فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
28

السجاد المغربي: تقاليد الصنعة أمام تحديات الزمن- العولمة

العدد 28 - ثقافة مادية
السجاد المغربي: تقاليد الصنعة أمام تحديات الزمن- العولمة
كاتب من المغرب

1. أسئلة وفرضية الدرس
يعكس تاريخ السجاد المغربي مسارا حافلا من التقاليد الفنية والأبعاد الاجتماعية التي جعلت منه أكثر من صنعة في حياة المغاربة إلى حين ظهور التقنيات الحديثة وانقلاب مفهوم الصناعة من إنتاج يدوي ومهارات بشرية إلى إنتاج آلي وبرمجة حاسوب.. ومن ثمة إلى تراكم وتدبير تجاري. في الانتقال عبر هذا المسار حافظ السجاد المغربي (المعروف محليا باسمه العربي الآخر «الزربية») على غناه الفني الذي نسجته الأنامل – أنامل المرأة بخاصة- وتعبيرية لغته: أشكالا وموضوعات مواد وعناصر مُستعملة وأساليبَ تهيئة وبناء للنماذج.

 

فكيف تسنى للسجاد المغربي المحافظة على استمراريته؟ بل كيف بدأ تاريخَهُ حنبلاً بسيطا يستعمله الناس لدواعي الضرورة إلى أن استقل سجادا نفعيا أولا ثم فنيا بلغة وأشكال متنوعة أخّاذَة؟ وكيف يمكن لمساره الراهن (صنعة وحضورا) أن يكون مهيئا لمواجهة نُذر العولمة ومضاعفاتها والتفاعل الحيوي مع تحدياتها؟

السجاد المغربي وسؤال العولمة
ينطلق البحث من مجموعة من الملاحظات التي تهم تاريخ السجاد المغربي من جهة:
- تنوع العناصر والأشكال التي تعكس المظاهر الحيوية في أساليب الصنعة والمتخيل المجتمعي الذي أفاد من بيئته الطبيعية ومن موروثه الثقافي
- تآلف التعبيرات الفنية عبر المناطق والأذواق – وانتقالها عبر تاريخ يجسد بالملموس التعايش والانسجام بين زربية حضرية وأخرى بربرية (أمازيغية).
- استثمار السجاد المغربي الحضري – المديني - للقيم الدينية وللرؤى الفنية العربية في استغلال الفضاء وتهيئة الأشكال بما يؤكد المنظور التوحيدي، ومحافظة السجاد البربري على العلاقة بالأرض وعناصر الطبيعة من نبات وحيوانات وشموس
- قدرته على الاستمرارية والتوصل عبر الأجيال– القرون في كنف الحاجة والاستعمال أولا؛ ثم في ضوء القدرة على التعبير الفني والإبداع المجتمعي.
- استمرارية التقاليد ومحافظة الصنعة على روح الثقافة الشعبية العابرة للقرون وللأمكنة (الجغرافية والثقافية) في جهات المغرب.
1 - الزربية باعتبارها ثقافة شعبية – مادية
مجموع الملاحظات تساعد على بناء معرفة أولى بالسجاد المغربي من خلال:
1 - صنعته (عناصر وموضوعات)
2 - ثقافته (تقاليد ورؤى فنية)
3 - امتداده المجتمعي (إبداع المرأة ورمزية مشاركتها)
4 - أنواع وأساليب الإنتاج
وهي مداخل إجرائية في هذه الدراسة قد تساعدُ في تَبَيّنِ كيف استطاعت الزربية المغربية أن تجسد بالملموس انتماءها للتراث الشعبي – المادي في المغرب أولاً، وكيف تمثلت أنواعُها وفنونها تقاليدَ عريقة بربرية ثم عربية – أندلسية في حياكة ونسج الصوف وأنواع الحنبل (سجاد) ثانياً، وكيف انتقلت (الزربية) في صنْعتها منذ القرن السادس عشر فالقرن الثامن عشر إلى تلمس تقاليد شرقية أخرى استقتها مع المؤثرات العثمانية في بلدان المغرب العربي ووصلتها بتلك التقاليد وبما يحتاجه الناس في حيواتهم من نسج وفي معاشهم من صنائع توفر لهم ما به يتدثرون ويلبسون، وما به يزينون مساجدهم ويتفاخرون بامتلاكه في بيوتاتهم..
في هذا تتلخص فرضية الدراسة في اعتبار إنتاج السجاد المغربي وعناصر وتقنيات صنعته هو أحد مظاهر الإنتاج المادي للثقافة الشعبية ويشكل عنصرا صميما في استمرارها.. لما تقوم عليه هذه الصنعة من عمل جماعي، وما اكتسبته عبر تاريخها من تقاليد وطرق اشتغال. تلك التي حافظت على هويتها وجعلتها: متفاعلة مع الزمن مستجيبة لاختباراته؛ وفي المكان الذي يهيئها لاستقبال سؤال العولمة بما هو إيقاع جديد ونذير بالمستجدات يفيد.  

