فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
19

أغنية سكابا

العدد 19 - أدب شعبي
أغنية سكابا
كاتبة من سوريا

أعتقد أنها الأغنية الوحيدة التي لا تحتاج لشرح معناها، أو تفسيره، ونحن لو حاولنا إيجاد معانٍ أخرى لها، فسنكون كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء.
أغنية سكابا بقافيتها الرائعة، الحنونة، المفتوحة كنافذة رحبة لا تقودك إلى اللحن بشكل تلقائي فقط، بل تحملك وتعلو بك، وتبعد في سماء قافيتها الممتدة التي لا نهاية لها. فلفظها يدل على الطلب من العينين أن يسكبا الدمع على فراق الأحبة، فهي في أصلها أغنية الأحزان بامتياز، ثمّ حورت لأهداف أخرى.

إذا قلنا إن أغنية سكابا تذرف مقاطعها الدموع، لا نكون مخطئين، لأنها تعد من أغاني الأحزان عند النساء، وهن يرددن غالباً مقاطع منها, تستدر الدمع, وتمس العواطف. مما يعدونه دواءً شافياً للقلوب التي أثقل عليها الحزن وتراكم فيها جبالاً، لا سبيل لإزاحتها، أو تبديدها سوى بالغناء الحزين. الذي يفتح نافذة للروح تشتم منها رائحة الأمل في الحياة. والسبب الثاني أن في بعض مقاطعها عبرة عما مر في حياة الناس، وصوراً لأحزانهم تجعل أهل الحزن يشعرون بأن الحياة لا تترك أحداً ينعم بنعيمها كله، دون أن تمد يدها وتذكره بقسوتها وسطوتها، وهي من ناحية العروض من البحر الوافر.

وإذا قلنا إن سكابا بعيدة عن تصوير حالات المحبين ووصف مشاعرهم، نكون مخطئين.

ومما يؤيد أن سكابا من أغاني الحزن، هذا المقطع من أغنية يا مشمل:

يا ويل يا ويلي من البابا

                               همي وبلايي مـن البـابا

بالله لا تغنوا عسكابا

                               بيجوا أحبابـي عابالـي

 

فسكابا ليست للحزن فقط ولا للحب فقط إنها مثل كل الأغنيات التي غناها الناس، شرحت أحوالهم في السراء والضراء، حكت عن معاناتهم، حكت عن أعمالهم، ومشاكلهم في كل حالة مروا بها، ولكن ما يجعلها في عداد الأغاني التي تستدر الدمع هو قافيتها الرقيقة، وليس كلمات مقطوعاتها التي لا تختلف عن سواها كثيراً.

ما دمنا نوهنا إلى أنها تعد من أغاني الأحزان، تصبح بهذا أغنية أنثوية، تناسب المرأة لرقتها، وتناسب المرأة لإيقاعها المنخفض، فهي أغنية الأمهات لأطفالهن كي يناموا، وأغنية الجدات وهن يستعرضن العمر الذي مضى، وأغنية الشابات اللواتي يودعن حبيباً، أو يصبن بنكسات الحب المتوقعة.

أما صلاحيتها كي يغنيها الرجل، فقد يرددها وهو يعمل منفرداً في أرضه، أما أن تغنى بين الرجال، فلا تصلح الأغنية لهكذا موقف. وعن صلاحيتها للرقص في الدبكة أقول: إن أولئك الناس كانوا قادرين مع آلاتهم الموسيقية المحدودة لتطويع أي لحن كي يغدو صالحاً للرقص، ومن يغنيها عادة هي المرأة بصوتها الحنون كي لا تفقد رقتها ...

ونلاحظ في سكابا نفس مسيرة مقاطع الليا، فالليا كانت تبتدئ معظم مقاطعها بـ(قومي العبي) وهنا نجد إشارة وتنبيه يقول: (شوف الزين). وهذه المقدمات للمقاطع لن تنحصر في هاتين الأغنيتين، بل سنجدهما في أغاني أخرى وقد تكون هذه الكلمة التي يبتدئ بها المقطع أشبه بالقافية الابتدائية، تعطي المستمع شعوراً أن الأغنية قصة واحدة جرت في مكان معين. مع أنه لا لزوم للعودة والتذكير بأن هناك مطلعاً لكل أغنية بنيت عليها عدة شطور، ثم تناقلها الناس وبنوا عليها، وأضافوا شطوراً أخرى هنا وهناك. كما تقلد خياطة ثوب رأيته, بخاصة بعد أن يعرفوا اللحن. فأنا أشعر أن وضع القالب الموسيقي، أصعب من وضع القالب اللغوي. ولكن اللغة توحي باللحن أيضاً.

وسنرى بعد هذا أن أغنية سكابا تتحدث عن الحب أكثر مما يظن أنها أغنية الأحزان.

 

لازمات سكابا:

لازمات سكابا تختلف عن سواها فبعضها عبارة عن شطرين متكاملين يشكلان قصة قصيرة ويصفان موقفاً يتجلى للذهن وتكاد تتصوره العين لوضوحه منها:

سكابا يا دموع العين سكابا

                        وحدِك وحدِك لا تجيبي حدابا

وإنْ جيتي وجبتِِ حدا معاكِ

                        تا هدّْ الدار واجعلهـا خـرابـا

وبعضها عبارة عن شطر واحد:

سكابا يا دموع العين سكابا

                        إلـك اللـه يـا المالـك حـدابـا

أيضاً:

سكابا يا دموع العين سكابا

                        طير الشام يا مسلـي الغرابـا

أيضاً:

سكابا يا دموع العين سكابا

                        تعذبنـــي ولا بحمـل عـذابـا

أيضاً:

سكابا يا دموع العين سكابا

                        أهـلك بالشام وأهلـي بحلابـا

سكابا يا دموع العين سكابا

                        على الحلوين وابكوا يا شبابا

 

مقاطع سكابا:

شوف الزين يا يوما أشوفُـهْ

                  حسن وحسين ومحنى كفوفه(1)

وحق الله يوم اللي ما شوفه

                        هاك اليوم أصعب مـن سنـابا

شوف الزين يا يوما أشوفـُهْ

                  حسن وحسين ومحنى كفوفه(2)

يا حيف الزين ويضيع معروفه

                        يبــدل البــاز بطيـر الغرابـا

 

شوف الزين ماشي بالبريّـهْ

                 الخد أحمر وجوز عيون عسليّهْ(3)

 

كرمال الزين راح غني غنيّهْ

                        بلكــي الــزين يـردلي جوابا

شوف الزين عَباب المضافي

                        يتمايــل ويغنــي قوافـي(4)

حدو مرقت قلتــلو عوافــي

                        حــرام الـزين يسقيني عذابـا

شوف الزين يغمزني بعينـو

                        مرّْ الميل من عيني لعينـو(5)

والمحبوب يا ربـي وتعينـو

                        وتحفظ قامتـو بيــن الشبابا

 

1 : صفة الزين تطلق على المرأة كما تطلق على الرجل، ولكنها هنا والأرجح أتت في وصف الرجل، الذي شبه حسنه وجماله بسيدنا الحسن وسيدنا الحسين عليهما السلام. والإشارة إلى تحنية الكفوف ليست من صفات الرجال، بل النساء، فالرجل العريس يحني خنصره فقط. على أية حال تشابيه الحسن هذه قد تكون للمرأة وللرجل كما أسلفنا، وكلاهما يستصعب اليوم الذي ينأى به عن حبيبه، ويشعر أنه يعادل سنة. ولا أعتقد أنه وجد قبل أغنية سكابا، ولا بعدها أجمل وأسلس من هذه القافية.

