فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
23

الأسس التخاطبية في الوشم: مقاربة لسانية

العدد 23 - عادات وتقاليد
الأسس التخاطبية في الوشم: مقاربة لسانية

نرجس باديس
تونس

اعتنى باحثون عديدون بدراسة الأبعاد الرمزية لظاهرة الوشم قديما وحديثا. وكأيّ ظاهرة ثقافيّة، تجاذبتها علوم عرفانية مختلفة ساهمت في إثراء أبعادها الاجتماعية والنفسية والجمالية. و قد أكّد الباحثون على اختلاف اختصاصاتهم العلمية أنّ الوشم وسيلة تواصل لها علاماتها المحمّلة بالدلالات الرمزية تبعث رسالة مّا. وذهب بعض علماء النفس(1) إلى أنّ الوشم يعبّر عن شخصية مضطربة تجد صعوبة في التواصل باستعمال اللغة الطبيعية فتتّخذ الوشم وسيلة تعوّض التخاطب اللفظيّ.

 

 اعتنى باحثون عديدون بدراسة الأبعاد الرمزية لظاهرة الوشم قديما وحديثا. وكأيّ ظاهرة ثقافيّة، تجاذبتها علوم عرفانية مختلفة ساهمت في إثراء أبعادها الاجتماعية والنفسية والجمالية. وقد أكّد الباحثون على اختلاف اختصاصاتهم العلمية أنّ الوشم وسيلة تواصل لها علاماتها المحمّلة بالدلالات الرمزية تبعث رسالة مّا. وذهب بعض علماء النفس(2) إلى أنّ الوشم يعبّر عن شخصية مضطربة تجد صعوبة في التواصل باستعمال اللغة الطبيعية فتتّخذ الوشم وسيلة تعوّض التخاطب اللفظيّ. بينما رأى البعض الآخر أنّ الوشم يحيل على لعبة إغراء تقوم على التخفّي والتجلّي(3). ومهما كانت التأويلات الدلالية التي تحفّ بالوشم فإنّها جميعا تؤكّد معنى واحدا: بالوشم نوجّه رسالة قابلة للقراءة، ومؤسسة بذلك للتخاطب.
 فالوشم حامل لرسالة ذات مضمون دلاليّ سواء أكانت صريحة بوشم عبارات وجمل أم كانت رمزية تدلّ عليها صور إبداعية أوأشكال متعارف عليها. ونحن نعتبر أنّ الأشكال كلّها في ظاهرة الوشم تأخذ القيمة التخاطبيّة نفسها ولكنها تختلف من حيث التفاوت في الجهد المبذول في التأويل الدلالي. فالناظر إلى الوشم سوف يقرأ الوشم سواء أ كان في شكل رسم أم في شكل جمل. وسيبذل جهدا في تأويل دلالة ذلك الوشم باعتماد الآليات ذاتها وحسب نفس القدرات الذهنية العرفانية. فالوشم نحت على الجسد لعلامات تحمل بالضرورة معنى. ولكن هل كل ما يحمل معنى أويبعث رسالة يعدّ وسيلة تخاطب؟ أم أننا مطالبون بالتمييز في علامة مّا بين البعد الرمزي والبعد التخاطبيّ؟
 في ظلّ تطور نظريات التخاطب وحرص اللسانيين على تحديد أسس وقواعد وشروط لظاهرة التخاطب لم يعد من البديهيّ أن نعتبر ظاهرة مّا تخاطبية دون أن نكون قد اختبرنا مدى ملاءمتها للأسس النظرية التي أثبتها اللسانيون في تنظيرهم لظاهرة التخاطب. ومن المعلوم أنّ المقومات الأساسية للتخاطب ولعمل التلفّظ التي أجمع عليها الباحثون(4) تتمثّل في أربعة: متكلّم مخاطب، ومتقبّل مخاطب مقصودا بالخطاب، وإطار زماني فيه يقع عمل التلفظ وإطار مكاني يتحدد بإيقاع هذا العمل. فلا يكفي وجود رسالة وباعث للرسالة كي نتحدث عن تخاطب بل لابدّ من توفر مبعوث له إليه توجّه الرسالة، ولا بدّ لكل رسالة من أن تكون مؤطّرة زمانا ومكانا بآن إيقاع حدث التلفظ. هذه الأركان الأربعة المؤسسة لمفهوم المقام التخاطبيّ(5) تؤثّر تأثيرا مباشرا في عمليّة التأويل الدلاليّ وتساعد في تحديد المعنى المقصود. فهل تتوفر هذه المقومات في ظاهرة الوشم؟ وهل تلائم نظرية التلفظ ما يتحقق منها من تخاطب؟

