فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
29

النسيج التقليدي المغربي ذاكرة ثقافية بصيغة الأنثى

العدد 29 - ثقافة مادية
النسيج التقليدي المغربي ذاكرة ثقافية بصيغة الأنثى
كاتب من المغرب

ينظر إلى التراث تقليديا على أنه كل متكامل معقد، إلا أن البحث الأنتروبولوجي يجزئ الثقافة إلى وحدات، إلى “ملامح” جزئية، بهدف تسهيل الدراسة، فكما أن الذرة تعتبر الوحدة الأساسية للمادة، والخلية تعتبر الوحدة الأساسية للحياة، فكذلك يعتبر “الملمح” الثقافي الوحدة الأساسية في الثقافة.

وقد يكون هذا الملمح شيئا ماديا (سكين) أو طريقة في العمل (حياكة) أو معتقد (الأشباح) أو موقفا اجتماعيا (تحريم الزنى أو زواج الأقارب). إلا أن هذه الملامح تتحد وتتفاعل في ما بينها ضمن الثقافة لتنتج كلا متكاملا. (من مقدمة مترجم كتاب تأويل الثقافات لمِؤلفه كليفود غورتز، المترجم محمد بدوي، المنظمة العربية للترجمة، ص: 19، (2009).

مقدمة
تقاس مكانة المرأة في النسيج الاجتماعي لقبائل آيت وراين المغربية بمدى حنكتها ودورها في الحياة الاجتماعية على كل المستويات. ويمثل المستوى الاقتصادي أبرز المستويات الذي تلعب فيه دورا فعالا ومنتجا حيث تتكامل مع الزوج في تدبير كثير من الأعمال ذات المنفعة الاقتصادية، ولو أن حضورها إلى جانب زوجها في الحقول الزراعية غالبا ما يكون، في قرارة نفسها، بمبررات تخفيف الأعباء عن الزوج والحفاظ عليه لأنه الرأسمال الذي لا يقبل التخلي عنه. ويعد النسيج والحياكة من أبرز الأنشطة، ذات التجلي الاقتصادي، التي مارستها المرأة في هذه القبائل تحت إملاءات الحاجات الاجتماعية الملحاحة. لذا كانت المرأة تجمع بين النسيج وبين أنشطة أخرى عادية (تربية الأبناء، تربية المواشي، إعداد الوجبات...)؛ بل عادة ما كانت تلجأ إلى القيام بهذا النشاط في وقتها الفارغ إن لم  تكن تبحث عنه من بين أوقات حياتها العادية.
لقد اعتبر هذا النشاط (النسيج)، على مر الأزمنة، نشاطا نسويا بامتياز(1) على الأقل في البلاد العربية عامة، وفي بلاد شمال إفريقيا تحديدا، حتى وإن أخذ يشهد في الوقت الراهن تراجعا بفعل اختراق الرجل له. وبناء على ذلك، كانت نساء قبائل آيت وراين المغربية ينظرن إلى النسج والحياكة كأنشطة رئيسية في حياتهن، وإن اختلف الأمر بحسب المستوى المعيشي لهن. فكيف استطاعت هؤلاء النسوة التعامل مع هذا النشاط؟ وما هي المراحل التي كن يقطعنها في إنجاز عملية الحياكة؟ ما هي الأدوات التي كن يحتجنها في ذلك؟
هل كان القيام بالنسيج والحياكة فنا بالنسبة لنساء قبائل آيت وراين، أم وظيفة اقتصادية؟ ما هي التقنيات التي تستعملها المرأة في هذه العملية (النسج)؟ ثم ما أنواع المنسوجات التي دأبت المرأة، في هذه القبائل، على إعدادها؟ وأخيرا هل تأثر النسيج التقليدي في هذه القبائل بمظاهر العولمة والتكنولوجيا الحديثة؟ تشكل مختلف هذه التساؤلات، محور إشكالية هذه المقالة التي ننوي مقاربتها.
يعد النسيج التقليدي أقوى موروث شعبي بالنسبة لقبائل آيت وراين وأهم ذاكرتها التاريخية سيما وأنه كان ينجز بصيغة الأنثى، واحتل مكانة رفيعة في الحياة الاجتماعية لساكنة هذه القبائل، وفي الحياة اليومية لنسائها. هذه المكانة التي لم تحظ إلا باهتمام هش وفقير من طرف الدراسات الأكاديميكية، عامة، والاجتماعية تحديدا والتي تتطلب من الباحث مراجعتها بغية إحياء هذا الموروث نظرا لما يكتسيه من بعد ثقافي أصيل، وإعادة موضعته ضمن القضايا الراهنة التي تستوجب التفكير فيه (2) من جديد.

أساسيات النسج عند نساء قبائل آيت وراين:
أهم أساس في عملية النسج بالنسبة للمرأة الوراينية يضحى الصوف المادة الخامة في المقدمة ويأتي الشعر في الدرجة الثانية، وأخيرا مجموعة من الوسائل التقليدية التي سنأتي على ذكرها في متن هذا المقال. تمثل الأغنام مصدر الحصول على الصوف، ويرافق ذلك مجموعة من الطقوس. ترى ما هي هذه الطقوس؟ وكيف يتم الحصول على هذه المادة الأولية؟ وكيف تعمل المرأة على تنظيفه حتى تبلغ الخطوة الأولى من خطوات النسج وهو بناء أَزَطَّا(Azetta)؟