- في الشطر الثاني اختلف الأمر كثيراً عن سابقه، ويتجلى لنا أن من حنّى يديه هي المرأة التي زوجت لرجل غير ذاك الذي يحبها فهو بعد أن امتدح جمالها وحسنها الذي يعادل جمال الحسنين في نظره, أبدى شديد أسفه لغلطتها القاتلة, وضياع معرفتها بمعدن الناس هباءً، بعد أن أقدمت على استبدال حبيبها الذي يلقب نفسه (بالباز) أكثر الطيور قيمة وقدراً، وبين من تزوجته، وقد أطلق عليه اسم الغراب، وهو أحط الطيور قيمة.

أما الحناء، فهو الخضاب، ما يخضب به من حناء، وكتم ونحوه, وخضب الرجل شيبه بالحناء. وعبد المطلب أول من خضب بالسواد من العرب، واختضبت المرأة وكل ما غير لونه فهو مخضوب- اللسان.

وعن الكتم، ومن التراث العربي نورد ما جاء في وصف جارية، كاتبة إسمها علم، ووصف الحناء والكتم1.

أفدي البنان وحسن الخط من علم

                        إذا تقمعـن بالحنـاء والكتــم

حـتى إذا قابلـت قرطاسهـا يـدها

                        تـرى ثلاثـة أقـلام علـى قلـم

 

- في أغنية سكابا لا حاجة لترديد لازمتها بعد كل مقطوعة، إنما يتسم الغناء بإعطاء الكلمات الأخيرة مداها براحة ومدّ لطيف. وخلال كتابة مفردات الأغنية نضطر لإعطاء الكلمة نغمتها غير آبهين باللغة التي تتغير كثيراً مع مفرداتها خلال الغناء مثلاً المضافة، تصبح المضافي، والعوافه، العوافي. وقد مرت مفردات كثيرة كتبناها حسب نغم الأغنية2 .

3 : الوصف للمرأة التي تعمل في الأرض، وتستيقظ قبل طلوع الشمس كأنها تسابقها لإحياء الكون وإغنائه، وفي العمل تنشط الدورة الدموية، وتتورد الوجنات.

وأغنية هذا الرجل عبارات تودد، وتقرب من صاحبة العينين العسليتين، والجواب نعم أولا. وليس أغنية ترد بها المرأة عليه مع أن المرأة قد تفعل ذلك إذا كانت موهوبة وقوية الشخصية.

4 : وصف للمرأة ليس بالضرورة أمام بيت شعر يسمى عند العرب مضافة، بل أمام منزل عامر يتسم أهله بسعة حالهم، واستعدادهم لاستقبال الضيوف.

وكون هذا الزين، رأى المرأة تتمايل, فهي الأنثى دون شك والمرأة تحب الغناء في منزلها، وحين تعمل كي تخفف عبء أعمالها. وإشارته إلى القوافي الأغاني المقفاة التي تغنيها هي إشارة إلى تذوقها الشعر وقدرتها  على تطويعه في الغناء، بشكل لا يسيء إلى معانيه.

هذه المرأة، التي ربما هي (قوالة) شاعرة، وقد مر بجانبها هذا المغرم، وحياها لإعجابه بها وبتميزها عن سواها، تميزاً يرغبه بها أكثر، ويخشى بعد هذا التودد والوصف أن يكون ردها سلبياً كأنه كأس عذاب يتجرعه.

5 : لا زال الوصف للزينة أخت الزين، التي كحلت عينيها بميل الكحل، فبدت خطوط الكحل واضحة في عينها حتى شعر أنها امتدت إلى عينيه هو حين أشارت إليه بهدبيها، ربما محيية، أو مرحبة بقدومه. فالمرأة أولاً وأخيراً وغالباً لها الكلمة الفصل في أمر القبول أو الرفض عند كرام الناس. والشطر الثاني على لسان المرأة المرحبة، تتوسل إلى الله أن يكون له معيناً، ويحفظه بين الشباب لتميزه عنهم، ونعود لنقول: إن المرأة تحب من خلال القلب كأم وأخت وابنة فيما الرجل يحب المرأة من خلال عينيه اللتين يسحرهما جمال المرأة وشكلها الخارجي وأين من هذا ذاك؟

طبعاً من غير المعقول أن يقول الشاعر، أو القوال، أو المحب شطراً من الشعر، ويترك تتمته للمرأة كي تقوله، فقد يترجم هو أو هي ما يجول بخاطر الآخر وكأنه يشركه في قول البيت. فالقصيدة تأتي متكاملة من بدايتها، وكذلك الأبيات التي تنسج على منوالها مع الزمن. ولكن القائل من رجل أو امرأة يراعيان ما يخص المرأة من أوصاف وما يخص الرجل كذلك. ولا أرى ضيراً في هذا.

شوف الزين عند البحر مارق

                     معو أولاد مصر هالسناجق(6)

نصـب قدامهـن أربــع بيارق

                        وميتيـن ألـف تخـدم بالركابا

شوف الزين عند أمـي وبيـيّ

                        رميت سلام ما ردوا علييّ(7)

عتبـة بيتهــم تحــرم عليـيّ

                        طول ما التين يورق والعنابـا

أو:

عتبـة بيتهــم تحــرم علــيّ

                      طول ما الروح والجتّه سوابا3

- من مزايا أغنية سكابا أنها تختصر للإنسان في بيتيها مشهداً كاملاً، أو حدثاً كاملاً، تستطيع بعد أن تتمعن به أن تؤلف عنه قصة، كانت, أوجزت في بيتين من الشعر العامي. وبهذا نشعر أن أولئك الناس الذين تركوا لنا هذا التراث بصوره الرائعة كانوا قادرين على دخول مسابقة أقصر قصة، قبل أن يسود هذا النوع من الأدب بعشرات وعشرات السنين.

6 : في بعض أغاني التراث نرى أن الأغنية تقدم تاريخها بنفسها، ونستنبطها من سياق الكلمات، فتوفر علينا أمر البحث والسؤال، فهنا التاريخ يبدو واضحاً جداً.

والشاعر في هذين المقطعين لم ينظم شعراً فقط، بل أمسك بآلة تصوير خلدت مشهد أولئك الجنود الذين رافقوا إبراهيم باشا في حملته على سورية من عام (1833- 1840) تلك الحملة التي فتحت أمام أبناء الريف مجالاً جديداً تجلى في الإفادة من وجود ذاك الجيش الجرار الذي تحدده الأغنية، بمئتي ألف من المصريين، فقد كان لوجود هذا الجيش حين اتجه شمالاً بعض المزايا التي انتفع منها أهل الريف الساحلي وهو تشغيل الناس في الريف بأجر، لا سخرة كما ألف الناس من الدولة العثمانية. وسنمر على هذه الناحية بشكل أوسع في أغنية (يا مشمل).