 1) مقوّمات التخاطب في ظاهرة الوشم
 لم نجد –في حدود ما اطلعنا عليه- أنّ أحدا من اللسانيين قد اعتنى بدراسة الوشم من هذا المنظار باستثناء اللسانية الفرنسية ماري آن بافوMarie-Anne Paveau (6). فهي تعدّ من الباحثين القلائل الذين اعتنوا بدراسة ظاهرة الوشم دراسة لسانية. وقد أكّدت أنّ العناية بالوشوم (سواء أكانت كتابات أورسوما) من حيث هي “كتابات جسديّة لأشكال خطيّة جلديّة تمثّل في الآن ذاته خطاب جسد وخطابا عن الجسد” أمر مستحدث لم يسبق إليه (7).
وقد بحثت ماري آن بافو(8) في مدى ملاءمة هذا الضرب من التخاطب للمقوّمات التقليدية للتخاطب، معتمدة في ذلك نظريات التلفظ التداولية التي تقوم على وصف البنى الإنجازية في المقامات التخاطبية الإجرائية (نظرية بنفنيست ونظرية الأعمال اللغوية لأستين وسيرل)(9).
وأثارت اللسانية الفرنسية ماري آن بافو(10) مجموعة من القضايا والإشكاليات التي تعترض اللساني في دراسة البعد التخاطبي لظاهرة الوشم، إشكاليات تعكس حسب رأيها فشل نظريات التلفظ في وصف هذا النمط من التخاطب الذي سمته بـ“التلفظ الموشوم” “«énonciation tatouée وفي تفسير آليات اشتغاله لأنّه تلفّظ ذوخصوصية شديدة. فهي ترى أنّ طبيعة السند الخطابي الذي يعتمد في الوشم من جهة وهوالجسد، وطبيعة المضامين الموشومة من جهة أخرى تحجبان المدار المتعود عليه في الإنتاج الخطابي وتجعلانها ضبابيا(11).
 وقد أثارت بافوإشكاليات مهمة جدّا تعترض كل من يدرس “التلفظ الموشوم” باعتماد نظريات التلفظ تبرز تميز هذا الضرب من الخطاب من جهة، ومحدودية نجاعة نظرية التلفظ التي لم تشهد حسب رأيها تطورا منذ بنفنيست من جهة أخرى، وتنبه إلى حاجتها الملحة إلى المراجعة.
 فـ“التلفظ الموشوم” يعيد توزيع أوراق التخاطب اللغوي بما أنّه يزعزع ثوابت مقومات التلفظ وهي الزوج متكلّم – مخاطب والأطر المكانية والزمانية، كما أنّه يسائل نظرية التلفظ ذاتها في بعض أسسها كما حدّدها بنفنيست: مثل ما يقتضيه عمل التلفظ من كون الذات المتلفظة جلية ومعروفة بفضل استناد عمل التلفظ إلى ما سماه بنفنيست بـ“الإجراء الآني للخطاب” « La présente instance de discours »الذي يضبط في الآن نفسه الذات المتلفظة وزمان التلفظ ومكانه. فجميع هذه المقومات تتحدد لحظة إيقاع عمل التلفظ.
 هذا إضافة إلى ضرورة وجود“متقبّل من المفروض أنّه “يتقبّل” القول ويؤسس المعنى بفضل عملية التقبل ذاتها”(12). وكأننا ببافوتعتبر “التلفظ الموشوم” مفتقرا إلى مقام تخاطبي مادي وإلى متلفظ معلوم وإلى مواجهة مع مخاطًب محدد موجه إليه الخطاب لحظة إجرائه لأنه صنف من الخطاب لا يخضع أصلا لمفهومي “الإجراء الآني للخطاب”(13) و“الحضور” في المقام التخاطبي(14) التي قامت عليهما نظرية التلفظ. ولذلك لم تنجح هذه النظرية في وصف سمة التخاطب في ظاهرة الوشم وتفسيرها.
وقد بدا لنا ذلك واضحا في العمل الثاني الذي أنجزته (Paveau 2012 ).فقد بيّنت فيه أنّ المتكلم في “التلفظ الموشوم” قد يكون مجهولا حينما يلتبس الأمر علينا فلا نميّز بين الواشم صانع الوشم وحامله: أيّهما يعدّ المتكلّم؟ خاصة في الحالات التي يختار فيها الواشم موضوع الوشم ويقترحه على حامل الوشم؟ أوفي حالة وشم أقوال مأثورة ليست لحامل الوشم، أوفي حالات وشم أشكال خطية في أماكن لا يراها حامل الوشم مثل الظهر أوأعلى الكتف؟.
كما أثارت بافوقضية المخاطب الموجه إليه الخطاب في الحالات التي يكون فيها الوشم مخفيا عن الأنظار في أماكن حميمية يمكن حجبها بالثياب، أوتلك الوشوم التي تنجز في مواضع داخلية من الجسم مثل باطن الشفة السفلى. هل يجوز في مثل هذه الحالات أن نتحدّث عن مخاطَب والحال أنّ عين الآخر لا تقع عليها ولا تتلقى الرسالة؟ هذا إضافة إلى خصوصية موضوع التلفظ في ذاته فهويتميز بالغموض والانقسام والتوزع على مواضع مختلفة من الجسم قد يكون بعضها ظاهرا وبعضها الآخر غير ظاهر.
 وترى بافو(15) أنّ مثل هذه الحالات تؤكّد الطبيعة غير التخاطبية للأشكال الخطية الموشومة، ممّا جعلها تتساءل عن وظيفة هذه الوشوم؟ وعن الغاية من وشمها؟ وانتهت بعد سبر للآراء إلى أنّ لمثل هذه الوشوم وظيفة أخرى ذات طابع وجودي:” فهذه الأشكال الخطية الجلدية هي كتابات من أجل الحياة، من أجل الوجود. هي وشوم تمثّل “علامات على الوجود” كما أكّد ميشال تورنيي Michel Tournier: « pour les Tahitiens,les tatouage sont des marques de l’existence ».وهي في ذلك مثل “التجاعيد أوالندب التي تروي حكايتنا”(16).
