعد عن ساحة الحاضر زمانا وعن الحواضر والمدن الكبيرة وحركة الحياة اليومية مكانا وواقعا معاشا. لكن يمكن مقابلة هذه الفكرة بفكرة واقعية مغايرة للفكر الرومانسي، وهي أن حركة التاريخ المستمر والحياة المتجددة تجددا يفرضه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي و الايكولوجي في اطار التاريخ – بالضرورة- تفرز في كل مرحلة قيما وأخلاقا وعادات وطرق للتعبير تتفق مع طبيعة التغيير الذي حدث في المكونات الأساسية للمجتمع. إذن الثقافة الشعبية هي ليست بالبعيدة عنا زمانا ومكانا وليست هي مرتبطة دائما بحياة الماضي وبساطة الحياة الريفية ونقائها !!

 

أعداد المجلة