فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
3

الاغنية الشعبية كنص ثقافي

العدد 3 - أدب شعبي
الاغنية الشعبية كنص ثقافي
كاتب من مصر

 

إن البحث عن إجابات شافية عما يعتمل الآن فى واقعنا الإبداعى الموسيقى - إن جاز لنا أن نطلق عليه إبداعا - لن يتأتى من خلال البحث فقط فى القيم الجمالية المرتبطة بعلم الموسيقى وما يتضمنه من إيقاعات ومقامات وخلافه ، ولكنه يحتاج إلى إعمال للرأى الثقافى فى مجمل هذا الابداع .

إن استدعاء الإنتاج الغنائى لفترة الستينيات والسبيعينيات، واعادة تقديمه يطرح عددا من الأسئلة فيما يتعلق بداية بمبررات هذا الإستدعاء، وهل يعد هذا دليلا على عدم تلبية الإنتاج الموسيقى الراهن لمتطلبات الوجدان الجمعى، بل وربما عدم الاعتراف بمصداقيته، كما أن ثمة تساؤلا عن كيفية إعادة انتاج هذه المواد الموسيقية، وكيف يعبر ذلك عن التغيير السلبى الذى أصاب الذائقة الجمالية الغنائية لدى المتلقى، فالخروج من حال السماع إلى حال الرقص أو الانتشاء الحركى، فرض تكرارا أو هتكا مبتذلا، ولعل المقارنة بين تكرار الجمل الغنائية لدى أم كلثوم- على سبيل المثال-، وبين التكرار الحالى عند المطربين الذين يطلق عليهم مجازا - الشعبيين - يوضح سيادة قانون التفاعل الحركى، بغض النظر عن حضور القيم الزخرفية فى الجملة الغنائية، ناهيك عن فهم أولى وبسيط للمعانى التى يتناولها المغني - إن كان بالأساس مغنيا - فعندما تغنى أم كلثوم من شعر جورج جرداق فى قصيدة هذه ليلتى ( سترانا كما نراها قفارا )، تتحول المفردة (سترانا ) إلى ( سكرانا)، فى أداء المغنيين السالف ذكرهم، وهو ما يفرضه الواقع المعاش الذى هو سكران او يرمى إلى السكر .

ان التكرار والاطالة فى أمد الأغنية تفرضة وظائف جديدة يفرضها واقع جديد، بصرف النظر عن معيارية أوجماليات الفن الموسيقي .

وقد ربط ابن خلدون بين تطور العمران وبين رقى الفنون الموسيقية، فجعل من العمارة معادلا دالا على الموسيقى والعكس صحيح، بل وأشار إلى أن ما يعتري المجتمع من وهن وتخلف يتجلى أول ما يتجلى فى فن الموسيقى والغناء .

 

منهج دراسة الموسيقى الشعبية :

إننا لا نقصد بالإبداع الموسيقى ما تحمله الينا آلة الانتاج الضخمة بوسائطها المتعددة فقط، ولكننا نعنى بشكل أساسى الموسيقى الشعبية بشقيها الغنائى والآلى وبمستوياتها ومناسباتها المختلفة .

ومما لاشك فيه أن الموسيقى لغة، غير أنها ليست لغة عالمية كما يتصور البعض، وإنما هى لغات مختلفة، إذ أن لكل شعب لغته الموسيقية ذات الخصائص المميزة، وإذا كانت الموسيقى من حيث أسسها واحدة فى كل مكان، كونها تنسيق الأصوات بطريقة محببة للأذن وأنها من حيث أصولها مرتبطة بمعتقدات الإنسان وطباعه وهى لغة الروح والمشاعر، فلكل لغة موسيقية خصائص تكمن فى المادة الموسيقية ذاتها من حيث: الأبعاد الموسيقية وتكويناتها - المقامات - الزخارف - وحدة اللحن أو تعدده - تنظيم الإيقاعات وأنواعها - أشكال التلحين - تقنيات الأداء الصوتى والآلــى - وسائل التعليم الشفاهى أو المكتوب - الآلات الموسيقية والوظيفة الإجتماعيــــة .

و تلعب العناصر السالف ذكرها دوراً مهماً فى تحديد نوع اللغة الموسيقية وانتمائها إلى هذا الشعب أو ذاك.

وتختلف الأغنية الشعبية عن غيرها من سائر أشكال التعبير الشعبى فى كونها تؤدى عن طريق الكلمة واللحن معاً .. ومن ثم كان البحث فيها ذا شقين، شق يتعلق بالكلمة وآخر يتعلق بالموسيقى .

 

شروط القراءة الثقافية للموسيقى الشعبية :

وثمة شروط نراها أساسية للوصول إلى قراءة ثقافية دالة للموسيقى الشعبية منها :

 

1- توافر المادة الميدانية المعبرة عن المجتمع الذى نحن بصدد دراسته :

حيث تمثل عمليات الجمع الميدانى لب الدراسة الفولكلورية، ولكى يكون هذا الجمع علميا منضبطا فلابد من وجود الكوادر العلمية المدربة منهجيا وتقنيا، وهو مايقتضى وجود المؤسسات الأكاديمية المعنية بدراسة الثقافة الشعبية ( الفولكلور ) تراثا ومأثورا، وذلك وفق أحدث المناهج والنظريات التى يتضمنها هذا العلم ( علم الفولكلور ) .

ولابد أن تتم عملية الجمع وفق خطة معينة يقصد من ورائها تحقيق أهداف بحثية بعينها، وهو ما يمثل موجها لعملية الجمع فى مراحله المختلفة .

 

أهمية الجمع الميدانى :

من الأهمية بمكان، أن نشير إلى أن القراءة الثقافية للنص الموسيقى تظل قاصرة، ومنقوصة، بل ومضللة أحيانا، إذا اعتمدت على مادة ميدانية لا تعبر عن الثقافة التى تمثلها، وهو ما يقتضى إعمالا للمعايير العلمية فى جمع المادة الميدانية التى تعتمد عليها مثل هذه الدراسات، فهى تحتاج إلى مادة ميدانية وفيرة تغطى مجمل النشاط الإنسانى لثقافة بعينها .

أن من الضرورة بمكان أن نشير إلى أن انقطاع حركة الجمع الميدانى المقصود والمنضبط لعناصر الموسيقى الشعبية المصرية لفترة قاربت الأربعين عاما، يشكل جمودا مخزيا، ورؤية مضللة لمجمل النشاط الموسيقى الشعبى فى مصر فى مرحلة زمنية حفلت بمتغيرات اقتصادية وتكنولوجية صارخة، القت بظلالها- سلبا وإيجابا - على الحياة الشعبية المصرية والثقافة المصرية فى شتى مناحيها .