ولكننا نخالف بافوالرأي ونعتبر أنّ الوشم في جميع حالاته يمثل خطابا مقصودا وموجها. ولوكانت التجاعيد والندوب فعلا اختياريا توفر فيها القصد لاعتبرناها وسيلة تعبير وتخاطب. ولكن شتان بين فعل إرادي يكون باختيار صاحبه وبين ظاهرة طبيعية لها علامات دالة ولكنها من صنف العلامة الأيقونة التي تبلغ معلومة لكن دون قصد تخاطبي. لذلك نعتبر أن المقارنة بين الظاهرتين لا تستقيم كل الاستقامة.
 أمّا حالات الوشم الأخرى فإنها تستلزم حسب رأيها وضع “نحوصغير للكتابة الجسدية” لتفسير هذا الضرب من التخاطب. وانتبهت إلى ضرورة توسيع مفهوم المقام التخاطبي وتخليصه من البعد المادي واعتباره مفهوما عرفانيا يتسع لمعطيات غير مادية مثل الثقافة والمعطيات الاجتماعية فيساهم المحيط في مفهومه الواسع بجميع معطياته المادية وغير المادية في إنشاء الأقوال(17).
 ورغم أننا نوافق الباحثة في أنّ نظريات التلفظ التي اعتمدتها لا تمثل النظرية الأنجع لوصف هذا الضرب من التخاطب، فإننا نخالفها الرأي في دعوتها لوضع “نحوصغير” لـ“التلفظ الموشوم” لأننا نفترض أنه لا يوجد “نحوصغير” و“نحوكبير” بل يوجد نحوكليّ شامل يمثّله نظام عامّ مجرّد لجميع أشكال التخاطب ولمختلف الوجوه الإنجازية.
 ونحن نعتبر أنّ الإشكال كامن في الاختيار النظري في حدّ ذاته وليس في نظرية التلفظ أوفي خصوصية “التلفظ الموشوم” كما بينت بافو. فنحن نرى أنّ الطرح الذي قدمته الباحثة مغلوط لأنّها طبقت نظرية تلفظية تصف عمل التخاطب في مستواه الإجرائي على نمط من الخطاب هوليس تلفظيا. فنحن نحتاج إلى نظرية أكثر شمولية تفسر التخاطب في أشكاله المختلفة لا في شكله التلفظي فحسب.
 وإن أردنا تطبيق نظرية التلفظ كما وضعها بنفنيست فلابدّ من استعمال القياس واحترام سمة أساسية فيها تتمثل في أنها نظرية تصف الحدث التخاطبي في آنيته أي لحظة إجرائه.. وباستحضار سمة أساسية لمفهوم “الإجراء الآني” أكّدها بنفنيست وهي سمة التجدّد الدائم لحدث التلفظ باعتبار التأثير الزماني فيه، ممّا يجعل كل حدث تلفظ يتميّز بالأحاديةunique (18).وإذا كان هذا التجدد قائما مع كل إنجاز لحدث التلفظ، فإنّه مع “التلفظ الموشوم” يتجدد مع كل انتباه إلى الوشم ونحن نعتبر أنّ حامل الوشم يتحكم في هذا الإجراء باختيار الإظهار أوالإخفاء زمانا ومكانا. فكأنّ الإظهار مبادرة بالخطاب والإخفاء عزوف عنه شبيه بوضع الصمت، إن كان للصمت وجود.(19) فإذا انتبهنا إلى هذه النقطة وجب أن نبحث عن مقومات التخاطب مع الوشم لحظة إيقاعه أي آن وقوع نظر الناظر على الوشم وتلقيه الرسالة التي تنبعث منه, فتكون حينها جميع مقومات الخطاب معلومة:الباث والمتقبل والزمان والمكان.
 ولكن ورغم ذلك، فإنّنا نرى أنّ دراسة البعد التخاطبي للوشم لسانيا يكون أكثر جدوى باعتماد إحدى هاتين المقاربتين:
 - المقاربة النحوية بالمفهوم الواسع للنحولا بالمفهوم الضيق الذي يقصر النحوعلى الإعراب. والنحوفي هذه المقاربة نظام شامل متعال على الإنجاز باعتباره تجريدا له، تنتظم فيه جميع المكوّنات اللغوية:المكوّن الإعرابي والمكوّن الصرفي والمكوّن الصوتي،(20) وتنتظم فيه جميعا لتؤسس النظام الدلالي وتستوعب التصورات المقامية(21). فيكون المقام التخاطبي في هذا التصوّر مقاما مجردا ممثلا نظاميا، قابلا لأن ينجز ويُجرى على وجوه مختلفة تختلف باختلاف الأشكال التخاطبية.
 - أما المقاربة الثانية، وهي التي سنعتمدها في هذا البحث، فهي مقاربة عرفانية نعتمد فيها نظرية “الإفادة” “ La pertinence لصاحبيها “سباربار وولسن” Sperber & Wilson. وهي نظرية لسانية عرفانيّة ملائمة لجميع أشكال التخاطب اللفظية وغير اللفظية، تسعى إلى وضع أسس نظريّة لعمليّة التأويل الدلالي، وتعتبر اللغة “نظاما استدلاليا شكليا يمكن أن يكوّن منوالا للنظام الذي يستعمله البشر عندما ينجزون استدلالات عفوية وخاصة عندما يفسرون الأقوال”(22)
 وافتراضنا أنّ بالوشم نحقق تخاطبا يستلزم أن نحدّد طبيعة هذا التخاطب. فلا يخفى أنه ضرب من التخاطب لا يستعمل الآلية التقليدية الطبيعية وهي اللغة الملفوظة المعتمدة على الأقوال، كما أنّه ليس تخاطبا قائما على الإشارة كما هوالشأن مع لغة الصمّ والبكم، فلهذه اللغة قواعدها ونظامها. فإلى أيّ ضرب من التخاطب ينتمي التخاطب بالوشم؟
 لقد بدا لنا أنّ نظرية «الإفادة» تجيب عن هذا السؤال. فقد ميّز صاحباها بين صنفين من التخاطب:
- التخاطب المشفّر
communication codé
- والتخاطب الإشاري الاستدلالي
communication ostensive-inférentielle
والوشم حسب رأينا ضرب مخصوص من التخاطب يمكن أن تلائمه هذه النظرية اللسانية من حيث اعتباره وجها من وجوه التخاطب الإشاري الاستدلالي.