وهنا نحن حيال وصف لحالة هذا الجيش الذي عبر به إبراهيم باشا سوريا من دمشق إلى قلب الدولة العثمانية، وهنا وصف امرأة من الريف تعبر عن حال حبيبها معهم وتصف ترتيبهم والمكان الذي مروا به. وصف أتى على لسان المرأة التي تصف الرجل الذي يهمها أمره (بالزين). تصف عمله في نصب الأعلام التي تدل على عدد الفرق التي نصبت أمامها، وتصف قادته وأفراده من المصريين، ومن يقومون على خدمة هذا الجيش الذي يمتطي الخيول والجمال التي تحمل الجيش فهي ركابهم4.

والسنجق: (الصنجق) ج سناجق، أي اللواء، الراية، وهي فارسية5.

ومن الزغاريد: (أهلك أمارا، وأنت بيناتنا سنجق) أي ذو مكانة. وهذا يعني أنها أشادت بهم نظراً للموقف المهيب الذي رأتهم فيه، فوصفتهم بالأمراء= السناجق= هذا وستظهر لنا أغانٍ لاحقة بعض الإشارات إلى فترة حملة إبراهيم باشا على سورية في مواضع لاحقة، مثل يا مشمل، ويا بنات اسكندرية وسواها.

شوفو فوق علوه وجنب ميّا

                        قاعد فـوق عيـون الثـريا(8)

عَـددْ حروفهـن عشـره وميّا

                        وعند العـد توهنـا الحسابـا

شوف الزين بالبستان يقطِّف

                        الخد أحمر والعرق بينطفْ(9)

با ابن العم وقف عندك وقفْ

                        حل الكـيس وارميـلي دهـابا

 

وقد يأتي الشطر الثاني على هذا النحو:

شوف الزين عالمشطف يشطفْ

                        الخد أحمر والعرق بينطفْ(10)

يا ابن العم وقف عندك وقفْ

                        كلمني وخُد ليرا دهابا(11)

شوف الزين من خلوِهْ لخلوِهْ

                       ملبوس الزين فروه على فروه

والعشق يا ناس والله بلوِهْ

                   الما بيعرف ما بيعذر حدابا(11)

 

7 : لعل الذي ألقى السلام ابن عم الفتاة وقد تزوج من غيرها مما جعل أهله يغضبون من هذه الزيجة، حتى أنهم أبوا ردّ تحيته، وهو بدوره يثأر لكرامته، ويقسم أن لا يدخل منزل أهله مدى الحياة. ما دام التين والعنب يورقان.

وقد تكون الصورة معكوسة، كأن تتزوج ابنة العم من غريب فيؤدي هذا الموقف إلى معاداة ربما أهله الذين رفضوها والأمران واردان.

8 : هذا وصف لشخص رفيع المقام في العلالي من رجل أو امرأة، في جلسته مع أصحابه الكثر في مكان جميل مرتفع، حيث الأرض أثرت ولانت ونديت بعد المطر، وبانت زهورها مفتحة كنجم الثريا، الذي تكثر حوله النجوم الصغيرة، كربيع تلك الأرض.

 تلك النجوم الصغيرة من الزهور، هناك ما لا يمكن عدها وقد تاه حين حاول عدها. وما وجهنا إلى وصف الزهور لا النجوم. قوله: عيون الثريا، مما يذكر أكثر بعيون الزهر. إنها جلسة خالدة.

- ثري: فهو أول ما يكون من المطر، فيرسخ في الأرض وتبتل التربة وتلين.  والاحتمال الثاني أن يكون المقصود بالنجوم، نجوم السماء اللاتي عدها في ذاك المكان العالي، حيث تتجلى النجوم أكثر، في زمن خلا من التلوث، وليس في زماننا الذي يكاد فيه الشمس والقمر يحتجبان وراء ما خلفه الإنسان الذي يسعى لخراب الكون. وقد يكون قصد بعيون الثريا، كثرة الناس ممن يتمتعون بمراكز رفيعة كالنجوم في المجتمع.(أعيان القوم).

9 : كلا العملين يؤديان إلى التعب القطاف والغسيل، ولكن البستان بزهوره وفاكهته وروائحه العطرة تسلي الإنسان تعبه حتى لو أجهد وتعرق.

أما الغسيل فكان يحتاج إلى جهد كبير لتنظيف الثياب بواسطة مخباط الخشب الثقيل، الذي كانت تدق به الثياب بعد غليها في الماء والرماد، الذي يزيل الأوساخ لأنه يحتوي على الصودا، وهذا الدق لكومة من الثياب، لا يحمر الوجه، ويجعل العرق يسيل كالمزراب، بل يهد الحيل، ويضعضع القوى. وانتقالهم إلى الأنهار وينابيع المياه لما يتطلبه الغسيل من ماء لم يكن متوفراً في المنازل.

والإشارة إلى تورد الخدين، وغزارة العرق من شدة التعب واردة جداً. وإذا تمعنا في طلب الفتاة من ابن عمها لإعطائها الذهب فيكون إشارة إلى غنى، ويسر حالة ابن العم الذي يملأ كيسه الذهب، وتكون إشارة تآلف وعدم كلفة بينهما بعد أن أبدى إعجابه بها، فمن أبناء العمومة ما يوازي الأخوة في كرم نفوسهم، وهنا تتبدى مظاهر الألفة مع ابن العم.

شوف الزين طالع بالطليعه

                   بتلات شكال بمحارم رفيعه(12)

ما قلتلك غيّر هالطبيعا

                   بنــات النــاسْ ما بتحمل عذابا

ولك مريش يا بنت المعتر

                   كلتي الدوُّ وخليـــتي المختر(13)

يلبقلك حرير المقدر

                   وبدلة جـــــوخ تلطــم للكعابا

ولك مريش يا بنتِ المعتَّرْ

                  كلتي الدوُّ خليتي المختر(13/2)

يلبقلِكْ المسك والمعطر

                   وتقعـــــدي بحــد الحبــابــا

 

10 : انقلبت الآية، فالمرأة تعلم قيمة جمالها في عيني ابن عمها الذي لا يبدو آبهاً بها. فتبادر هي هذه المرة لاستمالته نحوها وتدعوه للتوقف والحديث وربما العتاب، لا تطمع في نقود يملأ بها كيسه، بل تطمع بلقائه، وحتى أنها تبذل المال لقاء المكاشفة التي تصفي القلوب.

11 : كلمة فروة على فروة دليل الغنى وسعة الحال، ولابس الفروة هو الرجل، وتلبس على الرأس اتقاء للبرد في المناطق الشرقية حيث يشتد البرد خلال الليل تلبس الفروة المبطنة بجلد خروف صغير، وهي تعد من اللباس الغالي، لأن بلادنا المعتدلة لم تضطر الناس إلى لبس الفراء، بخاصة أننا نتحدث عن أناس معظمهم من رقيقي الحال الذين طحنتهم ظروف التحكم في البلاد من العثمانيين إلى الفرنسيين إلى الإقطاع. ولبس ذاك النوع من العباءات كان وارداً عند الميسورين من الناس.