2. ظاهرة الزربية في الثقافة الشعبية المغربية
الضرورة والتقليد
(تقاليد صنعة الزربية أمام تحديات الزمن - العولمة) هذا هو العنوان الذي اخترناه لهذه الورقة. يحمل للمساءلة مجموعة من المداخل الإجرائية التي يمكن أن نجعلها إطارا عمليا لتناول ظاهرة من الثقافة الشعبية – المادية، لها امتداداتها التاريخية والثقافية صحيح؛ ولكن أيضا أبعادها المجتمعية والاقتصادية التي تجعلها في صلب الرؤية إلى الزمن وفي أتون البحث عن موقع يسمح بالاستمرارية والحياة ضمن تجاذبات العولمة واصطراع مصالحها. فالثقافة الشعبية لا تنحصر في القول والحكاية، بل تمتد إلى «كل ما يظهر للعيان.. فالتراث عبارة عن فعل أكثر منه قول، وهو بوجه خاص يكون معاشا قبل أن يُفكر فيه. إنه عامل من عوامل التماسك الإنساني» (- إيكه هولتكرانس، قاموس الإثنولوجيا والفلكلور) يظهر في أساليب الحياة المادية وفي السلوك والمنتجات المتداولة والقابلة لأن تخزن جيلا بعد جيل. مرتبطا بالطبيعة والبيئة التي تحيط بالإنسان. فالأخير يستوحي من بيئته ومن الظروف الطبيعية عناصر وطرق تساعده على العيش؛ بتلاؤم بين الشروط والإمكانات تارة؛ وفي صراع بين التطلعات وبين العوائق تارة أخرى. بهذا نسج التاريخ مساره دائما، وعلى هديه بحث الإنسان سُبلَ البقاء والاستجابة للحاجيات إلى حد الآن. ولن نعدمَ في صنعة الزّربية المغربية التحديات والتطلعات نفسها: سواء باعتبار حاجة الإنسان إلى ما يحميه من برد وقسوة الطبيعة من فُرشٍ وأغطية مصدرها الحياكة والنسج، أو إلى ما يسكنُ إليه من زينة وجمال في حالتنا.
ورغم أن موضوع الزربية المغربية ما زال بكرا في دراسات الثقافة الشعبية إذ لم تتناوله إلا مقالات قليلة وبعض الدراسات النادرة والتي كُتبتْ في مجملها بغير العربية.. وردت ضمن اهتمامات وكتابات المرحلة الاستعمارية التي كانت تسعى إلى تكوين قاعدة معلومات عن مجموع الأنشطة الاقتصادية والمجتمعية والثقافية بهدف الوقوف على ما يتمتع به البلد من إمكانيات وإخضاعه لسياسة فرنسية ناجعة، فإننا نقف فيها (وهي في مجملها كتابات أنتروبولوجية) على تميزِ الزربية المغربية في اختلافها عن السجاد الشرقي – العثماني، كما في مظهرها الجمالي الفطري عندما يتعلق الأمر بالنموذج البربري. لعلها نظرة استشراقية لا تخفى من هذه الكتابات.
صحيح. لقد ارتبطت الزربية المغربية باستمرارية المجتمع التقليدي سواء في المدينة أو في البادية دون خلاف.. لما يستتبع  ذلك من استمرارية للتقاليد ووفاء للقيم الجماعية –القبلية وفي مقدمتها العمل المشترك وتكامل الوظائف التي يحتاجها النسيج وبناء الزربية ذاتها.. ورغم ما يبدو عليه الأمر من كون الماضي ما زال حاضرا مستمرا في حياة الناس وطرق إنتاجهم؛ فإن التحول المجتمعي والتحديث المتسارع لبنياته ولوسائل العيش فرض على الصناعات التقليدية وعلى كل مظاهر الثقافة الشعبية المادية (القابلة للتبادل والتداول النفعي) ضرورة إعادة ترتيب الأولويات والعلاقات. بالخصوص في ظل انفتاح الأسواق ووصول البضائع المُصنّعة الشبيهة والعناصر التي تدخل في نسجها.. وفي هذه الحالة أصبحت الزربية التقليدية – اسما وصنعةً مهددةً في حضورها واستمراريتها في الأسواق بالسجاد المُصنع بغير الطرق اليدوية أولاً، ثم في قدرتها على المحافظة على عناصرها والمواد الطبيعية التي تعتمدها– أي  دون أن تلجأ إلى المواد الكيماوية والمصنعة التي تُغرق الأسواق وتُعرض منتوجات بديلة للتقليدي – وإن لم تكن بنفس الجودة.
تفسيرات أولى
في هذا الاتجاه تسعى الدراسة المقترحة إلى تقديم مجموع التفسيرات التي تعرض لتاريخ وصنعة السجاد المغربي والتي نراها لا تخرج عن:
1. تفسير تاريخي يرى في تاريخ الزربية؛ وانتقالها من الحنبل إلى السجاد الفني تطورا في القيم الاقتصادية – المجتمعية، وانتقالها التدريجي إلى قيم ثقافية وفنية.
2. تفسير وظيفي، ويفسر الاهتمام بصنعة السجاد بالمغرب في ضوء المتطلبات الحياتية في التزود بما يفي ضرورات اتقاء برد الطبيعة– ثم الاحتفال بالأمكنة المقدسة (المساجد والقصور) ومرافق الضيافة في البيوتات.
 3. تفسير جمالي يعتبر السجاد نصا فنيا تنسجه الأنامل بعناصر وتقنيات لتنظم منها تشكيلا هو بمثابة اللوحة المجسدة لنمط وأسلوب مخصوص. له هويته واختلافه بين جهات المغرب. حضريا وبربريا.
4. تفسير أسطوري أيضا، انطلق هذا التفسير بحكاية اللقلاق الذي نقل قطعة سجاد من بلاد بعيدة واتخذها بساطا لعشه، واستمر في الأمثال والوصايا إلى يوم الناس هذا. يتناقلونه حكايات شعبية تدعم حُبّ الصنعة وتمجد الصبر والعمل الجماعي بين الفتيات والمقبلين على تعلم فنونها.. بهذا التفسير نبدأ دراستنا.