 2) - التخاطب الإشاري الاستدلاليّ:
منذ بداية العناية بالأقوال المنجزة وبالخطاب مع النظريات التداولية الحديثة(23) وقع الاحتفاء بمفهوم “القصد” في دراسة اللغة. فقد أكّد قريس أنّ المعنى الذي يؤديه الخطاب والذي يسعى إليه المخَاطب هوفقط المعنى المقصود. وعلى دارس اللغة أن يعتني بهذا المعنى دون سواه لأنّ المخاطب لا يعتني هوبدوره إلا بما يريد المتكلّم أن يقوله. فقيمة الأقوال الملفوظة ليست في دلالتها الذاتية بل تكمن قيمتها في أنّه يستدلّ بها على قصد المتكلّم.
 فنجاح التخاطب لا يتحقق عندما يدرك المخاطب الدلالة اللسانية للقول بل هويتحقق حين يستدل على ما يريد المتكلم قوله. ولذلك كثيرا ما لا تؤثر زلّة اللسان في إدراك المخاطب للمعنى المقصود.
وقد ذهب سباربار وولسن(24) إلى أنّ الطرافة في تحليل قريس لا تتمثل في التنبيه إلى أنّ التخاطب الإنساني يقوم على تحديد القصد.فهذا أمر بديهي.بل إنّ طرافته تتمثل في اعتبار هذه الخاصية في التخاطب كافية. وهذا يعني أنّ القدرات الاستدلالية التي يستعملها البشر ليحددوا المقاصد كافية لتجعل التخاطب ممكنا حتى في غياب الشفرة. وذلك في مثل هذه الأشكال التخاطبية:
أ) - كيف تشعرين؟
 - تخرج من محفظتها علبة أسبرين