ولك مريش مرمشني هواكِ

                        جفن العين ما يرقد بلاك(14)

إن كان بيك ما عطاني ياكِ

                        تاهدّْ الدار وأجعلهــا خـرابا

ولك مريش روحي لأهلك روحي

                إن جا الموت تا أفديك بروحي(15)

تا أعملك خيمة فوق سطوحي

                        ونــاعورا تغــني عـا هالابا

12 : غالباً توصف ثياب المرأة لا ثياب الرجل، ولكن هنا الإشارة إلى المحارم تخص الرجل الذي كان يزين جيب سترته العلوية الأمامية بمحرمة مزخرفة من شغل المرأة، قد تكون أطرافها مزينة بالخرز والبريق، وعليها رسومات كعصافير وقلوب وسواها. ويرد ذكر المحرمة كثيراً في الأغاني التراثية، إما مضمخة بدموع العشاق، أو تحمل رائحة الأنثى التي تعطرها بماء الزهر وتهديها لمن تحب، أو تكون محرمة حزن زرقاء.

وهذا الذي يزين صدره بمحارم رفيعة، يقصد بها ناعمة من الحرير يسير متباهياً غير آبه بمن تعاتبه وتشرح له عدم صبرها على تكبره، مع أنها تصفه بالزين.

تعريف مريش: المرمش، الأرض التي مرش المطر وجهها، والتي إذا أمطرت سالت سريعاً6.

والمرش، شبه القرص والحك، بأطراف الأظافر وفي حديث عنزة حنين:

فعدلت به ناقته إلى شجرات، فمرشن ظهره، أي خدشته أغصانها وأثرت في ظهره.

- في رأيي أن المقصود بمريش هو تصغير لاسم ماري من باب التحبب (ولك مريش يا بنت النصارى)7.

13 : تبتدئ أغنية سكابا كما رأينا بكلمة شوف، لزيادة التنبيه، وعدم التجاهل. أو قد تبتدئ بلفظتي: يا أم الورد يتلوها الترحيب على هذا النحو:

يــــــــــا أم الـــورد

                        يـــــــا أمـــــي هــــلابـا

 

 وبعض مقاطعها تبتدئ بمناداة فتاة إسمها (مريش) أي مريم، وهو إسم تحبب ينتشر كثيراً في الريف الساحلي، وهو عادة كنعانية لم تندثر. ومريم الفتاة المسيحية التي تشير إليها الأغنية أيضاً بنت الريف تحيا جنباً إلى جنب مع جيرانها المسلمين، ولا تستطيع لا هي ولا أحد من شبانهم التهرب من وقوع حالة حب بين هذا الطرف وذاك، فالأمر للقلوب وليس للديانات، ويأتي وصف مريش هذه ليؤكد كما أسلفنا مرات أن الأغنية يتغير مسار بدايتها الأولى التي اعتمد فيها الابتداء بـ(شوف الزين) والتي لاحظنا أنها من القدم بحيث تعود إلى زمن حملة إبراهيم باشا على سورية، وربما قبلها بكثير.

وفي مسيرة الأغنية تحدث حالات جديدة، وقصص جديدة تنضم إليها وإلى نغمتها. ولكننا نستطيع التقاط شيء من التبدلات فيها عن سابقتها. إما من خلال الثياب أو المخترعات الجديدة، أو ما طرأ على شكل المرأة من تغير. المهم نحن الآن أمام جزء آخر من سكابا يتحدث عن مريش وما جد معها.

ويصف الشاعر مريش بأنها ابنة شخص بسيط، فقير، معتر، وهي من هذه الطينة البسيطة الساذجة، وإلا لما أكلت الدوّ: هو اللبن الممخوض (الشنينة) ويقول عن هذه المرأة:

لو كانت حاذقة، ابنة نعم، لكانت ربما أكلت اللبن الذي لا زال يحتفظ بخيراته وزبدته. مما يدل على عدم معرفتها بمصلحتها.

و(الدوّ) الذي أشار إليه هو ليس اللبن الذي انتزع كل ما به من دسم. إنه إشارة إلى رجل فقير بسيط اختارته، ورضيت به، فقيراً لا تسمن الحياة معه ولا تغني من جوع، وتركت الرجل الدسم، الغني، الذي ينبهها إلى جمالها، وإلى ما يليق بها من ثياب كالحرير (المقدر) الجيد، والجوخ الغالي الذي تفصل منه المرأة الميسورة ثوبها الطويل المحتشم، الذي يصل إلى الكعبين، وهو من مظاهر الغنى.

ولِكْ مريش يا بنت النصارى

                يبري دينكْ عن دينِ النصارى(16)

والشيخ ريحْ تا أعملِك زياره

                        وعند الشيخ تا أكتبلك حجابا

غربي بيتهن ناغى الغريري

                        وشرقي بيتهن غرد الطير(17)

حبيب القلب كيف تهوى لغيري

                        خلفت الوعد وهويـت الغرابا

13/2: يعاود الرجل إشعارها بالندم على حالتها المزرية، ويبين لها ما يليق بها، وما ينتظرها من النعم التي تحبها المرأة كالمسك والعطور، وجملة:- تقعدي بحد الحبابا- يقصد بها الدلال، والرفاهية التي يعدها بها بعيداً عن العمل المضني والفقر.

14 : حين كانوا قديماً يطعمون دود القز كانوا يمرشون الوريقات الغضة من أعلى الغصن ويتركون رأسه ليعاود النمو، وحين كانوا يمرشونه لإطعام حيواناتهم كانوا يعرونه من الأوراق سوى رأسه. وحين يمرشون الزيتون يخلصونه بأيديهم من الحب كله. وحين يشعر هذا الرجل أن حب مريش مرشه مرشاً، فهو يعني أنه أضناه، وعصف بقوته، وعنفوانه، فبات يقضي الليل سهراناً، يعد النجوم، ويفكر في أسوإ طريقة يحصل بها على مريش، إن لمس من والدها الممانعة والرفض، إنه ينوي الانتقام والتخريب. ما هذا الحب الغريب العجيب؟

ولأن المرش يعني فقدان الشيء وخسرانه يقولون: (فلان راحت ذقنه مرش) أي لم ينله شيئ مما حوله.

15 : لعل هذا المقطع أتى والعاشق لا زال في حالة أمل، وفسحة أحلام واسعة، فأيقن بأن ذهاب مريش إلى أهلها لا يغيره وهو سيظل متعلقاً بها، وسيحاول أن ينال رضاها ورضى أهلها حتى لو كلفه ذلك روحه العزيزة، وهو حيال هذا الأمل يعدها بأنه سينصب لها خيمة فوق سطوحه مثل كل الناس، وسيشيد لها ناعورة هوائية، يحركها الريح فتغني له أهلاً وسهلاً بك- هلابا-، وهو لحن سكابا الجميل. الذي اختصر مشاعر البشر في هذه القافية الرقيقة.

والحقيقة أن وعود هذا العاشق تجلت أخيراً بأنه لا يملك سوى خيمته، وحبه، وأحلامه، والناعورة بصوتها الحزين الذي يعبر عن حالته، وهو يغني عاهلابا.