الخطوة الأولى: جز الصوف.
الخطوات الأولى في عملية إعداد الصوف تبدأ بجز الأغنام. إنها المهمة التي يقوم بها الرجل حيث يشرع، هذا الأخير، في أواخر شهر أبريل إلى حدود شهر يونيو في هذه العملية مرفوقة بأعراف وممارسة طقوس. تنجز هذه العملية خلال هذه الفترة بالضبط لكون مادة الصوف تكون قد نمت بشكل وفير من جهة، ومن ناحية أخرى لكونها الفترة التي يعتبرها الرجل الأنسب لاستبدال هذه الصوف بأخرى جديدة قابلة للنمو.
هذه الطريقة في توفير الصوف تبقى قروية في عمقها وبواسطتها تنجلي معالم نمط اقتصادي مبني على العلاقة القائمة مع الماشية والمجال الرعوي(3). يلجأ صاحب الماشية إلى جز غنمه بعد أن لاحظ كبرها ووفرتها فيها إعدادا لها لحرارة الصيف وشمسه الحارة بحيث ما يكاد فصلا الخريف والشتاء يصلان حتى تكون الصوف قد نمت من جديد. إنه التكامل بين الأوروغرافيا والمناخية.
فبعد أن يتم ربط الأغنام بحبل على مستوى الأرجل يحضر مقصا تقليديا (تِمْشْرَاطْ Timchrate) فيشرع في عملية الجز وسط جو حماسي بمساعدة عدد من أفراد القبيلة/الدوار تحت يافطة المساعدة الجماعية أو "التويزة" (وهي طريقة للتعاون والمساعدة الاجتماعية حيث كان اللجوء إليها يحدث، في بداية الأمر، لمساعدة النساء الأرامل التي قضى أزواجها في الحروب، ثم تحولت فيما بعد إلى أسلوب لخدمة وجهاء القبيلة/الدوار). إنها العملية التي يمتزج فيها النفسي بالاجتماعي، أو بالأحرى تؤسس لفضاء اجتماعي تتحقق فيه الحاجات النفسية الوجدانية على وجه التحديد وهو ما يترتب عنه ما سماه دوركايم بالتضامن الآلي(4) في العمل الاجتماعي الذي يؤِسس ويتأسس على الوعي والضمير الجمعيين. فسلوكات ومشاعر صاحب الماشية وأبنائه تنبثق من الانصهار الآلي بينهم وبين باقي الجمهور الحاضر معهم، وهو ما يلاحظ أثناء عملية جز الغنم، أو بين باقي أشكال العمل الجماعي (الذي يتخذ صبغة التويزة) حيث يتم تبادل النكت والمرح أحيانا، ومناقشة إحدى قضايا الدوار في أحيان أخرى. يحصل ذلك كله في سياق الترويح عن الذات والتحامل على التعب والعياء.
يتخلل هذه العملية منذ بدايتها جو من الحماس والفرحة من الكبار إلى الصغار ووسط النسوة كذلك. إنه يوم احتفالي ذو طقس اجتماعي يتمثل في إعداد وتهييئ وجبات الأكل للحاضرين  (الزَّرْدَة Ezzarda) وتبدأ من وقت الضحى إلى العشاء. يستهل هذا الطقس الغذائي بوجبة عبارة عن نوع من طعام الكسكس بالحليب وقليل من السمن (الزبدة البلدية المستخلصة من اللبن) يدعى بـ (بَزِينْ Bazine)، تليها وجبة أخرى تسمى (ثَارْفِّيسْثْ Tarffiste) وتكون مزيجا من خبز الذرة والبيض والسمن تقدم للحاضرين أثناء الغذاء. تستأنف العملية بعد ذلك، وعند الانتهاء منها يدعى الجميع إلى العشاء حيث يعمد صاحب القطيع إلى ذبح خروف (الذبيحة) يقدمه في شكل وجبة عشاء بالكسكس (الطعام) تقديرا منه لأهل الدوار والمساعدة التي قدمت له خلال عملية الجز.
لا ينبغي للمرء أن يقف عند حدود ظاهر هذه العملية والتي قد تبدو له شيئا عاديا، بقدر ما يجب الغوص في أعماق هذا الفعل والذي يحمل مضامين اجتماعية وذات دلالات ثقافية وتاريخية تتمثل في رؤية الفرد، في هذه القبائل، لكيفية الحفاظ على رأسماله الاقتصادي (القطيع) والرمزي (تنظيم هذا اليوم في احتفالية وإضفاء القدسية عليه وهو ما يرسخ وجاهته الاجتماعية عند أهل الدوار). وهو النصح الذي قدمه غورتز في كتابه "تأويل الثقافات" من خلال مفهوم التوصيف الكثيف الذي قصد منه وصف الفعل أو السلوك في السياق الذي يجري فيه، عوض الاكتفاء بما يظهر من هذا الفعل(5). وتزداد رمزية هذا اليوم الذي يلتقي فيه أهل القبيلة فيما بينهم، على غرار باقي المناسبات الأخرى التي تجمعهم، لكونها مناسبة لتذويب الخلافات البينية، وانصهار الصغار مع الكبار عبر تقاسمهم لأفعالهم، وانشغال النساء بتهييئ وجبات الأكل، وأخيرا لأنه يوم لترسيخ العلاقات التضامنية بين مكونات القبيلة، وتقل فيها حدة ظاهرة تقسيم العمل الاجتماعي بين مكونات المجتمع القبلي. إنه يوم احتفالي وطقوسي يساهم في ترسيخ النظام كما قال جورج بلانديي(6).
بناء على الاعتبارات السابقة، فعملية جز الصوف (ثِلِسْتْ Tilist) التي يستعمل فيها الرجل أداة تقليدية (مقص كبير Timchrate)، هي توفير هذه المادة استعدادا للنسج والحياكة، وفي عمقها ما هي إلا سلوك ثقافي بالمعنى الذي يحدده كليفورد غورتز (Clifford Geertze) للثقافة(7). إنه فعل ثقافي يحمل دلالات رمزية ومعان حول ذاكرة تاريخية لأبناء المنطقة يتم استحضارها كلما اقترب شهر أبريل، أو حضرت النية عند النساء لغزل الصوف ونسجه. إنه  حضور الماضي في الحاضر وإصرار للحفاظ على الموروث والذي يبقى فن النسيج أحد الشهادات القيمة لماضيه المجيد على الرغم من المشاكل الطبيعية والجغرافية التي تعيق الحياة اليومية في هذه المناطق(8).
 
الخطوة الثانية: غسل الصوف وتنظيفه.
ينتهي هنا دور الرجل. وتشرع النساء في أداء مهامهن بحيث تلجأ المرأة الراغبة في إنجاز نسج ما (زربية، حنبل، حنديرة، خيمة...) إلى جمع الصوف في أكياس لتشرع في غسله بالذهاب به إلى نهر ما بجوار القبيلة، أو منبع مائي يكون صبيبه قويا وباردا وناعما(9)، إذ يساعد ذلك على الحفاظ على بيوضة الصوف ونعومته وسهولة تنقيته. ما أن تصل المرأة حتى تضع الصوف في حوض مائي لمدة زمنية تمتد من ساعة إلى ساعتين ثم تشرع في غسله بشكل جزئي بعد أن تضعه على صخرة ملساء (أَصْفَّاحْ Asffah) لتنهال عليه بالضرب بواسطة عصى غليظة (ثَازْدُوزْثْ أو ثَمَدْزَثْ Tamadzte ou Tazdouzte) إلى أن تبدو الصوف بيضاء وخالية من الشوائب وتتأكد من ذلك بعد صبها للماء على الصوف الذي يجب أن  يظهر ناعما. فالمرأة لا يمكنها أن تشرع في النسج إلا بعد تأكيدها من صلاحية الصوف وبريقه. فالصوف يبقى ويحافظ على علامات الماضي وبصمات الأيدي ونظرات العين، إنها السمات التي تشهد بها الزربية على تاريخها(10).

