فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
30

الفضائيات وتأثيرها في الثقافة الشعبية

العدد 30 - آفاق
الفضائيات وتأثيرها في  الثقافة الشعبية
كاتبة من لبنان

تمهيد:
  الإعلام، في كل آن ومكان، سحرُ الكلمة وجاذبيتُها...وقْعُ النبأ وسطوتُهُ..إنه الشِّباك التي يصطاد بها قلوب المتلقِّين، مستحوذاً على عقولهم، متلاعباً بمشاعرهم، مخترقاً ثقافتهم، مؤثٌّراً فيها ومتأثٌّراً بها، في علاقةٍ جدليةٍ قديمةٍ، متجدٌّدة؛ ففي جاهلية العرب، مثلاً، كان الشاعر هو الناطق باسم قبيلته، ووسيلتها الإعلامية، يخبِّر أخبارها، ويفاخر بأمجادها، ويمدح عظماءها، ويهجو أعداءها، وكذلك هو الأمر في العصور الإسلامية اللاحقة، حيث الأدباء هم أمناء سرِّ الخلافة، وكتّاب دواوينها، ومحرّرو رسائلها، وصلة الوصل بينها وبين العالم الخارجي من حولها.

وبعد ذلك، وفي عصر النهضة، عصر الطباعة والصحافة والكتاب، كان الأدباء هم رجال الصحافة وكتّابها، من أحمد فارس الشدياق وجريدة الجوائب، إلى يعقوب صرّوف ومجلة المقتطف، إلى جرجي زيدان ومجلة الهلال، إلى أحمد عارف الزين ومجلة العرفان، إلى محمد علي الحوماني ومجلة العروبة... إلى غيرهم... وغيرهم... واللائحة تطول بالصحافيين الأدباء أو الأدباء الصحافيين الذين شكلوا الصوت الإعلامي البارز في تلك الحقبة من تاريخنا.

ويُقبل العصر الحديث، بمتغيراته ومستجداته وتقنياته، فتتغير وسائل الإعلام، وتتبدّل، بتغيّر الأحوال وتبدّلها، وتستجدُّ وسائل اتصال وإخبار وإعلام، لم تكن معروفة من قبل، بل إن الوسائل الإعلامية كانت، إلى عهد قريب، تقتصر على المكتوب والمسموع، المتمثلَيْنِ بالصحافة والمذياع اللذين شهدا تراجعاً في العقود الأخيرة، حيث إننا، اليوم، ونظراً للتطور السريع في عالم التكنولوجيا، والذي لم يعد جيلنا قادراً على مواكبته، أو اللحاق به، نشهد هيمنةً لشكل إعلامي جديد، يبهر القلوب والأبصار، ظهرت تباشيره عندنا، بعيد منتصف القرن الماضي، عنيت به التلفاز الذي لم يعد، هو الآخر، مقتصراً على القنوات الأرضية، بل حلّق عالياً، عبر قنوات فضائية، يتسارع انتشارها، وتتكاثر أعدادها بشكل لافت، لا نكاد نحصيه. ناهيك عن شبكة «الإنترنت»، وما أحدثته، إلى جانب الفضائيات، من تغيير؛ فضغطةُ زرٍّ واحدة تضع العالم بين يديك، وتحجّم مساحة الكون أمام ناظريك، جاعلةً من العالم قرية كونية مفتوحة للجميع.

