فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
26

الشوق والحنين إلى الروضة النبوية الشريفة في الشعر الشعبي الجزائري

العدد 26 - أدب شعبي
الشوق والحنين إلى الروضة النبوية الشريفة في الشعر الشعبي الجزائري
كاتب من الجزائر

تستمد هذه الدراسة شرعيتها في تتبع أحد جماليات الخطاب الشعري الشعبي الجزائري والمتمثل في خطاب الشوق والحنين إلى المقام النبوي والروضة الشريفة، متخذة من قصيدة من “طيبة” ابن قيطون أنموذجا، لأنها تعكس حبه العميق لهذه الأمكنة المقدسة، وتبين ذلك الارتباط الروحي بشخص الرسول من خلال المديح والتوسل، ومحادثة طيفه والشوق لملاقاته في الروضة والمنام والجنة، موظفا لغة شعرية راقية وأساليب بديعة وتعابير بليغة غنية بالدلالة والإيحاء.

أولا- الأثر الديني في الشعر الشعبي الجزائري:
استمد الشعر الشعبي الجزائري من الدين الإسلامي موضوعاته وأساليبه الفنية، ويعود ذلك إلى النشأة الدينية للشعراء الشعبيين، الذين تعلموا وتكونوا في الزوايا بحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وشبوا على مختلف التقاليد الإسلامية، مما ساهم بشكل كبير في تعلمهم آداب وعلوم اللغة العربية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى محنة الاستعمار التي حركت قرائح الشعراء وأججت عواطفهم الدينية، فنظروا للمستعمر الفرنسي نظرة الغازي الغاصب، فاتخذوا من التاريخ الإسلامي وأحداثه مرجعا لحديثهم واعتبروه وسيلة فعالة لإقناع الناس بحتمية الجهاد وتحرير البلاد من المستعمر.
وبذلك شق الشعر الديني الجزائري طريقه وحط رحاله، وتمكن من قصائد الشعراء بفضل هذه الدوافع والنوازع، فانتشرت المدائح الدينية والمولوديات والتغني بالمناسبات الدينية المختلفة بشكل واسع، وقوى ظهور هذا الغرض الذي «سيطر على الحياة الفكرية والسياسية والفكرية والثقافية، وترك المجال مفتوحا أمام هذا اللون من الشعر، فأخذ الشعراء يلتفتون إلى عصر الرسالة يشتدون به من هذا الظلم الذي سلط عليهم، فوجدوا في المدائح الرحاب التي يمكن أن يسكنوا إليها ويطمئنوا فيها، وأنشدوا تلك القصائد وكأنهم يرثون الحالة التي وصلت إليها البلاد، وهم في مدحهم للنبي  إنما يبتعدون عن الواقع الذي لا يجدون فيه ما يبعث على التفاؤل، فعادوا إلى النبوة يستلهمون منها ويستنجدون بها»(1).  
وقد نظم الشعراء الشعبيون القصائد في مختلف المعاني الدالة على حبهم للوطن وعبروا عن حسرتهم على الحرية المفقودة، ومقتهم للاستعمار ورفضهم له، ولم تكن قصائدهم مجرد ترف شعري أو سد فراغ أو تسلية أو بكاء على الأطلال الحزينة وإنما هي تعبير عن الحسرة والخيبة التي تحزن قلوبهم، وتكوي أنفسهم، حيث يعبر عنها صالح الخرفي بقوله «إنه ليس بكاء على الأطلال، ولكن على الأمجاد والمواقف البطولية، بكاء على الساحات الواجمة بعد انقشاع القتام عنها، إنه حنين إلى الأبطال الذين دخلوا التاريخ...»(2).
وقد ركز الشعر الديني الجزائري على مدح النبي  وآله وصحابته، ومدح الشيوخ والأولياء الصالحين، وانقسمت هذه المدائح إلى نوعين؛ فالأول«هو ما كان امتدادا للتراث القديم في هذا الموضوع، وهو يرتبط أساسا – بالنظرة الصوفية إلى حد كبير أما النوع الثاني فهو الذي اتخذ من مدح الرسول  مبدأ الدعوة إلى النهوض واليقظة وذلك بعد أن تطورت الحياة الفكرية والأدبية والسياسية، فالأول كان تعبيرا عن مرحلة حضارية عاشتها الجزائر قبل هذا القرن، وكان الدين فيها قد أصبح هو القوة  الوحيدة التي بقيت للناس في حياتهم، أما النوع الثاني كان تعبيرا عن مرحلة حضارية جديدة انتقلت إليها الجزائر للظروف التي تحدثنا عنها سابقا »(3).
لذلك اتخذ الشعر الشعبي الديني الجزائري من الابتهال والاستعانة بالله تعالى ومدح النبي  والشيوخ والأولياء الصالحين موضوعات لقصائده، وأصبح الشاعر الشعبي يبث نظرته ووعيه الفلسفي عبر مدائحه متأثرا في ذلك بالثقافة الدينية المتداولة في المساجد والزوايا، والتي أخذها من محيطه وشيوخه والطرق المنتشرة في الجزائر، لذلك فالشعراء الذين ظهروا في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر هم من الصوفية ونذكر منهم عبد العزيز المغراوي، الحاج عيسى لغواطي، عبد القادر الزرهوني، عبد الرحمان المجدوب، الحاج مبارك بولطباق، سيدي أحمد لغارابلي، عبد القادر بلوهراني، سيدي أمحمد بن عوده(4)وغيرهم من الشعراء الذين نظموا المديح النبوي والوعظ والإرشاد ومدح الأولياء الصالحين، حتى وإن لم يشتهروا بوصفهم صوفية، فقصائدهم مثقلة بالنظرات الصوفية ومليئة بمصطلحاتها، رغم بساطة طرحها وتناولها لكنها تبقى مبسطة من الشعراء لكي يفهمها المتلقي ويتفاعل معها كما نلحظ أن بعض الشعراء كان فهمهم للصوفية سطحيا فخاضوا في هذا المجال بما أتيح لهم من معرفة وعلم في حياتهم.