أبعاد مختلفة للصنعة
لا يمكن قراءة هذه التفسيرات إلا في ضوء الأبعاد التي امتلكتها صنعة الزرابي. فلها أبعاد مختلفة نروم الوقوف عندها مما يجليه النظر إلى طبيعة العناصر والأشكال التي تحضر في الزربية بالعموم:
البعد البيئي، فقد نتج السجاد المغربي عن تضافر مجموعة من العناصر البشرية والطبيعية. في مقدمتها المواد الأولية من صوف وصباغة طبيعية من أصل نباتي يتم تهيئتها بمقادير معلومة..
البعد الثقافي، ويحيل بالأساس على مجموع القيم الفنية والجمالية التي تعكسها الزربية في المغرب باختلاف المناطق والجهات التي برعت في حياكتها ونسجها. فلكل جهة أسلوب ولغة خاصان بها. يظهر من خلال المواد المستعملة العناصر الموظفة.
البعد الاجتماعي ذو الصلة بمتطلبات العمل ومشاركة المرأة في أنشطة الإنتاج المعاشي أو التجاري مع ما لذلك من مضاعفات مجتمعية ونفسية على الفرد كما على العلاقات الجماعية لا تخفى.
البعد الديني من جهة اللغة الفنية المستعملة لرسومات وأشكال مستمدة من الطبيعة أو محاكية لخلقة البشر أو لكائنات حيوانية (بعضها طبيعي كالغزالة.. وبعضها آخر وحش غرائبي) عندما يتعلق الأمر بزربية بربرية ذات أصول رمزية عريقة، أو بأشكال تجريدية تعتمد على ابتداع المربعات والمثلثات وعلى طرق التدوير والتثمين والتلاعب بالأنصاف منها عندما يتعلق بالزربية الحضرية ذات المنظور الواحد.
 البعد الجمالي الذي يَعُد الزربية نسيجَ نص من الصوف والأشكال. له عناصره ولعبة دواله التي تتركب ضمن منظور جمالي (حسابي أو طبيعي) وتلاعب ألوان وانسجامها. هو وثيق الصلة بالبعد الديني لما ارتبط به السجاد من وظائف دينية في تهيئة المساجد والمصليات والاحتفال بزينتها؛ وما تميزت به الثقافة الشعبية عموما من إظهار معتقداتها وتدوين تعبيرات تقديسها فيما تلبسه وتسخره.

