فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
26

فلاديميـر بروب ومنهجية دراسة الثقافة الشعبية

العدد 26 - أدب شعبي
فلاديميـر بروب ومنهجية دراسة الثقافة الشعبية
كاتب من البحرين

من التأسيس النظري الى البحث في الجذور التاريخية للحكاية :
بعد أن وضع بروب الأسس النظرية الدقيقة لدراسة الحكاية توجه الى اكتشاف جذورها التاريخية وذلك من خلال دراسته القيمة “ الجذور التاريخية للحكاية العجائبية.” والتي صدرت في كتاب عام 1946 ونشرت ترجمته الفرنسية الأولى سنة 1983 وهي التي سنعتمدها في التعريف بالمنحى التاريخي لمشروع بروب في دراسة الحكاية. يتكون الكتاب من مقدمة وعشرة فصول وهي: بداية الحكاية الغابة المسحورة، البيت الكبير، المنحة السحرية، العبور،

 

قريبا من نهر النار، بعيدا عن بلاد الثلاث مرات التاسعة، الخطيبة، الحكاية باعتبارها كلا واحدا. وقد عد الكتاب الجزء الثاني من مشروعه في دراسة الحكاية والذي بدأه بكتابه“مورفولوجيا الحكاية”، وكان  بروب قد شرع في كتابة “الجذور التاريخية للحكاية العجائبية” كفصل أخير لكتابه الأول، ولكن نظرا لطوله نشره في كتاب مستقل.

ولأن جذر الحكاية – كما يقول دانيل فابر وجان كلود شمت – في مقدمة الكتاب : “يذهب بنا الى أصل المجتمعات فإنه تعريفيا خارج الزمن، وكل بناء بروب يمكن قراءته كتوضيح لنظام الدلالات اللازمنية للحكاية العجائبية والتي تعالج في الواقع التوارث الملكي، التأهيل للانتقال الى مرحلة الشباب، رحلة الروح في العالم الآخر. ولكن الكتاب لا يقف عند هذه الخطوط،فهو يتميزبسعة البحث التاريخي والاثنوغرافي والفولكلوري وعلى  مستوى العالم، وقد سبق بروب زمنه بثلاثين عاما في دفاعه عن نظرية القيمة الاثنوغرافية للفولكلور.

إن الفكرة المحورية والمبدأ الأساسي للإثنوغرافيا التي جعلها بروب حجر الأساس لمنهجه في هذا الكتاب لخصها تلميذه بوريس نيكولايفتش بوتيلوف (1919 – 1997 ) وأحد علماء الفولكلور كما يلي:
“رغم كون الحكاية العجائبية ذات تكوين محدد، إلا أنها في نهاية المطاف، مرتبطة بنيويا بالطقوس وبمفاهيم المجتمعات البدائية، ولكن العلاقة بين الفولكلور والاثنوغرافيا ليست دائما مباشرة، وإن لزم تواجدها في كل حالة منفردة. ولتحقيق ذلك علينا إيجاد المكون الاثنوغرافي المسؤول عن مثل هذه المادة الفولكلورية، ثم إضاءة نظام المفاهيم المطابقة لها، وثالثا تتبع صيرورة تحول المكون الفولكلوري”.
وفي مقدمة الكتاب أيضا يتساءل بروب عن الطريقة المثلى لمعالجة الحكاية في إطارها التاريخي وتقصي جذورها ويذهب إلى أن منهجه في التحليل مخالف لما هو سائد من مناهج تعنى بالمقارنة بين الحكايات أو ربطها بالوقائع التاريخية. أما مشروعه فيسعى الى البحث عن الظواهر التاريخية القديمة التي ولدت الحكايات الروسية وبأي  المعايير شكل هذا الماضي التاريخي الحكاية وأصبح جذرا لها.
كما يرى بأن النقد والنقد الذاتي من قبل الباحث لمنهجه هي من أساسيات علمية البحث، وذلك للوصول الى نتائج واضحة للمتلقي، ومن المدارس التي ينتقدها بروب المدرسة الميثولوجية وهي أول القائلين بأن التشابه الخارجي بين ظاهرتين، وتطابقهما السطحي الخارجي دليل على علاقتهما التاريخية. وكما ذهبت المدرسة  الفنلندية في إحدى أطروحاتها بأن النماذج التي نصادفها غالبا مشابهة لنموذج أصلي للمادة، دون القول بأن نظرية النموذج  هي أيضا وغالبا بحاجة إلى إثبات. لأن أكثر النماذج البدائية نادرا ما تلتقي حيث يتم استبدالها باستمرار عبر رحلتها الزمنية بنماذج جديدة تحضى بانتشار واسع.
ويختص الكتاب بتحليل الحكايات العجائبية أو الغرائبية حيث أن عالم الحكاية شاسع تاريخيا وجغرافيا ولا يمكن القيام بدراسته في بحث واحد، لذا يحدد الكاتب مادة الدراسة وهي الحكاية العجائبية مع حرصه على تعريفها في المقدمة بأنها الحكاية التي درسها في كتابه السابق “مورفولوجيا الحكاية”، حيث تبدأ الحكاية بضرر أو محنة تصيب شخص ما (اختطاف، نفي) أو برغبة في حيازة شيء ما ( القيصر يبعث بابنه للبحث عن طائر النار) ويكون تطورها كالتالي : مغادرة البطل للبيت، مقابلته للمانح الذي سيعطيه وسيلة سحرية أو مساعدا ساحرا  مما سيمكنه من الحصول  عما يبحث عنه يليه المعركة مع الخصم (وأهم اشكالها  مع التنين)، ثم العودة وما يتبعها، وغالبا ما نرى هذا البناء أكثر تعقيدا. وبدراسة بنية الحكايات العجائبية نرى قرابتها ببعضها، وعمق هذه القرابة لا يمكن الباحث من الفصل وبوضوح تام بين مواضيعها. ولتخطي هذه العقبة يتبع بروب مبدأين هما:

الأول: لايمكن دراسة موضوع حكاية عجائبية منفردة.
والثاني: لايمكن دراسة موتيف الحكاية  العجائبية دون ربطه بمجمل الحكايات. ولهذا يرفض بروب تحليل الحكاية من خلال موضوعها كما درج على ذلك الباحثون قبله. كما لا يكتفي بدراسة تقنيات العصر الذي ولد الحكاية بل يذهب الى دراسة النظم الاجتماعية التي ولدت أو حورت في ظلها هذه الحكاية. كما يحلل علاقة الدين البدائي بالطقوس  والعادات بالحكاية اعتمادا على دراسات سبقته ولكنه  يقوم بذلك وفق رؤية نقدية منفتحة وباستخدام أداته المنهجية الجديدة.  ولتعقد وتشابك العلاقة بين الطقوس والحكايات فهو يوجز في مقدمة الكتاب تحليلا لهذه العلاقة من خلال ما تتخذه من أشكال، فهي اما مباشرة حيث  تتطابق الحكاية مع الطقس وهذه ظاهرة نادرة الحدوث.أو أن الحكاية ناقلة بمعنى حملها لبعض عناصر الطقس  وخاصة الموتيفات بعد خضوعها لتحويرات مرتبطة بتغيرات اجتماعية. أما العلاقة الثالثة  فيدعوها  “عكس الطقس” وهو أن تحمل الحكاية جميع عناصر الطقس ولكن بمعان ودلالات مناقضة لما في الطقس. ويشير في  نقده إلى كتاب “الغصن الذهبي” لفريزر والقائم على فرضيات مستمدة من الحكايات، ولكنها حكايات أسيء فهمها وقصر في دراستها. وأن تحليلا جادا لهذا العمل سيمكننا من تصحيحه وزعزعة أساساته.
أما العلاقة بين الحكاية والأسطورة فيذهب الكاتب الى إمكانية دراستها كأحد المصادر المحتملة للحكاية. وهو يموضعها في اطارها التاريخي ليتمكن من دراسة وتشريح عناصرها ذات الصلة بالوظيفة في الحكاية.

بداية الحكاية  
إذا كان الفصل الأول قد حدد بدقة ملامح تاريخية الحكاية وعلاقتها بالأشكال الأخرى لنمط التفكير كالأسطورة والطقوس والفكر البدائي ففي الفصل الثاني وتحت عنوان“بداية الحكاية” يحلل عناصر الحكاية وأحداثها  فهدوء البداية في الحكاية كما يقول “ تقنية فنية خلقت لإخفاء الديناميكية الداخلية للحكاية، والتي غالبا ماتكون عاطفية وتراجيدية، وأحيانا كوميدية وواقعية” وعنصر“الرحيل”هو المحرك الأول لأحداث الحكاية، كرحيل الأطفال الى الغابة أو الحقل لإحضار محصول ما أو لحمل غذاء لمن يعمل هناك أو لمجرد النزهة.والعنصر الثاني هو “المحضورات” التي تمنع هذا الرحيل وتبريرها هو وجود خطر يتهدد الصغار عند خروجهم من المنزل. وفي الفقرة الثالثة يقرأ بروب منتقدا رأي فريزر في “الغصن الذهبي” للمحضورات التي تحيط قديما بالملوك والكهنة والأطفال، بحيث تقنن أدنى حركاتهم بضوابط و قوانين من الصعب جدا اتباعها.  أحد هذه القوانين يمنع الخروج مطلقا من القصر، وطبق ذلك في الصين واليابان حتى القرن التاسع عشر. أما  الفقرة الرابعة فتلقي الضوء على ظاهرة حبس أطفال القيصر في الحكاية الروسية، وهو عزل ذو دلالة طقسية، ويخلص بروب الى أن الحكاية احتفظت بكل أشكال المحضورات التي كانت تفرض قديما على العائلة الملكية، ومنها منع الضوء والنظر والأكل ولمس الأرض والاتصال بالآخرين، ويذهب الى أن ذلك يثبت التطابق بين الماضي التاريخي والحكاية وهي هنا تعكس الواقع التاريخي. أما في الفقرة الخامسة فيحلل شكلا آخر من العزل وهو “سجن الفتيات اليافعات ” ويستشهد الكاتب برواية فريزر عن بعض هنود أمريكا وسجنهم للفتيات والفتيان المرشحين لرآسة القبيلة وحرمانهم من المنصب في حالة رؤيتهم للشمس أثناء سجنهم والذي يصل إلى سبع سنوات. كما يتطرق إلى منع الفتيات من قص شعورهن. ويحلل الكاتب  هذا المنع والسجن لصغار الفتيات كطقس للعبور إلى سن البلوغ. كما أنه حماية لهن من قوى شريرة غير مرئية يعتقد في قدرتها على إلحاق الأذى بهن. ولأن وجود هذه الممارسات قديم جدا كما هو الحال لدى الشعب الأصلي في أستراليا، لذلك فهي تكاد تختفي في شكلها البدائي من الحكايات التي وصلتنا، بينما تحمل هذه الحكايات تفاصيل مطابقة لسجن أطفال العائلة المالكة وذلك نظرا لقربها زمنيا من عصر تكون الحكاية. أما دوافع هذا السجن أو العزلة فيخصها الكاتب بالفقرة  السادسة، ويرى أن عزلة أو سجن الملك أو الكاهن كان بهدف الحماية القدسية حيث كان يعتقد بسلطتهما الخارقة للطبيعة وبالتالي التحكم في الأحوال الجوية وما ينتج عنها من وفرة المحاصيل الزراعية أو شحها.
ويتابع بروب في الجزء الثاني من هذا الفصل تحليله لأحداث الحكاية وأهمها محنة الاختطاف للطفل والذي غالبا ما يقوم به التنين. ويناقش مسار السرد وتتالي أحداث الحكاية، فهي للقارئ العادي تبدأ مع بداية الحدث، أما لدى الباحث المتخصص فعلى العكس، حيث البداية هي نتيجة لما يدور في بداية الحكاية أو في وسطها. لأن البداية  تتنوع بينما يغلب على الوسط أو النهاية طابع التوحد والاستقرار، ولهذا لا يمكن تفسير بداية الحكاية سوى بالنهاية أو الوسط. وكل حكاية تبدأ بمحنة أو مصيبة تتبعها أحداث أخرى تختم في نهاية الحكاية بحدث سعيد.والقاسم المشترك لبداية الحكايات التي يدرسها بروب هو العنصر التالي“وقوع المحنة أوالمصيبة، تتالي الأحداث يتطلب علم بطل الحكاية بطريقة أو بأخرى” ولأن بنية الحكاية ترتكز على حركة البطل في فضائها السردي لذلك فحدث“الرحيل” في بداية الحكاية يكتسب أهمية من حيث الوظيفة والدلالة والبنية. أما بطل الحكاية ومن خلال ما يحيط به أو يحمله يطرح بروب تساؤلا فيما إذا كان البطل حيا يسير نحو العالم الآخر، أو ميتا تحمل مغامراته رؤية عن روح جوالة ؟ وللإجابة على التساؤل يجب طرح أسئلة أخرى  كما يقول الباحث.