ثانيا  - مفهوم الشوق والحنين لغة واصطلاحا:
يجدر بنا بسط مفهوم الشوق والحنين لغة واصطلاحا قبل الولوج في استقصاء المظاهر السيميائية لهما  في الخطاب الشعري، فقد ورد في لسان العرب أن مفهوم الشوق لغة هو «(شوق) الشَّوْقُ والاشْتياقُ نِزاعُ النفس إلى الشيء والجمع أَشْواقٌ شاقَ إليه شَوْقاً وتَشَوَّق واشتاقَ اشْتياقاً والشَّوْقُ حركة الهوى والشُّوق العُشّاق ويقال شُقْ شُقْ إذا أَمرته أَن يُشَوِّقَ إنساناً إلى الآخرة ويقال شاقَني الشيءُ يَشُوقُني فهو شائِقٌ وأنا مَشوقٌ»(5)، أي يفهم أنه شد النفس إلى أمر محبوب ولازم بها، فيتمنى الشخص التعجيل به والوصول إليه بأيسر الطرق وأسرعها فالشوق للمكان ارتباط به وتعلق بحيثياته وتمن بالالتحاق به.
 أما كلمة الحنين فترجع إلى جذر الفعل الثلاثي الصحيح “حنن” الذي دخل عليه التضعيف لغير زيادة، فصار حنّ، وتصريفه حنّ يحنّ حنينا، حيث جاء في لسان العرب : «حنن » الحَنّانُ من أَسماء الله عز وجل قال ابن الأَعرابي الحَنّانُ بتشديد النون بمعنى الرحيم قال ابن الأَثير الحَنَّانُ الرحيم بعبادِه فعّالٌ من الرحمة للمبالغة»(6) ويقول في موضع آخر: « حَنَّ إليه يَحِنُّ حَنِيناً فهو حانٌّ والاسْتِحْنانُ الاسْتِطْرابُ واسْتَحَنَّ اسْتَطْرَبَ وحَنَّت الإِبلُ نَزَعَتْ إلى أَوْطانِها أَو أَوْلادِها والناقةُ تَحِنُّ في إِثْرِ ولَدِها حَنِيناً تَطْرَبَ مع صَوْت وقيل حَنِينُها نِزَاعُها بصوتٍ وبغير يصوتٍ والأَكثر أَن الحَنين بالصَّوْتِ وتَحَنَّنَت النَّاقةُ على ولدِها تَعَطَّفَت»(7)، والحنان الرحيم بعباده(8).
وقد ورد ذكر الفعل حنّ يحنّ حنانا في القرآن الكريم بالمعنى نفسه، حيث يقول تعالى: «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا»(9)، أي رحمة منا، والحنين الشديد البكاء والطرب وقيل هو صوت الطرب أكان ذلك عن حزن أو فرح والحنين الشوق وتوقان النفس والمعنيان متقاربان، حنّ إليه يحنّ حنينا فهو حانّ.
وكما بين ابن منظور أن الإبل تحنّ إلى أوطانها أو أولادها والناقة تحنّ في إثر ولدها حنينا وقيل حنينها نزاعها بصوت أو بغير صوت والأكثر أن الحنين بالصوت، وتحن الناقة على ولدها تعطفت عليه، وتخرج صيغة المستحن إلى معنى الشخص الذي استحنه الشوق إلى وطنه، وجاء في القاموس المحيط؛ «حننّ، الحنين، الشوق وشدة البكاء، حنّ يحن حنينا استطرب فهو حانّ كاستحنّ وتحانّ»(10).  
وبذلك يكون الحنان الرحمة ورقة القلب والحنانّ من يحن إلى الشيء، وهو اسم الله تعالى ومعناه الرحيم وتحننّ ترحم.
ويتضح مما سبق تواشج وترابط وتواصل المفهوم اللغوي والاصطلاحي للفظتي الشوق والحنين، فمعناهما يصب في توقان النفس إلى شيء محبوب إليها، ويكشف ارتباطه بعامل الغربة ومدى معاناة الإنسان في ديارها، فالحنين والشوق يرضي شغف النفس ويشبع حب الناس للأوطان.

ثالثا-تجليات خطاب الشوق والحنين إلى المقام النبوي والروضة الشريفة في شعر ابن قيطون:
يزخر ديوان الشاعر محمد بن قيطون بنصوص تضمنت إبداء الشوق والحنين لمقام النبي والمدينة المنورة(الأماكن المقدسة)، مشكلة ملمحا ظاهرا وبينا ولافتا للانتباه مما يعكس تجذر حبه العميق لهذه الأمكنة المقدسة، وهذا يظهر في مزج ابن قيطون وصف الروضة النبوية بمدح الرسول، حيث نجده خصص لهذا الغرض قصائد متفردة جاء في سياق المديح النبوي والتغني بشمائله الكريمة، كما يجعله سببا للحديث عن هذه الأماكن، فشوق لزيارة المدينة هو شوق لزيارة قبر النبي والتبرك به والوقوف عنده بغرض الشكوى من حال الدنيا وما ألحقته بالشاعر، وفي الإطار نفسه حنين إلى الاستئنان بشخص النبي في أوقات الاغتراب الروحي الذي كان يثيره ابن قيطون دوما في قصائده، فيسعى إلى خلق عالم تسوده الطمأنينة والسكينة، بما يتناسب وشعوره وأهوائه التي لا ترتضي إلا عالم مناجاة النبي بواسطة استحداث خطاب الشوق والحنين للمقام النبوي والروضة الشريفة.
لعل حضور هذا الموضوع في شكل قصائد مخصصة تارة، وفي شكل قصائد مدمجة مع موضوعات متنوعة تارة أخرى، يبعث على التساؤل عن الدلالات التي يخلفها حضورها، ويمكننا الاستناد إلى تفسيرين وهما:
1 - أن تكون هذه النصوص بث لشوق حقيقي للمقام النبوي والروضة الشريفة وتوق من الشاعر لزيارتهما لقدسيتها الدينية ومكانهما في قلب الشاعر، ولارتباط هذا الموضوع بالمتلقي الذي يسعى حسب التفكير الشعبي إلى ضرورة القيام بمناسك الحج والعمرة وزيارة قبر النبي، خاصة إذا تقدم في السن، مما يجعل الشاعر يتقصى هذه الذهنية ويروح يحاكيها في شعره، من أجل إحراز التفاعل مع المتلقي الذي يلقى استحبابا منه عند الحديث عن النبي وما يتعلق به، ويمكننا أن نراه عامل جلب وتشويق للمتلقي ليستمع لباقي موضوعات الشاعر، الذي يمارس سحرا عليه من أجل أسره في حيز النص.
2 - أن يكون الشاعر يعاني من اغتراب روحي، فيلجأ إلى التغني بالمقام النبوي والروضة الشريفة لتسلية نفسه وتعبئتها بالمعاني الروحية، وخلق عالم استئناسي مهيب مكون من حيثيات المكان (قبر النبي، مقبرة البقيع...) يهرب إليه من نصب الحياة ومتاعب الدنيا ومشاقها، ويجعله عملا يتقرب به إلى الله تعالى طالبا مغفرته وعفوه وذلك بالتوسل والتبرك بقدسية الأماكن، مما يحدث توازنا واطمئنانا نفسيا وراحة شعورية يستطعم لذتها، ويفعل بها مشاعر وأحاسيس المتلقي.
ويبدو أننا في بحثنا عن التفسير الأقرب للحقيقة لابد من الاعتماد على معرفة حياة الشاعر ودقائقها من حيث شوقه الحقيقي للمكان وهذا ما لم تسعفنا به المصادر التي أرخت لحياته، وبناء على ذلك فالتفسير الثاني فيبدو أكثر قربا للتأويل الذي ذهبنا إليه، فالشاعر من خلال قصائده كان يخلق عالما خاصا به حيث يرسم مشاهد الزيارة انطلاقا من إبداء الشوق والحنين ثم القيام بالرحلة إلى المعالم النبوية والتطواف بها والتبرك بملمسها، وإشباع العين بنظرتها، وإنتشاء الروح برائحتها، وإرواء المشاعر من روحانيتها، ومحادثة شخص النبي بالتوسل والتقرب، وهذا ما تعكسه مجمل العواطف والأهواء المشخصة في خطاب الشوق والحنين في قصائد ابن قيطون.  
بث ابن قيطون شوقه وحنينه للمقام النبوي والروضة الشريفة في خطابه الشعري، حيث كانت قصيدته “من طيبة “حبلى بالمشاعر الطيبة والأحاسيس النبيلة التي تعكس صدقا حقيقيا وحبا وهاجا مصدره القلب والنفس الطاهرة، وتنبئ عن نفس فياضة بالإيمان وعشق شخص النبي وسيرته العطرة، وكل ما يتعلق به من معالم وأمكنة ويتجلى هذا في المواضع التالية:

1 - المقدمة الغزلية :
اشتملت القصيدة العربية القديمة على مجموعة من الأغراض الشعرية التي كان يهدف من خلالها الشاعر إلى سرد تجربته الشعورية، حيث كانت الرحلة الطويلة التي كان يقوم بها تفرض عليه استحضار جل المواقف التي مر بها سواء أكانت سعيدة أم حزينة وسواء أكانت في الأحبة أم الأعداء، ونلحظ أن القصيدة الشعبية الجزائرية اتبعت هذا المخطط فاشتملت على موضوعات متنوعة كان منها إبداء لشوق والحنين، غير أن النقاد العرب القدامى قد تفطنوا إلى رمزية الأغراض الشعرية، ومنهم الجاحظ(11) الذي يرى أن الشاعر لا يقصد الغرض لذاته سواء أكان غزلا أو مدحا أو رثاء أو وصفا إنما هو قناع يواري به موقفا سياسيا أو اجتماعيا أو نفسيا، وعمق هذه النظرة النقد الحديث والمعاصر، فذهب الكثير من الدارسين إلى استقصاء هذا الجانب بأبحاث تطبيقية تؤكد صحة النظرية(12).
وبتفحص معمار النصوص التي خصصها ابن قيطون لبث خطاب الشوق والحنين للمقام النبوي والروضة الشريفة نجدها تفتح عالمها الشعري بمقدمة غزلية مهذبة تفصح عن شدة تعلق الشاعر بالمكان المقدس والراحلين إليه حيث يقول في بداية قصيدة “من طيبة” :(13)
مَنْ طَيْبَةْ هَبْ رَيْحْ لَمْجَدْ عَلْ لَحْبَاْبْ
      زَاْدُوْاْ رَيْحْ الصَّبَاْ عَنْ بَاْبْ الْكَعْبَهْ
دَاْرُوْا الْعَـاْشْـقَـيْـنْ وَاَشْـبَـاْبْ
     تَرْكُوْا لَوْطَاْنْ قَاْصْدَيْنْ  الْمُجْتَـبَىْ
يَاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَيْعْ الْقُرْبَىْ
يبدو أن شاعرنا يتلمس النسيم الذي يهب من طيبة، فيتحسس فيه المواساة لشوقه المتأجج للمصطفى، فهو نسيم خاص يتميز بالديمومة والطواف بكل أرجاء المعمورة، ولا يجد ريحه إلا المحبون العاشقون لطيبة ومن سكنها، وما زاد النسيم بهاء وعبقا تمازجه مع ريح الصبا الذي ينبعث من باب الكعبة المشرفة، فيؤجج العواطف ويعمق الشعور وينقل المؤمنين العاشقين إلى رحاب الأماكن المقدسة، فهاهم يقصدون المكان بكل فئاتهم متخلين عن الأحباب والأوطان قاصدين المحب الحقيقي الأخروي، الذي يجزي خير الجزاء.

2 - التوسل إلى الله تعالى :
يتبع ابن قيطون نمط الشعراء الشعبيين الجزائريين في بناء القصائد التي تتغنى بالأماكن المقدسة وحب النبي، حيث يناجون الله بعد المقدمة ويطلبون منه العون والإغاثة مما هم فيه من شجن وألم، ويشتكون إليه ثقل العشق الذي ألم بأنفسهم، ويرجون منه العون المغفرة، حيث يقول:(14)
يَاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَلَمْجَدْ يَاْ وَهَّـاْبْ
              بَالْسَّرْ الْلّيْ هْوَاْكْ اَسْمُوْ حَرْفْ الْبَاْ
يَاْ مَنْ لَيْسَ تَخّيْبْ الْسَاْيَلْ بَالْبَاْبْ
     يَاْ مَلْجَاْ الْخَاْيْفَيْنْ مُجَيْـبْ الْطُلْبَـهْ
يَاْ قَريْبْ الْوَفَاْ الْسَاْمَعْ للْطُـلاْبْ
          عَجَّلْ لَيْ بَاْلحَبَيْبْ يَطْفَىْ ذَاْ  الَشَّغْبَهْ
مُحَمَدْ سَيّدْ فَاْطْمَةْ زَيْنْ الْثْيَـاْبْ
               شَفَيْـعْ الْـمُـــذْنَبَيـْـنْ نَحَّـاْحْ  الْغَـلْـبَـهْ
يَاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَيْعْ الْقُرْبَىْ
يفتتح الشاعر الخطاب بدعاء لله تعالى(يا ربي) طالبا منه الإغاثة مما فيه من شوق متزايد للمصطفى فقد استبد به الحنين لزيارة روضته الشريفة، فالشاعر يستعين بالله تعالى للتغلب على هواجسه النفسية فهو القريب منه العالم بحاله المطلع على وضعه، لذلك يدعوه أن يعجل له بزيارة الحبيب، فنيران قلبه قد اشتعلت وتأجج الشوق به لرؤية أثره الطيب.
فالشاعر يبدع خطابا موازيا لخطاب الشوق والحنين وهو التقرب من الله تعالى والاستعانة به، وطلب المغفرة منه، فحب النبي من حب الله، ولا يعلم ما في قلبه ونفسه إلا هو، وفي ذلك إشارة إلى حجم ما يعانيه الشاعر وما يقاسيه فقد تعجز الكلمات والحروف عن الإفصاح عن مشاعره وحبه للنبي، ولا يعلمها إلا الله تعالى فهو السميع البصير العليم بحاله.