ومما لاشك فيه أن البحث فى الموسيقى الفولكلورية له علاقة أكيدة بعامل الزمن، ذلك أن التعجيل فى جمع الألحان وتسجيلها، يعتبر من الشروط الحاسمة فى الحصول على أكبر قدر من المواد الفولكلورية الحقيقية، ذلك لأن التباطؤ والإهمال يؤديان إلى ضياع وزوال الألحان الأصيلة تدريجيا، ذلك بالإضافة إلى التغيرات التى تطرأ على المجتمع وبالتالى على ثقافته الشعبية وإبداعاته .

ومن هذا المنطلق، نرى ضرورة البدء فى جمع ميدانى منضبط، ووفق أهداف محددة يقصد من ورائها توثيق عناصر الموسيقى الشعبية المصرية، فى أنواعها ومستوياتها، وآلاتها، ومناسباتها، ومناطقها المختلفة، وأن يشكل هذا الجمع رافدا لأرشيف الفولكلور المصرى فى جانبه الموسيقى، وهو ما يتيح هذه المادة للباحثين والفنانين، بل ويسمح بطرح نماذج ممثلة لهذه الموسيقى لتكون فى متناول يد المستمع العادى، إذ إنه من المهم إدراك أهمية الاعتراف بوجود فروق بين الموسيقى المصرية فى مناطق مختلفة ثقافيا، وضرورة أن يتعرف المستمع على هذه الموسيقى، ولا تقتصر معرفته على الموسيقى الدارجة، أو موسيقى المنطقة التى ينتمى إليها فقط .

إن طرح هذه المادة الموسيقية الشعبية بشكل تجارى، ومن خلال مؤسسة ثقافية متخصصة، قد يمثل رافدا ماديا يمكن الاستفادة منه فى تطوير أدوات الجمع والبحث فى مراحل زمنية تالية، بقصد تحديث مادة أرشيف الموسيقى الشعبية المصرية، كما أنه من المهم الاشارة إلى ضرورة وجود موقع مختص بالموسيقى الشعبية المصرية بتجلياتها المختلفة على شبكة المعلومات الإلكترونية ( الإنترنت ) .

 

أطلس وأرشيف المأثورات الشعبية :

تمثل أطالس الفولكلور أداة علمية مهمة لعرض مختلف عناصر الثقافة الشعبية على خرائط توضح انتشار هذه العناصر على جغرافية الوطن .

ومما لاشك فيه أن تجربة أطلس المأثورات الشعبية المصرية، والذي جاء صدور الجزء الأول منه ( أطلس الخبز ) باعثا على الأمل فى ترقب أطالس أخرى، بينها أطالس للموسيقى الشعبية المصرية وآلاتها .

ومما لا شك فيه أن عمليات الجمع التى تمت، وتتم فى هذا الإطار سوف تشكل - أو يجب أن تشكل - نواة لأرشيف الموسيقى الشعبية المصرية، فى ثوب حضارى يتيح لها حضورا ضمن وسائط حديثة متعددة، صوتية ومرئية وفى سياق أدائها الطبيعى، ممثلة لكامل النسيج الثقافى لخارطة الوطن .

ويقودنا هذا بالضرورة إلى تكرار - لا نمله- وهو حتمية وجود أرشيف فلكلورى، يستوعب كافة عناصر المأثورات الشعبية، وفق المعطيات التكنولوجية التى تتيحها الوسائط المتعددة، على أن يراعى التحديث المنظم والمنتظم لهذه المواد، ويتم فرز هذه العناصر وتصنيفها، تصنيفا أوليا تمهيدا لتحليلها وفق النظرة التخصصية المراد تعميقها .

ويجب أن يتوافر عرض هذه المواد ليستفيد منها الباحث والفنان كل وفق احتياجه، ووفق الشروط والضوابط التى تحفظ للجماعة الشعبية حقوقها الأدبية والمادية، وبما يؤكد هوية هذه الثقافة دون اغفال للتعاون العلمى بين الجهات الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وعمل الخطط والبرامج التى من شأنها إعلاء قيمة هذه الثقافة، والاستفادة منها فى خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياحية والفنية ... الخ .

 

2 - المنهج أو الطريقة الواجب اتباعها لدراسة الموسيقى الشعبية :

إن هذا المنهج يقتضى فرز المادة الموسيقية وفقا لمناسبات أدائها، وموضوعاتها، والمنطقة التى تنتمى اليها، يلى ذلك التدوين الموسيقى، الذى نؤكد على أنه ليس أداة للحفظ ، ولكنه بالدرجة الأولى مجرد أداة بحثية تتيح التحليل الموسيقى لهذه المدونات، وصولا إلى الخصائص الموسيقية لهذه المواد الموسيقية الشعبية .

هذا جانب، أما الجانب الآخر - وهو لايقل أهمية- فيرتبط بدراسة هذه المادة الموسيقية فى اطار السياق والنسق الاجتماعى الذى تصدر عنه وتؤدى فيه وفقا للأبعاد الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والنفسية، مع الاستفادة من المنجزات الفكرية فى جانب النظريات التى تهتم بتفسير وتحليل الثقافة الشعبية، دون تعسف فى تطبيقها، فى محاولة لمعرفة القوانين التى تقف وراء آليات الأداء والتلقى والتقاليد المرتبطة بهما .

 

وظيفة الموسيقى :

الوظيفة هى الدور الذى يؤديه العنصر الثقافى أو النظام الاجتماعى فى تدعيم العلاقات الاجتماعية وثباتها واستمرارها، وكذلك مساعدة بقية النظم فى أداء عملها.

والوظيفة يؤديها عنصر ثقافى أو نظام إجتماعى، فى حين يؤدى الفرد دوراً إجتماعياً، والوظيفة فعل غير إرادى وغير مقصود أما الهدف فهو مقصــود وإرادى.

وعليه فحينما يكون هدف الأغانى هو التسرية أو الترويح تكون وظيفتها تقوية العلاقات وإزالة الاضطرابات والتوتر فى العلاقات الاجتماعية

وقد استقرت النظرية الوظيفية Functionalis ورسخت كنزعة علمية قوية على مسرح الدراسات الأنثروبولوجية، وأصبح مدلول كلمة الوظيفية يغطى فى وقت واحد الروابط القائمة بين العناصر الثقافية، وكذلك المساهمة التى يقدمها جزء من الثقافة إلى تلك الثقافة ككل  .

وقد اتسع مدلول الوظيفية عندما انتقلت إلى الفولكلور، فأصبح الفولكلور الوظيفى هو دراسة الفولكلور طبقا للمنهجين الوظيفى والسوسيولوجى « functional Folklore »

ويرى فان جنب « أن الفولكلور يدرس الوقائع فى تفاعلها مع البيئات التي تطورت فيها »، فى حين نظر«باسكوم» إلى الفنون القولية «Verbal Arts» على أنها التآلف الخلاق لمجتمع يقوم بوظائفه، وعلى " عناصر دينامية وليست استاتيكية، متكاملة وليست معزولة، ذات مركزية وليست ثانوية.