- هلابا: يقول الشاعر سليمان العيسى (تغني عاهلابا)، لأنها أيضاً على لحن سكابا فهي تبتدىء على هذا الشكل، وتسمى الأغنية هلابا بالواردي:

هلا بالواردي يمِّي هلابا

                        طير الشـام يا مسلـي الغرابا

 

هو يرحب بتلك الفتاة التي تتوجه نحوه، وأحسب أن كلمة طير الشام, لا تعني دمشق فقط بالنسبة لهذا الغريب الذي قد تكون غربته لقضاء عسكريته البعيدة عن وطنه الشام سوريا بأجمعها، فهو أطلق على هذا الطير، طير الشام لأنه أقبل من تلك الناحية فسلّى غربته.

وقد غنت سعاد محمد هلابا لورد في الخمسينات ولم تغن هلا بالواردي، ويومها خرجت عن لحن سكابا الذي هو نفسه لحن هلا بالواردي، وبعضهم يردده:

يا أم الواردي يمي هلابا

                        تعـي وحـدك لا تجيبي حدابا

 

أي: أقبلي نحوي، تعالي إلي. يا موردة الخدين.

ونحن لا ننتقد سعاد محمد، وصوتها الجميل، ولكن الموسيقيين الذين التفتوا إلى الأغاني التراثية لإعادة غنائها لم يتركوها على حالها، وموسيقاها القديمة الأصلية، بل غيروا فيها وبدلوا، وأضافوا من موسيقى آلاتهم الجديدة ما لم تكن الأغنية قديماً تمت إليه بصلة. فأين من المزمار والطبل والربابة والعود تلك الموسيقى الكهربائية التي تنفر الروح، وتصم الآذان، وتجرح اللحن القديم وتبكيه.

إن هذه اللازمة التي هي (هلا بالواردي يُمّى هلابا) عبارة عن لازمة من لازمات سكابا، وإحدى مطالعها.

وهي من نسيج الأغنية، ولكن نعود دائماً لنذكر أن الإضافات على الأغنية مع مرور الزمن غيرت المطلع الكلامي ولم تغير اللحن. والمطلع (هلا بالواردي يمي) ترحيب بمن تتجه نحوه، إنها تلك الصبية المبتغاة.

16 : يؤكد المقطع الأول على أن الفتاة مسيحية، حيرت عقل هذا الرجل فأخذ يخطط- ربما قبل التخريب- لأن يجعلها في عداد طائفته من المسلمين الذين يقصدون المزارات تبركاً بها، لما عرف عنها في حياتها، وماضيها من سيرة الصلاح، والإيمان، فغدت بعد الممات تزار، ويطلب منها الشفاعة، والشفاء، نظراً لمنزلتها عند ربها.

فهو يعد بأنه سيجعل مقام الشيخ ريح المعروف في أنحاء الريف الساحلي بقيمته، وصلاحه، مزارها. وسيلجأ إلى الشيوخ العارفين بالله، وبكتابة الحجب، كي يكتب لها حجاباً، يفيد في حالتها، لاستمالة قلبها الذي لم يفز به بعد.

غربي بيتهن ناغى الغريري

                 وشرقي بيتهن أوضه وعليلي(18)

حبيب الروح كيف والف لغيري

                  بتروح الروح ولا مننسى الحبابا

هلا بالواردي والورد لأمّو

                  قطفنا الورد طلع الورد لأمّو(19)

ورد خديدك يا ما أطيب شمو

                   يشفي العليل وينسي المصابــا

17 : راجع الغريري في أغنية اللالا- الشطر (25).

يوجد نوعان للغريري. هناك الطير الذي مرّ ذكره في أغنية اللالا بلحمه غير المستساغ، وهناك الغريري الحيوان الذي يقع بين النمس والثعلب، وهو يحفر في الأرض دهاليز، وأنفاقاً، وهو حيوان ذكي كالثعلب ويسميه الناس (جرّ بطنه) لقصر قوائمه، وطول جسمه، فكأنه حين يمشي يجر جسده على الأرض التي ترتطم ببطنه.

وهنا طبعاً المناغاة، تعود لطير الغرير، وليس للحيوان وكذلك تغريد الطير، إنه يصف منزلاً في خميلة جميلة فيها كل أسباب السرور.

شوفْ الزين يمرُطْ بعديسو

                        بَركةْ الله تنزِلْ بعديسو(20)

يا ريتني كون شي فُجه بقميصو

                        وكيف ما لاح يلولحني الهوابا

شوف الزين يمرُطْ بعديسو

                        بركة الله تنزل بعديسو(21)

يا ريتني كون شي خيط بقميصو

                            بشهور الصيف والعب يا هوابا

 

17و18 : في هذين المقطعين يضعنا الشاعر أمام امرأة يتحدث منزلها، وعلاليه عن طبقتها العالية، وسعة حالها. يضعنا على أطراف خميلة، وبستان، وأشجار يطل عليها المنزل، وهناك يناغي طير الغرير، ويغرد الطير. ومن ذكر الغرير الطير، الذي يتغذى على الأسماك الصغيرة، وما تحويه المستنقعات، والأعشاب الكثيفة. نتبين أن المنزل يتمتع أيضاً بوفرة المياه، مما يجعل المنظر في عين الحبيب ليس شاعرياً فقط، بل يقول أنه لازال يطمح إلى التقرب من أهل هذا المنزل العامر، حتى لو عانى من الجفاء، فهو ينتظر وصل حبل المودة ثانية.

19 : يرحب ويهلل لتلك القادمة نحوه، ويشير إلى أن ورود خدها تشبهها، كأنها أنجبت تلك الورود، فباتت لها كأبناء، مهما نال الحبيب من تلك الورود، لا تذبل، ليس كمثلها أزهار الطبيعة وورودها التي تؤول إلى الذبول وفقدان رائحتها.

إن ورود خدي هذه الأنثى بمثابة الدواء للمريض، والأنس والسلوى لمن أصابته مصيبة, طبعاً مصيبة الحب هذا ما يقصده. وكان نوّه هذا الشاعر إلى أن (العشق بلوة) في الشطرين رقم (11) الأغنية نفسها. والعشاق يتحدثون حسب ما توحيه معطيات اللحظة التي يعيشونها مع الحبيب.

شوف الزين يقطف بدراتو

                        بـركة الله تنزل بدراتو(22)

يا ريتني كون شي خيط بعباتو

                            وكيف ما مال ميِّل يا هوابا(23)

شوف الزين يفلحْ بالفلحاني

                        كسرْ نيري وعطلّي فداني

صيحوا لأمي تعجلّي بأكفاني

                        وتجعل قبري عادروب الحبابا

 

20 : ابن الريف لا يستطيع إغفال ذكر أعماله الزراعية على اختلاف أنواعها حتى لو غنى بالإنكليزية أو الإسبانية، الأعمال الزراعية حياته، وتعبه، وفرحه، وحديثه، وتاريخه. وهو حين يمزجها مع الشعر، وتنطلق حنجرته بغنائها، كأنه يدون لحظات عمره كي تظل شاهدة على مدى ارتباطه بعمله، وفخره به. وانتمائه إليه.. كما تنتمي الموجة إلى البحر، والغيمة إلى السماء.