3 - التعلق الروحي بالرسول وروضته الشريفة:
يصور ابن قيطون شوقه وحنينه لشخص الرسول الذي استبد بقلبه وملك نفسه، متخيلا طيف النبي يزوره، فيذهب لمناجاته ومحاورته مبديا شكواه من الفراق والبين، وبعاد مقامه وفراق العين لرؤية روضته الشريفة، فالقلب تقطع ألما والعقل غاب تحسرا، والحب تأجج  وتفاقم، حيث يقول:(15)

يَاْ طَهَ الْمُصْطَفَىْ الْعْقَلْ  تْوَاْلَكْ غَاْبْ
                   حُبَكْ مَثْلْ الْسْحَاْبْ عَنّيْ يَتْرَبَـىْ
يَتْكَلَمْ رَعْدُوْ لاْحْ بَرْقُوْ عَنْ  لَصْبَاْبْ
               قَطْرُوْ وَاْبَلْ سْقَاْتْ مْيَاْهُوْ الْحَصْبَهْ
ضَرْبَتْ لَرْيَاْحْ فَيْهْ تَتْقَلَـبْ تَقْـلاْبْ
                   نَاْلَتْ لَبْطَاْحْ بَيْهْ الأَدْنَـىْ وَالْرُّبَىْ
هَاْكْذَ حُبْ الْرَسُوْلْ نَشّبْنَيْ تَنْـشَاْبْ
                 مَكَنّيْ فَيْ الْفُــؤَاْدْ مـَـــاْ فَـاْدَتْ طُـبَّهْ
يَاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَيْعْ الْقُرْبَىْ
يبدو أن ابن قيطون يصور حبه المتفاقم والمتأجج والدائم في روحه وكيانه كأنه سحاب أسود تجمع وتكاثف وتكلم برعده وبرقه وتهاطل بأمطاره وهب برياحه، وهذا تعبير عن ذلك التوتر النفسي الذي يعانيه الشاعر جراء العشق وإزاء البعاد عن النبي وروضته الشريفة.
يواصل الشاعر وصف تجليات الشوق والحنين للنبي ومقامه متعمقا في أغوار نفسه العليلة المصابة بشدة الحب، فيقول:(16)
 خَرَّصْنَيْ بَاْلرْصَاْصْ لَحْمَيْ صَاْرْ اَطْبَاْبْ
    خَلاْنَــــيْ مَـــنْ كَــــيْ شَــــاْةْ الْجَلْـبَـهْ
قَـطْعَـنَيْ بَالْحْـدَيْـدْ ذَوْبْـنَيْ تَـذْوَاْبْ
      مَنْ تَقْطَاْرْ الْسْمُوْمْ شَرّبْنَيْ شَرْبَهْ
شَرَبْنَيْ كَاْسْ مَاْ يْطَيْـقُوْ حَـدُ اَشْـرَاْبْ
     وَاْمْخَلَطْ بَاْلْجَحَيْمْ فَيْ جَوْفَيْ يَغْبَاْ
وَالْنَاْفَـخْ زَاْدْ فَيْـهْ اَبْـكَـثْـرَهْ لَهَّـاْبْ
                 دَاْيَمْ نَاْرُوْ تَقَيْدْ بَالْفَحْمْ وَحَطْـبَهْ
يَـاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَـيْـعْ الْقُـرْبَىْ
لعل ابن قيطون يصور بدقة متناهية وفنية متميزة وجمالية تعبيرية ملفتة للانتباه معاناة نفسه من البعاد والشوق للنبي، ويشخص حنينه إليه، مبينا حالة دواخله، مستعينا بعناصر بيئته في التصوير، حيث يصور أثر حب النبي فيه بالجسد الذي خربه الرصاص وتركه موسوما بالمرض، فأبعد كما تبعد الشاة المريضة مخافة أن تعدي مثيلاتها في القطيع، إضافة على ذلك قطعه الحب بالحديد وذوبه وسقاه شرابا مرا مختلطا بالحميم، فأحدث في جسده التهابا وحطمه، وغيرها من النعوت التي اعتمدها ابن قيطون بلغته الدقيقة وألفاظه المنتقاة التي تعكس قدرته التعبيرية وكفاءته التصويرية لما يقاسيه من شوق وحنين لشخص النبي.
ويسعى ابن قيطون لنقل ما يعانيه من آلام البعاد الذي ملك كيانه للمتلقي، حتى يشعره بحالته النفسية فالقلب تضرر كثيرا وأصيب بآلام ترهقه، وفي هذا يقول:(17)
قَلْبَيْ فَيْ الْبَاْطْنَهْ رْمَىْ عَنُّوْ  مَشْهَاْبْ
               خَفّفْ لَحْمَىْ عْلَىْ عْظَاْمُوْ صَاْر هْبَاْ
مَمْضَيِْ حُبُوْ فَاْتْ الْمُوْسْ طْـيَـاْبْ
                 أَسْرَعْ مَنْ الْسَّهَاْمْ وَالْنّبَلْ وَحَـرْبَـهْ
أَكْوَاْنَيْ بَالْحِرَيِْقْ كَيَاْتْ الْتَّـعْـرَاْبْ
              مُوْلاْهُمْ جَاْ بْعَيْدْ يَاْ صَاْحـيْ جَوْبَـهْ
إن القلب قد تصدع من أثر البين والبعاد، فحب النبي رمى نيرانه عليه وأحرقه حتى صار رمادا وهباء تذروه الرياح، فحبه أحد من السكين القاطع وأسرع من السهام والنبال والحراب المدببة، وكلها ألحقت الضرر بقلب الشاعر وأحرقته وأحدثت فيه ألما بالغا.
يبدو أن ابن قيطون لا يتوقف عن وصف واحد بل يعدد فيه، ويتناوله من كل زاوية مختارا الأوصاف المشخصة التي تنقل للمتلقي إلى حجم مأساته وعميق تأثره وهذا يظهر في مواصل الحديث عن ضرر قلبه فيناديه ويحادثه، فيقول:(18)