ويسوق« باسكوم » أربع وظائف للفلكلور هى:

- الترويح عن النفس .

- تثبيت القيم الثقافية .

- التعليم أو التلقين .

- التلاؤم مع أنماط السلوك .

ووفقا لما أورده باسكوم من وظائف للفولكلور والتى تشكل الموسيقى عنصرا أساسيا من مكوناته، فينبغى ألا ننظر إلى الوظيفة الأولى وهى الترويح على أنها التسرية والإمتاع ولاشىء آخر، ذلك أن الفولكلور يكشف عن محاولة الإنسان للهرب فى الخيال من ضغوط الحياة ، سواء كانت تلك الضغوط جنسية أو غير ذلك .

وأما وظيفة المأثورات الشعبية فى تثبيت القيم الأخلاقية والاجتماعية والاعتقادية فينطبق عليها ما قاله مالينوفسكى من أن وظيفة الأساطير هى أن تدعم التقاليد والمورثات وتضفى عليها قيما أكبر، ومكانة أرفع واسمى من الحقيقة .

أما وظيفة التعليم والتربية التى تؤديها المأثورات فهى أنها تلقن الجماعة الشعبية ما استقرت عليه تجربة الإنسان خلال أجيال، من التمييز بين ما يحقق الخير وما يجلب الشر، وتنبيه الإنسان إلى خصائص أشياء كثيرة يستعملها فى حياته، وتدريب ملكاته على أن تكتسب تلك المعارف اللازمة، والتى استخلصها الآباء والأجداد، كما أن المأثورات الشعبية تثقف الإنسان الأمي بثقافة مجتمعه فى كل ناحية تقريبا، وأما وظيفة المأثورات فى ملاءمة سلوك الإنسان فمعناها أن بعض هـذه المأثـورات، تشكل ضاغطـا أخلاقيـا، ووازعا سلوكيا، يحد من انحراف السلوك، والخروج على الأخلاق وتجاوز العرف .

وبالطبع فإن النهى والزجر والتوبيخ -وهى قوة الردع التى يتوسل بها العرف الاجتماعى - يقابلها الترغيب وإبراز القيم الفاضلة والقدوة الحسنة .

ويرى الباحثون الآخذون بمناهج علم الفولكلور أن الوظائف التى تؤديها المأثورات الشعبية أكثر تنويعا وأشد تركيبا، فالمأثور الواحد تتعدد وظائفه بحسب اختلاف مجالات استخدامه .

وللغة الموسيقية كثير من الوظائف البيولوجية، والسيكولوجية، والاجتماعية، نكتفى بذكر عشر منها فى ضوء ما ذكره عالم الأنثروبولوجى « آلان مريامA.Merriam »، وهى كما يلى :

1 - التعبير الانفعالي والعقلي: فالموسيقى وسيلة مهمة فى التعبير عن الانفعالات والتنفيس عنها، وكذلك التعبير عن الأفكار وتجسيدها .

2 - الاستمتاع الجمالي: فالخبرة الجمالية المصاحبة للموسيقى هي من أعمق الخبرات الجمالية الإنسانية .

3 - الترفيه: حيث يشيع استخدام الموسيقى للتسلية والمتعة فى العديد من المجتمعات الإنسانية.

4 -التواصل أو التخاطب: وذلك باستخدام وسيلة أخرى غير اللغة للتخاطب ونقل الانفعالات داخل مجتمع بعينه، أو عبر المجتمعات الإنسانية .

5 - التمثيل الرمزى Symbolic Representation : حيث توجد بعض التعبيرات الرمزية فى النصوص المكتوبة للأغانى، وبعضها الآخر فى المعانى الثقافية للأصوات، وبعضها الثالث فى تلك الرمزية العميقة المرتبطة بالخبرة الإنسانية، وتستخدم الموسيقى للتعبير عن كل هذه الجوانب وتجسيدها .

6 - الاستجابة الجسدية : فاستخدام الموسيقى من أجل الرقص، ومن أجل مصاحبة بعض النشاطات الجسمية العديدة كالألعاب الرياضية مثلا هو أمرٌ شائع عبر العالم .

7 - لتأكيد الانصياع للمعايير الاجتماعية: حيث تستخدم الموسيقى فى بعض الثقافات مُصاحِبة لبعض التعليمات أو التحذيرات، لتأكيد معايير اجتماعية معينة .

8 - تستخدم الموسيقى بوصفها وسيلة للمساهمة فى استمرار الثقافة واستقرارها فقد تكون الموسيقى معبرة عن القيم الاجتماعية السائدة، وما يعترى هذه القيم من ثبات أو تغير أيضا .

9 - مساعدة المؤسسات الاجتماعية والدينية على أداء دورها، ويتجسد ذلك من خلال الاحتفالات الوطنية والمناسبات الدينية على نحو خاص .

10 - المساهمة فى تكامل المجتمع، فالموسيقى وسيلة مناسبة لتجميع الناس معا من أجل تحقيق هدف اجتماعى أو وطنى أو ثقافى معين .

وهناك وظائف أخرى للموسيقى، فهى تستخدم كخلفية صوتية فى المطارات والمطاعم ومحلات التسوق والمكاتب، وخلال الاسترخاء، أو مطالعة الدروس أو طهى الطعام، وفى عيادات بعض الأطباء، وغير ذلك من المواقع والمواقف.

 

الدراسة التطبيقية :

يرمي هذا البحث إلى تعريف القيم الثقافية التى تحملها نصوص بعض الأغانى الشعبية، حيث تحمل هذه النصوص مفاهيم المجتمع وتصوراته للنواحى الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والجمالية، وحيث تتيح المناسبة الموسيقية فرصاً لتحقيق العلاقات والأدوار والنظم الاجتماعية، ودعماً للقيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية .

ونسوق ضمن هذه الدراسة نماذج مختلفة تشمل أغانى مناسبات الزواج فى الثقافة الريفية، وكذلك فى الثقافة النوبية، كما نعرض لأغانى السمر فى منطقة قناة السويس، وماتنطق به هذه النصوص من دلالات تعبر عن ثقافة هذه المجتمعات .

حيث نشير إلى بعض التقاليد المرتبطة بأداء الغناء الفولكلورى فى جل أنواعه، كذلك نلقي الضوء على الوظائف التى تؤديها الأغنية الشعبية وفقا لما أورده «وليام باسكوم » من وظائف للفولكلور ،

 

أولا : تقاليد الأداء :

ثمة تقاليد، لا تخطئها ملاحظة الباحث المتمرس فى دراسة الموسيقى الشعبية المصرية، ومن هذه التقاليد ما يتعلق ببداية أو استهلال الأداء، حيث يتم ذكر الله والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، ونجد هذا التقليد حاضر أيضا فى استهلال الحكي « كان ياما كان ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام».