الغابة المسحورة
في “الغابة المسحورة ” وهو عنوان الفصل الثالث للكتاب، يتابع الكاتب تحليل عناصر الحكاية حيث يلزم بطلها الحصول على المساعدة أو الوسيلة السحرية التي تعينه على الخروج من المحنة.ولأن غنى الحكاية لا يكمن في تكوينها ولكن في الأشكال المتعددة التي يكتسيها كل عنصر من هذا التكوين كما يقول بروب. ودخول شخصية  المانح إلى الحكاية ينقلها الى مرحلة جديدة حيث يتدخل في سير أحداثها. والشكل التقليدي للمانح في الحكاية  الروسية هو “بابا ياغا” وهي شخصية أنثى تتكون من تفاصيل كثيرة مما يصعب تحليلها. ويصنفها بروب الى ثلاثة أشكال: الياغا المانحة والتي حين يأتيها بطل أو بطلة الحكاية وبعد استجوابها له أو لها تمنح البطل  أوالبطلة حصانا أو هدايا ثمينة أو غيرها. والشكل الثاني الياغا الخاطفة التي تختطف الأطفال وتحاول طبخهم مما يؤدي الى هربهم ونجاتهم من المحنة. أما الياغا المقاتلة فتقتحم طائرة كوخ البطل، ولكل من هذه الأنواع الثلاثة ملامحها الخاصة، كما تشترك جميعها في ملامح أخرى.ويرى الباحث وجود علاقة بين الياغا وعالم الموتى.  وهذه العلاقة تضعنا أما السؤال عن سبب لجوء البطل الى منزل البابا ياغا أي الى الموت؟ يحيل هذا التساؤل الى طقس الانتقال الى مرحلة التنشئة أو البلوغ لدى اليافعين في المجتمع البدائي القديم وهو مفهوم شديد  الارتباط بمفاهيم الموت اذا ما تمكنا من  دراستها منفصلة،و لذلك علينا  مواجهة الحكاية ليس فقط بمادة الطقوس ولكن أيضا بالمؤسسات الاجتماعية المقابلة لها.
ولتأويل هذه الظاهرة يعقد مقارنة بين مادة الحكاية ومادة الطقس، رغم تعذر الدراسة الوصفية والتاريخية  للطقس حاليا كما يقول الباحث، فهي مشكلة  اثنوغرافية صرفة، والاثنوغرافيا لا تطرح هذه المشكلة الا  بطريقة وصفية. ولأن الغابة تشكل عنصرا مشتركا بين الطقوس والحكاية وملازمة لشخصية الياغا، فإن بروب يرى أنها تفتح للباحث محيطا من العناصر المرتبطة بالطرق التي تظهر بها وبمن يسكنها. فهي من جهة على  علاقة وثيقة بطقس التنشئة أو البلوغ ومن جهة أخرى وبتحليل دورها الوظيفي في الحكاية يرى فيها “حاجزا أوحدودا” عصية تقف أمام البطل. وهي أشبه بالشبكة التي يقع في حبائلها. ومن موتيفاتها ذات الدلالة الكوخ وبابه الغريب الذي يشكل مدخلا إلى عالم الموتى. كما أن ما يلازم دخوله من طقوس يقدمها البطل في الحكاية لها جذورها فيما كان يمارس في المجتمعات البدائية. ومن الغرائب أن الكوخ قائم على أرجل دجاجة وأن مدخله  متحرك. ويتطرق بروب إلى موتيف “الرائحة” في الحكاية الروسية، رائحة الأحياء التي لا يطيقها الموتى وهي في الحكاية وسيلة للكشف عن البطل أو الياغا والعلاقة بينهما في البداية وقبل التجسد البصري.أما الغذاء وهو  عنصر يلازم أيضا لقائه بالياغا،و مشروط بإجابة البطل على أسئلتها عن هدفه من الرحلة. كما يلاحظ  بأن هذا الغذاء هو الوجبة الأولى لبطل الحكاية، فهو لا يأكل في بيته قبل المغادرة ولا في طريقه، ويرى علاقة بين ذلك ودلالات الغذاء الطقسي لدى بعض الشعوب كالهنود الحمر والفراعنة للدخول إلى عالم الموتى. فبطل الحكاية يتحدى الياغا في تناوله ما تقدمه من غذاء ولا يخاف من أكل غذاء الموتى. ويخلص بروب الى أن منطلق   موتيف الغذاء  في الحكاية وما تقدمه الياغا للبطل وهو في طريقه إلى مملكة “ الثلاث مرات العاشرة” هو فكرة أن يلزم الميت بابتلاع غذاء سحري قبل انتقاله إلى العالم الآخر. ثم يحلل شخصية بابا ياغا آتيا على  كل جزئية من مكوناتها، وأول مايصادفنا هو طريقة دخولها المشهد أمام  البطل حين يصل الى الكوخ، فهي إما  مستلقية فيه أو تصله طائرة.  أما وصفها بالضخامة فعائد الى صغر حجم الكوخ، مما يجعها أقرب الى جثة في  حيز ضيق وهي الدلالة التي يذهب اليها أغلب الباحثين. ويقول بروب بأنه في حالة مصداقية هذا التحليل فإننا سنتمكن من إيجاد التأويل المقنع لإحدى الصفات الأساسية للياغا ألا وهي ساقها العظمية. ولكونها سيدة مملكة  الغابة وحيواناتها فالحكاية تقدمها  في صورة حيوان، وهي أقدم صورها في الحكايات الروسية. وبأرجلها  الحيوانية تتخذ الياغا هيئة المسخ بين الحيوان والإنسان. وهي رجل شبيهة بالهيكل العظمي أي ذات صلة بفكرة الموت كما يقول بروب، ويعتقد بوجود إشكالية في هذا التفسير رغم كونه أكثر التأويلات إقناعا. كما تكشف  الحكاية عن “عمى” البابا ياغا وهي صفة أخرى لهذه الشخصية حارسة مدخل مملكة الثلاث مرات العاشرة، وكائن مرتبط بعالمي الحيوان  و الموتى. فالعمى مزدوج الدلالة  كما يقول بروب وهو مؤشر إلى تحويل العلاقات في  عالم الأحياء إلى العالم  الآخر. حيث أن  الموتى لايرون الأحياء، كما أن الأحياء لا يرون الموتى، ويثار هنا  تساؤل عن عمى البطل وإجابته أن البطل أيضا يفقد  بصره فور التقائه بالياغا. كما يبحث ومن خلال هذه  الموتيفات في العلاقة العكسية بين الطقس والحكاية، ففي الأول نجد  البطل ضريرا بينما في الثانية فتكون الساحرة أو من يشابهها. وهنا نجد بأن الأسطورة والحكاية تشكلان نقيضا للطقس.

ويربط الباحث بين الطقوس والمجتمع  الرعوي البدائي، حيث أن الخضوع له ضرورة لاكتساب القدرة السحرية اللازمة للسيطرة على الحيوان. بينما  مع الانتقال إلى المجتمع الزراعي وانهيار هذه الطقوس المرعبة انتقلت بعض الموتيفات إلى الحكاية ولكن بعكس  دلالاتها الأصلية. أما عن الصفات الأخرى للبابا ياغا فتجسدها المبالغة في مظهرها الأنثوي وخاصة مظاهر  الأمومة والشيخوخة رغم أن الحكاية لاتذكر عن زواجها أو عائلتها، فهي أم لحيوانات الغابة، حيث تمارس عليهم سلطة مطلقة. وهذا عائد كما يقول بروب إلى مرحلة من تطور المجتمعات فرض فيها الانسان على طرائده من الحيوانات تنظيمه القبلي. وهي ظاهرة معروفة في الاثنوغرافيا بمصطلح “السيد”. ويرجع أصل المصطلح إلى مرحلة تقديس الحيوانات وخلع السيادة على أحدها. ومن خلال دراسة الطقوس والأساطير القديمة يورد  بروب أمثلة أنثوية لها ذات الصفات والوظيفة وهي حراسة مدخل العالم الآخر. وفي فقرتين متتالتين يحلل  امتحان الياغا للبطل واستجوابه ثم مكافأته بعد إجابته الصحيحة، وتعود ثقته إلى استعداده المسبق لمواجهة الألاعيب السحرية.

ويرجع بروب نظام الامتحان في  الحكاية إلى مفاهيم قديمة جدا تقول بإمكانية القيام بأعمال  سحرية تمهد للدخول إلى العالم الآخر. وكان أساسا  موضوع“فضيلة”أو “نقاء” وليس “قوة”، ولكن مع تطور التقنيات والنظم الاجتماعية تم تحويل بعض المبادئ شيئا فشيئا إلى العلاقات التشريعية أو غيرها مما حولها إلى مقدسات  أي تحولت إلى فضائل، ولهذا السبب ظهرت مبكرا جدا جنبا  إلى جنب مسألة امتحان قدرات الميت  السحرية وفضائله. ومن الامتحانات التي تفرضها الياغا على بطل الحكاية امتحان الامتناع عن النوم، ويرتبط ذلك في الحكاية الروسية بمهمة البطل في العثور على آلة “الغوسلي” التي تعزف ذاتيا وبمفردها، وهي آلة  موسيقية  وترية تشبه القانون. فنوم البطل هنا يعني فناءه. ولتحليل الجذر التاريخي لموتيف الامتناع عن النوم  يلجأ بروب إلى  تراث الهنود الحمر وإلى ملحمة جلجامش حين يفرض عليه أوت- نابشتم الامتناع عن النوم ستة أيام وسبع ليال متتالية، ولأن جلجامش مرهق من طول السفر، يخر نائما فتوقظه زوجة أوت – نابشتم رأفة به  ويرى  الباحث بأن ثمة علاقة وطيدة بين موتيفات الموت والعودة إلى الحياة وبين أصل طقس التنشئة أو البلوغ.