3. الزربية باعتبارها نصاً - (نسيجٌ وفن)
مقومات الزربية الأصيلة
للزربية الأصيلة خصائص معلومة تحافظ عليها مهما كان نوعها؛ حضرية أو بربرية. ويمكن تقسيم هذه الخصائص بحسب صنفي الزربية:
1. زربية الحنبل المنسوجة بغير عقد. تستعمل كأغطية وأفرشة وهي  مصنوعة من أثواب صلبة أقل سمكا وأخف من الزرابي، زخرفتها منسوجة بدون وبرة. ومن الملاحظ  أن بعض الحنابل المصنوعة في مدينة سلا تضم في نسجها شريطين إلى ثلاثة من العقد التي يساوي عشرين سنتيمترا مما يؤهلها لأن تطبع بالخاتم الرسمي للمنتوج الأصلي (راجع الصورة).
2. الزرابي المنسوجة بالعُقد: كل زربية تتكون من ثلاثة عناصر أساس:
أ. خيوط السدوة الممدودة بين المسداتين اللتين تشكلان دعامة الزربية
ب. خيوط الطُعْمَة التي يتم تمريرها باليد عندما تفتح «الروح» بإنزال القصبة إلى حد «النيرة» مما يسمح بتشابكها مع خيوط السدوة بمجرد ما تعود القصبة إلى مكانها الأصلي، وخيوط الطعمة تذهب من حاشية إلى أخرى في اتجاه العرض، بعد ذلك يتم ضغطها بواسطة مشط حديدي. فإذا كانت الخيوط رقيقة ومضغوطة بشكل جيد فإن خلفية الزربية تكون منتظمة، وإلا فإنها ستكون سميكة، خشنة ومنتفخةً. قديما كان عدد خيوط الطعمة التي يتم تمريرها بين صفين من العقد يبلغ اثنين أو ثلاثة إلى خمسة أو ستة حسب جودة الزربية (ناعمة أو عادية) وحجم الخيوط. أما في المقاييس الحالية – الحديثة! فإن خيوط الطعمة لا يتعدى واحدا أو اثنين (في زرابي الرباط والأطلس المتوسط) أو ثلاثة إلى أربعة (عندما يتعلق الأمر بزرابي ذوات فتائل طويلة). بعد تكوين صف واحد من العقد يتلوه صف من خيوط الطعمة. بذلك يتشكل شريط متفاوت العرض، حسب حجم الخيوط، وهذا ما يحدد متانة النسج وجودة الزربية.
ج. العقد: هي فتائل من الصوف موضوعة جنبا إلى جنب في اتجاه أفقي، وكل صنف من العقد يكون متبوعا بصف من خيوط  الطعمة مكونة من خيط أو اثنين أو ثلاثة أو حتى أربعة خيوط حسب نوع الزربية. وكل عقدة تعد جزءا من رسم الزربية إذا ما كانت تحتوي عليه. والفتائل تكون رخوة وهي التي تميز الزربية التي تتوقف جودتها على جودة خيوط السدوة والطعمة ثم التكتل، أما طول الفتائل فيتراوح ما بين 1 سنتيميتر وسنتيمتر ونصف في الزرابي الجيدة الصنع.
و يمكن تصنيف الزرابي المغربية إلى صنفين رئيسيين:
- الزرابي الحضرية
الزرابي الحضرية التي تتميز عن الزرابي القروية بتشكيلاتها الزخرفية التي تكون في غالب الأحيان على شكل زخارف وردية مستوحاة من زرابي آسيا الصغرى. هذه الزرابي ناعمة وكثيفة الخمائل، ولا تستحمل إنجازا ناقصا. تتمركز صناعتها بالرباط – وسلا وتُستعمل في هذه الزربية العقدة الشرقية (المسماة عقدة: جيورديس) على خيطين من السدوة. كل عقدة تمثل جزءا من رسومها. وكل خانة جزءٌ محدود بمحيط يستدعي تغييرا في اللون. وتؤطر الأشرطة المفصولة فيما بينها بحواشي أرضية مركزية ذات خلفية حمراء (أحمر قانٍ أو أحمر قمزي) مملوءة إما بمرصعات أو زخارف نصف دائرية أو خماسية وإما «قبة» في الوسط محدودة من الزوايا الأربعة بأقواس مثلثة الشكل، متفاوتة الدرجات.
ومنها زرابي الدار البيضاء المعروفة تاريخيا بمنطقة مديونة، فتتميز بأرضية واسعة تملؤها صومعات كبيرة غالبا ما تتكون من ثمانية زوايا. كما أن هذه الزرابي تتميز بزخرفتها المتعددة الألوان – والبارزة عند كل نسيج على حدة. ومن الألوان الحاضرة بقوة في زربية مديونة الأحمر والأزرق والأصفر والبرتقالي والأسود والأبيض والأخضر.
- الزرابي البربرية.
أثارت الزربية المغربية الأولى– البربرية الانتباه إليها بخاصة في الطريقة التي نُسِجت بها متحررة من قيد الانتظام في أطرافها (حواشيها)، وتنوع وعشوائية انتشار العناصر والأشكال في نسيجها بما يفيد انعدام المركز واتباعها لحرية النسج على غير منوال.. والقول إنها لا تشبه أخريات؛ وإنها تجسيد لحركة اليد في حَبْك السدوة وتَقييدِ العُقد.. يجعل منها متميزة في صنعتها ومُوقِّعَةً على خصوصية صنعة تمثل هويتها وانتماءها إلى بلد المغرب، وهو ما يساعدها على الاستمرارية منذ تلك البذرة التي كانت تهيأت في القرن السادس عشر حيث يعود الباحثون إلى أول ظهور للزربية المغربية.
تتميز الزرابي البربرية على وجه الخصوص بوجود رسوم هندسية على شكل معينات مختلفة الأهمية، وفي حالات نجدُ رسوما لكائنات بشرية أو حيوانية (مرموشة، أولاد بوسبع شيشاوة).
- فيما يخص زرابي الأطلس المتوسط الشرقي: (بني وُرّايْـن – بني الحام –آي يوسي – سكوكو) فهي تنسجُ في الغالب من أصواف بيضاء تمزج بها كميات قليلة من الأصواف السمراء أو السوداء مع بعض اللمسات من الأصواف الصفراء والبرتقالية أو الحمراء.
- أما زرابي الأطلس المتوسط الغربي (بني امْكيليد – بني مطير – زيان - زمور) فيغلب عليها اللون الأحمر ثم الأصفر (الصلصالي) والبني والأصفر (بني امْكيليد).
زرابي الأطلس الكبير التي تعرف عادة بزرابي اكلاوة هي متعددة الألوان (الأزرق والأخضر والبرتقالي الكثيف والأسود والأبيض).
- زرابي حوز مراكش (شيشاوة، أولاد بوسبع، بلاد أحمر، آيت إيمور) يهيمن عليها اللون الأحمر لحد أنه يشكل أحيانا الميزة الوحيدة للزربية، وهي على العموم منقطة بالزخارف المختلفة التنظيم والمتعددة الألوان، حيث تنعرف فيها على أشكال هندسية عجيبة لكائنات بشرية أو حيونات غريبة.
- زرابي المغرب الشرقي (بني بويحيى - توريرت): وهي تتميز بغلبة اللون الأزرق الغامق والأخضر الزيتوني الممزوج بالأحمر القرمزي، وتزيدها جمالا العُقدُ البرتقالية أو الصفراء والبيضاء، والرسوم تكون على شكل شبكة كبيرة مكونة من مُعَيّنات محاطة بإطار بسيط.