ولعل السير الشعبية خير مثال على حضور هذا التقليد، حيث يستهل شاعر السيرة الأداء بهذه الأبيات:

 

أول كلامي أذكر الله إله ع الخلق راضى

رفع السما من فوق علاه بإذنه هوه بسط الأراضى

وحلو النبى وحلو رجابيه لا ما هو بدر البدوره

ومن يوم جبرائيل رجا بيه من سابع سما فج نوره

صلى وسلم على اللى أودعته يامناه

وعاش النبى لم حلف يمين

 

وتأكيدا على رسوخ هذا التقليد نورد بعض الأمثلة من أغانى السمر فى منطقة قناة السويس، حيث تتخذ الجوابات وهى الأغانى الاستهلالية فى احتفالية الضمة من الصلاة على النبى موضوعا أساسيا لها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

 

يا قلب صلي

على المصطفى

نبي الرسالة

نبي الرسالة يا عينى وبحر الوفا

اللهم صـلى

اللهم صلى وسلم وبارك عليه.

وثمة نموذج آخر :

 

والصلاه ع النبى يا جمع صلي

الصلاه ع النبي

والله صلاة النبى مكسبي

يا رب حجه ونزور النبي

والله نزوره ونشاهد نوره

عم يا شيخ الـعرب يا سيد

والله تجمعنى على محبوبي

والله لو جانى محبوبي الليلة

والله لأعمله ع الصرة جنينه

والله وأقوله سلامات م الغيبة

قولوا يا دايم الله يا دايم

 

كما نجد هذا التقليد كذلك فى أغانى الأفراح الشعبية، وخاصة فى استهلال أغانى الزفة، والتى تؤدى تبادليا بين مغن منفرد وبين المجموعة، ومنها هذا النص:

 

صلي صلي ع النبى صلي

واللى ما يصلي أمه يهوديه أبوه أرمنلي .

 

ثانيا :وظيفة الأغنية الشعبية فى الأفراح :

يذهب البعض إلى أن النتائج الاجتماعية للنشاط الموسيقى تكتسب أهمية الموسيقى نفسها، فالنشاط الموسيقى هو الأساس لبناء شبكة من العلاقات الاجتماعية، ولعل من أظهر وظائف الأغنية هو الاحتفال بالزواج باعتباره الإشهار الفعلي على أهم رابطة اجتماعية إنسانية .

وقد حدد "ويليام باسكوم" - كما أشرنا سلفا - أربع وظائف للفولكلور ، طرحها على النحو التالى :

1 - الترويـــح

2 - إثبات شرعية الثقافة

3 - التربيــــة

 4 - الضبط الاجتماعى

وقد رأى " باسكوم " أنه لا يمكن الإنكار بأن التراث الشعبى أحد أشكال الترويح ، وبالتالى فإن الترويح هو إحدى وظائف الفولكلور الهامة، وإن كان ليس الوظيفة الوحيدة وإنما تكمن وراءه وظائف أخرى أكثر عمقاً، وهو ما يتجلى واضحا فى أغنيات الزواج وخصوصا فى أغانى مناسبة الدخلة حيث تفوح من نصوص أغانى تلك المناسبة رائحة الجنس، وما تحفل به هذه الليلة من ممارسات .

ومن اللافت أن أغانى مناسبة الدخلة تفوح برائحة جنسية نفاذة «وتتخطى حدود العرف الأخلاقى وتغرق فى الاهتمام بالناحية الجنسية ومظاهر الاشتهاء الجنسى العارم، فلا يكون ثمة مجال لإنكار الحقيقة الواقعة وهى أن الزواج فى المفهوم الشعبى استغراق فى اللذة على الأقل فى فترته الأولى»، وهو ما تفصح عنه نصوص الأغنيات الآتية، والتى تؤديها النساء سيدات وفتيات .

 

ع السرير الهيلا هوب

يا عروسة إدينى بوسه

يا عريس قلبى بيطب .

 

وكذلك هذه الأغنية :

 

الواد أبو طبنجة.. البوسة منه مانجة .

 

وأيضا :

 

يا حلاوة على قمع البامية

أمك تطبخ وأختك تطبخ

وأنا على حجرك نايمة

يا حلاوة على قمع الكوسة

أمك تطبخ وأختك تطبخ

وأنا على قد البوسه .

 

ولا يخلو هذا النمط من مشاركة الشباب، فيدلون بدلوهم، ولكن دون اختلاط بالنساء ومن أغانيهم :

يا هوه .. الوله أهوه

صاحب الفرح قلبه إنشرح

صاحب الفلوس يحضن ويبوس

 

وكذلك :

 

ع العجلة هيه

وخاطبها هيه

 بالفستان اللبنى

أول ما دخل دخل السرير أكلها الفطير وأتآكل على الله .. الخ .

 

وهكذا وإضافة إلى كون أغانى الأفراح ذات وظيفة ترويحية فإنها تحمل فى طياتها وظائف أخرى.

ويرى «باسكوم» أن الفولكلور يكشف عن هروب الإنسان- ولو واهماً- من الضغوط الجنسية والعقلية الواقعة عليه من المجتمع، وأيضا هروبه- ولو واهماً- من حدود بيئته الجغرافية ومن حدوده البيولوجية .

وبالنظر إلى ظاهرة الزواج عموماً وأغانى مناسبات الزواج بشكل خاص نجد أنها تلعب دوراً ترويحياً بما تجلبه من إدخال للسرور والبهجة إلى أهل وأقارب وجيران العروسين وذلك من خلال المشاركة سواء بالغناء أو الرقص أو الاستماع أو التواجد في سياق الظاهرة بمراحلها المختلفة وبما تحتويه الظاهرة من تزيين وغناء وموسيقى بل وحفاوة وكرماً يحوط به أهل الفرح مدعويهم .

ويبدو هذا واضحاً في النصوص التى تؤدى في مناسبات الزواج المختلفة ، فمثلا هذا النص الغنائى يدعو ويحـفـّز المشاركات للغناء .

 

دحنا اخواتها يا بنات غنولها

وهذا نص آخر يرحب بالضيوف:

يا مرحبا بضيوفنا اللى جونا ... حصلت لنا البركة وآنستونا

أما الوظيفة الثانية التى تناولها باسكوم فقد قصد بها الدور الذى يلعبه التراث في تأكيد ودعم الثقافة وضبط طقوس ونظم أولئك الذين يتداولون التراث، وتلعب الأغنية الشعبية دوراً هاماً في تدعيم ثقافة المجتمع وتبرير أنماط السلوك التى يحتفى بها أو يستنكرها وتدعوا إلى احترام تقاليده ومعتقداته وبنائه الاجتماعى بصفة عامة .