 ب) ماري وبيار جالسان في الحديقة العمومية يلاحظ بيار قدوم بائع المثلجات الذي ترتقب ماري وصوله فيتنحّى جانبا ليمكّن ماري من رؤية البائع. تدرك ماري حركة بيار فتنتبه إلى الفضاء الذي صار متاحا لمجال رؤيتها بفضل الحركة الإشارية والمقصد منها(25).
 فيتحقق بذلك تخاطبا إشاريا استدلاليا يحصل بفضل “أنظمة الدخل” التي تتعامل مع المعلومات المحسوسة مثل المعلومات البصرية أوالسمعية، و“الأنظمة المركزية” التي تمزج المعلومات التي تنتجها مختلف أنظمة الدخل بالمعلومات المعروفة مسبقا في الذاكرة وتنجز مختلف المهام الاستدلالية ومن وظائف أنظمة الدخل أن تجعل التمثيلات المحسوسة تمثيلات مفهومية تؤسس المعنى(25).  
 وهذا الضرب من التخاطب الذي يحقق قصدا دون الاستعانة بالشفرة هوالذي سماه سباربار وولسن «خطابا إشاريا استدلاليا». وهوضرب من التخاطب يحقق حسب الباحثين المقصدين الأساسيين للتخاطب وهما:
- المقصد الإخباري intention informative الذي يهدف إلى جعل مجموعة من الفرضيات جلية للمخاطب وإلى إحداث تغيير مباشر لفضائه العرفانيّ(26)،
- والمقصد التخاطبي intention communicative الذي يهدف إلى أن يجعل جليّا للمتكلّم والمخاطب معا أنّ للمتكلم هذا القصد التخاطبيّ.إذ أنّ مبدأ الإفادة يجعل القصد من الإشارة الحسية جليّا.(27)
 فحسب نظرية الإفادة لا بدّ من أن نميّز بين منوالين مختلفين للتخاطب: منوال الشفرة ومنوال الاستدلال. ولئن كان منوال الشفرة لا يستغني عن المنوال الاستدلالي باعتبار البعد الرمزي للعلامات اللغوية ولارتباط دلالة الأقوال بالمقام وبالرصيد المعرفي للمتخاطبين، فإنّه مع التخاطب الاستدلالي يجوز أن تستعمل علامات مشفرة، كما يجوز أن يستقلّ عن سياق التشفير ويستغني عن اللفظ إذا ما أدرك المعنى المقصود دون تلفّظ بجمل أوبعبارات لغويّة.
 وهذا النظام الاستدلالي يشتغل على تمثيلات ذهنية لا حسية ,على تمثيلات لها شكل منطقي أوقضوي.(28) ولنظام التمثيل المفهومي خصائص منطقية يستمدها من كون السياقات المركزية استدلالية.فيجب أن تكون التمثيلات المفهومية قادرة على الدخول في علاقات استلزامية أوتقابلية، وأن تكون صالحة لتكون مقدمات ونتائج للقواعد الاستنتاجية. وهذه الآلية مهمة جدا في فهم الوشم وأبعاده الدلالية والرمزية كما أنّها تفسّر إمكانية اختلاف المتقبلين في التأويل فتختلف النتائج باختلاف المقدّمات.
 وبما أنّ التمثيل المفهومي هوحالة ذهنية«cerebral» فإنّه يمكن أن يكون لها خصائص أخرى غير منطقية فتكون مثلا تمثيلا سعيدا أوحزينا, وبما أنّها دماغية فإنه يمكن أن تكون لها خصائص لامنطقية أيضا مثل أن توجد في ذهن مّا في لحظة مّا لمدة معينة. وهذا ما يفسّر إمكانيات نجاح التخاطب وإمكانيات فشله. فأن يفشل المنتبه للوشم في تحديد المعنى المقصود الذي أراده صاحب الوشم وارد جدّا، شأنه في ذلك شأن فشله في تشفير الرسائل الملفوظة، رغم أنّ هذه الأخيرة تتميز بقدر من التصريح والوضوح قد لا يتوفّر في قراءة بعض الوشوم.
3) الوشم خطاب إشاري استدلالي:
 يدخل الوشم حسب رأينا في باب ما يسميه سباربار وولسن بـ«السلوك الإشاري»
le  comportement ostensif » (29) وهوالسلوك الذي «يهدف إلى جلب الانتباه إلى ظاهرة مّا «وهوأيضا «سلوك يجعل جليّا وواضحا القصد من جعل الشيء جليا وواضحا»(30).ويحقق من هذا السلوك الهدف من التخاطب وهوالتمكّن من معلومة جديدة أوتحسين معلومة قديمة أوتغييرها واستبدالها. ويعتبر سباربار أنّ الفضاء العرفاني للفرد يتمثّل في مجموعة من الفرضيات المتاحة له وعلى الذهن أن ينتقي الفرضية أوالفرضيات التي سيبنيها ويستعملها(31). ويعتمد هذا الانتقاء على خاصيّة «الإفادة» فالذهن ينتقي الفرضية الأكثر إفادة بالنسبة إليه. ويمثل التخاطب وسيلة من وسائل إثراء العرفان. وتكون الفرضية الأقرب إلى قصد المتكلّم هي الفرضيّة الأكثر إفادة. وتساهم طريقة إبلاغ المعلومة في تحديد مركز الإفادة وتساعد في التوجيه نحوالقصد المفيد. فمع التخاطب اللفظي المشفّر تساهم الجمل بدلالاتها اللسانية المختلفة (النحويّة والمقامية...) في التوجيه نحوالمعنى المفيد. ومع التخاطب الإشاري الاستدلالي تساهم الإشارة في حدّ ذاتها وما تتطلبه من عمليات استدلالية في انتقاء الفرضية الأكثر إفادة.
ونحن نعتقد أنّ الوشم يحقق مثل هذا الضرب من التخاطب. فالوشم إشارة مقصودة من الذات الحاملة للوشم تقصد إلى بعث رسالة إلى آخر موجّه إليه، فالوشم ينبّه الناظر إلى أنّ حامله يقصد إلى إبلاغه بمعلومة ما فيتحقق «المقصد التخاطبيّ»، كما أنّه يمثّل ضربا من التأشير يقصد إلى جلب انتباه الناظر إلى مجموعة من الفرضيات تساهم في تحديد هوية حامل الوشم وعلاقاته بالآخر أي أنّها تقدّم معلومة مّا، فيتحقق «المقصد الإخباريّ». وهذا ما يجعلنا نقيم هذا البحث على افتراض أنّ الوشم يمثّل ضربا من التخاطب الإشاري الاستدلالي.
 وقد استنتجنا من تحليل سباربار(32) استراتيجية للتخاطب الإشاري تقوم على هذه المراحل:
- لابدّ أن يلاحظ الموجّه له الإشارة أنّ باعث الإشارة قد قصد إلى جلب انتباهه فلا يكفي أن ننتبه إلى الأمر بل لا بدّ من أن يوجد من ينبّهنا إليه حتى نتحدّث عن تخاطب.
- لا بدّ أن يثق الموجّه له الإشارة في وجود فائدة له يجنيها من المعلومات التي ستمكّنه منها الحركة الإشارية(هذه النقطة مهمة لأنها تميّز بين ناظر منتبه ومهتمّ وهوالمؤهّل لأن يكون مخاطبا، وناظر عابر لا يعير هذه الإشارة أهمية ولا يرى فيها فائدة فلا يكون مخاطبا).
- يوجّه المخاطب عنايته إلى اتجاه الإشارة.
- ينتقي من الفضاء الذي أتاحته الإشارة ما هومفيد بالنسبة إليه ويبني فرضياته ويرتبها حسب القوّة والضعف.
 فيحقق هذا الصنف من التخاطب تبادلا للمعلومات دون استعمال بنية معجمة ودون تلفظ بأيّ لفظ. غير أنّ أهمّ ما يؤسسه هوالقصد إلى التخاطب أي القصد إلى بعث رسالة وإثارة ردّ فعل من طرف مقصود بالرسالة. ويلعب الوشم دور المشير المنبّه إلى وجود هذا القصد.
 ونحن نعتقد أنّ الوشم باضطلاعه بدور التنبيه يكون في ذلك بمنزلة النداء من الخطاب الملفوظ. فقد أكّد سيبويه(33) أنّ “النداء أوّل الكلام أبدا إلا أن تدعه استغناء بإقبال المخاطب عليك فهوأول كلّ كلام لك به تعطف المكلّم عليك”.وهذا بالضبط ما يؤسسه الوشم. فهويجلب إليه النظر فيحقق التفات المتقبّل وإقباله. ثم يدعوه إلى العناية بما يقوله الوشم. وقد يلقى منه بعد ذلك استجابة أونفورا. فكيف يحقق الوشم المقصد الإخباري والمقصد التخاطبيّ؟