تحليل نسيج وبناء نموذج
تسعى الدراسة فضلا عن ذلك إلى تحليل نموذج للزربية المغربية من خلال العناصر والنسيج والأبعاد الجمالية.. تحليلا ثقافيا. ذلك أن القيمة الفنية للزربية المغربية تعود إلى مجموعة من العناصر والمعايير التي تتشكل بها كنوعية الصوف وطريقة حياكته، فكلما كانت دقيقة كلما كانت قيّمةً جيدة، وأيضا تشكيلة الرسوم في انتظمها وانسجام عناصرها، وتناسق الألوان ذات الإيحاء والتعبير. لذلك فإن نسج الزربية المعيار – النموذج يتطلب وقتا أطول ومهارة أوفر وصبرا أكثر. وبالضرورة مقابلا ماليا في القيمة أفضل.
يضيء التحليل المقترح العناصر التي تميز الزربية الرباطية (التي نتخذها نموذجا في الدراسة للزربية الحضرية) لما تتشكل به من:
1 - إطار يحيط بأرضية الزربية ليحصر الأشكال وينظم توزيع الألوان
2 - الأرضية وتتحكم فيها مساحة البيوتات والغرف والتقنيات المستعملة. غير أن تأثيثها برسومات وخطوط متناسقة أو بأقواس ونجيمات..
3 - الأشرطة الملونة
4 - القوس وهو الذي يغلق أرضية الزربية من جانبيها وله نوعان:
القبة المعكوسة
القبة المفروقة
5) المهراز ويكون على طرف القوس لملء الفراغ جهة الزاوية
6) الأركان
7) الدروج
8) المرصعة وهي مجموع العناصر التي تملأ الأرضية من قباب ومعينات وأشكال طبيعية تمثل الليمونة أو صناعية مثل مظلة السلطان.
9) التخطيطة
10) الألوان توازن الخطوط وتناسق الألوان من أهم ما يسم الزربية الرباطية. اللون الأحمر – القاني حاضر بقوة في نموذجها.
كما يقف التحليل على ما تتميز به الزربية البربرية في اعتمادها الأول على الصوف وصنعته المحلية دون تدخل بالعناصر المصنعة. فالنساء يحضرنَه  غسلا وغزلا وصباغة.. قبل أن يتحول إلى عملية النسج بالطرق التقليدية، بخاصة في جبال الأطلس وسهول الحوز والمناطق الشرقية من المغرب. كما تتميز هذه الزربية البربرية بطريقة استعمال الألوان وتوزيع الرسوم ذات الأشكال الهندسية الموضوعة في شكل سلاسل من المعينات بأحجام متفاوتة ومختلفة، ربما يحضر فيها (أحيانا) سمط أو زخرف برسومات صغيرة مستوحاة من البيئة الطبيعية (أشجار؛ شمس، غزال، إنسان) أو متخيلة (وحوش) (الصورة).    