الخطوة الثالثة: تجفيف الصوف.
تشرك المرأة بناتها في كل ما يتعلق بالنسيج من غسل الصوف إلى حين إزالة القطعة المنسوجة. وتعد خطوة تجفيف الصوف إحدى العمليات التي تصبح فيها البنات طرفا مشاركا بامتياز كأن أمهن تريد منهن التدرب على حرف المرأة المتزوجة(11). تنتظر المرأة وبناتها، إذا، جفاف الصوف لتجميعه، مرة أخرى، في أكياس وتستعدن للعمليات الموالية. لذلك، فهي تقوم بنشره على حصير في الأيام المشمسة، بعد أن اتضح لها بأن الصوف فقد ما تبقى فيه من الماء. فالمرأة تتوخى التأكد من أن الصوف قد جف نهائيا وتشبع بحرارة الشمس.

الخطوة الرابعة: تصفيف الصوف وتحويله إلى سبائك:
تهم المرأة للجلوس على الأرض للشروع في عملية تصفيف الصوف الذي اكتسى لونا أبيض وناصعا مستعملة في ذلك أدوات تقليدية تسمى (إِقَرْشَالَنْ Iquarchaln).
تلجأ المرأة إذا إلى الإمساك بهذه الأداة (تتوفر على أسنان حادة تعمل على تحويل الصوف إلى خيوط) بيديها معا فتشرع في هذه العملية عبر حركة دينامية للأيدي تتجسد في دفع إحداها إلى الأمام والأخرى إلى الوراء في شكل تقابلي، وهي عملية تتطلب القوة والتركيز وتتخللها في بعض الأحيان ترديد بعض الأهازيج المساعدة على التركيز أكثر من جهة، أو للتخفيف من التعب من ناحية أخرى. ما أن تنتهي من تصفيف صفيحة صوفية إلا وتضعها على أخرى لتجمعها بعد ذلك في أكياس بمجرد شعورها بأنها قامت بتصفيف كمية كبيرة من الصوف وبلغت بها القوة العدد المحتاج من سبائك الصوف (طِلَزْيِينْ Telazyine) لوضعها في "لخزين Lakhzine" وتترك فيه لفترة ليست بالقليلة على اعتبار أن الصوف (Tadouft) المخزنة تزداد تكاثرا كلما تم خزنها كما يعتقدن.
    وفي حالات أخرى، ترجئ المرأة القيام بهذه العملية إلى ما بعد فصل الشتاء، حينئذ تلجأ إلى إخراج الصوف المخزن للتهوية بواسطة أشعة الشمس الربيعية، فتشرع في تحويل الصوف إلى سبائك وأطياف بفعل الاحتكاك القائم بين زوجي (إقرشالن) والناتج عن حركية ذهاب وإياب أيدي المرأة النساجة من جهة، ومن جهة ثانية بفضل حدة أسنان هذه الأداة التقليدية حيث ينجم عنه تفكيك الصوف إلى خيوط رقيقة ترتب في شكل صفائح لتجمع، بعد ذلك، في أكياس أو صناديق. إنه سلوك فردي، وقد يكون جماعيا في حالة التويزة، يعتمد على الجهد البدني للمرأة لأنه تكراري في حركيته، وينبني على تركيز ذهني فائق إلى درجة الترابط الوجداني به رغم كون المرأة واعية بذلك. إنه سلوك ذو قيم مرتبطة باختيارات ذاتية واجتماعية في نفس الوقت كما يرى كلود ريفيير(12).
أثناء القيام بهذه العملية يكون الرابط الوجداني بين المرأة والصوف وبين هذه الأداة قويا إلى حد كبير حيث نلاحظ نوعا من الانصهار الحميمي بين هذه العناصر الثلاثة فيتحول الصوف والأداة معا إلى جزء من ذات المرأة النساجة لتتشكل، من خلال ذلك كله، لوحة سيميائية يستخلص منها أن المرأة الوراينية وفية لهويتها وثقافتها. ومما يزيد من البعد الوجداني المميز لهذه العلاقة كون عملية تصفيف الصوف تبدو كمرآة للمرأة الوراينية تعكس من خلالها شخصيتها المليئة بطاقة سيكولوجية تقوم بإفراغها في علاقتها بالصوف.
بعد أسابيع من هذه العملية تعود المرأة إلى الاشتغال من جديد. تبدأ بتحويل السبائك الصوفية المخزنة إلى خيوط باستعمال وسيلة تقليدية تتكون من حدين. الحد الأول تمسك به بيدها اليمنى ويدعى بـ "إِزْضِي Izdi"، والحد الثاني تمسك به باليد اليسرى ويدعى بـ "طَزْدَشْتْ Tazdachte" وهي مؤنث إزضي وعلى رأسها تثبت المرأة أولى الصفائح الصوفية فتشرع في تحويلها إلى هذه الخيوط (يدعى هذا الرأس بـ "تْفُورْكَا Tfourka"). فالسيدة القروية يجب أن تكون قادرة على قوة التحمل والصبر لأن هذه العملية تتطلب وقتا طويلا، مع العلم أنها الوحيدة الساهرة على تدبير شؤون البيت الداخلية والخارجية في بعض الأحيان. يعني هذا أنها معرضة لليأس والإحباط إن لم يكن هناك من يساعدها وبالتالي تخليها عن عملها. غير أن المرأة الأمازيغية لا يمكنها ولوج بيت الزوجية إلا بعد أن تكون مؤهلة لذلك وواعية، قبليا، بالمسؤولية الملقاة على عاتقها والمشهودة لها.
   تشرع المرأة في المرحلة الأخرى من النسيج، وتتمثل في إنشاء الخيوط الصوفية. تلجأ بيدها اليسرى إلى الإمساك بـ "طازدشت Tazdacht" وعلى رأسها يتم توطيد الصفيحة الصوفية الأولى وتحديدا في (تفوركا أو تروكا Tfourka /Trokka) فتقوم بتمديدها بيديها معا، اليسرى ممسكة بـ "تازدشت" واليمنى ممسكة بـ "إزدي" وهي أداة تقليدية مكونة، هي الأخرى، من قطعتين (إحداها جسم دائري الشكل ويوجد ثقب في وسطه يدعى بـ "ثَاشْرُورْثْ (Tachrourt أو La toupie)"، والثانية عمود مشذب "نوال/مغزل Fuseau) يوضع في القطعة الأولى) وتبدأ في دحرجتها بين أصبعيها: الإبهام والسباب. والصورة بالجانب هي لـ " إزضي Izdi " وهي أداة تقليدية تستعملها المرأة القروية الأمازيغية لتحويل الصوف إلى خيوط صلبة بفعل عملية لولبة "إزدي Izdi (Quenouille)" الممسك به في اليد اليمنى وتلوية تلك الخيوط الصوفية عليه حتى تتمكن من توفير قسط وافر منها يسمى "أَفْسْكَارْ Afskar" (كبة من الخيوط)، كما يتبين لنا في الصورة.
تتنوع هذه الخيوط إلى نوعين يستعملان في بدء عملية النسيج التي تأخذ اسما في قاموس النساء الأمازيغيات بالمنطقة هو "أَبَدِّي Abaddi" والذي يتحول فيما بعد مع سيرورة النسيج ليصبح عبارة عن "أَزَطَّا Azetta". إحدى هذه الخيوط تدعى بـ "أُسْثُو Ostou" وتنصب عمودية، والثانية تدعى بـ "أُولْمَانْ Olmane" وتنصب أفقيا.
وجدير بالذكر بأن الصوف تنجز منه أنواع مختلفة من الخيوط، وهي على الشكل التالي:
- أَحْرَايْ (Ahray) وهي خيوط تستعمل لنسج الزرابي والحنبل والتلليس أو (سَاشُو Sachou).
- السدى أو (أستو Ostou) وهي خيوط تسمى أيضا بـ (أبدي Abaddi) لأنها المدخل الأساسي لعملية  النسج، وغالبا ما تستعمل في نسج الحنديرة والجلباب والسلهام.
- أحربول (Aharboul) وتستعمل لإعداد عقد الزرابي.
- أولمان (Olmane) وهي الخيوط الأساسية، أيضا، في عملية النسج.
البدء الحقيقي للنسيج:
الانتهاء من عملية إعداد الخيوط الصوفية (أستو وأولمان) والتي تأخذ وقتا طويلا وشاقا من عمل المرأة، وتتطلب مستوى عاليا من التركيز والصبر وقوة التحمل، يفتح المجال للنساجة للبدء في تنصيب إطار القطعة المراد نسجها سواء تعلق الأمر بالزربية أو الخيمة .... تقوم المرأة، في هذا الصدد، بتثبيت الخيوط الصوفية المفتولة على الأوتاد (إِزَادْجَنْIzadjns ) المتقابلة والمثبتة بدورها في الأرض. إنهأ البداية الفعلية والحقيقية لعملية النسج للمادة المراد نسجها (فتل أزطا). تحتاج المرأة في هذا السياق إلى من يساعدها وعلى الأقل أربع نساء، تجلس كل واحدة عند زاوية كل وتد وتقوم الخامسة بالطواف من هذه المرأة إلى الأخرى ممسكة بالخيط في اتجاه تقابلي وتلجأ كل منهن إلى عقد هذه الخيوط في زاوية الوتد، وبين حين وآخر تعمل المرأتان الجالستان جنبا إلى جنب على جر هذه الأوتاد حتى تتثبت الخيوط بشكل قوي وصلب.
جدير بالذكر أن عملية نصب الـ"أزطا" في بدايته يكون خارج البيت في ساحة واسعة ويوم مشمس، وكل شخص كيفما كان جنسه وتصادف مروره بمسرح العملية إلا ويساهم بهدية رمزية (نقود، سكر...) مع المرأة النساجة داعية لها بالتمام والكمال والتغلب على مشقة المادة المراد نسجها. وهو سلوك يندرج ضمن الاتحاد والتعاضد القبلي المعتاد بين سكان القرية، ومن الأمثلة على هذه الأدعية كأن يقال له بالأمازيغية: tissri y afsousn ومؤداه اللهم اجعله عملا سريعا وسهلا.
تتم إزالة الأوتاد بمجرد الانتهاء من تثبيت الخيوط فيها ويقمن بنصب المناسج (إِفَدْجَاجْنْ Ifadjajn Les ensouples) في مكانها المناسب ويخاط عليها الـ"أزطا" بواسطة المخيط، فتشرع اثنتان من النساء في جر الـ"أزطا" بكل قوة في اتجاههما، وتعمل الأخريان على لولبته من جهتهما إلى أن تكملانه بالوصول إليهما.
توضع المناسج في جسم آخر يدعى " طِمَنْطْوِينْ Temantwine"، ومفردها " طِمَنْطُفْثْ Témantaft "، ويتم ربطها بحبل متين "أَسْغُونْ Asghoune"، بعد ذلك تلجأ إحدى النساء إلى توطيد النيرة "Taghda" وسط "أزطا" ثم يوضع عليها خيط النيرة وفوقهما القصبة " ghanime". وتعد هذه الأدوات التقليدية (النيرة "taghda"، وخيط النيرة "assanni"، والقصب "ghanime"les roseaux) ضرورية للبدء في أزطا وغياب إحداها يعني عدمه.
يشرع في النسج بعد استبدال الأوتاد بالقصبة (ghanime أو roseau) التي تقوم النسوة بإزالتها من الأرض، ثم يتم توطيد الـ "أزطا" بجانب حائط وسط المنزل وبعيدا عن حركة السير. في هذه المرحلة تلجأ المرأة إلى فك القصبة عن ثَاغْدَ التي ستوضع فوقها (taghda) بعد أن قامت بتوطيد خيط النيرة عليها. والآن أصبحت المرأة جاهزة للبدء في عملية الحياكة بعد أعدت العدة وأنهت الآليات الأساسية لهذه العملية.
تجلس المرأة بجانب الجزء السفلي لـلـ"أزطا" ثم تبدأ في النسيج بواسطة أداة تقليدية تدعى بـ"طَازْطْش Tazatcha)Peigne)". هذه الأداة وغيرها من الأدوات السابقة تجسد إرثا شخصيا للمرأة القروية لا يجوز منحها لامرأة أخرى مخافة ضياعها اللهم إن غلب عليها الاستحياء.