ولدراسة سير السرد في الحكاية يتناول بروب بالبحث بداية الحكاية وهي مغادرة الأطفال إلى الغابة، وتتم باحدى الطرق الثلاثة فامأ أن يقوم الأهل بأخذهم اليها، أو يتم اختطافهم، أو أن يرحلوا بكامل إرادتهم ودون تدخل الأبوين.  ولأن الأصل في ذلك هو طقس التنشئة فإن من يقوم بمصاحبة الأطفال هو الأب أو الأخ أو العم   لأن الغابة هنا منطقة طقسية ممنوعة على النساء، فقد تحولت المهمة إلى طرف آخر، وهو هنا الأب. ونظرا للتغيرات في المجتمع البدائي بدأ طقس التنشئة في  الاضمحلال، وفي الحكاية أصبح ذهاب الأطفال إلى الغابة حدثا مرعبا. وإن كان ذلك قد تغير في الحكايات الأحدث. وفي الحكاية الروسية غالبا ما تكون زوجة الأب أو زوج الأم  المتسبب في نفي الطفل إلى الغابة في حالة وجود أطفال  خلصاء من ذات الأبوين. أما كلام الأم عن  “الأرواح أو الشيطان ”الذي يختطف الأطفال إلى الغابة فحديث، وما دفع إلى  ذلك هو الخوف من الطقس، وفي الحكاية تعبير عن بقايا هذا الخوف في اختطاف البابا ياغا للأطفال. وتحت عنوان“البيع  المقدم” يحلل بروب عددا من موتيفات التناص بين طقس التنشئة وبين الحكاية  الذي يلخصه في تعبير“أعط ما لديك في  البيت مما لا تعلمه”  والصور التي تعكس ذلك ما يتعرض له شخص بعيدا عن بيته من مواقف صعبة، كأن يضيع في  الغابة، أو يلتهمه وحش في بحيرة، والموتيف الآخر هو ما يطلبه المتسبب في المحنة من الرجل بأن يعطي مالديه في بيته  مما لا يعلمه، وعندما يذهب يفاجأ بقدوم مولوده الجديد، ويرى بروب في ذلك صفقة تحيطها الأسرار بين الرجل  وشخصية  غامضة في الغابة أو البحر، فالتعبير السابق يوحي بالطفل ولا يذكر اسمه مباشرة، ومثل هذه الكلمات المحصنة بنظام من  السرية والمحمية بسلسلة من التابوهات معروفة تاريخيا، كما أن شخصية العجوز الغامض لا  تتضح إلا بعد  أن نتعرف على  الشخص الذي سيصل إليه الطفل.

ويحلل بروب المدة التي سيبقى فيها الطفل في كنف أبيه وهي التي حددها الوحش الغريب  في صفقته مع الأب، ويلاحظ أنها تمتد إلى  سن السابعة عشرة وهي سن البلوغ. ورحلة البطل في الحكاية هي طلب لمعرفة ويتحقق ذلك من خلال خضوعه لألوان مختلفة من التعذيب، ويقارن  بروب ذلك بالطقوس في المجتمع البدائي، ويختلف مع ما يذهب إليه بعض الباحثين من أن هذه القسوة تهدف الى تهيئة محاربي المستقبل وتعليم الطفل الخضوع والطاعة. ويرى  بأن الهدف هو إيصال  البطل إلى مرحلة الجنون أو الموت ومن ثم العودة الى الحياة. فالجنون لا يرد إلا نادرا في الحكايات  ،ولكن الباحث يرى بأن دراسة الظاهرة كإحدى مكونات الحالة الطقسية في المجتمع البدائي تساعد على فهم القسوة التي  تمارس على بطل الحكاية كتقطيع بعض أطرافه وخاصةالأصابع، ويقارن بروب ذلك بما يرد في الأساطير اليونانية القديمة  كأورست مثلا حين تقع في الجنون فتقطع أصبعها بأسنانها حين ترى مقتل أمها. وهذا التشويه  أو التقطيع ما هو الا موت  رمزي، ففي الحكايات أيضا تتكرر صور الثياب الملطخة بالدماء.
وهنا يحلل بروب  ظاهرة ما يسميه “الموت المؤقت” وهو ما يمارس في طقوس التنشئة، وما تعكسه الحكاية عنها من صور  جلية وواضحة،ويشمل ذلك التقطيع الطقسي  للجسد ثم العودة الى الحياة ودلالاته، وهو أحد موتيفات الحكاية أيضا.كما أن فرن الياغا والطبخ الرمزي أو امتحان النار  يشكل موتيفا آخر تسرب من الطقس البدائي إلى الحكاية. ولكن لهدف مخالف. ويستنبط بروب من العلاقة بين الطقس والحكاية ما يسميه “المعرفة السحرية” ويقصد بها  ما يكتسبه البطل من معرفة بعد رحلته الى الغابة وتجاوزه امتحانات الياغا. وفي الحكايات الألمانية يعود البطل  وقد  تعلم مهنة ما.ولكن في الغالب تعكس هذه المعرفة ماضيا موغلا في القدم، فالبطل يتعلم كيف يتحول الى  سلسلة من الحيوانات، وهو تحصيل عملي وليست معارف مجردة. وينتشر هذا الطقس في سائر المجتمعات البدائية،كما يتعلم الطفل عادات القبيلة ومنها الرقص والصيد، ويربط بروب في دراسته بين عناصر هذه الطقوس  وما تحمله الحكاية من موتيفات مباشرة أو رمزية.أما المنحة السحرية في الحكاية وهي عادة ما تكون مادة  كالخاتم، أو حيوانا كالحصان فيفصح عن علاقة الياغا بطقس التنشئة. فقوة البطل تكمن في قدرته على حيازة  العون السحري، وهو ما يسميه الاثنوغرافي الانجليزي ويبستر“الروح  الحارسة”  وهي تسمية يرى بروب بأنها  غير موفقة. ولهذا علاقة بطوطم القبيلة. والياغا من جهة أخرى هي القناع الذي يدير عملية أوطقوس التنشئة. ويتساءل بروب لماذا هي امرأة وليست رجلا ؟ مقارنا ذلك بعصبة النساء في المجتمعات البدائية واللواتي يكون، ويقدن مجمع التنشئة، حتى أن المتدرب يتحول مؤقتا الى امرأة وحتى الروح الحارسة تخرج في شكل امرأة.
ولكن في الحكاية يبدو الأمر متناقضا، فصفات الياغا لا تتطابق والمرأة بقدر تطابقها مع سيد الغابة. فكلاهما يطبخان الأطفال في قدر. وإن كانت الياغا تواجه صراعا يائسا عند شروعها في هذه الممارسة.وعندما ينجح  سيد  الغابة  في ذلك يستخلص المتدرب معرفة كونية. فبين الياغا وسيد الغابة علاقة نسب. وهل لهذا سبب تاريخي ؟ يتساءل بروب مضيفا إلى أن الحكاية تدعو إلى الاعتقاد بأنه في الطقس البدائي كان سيد الغابة إمراة  أو رجلا متنكرا في ثياب إمرأة أيضا.
ويمكننا من هذا العرض تلخيص مكونات شخصية البابا ياغا كما جاءت في الكتاب وهي:  
-  خاطفة للأطفال تسعى إلى طبخهم .
- مستجوبة و مانحة للهدايا لبطل الحكاية.
- الصفات السابقة المتناقضة لا تشكل وحدة متكاملة وهي في ذات الوقت لشخصية واحدة هي شخصية بابا ياغا.
- ترتبط وظيفتا الاختطاف والمنحة أو المساعدة السحرية بدورة طقس التنشئة.
- ترتبط بعض صفات البابا ياغا وأفعالها بثيمة إقامة الكائن الحي في مملكة الموت.
- لا يلغي أي من الظواهر السابقة الآخر بل  بالعكس تبرز بينها صلة القرابة التاريخية.
- رحيل أو ترحيل الأطفال الى الغابة بمثابة المغادرة الى الموت، ولهذا تبرز الغابة كمسكن للياغا خاطفة للأطفال وكمدخل للجحيم.
- ليس من فرق بين الموت الواقعي وما يدور من أحداث في الغابة،وما يختفي هو الطقوس وليس الموت.
- مع ظهور الزراعة وما صحبها من معتقدات أصبحت المعتقدات المرتبطة بالغابة مدنسة للقدسية وبالتالي  تحول سيد الغابة إلى ساحر شرير، وسيد أو سيدة الحيوانات إلى ساحرة، تجذب الأطفال لتأكلهم بطريقة  ليست رمزية.
- ظروف الحياة التي قضت على الطقوس هي ذاتها دمرت من خلقها وأشاعها : فالساحرة التي تحرق الأطفال، يحرقها الآن في الحكاية  الراوي حامل التقاليد الملحمية للسرد. وهذا الموتيف لا وجود له في الطقوس أو المعتقدات، ولكن يظهر عندما تبدأ الحكاية في التنقل بعيدا وباستقلالية عن الطقوس، وهذا يعني بأنها لم تخلق بواسطة ذات ظروف الحياة التي أوجدت الطقوس ولكن بما تلاها، تلك التي حولت ما كان مقدسا ورهيبا الى  ما هو غروتسك، نصف بطولي ونصف هزلي.