الوظيفة الثالثة التى يذكرها«باسكوم» هى التربية وخاصة في المجتمعات الأمية. ونجد في أغانى الزواج أموراً عدة ترتبط بالتربية حيث تحث الأغانى الزوجات على احترام العريس والحث على مكارم الأخلاق وضرورة العمل بشكل إيجابى في الحياة الجديدة التى تدخلها العروس. كما تهتم الأغانى بإعداد البنات وتهيئتهم للزواج ، وتقوم الأغانى في المجتمعات الشعبية بدور كبير في تعليم أفراد المجتمع وتهذيبهم.

فهناك الأغانى التى تقال للأطفال لتعليمهم المشى وهدهدتهم وبعث السرور إلى نفوسهم وترقيصهم، ويستخدم الأطفال هذه الأغانى في ألعابهم ولتنظيم حركتهم ولإختيار من يقع عليه الدور في اللعب أو في البحث عن رفاق اللعب«لعبة الاستغماية مثلاً».

وأخيراً يأتى دور التراث الشعبى في الضبط الاجتماعى وهى الوظيفة الرابعة التى حددها «باسكوم» والتى أشار إلى اتصالها بالوظيفتين السابقتين - إثبات شرعية الثقافة والتربية - إلا أنها تختلف عنهما ليس فقط في كونها موجهة إلى البالغين وكبار السن ولكن لكونها تعمل ضد الأفراد الذين ينحرفون عن الأوضاع المألوفة.

ويشير باسكوم إلى اختلاف وظيفة كل من الأسطورة والرواية والمثل والفزورة والأغنية ومختلف عناصر التراث الأخرى مما يدعو إلى دراسة كل منها على حدة .

ومثال ذلك فالأغنية تنقسم إلى أغان للحب وأخرى للحرب وأغانى عمل وغير ذلك ، بل أننا نجد من خلال دراستنا لأغانى الزواج اختلاف وظيفة الأغانى باختلاف المناسبة التى تصاحبها في سياق الظاهرة الواحدة. فأغانى الخطبة غير أغانى الشبكة غير أغانى عقد القران غير أغانى نقل الجهاز غير أغانى الدخلة والزفة والصباحية ، ونلمح فى كل منها ملامح خاصة تميزها عن الأخرى فى الشكل والوظيفة.

إن الوظائف السابق ذكرها يمكن أن توضع في إطار وظيفة واحدة هى المحافظة على ثبات الثقافة واستقرارها ورسوخها وتعميقها في نفس الأفراد، فالأغانى تقوم داخل المجتمع على ضمان اتساق الأفراد وتناغمهم مع البناء الثقافى للمجتمع وضمان استمرار المحافظة على هذا البناء جيلاً بعد جيل من خلال الدور الذى تقوم به في التعلم والتوجيه والمقدرة على تقديم صورة حقيقية لهذا البناء الثقافى.

وهكذا تؤدى أغانى الزواج دوراً وظيفياً بما تحتويه من عناصر ثقافية يتمثل فى :

- إضفاء جانب جمالى يخلع على المناسبة جواً من البهجة والسرور ويشارك فى تكوين وترسيخ الحس الفنى للجماعة، فالمناسبة الاحتفالية تمثل مناخاً مناسباً لانتقال المادة الفنية الغنائية من جيل إلى جيل مشافهة وذلك من خلال المشاركة فى الأداء، كما أنها تؤكد على قيم فنية بعينها من خلال الشكل الموسيقى الذى تتبناه وهو شكل يؤكد على جماعية الأداء وانصهار الجماعة فى بوتقة واحدة.

-تأصيل وإبراز قيم المجتمع وذلك برسم النموذج الذى تتبناه الجماعة فيما يتعلق بصفات الحسن المثالية التى تحتفل بها، وكذا الصفات الخلقية التى يتصف بها هذا النموذج .

ويلعب البعد الاقتصادى دوراً بارزاً فى شكل الظاهرة فى جوانبها الاحتفالية حيث تميل الطبقات الغنية إلى اجتذاب فرق وفنانين من المدينة من ذوى الشهرة الإعلامية مما يؤثر فى تغير الشكل الاحتفالى للظاهرة ويسهم فى إدخال عناصر جديدة كما أن نقل الاحتفالية من القرى إلى الأندية وصالات الأفراح فى المدينة له أثر سلبى فى نماء الأغنية الشعبية حيث يتقلص دور الجماعة الشعبية وينحصر فى دور المتلقى السلبى فى حين نجد أن إقامة الاحتفالية فى القرية يسهم فى اضطلاع الجماعة بدورها الأدائى وهو ما يسهم بشكل فعال فى إثراء المادة الإبداعية وانتقالها من جيل إلى جيل. ويتضح البعد الطبقى بشكل أكثر وضوحاً فى جانب العادات والتقاليد وذلك من حيث التكاليف المادية فيما يتعلق بجهاز العروس كمّا ونوعاً. وكذا قيمة النقوط الذى يقدم للعروسين وما يقام من زينات وولائم.

وتفصح نصوص الأغانى على أهمية البعد الاقتصادى فى عملية الزواج ومن هذه النصوص:

 

ما خدتها يا للى إنت قد شراها

حط الألف وخدها .. روّح يا أبو مية

كذلك تبرز نصوص الأغانى أهمية الوضع الاجتماعى وتركز عليه وهو ما يتضح فى هذه النصوص:

 

أوعى له يا بت أوعى له .. الظابط يبقى عديله

أوعى لها يا واد أوعى لها .. دا العمدة يبقى خالها ..... الخ

 

أغانى الحنة فى النوبة :

وثمة أغنيات للزواج فى المجتمع النوبى ارتبطت بمناسبة « ليلتى الحنة والدخلة » حيث يتم تخضيب كل من العريس والعروس بالحناء، وقد كانت الاحتفالية بمثابة مراسم لنقل الملكية للعريس، حيث تخضع هذه الأغانى إلى تقاليد صارمة فى الأداء، فلا يتصدى لأدائها إلا السيدات كبار السن ممن يحفظن نصوص مجموعات تلك الأغنيات، ويكن على علم ودراية بحدود وأملاك العائلات وأنسابها، ويسمح فى هذا النوع دون غيرة من الغناء بالمقاطعة لتصحيح خطأ فى المعلومات قد يقع ممن يقمن بالغناء، وينفرد هذا النوع من الغناء- دون باقى أنواع الغناء النوبى - بعدم مصاحبة آلات موسيقية أو تصفيق له، كما أن الزغاريد التى تنطلق بين حين وحين لها دلالات محددة، فهى تنطلق من أحد الموجودات عند ورود اسم أحد الأشخاص فى الغناء كنوع من التحية والاحتفاء، أما عندما تقوم المغنية ذاتها بأداء الزغرودة فهذا إيذان بانتهاء غنائها وانتقاله إلى واحدة أخرى.