وقد لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات، أفراداً وجماعات ومؤسسات، وما تخلّفه في  هم من آثار إيجابية حيناً، وسلبية، حيناً آخر. وبالتالي فإن الإحاطة بانعكاسات هذه الظاهرة، تقتضي عملاً واسعاً ومتشعباً، لا تتسع له ورقة عملٍ تُقدَّم في مؤتمر. لذا ارتأينا أن نحدّ من تشعباته، فنقصر حديثنا على وسيلة واحدة، هي القنوات الفضائية، راصدين تلك الانعكاسات رصداً ميدانياً، من خلال معايشتنا اليومية لها، في بلدنا الذي لا نظنه يختلف في هذا عن الأقطار العربية الأخرى، لما بينها من تشابهٍ في الظروف وفي القيم والعادات والتقاليد. سنتناول انعكاسات هذه الفضائيات على ثقافة شعوبنا التي لايمكنها أن تكون بمنأى عما يجري حولها من تطور على مستوى التقنيات والمكتشفات، ومنها وسائل الاتصال والإعلام، لا سيما بعد شيوع القنوات الفضائية وتزايدها تزايداً لا يوصف ولا يُحدّ، حتى لنستطيع القول بأنها لم تعد حكراً على طبقة الأغنياء والموسرين، بل أصبحت في متناول الجميع، تحتل كل بيت من بيوتنا، احتلالاً غير قهري ولا قسري، كما يوحي به مصطلح «الإحتلال»، إنما هو احتلال طوعي محبّب، يلقى منا كل إقبال وترحيب، ومن أجله ننفق ما نضنّ به على النفس والولد، من وقت ودعة ومال، دون دراية منا إن كان هذا الذي نستقدمه ونضحِّي من أجله، يحمل إلينا فائدة وخيراً ونفعاً، أم ضرراً وإساءة وشراً!

أجل! القنوات الفضائية تدخل بيوتنا وتتغلغل في ثقافة شعوبنا بلا رقيب أو حسيب، وبلا رخصة أو استئذان. على شاشاتها نفتح أعيننا عند الصباح، وعلى مشاهدها وبرامجها، نغمض أجفاننا في ساعات متأخرات من الليل. لا يهنأ لنا عيش، ولا يُستساغ لنا طعام أو شراب، إلا ونحن متربِّعون أمامها، كباراً وصغاراً، موظفين وعمالاً، أساتذة وطلاباً، مثقفين وغير مثقفين. سواء كنا في منازلنا أو في منازل الآخرين من الجيران والأقرباء والأصدقاء؛ وباختصار، فإنها تلاحقنا، أو نحن، بالأحرى، نلاحقها أينما حللنا أو حطت بنا الرحال!

إيجابيات
ومما لا شك فيه، أن هذه القنوات،  تحمل إلينا خيراً عميماً ونفعاً عظيماً، كنا نفتقر إليهما فيما مضى، من تيسير سبل الإتصال مع الآخر، والانفتاح على العوالم والشعوب والحضارات، وعلى المفاهيم والتقاليد والعادات، ومن تحقيق للتواصل والتعارف والتفاعل والتثاقف والتبادل الحضاري والمعرفي. إنها همزة الوصل بيننا وبين الأمم، تنقل إلينا أخبارهم وعلومهم ومعارفهم وتقنياتهم ومكتشفاتهم، وتمكننا من مواكبة مخترعاتهم ومستجدّاتهم في جميع مجالات الحياة.

ومما لا شك فيه أيضاً، أن الفضائيات تسهم إسهاماً كبيراً في بثّ الوعي وتوسيع المدارك وتفتيح الأذهان وتنوير العقول، من خلال ما تنقله إلينا من تجارب الأمم والشعوب، ومن خلال النوافذ التي تفتحها لنا على مختلف الأكوان والحضارات، وما تُطْلعنا عليه من ثقافات وعلوم ونظريات، ومما تحفل به   الشعوب وتقيمه من مناسبات ومهرجانات،اجتماعية وثقافية ورياضية وترفيهية، ومن خلال ما تقدّمه لنا من برامج وتحقيقات، ومن أفلام ومسلسلات، تعكس تقاليد الشعوب وعاداتها، ووجوهاً من معارفها وثقافاتها، ومفاهيمها ومعتقداتها، وآدابها وحضاراتها.