البيت الكبير
 يقسم بروب هذا الفصل الى ثلاثة أقسام:
- الأول“جمعية أو أخوية الغابة”
- الثاني“الأموات المانحون”.
- الثالث فهو “المساعدون المانحون”.
 وفي كل قسم يحلل الكاتب العناصر المكونة للمانحين الآخرين بعد أن ندرس في الفصول السابقة البابا ياغا كمانحة أيضا.
يرصد الكاتب في طقس التنشئة وذلك حسب اختلافه بين  الأماكن والشعوب ثلاثة أنماط من الانقطاع أو التمديد لمرحلة التنشئة :
1 – بعد شفاء جراحه يعود الشخص مباشرة إلى المنزل أو يغادر ليتزوج.
2 – يبقى في الغابة فترة قد تمتد إلى عدة أشهر أو سنوات حيث يعيش في المنزل الصغير أو في كوخ أو خيمة.
3 – يغادر المنزل الصغير إلى “بيت الرجال” ويقيم فيه لعدة سنوات.
ويعرف الكاتب هذا البيت بأنه مؤسسة خاصة بالنظام القبلي، وهو نظام ينتفي مع ظهور دولة الرق. فوجوده مرتبط بالصيد كشكل رئيسي لإنتاج  الحياة  المادية وصورتها الأيدلوجية الطوطمية، وقد استمر وجود هذا النظام حتى بدايات المجتمع الزراعي وإن اتخذ شكلا منحطا. وقد تمتع هذا البيت بسلطة مؤثرة على القبيلة. ويعد مركزا للاجتماعات وفيه تقام الرقصات  والاحتفال بالمناسبات وتحفظ في داخله الاقنعة والمواد الأخرى المقدسة لدى القبيلة.
ويدرس بروب الفترة اللاحقة للتنشئة  مباشرة والظروف المحيطة بها، ويعتبرها المرحلة الثانية لطقس التنشئة. وقد احتفظت الحكاية بآثار جلية المعالم من “بيت الرجال”، فالبطل بعد مغادرته منزله إلى الغابة يشاهد مبنى  غريب الشكل وقريب الشبه به يسمى عادة “بيت”، وما يثير انتباه بطل الحكاية هو ضخامة البناء، وهي صفة مشتركة بين الحكاية والطقس. كما تشترك الوظيفة النفسية للحجم في كلتا الحالتين. وهي إبهار البطل أو  الشخص  القادم من منزل أو كوخ متواضع. الصفة الأخرى للبيت هو السور الذي يحيط بالمنزل، ويحصنه عن  نظر من هم في الخارج لما يدور في داخله. وهو في الطقس موئل المقدسات ويمنع دخوله على الفتيات  والنساء والأطفال الصغار. كما احتفظت بعض الحكايات بصور طفيفة لبقايا المعتقدات الوثنية.  ومن  مواصفاته أيضا أنه مشيد على أعمدة وبطابقين. ومقسم الى غرف منفصلة. وعادة ما تذكر الحكاية فراغ الغرف من ساكنيها، وهي إشارة إلى غرابة المكان لدى البطل. والبيت غالبا ما تقوم على حراسته حيوانات  كالثعابين أو الأسود، وهو تحصين للمكان نجده في الطقوس أيضا. ويمكننا بحسب بروب إيجاز صفات “بيت الرجال” التي نقلتها الحكاية وذلك استنادا الى دراسة الآثنولوجي والمؤرخ الألماني هنري شورتز (1863 - 1903)
1 – يقع البيت في أقصى عمق الغابة.
2 – يتميز بضخامته.
3 – محاط بسور تزينه أحيانا جماجم.
4 – مرفوع على أعمدة.
5 – يتم دخوله بتسلق سلم أو عمود.
6 – يخفي مدخله ومنافذه الأخرى ستائر.
7 – مكون من عدة غرف.
ويشير بروب الى أن الملمح الأول يثير الريبة حيث أن البيت لا يقع في أقصى عمق الغابة، وهذا ما يولد تشابها علينا دراسته في الحكاية. حيث نجد في الغابة أيضا البيت الصغير“الكوخ”  أو منزل البابا ياغا. وفي بعض الحكايات ينتقل البطل من “الكوخ” إلى “البيت الكبير” قبل عودته إلى منزله. وفي الحكاية قد يتجاور البيتان. ويرصد بروب بالتحليل سكان البيت، وفيها أيضا وفور دخول البطل البيت الكبير يستقبل بمائدة جماعية للأكل  ويقارن ذلك بعادات الأكل في المجتمعين الرعوي والزراعي حيث تختلف طقوسه من طرق فردية حيث يأكل  الأب في السر بعيدا عن أفراد العائلة، أوجماعية كما هي الحال في الحكاية. وإما عدد الأخوة في البيت الكبير  كما يرد في الحكايات فيتراوح من اثنين إلى ثلاثين. ويقيم بعضهم في  الكوخ وهم في حركة دائمة بين قادم  ومغادر. والعرف السائد بينهم هو أنه من الشائن أن يأكل أحدهم منفردا في حضور الآخرين. وتقوم بينهم  صداقات بحكم المعاناة المشتركة. ويرى بروب بأن الحكاية تعكس حياة إحدى هذه المجموعات التي  يتحدث عنها الاثنولوجيون.  ويعد الصيد النشاط الأبرز لساكني “البيت الكبير” في ميثولوجيا التنشئة، وهو كذلك في الحكاية. كما تعد اللصوصية إحدى الموتيفات المشتركة بين طقوس التنشئة وبين الحكاية، وممارستها تتم عادة بعد اجتياز امتحانات التنشئة بالنسبة للطقوس وبعد دخول البطل الغابة بالنسبة للحكاية. وهي من  منظومة السلوكيات التي تؤشر إلى انفلات البطل وتحرره من حياته السابقة، وتمارس لفترة قصيرة. ويرى بروب أن ظهور هذا الموتيف في الحكاية منقول عن بقايا الممارسات الطقسية في المجتمع الرعوي. أما عن النظام البدائي لمجتمع المقيمين في البيت  في الحكاية فيتمثل بوجود زعيم يسمى أحيانا “الأخ البكر”  وقد يتم ذلك بعد مغادرتهم لمنزلهم عن طريق التسابق في رمي السهام، ومن تكون رميته أطول يصبح  “زعيما”. كما يتم تقسيم المهام فيما بينهم، فبينما يذهب”الإخوة” للصيد في الغابة يبقى أحدهم في البيت  لتحضير الغذاء. أما في الحكاية فيقوم الأخوان بممارسة ذلك دوريا. ويعد بروب وصول فتاة الى بيت الغابة بمثابة العنصر المؤثر ديناميكيا في سيرورة الحدث، وهي قد تأتي بإحدى الطرق كأن يتم اختطافها من أهلها ويعد ذلك ضمن طقوس التنشئة تكريما لها، أو تأتي بإرادتها أو مصادفة. وفي الحكاية كما في بعض المعطيات والمشاهدات الاثنوغرافية تقوم الفتاة بدور الأخت وتسكن وتأكل في غرفة مخصصة لها في البيت. وتتمتع  باحترام ساكني البيت. كما أنها ونظيرماتقدمه من رعاية وخدمات يكافئها  “إخوتها” قاطنو البيت بخواتم   أو غيرها من الحلي الفضية. أما الحكاية الروسية فلم تحتفظ بهذا الموتيف ولكنها أبقت على الزواج وما يعقبه من  ولادة. حيث تختار الفتاة أو الفتى شريك الحياة من بين المقيمين في البيت. وعن ولادة الطفل في بيت الغابه يقول بروب بأن الحكاية غالبا لا تعترف بالزواج في بيت الغابة وبأن المرأة هي “أخت”و الطفل والولادة هي  موتيفات  لسحر الزوج.وحيث أن إقامة المرأة في بيت الغابة  مؤقتة في  الطقوس، فهي تغادره بعد فترة قصيرة  لتبني حياتها الزوجية، و يرى بروب في ذلك إشكالية تاريخية لأن ما يدور داخل بيت الغابة يجب حجبه عن  الزوجة، ولاينطبق ذلك على “الأخوات” المقيمات في “بيت الغابة” كما يقول فريزر. وفي  الحكاية تحوير لهذا الموتيف، فالفتاة تموت فجأة مؤقتا ميتة رمزية لتبعث وتتزوج، وهذه الفجائية ليست تاريخية ولكن ما يوجب  هذا الموت والبعث هنا هو طقس التنشئة الذي سيؤهلها للعودة من الغابة إلى بيتها للزواج.  ومن الوسائل المستخدمة لذلك ابتلاع الفتاة لنوع من الفاكهة أو دخول الإبر أو الشوك تحت جلدها، أو استعمالها المشط أو  القميص، ويمكن  اعادة الميتة إلى الحياة بإزالة المشط من رأسها أو نزع قميصها،أي إزالة المسبب للموت  المؤقت، وفي الطقوس كما في الحكايات نجد جميع هذه الوسائل والمسببات. وهي شبيهة بالاعتقاد  السائد بأن  سبب المرض هو وجود جسم غريب داخل الجسد وبأن دور“كاهن الشامان” هو إخراجه منه. أي إعادة  الشخص الى دورة الحياة. ونظرا للتعقيد الذي يمثله تداخل مراحل هذه الدورة وعدم اكتشاف كل علاقاتها  كما يقول بروب،فمن الممكن أن نتبين عدم صحة بعض أوجه التشابه بينها. ومن هذا المنطلق يحلل الحكاية  الروسية “ أمور و بسيشه” كنموذج للعلاقة بين العناصر الطقسية ومكونات الحكاية. فالحديقة التي يقع فيها  القصر هي الغابة والقصر هو“بيت الرجال” أو “بيت الغابة” وهي زوجة لأحد الأخوة الإثني عشر، وفي حكاية روسية أخرى فإن سيدة البيت إمرأة عجوز. وهي من يقوم بتسمية أحد الإخوة كخطيب للضيفة الجديدة، وهنا  يبدو التشابه مع موتيف الإثني عشر لصا في الحكايات الأخرى وفي طقوس التنشئة. كما أن الفتاة حين تجوع وتتمنى الأكل تجد سفرة مليئة بالطعام لتأكله منفردة ودون أن ترى أحدا،وكما سبق وأشرنا فإن الانتقال الى   “بيت الغابة” هو انتقال رمزي للأحياء الى مملكة الموت، وفي هذه الحكاية فإن تقديم الطعام للفتاة استجابة لرغبتها، أما الخدم اللامرئيون فهو ملمح مشترك في الحكايات، ونحن نعرف عن “انعدام الرؤية”في هذا  البيت لأن المقيمين فيه متخيلون كأحياء في مملكة الموتى. ومن هنا يمكننا تأويل“العمى” أو “طاقية الإخفاء” أو التحول الى حيوان عن طريق الأقنعة، وهو تنكر تحول في الحكاية إلى اختفاء حقيقي. ونلاحظ هنا التشابه بين ملامح الطقس ومكونات الحكاية من حيث المظهر الحيواني للمقيمين في بيت الغابة. وأما موتيف زيارة  الأهل للفتاة أو العكس في بعض الحكايات والتي يرى فيها بولت نفيا لغرائبية الحكاية، بينما يؤكد بروب  بأنه رغم احتمال صحة ذلك ولكن في الحكاية فإن“الغرائبي”و“غير الغرائبي” يمكن أن يكونا أيضا تاريخيين. أما تكرار الزواج فالأول في بيت الغابة وهو زواج مؤقت والثاني بعد عودة البطل إلى منزله وهو زواج مستقر ودائم ينسيه زواجه الأول، فيرى فيه بروب ترجمة متأخرة وعلى مستوى الحكاية  لمرحلة يبرز فيها الصراع مع مؤسسات مجتمعية مرتبطة بالإقتصاد الزراعي وتتطلب شكلا آخر من الزواج. كما يحلل  موتيف “القذارة” الجسدية للبطل أثناء اقامته في بيت الغابة، حيث يمنع من الاستحمام، أو يمرغ جسده في الوحل أو الرماد، ونظرا لشدة وساخة جسمه يوصف في الحكاية بأنه “غير المرئي”. فسواء تحول لون جسمه إلى اللون الأبيض أو الأسود فذلك مرتبط مباشرة “بالاختفاء” و“العمى” و طقسيا ترتبط فترة السماح للبطل   بالاستحمام  بموسم الحصاد،كما ترتبط من جهة أخرى بالزواج.كما وأن هناك علاقة بين “المنع من  الاستحمام” والتحول إلى هيئة حيوان عن طريق الأقنعة، والإقامة في عالم الموتى، وقد احتفظت الحكايات  الروسية ببعض  مؤثرات هذه الظاهرة.
وفي ضوء هذه الملاحظات يستخلص بروب بأن تنكر بطل الحكاية  وتبادل ملابسه مع متشرد مثلا يفسر من قبل من يراه على أنه عائد من عالم الموتى. كما يرى بروب بوجود  علاقة بين موتيف “القذارة” وما يسميه “لا أعلم” وهو الجواب الذي يردده بطل الحكاية العائد إلى منزله  وأهله أو بيت خطيبته، وتصل به الأمور إلى ما يشبه فقدان الذاكرة، ومعنى ذلك أن يصل البطل “متخفيا” أو  متنكرا. كما يرتبط بموتيف آخر هو “تغطية الرأس”   أو “كشفه”. وغالبا ما يطلق على بطل الحكاية  “الأصلع” أو فاقد الشعر. وأصل ذلك هوما كان يمارس أثناء طقس التنشئة في المجتمع البدائي، من معالجة   لجسد الفتى  تشمل  الرأس وشعره، فإما أن يقص الشعر أو يحرق إما أن يترك طويلا ولكن يحجب ويمنع نزع الحجاب عنه. ويشير بروب إلى موتيف الزواج وكيف أنه في بعض الحكايات المتأخرة يقطع البطل إقامته في  بيت الغابة  بعد أن قضى فترة تمتد إلى اثنتي عشر سنة ليعود على عجل إلى منزله ويشهد  الزواج الثاني  لخطيبته أو زوجته، ولا يرى الباحث في ذلك إخلالا بتسلسل الأحداث  التي تجعل من اجتياز فترة التنشئة شرطا  للزواج، ولكن ذلك عائد إلى تدهور الطقوس وتراجع ممارستها في المجتمع البدائي  كما يشير إلى ذلك البروفيسور إيفان ايفانوفيش تولستوي (1880 – 1954). وتشكل “المحظورات” موتيفا هاما في نسيج  الحكاية ومن  ذلك مثلا منع مديح الذات وضرورة امتناعه عن الحديث عن تجربته في الغابة إلى أهله بعد عودته إلى منزله، كما يوصيه مساعده السحري كحصانه مثلا وإلا تعرض للموت، وكذلك حال الغرفة الممنوعة في  “بيت الغابة، حيث يحظر على البطل الاقتراب منها لأنها تحتوي عادة على المساعد السحري لبطل الحكاية   وهذه السرية ورثتها الحكاية عن طقوس التنشئة أيضا. ويمكننا اعتبار الحكاية فيماورثته عن “بيت الغابة” مادة تاريخية قيمة حيث حفظت لنا أجزاء من آليات الطقوس.