وقد كانت أغانى تخضيب العروسين ونحر الذبائح نمط مهم ومتميز من أنماط الغناء النوبى، ينفرد بأدء وظيفة اجتماعية مهمة ومحددة، وهى نقل الملكية للعريس من قبل أقاربه وقريباته على سبيل الهبة، وكان يتخصص بأداء هذا النوع من الغناء السيدات كبار السن ممن لهن علم بحدود العائلات وأملاكها وأنسابها، إلا أن التهجير قد أفرغ تلك الأغنيات من وظيفتها ومضمونها، وأصبحت الآن مجرد شكل من أشكال السجال الغنائى، لايلتزم فيه بحدود المناسبة، وتؤديه من تتوسم فى نفسها حلاوة الصوت، دون علم لها بأنساب أوحدود أو أملاك .

 

أغانى ليلة الحنة فى الثقافة الريفية المصرية :

وتحفل مناسبة الحنة بالكثير من الأغنيات والعادات التى تحمل قيم الثقافة الريفية المصرية، ومن هذه العادات (النقطة) أو (النقوط)، وهى عادة مرعية فى حفلات الزواج، وهى تثبت أصالة العادات والتقاليد وتكاملها لأن لفظ النقطة كان يدل قديماً على أول نقطة ماء تنزل من الأمطار ثم أصبح لها معنى آخر هو المال الذى يمنح على سبيل الهبة للعروسين أو المغنيات والراقصات.

وكانت العادة أن يوضع منديل فى حجر العروس ويضع المدعون بعض الهبات فيه كل على قدر استطاعته. والنقطة ليست مجرد هبة نقدية ،فقد جرت العادة على أن تسجَل أسماء الأفراد وقيمة ما يقومون بدفعه حتى تتاح مناسبة مماثلة لردها، ولا تزال هذه العادة قائمة حتى الآن فى الريف المصرى .

ومن أغانى هذه المناسبة، ما يعبر عن انشغال العريس، وذهابه إلى المدن القريبة لإستكمال ما تبقى من حاجياته، ولعل هذه الأغنية تعبر عن هذا المعنى :

 

ناقش كفه يا اخوانه

ناقش كفه فى الحنة

ولقيته رايح الزقازيق ولقيته جاى من الزقازيق

والجزمة بتزيّق زيق حددته لم بل الريـــق

رد حمام البنى يغنـى ناقش كفه يا اخوانــه

ناقش كفه فى الحنة

وعريسنا رايح دمياط وعريسنا جاى من دمياط

حددته لم قال سلامات رد حمام البنى يغنــى

ناقش كفه يا اخوانـه

ناقش كفه فى الحنـة .

 

وتمثل ليلة الحنة ليلة الاستعداد والتمهيد لليلة الكبيرة وهى ما يقصد به ليلة الدخلة، حيث تزف العروس إلى عريسها، وتعمد أغانى ليلة الحنة إلى إثارة مخيلة العريس بما سوف يستأثر به من متع فى تلك الليلة، وهو ما تتحدث عنه هذه الأغنية :

 

يا ليلة الحنة يا ليلة العيد

يا ليلة إن بات يقلب فى النهود البيض

ويقولّها يا شمعتى ما تنطفيش قيدى

يا ليلة الحنة يا ليلة العيد

 

وهكذا فالموسيقى الشعبية تمثل نصاً ثقافياً كاشفاً لما يعتمل فى فكر ووجدان المجتمع وما قد يعتريه من تغيرات، فهى نشاط انسانى أصيل ضارب فى القدم، يصاحب الانسان فى شتى مراحل حياته ومناحيها، والأغنية الشعبية مرآة للثقافة تحمل فى طيات نصوصها الاتجاهات الراسخة والمعبرة عن رؤى المجتمع التى تصدر عنه وعاداته وتقاليده، والنموذج المثالى الذى يتطلع إليه هذا المجتمع في كافة مناحى الحياة، وهى بما تحمله من بساطة فى الأداء والتعبير تكسر الحاجز المصطنع بين المؤدى والمتلقى، لتجعل منها بوتقة ينصهر فيها ويصدر عنها في آن واحد ما تجيش به مشاعر المجتمع، وما يعتمل فى عقله من أفكار وتصورات ومعتقدات .

وهكذا تصدق المقولة الشهيرة أنك إذا أردت أن تعرف شعباً فاستمع إلى أغانيه وموسيقاه.

 

 

الهوامش

1 - انظر: أرثر أيزا برجر، النقد الثقافى: تمهيد مبدئى للمفاهيم الرئيسية، ترجمة وفاء إبراهيم، ورمضان بسطاويسى، المشروع القومى للترجمة، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2003. وانظر أيضاً إنجيلا ماكروبى: مابعد الحداثة والثقافة الشعبية، ترجمة منى سلام، مراجعة محمد الجوهرى، مجلة الفن المعاصر، ع1، صيف 2000، ص ص 155-170. وانظر أيضاً مايك فيذرستون، ثقافة العولمة: القومية والعولمة والحداثة، ترجمة عبدالوهاب علوب، المشروع القومى للترجمة، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000.

2 - عبدالله إبراهيم، النقد الثقافى مطارحات فى النظرية والمنهج والتطبيق، مجلة فصول، ع 634، شتاء ربيع 2006، ص 192.

3 - Umberto Eco, A Theory of Semiotics, Bloomington, Indiana University Press, 1976, P. 71.

4 - لسان العرب لابن منظور، مادة: سَمَر.

5 - نعوم بك شقير، تاريخ سيناء، ط2، القاهرة: دار الكتب والوثائق المصرية، 2005، ص ص 344-351.

6 - حاتم عبدالهادى، الشعر النبطى: ملامح الشعر فى بادية سيناء، الهيئة العامة لقصور الثقافة، إقليم القناة وسيناء الثقافى، 2000، ص 23.

7 - يذهب سمير جابر فى دراسته للرقص الشعبى لدى بدو الشرقية إلى القول: "يشمل سامر عرب الشرق ثلاثة أجزاء، شأنه فى هذا شأن السامر عند عرب الغرب أيضاً وهى: البوشان - الريدة - الدحية. وقد يستمر إلقاء البوشان نصف ساعة أو أكثر ويعد نموذجاً أفضل لكيفية التجمع للسامر حتى إذا تجمع الرجال وتم اصطفافهم، وانتظم ترتيبهم، يبدأ البديع بجزء الريدة وأحياناً يسمونه الريدية أى ما يريدونه أو يرغبون فيه، وفى هذا الجزء الثانى من السامر، يبدأ الرجال بدق الكف والرد على البديع (رايحين نجول الريدة)". انظر سمير جابر، أطلس الرقصات الشعبية المصرية، المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، ج1، ط1، 2006، ص 111.