والإعلام هذا، هو الذي يعرّفك، من خلال برامجه التوثيقية أو غير التوثيقية، على مناطق كثيرة من العالم، وعلى أوجه العمران فيه، حيث يطوف بك من بلد إلى بلد، ومن موقع إلى موقع، ومن مَعْلم أثري إلى معلم، حتى يخيّل إليك أنك جبتَ العالم من مشرقه إلى مغربه، فيما أنت لم تجتز عتبة بيتك، بل لم تتزحزح من فراشك أو مقعدك! ناهيك عما تنبئك به هذه الآلة العجيبة (التلفاز)، من أخبار تلك الأمم والشعوب، وما تعاقب عليها من حركات وثورات، ومن صروف وحروب، وما أقيم، ويُقام على أرضها من ندوات ولقاءات، وقمم ومؤتمرات، وما حققته من ازدهار وتقدم وانتصارات، وما أصابها من كوارث وأعاصير ونكبات... وكل ما يخطر، وما لا يخطر، لك في بال... حتى تظن أنك ملكت أسرار الكون، ولم يبق هناك من زيادة لمستزيد! والفضل، كل الفضل، لهذه الشاشة الصغيرة التي يمكنها أن تحمل العالم إليك، بدل أن تحمل نفسك إلى العالم. وهنا يحضرني قول لصحافي لبناني في بدايات عصر النهضة، سئل عن مهنته، فقال إنه «مؤدّب»، أي «معلِّم»، ولما سأله أحد أصدقائه عن سبب قوله هذا، أجاب: «إنني لما رأيت الناس لا يرسلون أولادهم إلى المدرسة، أرسلت المدرسة إلى أولادهم.

ولا ننسى ما تقدمه الفضائيات للأسر وللأفراد من سبل تسلية وترفيه، من خلال ما تعرضه من أفلام ومسلسلات، من شتى الألوان والاتجاهات، وما تبثُّه من برامج وأحاديث ونشاطات ترويحاً عن النفس، وسدّاً للفراغ. ناهيك عمَّا تقدمه لهم من توجيهات وإرشادات، تنفعهم في أمورهم الاجتماعية والصحية والغذائية والسلوكية والقانونية والنفسية والتربوية، وما تخصصه في سبيل ذلك من برامج وندوات، ومن لقاءات وحوارات، ُيستقدَم إليها المختصون من أطباء وحقوقيين وعلماء نفس واجتماع، وكل من يملك القدرة على تقديم النصح والإرشاد والتوجيه... ناهيك عما تخصّ به أهل العلم والمعرفة، أياً كان شأنهم المعرفي أو موقعهم العلمي والأدبي، ببرامج علمية وأدبية، كتلك الأفلام العلمية والوثائقية، أو تلك البرامج الثقافية التي تقوم على شحذ الأذهان والعقول، واستحضار السؤال والجواب، وتخزين المعلومات وكيفية استخدامها والإفادة منها في ترويض العقل والمنطق على السرعة في حل مسألة رياضية أو عملية حسابية... أو ما شابهها من عمليات تحفّز المتلقين، على مختلف مستوياتهم، على البحث والتنقيب واكتشاف الطرق، مما يعود بالفائدة على الريّض والمتعلم في آن.

وقل الشيء نفسه حيال ما تعرضه الشاشات في السياسة والاجتماع من حوارات ومناظرات، تنمّي وعي أولئك المتلقين ولا سيما أبناء الطبقات الشعبية، وتوسّع مداركهم، وما تقوم به، في الفكر والأدب، من ندوات ولقاءات، ومقابلات، ومن تعريف بشخصيات أدبية وفكرية، تراثية ومعاصرة، واستعراض لبعض النصوص والمقتطفات، ومن تعريف بأنواع أدبية ومذاهب وتيارات فكرية، ومن مواكبة لمعارض أدبية وعلمية، مع إبراز الجديد من الإصدارات: دورياتٍ وكتباً ومصنّفات، وروايات ومسرحيات؛ وما تقدمه من أخبار متنوعة وتعليقات ومقتطفات وتحقيقات، كأنْ تعرفنا بأدباء وشعراء ومفكرين، قدماء ومعاصرين، مشهورين ومغمورين، أو أن تروّج لعلوم وآداب، لم تكن معروفة لدى المتلقين،  ... ناهيك عما تقوم به، في أحيان كثيرة، من تغطية لبعض أعمال المنتديات الفكرية واللقاءات والأمسيات، ولبعض معارض الكتب والمؤتمرات.