ومع ذلك فالحكاية ليست صورة حرفية للطقس فكثير من معطياتها لا يمكننا تأويله بمقارنته بالطقوس. ويقول بروب بأن “البيت الكبير ليس القاعدة الوحيدة التي بنيت عليها الحكايات ” وبأن المؤسسة الطقسية كانت قد دخلت مرحلة “تدهورها بينما يستمر تكوين  وتطورمواد الحكايات التي تعرضت لتغييرات نتيجة للتحولات في الظروف التاريخية  للمجتمعات”.
كما يرى بأن الياغا أقدم المانحين في الحكاية لم تعد الوحيدة، فقد تغيرت المنحة و شروطها وبقيت العلاقة ويتضح ذلك من كون المانحين الجدد يقدمون ذات المنح التي تقدمها الياغا، كما أنهم ينتمون مثلها إلى عالم الموتى ويرتبطون بالأسلاف.
وهنا تتغير روح الغابة كمانحة ويصعب فهمها، حيث يخلفها سلف “ذكر”، فرغم ارتباط البابا ياغا بالإرث الطوطمي القائم على  سلالة النسب الأنثوي، إلا أنه ومع هذا التحول يصبح “الأب أو الجد أو الأسلاف من الذكور” هم المانحون. فقد تحول سكنى المانح من الغابة كما هي حال الياغا إلى “القبر” حيث  يقيم المانح  الجديد كما أن السلطة على حيوانات الغابة من قبل الياغا قد اختفت باختفائها، كما تغيرت طبيعة  المنحة أو المساعدة السحرية، فبعد أن كانت حيوانا أو مادة ذات علاقة بالصيد أي بالغابة،أصبح الحصان هو  الأكثر  حضورا وهو حيوان ينتمي الى السهول والمراعي، ونجده كذلك في الحكايات المتأخرة بوجود البابا ياغا.      
ويبحث بروب أيضا في العلاقة بين المانحين في الحكاية وهم الياغا، والآباء الميتون والرأس الميتة في بعض الحكايات أو أي ميت يكون البطل قد ساعده قبل مماته، فهم مرتبطون وظيفيا و لا تقتصر العلاقة على اشتراكهم في هوية مورفولوجية ولكن في ارتباطهم التاريخي ايضا. فالياغا وما تمثله من سلطة على عناصر الطبيعة وسيادة على الغابة مصدر الحياة للكائن  البشري، الذي لا يني بدوره يبحث عن هذه القوى المجسدة في أشياء تأخذ طابعا سحريا يدخل من أجلها الى  مملكة الليل للسيطرة عليها، وهي مفاهيم تكونت في طقوس  وشكلت نقطة انطلاق لموضوع الحكاية. وفي الطقس المنحة هي الهدف من إقامته أما الحكاية  فاحتفظت  بوظيفة المانح وبعض ما يتعلق بها، أما شخصية المانح فقد تغيرت ودخلت أهداف أخرى، وإذا كانت البابا ياغا ترتبط بعالم  الموتى فإن الرجل-السلف مرتبط بظهور الزراعة إلى السلالة الأبوية. وهنا ولد تقديس الأسلاف، وبرز الأب المانح، الأب – السلف الذي كانت بذرته حية فيما سبق زمنه.وطبيعة المساعدة أو المنحة  التي يقدمها إلى المجتمع تتغير بتغير الحقبة التاريخية، والمنحة لا تأتي نتيجة امتحان يجتازه البطل ولكن  للمساعدة التي قدمها البطل للميت. وفي الحكايات الأحدث يختفي الأب ويبقى الميت كما يختفي نهائيا الامتحان  وتبرز المساعدة.
 في الجزء الثاني من الفصل الرابع يحلل بروب شكلا جديدا من المانحين وعلاقته بالبطل  وهم الحيوانات المانحة والتي ترد للإنسان منحة مقابل ما قدمه لها من خير. وهي ذات تركيبة معقدة حيث تدخل  الحكاية كمانحة ثم تصبح في خدمة البطل، أو تمنحه العبارة السحرية التي تنقذه من المخاطر. فامتناع البطل عن قتل الحيوانات في الغابة وأكلها يشير إلى منع الحيوان المرشح ليكون مساعدا ومانحا له في المستقبل وفي حكايات أخرى يمكن تأويل الحيوان كطوطم لأحد الأسلاف المتوفين، وهذا الاعتقاد بالتداخل بين الإنسان والحيوان يصبح المانع من قتله وأكله. ولكن مع الانتقال الى المرحلة الزراعية تتحول هوية الانسان الحيوان إلى علاقة صداقة بين الكائنين،صداقة قائمة على نوع من التعاقد كما يرى ذلك العالم الاثنولوجي برنارنهارد أنكرمان (1859-1943) حيث يقول عن البيئة الأفريقية “ في عدد آخر من القبائل تسود فكرة الصداقة بين  الحيوان  والإنسان، وتترجم في تعاطف ومساعدة متبادلة، ويعود أصل العلاقة إلى مؤسس القبيلة قديما وحين كان في ضائقة وعوز أنقذه من خطر محدق أو أعانه الحيوان المقدس. ونسجت على ذلك قصص خرافية  أصبحت كالمعتقدات، كقصة ضياع جد القبيلة في الغابة وعطشه وكيف أرشده الحيوان إلى نبع الماء أو إلى طريق بيته” ويرى بروب في هذا العقد بين الحيوان والإنسان أو بصورة أخرى بين الإنسان والطوطم، حيث يتحدث الحيوان وفي مرحلة انهيار المعتقد الطوطمي باسم الانسان المحور الرئيسي للطوطمية. ويلحق  شخصيات مثل “ذو الجبهة النحاسية” و“وحش الغابة” في الحكايات الروسية بالحيوانات المانحة، لأن  علاقة الحيوان ببطل الحكاية تتشابه من حيث طريقة مساعدتها له بالعامل السحري، بما تفعله البابا ياغا في الحكاية. وأما العلاقة مع الإنسان فتتغير مع بدء الزراعة حيث يتحول حيوان الغابة إلى وحش وعدو للبطل.وينتصر الحقل على الغابة.
في الفصل الخامس “العطايا السحرية” بجزئيه “المساعد السحري” و“المادة السحرية” يدرس بروب الحكاية في لحظة الذروة، وذلك حين توضع الوسيلة السحرية بين يدي البطل، وتكون تلك بداية نهاية الحكاية، ونظرا لكثرة وتعدد المعونات والمساعدين السحريين في الحكايات الروسية، يركز الباحث على أكثر النماذج تمثيلا لها  ويعتبر المساعد السحري ومن أمثلته الحصان أو النسر والمادة السحرية مثل السجادة السحرية تنتمي إلى نفس المجموعة من الشخصيات ولها ذات الوظائف. ويرصد بروب تحول الشخصية إلى مساعد كأن يتحول البطل إلى  حصان بفعل خاتمه، وبذا يجسد ذاته ومساعده السحري في ذات الوقت، وهذا نجده في الحكايات الأقدم تاريخيا أما فيما تلاها فنجد الشخصيتين مستقلتين عن بعضهما.
وأما النسر أو الطائر بشكل عام فهو من أبرز  المساعدين ومهمته الأساسية هي نقل البطل  إلى المملكة الأخرى. وأولى طلباته هي الطعام،حيث يقوم البطل بتغذيته وهو تاريخيا ما تمارسه شعوب سيبيريا حيث تقوم بتغذيته ودفنه عند موته، وهو ما يعده بروب أحدث تاريخيا من الحكاية، ففيها يغذي البطل النسر لعام أو عامين، فيحمله النسر الى مملكة العشر الثلاثي، ويشبه مسار الرحلة في الحكاية توصيف طريق عالم الموت في الطقوس، وفيها يتم إطعام النسر وإرساله إلى آبائه وأما في الحكاية فيتم إطلاقه حرا، وهو لا يعود إلى أبيه ولكن يذهب إلى أخته الأكبر سنا ليروي لها عن الخصال النبيلة للبطل الصياد وكيف اعتنى به وأطعمه مما مكنه من رؤيتها. وفي هذا صدى لما ورد في صلوات الآينو وهم شعب يعيش بين أقصى شرق روسيا وشمال اليابان، من نداء إلى النسر عند قتله بهدف إرساله إلى العالم الآخر. وفي الحكاية ايضا تتحقق معجزة حصول البطل على صندوق وبداخله مفتاح نحاسي.وتكمن أهمية هذه  الحالة في كونها تحوي عناصر تفتت الطقوس وتعكس مرحلة أحدث، وكذلك الحال في حكايات أخرى، حيث  يتحول إطعام النسر إلى عائق وهدر للطعام، أما ما يحدث للبطل فهو مجرد معجزة. وموتيف إطعام النسر   عادة قديمة، فتاريخيا تأتي لحظة إطعام الحيوان قبل التضحية به أي بعثه إلى سيده وذلك لينال المضحي الرضى عنه، أما  في الحكاية فيتحول القتل إلى عطف وحرية للنسر في الطيران، ويتحول رضى السيد إلى نقل مادة سحرية وهي عنصر مولد  للقوة والغنى. ويخص بروب الحصان بدراسة موسعة نظرا لأهمية دوره في أحداث الحكاية وعلاقته بشخصياتها الرئيسية  وعلاقة ذلك بظهور الحصان في حياة الإنسان، وما لازمه من طقوس ومعتقدات،  ويرى بروب أن هذه العلاقة  قد مرت بعدة  مراحل وبأن الحصان في الطقوس لم يحتل سوى مكان بعض حيوانات الغابة كالرنة مثلا وأن ظهوره تزامن مع المتغيرات  الاقتصادية والاجتماعية بين بيئة الغابة وبيئة السهول فأصبح للحصان  دور ووظيفة ذات علاقة  مباشرة بالاقتصاد.  أما في الفولكلور ومنه الحكاية فإن الشكل الجديد للاقتصاد لم يلد فورا أشكالا جديدة  من التفكير. حيث أن هناك مرحلة  دخلت فيها الأشكال الجديدة  في صراع مع الطريقة القديمة في التفكير ففي البداية سمي الحصان باسم الطير، ثم امتزج  الكائنان فظهر الحصان المجنح في الحكاية، ويرى بروب بأن أصل ذلك  يكمن في بعض الطقوس، كالتضحية بالحصان أو  بخصلة من شعره على قبر الميت ليساعده في الانتقال الى العالم الآخر.  
في خلاصة الفصل الخامس يقسم الباحث المنح السحرية من حيث مصادرها إلى مجموعات: مواد من أصل حيواني، مواد من أصل نباتي، مواد مشتقة من أدوات عمل أو أسلحة، أو أخرى متعددة الأصل تسقط عليها قوى مستقلة أو ذاتية،  وأخيرا أدوات ذات علاقة بطقوس الموتى. ويرى بروب بأن ذلك مجرد مدخل وبأنه ومن خلال البحث قد تبرز مجموعات أخرى، أو أن تدخل مواد أخرى ضمن المجموعات التي رصدها. وكتصنيف تاريخي فإنها تعود جميعا إلى ذات مصدر المنحة السحرية التي تشكل جزءا منها. وأما مسعى الحكاية، وكون المواد السحرية منحة من الياغا (أو من يعادلها) أو من ملك   الحيوانات، أو أن يتم العثور عليها في الغابة، فإنها تحمل الدليل المقنع على التكوين المتجانس  والمتناسق للحكاية، ولقيمتها ولدلالاتها التاريخية. فالياغا وما تقدمه من منح مظهران لذات الشيء، وقد حافظت الحكاية وبشكل تام على علاقتهما.
ويحلل في الفصل السادس من الكتاب موتيف “العبور” في الحكاية تاريخيا، في أشكاله الأكثر شيوعا في الحكاية الروسية ألا وهو تحول البطل إلى طائر للانتقال من مكان الى آخر أو للهرب، وأقدمها التحول إلى حيوان الرنه وأما التنويع الآخر فهو الدخول في جلد الحيوان وخياطته على جسد البطل ليحمله طير إلى العالم الآخر، وهذا الغلاف الحيواني نجده في طقوس التنشئة وفي التماهي مع الحيوان الطوطمي في  المجتمعات البدائية. ويفند بروب تأويلات الباحثين، ويرى بأنهم يتخيلون دوافع لمثل هذه الطقوس كتجنب الرائحة أو توفير المكان في تابوت الميت، ويرى فيها أخطاء، وأن علينا البحث عن الأسباب في أصل العادة أو الطقس وليس في مظهره الخارجي. أما في فترة لاحقة فيظهر الحصان الذي يصبح لدى سكان المناطق الساحلية  القارب المجنح وتنويعاته، كما تشكل الشجرة كوسيلة موتيفا للعبور، حيث كان يعتقد بأنها تربط بين عالمي الأرض والسماء، وفي بعض المعتقدات ما تحت الأرض أيضا. وبأن بتسلقها يتمكن البطل من الوصول إلى العالم  الآخر. وتتخذ الشجرة في الحكاية الروسية شكل السلم، حيث يتكرر موتيف السلم أو السلسلة أو الحبل وهي تحريف لمفاهيم قديمة عن الرحلة إلى العالم الآخر. ومن الموتيفات المساعدة على العبور،استعانة البطل بمرشد لقيادته في رحلته، وعادة ما يكون حيوانا. ويخلص بروب إلى عدة نتائج وهي :