8 - تقول نهلة إمام إن بعض الإخباريين فى منطقة بئر العبد فى شمال سيناء أخبروها "أن بعض الموسرين يمكن أن يؤجروا بداعاً لإحياء أعراس أبنائهم، وعموماً فإن كثيرين من أفراد القبيلة لديهم القدرة على قول البديع لأنهم يرددون ما يحفظونه من الشعر الشعبى مع حرية التصرف فيه بالتعبير من حذف وإضافة، حيث يسقط الراوى حالته النفسية أو قصته الغرامية على أشعاره". انظر نهلة إمام، عادات وتقاليد الزواج لدى قبيلة الدواغرة فى محافظة شمال سيناء، رسالة ماجستير غير منشورة، المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، القاهرة، 1993، ص 231.

9 - سجل النص فى سامر أقيم بضواحى الشيخ زويد بتاريخ 29 أغسطس 2006، وكان يقود الغناء عادل موسى البطينى من قبيلة المعازة مقيم بالشيخ زويد.

10 - وقد تدلنا هذه العبارة على النظام الاجتماعى الذى كان سائداً بين القبائل فى سيناء وهو نظام الأحلاف، بمعنى أن القبيلة الأقل عدداً وأقل قدرة على حماية ربوعها تدخل فى حلف مع قبيلة أقوى لحمايتها والذود عنها. انظر أحمد أبوزيد، النظام السياسى التقليدى (فى): الإنسان والمجتمع والثقافة فى شمال سيناء، إشراف أحمد أبوزيد، تحرير تغريد شرارة، القاهرة، ج1، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، 1991، ص ص 190-191 ومواضع أخرى متفرقة.

11 - فاروق أحمد مصطفى، التعبير بالحركة والفنون الشعبية: دراسة مقارنة، مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1996، ص 13.

12 - سيرد تفصيل الحديث عن بعض أشعار العليادى أو على دلعونا فى موضع لاحق فى هذه الدراسة.

13 - فاروق أحمد مصطفى، مرجع سابق، ص 13.

14 - يشير محمد بكر البوحى إلى أن الدلعونا فى فلسطين يمكن أن تؤدى بطريقة منفردة أثناء العمل أو فى طريق العودة منه، أو يتغنى بها الأفراد والجماعة، دون عزف، فترد عليه الجماعة بلازمة معينة، هى عبارة عن نصف بيت من الدلعونا. وتستطيع النساء أداء هذه الأغنية على أنغام الدلعونا وإيقاع الطبلة، دون مشاركة الرجال. لمزيد من التفاصيل انظر محمد بكر البوحى، جهود عبداللطيف البرغوثى فى جمع وتحليل الأدب الشعبى فى فلسطين، مؤتمر المأثورات الشعبية فى 100 عام، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ج2، 2002، ص ص 298-300.

15 - سجل النص من سامر أقيم بالشيخ زويد فى أغسطس عام 2006.

16 - هذا المقتطف من مقابلة أجريت معه فى مدينة الشيخ زويد بتاريخ 26/8/2006.

17 - محمد بكر البوحى، جهود عبداللطيف البرغوثى فى جمع وتحليل الأدب الشعبى فى فلسطين، مرجع سابق، ص 298.

18 - محمد بكر البوحى، المرجع السابق، ص 301.

19 - ب.أ. أوسبنسكى، ن.ف. إيفانوف. نظريات حول الدراسة السيميوطيقية للثقافات مطبقة على النصوص السلافية، ترجمة نصر حامد أبوزيد، فى: مدخل إلى السيميوطيقا، إشراف سيزا قاسم، ونصر حامد أبوزيد، دار إلياس العصرية، القاهرة، 1986، ص 323.

20 - يذكر بعض الرواة من الشيخ زويد أن الحاشى كانت تحمل سيفاً عند دخولها ساحة السامر، وكأنها كانت تدافع عن نفسها تجاه الرجال الذين يحاولون مشاكستها وخطف عباءتها أثناء الرقص، وتحول حمل السيف إلى العصا فى العقود الأخيرة. وقد ذكر سمير جابر فى كتابه أطلس الرقصات الشعبية المصرية (2006) أن الحاشى لدى عرب الشرق فى محافظة الشرقية تحمل العصا وأن هذه الرقصة لازالت تؤدى بالسيف بالموصل بالعراق، وأن الحاشى خلال دفاعها ضد من يحاول خطف عباءتها ممكن أن تصيبه إصابة بالغة، وأنه شاهد هذه الرقصة بالعراق أثناء زيارته لها مع الفرقة القومية للرقص عام 1968. انظر سمير جابر، أطلس الرقصات الشعبية المصرية، مرجع سابق، ص ص 113-114.

21 - انظر سمير جابر، المرجع السابق، ص ص 116-118.

22 - يتدرج الغزل بين البداعين فيصل إلى ذروته فى المباراة الشعرية والرقص بين البداعين والحاشى، مما يظهر فى وصف نعوم شقير: قال البداع فى رقص الدحية مغازلاً الحاشى:

 

يا عيونها اللى بدت لـى

يا شبه غدير الصفيـه

يا قرونها اللى بدت لى

يا حبال البيت العوديه

يا خشيمها اللى بدا لى

يا ضيق الخاتم وشويـه

يا نهيدها اللى بدا لـى

بيض الحمام الرقديـه

يا صليبها اللى بدا لى

فتله حرير ومطويــه

يا ساقها اللى بدا لــى

يلمع لميع الشبريـه

 

 

 

23 - نعوم بك شقير، تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها، دار الكتب والوثائق القومية، ط1، 2005، ص ص 348-349. وتذكرنا هذه المباراة بالوظيفة التى يلعبها السامر لدى البدو عموماً فقد ذكر أحد الإخباريين تأكيداً لما ورد بدراسة أنثروبولوجية لمجتمع شمال سيناء من أنه كانت هناك مواسم للقاءات بين الشباب فى الماضى. وهى الأيام الأخيرة من شهر رمضان حيث يعقد السامر ويتجمع الشباب للغناء والفتيات للرقص، وقد يتردد بعض الكبار للفرجة. ويستمر السامر حتى أول أيام العيد، حيث تتوجه الفتيات بعد صلاة العيد إلى إحدى المناطق المتفق عليها ويأخذن فى الغناء ويتبعهم الشباب، ولكن كل فريق يجلس بعيداً عن الآخر ويظلون هكذا حتى الغروب، وتتم الاحتفالات فى منطقة وسطى بين القرى فى منطقة فسيحة خضراء بها بعض الأشجار، ويجلسن فى مجموعات كل منها مكونة من خمس فتيات تظللهن عباءة سوداء تغنى كل واحدة منهن وتردد الباقيات خلفها، وهكذا يتعارف الشباب والفتيات. انظر: إلهام عفيفى، التعبير عن العواطف وأثره فى التماسك الاجتماعى، (فى): الإنسان والمجتمع والثقافة فى شمال سيناء، إشراف أحمد أبوزيد، تحرير: تغريد شرارة، القاهرة، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ط1، 1991، ص ص 261-261.