يَاْ قَلْبَيْ وَاْشْ بَيْكْ تَبْكَيْ يَاْ مُصَـاْبْ
                 بَكْيَكْ جَاْ فَيْ الْعْيُوْنْ نَاْرَكْ  لَهّاْبَـهْ
مَاْ نَفْعَكْشْ الْعلاْجْ لاْ طَاْلَبْ لاْ كْتَاْبْ
              وَاَصْبَرْ حَتّىْ يَاْتَيْكْ لَمْجَدْ مَنْ طَيْبَهِْ
حَشَمْتَكْ بَالْجَلَيْلْ بَـرّدْ قَلْـبَيْ  ذَاْبْ
                   يَاْ حَصْنْ الْمَاِْنْعَيْنْ يَاْ كَهْفْ الْهَرْبَهْ
يَـاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَـيْـعْ الْقُـرْبَىْ
لعل القلب قد تضرر من آلام حب وعشق الرسول المتلاحقة بشكل مؤثر مما كشف لنا عن شوق حقيقي، يجسده ابن قيطون من خلال أمله في النظر إلى النبي وزيارة روضته الشريفة وتلمس قبره والتنسم بريح مقامه الطيب، حيث يوجه لقلبه النداء مستفسرا عن سبب بكائه موظفا الاستعارة المكنية وذلك بنسبة البكاء وهي صفة إنسانية للقلب العضو الجامد على سبيل المجاز، وغرضه من هذا السؤال(يا قلبي واش بيك تبكي) تأكيد الضرر والضيق النفسي وتأجج شدة الشوق، وأمام هذا الضغط يأمل الشاعر من النبي أن يزوره قادما من طيبة ليحمل إليه البشرى ويهنئه بالزيارة ويطمئن قلبه الذائب في حبه.
ويواصل ابن قيطون تصوير الآثار الجانبية التي خلفها عشق مقام النبي وروضته الشريفة، فيقول:(19)
الْنّوْمْ اَسْمَاْطْ يَاْ أَحْمَدْ مَنْ حُبَكْ غَـاْبْ
             وَالْدْمُوْعْ شَاْهْدَيْنْ لَحْـدَاْقْ وَالْهَدْبَـهْ
وَالْلّـيْ رَاْهْ عَـاْلَـمْ بَالْـمُـصَـاْبْ
            يَبْصَرْ مَاْ فَيْ الْقْلُوْبْ يَاْ عَاْلَيْ الْرُتْبَهْ
وَأَنْتَ تَنْظُرْ بَعَيْنْ مُوْلاْكْ الْقَــلاْبْ
           تَعْلَمْ مَاْ رَاْهْ صَاْدْنـــــــيْ عَــــنْــكْ  دَاْبَـاْ
مَنْ لاْ دَرْكُوْ الْحُبْ لاْ فَاْرَقْ  لَحْبَاْبْ
       لاْ هَجْرْ مَنْ بْعَيْدْ فَيْ وْطَنْ الْغُرْبَـهْ
يَـاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَـيْـعْ الْقُـرْبَىْ
لعل الشاعر لا يقف عن تصوير حالة واحدة بل يستقصي كل حالاته النفسية بالتصوير والإبانة لينقل للمتلقي حجم معاناته ويرسم كثافة هذا الحب وتمكنه من قلبه، فالشاعر يسافر بروحه ونفسه إلى المقام قبل جسده، وهذا يكشف عن روح شاعرة حساسة.
ويبدو أن الشاعر يلتمس العذر للعاشق الذي ذابت روحه في حب المصطفى، وسافر طيفه إلى طيبة متلمسا جسد معالمها ومنتشيا بعبق نسيمها، ومنعما عينه بروضتها الشريفة التي تصبو إليها أنفس المؤمنين شوقا وحنينا، حيث يقول :(20)
الْعَشْقْ مَنْ هْوَاْهْ بَاْمْـحَاْنُوْ  مُصَـاْبْ
               الْلّيْ مَاْ شَاْفْ الْهَوْلْ مَاْ شَاْفْ الْغَلْبَهْ
بَاْلاْكْ عَنُوْ تْلُوْمْ دَيْـْر عْلَيْـهْ نْـقَاْبْ
              لاْ يْلُوْمْ مَنْ اَزْدَاْدْ فَيْ الْعَشْقْ  اَمْحَبْهْ
وَالَْلّيْ كَيْفَيْ نَاْ أَدَاْهْ الْوَاْدْ أَنْ  طَـاْبْ
             بَعْدَنْ سَدْ نْدَيْـرْ تُــوْ فَـــــوْقْ  الْمَـجْـبَهْ
حَشّدْلَيْ فَيْ الْفْجُوْجْ بْجَيْوْشُوْ اَسْرَاْبْ
     قُـوْمَاْنْ أَوْحَـرْكَهْ تْوَاْلَيْ  بَالْزّرْبَـهْ
يلتفت الشاعر إلى توجيه الخطاب للذين يلومون العاشق على تدهور حالته وسوء تعقد نفسيته، عليهم أن يعذروه لأنه مصاب بداء الحب والعشق لشخص يستحق أكثر من مجرد حب، فهو رسول الله ، فحبه واجب شرعي ومن علامات إيمان المسلم، فالشاعر يصف يدافع على أمثاله ويرد على اللائمين الذين لم يفقهوا فلسفته وتوجهه الدينين حيث يلمح على لمسات صوفية تظهر من خلال خطابه الشعري، حيث يقول:(21)
هَذَاْ هُوَ الْحُبْ يَاْ قَاْصَدْ ذَاْ الْبَـاْبْ
            وَاْعْـذَرْنَـيْ لاْ تْـدَيْرْ فَيّاْ تَْـــخْـبَــــاْبَــهْ
حَتّىْ يَحْكَمْ عْلَيْكْ رَبّيْ  بَالْسّبَـاْبْ
           أَنْ تَعْــرَفْ حَــقْ صَاْحَــبْ ذَ الْـمُصَيْبَهْ
يَـاْ رَبَّيْ غَيْثْنَيْ بَشْفَـيْـعْ الْقُـرْبَىْ