أولا : إن جميع وسائل العبور من نفس الأصل، فهي انعكاس للمفاهيم البدائية حول رحلة الميت إلى العالم الآخر.
ثانيا : إن تنوع أشكال العبور ووسائله يمكن تحليله غالبا على أنه نتيجة لتراكم طبقات جديدة من المفاهيم على أخرى أكثر بدائية، وهي بدورها ناتجة عن تغيرات في أشكال الإنتاج، والنموذج الأكثر شيوعا هو المفهوم الطوطمي عن تحول الفرد إلى حيوان طوطمي.
ومع ظهور حيوانات الحراثة والركوب وتطور وسائل النقل بدأ أولا تغير أشكال العبور، كركوب الطائر مثلا في الحكاية، ثم تغيرت الحيوانات ذاتها، فظهرت الرنه ثم الحصان، الذي كان يماهي الطير في بداية ظهوره، وبذات الطريقة ظهر القارب لدى الشعوب التي لم تعرف الحصان وبذلك تكونت أشكال مركبة من أجزاء لحيوانات مختلفة. وظهرت صورة الميت بشكل ثنائي يتمثل في المسافر والدليل، ومع الانتقال  إلى الزراعة  يتحول القائد أو الدليل ويتأله ولكن طبيعته الحيوانية يبقى تأثيرها عبر تفاصيل ما يوازيه في الحكاية. وحتى الأشكال الأخرى كالحبل والشجرة والحزام يكشف اختبارها عن أصلها الحيواني.