وتختلف مفردات اللغة التي يحسن استعمالها، فهو لا يقول حين يقتلع جفنات العدس أنه حصدها، ولا قطفها، يقول كلمة وصفة تناسب نوع الزرع، وطوله، وحتى الوضعية التي يكون فيها حين يقدم على ذلك.

- وكلمة يمرط8: فقط تستعمل للنباتات التي يقتلعها الإنسان وهو جالس القرفصاء. مثل الحمص أيضاً.

وكلمة بركة الله، حاضرة دائماً على شفتي ابن الريف، لأن مواسمه تجود ببركة من الله. وخيرها يتضاعف ببركة من الله. ولا يمكن أن يبدأ عملاً كزراعة أو جني محاصيل، أو كيل حبوب أو زيت إلا بعد أن يستفتح باسم الله وبركته.

وأنا أخصُّ بحديثي هذا كل من يتعامل مع الأرض في أرجاء الوطن، وإن الجملة التي تسبق أول حفنة حب تنثر في الأرض للزراعة هي:

(اللهم أطعمنا كي نُطعم)، فالريفي مسؤول عن نفسه وعن إطعام الآخرين أيضاً.

أما تمنيات الحبيبة في فصل الصيف أن تغدو إما (فجةً), جزءاً من قميص الحبيب، أو خيطاً يجعله الهواء يلتف بالحبيب في غدوه ورواحه, فهذا أرق التشابه والأمنيات بالقرب. وقد ذكر الصيف وشهوره وقت مرط العدس والحمص، والتعب، وحاجة الإنسان لنسمة هواء تجفف عرقه، أو تحرك فجة قميصه.

شوف الزين تحت الزيزفوني

                      عنب وتين أهلي نطروني(24)

سألت الله كرم النطروني

                     تبعتلو اليبس تا شوف الحبابا

جاني الموت يا يوما إجاني

                      أتومبــيل محمل جبخانه(25)

قولوا للماما تحضرلي كفاني

                     وتجعل قبري عادروب الحبابا

 

21 : قطف الذرة، هو قطع عرانيسها التي تنمو في أعلى قصبة الذرة الطويلة، وهنا يقصد الذرة البيضاء الشامية لا الذرة الصفراء التي يباع عرنوسها في دمشق بـ(25) ل. س في الموسم.

وقديماً وحتى ذهاب المستعمر الفرنسي كان مأكول الفقراء من الناس خبزامصنوعا من الذرة البيضاء التي تشبه حجم حبة العدس ولكنها بيضاء، وكانت تؤكل عوضاً عن القمح، لأن هذا الصنف الغالي كانت تأخذه الدولة العثمانية طعاماً لجنودها المدللين في أرجاء الإمبراطورية مترامية الأطراف. ولا يبقى للناس ما يأكلونه سوى أردأ الأصناف، الذرة البيضاء التي لا تصلح للطعام إلا بعد خبزها مباشرة حين تخرج ساخنة، طازجة من التنور، وبعدها تجف، وتقسو، وتصبح خشنة يصعب على المرء بلعها. وكنت ترى مساحات من أراضي الذرة الخضراء بسوقها الطويلة التي تربو على طول الإنسان، وكانت تستعمل سكاكين قطافي الذرة لقطفها ثم تؤخذ إلى البيادر مثل القمح، وتدق العرانيس الملأى بالحبوب على حجر مستوية بواسطة خشبة كي تنفصل عن قشرها، ثم يصار إلى طحنها كالقمح وعجنها.

وكانوا يلجأوون إلى خلطها بدقيق القمح كي تغدو مقبولة عند أكلها وتتماسك، وفي النهاية كانت الذرة إما للخبز أو تطبخ كالبرغل وتخلط مع اللبن بعد طحنها.

وقد يتعذر طحنها في الطاحون، فتلجأ المرأة إلى طحنها على جاروشة المنزل مرات كي يغدو طحينها ناعماً، ولكنه يظل خشناً، فجاروشة المنزل لا تفي بهذا الغرض، وهذه الحالات كانت تعوض الإنسان عن الذهاب إلى الطاحونة البعيدة. حين تضطره الحاجة لتحضير طحينه في المنزل، ويسمى خبز الذرة إذ ذاك- خبز الجرماشي- أي الخشن. كما نقول اليوم: لحمة مجرمشة.

وقد ذكرت أغاني العروس هذا النوع البسيط من الخبز الذي كان الناس يحتالون لجعله مقبولاً، بوضع بعض الزبدة عليه إذا توفرت فذكر على هذا النحو:

عالماش عيني عالماشي

                        طيـــبْ خبـــز الجــرماشي

يا عين عيني بو العروس

                        عطانا العــروس بـــــلاش

 

وفي عهد الانتداب الفرنسي، وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية، احتكرت إدارة (الميرة) القمح، والشعير لإطعام الجيوش، فحرم الشعب منه، وندر وجوده، فاضطر الناس لأكل الذرة الشامية البيضاء9.

ومن الأمثال الشائعة يقولون: (فلان مأكول ومذموم مثل خبز الدرة).

إنه زمن فقر وحرمان، وكانوا يشبهون خبز الذرة كالجلد المقشب في الشتاء والمشقق، ولذلك ذكر خبز الذرة أحد المسجونين قائلاً في سجنه بيت العتابا يصف حاله المؤسفة:

لأجل عذابنا يا سجن عَمَلوك(1)

            شوك الصبر يا إخــوان عمْلــوك(2)

الدهر خوان كنّو حطّ عملوك(3)

            بيجـــعـــل أكلهــــم خـبز الــدرة

 

خنزير الذرة: حين تذكر الذرة يمر بالبال أحد الحيوانات التي ترتبط حياته بها، وهو الخنزير البري، وكان الخنزير الذي يعيش في الجبال يأكل ثمار البلوط، فكان يسمن على هذا النوع من الثمار البرية، وحين بدأ الناس يزرعون الذرة لتعوضهم عن القمح بدأ الخنزير يسطو على أراضيها، ويقطع سوقها الطويلة، كي يطال العرنوس في أعلى القصبة، تلك العرانيس التي تشبه مكنسة مقلوبة إلى الأعلى تملأ الحبوب نهاياتها.

وكان الخنزير لكثرة سطوه على أراضي الذرة، وتخريبها يسمى بخنزير الذرة، لأنه يسمن عند أكلها. وكانت توضع له أفخاخ لصيده عند حدود تلك الأراضي المزروعة بالذرة، ومما يأكله الخنزير دود الأرض ويسمى (السلّْ) ينكت عنه بنابه تحت الأرض.

ومن الأوصاف التي نقلت من الخنزير إلى الإنسان صفة Ð مخنزر Ð وهو ذو الرقبة الثخينة، القصيرة. وكانت تلك الصفة لصيقة أكثر برجال الإقطاع الذين كان معظهم يتصف بالسمنة والامتلاء، لكثرة انتفاعهم بجهود الآخرين، في حين كان الناس الذين يعملون في الأرض يتمتعون بأجساد خفيفة، رشيقة، نظراً لطعامهم الذي يعتمد على الخضروات وجهادهم الطويل مع الأرض.