4 - الشوق لزيارة النبي:
بعد أن وصف ابن قيطون حبه وعشقه بشخص النبي وأكد تعلقه الروحي بذاته، وما يتعلق به من مكان ووقف على حرمانه من النظر إليه والتلذذ بلمس مقامه لبعد المسافة وتعسر الظروف المساعدة على ذلك، ينتقل الشاعر إلى الإلحاح على الزيارة والشوق العظيم الهائل لرؤيته فيتبدى الشوق متفاقما متزايدا في خطابه، حيث يقول:(22)
يَاْ رَسُـوْلْ الإلَهْ يَـاْ طَـهَ الأَوْاْبْ
              رَاْنَيْ شَاْهيْ نْشُوْفْ وَجْهَكْ وَالْشَيْبَهْ
حَيْنْ تْجَيْنَيْ تُخُشْ دَاْرَيْ عَنْدْ الْبَاْبْ
              فَـيْ مَيْـعَاْدَكْ سَيْــْ جَـيْ فَــيْ كَوْكَـبَـهْ
الَحَسَنْ وَالِْحُسَيْنْ عْلَيْ وَالأَصْحَاْبْ
             وَالْزّهْرَةْ مَاْ تْغَيْبْ عَنّيْ فَيْ الَحَجْـبَهْ
يفتتح الشاعر خطابه في هذه الأبيات بتوجيه نداء للرسول مكرر بصيغتين هما (يا رسول الإله) و(يا طه الأواب)، وهذا يكشف عن شديد حرصه على القرب الحسي والمادي من الرسول وذلك على طريقتين، تتمثل الأولى بزيارة مقامه وروضته الشريفة والثانية أمله في زيارة النبي له في المنام وهذا ما يطمح إليه جل الشعراء الصوفيين، ويتغنون به، ويعبر عن ذلك ابن قيطون بقوله (راني شاهي نشوف وجهك)، ففي ذلك بشارة بالحب والتقرب من شخصه وهو درجة من درجات الارتقاء الصوفي، كما يتلهف الشاعر زيارة من آل بيت النبي (الحسن، الحسين، الزهرة) وهي دليل على الارتقاء والنقاء أيضا يترقب حصولها وتحققها في حياته.
وأثناء حصول الزيارة يغنم الشاعر تستشعر نفسه الأفراح، وتطمئن روحه وتزهر أيامه، وتنجلي عنه الهموم، وتزول الأحزان والمآسي، وتفرج الكروب، ويعبر عن ذلك بقوله:(23)
نَفْرَحْ فَرْحْ الْنّعَيْمْ سَعْدَيْ بَاْللّيْ  جَاْبْ
       تَضْوَيْ بَيْتَيْ تَنْوْرْ فَوْقْ الْيَنْبُوْبَهْ
هَاْكْذَاْ قَاْطَعْ عْلَيْكْ يَاْ زَيْـنْ الْمَـآبْ
      حَشَمْتَكْ لاْ تْخَيْبْ لْوَلْدَكْ طَلْبَـهْ
فالزيارة فرح ينعم به الشاعر لا يتحقق إلا للمحبين الصادقين جزاء على صدقهم وإخلاصهم في حب النبي وإتباع سيرته العطرة، ومن خلال خطاب الشاعر نلمس صدقا حقيقيا وفرحا مجسدا من خلال تكرار كلمة الفرح بصيغتين مختلفتين وذلك بتوظيف الفعل المضارع الدال على الاستقبال (نَفْرَحْ) أي الاستمرارية اليوم وغدا، فهو فرح أبدي يستقر في النفس لأنه الجائزة على الوفاء والإخلاص، وتوظيف صيغة المصدر الدال على الإطلاق والعموم (فَرْحْ)ن وقد بيّن الشاعر نوعية الفرح الذي غنمه وهو النعيم أي المتمتع بالخيرات والمدلل في طلباته وهي صفات أهل الجنة وذلك هو المبتغى والمرجو تحقيقه.
ويجتهد ابن قيطون في إرسال توسلاته لشخص النبي بأن يتفضل عليه بالزيارة ويزيل همومه وينير حياته الباقية، مخاطبا إياه بأوصافه التي وردت في القرآن الكريم والسيرة النبوية وعرف بها(يا زين المآب، يا طه، يا سيد لقطاب، يا حصن، يا أحمد، يا طيب)، ويبدو أن الشاعر متمسك بالتوسل من خلال لفظة (حشمتك) التي تخرج إلى معنى الرجاء والاستجداء مضيفا إليها طلبا بعدم رده خائبا (لا تخيب لولدك طلبه).
ويطلع ابن قيطون المتلقي على سبب شوقه وحنينه المتزايد والمتكرر لمقام النبي وروضته الشريفة، فيقول:(24)
وَطْنَكْ جَاْنَيْ بْعَيْدْ يَاْ سَيّدْ لَقْـطَاْبْ
    دُوْنَكْ قْفَاْرْ وَالْفْلاْ وَأَرْضْ اَمْغَبَـهْ
الْجَسْمْ هْنَاْ مْقَيْمْ يَاْ طَيّبْ  لَنْسَـاْبْ
    وَالْقَلْبْ لْهَيْهْ شَوّرْ وَطْنَكْ  يَثْرَبْـهْ
أَنْتَ مَاْ جَيْتْ لَيْهْ بَرْدَتْ  الْمَشْهَاْبْ
     وَالْصَبْرْ مَاْ جَــاْشْ رَاْحْ عَنّـــيْ  أَبَيْ
حُبَكْ عَنّيْ غَيْرْ اَهْجَمْ  بَالْتْجْـلابْ
       يَتْقَلَبْ فَيْ الْهْوَاْ رْيَاْحُوْ مَجْدُوْبَـهْ
وَاْلَعْ لَكَاْنْ بَيْكْ كَالْوَاْلَـعْ بَكْتـاْبْ
     يَقْرَاْ وَيْعَاْوَدْ الْحْــــرُوْفْ الْمَـكْتُوْبَـهْ
مَاْذَاْ نَاْدَيْتْ بَيْكْ يَاْ مَغْنَيْ  الْطُلاْبْ
      وَأَنْتَ عَنّيْ بْطَيْتْ طَوَلَتْ الْغَيْبَـهْ
يبدو أن الشاعر يتحسر بشدة على فارق المسافة بينه وبين المقام النبوي الشريف، مما زاد الشوق تأججا والحنين اشتعالا في نفسه، وقد كنى عن الروضة بقوله (وطنك جاني بعيد يا سيد لقطاب)، وعن المسافة وصعاب الرحلة وأخطارها بقوله (دونك قفار والفلا وأرض امغبه)، لكن رغم ذلك فلن يحول بين المحب وحبيبه والعاشق ومعوقه، فإن لم يستطع الجسد السفر والتنقل للحبيب الغالي، فالقلب يذكره ويطير إليه بخياله ويستحضر بالذكر، فهو حاضر عنده  بلطائف  نسيم  طيفه.
لعل ابن قيطون يسعى في قصيدته إظهار قيمة حب النبي وآله في قلبه وموطنه في نفسه حيث يصوغه في صور متعددة ويظهر ذلك في قوله:(25)
أَنْتَ هُوَ ذْخَيْرْتَيْ أَكْلَـيْ وَالْشْـرَاْبْ
              وَأَنْتَ زَاْدَيْ إذَاْ ضْيَاْقَتْ فَيْ  الْرّحْبَهْ
أَنْتَ تَاْجْ نْفَيْسْ فَوْقْ الْرّاْسْ حْجَـاْبْ
               أَنْتَ هُـــوَ تْـكَـــاْيْــتَيْ سَـيْـفْ الْـهَيْـبَهْ
أَنْتَ حَصْنَيْ وَسُوْرْ عَنّيْ  فَالْتَزْرَاْبْ
    أَنْتَ دَرْعَيْ أَنْتَ سْلاْحَيْ  للْضَــرْبَـهْ
أَنْتَ حَرْمَيْ أَنْتَ جْنَاْنيْ وَكُلْ أَطْيَاْبْ
    أَنْتَ بَصْرَيْ أَنْتَ سْرَاْجَيْ  فَاْلمَجَـبّهْ
يثمن الشاعر ذكر النبي ويتوسل بأسمائه ففي ذلك راحة للنفس وزوال للأحزان، مؤكدا حضور شخصه في نفسه وذكره في خلواته، فهو مغرم بحبه متعطش لرؤيته، متلهف لزيارة مقامه، يحلم بالتبرك بروضته الشريفة، ويظهر هذا في تكرار الضمير المنفصل (أنت) الذي يعود على النبي مضافا إليه قيمته في حياة الشاعر بواسطة الأوصاف التالية (ذخيرتي، زادي، تاج نفيس، تكايتي، حصني، درعي، سلاحي، حرمي...) التي تعكس سمو نفس الشاعر واندماجه مع الصفات التي يسعى لتحققها، وتجسيدها من خلال ربط شخص النبي بذاته والتحصن به من شؤون الدنيا، فالشاعر يستطيع التخلي عن كل شيء إلا حبه وعشق للنبي فهو (تاج نفيس، وذخيرته، درعه، وبصره ...).
لعل ابن قيطون يسعى إلى تأكيد ربط شخصه بالنبي، ويرجو زيارته التي تكمل فرحته وتجعل حياته هنيئة هادئة، فبغياب شخصه الشاعر ضعيف منغص عيشه، ويظهر ذلك من خلال قوله:(26)
يَاْ كَنْزْ الْمُوْمْـَنيْنْ يَاْ أَحَـبْ لْرْكَـاْبْ
       يَاْ عَزّ الْلّيْ عُوْدْ شُوْرَكْ فَيْ غَلْبَهْ
يَاْ عَزّ الْلّيْ عُوْدْ فَيْ شَـّدهْ مُصَـْابْ
      يَاْ عَزْ الْلّيْ يْعُوْدْ يْوَاْجَيْ فَيْ  نَكْبَهْ
الْلّيْ عَنْدُوْ أَنْتَ عْلاْشْ  يْخَاِْفْ عْذَاْبْ
    مَاْ يَنْغْبَنْ مَنْ يْدَيْرْ فَيْ وَهْيْكْ  سَبَّهْ
لعل في الأبيات تتجلى صورة  الارتباط الروحي الصوفي بين الشاعر وذكر النبي وهذا يبدو جليا من خلال تكرار أداة النداء (يا) مع تغير المنادى الذي يحمل صفة من صفات الرسول، حيث يتوسل ويذكرها المحبون والعاشقون.
 كما يحيلنا الخطاب على تعلق الشاعر الحقيقي والخالص بشخص النبي  وتوسله بأن ينقذه مما هو فيه من مشاق الحياة ومصاعبها، كما تحيلنا لغته إلى معاناة الشاعر من اغتراب يعيشه في دنياه يفضي به من خلال الشوق والحنين إلى الأماكن المقدسة ويسعى إلى تجاوزه من خلال الهروب إلى هذا العالم الروحاني الذي تطمئن فيه نفسه من خلال مناجاة النبي والتوسل به والاعتراف بخطاياه والحصن بواسطة صفاته وأخلاقه من يوم الحساب، والتقرب إلى الله تعالى بذكره وحبه.