قريبا من نهر النار
هنا يكرس بروب جهده على دراسة التنين، أكثر الصور تعقيدا وغموضا في الفولكلور و الأديان وتركز الدراسة بشكل خاص على  موتيف معركة التنين،  حيث يعرض الباحث في البداية لمواضيع عدد من الحكايات ذات العلاقة بالموتيف ثم يحلل خصائص التنين فيها، وفي القسم الثاني يقارن بينها وبين التنين في المعتقدات والأساطير المختلفة بدءا بأقدمها ثم الأحدث. ورغم غياب الوصف الدقيق للمظهر الخارجي للتنين وتفاصيله في  الحكاية وصعوبة وصفه على الراوي، إلا أن بعض الملامح كامتلاكه لرأسين وعلاقته بالنار تتكرر في الحكايات الروسية وترتبط أحيانا بشخصية القيصر فيها. وأما العنصر الآخر المرتبط بالتنين فهو الماء، وفي حكايات أخرى يسمى تنين الجبل، وسكناه الجبال يعد ملمحا يتكرر أيضا. أما عن وظائفه في الحكاية فأولها الاختطاف، حيث يختطف الفتيات، ولا يمكننا دراسة دوره هذا بعيدا عن خاطفين آخرين كالطيور مثلا، أو العاصفة التي تخفي صورة التنين الذي فقد ملامحه. ومن وظائف التنين ما يسميه بروب “التعسف والنهب” حيث يحاصر التنين المدينة مهددا أهلها، مطالبا بتسليمه فتاة ليتزوجها وفي حكايات أخرى ليلتهمها. وهناك حالة أخرى للتنين يشبهها بروب بوضعية البابا ياغا ومحيطها، حيث التنين الحارس على جسر نهر النار، وهو حدود الغابة التي يقصدها البطل، فيصبح الصدام حتميا بينهما، ويقتل البطل التنين ليتمكن من عبور النهر. إن دور التنين الحارس هو افتراس العابرين على الجسر من بشر أو حيوانات، ويتكرر التأكيد على هذا الدور في مختلف الحكايات.  أما “النوم” أثناء لقائه بالتنين فهو الخطر الذي يتهدد البطل هنا كما هي الحال في علاقته بالبابا ياغا، فعلى البطل أن  أن يظل مستيقظا لأن النوم سيودي به الى الهلاك. وعادة مايسبق المعركة بين التنين والبطل تلاسن بين الطرفين، ويبدو التنين على علم مسبق بوجود البطل وبأنه عدوه الأوحد القادر على قتله ويسميه بروب  “العدو القدري ”. والحكاية لا تسرد تفاصيل المعركة كما في الملاحم الشعبية،فهي توجز ذلك في بعض  التفاصيل، كموقف التنين أثناء المعركة، فهو لا يسعى الى قتل البطل سواء بالسلاح أو بمخالبه أو أنيابه ولكنه يغرسه في الأرض، بحيث يموت اختناقا تحت التراب. أما التنين فلا يمكن قتله الا بقطع رؤوسه المتعددة وهي رؤوس تتوالد ويصعب الخلاص منها، وقتلة التنين في الحكايات غالبا ما تكون الحيوانات ومنها الحصان. ولإنهاء المعركة يدمر البطل او يحرق أشلاء التنين ليحقق انتصاره المؤكد عليه.
ونظرا لكثرة وتعدد المؤلفات  المكرسة لموضوع التنين ومعاركه والتي يمكن تصنيفها إلى عدة مقاربات، إلا أن غالبيتها لا تطرح مسألة أصل  الظاهرة، بينما ينفرد بينها اتجاهان يرى الأول بأن صورة التنين تنحدر من الحيوانات المنقرضة قديما، بينما يذهب الثاني إلى البحث في الميثولوجيا الشمسية، ويتجنب  بروب مناقشة هذا الكم من الأبحاث، ولكنه يقول بامكانية  “ الاستخدام الهادئ” لموادها، حيث تحرره إلى  درجة ما مما يتطلبه جمعها من وقت طويل ومن عمل شاق، ويرى الباحث بأن سياق موتيف معركة التنين قديم قدم الحضارات، يمتد من أوروبا الى آسيا إلى أفريقيا ويشمل الأديان القديمة، حتى تبنيها من قبل الكنيسة الكاثوليكية. ومعركة التنين تقترن بفترة نشوء الدولة، ولكنها لم  تظهر فجأة نتيجة لهذا التكوين، حيث يثبت الباحث ومن خلال دراسته التاريخية بأن عصورا من التحولات شهدتها موتيفات مختلفة، شكلت في النهاية ظاهرة التنين ومعركته. ويقوده ذلك إلى دراستها بالتفصيل.  فيحلل وضع التنين في الحكاية الروسية بين مطاردته للبطل ومحاولة التهامه  انتقاما لزوجته أو لزوجها في حالة التنين الأنثى، ويرى الباحث بأن ظهور التنين هنا لا مبرر له، ويمكن الاستغناء عنه، وهذا ما يحدث غالبا، كما يرى بأن موتيف معركة التنين يعود زمنيا إلى موتيف قديم جدا  وهو فعل “الإلتهام” مما يدفع الى البحث في  الصيغ القديمة للتنين ويقصد التنين “الملتهم”، وعلينا البحث عن مفتاح الحكاية في خارجها وليس في داخلها فإلتهام الشخص وترجيعه يشكل جزءا من طقوس التنشئة القديمة، ورغم التحولات والتغير الذي طرأ على هذا الطقس إلا أن بعض ملامحه ما تزال قائمة، ففي الطقس يدخل الشخص إلى بيت على شكل حيوان، وبعد إقامته فيه فترة من الزمن يخرج وقد أصبح انسانا آخر. ويعرض الباحث لبعض الشهادات الانثروبولوجيه لطقوس التنشئة وتطهير الفتيان في المجتمعات القديمة في كل من غينيا الجديدة وأستراليا. ولكن رغم دراسته يرى بأننا بحاجة إلى البحث في الجذور  التاريخية لهذه الطقوس. ولفهم هذه الجذور علينا دراسة الأساطير المصاحبة للطقوس والتي كانت تتلى أثناء الطقس ويحفظها الناشئة المتدربون على الطقس. وعندما دونها الأوروبيون كانت قد انفصلت عن الطقوس، كما أن رواتها أصبحوا في أوضاع مختلفة ولا تربطهم أية علاقة حية وعضوية بهذه الطقوس،   ففي أمريكا الشمالية كان كبار السن من الهنود الحمر الذين أجبروا على السكن في مستوطنات هم رواة ما تبقى من أساطير شعوبهم، وتم  الجمع غالبا باللغة الانجليزية. أي أن مالدينا هو ما تبقى من أساطير فقدت طابعها المقدس وتوشك على التفتت.
ورغم ذلك يرى بروب بأنه بإمكاننا وانطلاقا مما لدينا استنتاج مايلي: إن الإقامة في بطن الحيوان تمنح الشخص عند خروجه خصائص سحرية، وخاصة السلطة على الحيوانات،  وبأن يصبح صيادا ماهرا. وهذا يكشف عن القاعدة الاقتصادية للطقس وللأسطورة. أما قاعدة المفهوم ذاته فإنها ماقبل تاريخية، وأصلها أن الطعام يمنح التوحد المعتقدي بين الشخص الذي يأكل والحيوان المأكول، ولتحقيق التوحد مع الحيوان الطوطمي، والتماهي  معه، ولا يتحقق الدخول في العصبة الطوطمية، إلا بعد أن يلتهم هذا الحيوان الشخص. ولأن الأسطورة لها تمدد زمني أطول من الطقس لهذا نجدها حتى بعد اختفائه. ولهذا السبب أيضا تتضمن مواصفات متأخرة زمنيا من الغموض والتشويه والتغيير. ففيها تستبدل الإقامة في بطن الحيوان بالإقامة في عش أو وكر أو بالتفاف التنين أو الثعبان حول جسد البطل أو البطلة. أما التهام التنين للبطل فقد تم استبداله بابتلاع الماء، سواء  بالسباحة في بحيرة تعيث فيها الثعابين أو بابتلاع الأمواج العاتية له ولفظه بعد ذلك.
ويتوصل بروب الى أنه بحسب الطقس يكون التنين أو أي حيوان آخر يمارس دور الصياد. أما بموجب الأسطورة فدائما ما يكون التنين هو الصياد الكبير والشامان العظيم، والتنين من يعطي النار الأولى في فجر الزراعة، كما يعطي الفاكهة الأولى والمحصول الأول وصناعة الفخار. ومن المعطيات أيضا تعلم البطل لغة الطير، ويتم له اكتساب ذلك بإحدى طريقتين:
الأولى أن يبتلع الحيوان البطل ويلفظه أو أن يأكل البطل  الحيوان أو قطعة منه. وقد حار الباحثون في تفسير موتيف لغة الطيور، بينما يرى بروب بأنها إحدى القدرات السحرية التي يكتسبها البطل بمروره في بطن الحيوان أو أكله. وفي الحكاية أحيانا يعثر البطل على قطعة من الألماس أو الأحجار الكريمة في بطل أو رأس التنين، ويكون  ذلك هدية للبطل، وذات التفاصيل نجدها في أساطير المجتمعات البدائية. أما ازدواجية الصفة لدى التنين بين الوحش وفاعل الخير فيدرسها بروب تحت  العنوان الفرعي “ الملتهم – الناقل” وهو ما يدعوه سترنبرغ ثنائية المفهوم فيما يخص التنين، فنحن دائما أمام صفتين متناقضتين في كائن واحد، ولكن بروب يقول بأنه لا وجود لتنينين مختلفين ولكن هناك مرحلتان  مختلفتان لتطور التنين، المرحلة البدائية وهي طيبة التنين والمرحلة التالية التي يتحول فيها الى النقيض. وهنا فقط يظهر مفهوم التنين الوحش الشرير الذي يجب قتله، وهنا ايضا يتبلور موضوع المعركة مع التنين. ولا يعود سبب التطورالتاريخي لهذا الموضوع الى ارتقائه البنيوي الحتمي، بقدر كونه ناتجا عن التناقض بين  الانماط القديمة للفكر والانماط الثقافية والاجتماعية الجديدة. ولتتبع الجذور التاريخية يجيب بروب على سؤاله “من أين يأتي المفهوم الذي بموجبه ينقل “الملتهم” بطل الحكاية الى العالم الآخر ؟ حيث يرى بأنه علينا البحث  في الطقس عن التكوين الجنيني للعناصر التي أمامنا. فالشخص الذي أقام في بطن الحيوان، كان يعد وكأنه  سكن في العالم الآخر، وهو يرى الأمر بهذا المنظور. وبعبوره أحشاء الحيوان يكون قد عبر الى البلاد الأخرى. وفكا الحيوان ما هما الا شرط للدخول الى العالم الآخر.
كما يرى  إن ما يجري في  وعي من اعتنقوا هذه  الطقوس والمواضيع  لم يعد مطابقا للأشكال القديمة التي تكسوها. فالأسطورة توضح بجلاء بأن شعورا بالفضاء والحركة آخذ هنا في التطور.وظهور المفاهيم الفضائية أدى بالحيوان الملتهم إلى الحركة والقيام  بالرحلات الطويلة وفكرة مملكة الموت في مظهرها الحيواني استبدلت بمفهوم بلد الموت كبلاد بعيدة. ومن  المؤكد بأن مثل هذه المفاهيم لم تظهر سوى لدى الشعوب التي وعت معنى الفضاء، ليس بالتأمل الفلسفي  ولكن بالتجربة الاقتصادية، بمعنى أن هذه الشعوب كانت تقوم برحلات طويلة. كسكان الجزر والسواحل. ولدى رواة الحكاية يتغير الملتهم و ناقل البطل بتغير المكان، فبطن الحيوان البحري أو السمكة هو الناقل هنا، أما في الغابة فقد كان الطائر هو من يؤدي هذه الوظيفة. ودلالة ذلك بأن هذا الأخير لم يعد المصدر الوحيد  للحياة، وبأن الطقوس المرتبطة بها فقدت معانيها. ولكن ذلك لم يشكل ثورة عميقة دمرت الطقوس والمواضيع القديمة، فالباحث مايزال يرى بجلاء العلاقة التي نسيها من يحمل الأساطير مع احتفاظه بمراعاة أشكالها  القديمة. فالساكن أصبح متحركا، والمرعب أصبح مغامرا، و الضروري أضحى لا نفع فيه وحتى خطرا.