القياسات في عملية النسيج:
    وتختلف قياسات أزطا باختلاف المادة المراد نسجها. ما هي هذه القياسات؟
تجدر الإشارة إلى أن الوحدة القياسية المستعملة في قياس المادة المراد نسجها هي "أَغِلْ Aghil" الخاص بالرجل، على اعتبار أن "أغل" المرأة يبقى ناقصا. وتمتد من مرفق اليد إلى الأصابع، ويوازيه نصف متر.
- لذلك، فنسج السلهام (Ahaddoun) مثلا يتطلب ثماني إِغَالَّنْ أي أربعة أمتار من الخيوط الصوفية (أولمان) في الطول وأربعة في العرض.
- أما الجلباب فتحتاج المرأة في نسجها ما مقداره سبع إِغَالَّنْ أي ثلاثة أمتار ونصف، ومتر ونصف في العرض.
- الحنديرة أو (ثُبَرْدُوحْثْ Tabardouht)، وهي لباس زينة خاص بالعروس. قديما، كان لزاما على الأم أن تعدها لها بمناسبة زواجها. وتحتاج في نسجها إلى مترين ونصف إضافة إلى شبر طولا، ومتر واحد إلى متر ونصف عرضا.
- الزربية وتختلف مساحتها بحسب ما تريده المرأة النساجة. فقد تحتاج، في هذا السياق، إلى خمسة أمتار طولا من الخيوط الصوفية (أولمان)، ومترين ونصف عرضا. أو قد تكون في حاجة إلى ثلاثة أمتار ونصف طولا ومترين عرضا.
   لابد من التذكير بأن ست كبات من هذه الخيوط الصوفية (أولمان) والتي تدعى بـ "أفسكار Afskar" تنشئ قطعة منسوجة بمساحة متر مربع. تعتمد المرأة خلال هذه اللحظة، لحظة النسج، على يديها معا. فتقوم باليد اليسرى بتمرير الخيط الصوفي (أولمان Olmane) بين طبقتي الخيوط الصوفية الأخرى الرقيقة والتي هي (أستوOstou ) الواحدة إلى الأمام والثانية إلى الخلف. تستمر على هذا المنوال في الوقت الذي يوجد فوق هذه القوائم القصبتان الموطدتان في أزطا وكلما اقتربت من الوصول إليها، بفعل عملية الرص والضغط على الخيوط الصوفية "أولمان" بواسطة "طازطش Tazatcha )Peigne)"، إلا وعمدت إلى نقلها نحو الأعلى.
لا يسع المرأة الوراينية أثناء قيامها بالنسج من تزيين المادة (الزربية، الحنديرة....) بمجموعة من الأشكال الهندسية والتعابير، (مثلثات، مربعات، خطوط ملتوية...) وتدعى بـ (إِلَقِّيطْنْ Ilaqquitns)، بألوان مختلفة تفرضها طبيعة هذه المادة من جهة، والوظيفة التي ستؤديها خلال الاستعمال من جهة ثانية. وما يضفي القيمة الجمالية على النسج هو الطابع الفسيفسائي الذي سيتحلى به بفعل تناسق هذه الأشكال الهندسية من جهة على الرغم من اختلافها، وتنوع الألوان الموظفة فيه أيضا، والتي لا تعبر في الواقع سوى عن ثقافة البادية وتعكس موروثها الثقافي. هذا الاختلاف القائم بين هذه النماذج التزيينية يجعلنا نستحضر ذلك التعايش الذي كان سائدا بين مختلف القبائل المغربية على مدار التاريخ المغربي ومدى معاصرة القبائل الأمازيغية، تحديدا، لمختلف الحضارات التي شهدها التاريخ المغربي من يهودية وإسلامية ومسيحية وإفريقية....