5 - الصلاة والسلام علي النبي  :
اهتم الشعراء الشعبيون في دواوينهم بالإكثار من الصلاة والسلام على النبي ، لعلمهم بقيمتها عند الله تعالى وعند المؤمنين، فلم تخل قصيدة من ذكر الصلاة والسلام عليه في بدايتها ونهايتها، فقد تنسم القصيد، بذكر خير العباد وأفضلهم.
ويختتم شاعرنا ابن قيطون بث شوقه وحنينه للأماكن المقدسة بالصلاة والسلام على الحبيب امتثالا لله تعالى الذي يأمرنا بالصلاة والسلام عليه في كل وقت وحين حيث يقول عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(27)، وفي ذلك يقول شاعرنا:(28)
نَخْتَمْهَاْ بَالْصّلاْةْ وَسْلاْمَيْ تَرْتَـاْبْ
            عْلَىْ خَيْرْ الْوُجُوْدْ بَالْقَطْرْ وَالْحَصْبَهْ
وَالْشّجَرْ وَالْنّبَاْتْ وَوْرَاْقُوْ وَعْشَاْبْ
            قَدْ مْيَــاْهْ الْبْحَـاْرْ وَأَنْهَـاْرْ اَصْـبُـــوْبَــــهْ
لعل الشاعر يتبرك بالصلاة والسلام على الرسول في ختام قصيدته، وهذا دلالة على اتخاذه القصيدة وسيلة للذكر والتعبد والتقرب من الله تعالى بمدح خير المرسلين وبث حنينه لذكره وسيرته العطرة، فهذه الأشواق والأطياف الروحانية التي سبحت فيها روح ابن قيطون هي بمثابة رحلة نفسية خاض الشاعر غمارها إلى المقام النبوي ، حيث طاف بأرجائه وتنسم بعبيره ونال بركاته وهاهو ينهي رحلته بالصلاة والسلام على الحبيب المصطفى.
ويبدو أن الشوق يحافظ على تأججه والحنين على وهجه أثناء عودة الشاعر من الزيارة، فيجتهد في ذكر النبي والصلاة عليه ولكي يبين لنا عدد هذه الصلاة يقرنها الشاعر بعدد الموجودات من الحصى والأشجار والنباتات والأعشاب أوراقها والمياه وأغوارها والأنهار وجريانها، وهذا لنيل الاجر والتقرب من الحبيب ونيل الشفاعة حيث يقول:(29)
مَاْ حْوَاْتْ الْبْرُوْرْ مَنْ حَجْرْ وَ تْرَاْبْ
       قَدْ الْجَمَاْدْ وَالْنْفُوْسْ الْمَحْسُوْبَـهْ
وَالْلّيْ فَاْلسْمَاْوَاْتْ وَالْنّجْمْ وَالْكْوَكَاْبْ
    وَالْلّـــيْ فَاْللْـوْحْ كَاْتْبُوْ قَلَمْ  الْهَيْـبَةْ
قَدْ حْرُوْفْ لَكْرَيْمْ وَالْقَوْلْ  الْصْوَاْبْ
      قَدْ الْعَلْمْ الْرْفَيْعْ وَالْلّيْ فَيْ الْكَتْبَهْ
هَدَيْةْ للْنَبَيْ أَحْمَدْ صَاْحَبْ لَحْـرَاْبْ
                  وَالْعَتْرَهْ وَآليْـهْ ثُـــمَ الْصَـحَــاْبَــــهْ
يتتبع ابن قيطون مظاهر الكون المتعددة من حجر وتراب وجماد وسموات وأرض ونجوم وكواكب ومختلف الماديات ويقرنها بالصلاة والسلام على النبي كناية على الإكثار والتكرار الذي يعكس الحب والعشق الذي يكنه الشاعر لحبيبه، ويعدد كذلك المعنويات مثل عدد حروف القرآن الكريم والعلوم الرفيعة، ليصلي بعددها على الحبيب، حيث يعتبرها شاعرنا هدية للنبي من محب وعاشق يتحرق حنينا إليه ويصبو لملامسة مقامه ونيل زيارته في الدنيا ومجاورته ورفقته مع صحبه في الجنة.
تترك الخاتمة في القصيدة الشعبية وقعا على الأسماع لأنها تستأذن للمغادرة والانصراف، فلابد للشاعر أن يختار الصيغة المناسبة التي اشتهرت بينهم، وهي الصلاة على النبي  وحمد الله تعالى، وتذكر أهوال القبر واليوم الآخر، حيث يلزم ابن قيطون بذلك فيقول:(30)
الْلّيْ عَنْكَ يْقُوْلْ بَنْ قَيْطُوْنْ  اَشْغَاْبْ
     مُحَمَدْ لَيْكْ يَاْ الْهَــاْدَيْ فَالْنَسْبَـهْ
اَطْلُبْ الْغُفْرَاْنْ بَيْكْ لُذْنُوبُوْ  وَثْوَاْبْ
     وَاْلدَيَاْ مَـــــعَ الَحَاْضَـرْ وَالْقَـــرْبَـىْ
نَجَيْنَيْ مَنْ الْزّفَيْرْ وَحَـرِْ الْلّـهَاْبْ
     وَاَحْضَرْ لَيْ فَيْ نْهَاْرْ تَشْتَدْ الْكَرْبَهْ
نَزَلْنّيْ فَيْ مْقَاْمْ عَاْلَيْ فَيْهْ قْـبَـاْبْ
           دَاْيَم قَصْرَيْ حْذَاْكْ فَيْ ذَيْكْ الْرَتْبَهْ
يبدو أن شاعرنا يصرح باسمه بعدما كان مضمرا ومشارا إليه بالضمير، ويذكر شوقه وحنينه للنبي صراحة دون إشارة أو تكنية (بن قيطون أشغاب)، ويربط اسمه باسمه ونسبه وأصله به تبركا وتيمنا، ويتوسل بذكره لله تعالى أن يكون شفيعه وينجيه من نار جهنم ويدخله الجنان رفيق النبي وأصحابه.
وإلى جانب ذلك نلحظ ظاهرة أخرى على هذه الخاتمة، ألا وهي تأريخ القصيدة أي ذكر الشهر والسنة التي نظمت فيها، لكي يضع الشاعر قصيدته في السياق التاريخي، وهي ظاهرة شاعت بين شعراء الملحون أيضا، وتعتبر عندهم من أساسيات النظم، وعيا منهم إلى أهمية المقام التاريخي للخطاب الشعري:(31)
تَمّتْ فَيْ شَسَيْ عَاْمْ يَاْ حْسَـاْبْ
         فَيْ يَوْمْ صَفَرْ عَنْ غَاْلَيْ الَنّسْبَـهْ
يستعين الشاعر في ضبط تاريخ القصيدة بالحروف التي تتوافق مع الأرقام، وهي طريقة الحساب القديمة، حيث يقابل كل حرف من الحروف الأبجدية عددا، طلبا للإيجاز والتوافق مع نظام البيت الشعري، وحفاظا على الوزن وتفعيلاته، وهذا يجعلنا نقر بثقافته التعليمية واللغوية، ففي كل قصيدة يؤكد لنا ذلك من خلال استعماله لطريقة الحساب القديمة، فقد كان التعامل بالحروف لا بالأرقام، فتاريخ نظم القصيدة (شسّي) أي عام 1310 هجري، حيث تمثل : ش = 1000، س= 300، ي= 10 من شهر صفر.
ويعرف الشاعر بنفسه وبسكنه وبمدينته في آخر بيت من القصيدة لتقييد نسبها والإشارة لصاحبها مبدعها وهذه الخواتم متعارف عليها من طرف شعراء الشعبي الجزائري:(32)
الْلّيْ جَاْبْ لْكْلاْمْ يَسْكَنْ غَرْبْ الْزّاْبْ
                فَيْ خَاْلَدْ بَنْ سَنَاْنْ وَطِْنَيْ وَالْنَسْبَهْ
لقد عرف الشاعر بموطنه فهو يسكن الزيبان الغربية أي غرب مدينة بسكرة في منطقة سيدي خالد المؤسسة من طرف خالد بن سنان الذي كثرت حوله الروايات بين النبوة والأسطورة والحقيقة.