4 - شغف من أجل السجاد
مُنْتَفِضاً في قلبِ الحاضر المضطربِ بتنازعِ المصالح –والبحث عن فرص الربح والاستقرار يبحث تراث السجاد المغربي وصنعته على أسباب استمراريته وقدرته على الإنتاج – ولم لا التوهج الذي كان عرفه في ثمانينات القرن الماضي. إن أهمية الفن الذي يعكسه هذا السجاد يتجاوز حدود الصنعة ليمسَ الجانب الإنساني – من جهة ارتباطِ الإنسان بمُتطلبات حياتية؛ ولكن أيضا بتقدير وجداني يقول أحاسيس الجمال ومتطلباته الفنية ترسم الزربية جانبا منها. في هذا قد يحفظ الشغف استمرارية غير مضمونة بدون تضحية ورقي في الذوق والسلوك. والحال أن الأمر يتعلق بذوق يتربى وشروط اقتصادية تُنَمّـى. كلما سادت مجتمعيا كلما تهيأت الأسباب التي نبحثها لرواج فن السجاد الزربية تجارياً – بين المغاربة أنفسهم أولاً، وبين الذين نقتسم وإياهم أفقا وقيما ثقافية في التبادل الرمزي ومحبة الجمال. من العرب والمسلمين؛ ومن السياح الذين قد يجدون اختلافا فيما نعرضه عليهم من نماذج ثقافتنا الشعبية. إنها نافذة نفتح بها اتصالا بذاتنا أولا، وهو ما لا يكتمل بغير الاتصال بالآخر أيضا.. وها هنا يصبح الاتصال عرضا لتاريخ من بحث الإنسان عن السكن والاستقرار واحتفالا بصنعة تقول لغة فنية وجمالا نافذا هو بمثابة الجواب على سؤال العولمة. أي التوقيع الشخصي الذي تعلنهُ كل يد تحوك نسجاً، أو ترسم عنصرا على بساط الصوف – ذاك الذي نسميه سجاداً. زربية.

المراجع

- إيكه هولتكرانس، قاموس الإثنولوجيا والفلكلور،  محمد الجوهري وحسن الشامي، ط. 2، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، وزارة السياحة والصناعة التقليدية، الزربية المغربية (كتاب صور فنية) الرباط. إياس حسن، الثقافة بين الكوني والخصوصي، دار الفرقد، دمشق.
- مجلة الثقافة الشعبية، المنامة،  البحرين.
Francis Ramirez et Cristian Rolot, Tapis et tissages du Maroc; ACR Edition;Paris; 1995
Tradition, Que sais –je? P.U.F, Paris,1978.

أعداد المجلة