    يعكس تنوع الألوان والأشكال في نسج الزرابي، وباقي المواد الأخرى، التنوع القائم في البيئة الطبيعية لمختلف القبائل الأمازيغية. لذلك غالبا ما نجد قبيلة أمازيغية تشتهر بنوع معين من الزرابي وببعض المواد المنسوجة الأخرى (الحنبل، الحنديرة، اللباس،...). كما تعود زخرفة المواد المنسوجة بهذه الأشكال الهندسية إلى فنية المرأة الأمازيغية عموما، والوراينية تحديدا، التي استلهمتها من قريحتها. فالنسج هو تدرج من الأسفل نحو الأعلى، من القاعدة في اتجاه القمة، وتأمل هذا الفسيفساء من الألوان والأشكال المتدرجة والصاعدة، كأنها تجسد قوس قزح، يجعلنا نؤكد بأن المرأة النساجة هي بمثابة تلك الفنانة التي تشرع في رسم لوحتها في صمت منطلقة من الأساس إلى أن تصل إلى القمة. وجوهر الفن الحقيقي هو الذي يبدأ من الأسفل للوصول إلى القمة (13)، إلى التجريد،  حيث المواد الأولية المستعملة أصيلة وبسيطة، مستوحاة من حياتها الطبيعية يتجلى ذلك في البحث عن مصادر الألوان لتهييئها، وتوظيفها من البسيط نحو المجرد هو تعبير يعكس مراحل حياتها الوجدانية من فتاة عازبة إلى امرأة حديثة الزواج ثم إلى أم(14).
وللتغلب على متاعب النسج وصعوباته، عادة ما تلجأ النسوة إلى ترديد أناشيد وأهازيج للتخفيف من حدة التركيز ولإضفاء نوع من المرح على العمل والتنفيس على الذات. وقد سبق لعبد الكبير الخطيبي في كتابه " من العلامة إلى الصورة: الزربية المغربية" أن اختار بعض التأملات والأشعار والأغاني التي ترافق عملية النسج والصور المرسومة فيها، وإقحام القارئ في العالم المغري من العلامات الموظفة في فن النسيج، نسيج الزرابي(15). وفي هذا السياق أورد أنشودة شعرية ترددها النسوة في قبائل آيت وراين أثناء عملية النسيج أو فتل أزطا "بناء أزطا" للترويح على النفس والحد من الملل الذي قد يصيبهن أثناء القيام بالنسج. تقول هذه الشاعرة(16)، وفي نفس الوقت، نساجة، ما يلي:
مَا يْــــنْ نْثَـكـــــزِّ ثِخْسِـــــيَ؟
        مـــــــاذا نــفـعـــل مـــن هـــذه الشــــاة؟                                              
نَـــــــثَّــــــــاوْيَــــــــدْ أَرْكَــــــــــازْ
        نـــــــــــــــأتــــــــــــــي بـــالــــــــــــرجـــــــــــــل
يَلَّاسْ خَـــفْـــسْ طَضُوفْــطْ
        لجــــــــــــــــز الصــــــــــــــــوف عنهـــــــــا
مَا يْنَّسْ يَلَّاسْ طَضُوفْطْ؟
        بمــــــاذا تـــــــجـــــــــز هـــذه الصوف؟
يَــــــــلَّاسِثْ سْ طِمَشْـــرَاطْ
        تــــــــــــــجــــــــز بـــالــــمــقــــــــــــــــــــــص
نْـــــــــــثَـــــكّْ الـــــــــــــــــــزَّرْدَة
        نـــــــــنــــــظـــــــــــم ولـيــــــــمـــة أكـــــــــل
مَا يْــنَّــــــسْ نْثَـكّْ الزّرْدَة ؟
        بماذا نقيم هذه الوليمة/الحفلة؟
نْثَـكّْ ثَارْفِّيسْثْ، نَثْعَمَّرْ أَكِيدَسْ أَتَايْ
        نحضـــــــر ثـــارفيســــــــث(17) مــــع الأتـــاي
نْــــــــــــــــثَـــــــــــــــــكّْ بَــــــــــزِيــــــــــــــــــنْ    
        نحضـــــــــــــر بـــــــــــــــــــــــــــــــــــزيــــــــــــن(18)
نَّفْسِ سُ غِـــــي نّْ نْـــطَـــزِّيْ زِّ ثِخْسِ
               نرويه بالحليب الذي نحلبه من هذه الشـــاة
نْـــــــــــــثَــــــــكّْ أَكِــــــــــــــيــــــدَسْ أُودِي
        نضـــع مــعه السمن (الزبـــدة الأصيلــــة)
ثَـــــثَّــــــنْ لَحْبَــابْ كُّـورْنْ أَبْرِيدَنْسَـنْ
        يأكل الأحباب ثم ينصرفون
نَلَّاسْ خَفْسْ طَضُوفْطْ نَثَّاوْيِثْ غَرْ وَغْزَرْ
        نجز عنها الصوف ونذهب بها إلى النهر
نْـــــثَـــكِّـــــيـــــــــــثْ خْ أُوصْـــفَّـــــــــــــــاحْ
        نضــــــــــع الصــــــوف علــــــــى صخـــــرة
نْــــــــــثَــــــــــــدْزِيثْ سْ ثَــــــــــــــزْدُوزْثْ
        نضغـــــــــــط عليـــــــــهـــــا بـ "ثازدوزث"    
نَـــــــــــثْـــــشَـــــلَّالِيثْ كّْـ أُوغْـــــــــدِيــــرْ
        ننظفــــهـــا فـــــي بركــــــــة مــن الـــمــــاء
نْـــــثَـــكِّـــــيـــــــــــثْ خْ أُوجَــــــــــــرْثِــيـــلْ
        نـــــضـــــعـــــهـــــــا علــــــــــــى الحصيـــــــر
نَثْـــــــــــعَــمَّـــــرِيثْ دِ ثْخَـــنْـشِــيــلْـــــــثْ
        نـــــضـــــعـــــهـــــــا فــــــــــــــــي كـــــيـــــــــــس
نَــــــــــــثَّـــــاوْيِــــيــــثْ غَـــــــرْ وُخَّــــــــــامْ
        نــــــــذهــــــــــب بـــــها إلــــــــى المنــــــــزل
نْــــــــفَــــــسُّــــــــــوثْ سِ فَــــــاسَّــــــــــــنْ
        نفتــــلـــــهــــــــــــــــــا بـــــــــالـــــيـــــــــديــــــــن
نَثْــــقَــــــرْشَلِثْ دَكّْـ قَــــــــرْشَـــــالَـــــــنْ
        نصفــــــفـــــــــهـــــا بـــــــــالــــــمــــــشـــــــــط       
نْثَلْمِــــــــيــــــــــــــــــــــثْ كّْـ أُوزْضِـــــــــــي
        نحولـــــــهـــــــــا إلــــــــى خيوط بـ"إزدي"
نْثَـــــــــــــــكّْـ زَّاكْـــــــــــْس أَحَـــــــرْبُــــــولْ
        نصنع منها "أحربول" (نوع من الخيوط)
نْـــــثَـــــــــــكّْـ زَّاكْـــــــسْ أُولْــــمَــــــــانْ
                  نصنع منها "أولمان" (نوع من الخيوط)
نَـــــــــثْـــــــــــــعَــــــــــــــوَادْ إِوْبَـــــــــــدِّي