خاتمة :
أفضى ابن قيطون في قصيدته “من طيبة” بشوقه وحنينه إلى النبي ومقامه وروضته الشريفة، حيث صور بفنية وجمالية تعبيرية حبه وعشقه للنبي عن طريق الشوق المتأجج في نفسه للمس قبره والطواف بروضته والسفر إليها بالروح قبل الجسد، كما تسامى في دعوة النبي لزيارته في المنام والتوسل به وبسيرته لمرافقته في الجنة والطمع في شفاعته يوم الحساب، مسخرا لغة شعرية تدثرت بالمعاني الروحية، فتكاثفت دلالتها وتضاعفت معانيها، فلقيت الاستحسان والقبول عند المتلقي.

الهوامش

1 -عبد الله الركيبي، الشعر الديني الجزائري الحديث، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1،1981، ص 50.
 2 - صالح الخرفي، شعر المقاومة الجزائرية، المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر ، د ط،  د ت، ص79.
 3 - نفسه، ص51 .
 4 - ينظر: عبد اللطيف البرغوثي، القصيدة الشعبية، مجلة فلسطين الثورة، عدد خاص، الجزائر، 01-01-1981،  ص 365.
 5 - ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ، بيروت، ط1، مادة حن، ج3، ص 560 .
6 - نفسه، ص 560.
 7 - نفسه، ص 561.
 8 - نفسه، ص 561.
 9 - مريم : 12-13.
 10 - الفيروزبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1406هـ، ط1، ص 630.
11 - ينظر : الجاحظ، الحيوان، تحقيق : عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1969، ج 2، ص 20-21.
 12 - ينظر : أحمد وهب رومية، شعرنا القديم والنقد الجديد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 207، ص 98.
13 - محمد ابن قيطون، الديوان، جمع وشرح : أحمد عاشور، دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2008، ص 176.
 14 - نفسه، ص 176.
 15 - نفسه، ص  177.
 16 - نفسه، ص  177.
 17 - نفسه، ص  178.
 18 - نفسه، ص  178.
 19 - نفسه، ص  179.
 20 - نفسه، ص  179.
 21 - نفسه، ص  180.
 22 - نفسه، ص  180.
 23 - نفسه، ص  181.
 24 - نفسه، ص  182.
 25 - نفسه، ص  181-182.
 26 - نفسه، ص  183.
 27 - الأحزاب، الآية : 56.
 28 - محمد ابن قيطون، الديوان، ص  183.
 29 - نفسه، ص  183-184.
 30 - نفسه، ص  184.

المصادر والمراجع:
1 - القرآن الكريم برواية حفص .
2 - ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ، بيروت، ط1.
3 - أحمد وهب رومية، شعرنا القديم والنقد الجديد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 207.
4 - الجاحظ، الحيوان، تحقيق : عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2.
5 - صالح الخرفي، شعر المقاومة الجزائرية، المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر ، د ط،  د ت.
6 - عبد اللطيف البرغوثي، القصيدة الشعبية، مجلة فلسطين الثورة، عدد خاص، الجزائر، 01-01-1981.
7 - عبد الله الركيبي، الشعر الديني الجزائري الحديث، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 1981.
8 - الفيروزبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1406هـ، ط1.
9 - محمد ابن قيطون، الديوان، جمع وشرح : أحمد عاشور، دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2008.

أعداد المجلة