 4) دور الجسد في إبراز القصد:
 نحن نعتقد أنّ من يشم وشما هوبالضرورة يقصد إلى أن يبعث رسالة إلى طرف آخر. فإظهار الوشم على فضاء خارجي هوالجسد الذي يمثّل وسيلة ذاتية وخارجية في الآن ذاته للاتصال بالآخر هوحركة صريحة لجلب انتباه الآخر نعتقد أنّها تندرج ضمن ما سماه سباربار ب“السلوك الإشاري” كما بينا. فالوشم يمثّل منبّها إشاريا في فضاء مخصوص هوالجسد. وهومخصوص من حيث أننا نعتبر الجسد في حدّ ذاته يمثّل منبّها إشاريا على وجود الفرد في المحيط وفي الفضاء. فباختيار الجسد فضاء للوشم تتضخّم الإشارة وتصير أكثر بروزا.
 وقد قننت العادات والتقاليد على مر العصور شروط ظهور هذا الوجود. فالإنسان في كلّ المجتمعات ليس حرا في الظهور على الشكل الذي يريد بل لحريته في التصرف في جسده حدود متعارف عليها. وكلّ تجاوز لهذه القوانين يتحوّل بالضرورة إلى منبّه إشاري يمكن أن يفهم منه الآخر أنّه يقصد إلى بعث رسالة معيّنة.
 ففي القبائل التي يكون فيها الوشم من الضرورات التي لا خيار فيها – باعتبار الوشم دالا على التحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، أومن وضع العزباء إلى وضع الزوجة، أودالا على الأمومة، أوعلى الاستعداد للارتباط الخ...- يكون الوشم علامة دالة سواء أ بالحضور أم بالغياب.
 وفي مثل هذه المجتمعات يكون الوشم جزءا من الجسد متمّما له، له وجود بعديّ مثل ما يطرأ على الجسد من تحولات طبيعية تكون علامة على السنّ أوعلى البلوغ أوغير ذلك. وهوما يفسّر كون الوشوم في مثل هذه المجتمعات لا تدلّ على التميّز والتفرّد بقدر ما تدلّ على مشابهة الجماعة والتماهي في المجموعة فتكون علامة انتماء. “فالوشم في المجتمعات التقليدية خلافا للوشم في المجتمعات الحديثة لا يرجعنا إلى الجسد الذاتي بل إلى الجسد الاجتماعي”(34). إذ يمثل “نتاجا للمتخيّل الجماعي”(35)
 ولم تكن الأشكال الموشومة مثيرة لإلغاز دلالي لأنّها تمثل علامات رمزية متواضعا عليها في المجموعة التي ينتمي إليها صاحب الوشم، تحمل دلالة متّفقا عليها لا خلاف فيها.
 أمّا في المجتمعات الحديثة، حيث فقد الوشم وظائفه الاجتماعية وصار دالا على الفئويّة أوعلى التفرّد والذاتية، فإنّ دلالة الرسالة التي تنبعث من الوشم قد صارت أكثر غموضا وصارت مثيرة لاحتمالات تأويليّة أوسع، وتحوّلت إلى دلالات تداوليّة بامتياز، يؤثّر المقام التخاطبيّ في تحديدها فيختلف في تأويلها حسب الإطارين الزماني والمكاني وحسب خصائص المتكلّم والمخاطب العرفانية ومنزلتهما الاجتماعية وطبيعة علاقة أحدهما بالآخر.
 ونحن نرى أنّ القصد إلى بعث رسالة يتجلى ويبرز باختيار الجسد فضاء للوشم. فهوضرب من الالتزام لا مجال للتملّص منه. فتميّز الوشم بالخطّ في الجسد يجعله من أقوى الوسائل التخاطبية مقارنة بالأشكال الفنية القريبة منه مثل الرسم والنحت. ذلك أنّه لا سبيل إلى الفصل بين الذات والجسد كما هوالشأن مع الرسوم الفنية فوق الورق أوفوق الحجر أوغيرهما. فلئن كانت إمكانية الفصل بين الذات والموضوع مع الأعمال الفنية قائمة، فإنّ الفصل بين الوشم وحامله يكاد يكون مستحيلا.
 ونحن نعتبر أنّ هذه الخصوصية تكثّف الدلالة الرمزية للوشم وتقوّي من سماته التخاطبية. فاعتماد الجسم لكتابة الرسالة يقوّي سمة التماهي بين الذات والدلالة المقصودة، لأنّ هذا المعنى الذي عبّر عنه الوشم يتحدّى الزمان والمكان ويلازم الجسد يحيي بحياته ولا يزول إلا بزواله. وهوالتزام أخلاقي يحول دون إمكانية التملّص من المعنى ودون إمكانية تغيير الرأي أوإنكار الأمر الذي قد يحصل بمجرد تمزيق الورقة إن كانت الرسالة مكتوبة أوبمجرد الإنكار أوالاعتذار إن كانت ملفوظة.
 فباختيار الجسد فضاء والوشم آليّة قد دللنا على التماهي بين الذات والموضوع. مما يجعل الرسالة المنبعثة من الوشم بمثابة الرسالة المتلفّظ بها وهذا الاعتبار جعلنا نستحسن استعمال بافولعبارة “تلفّظ موشوم”(36)« L’énonciation tatouée »، دون أن نغفل عن كون هذا التعبير لا يجوز، خاصّة بعد أن أبرزنا ضرورة التمييز بين التخاطب المشفّر والتخاطب الإشاري الاستدلالي، إلا باعتباره ضربا من القياس قائما على المشابهة.