        نعيـــــــــــــــــــــد بــــــــــــــــــداية أزطـــــــــــــــــــــا
نْــــــــــــثَــــــــــكِّــــــــــــــثْ ثِّــــشُـــــورِينْ
        نحولـــــهــــــــا (الخيـــــوط) إلـــى كويرات
نَـــــــــفَّــــالْ زَّاكْـــــــــــسْ أَزَطَّــــــــــــــا
        نــــــصـــــــنـــــــع مــــــنـــــهــــــــــــا أزطـــــــــــــــا
نَــــــــــــــثَـــــــدَّزْ إِزَادْجَــــــــــــــــــــــــــنْ
        نــــــــــوطـــــــــــــــــــــــــــــــد الأوتــــــــــــــــــــــــــــاد
نْــــــــــــثَـــــــكّـ أَكِـــــــــدْسْ الْمَغْنُــــوجْ
        نــــــــــــــــــــــضـــــــــــــــــع معــــــهـــا المغنـــــوج
فَــــــــــلَّانْـــــــــــثْ ثْــــــــــسَدْنَـــــــــــانْ
        تـــــــــنــــــــــســــــــــج النـــــــــــســــــــــــــــــــــــــــوة
يَــــــــــــــــــــلّا سْ ذْكِـــــــــــرْ نّـــــــــسْ
        يــــــــقــــــــــــام ذلــــــك بــــــــــأهــــــــــازيـــــــج
مَــا يْــنّــيِّـــيـــنْ ذْكِـــــــــــرْ نّـــــــــسْ؟
        مــــــــــــــا هــــــــــــــــــي هــــــــــــــذه الأهازيج؟
نـَــــــــكّــــــــــــــورْ نْـــــــــــــدُكَّــــــــــــــــــلْ
        نــــــــــمــــــــشـــــــــــــــــــــــي ونــــــــــــــــــعــــــــــــود       
أَنَـــــــــــفَّــــــــــالْ أَزَطَّــــــــــــــــــــــــــــــــا
        نــــــبـــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــــــــي أزطــــــــــــــــــــــا
يَثْعَوَنَانْغْ رَبِّي دْ جَاهْ سِيدْنَا مُحَمَّدْ
        يـــــــــعــــــــاوننا اللـــــــه وجاه سيدنا محمد
أَنْكَــــمَّــــــلْ إِثْْفََـــــــــــــالٍِ أُزَطَّـــــــــــــا
        علــــــــــــى إتـــــــــمـــــــــــــام نســــــــج أزطــــــا
أَنّسْــــــــــــــــــبَـــــــدْ طِمَنْطْـــــــوِيـــــنْ
        نـــــــــــــــــــــــــــــوقــــــــــــف "طمنطـــــويـــــــن"
أَدْنَـــــــــــــوِيْ إِفَـــــــــــــدْجَــــــــاجْــــنْ
        نـــــــــــــــــــــأتــــــــــــــــــــــــــــــي بـ "إفدجاجن"
أَنْـــــــــــــــعَـــــــــلَّـــــــقْ أَزَطَّـــــــــــــــــــــــا
        نــــــــــــــــثـــــــــبـــــــــت أزطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
أَثْ نْـــــرَكَّـــــــــــبْ كْـ فَــــدْجَــاجْــــنْ
        نـــــــــثــــــبـــــتــــــه فـــــــــــي إفـــــــدجـــاجــــن
أَثْ نْشَـــــــــــــــــدّْ سْ ثَسْغُــــــونِـــيــنْ
        نــــــــــــــــــربطــــــــه بـــحـــبــــــل غـــلــــيــــــظ
أَدْنَـــوِيْ ثَاغـــْدَ أَثْ نْعَلَّقْ غَرْ أُزَطَّا
        نأتي بثــاغدة ونربطها عند أزطـــــــــــــــــــا
أَكِيــــــــــــــــــــــــــــــــدَسْ غَـــنِـــــيــــــــمْ
        مــــــــــــــــعــــــــــــــــــــــــــــــه قـــــــــــصــــــبــــــــــة
أَنَّـــــــــــــــــــــيْ أَسَــــــــــلْـــــــــــــــــــــــــنِ
        نــــــــــــــــــــــضـــــــــع "أَسَــــــــــــــــــلْــــــــــــــــــنٍ"
أَنَّـــــــــــــــكّْــــــــــــــــــــسْ غَـــنِـــــيــــــــمْ
        نــــــــــــــــــــــــــزيــــــــــــــــل القــصـــبــــــــــــــــــة
أَثْـــــــــنَــــــــــرّْ دَنَّـــــــــــكْـ ثَـــــــغْـــــــــــدَ
        نــــــــضـــــعـــــهـــــــا فـــــــــــــــــــــــــــوق "ثاغد"
نَـــــــــثَّـــــــاوِيْ فُـــــــــولُــــو (أولمان)
        نمــــــــرر "فولــــــــــو" (أولــــمــان الخيط)
نْـــــــثَــــدْزِيثَــــــــنْ سْ طْـــزَطْـــــــشَ
        نضغـــــط عليـــــــه بالمـــشــط (طزطش)
نْشَــــــــــــــــــــرَّسْ أَحَــــــــــــــرْبُــــــــولْ
        نـــــــــــــــــــــــعــــــقـــــــــــــد أحـــــــــــــــــربـــــــــول
نْــــــــــــــــثَّــــــــاوِيْ خَّـــــــسْ أُولْمَــــانْ
        نمــــــــــــــــــــــــــــرر عليـــــــــــــــــــه "أولمــــان"
نْـــــــــــثَـــــــــدْزِيـــثَـــــــنْ سْ طْزَطْشَ
        نضغــــــــــط عليهـــــــــــــا ب "طـــــــــزطــش)
أَنْكَــــــمَّــــــــــــــــــــــلْ إِوْزَطَّـــــــــــــــــــــا
        نــــــــــــــــــنــــــهي أزطــــــــــــــــــــــــــا (النسج)
نْقَطْــــــــــــــــــــوِ سْ أُبُــــونَقْــــــــــــــشَ
        نزيلـــــــــــــــــــــــــــــــــه بالســــكــــــــيـــــــــــــــــــن
أَنَّقْطَــــــــــــــوْ ثَاحْـــــــــــــــــــــــــلَاسْثْ
        نـزيــــــــــــــــــــــــــــــــل الــــــــــــــزربيــــــــــــــــــــــة
نْثَسُّـــــــــــــــــوثْ خْ أُوجَرْثِيـــــــــــــــــلْ
        نضعهـــــــــــــــــا علـــــــــــــــى الحصيـــــــــــــــر
ثْغِيمَــــــــــــــــــــنْ خَّسْ لَعْبَـــــــــــــــــادْ
        يجلـــــــــــــــــس عليــــــــــــهــــــا الــــعـــــبـــــــــاد