ونعود إلى ما بدأنا به، لنقول إن البيتين رقم (22) اللذين يذكران العباية، هما من قول المرأة، لأنها تصف رجلاً يرتدي عباءة، والمرأة لا ترتديها في الريف الساحلي. والعباءة في الريف قصيرة إلى ما دون الركبة لئلا تعيق الإنسان حين يعمل في الأرض.

جاني الموت يا يوما إجاني

                      سيارا محمله ريحاني(26/1)

قولوا لبيّ يحضرلي كفاني

                        ولأمــــي تغنيلــي عسكابا

 

جاني الموت قلتلو رسولي

            قبر صغير ما بيجي عاطولي(26/2)

إجوا الملكين حتى يحاسبوني

            بــــإذن اللـــــه بـــردلُن جــوابا

 

إنه تتمة وصف لذلك الرعب الذي كان يضع الشبان بمواجهة الموت المحتم، العسكرية. والشخص الذي يتكلم لم يستفق من موته كي يحكي لنا مشاهداته، بل هو يتكلم عن آخرين، يشعر شعوراً أكيداً أنه سيغدو من جملتهم في عداد الأموات.

الترحيب أو عدم الترحيب بالموت لا يدفع القدر ولكن الشاب يبدي كل ما يحويه قلبه من إيمان بالموت ورسول الموت، ولكنه ولكثرة ما شاهد غيره يدفنون في قلب المعركة كيفما اتفق. دون مراعاة لشخص طويل لا يراعى طوله عند دفنه نظراً للعجلة، وعدم الاكتراث، وبغية التخلص من جثته بأي طريقة بخاصة, أنه ليس بين أهله وأحبته كي ينال تلك الرعاية.

هذا الشاب يرى ما يجري، ويتألم، ويسقط الموقف على نفسه, كأنه هو الميت. لخوفه وتوقعه الموت في معارك الدولة العثمانية, في أرجاء سلطتها الواسعة.

خوف، وخشية تسبق الحدث، تذكر بالمثل: (لسّا ما متنا، بس شفنا إللي ماتوا).

وهكذا يوشك الشاب أن ينطق بالشهادة وهو يبدو مؤهلاً جداً لمواجهة الملكين عن اليمين والشمال، مؤهلا للموت شهيداً، لم يقترف من الذنوب أكبر من ذنبه أنه  من رعايا الدولة العثمانية التي تزج بالناس في جهنم.

أغنية سكابا كانت في بدايتها من أغاني الأحزان ثم ما لبث الناس أن غنوا على لحنها أغانيهم العاطفية وسواها.

شوف الزين بقصرو لمحني

                      جرّْ الميل بعيونو دبحني(27)

عطوني للشايب المحني

                      تاموت وروح وعيني بالشبابا

 

23 : من الأعمال التي تخص الرجل الفلاحة، نظراً لصعوبتها، توكل إليه نظراً لقوة ساعده، ولا تتعاطاها المرأة لرقتها، وعدم قدرتها على التعامل مع ثورين قد يوجهانها بقوتهما أكثر مما تستطيع السيطرة عليهما، وهذا لا يعني أن المرأة نأت كلياً عن هذا العمل حين تقهرها الظروف كموت الزوج، أو غيابه. لقد مارست المرأة كل ما يوكل إلى الرجل من أعمال في مثل هذه الحالات.

ولو أنني سأكرر كتابة مشهد امرأة تحرث في بداية السبعينات من القرن الماضي. فالحقيقة رأيتها بأم عيني, امرأة تحرث على بقرة وحمار, وتجاهد كي تثبت في هذا الميدان الصعب.

وتشير المرأة هنا إلى شاب قوي يفلح أرضها على ثوريها، لقد كانت العادة أن يستأجر القادر من الناس شخصاً يحرث أرضه بأجر سنوي، ونحن حيال امرأة استكرت رجلاً لحراثة أرضها، ومن له الأرض والثيران والمحراث عليه أن يتابع ما يجري عن كثب، فهي حين رأته استحسنته، وأطلقت عليه كلمة وصفة الزين، فالزين ليس بالضرورة أن يكون فارساً، إقطاعياً، ملاكاً، قد يكون ممن يحرثون الأرض وهم كثر أيضاً.

وحين استحسنت الشاب شعرت أن نير حراثتها كسر (وفدانها) ثورها، وهما عادة ثوران. كل هذا شعرت أنه تعطل بسبب دهشتها عقب رؤية ذاك الشاب, الذي وقع في نفسها موقعاً حسناً. أو لعلها شعرت أن في هذا الشعور من الخطأ ما يوازي كسر النير, وتعطيل الفدانين لأنها بذلك تخلت عن مكانتها.

فهذه النظرة، وهذا الإعجاب الذي يلزمه تنازل منها لعدم التكافؤ بينهما. جعلها تقرب نفسها من الموت إن هي فكرت في كشف شعورها ومفاتحة الشاب، فقد اكتفت بالمشاعر الداخلية فقط.

24: العنب والتين و(نطارتهما) حراستهما خلال الصيف، وانتقال الناس للنوم في الكروم، وتلك الأحلام الذهبية التي يشعر ابن الريف أنه يحققها بجني محاصيله، وواجب كل فرد في الأسرة أن يساهم في العمل ليتكامل. كل ذلك يجعل المرأة وهي صغيرة مسؤولة عن رعاية إخوتها، وصبية مسؤولة عن حماية كرمها، وزوجة تتكفل بأرضها، إنها محطات الحياة في الريف، والمرأة تؤتمن على الكرم لأنها تلتزم بالبقاء فيه أكثر من الرجل الذي يتحرك هنا وهناك لأعماله. إنها مقيدة في كرمها لا تبرحه، فهذا أمر أهلها، وهذا الأمر حال دون لقاء حبيبها الذي شاهدته تحت شجرة الزيزفون، ولكنها مقيدة بأوامر الأهل، وبضميرها كأنثى، كل ما فعلته أنها تمنت أن يغدو الكرم بما فيه خراباً، يابس الشجر، علها تعفى من وظيفتها وتلاقي حبيبها.

نرى كثرة الشطور التي تتحدث عن الأعمال الزراعية كما أسلفنا ونوهنا سابقاً، وكل هذا من صميم حياة الريفي. (راجع دلعونا- يا سمسمية عن التين).

شوف الزين عندك يا مسيحي

                  نصّْ الليل والديوك تصيحي(28)

إن كان بدك للعشره صحيحي

                  بنــات اليــوم رداديـــن جـوابا

25 : يعود شرح صورة هذا الحزن، والخوف، والتوقعات السيئة إلى زمن العثمانيين وما كان يلاقيه الشاب في ذهابه من الأهوال، فهذا الشاب يرى الموت ماثلاً أمام عينيه حين طلب للانضمام إلى تلك العسكرية المخيفة، التي تعد بالموت كل من يذهب إليها. ولذلك هو يشبهها بالموت القادم. ويطلب إلى أمه أن تحضر له كفنه، وأن تجعل قبره على درب حبيبته التي لن تراه بعد اليوم علّها تتذكره.