 فالوشم على الجسد، لما أبرزناه من شدة اتصاله بالذات الحاملة له، يحسبه الناظر إليه خطابا مباشرا يوجّه إليه لتبليغ معلومة أولإثارة ردّ فعل. ويمكن أن يرد المخاطب لفظيا على الوشم بعبارات استحسان أواستنكار مثلا: يقع النظر على وشم ميزان دفتاه غير معتدلين فيقول لحامله:“صدقت والله” أو“الظالم حسابه عند الله”. وقد يكون الوشم في حدّ ذاته مثيرا لرد الفعل دون الانتباه إلى دلالته فيقول الناظر إليه: “أستغفر الله” أو“جهنّم وبئس المصير” فيدل على أنّ المخاطب يعتبر الوشم محرما دينيا. وقد يكون الرد بإشارة أي من صنف الخطاب الإشاري الاستدلالي الذي بواسطته بُلّغت المعلومة.
 ويأخذ مفهوم الإشارة مع الوشم بعدا أعمق من المفهوم العادي الذي يتأسس على مفهوم “الإيماء بالكف والعين والحاجب....باليد والرأس...بالسبابة”(37)، أي الإشارة الحسية القابلة لأن تتطور إلى إشارة معنوية. بل نحن نعتقد أنّ الوشم يحقق بمجرّد وجوده ضربا من الإشارة إلى دلالة ضمنية غير مصرح بها يحتاج لإدراكها إلى إعمال القدرات الذهنية للوصول إلى الاستنتاجات كما بينا، تماما كما يشير عمل التلفظ بفعل إنجازي صريح إلى العمل اللغوي الذي ينشأ بإنشاء القول(38).لذلك فإنّ الوشم، حتى وإن كان من وضع شخص آخر غير حامله،أوكان شكلا مقترحا من صانع الوشم، فإنّ مجرد وجوده على جسد حامله يجعل هذا الأخير المنشئ الأول والأخير لأبعاده الدلالية، وإليه يسند المقصد التخاطبي والمقصد الإخباري. وليس لصانع الوشم أي دور في هذه العلاقة فهوعنصر خفي لا يظهر في مرحلة التخاطب. تماما كما هوشأن الواضع في النظام اللغوي فالمتكلم يستعير جهازا لغويا هوليس من وضعه غير أنّ انتقاءه واختياره لإمكانية من الإمكانيات التي يوفرها له النظام اللغوي وإنجازه للقول تغيّب عند التخاطب الواضع. فتكون العلاقة ثنائية بين المتكلم والمخاطب. ولئن كان جهاز التصويت يمتن العلاقة بين المتلفظ والقول الملفوظ، فإنّ اختيار الجسد لوشم الأشكال الخطية تجعل العلاقة بين الوشم وحامله علاقة متينة أيضا غير قابلة للفصل والقطع.
 أمّا بالنسبة إلى خاصيّة الإخفاء والإظهار في الوشم حسب اختيار موضعه من الجسد، فإننا لا نوافق بافوفيما ذهبت إليه من كون الوشوم المخفية ليس لها وظيفة تخاطبية خلافا للوشوم الظاهرة لأنّ جميع الوشوم مهما كان موضعها هي قابلة للإخفاء وللإظهار حسب رغبة حامل الوشم فحتى وشوم الوجه(39) يمكن أن يقصد إلى إخفائها بواسطة حجاب أونقاب. هذا إضافة إلى أنّ الوشم في أماكن لا يقدر حامل الوشم على رؤيتها أيضا لا يمثل إشكالا خلافا لما أثبتته بافولأنّ حامل الوشم لا يحتاج إلى أن يرى الوشم فهوراسخ في الذاكرة محفوظ فيها وهومدرك تمام الإدراك أنّه إذا ترك الوشم ظاهرا فإنّه سيثير انتباه آخرين بردود فعل مختلفة. ورغم أنّ التخاطب يقتضي المواجهة بين طرفي الخطاب، فإنّ سمة المادية ليست شرطا لازما في هذا المفهوم. وهكذا تمكننا هذه المقاربة العرفانية من معالجة بعض ما بدا لبافوعائقا أمام التسليم بالبعد التخاطبي للوشم.
 وقد بدا لنا أنّ الإشكاليات التي أثارتها بافوفي دراسة البعد التخاطبي في الوشم ناجمة من اعتبار نظرية التلفظ المقام التخاطبي مقاما ماديا بالضرورة، وأنّ الحضور فيه لطرفي الخطاب هوأيضا حضور مادي.وهذا الاعتبار يجعل أشكال المقامات التخاطبية الممكنة محدودة ويقصرها على نمط مخصوص من التخاطب. في حين أننا إذا اعتبرنا المقام التخاطبي مقاما مجردا قابلا للانتظام واعتبرنا الحضور حضورا تخاطبيا مجردا لا حضورا ماديا في مقام التخاطب، فإنّ النظرية تتسع حينئذ لتصف المقامات التخاطبية المادية وغير المادية فتأخذ المواجهة أشكالا مختلفة ومتعددة. وهنا تبرز نجاعة المقاربة النحوية المعتنية بالأبنية المجردة في تبيّن السمات التخاطبية. فعدم نجاح نظرية تلفظية في وصف ظاهرة ما لا يعني بالضرورة أنّ هذه الظاهرة غير تخاطبية بل قد يكون ذلك مؤشرا على ضعف في نجاعة النظرية علينا معالجته. وهوما يدعونا إلى تنويع المقاربات اللسانية في دراسة الوشم باعتباره ظاهرة تخاطبية. فينفتح المجال لمزيد البحث والتعمّق في هذا البعد.