خاتمـــة:
كان النسيج يمارس عند نساء قبائل آيت وراين، كباقي نساء القبائل الأمازيغية في المغرب، استجابة لحاجيات أسرهن الآنية اقتصاديا واجتماعيا وطبيعيا. اقتصاديا كمورد للعيش حيث كان الزوج يقوم بتسويق المنتوج، بهدف التبضع واقتناء الضروريات من المواد الأولية؛ واجتماعيا من حيث أن القيام بالنسج كان دائما ينظر إليه، من خلال المنظومة الثقافية القبلية، كمقياس للوجاهة الاجتماعية، ومن ثمة فالبيت الذي لا تمارس فيه عملية النسج، ولا تنتج فيه ولو زربية واحدة على الأقل، لا يرقى إلى أوساط الصفوة الاجتماعية؛ وطبيعيا بفعل الظروف الطبيعية القاسية التي كانت، دائما، دافعا آخر للقيام بالنسيج، لذا كانت المرأة تلجأ إلى نسج غطاء صوفي ( الزربية، البطانية، الحنبل...) أو لباس صوفي (جلباب، سلهام...) للتخفيف من حدة الطقس البارد.
إنها منظومة تتميز بتواصل مستمر بين الثقافي والطبيعي في الحياة القبلية، وتحديدا في عملية النسيج، وإن كان تطورها يتسم بالبطء، أو بالأحرى يسير في اتجاه الانقراض. فالمرأة المعاصرة لم تعد تقدر، بل حتى تفكر، في الدخول في مغامرات النسج التقليدي بمبرر غياب الوقت الكافي لذلك كما تدعي، أو لكونها لا تمتلك تلك المهارات الفنية التي كانت تتمتع بها المرأة التقليدية في هذه القبائل، لأنها ماتت بموتها كما قال جاك بيرك .
هذا التدرج في الانقراض بدأت معالمه تتضح مع تعرض البادية المغربية للاختراق من طرف التقنية الحديثة، ومع التحولات الاجتماعية التي شرعت تشهدها. فلم يعد النسيج مرتبطا بالبادية، بقدر ما ظهرت المدن كمنافس لها حتى أنها قامت بإعادة نمذجة الحياة فيها، بفعل الشروط الحديثة والعصرية في الإنتاج. على إثر ذلك، تم اجتثاث الاقتصاد العائلي الذي كان المزود الرئيسي للنسيج بالمادة الخام (الصوف) وتحويله إلى اقتصاد السوق ففك الارتباط به. فلم تعد المواد المنسوجة تحفا فنية في المنظومة القبلية بقدر ما أصبح الهدف منها هو الإنتاج والتسويق والربح. أما مواد التزيين والتلوين فلم تعد، هي الأخرى، تقتصر على ما هو طبيعي بل أدخلت عليها مواد كيميائية، فحل الكيميائي محل الطبيعي، وحصل الانتقال من الخيمة إلى المعمل، ومن الصنعة العائلية إلى الإنتاج المصنع.
وهنا نتساءل مع جاك بيرك إن كانت التقنية الحديثة التي شتتت هذا الفن التقليدي ومزقته أكثر مما أعطته ذلك الكمال، قادرة على إعادة ربطه بوسطه الطبيعي حيث سيادة العلامة الدالة الموظفة في القطع المنسوجة وسيادة الأشكال الهندسية المستوحاة من المناظر الطبيعية ؟