24 - فاروق أحمد مصطفى، التعبير الحركى الشعبى وعلاقته بالفنون الشعبية الأخرى، مج الفنون الشعبية، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ع42 (يناير-مارس 1994)، ص 86.

25 -  المرجع السابق، نفس الصفحة.

26 - ب.إ. أوسبنسكى وآخرون، نظريات حول الدراسة السيميوطيقية للثقافات مطبقة على النصوص السلافية، ترجمة: نصر حامد أبوزيد، فى: أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة، دار إلياس العصرية، القاهرة، 1986، ص 323.

27-  Grimas, Semiotique, Dictionnaire Raisonne de la Theorie du Langage Len Collcnoration Avec J Courtes, Paris, 1979.

وانظر أيضاً:

Todorove, Tzvetan and Oswald Ducrat, Encyclopedic Dictionary of the Sciences of Language, 1979.

28 -  نهلة عبدالله إمام، عادات وتقاليد الزواج لدى قبيلة الدواغرة، 1993، ص 230 وما بعدها.

29 -  المرجع السابق، ص ص 229-231.

30 - المرجع السابق، ص 231.

31 - المرجع نفسه، ص 248.

32 - فاروق أحمد مصطفى، التعبير بالحركة والفنون الشعبية، المرجع السابق، ص 10.

33 - المرجع السابق، ص 11.

34 - سجل النص فى سامر أقيم بضواحى - الشيخ زويد بقيادة عادل موسى البطينى فى 29 أغسطس 2006.

35 - مما تجدر الإشارة إليه أن سائقى سيارات الأجرة بين العريش والقاهرة أو الإسماعيلية قد اعتادوا اقتناء شرائط تسجيل لأغانى المغنين البدويين وأغان شائعة لمطربين من الأردن وفلسطين ولبنان.

36 - بول زومتور، ترجمة: وليد الخشاب، مدخل إلى الشعر الشفاهى، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 1999، ص 251.

37 - يقول حميد إبراهيم فى إحدى المقابلات "إحنا قبائل من أهل الصحراء، ويمكن تطور عندى نوع الفولكلور فى الأول من السامر فى السهرات، وكنت أسمع البدع والرزع والمربوعة وهى مسميات عندنا. البدع طريقة والرزع طريقة والمربوعة طريقة، عندك البدع بيقول اعطونا الخمسة من إيديكم والخمسة زواج الدحية رايحين نقول الريده. وللرزع له طريقة وده بداية التجمع بعدها الصفوف تتدارك، صف رجال وأمامه الحاشية (الفتاة التى ترقص)، وتتعمل مجاميع نساء قاعدة والشباب قاعد. والسامر فى الليل، فتلاقى الأطفال تستمع للكبار ويعملوا لهم صف ويقلدوهم". راجع الفقرة الخاصة بالأنماط الشعرية فى السامر.

38 - من مقابلة مع حميد إبراهيم أجراها معه محمد رضا الشينى الباحث بأطلس الفولكلور المصرى فى يوليو 2003.

39 - وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى طبيعة فرق الغناء الشعبى التى ترعاها الثقافة الجماهيرية والتى تعد برنامجها لتشارك به فى المسابقات. وكثيراً ما يحاول القائمون عليها تطوير الأغانى التى تؤديها الفرقة من مغنين تلقائيين. ويشار هنا إلى تجربة قام بها المخرج عاطف عبدالحميد المشرف على فرقة الرقص الشعبى فى العريش، فقد قام بالإشراف على فرقتى رفح والشيخ زويد التلقائية، ولجأ إلى جمع الأغانى التراثية التى تحفظها النسوة فى المنطقة، وحاول تعديل بعضها لتلائم العرض على المسرح؛ لأنه رأى أنها لو قدمت بلهجتها البدوية المحلية فى المناسبات التى تشارك فيها الفرقة، فإن المتلقين من غير أبناء المنطقة سيكون من الصعب عليهم فهمها. ولمزيد من التفاصيل حول فرق الغناء الشعبى انظر: إبراهيم عبدالحافظ، الفنون الأدبية الشعبية: دراسة فى ديناميات التغير، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ط1، 2004، وبخاصة الفصل الثالث.

40 - مسلم سلمى الحوص من مقابلة أجراها معه محمد رضا الشينى، يوليو 2003.

41 - من مقابلة مع عادل موسى البطينى فى مدينة الشيخ زويد، أغسطس 2006.

42 - من مقابلة مع مسلم سلمى الحوص أجراها معه الباحث محمد رضا الشينى بمدينة العريش، يوليو 2003.

43 - بول زمتور، مدخل إلى الشعر الشفاهى، مرجع سابق، ص 240.

44 - للوقوف على آليات إعادة الإنتاج راجع مقالنا: إعادة إنتاج المأثورات الأدبية الشعبية المنشور فى مجلة الفنون الشعبية، ع 68، 69 (يناير - فبراير - مارس 2006)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص ص 21-54.

45 - من مقابلة مع حميد إبراهيم بمدينة العريش أكتوبر 2006.

46 - السيد حامد، الكتابة الإثنوجرافية: دراسة فى اللفظ والمعنى، مجلة الفنون الشعبية، ع (70)، الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية والهيئة العامة للكتاب (أبريل - مايو - يونيه 2006)، ص66.

47 - بول زومتور، المرجع السابق، ص 249. وانظر أيضاً:

- Ruth Finnegan, Oral Poetry: Its Nature, Significance and Social Context, Cambridge, 1977, P. 135.

48 - يتغنى بعض المؤدين الشعبيين فى المنطقة بأغنية مشهورة للمغنية الأردنية سميرة توفيق:

 

والله تصبوا ها الجهوه

وزيدوها هيل

واسجوها للنشامى

ع ظهور الخيل

جهوتنا أول بادى

للأجوادى

ياللى ناره وجادى فى ظلام الليل

..................... إلخ

 

49 - سجل النص من عادل موسى البطينى، أغسطس 2006.

50 - سبقت الإشارة إلى ما أورده فاروق مصطفى من وجود التأثيرات من الأغانى المصرية غير البدوية فى الأغانى العريشية الشعبية ومن نماذجها أغنية الغزال:

 

كان عندى غزال

كفه محنى

وعيونه سوده

وعسليه

سهانى يا ناس

وهرب منى

خاين يا غزال

حسنك جتال

 

 

انظر: فاروق أحمد مصطفى، مرجع سابق، ص 10.

51 - سجل النص من عادل موسى البطينى بالشيخ زويد، أغسطس 2006.

 

أعداد المجلة