و(الأتوموبيل) كلمة فرنسية، والجبخانة التي سيتعامل معها، ستكون سبباً في موته لأن من يقتل الآخرين لا بد أن يقتل.

- الجبخانة: تركية، بمعنى الخرطوش. وهي مخزن مواد الحرب والأسلحة الحربية، بمعنى ذخيرة، قيل إنها من الفارسية (جبه خانه) (جبه): درع، و(خانه): بيت10.

26 : الريحان، النبات الذي يوضع على القبور، ومرأى السيارة أشعره أنها تقلّه إلى مثواه الأخير وهو مغطى بالآس الريحان، ويسأل ثانية بكل حزن أن يحضر والده كفنه وأن تغني أمه سكابا الحزينة عند رأسه, مما يدل على أنها من أغاني الأحزان. وفي الحالتين نتبين أن السيارة صارت تذكر في أحاديث الناس، وأغانيهم الحزينة والمفرحة لأنها من المخترعات الجديدة.

27 : جر الميل، يعني تكحيل العينين - والميل قد يعني المرود الذي يستعمل للتكحيل، وقد يعني نوعية الكحل إن كان من الإثمد أو من زيت الزيتون الذي مر ذكره. والمقطوعة من زلف تبين ذلك:

من فوق سربيوني

                        مــــن فــــوق سـربيوني11

يا مكحلي للعيون

                        بميـــــــال زيتــــونـــي

إن الله ربي هوّن

                        والحـبــــايـــب إجونـــي

تا دق طبول الفرح

                        بعـــــــــزّْ وكيــفـيـــــّا

والإشارة هنا إلى منطقة يكثر فيها الزيتون، ولا غرابة أن يصنع الكحل من هباب الزيت.

وفي الأغنية التي نحن بصددها، يشيد الرجل بطريقة تكحيل عيني هذه الفتاة. لأن لكل أنثى طريقتها، وقد يختلف بين هذه وتلك، وهذا يعتمد على الذوق، والفن في إظهار الجمال من غير ابتذال. فنحن لو عدنا إلى أغنية اسمها: (هوني يا سمرا هوني) نقرأ فيها المعنى نفسه الذي يقول: إنهم في منطقتها، بلدتها، أي قريتها الكبيرة ساروا على طريقة تكحيلها لعينيها، أعني النساء، لأنها فنانة في هذا الأمر.

والسمرا أحلى وأحلى

                        وشــــو ما لبسـت يصلحلا

بالبلد جروّا كحلا

                        والغــــــرّا بــزبد مدهوني

 

وهكذا نرى أن جر الميل، وتكحيل هذه المرأة لعينيها التي تطل من قصر، جعل هذا الشاب قتيل نظرتها وهواها.

في الشطر الثاني: الفتاة تتحدث عن نفسها كما عهدنا في أبيات كثيرة يتوازع نصفها الرجل، والنصف الثاني المرأة للتورية، سواء أكان من ألفها الرجل أو المرأة.

فكحيلة العينين تبوح للشاب بأن أهلها زوجوها لرجل عجوز، محني الظهر، لا تطيقه، ولا يليق بها، وستبقى مدى الدهر تتحسر لأنها لم تتزوج من شاب يماثلها في عمره.

ونستطيع أن نضم هذه المقطوعة لعشرات المقطوعات القادمة، والتي مضت والتي تشكل صفحات الظلم الواقع على المرأة واستغلال شبابها، من أجل المال والجاه.

فالقصر الذي تطل منه المرأة يعود لزوجها الغني وليس لأهلها، وهو موقف شاكية غدت لا تملك من أمرها سوى الشكوى، ونظرة الحسرة.

(28): كما الأغنيات السابقة يتجلى الفرق شاسعاً بين الزمن القديم الذي سادت فيه أغنية سكابا، والذي تحدثت عن حملة إبراهيم باشا، وبين ما لاقاه عاشق تلك الفتاة - التي أطلق عليها دائماً صفة الزين - من محاولات لاستمالتها، وترغيبها، وإقناعها بشخصه، وهي تتمنع عليه، ربما خجلاً، وربما وفاء لرجل قبلت به زوجاً، أو خطيباً مقبلاً، وبين هذين الشطرين اللذين يظهران مدى الاختلاف والتغير الذي طرأ على حياة الفتيات ممن يختلطن بالآخرين، ويحيين حياة فيها مساحة حرية تبيح السهر حتى يصيح الديك صباحاً، وهو في عرف أهل الريف بداية النهار والعمل.

وهو أطلق كلمتي (نص الليل) للتأكيد على طول السهر والوقت المتأخر، فالريفي ينام في الساعة التاسعة ويستيقظ حين يجهجه الضوء.

وهو لاستغرابه من هذا السلوك الذي استنكره من الفتاة السهرانة، غير الآبهة بالتقاليد، علق قائلاً:

الحقيقة إذا كنت تبحث عن زوجة حقيقية، مطيعة، لا تشبه هذه الفتاة ومثيلاتها، فإنك لن تجد مطلبك اليوم، لأن الفتاة بعد أن تعلمت، وعرفت بعض حقوقها، وآنست من بعض الناس قبول مطالبتها بحريتها، أمثال هذه, من الصنف الذي يتعب الرجل لا يصلحن للزواج لأنهن لا يسكتن على الضيم، والإساءة من قبل الرجل بل يجابهنه بالأجوبة والتحدي.

لا شك كان هذا بعد الأربعينات من القرن الماضي حين شعر الرجل هذا الشعور الجديد. الذي سيجعله يحسب حساباً أنه يتعامل مع المرأة كإنسان وليس كجارية تسكت على الضيم.

وهكذا ونحن ندون ما جاء في سكابا نشعر أننا قلبنا صفحات (167) عاماً مضت على تلك الأغنية، ولا نعلم كم تمتد في عمق الزمان أكثر، ربما لمئات السنين طالما أن العين تسكب الدمع كلما وقع القلب والمشاعر في أزمة.

ونعود لنقول:

سكبت الماء سكباً، أي صببته، وماء مسكوب، أي يجري على وجه الأرض من غير حفر، وغيمة سكوب، مدرار مشبعة بالمياه.

 

الهوامش

1:  الكتم: نبت يخلط بالحناء، إذا طبخ صار مداداً.

2:   من كتاب: ديوان المعاني لأبي هلال العسكري، اختار النصوص: أحمد سليمان معروف. منشورات وزارة الثقافة / دمشق.

3:   الروح، والجته: يعنون بها الروح والجسد في فترة الحياة، والجته، هي الجثة بعد مفارقتها للروح.

4:  الركاب: اللسان.

5:   دمشق في مطلع القرن العشرين، مصدر سابق.

حوادث دمشق اليومية، جمعها: الشيخ بديري الحلاق (1741- 1762م)، نقحها: الشيخ محمد سعيد القاسمي، القاهرة (1959).

6:  الموسوعة العامية, ياسين عبد الرحيم.  

7:   د. يوسف نعيسه.

8:   مرط، المرط: نتف الشعر، والريش، والصوف عن الجسد.- اللسان.

9:   يوسف نعيسه.

10:   الموسوعة العامية.

أعداد المجلة