 

المراجع :

1 - نيران كيلانو، النسيج والتطريز الفلسطيني، مجلة الثقافة الشعبية، السنة الأولى، عدد 3، ص : 169، ص.ص: 169-173، 2008.

2 -  Jacques Berque, remarques  sur le tapis maghrébin, in études maghrébines, publications de la faculté des lettres et sciences humaines de Paris, série études et méthodes, tome 11, 1964, p : 13.

3 -  Jacques Berque, remarques  sur le tapis maghrébin, op.cit., p : 14.

4 -   Emile durkheim, de la division du travail, felix alcan, paris, 1893, p : 103.

5 -  كليفورد غورتز، تأويل الثقافات، ت: محمد بدوي، مراجعة: الأب بولس وهبة، المنظمة العربية للترجمة، 2009، ص: 56.

6 - G.Balandier, le désordre, Fayard, p : 29.

7 - كليفورد غورتز، تأويل الثقافات، المرجع السابق، ص: 46.

8 -  Promotion des  systèmes de savoir et de culture, conservation dynamique des Systèmes Ingénieux du Patrimoine Mondial (SIPAM) au Maroc Système Oasien dans l’Atlas Marocain. Activités régénératrices de revenus : Etude sur le patrimoine traditionnel de tissage de Tahandirt à base de laine, juillet, 2011,  p : 9.

9 - F.Ramirez, Christian Rolot, tapis et tissage du Maroc. Une écriture du silence, éd. Internationale, Courbevois, Paris,  1995, p : 15.

10 - F. Ramirez, Christian Rolot, tapis et tissage du Maroc. Une écriture du silence, op. cité, p : 13.  

11 - Promotion des systèmes de savoir et de culture, p : 10.

12 - Claude rivière, les rites profanes, puf, 1995, p : 11.

13 -  Jacques Berque, remarques  sur le tapis maghrébin, in études maghrébines, p : 24.

14-http://www.tapisdumaroc.giulioromero.info/histoire2.html.

15 -  www.bibliomonde.com.

16 -  زحفير ميمونة، نساجة.

17 - أكلة من الأكلات التي تصاحب عملية جز الصوف، وهي عبارة عن خبز أحرش دقيقه من الذرة ويتم مزجه بزيت العود أو السمن (أو الزبدة البلدية).

18 - بزين أكلة من الأكلات التي يتم تهييئها أثناء جز الصوف، تعد من دقيق القمح الصلب ويتم فتلها من طرف النسوة لتعمل على طهيها في كسكس ثم تسقى بالحليب المغلى ويقدم للحاضرين.

 

المصادر:

 

1 - غورتز، (كليفود)، تأويل الثقافات، ترجمة: محمد بدوي، المنظمة العربية للترجمة، 2009.

2 - كيلانو، (نيران)، النسيج والتطريز الفلسطيني، الثقافة الشعبية، السنة الأولى، عدد 3، ص.ص: 169-173، 2008.

‏     3 -    Balandier, (G.), le désordre, Fayard, 1988.

4 - Berque, (Jacques), remarques  sur le tapis maghrébin, in études maghrébines, publications de la faculté des lettres et sciences humaines de Paris, série études et méthodes, tome 11, 1964.

5 - Emile, (Durkheim), de la division du travail, Félix alcan, paris, 1893.

6 - Promotion des systèmes de savoir et de culture, conservation dynamique des Systèmes Ingénieux du Patrimoine Mondial (SIPAM) au Maroc Système Oasien dans l’Atlas Marocain, Activités régénératrices de revenus: Etude sur le patrimoine traditionnel de tissage de Tahandirt à base de laine, Juillet, 2011.

7 - Ramirez, (Francis) Charles Rolot, tapis et tissage du Maroc. Une écriture du silence, éd. Internationale, Courbevois, Paris, 1995.

8 - Rivière, (Claude), les rites profanes, puf, 1995.

9 - www.tapisdumaroc.giulioromero.info/histoire2.html.

10 - www.bibliomonde.com.

 

أعداد المجلة