الهوامش

1 -  Craye Morgane 2010 «Mon corps et sa mise en scène par le tatouage» Un article de la rubrique Tribune libre.
2 - انظر الفصل الأول من Borel France 1992.
3 -  Jakobson 1963 «Essais de linguistique générale »Ed.de Minuit.Paris Benviniste E 1966 «Problèmes de linguistique générale1 »Ed Gallimard.Paris Kerbrat_Orecchioni C 1980 «L’énonciation de la subjectivité dans le langage »Librairie Armant.Colin.Paris.
4 - للتعمق في مفهوم المقام التخاطبي وخصائصه قديما وحديثا انظر نرجس باديس 2009، ص 33 - 41.
5-Paveau 2009«Une énonciation sans les tatouages scripturaux«publié communication:dans »Itinéraires1,2009, pp81 - 105Paveau2012«Tatouage et langage »ACTUEL n147 ou Penseedudiscours.hypotheses.org /7782
6 - Paveau 2009 p 81.
7 - نفسه ص 81-88.
8 - Benviniste E 1966 »Problèmes de linguistique générale1 »Ed Gallimard.Paris Austin J .L 1970 »Quand dire c’est faire »Ed .Seuil.Paris Searle J .R 1972 »Les actes de langage :Essai de philosophie du langage »Collection Savoir .Hermann.Paris.
9 -  Paveau 2009، Paveau 2012.
10 - نفسه ص 81.
11 - نفسه ص 81.
12 - للتعمق في دلالة هذا المصطلح انظر باديس 2009ص 75 - 78 .
13 - لتبين دلالة هذا المفهوم وما يثيره من إشكاليات انظر باديس 2008.
14 - بافو 2012.
15 - نفسه.
16 - بافو 2009  ص 88.
17 - Benviniste 1966 p 252 -253
18 - أكّد العديد من الباحثين أنّ الصمت المطلق لا وجود له انظر Thomas j .Bruneau 1973  p 5.
19 - Dubois J .1994 p 468.
20 - انظر الشريف 2002.
21- Sperber D.&Wilson D .1989  P 147.
22 - نؤكّد على أنّ الأمر يخصّ البحث اللساني الحديث لأنّنا نستثني تراثنا البلاغي الذي لم يغفل عن هذه المسائل بآلياته الفكرية المتاحة له في تلك العصور.
23 - Sperber D.&Wilson D .1989  P 45.
24 - Sperber D.&Wilson D .1989  P 79.
25 - سباربار وولسن 1989 ص 113,هذه الخصائص الذهنية أخذها سباربار وولسن عن فودور) انظر Sperber.1989ص 111-112).
26 - نفسه ص 39.    
27 - نفسه ص 82.
28 - نفسه 131.
29 - نفسه 81.
30 - نفسه ص 80.
31 - نفسه ص 76.
32 - نفسه 81.
33 - سيبويه «الكتاب» ج 2 ص 208.
34 - Malvina Hybertie :1998 ,
35 - Borel France 1992 .chapitre 1
36 - Marie-Anne Paveau  2012
37 - لسان العرب ج 4 ص 2308
38 - لمزيد التعمق انظر مفهوم الإشارة في ص:RECANATIE 1979 P 143.
39 - لقد بينت الدراسات ندرة اختيار الوجه موضعا للوشم لأنّه يصعب إخفاؤه.

المراجع

العربية:

- ابن منظور (محمد بن علي أحمد الأنصاري)“ لسان العرب»”، دار لسان العرب بيروت د.ت.
- باديس (نرجس) 2008 “دلالة الحضور في الإحالة المقامية” في “الإحالة وقضاياها في ضوء المقاربات اللسانية والتداولية” ط 1 مسكيلياني تونس
- باديس (نرجس) 2009 “المشيرات المقامية في اللغة العربية”.مركز النشر الجامعي، تونس
- الشريف (مجمد صلاح الدين) 2002 “الشرط والإنشاء النحوي للكون بحث في الأسس البسيطة المولّدة للأبنية والدلالات” جامعة منوبة منشورات كلية الآداب سلسلة لسانيات مجلد 16 تونس.

الأجنبي:

- Austin J .L 1970 «Quand dire c’est faire »Ed .Seuil.Paris.
- Benviniste.E. 1966 «Problèmes de linguistique générale1 »Ed Gallimard. Paris.
- Borel France 1992 «Le vêtement incarné ,les métamorphoses du corps »
 Paris ;Calann-Lévy.  
- Bruneau. Thomas j: 1973 «Le silence dans la communication »in Communication et langages n20 pp 5 - 14.
- Craye Morgane 2010 «Mon corps et sa mise en scène par le tatouage» Un article de la rubrique Tribune libre.
- Dubois J .1994
«Dictionnaire de linguistique et des sciences du langage»Ed. Larousse Paris.
- Jakobson:1963 «Essais de linguistique générale »Ed.de Minuit. Paris.
- Kerbrat_Orecchioni C 1980
«L’énonciation de la subjectivité dans le langage »Librairie Armant.Colin.Paris
 - Leca Florence:1992 ,Hermés،11 -12.
- Malvina Hybertie :1998, «Le tatouage:
Marquage social de l’individu « Dossier de licence de psychologie.
-Paveau 2009«Une énonciation sans les tatouages scripturaux » publié communication: dans : Itinéraires 1,2009 ,pp 81 -105.
- Paveau 2012 «Tatouage et langage »ACTUEL n 147 ou Penseedudiscours .hypotheses.org /7782.
 - RECANATIE 1979 «La transparance et l’énonciation :pour introduire à la pragmatique » Ed du Seuil /Paris.
- Searle J .R1972 «Les actes de langage :Essai de philosophie du langage » Collection Savoir .Hermann.Paris.

أعداد المجلة