والبطل لم يعد يكتسب المزايا السحرية في بطن الملتهم، بل وبالعكس يرى فيه عدوا، فيقتله سواء وهو في  طور التهامه أو في داخل بطنه. ويمكننا في هذه اللحظة تحديد موضع بداية المعركة مع التنين. إن بروب يعتبر المعركة مع السمكة هي المرحلة الأولى من معركة التنين، ويستشهد ببعض أساطير جزر  مايكرونيزيا، حيث تشهد المرويات تراجع دور الحيوان الملتهم وانتفاء فعل الالتهام وتصل الى درجة قيام البطل بالتهام جزء من السمكة. ويدلل ذلك وغيره من الأمثلة على نسيان الطقس وتوظيف بعض موتيفاته بعد تحويرها لأغراض فنية في الحكاية.   وفي الخلاصة يرى بروب بأن التنين ظاهرة تاريخية تطورت وظائفها  وأشكالها وإن منهجه مكنه من تتبع تطورها التاريخي انطلاقا من الطقوس، حيث ترتبط ارتباطا وثيقا  بالمؤسسات الاجتماعية للنظام القبلي وبمصالحه الاقتصادية، بحيث يظهر لنا التنين  كملتهم- فاعل خير. وقد غير دخول السفر البحري والزراعة المرتبطة بالأرض والشمس مظهر ووظائف التنين، وتحت تأثير هذه العوامل تحول إلى مخلوق مائي، تحت – أرضي  وسماوي. حتى أنه في ديانات الدولة في الهند ومصر القديمة تم الإطاحة به عن طريق آلهة جديدة تحكم قوى الطبيعة وفقا لمصالح ومطالب إنسان ذي ثقافة جديدة. والحكاية عكست كل مراحل هذا التطور، منذ أكثرها قدما ( فهم لغة الطيور بفضل التنين) مرورا بالنمط الأوسط (الانتقال إلى بلاد بعيدة عن طريق بطن التنين) وحتى الأنماط المتأخرة ( المعركة مع التنين بمساعدة فرس وسيف). كما احتفظت الحكاية بمواصفات أخرى من تطور التنين. كمفهوم العدل المطبق أمام الشدق المفتوح  للملتهم. وبصورة عامة احتفظت الحكاية وبطريقة محددة بمجمل سيرورة تحول التنين الطيب إلى نقيضه. ويرى بروب بأن الحكاية تؤكد لنا مرة أخرى على أنها مصدر شديد الغنى، وكمؤتمن لايقدر بثمن للظواهر الثقافية التي غابت منذ زمن بعيد من وعينا.
بعيدا عن بلاد الثلاث مرات التاسعة. يبدأ الفصل بتحديد موقع المملكة أو البلاد أو المدينة التي يصلها البطل لتحقيق هدفه في الحصول على المساعد السحري أو لتحرير بطلة الحكاية، وعادة ما يفصل هذه المملكة عن منزل والده غابة صعبة الاختراق أو بحر أو بحيرة أو نهر من النار يعبره جسر، يحرسه تنين، أو قد يكون جدول ماء أو حفرة يقع فيها البطل. هذه هي بلاد الثلاث مرات العاشرة. وهي إما أن تقع في العالم السفلي تحت الأرض فيكتشف البطل مدخلها وينزل حيث يحكم التنين. وقد تقع على قمة الجبل حيث يصلها البطل بالوسائل التي ذكرناها سابقا. وقد تقع أيضا تحت الماء. أما المبنى الذي يتكرر في هذه البلاد فهو القصر، وهو عادة من ذهب وفي طرازه الكثير من الفانتازيا. وكل هذه العناصر يمكن مصادفتها في توليفات كثيرة التنوع : فقد توجد المدينة على جزيرة، أوعلى قمة جبل، أو تحت الماء أو تحت الأرض، وينطبق ذلك على القصر وما يحيطه من حدائق  وحقول تتداخل في بيئة كثيرة التنوع. ومن خصائص هذه المملكة علاقتها بالشمس، حيث يذهب بروب ومن خلال تحليله لعينات من الحكايات  الروسية إلى التدليل على هذه العلاقة سواء من حيث موقع القصر أو رحلة البطل أو موقع المملكة ذاتها. أما الذهب أو لونه فهو مرتبط بهذه البلاد فمن الحيوانات إلى أسوار الحدائق إلى الأشياء العادية كلها بلون الذهب، وكذلك قبة البرج الذي سجنت فيه الأميرة وعرشها في إحدى الحكايات مثلا. ويمكن تعداد الأمثلة إلى  مالا نهاية ، فالذهب يتكرر دائما بصورة جلية وبأوجه متنوعة،  حتى أنه يمكننا أن نسمي هذه البلاد بمملكة الذهب. ويرى بروب في حكاية الممالك الثلاث،مملكة النحاس، مملكة الفضة ومملكة الذهب والتي يقول عنها نيكولا بتروفتش اندرييف (1892 – 1942 ) ( بأنها أكثر الحكايات انتشارا وشهرة في  اللغة  الروسية.) ما هي إلا تثليث لمملكة الثلاث مرات العاشرة، والحكاية تنزع نحو هذا التثليث، ومن المحتمل أن هذا الموتيف قد تعرض إلى مثل هذا التحول وبأن يكون هذا هو أصل الممالك الثلاث، وبما أن المملكة  العاشرة من الذهب فإن ما سبقها من الفضة والنحاس.  ويستبعد بروب التأويلات القائلة بارتباط هذا المفهوم  بالعصور الثلاثة لهيزيود (القرن الثامن قبل الميلاد) في كتابه (الأعمال والأيام ). ولا بالتصورات القديمة للمعادن وقد نتساءل عن تمثيل هذه الممالك الثلاث لعوالم الأرض، السماء  والعالم السفلي.ولكن حتى هذه الفرضية  لا تؤكدها مواد البحث. فالممالك الثلاث النحاس والفضة والذهب لاتقع الواحدة فوق الأخرى ولكن الواحدة بعد الأخرى، وبشكل عام فالثلاثة جميعهن تحت الأرض. وكما قوانين الحكاية تعد مملكةالثلاث مرات العاشرة  المرحلة الأخيرة  من رحلة البطل، فبعدها ليس أمامه سوى العودة،وبأنه يستحيل القيام بثلاث رحلات (لأن هذا يتطلب في كل مرة مغادرة ثم عودة جديدة) فالمملكتان الأوليان أصبحتا مرحلتين متوسطتين، بينما تبقى الثالثة  الهدف النهائي، ولكننا نجد المرحلة المتوسطة مضمنة مسبقا في بنية الحكاية. وهي الكوخ الصغير للبابا ياغا. وكذلك نجد أنفسنا أمام ظاهرة تثير الاستغراب وهي تماهي الممالك الثلاث بهذا الكوخ، وفي الواقع فعند  تحليل التنويعات المتعددة لهذه الممالك الثلاث نكتشف بأن العديد من عناصرها  تنتمي دائما الى  مملكة  الثلاث مرات العاشرة والى الأميرة أما الأخرى فتنتمي الى الياغا. وثلاثتها ليس فيها ما يميزها سوى مسمياتها. وبعد استشهاده ببعض تنويعات الحكايةالروسية لدى افاناسييف يخلص الى أنه لم يجد الدليل على علاقة هذا الموتيف بنمط التفكير أو الطقوس البدائية لأنه من خصائص الحكاية فقط. أما المظهرالمغاير لمملكة الثلاث  مرات العاشرة، وهو المظهر الحيواني حيث نقرأ في العديد من الحكايات بأن التنين خاطف البطل أو الأميرة  يأخذها إلى بلاد لايسكنها سوى الثعابين، بينما تبقى الخصائص الأخرى للقصر أو البيت كما هي، حيث يغلب عنصر الذهب ولونه.   
وفي الجزء الثاني من الفصل الثامن يحلل بروب الأشكال القديمة للعالم الآخر في الحكاية وعلاقة ذلك بالطقوس والأساطير، وملاحظته الأولية هي تعدد التصورات والمفاهيم لهذا العالم لدى مختلف شعوب العالم القديم، فرغم سذاجة ما تعكسه الحكاية إلا أننا نجد فيها دقة متناهية حيث يتعايش العالمان القديم والأحدث معا كما لدى الاغريق أو في الحكايات الروسية. وتتضح عملية إسقاط العالم الراهن على العالم القديم أو الآخر في  مجتمع القبيلة، فالصياد في اعتماده التام على الحيوان يؤثث هذا العالم بالحيوانات، وينسب التنظيم القبلي إلى  الحيوانات، معتقدا بأنه سيتحول إلى  حيوان بعد موته ويقابل “سيده”، أو للتعبير بلغة الحكاية : ملك الثعابين  أو الذئاب أو الأسماك . أما ظاهرة التشابه بين مفهوم الموت والأشكال التي يتخذها طقس التنشئة فيجد الباحث  هنا سببها ، فمن جهة يعد الطقس المفهوم هو المنبت الذي تطورت عنه الأنماط المختلفة للطقوس. فالقصر  السحري في العالم الآخر ليس شديد الشبه (بالبيت الكبير) فقط، بل يكاد يصعب التفريق بينهما. ومدخل المملكة يمر عبر فك الحيوان الذي يفتح ويغلق بدون توقف. فعندما يحرك التنين أشداقه تفتح طرفتا الباب وكأنهما جزء من جسده. وعندما يغيب هذا الموتيف من الحكاية يبرز تصادم الجبال أو انفتاح الباب عوضا عنه   ويتوقف بروب عند موتيف جبل الكريستال في الحكاية، ولأن هدف بطل الحكاية هو السيطرة على الحيوانات والحياة والموت وشفاء الأمراض، وهي وظائف تشبه ما يمارسه الشامان، ومن جهة أخرى هو البطل الخارج  للبحث عن  تفاحة الشباب ،عن ماء الحياة أو عن وسائل للنجاة من المرض أو الشيخوخة. ويعد الكريستال أحد  أهم هذه الوسائل، وينتشر في مختلف المجتمعات البدائية من استراليا الى أمريكا. أما وفرة الغذاء والماء في  العالم  الآخر فهي أيضا إحدى خصائصه، ويقول بروب مستشهدا بكتاب فريزر”الاعتقاد في الخلود” بأن كثرة الوسائل السحرية لتحقيق الوفرة الغذائية قد أعقبت وفرة الطرائد، وفي الحكاية إذا نجح البطل في نقل هذه  الوفرة إلى بيته بعد عودته فإن عالمه لن يشهد المجاعة، وهذا سبب تكرار موتيف المائدة أوالسفرة  في  الحكايات، حيث تظهر غالبا الوفرة بصورة فكاهية. وكما أن ما يحمله البطل قد يكون مصدر ثراء، فقد يكون العكس أيضا، ففي الأساطير القديمة والحكايات كما في الأسطورة الإغريقية عن “الباندور” حيث يتسبب فتح العلبة الممنوع فتحها في انتشار الأوبئة والكوارث. كذلك في الحكاية الروسية حيث تغمر الحيوانات التي تهرب من العلبة لتغطي الجزيرة بكاملها.
أما مفهوم “مملكة الشمس” والذي كانت ذروة انتشاره في فترة الحضارة الفرعونية. كما يبرز هذا المفهوم في الأساطير والحكايات الصربية والروسية والأمريكية، وتتلون الأشياء في الثلاث مرات العاشرة بلون الشمس، وأما الشعوب التي تجهل عبادة أو تقديس الشمس فلا تعرف اللون  الذهبي  للأشياء السحرية. ويرصد بروب تطور المفهوم في فترة الانتقال إلى مجتمع الزراعة في الحضارات المصرية والآشورية والبابلية والصينية والإغريقية، حيث يمكن ملاحظة الملامح المشتركة بينها، وذلك رغم الخصائص التي تنفرد بها كل حضارة منها، وهي ذاتها التي نجدها في الحكاية. فالمفاهيم القديمة لا تختفي  تماما ولكنها تتراكم فوق بعضها البعض في طبقات متتالية، كما تمارس الشعوب إسقاطا لطرق حياتها ونمط إنتاجها المألوف على العالم الآخر المتخيل، ومن هنا يمكننا تفسير تكرار هذا الأخير لما في الأصل. كالصياد وأجناس الحيوان، والحدائق والبستاني، ولكن بالانتقال إلى الزراعة يصل هذا الاسقاط إلى نهايته. ففي العالم الآخر يختفي أثر الزراعة أو الحرث كما في مملكة الثلاث مرات العاشرة . ويدعم بروب تحليله بمقولة والس بيدج بأن “بيت الذهب” في  كتاب الموتى الفرعوني هو التابوت أو غرفة الدفن الفرعونية. كما أن الآشوريين قد أسقطوا على العالم الآخر السعة والشموخ الذي تميز به بناء قصورهم ، وكذلك الحال بالنسبة للحدائق  البابلية وهي أكثر قدما. وهي كلها موتيفات سنجدها في الحكايات.  
وفي ختام الفصل يخصص بروب عدة صفحات لرصد هذه المفاهيم لدى الإغريق، حيث تبدو أكثر تعقيدا. ويرى بأن عناصرها البسيطة توجد في الحكايات. وبأن دراستها تمكن الباحث من إثبات تاريخانية مفاهيم الحكاية. فجبل الأولمب والعالم السفلي لهاديس وجزر السعداء ومملكة بوسيدون المائية وحديقة هسبريديس بتفاحها الذهبي والتي يرى بعض الباحثين دلالة على وجودها سابقا في العالم السفلي وبأنها دليل على الغنى، بينما يرى بروب خطأ هذا التأويل .

الهوامش

Les racines historiques du conte merveilleux – Vladimir Ja.Propp.
Traduit du russe par Lise Gruel – Apert. Gallimard 1983
2– Morphologie du conte – Vladimir Propp.Traduit par M.Derrida,T.Todorov et C.Kahn.              Seuil 1970

أعداد المجلة