كما تُجرى على الشاشة أحياناً، مسابقات ومباريات، في الفكر والإبداع، ومساجلات في الأدب والشعر، مما يمنح المتلقي، إلى جانب التسلية والاستمتاع، غنىً في المعارف والمعلومات، وثراءً في المفردات والتعابير والمصطلحات، واكتساباً للعديد من الطرق والأساليب والمهارات، وانفتاحاً على بعض اللغات العالمية الحية، ولا سيما الانكليزية، لغة العولمة والتكنولوجيا، إضافة إلى اللغة العربية الفصحى التي بدأت مؤخراً تحظى ببعض اهتمام هذا الإعلام، ربما لأنه وجد نفسه ملزماً باعتمادها في بعض برامجه بعد شيوع الفضائيات العربية، وباختيار من يُحسن تقديم نشرات الأخبار، بلغة عربية سليمة، وباستقدام مراسلين يغطون الأحداث والقضايا الساخنة بلغة فصحى، وباستضافة شخصيات الى برامجه الحوارية والسياسية، يمكنها التحاور بهذه الفصحى، لئلا يستعصي عليهم التفاهم، فيصحّ فيهم قول أبي الطيب: «فما يُفهِمُ الحدَّاثَ إلا التراجمُ»... إلى غير ذلك من مكتسبات تعود بالنفع على المتلقين،حتى على ذوي المستويات الثقافية الدنيا، بل والأمّيين منهم الذين يتطوَّر مستوى خطابهم بفعل تأثيرهذا الإعلام، بحيث باتوا يستخدمون بعض التعابير والمصطلحات التي لا يُحسن استخدامها إلا أهل العلم والمعرفة... حتى لنكاد نقول بأن هذه الوسيلة الإعلامية باتت ضرورة لرفع مستوى الوعي لدى طبقاتنا الشعبية، ولبناء جسرتبادل ثقافي بيننا وبين ثقافات الشعوب الأخرى ، مما يُنتج غنىً معرفياً لنا، وتوسيعاً لمداركنا ولآفاق تطلعاتنا الفكرية والأدبية، وتنشيطاً لأذهاننا، بما يحدونا إلى الزيادة في إنتاجيتنا وفي النهوض بشعوبنا وتحسين مستواها الثقافي.

ولا يفوتنا التنويه بالأساليب والأشكال التي تتّبعها وسائل الإعلام هذه في تقديم ما ذكرناه، بهدف جذب المتلقين إلى شاشاتها، بحيث أن المعلومة تصل إليهم بطريقة حلوة وجذابة، عبر الصوت والصورة، حاملةً الكثير من اللذة والمتعة، ودون أية تكلفة أو عناء، مهما كان نوع هذه التكلفة مادياً أو معنوياً، إذ أنها تكفينا أحياناً، بفضل ما تقدمه إلينا من أفلام ومسرحيات، وما تنقله لنا من مهرجانات واحتفالات، مؤونة الذهاب الى سينما أو مسرح، أو حضور احتفال أو مهرجان، حيث الغاية تتحقق دون أن نبذل في سبيلها شيئاً ذا بال.

فضلاً عن أن تلقِّيها مع ما تحمله من معارف وثقافات، يحصل لنا عرَضاً دون قصد، إذ الغاية في غالب الأحيان، هي التسلية والترفيه، ليس إلا.

سلبيات
بيد أن ما أوردناه، وإن كان لا يحيط بكل ما لهذا الإعلام من منافع وإيجابيات، فإنه لا يغضي عن كثير من المساوئ والسلبيات التي تنجم عنه، والتي قد لا تظهر بشكل مباشر صريح، بل تنسلّ إلينا شيئاً فشيئاً، تاركة آثارها الضارة فينا وفي أبنائنا، وفي ثقافة شعوبنا وقيمنا، دون دراية منا بالسموم التي تنفثها أو الأخطار التي تحملها.

ولعلّ أولى هذه المساوئ والسلبيات تتمظهر خلخلةً في علاقاتنا المجتمعية وروابطنا الأسرية، كما تتجلى إفساداً في تربية ناشئتنا وفي سلوكيات طلبتنا، وحدّاً من قدراتهم المعرفية وإنتاجيتهم العلمية والفكرية في المعاهد العلمية والجامعات.

ففي ظل ما يشهده العلم من تحولات في مختلف المجالات، التي من أهمها، ربما، الثورة التكنولوجية الهائلة بإيجابياتها وسلبياتها، تُطرح تساؤلات عديدة عن مدى إيمان الشباب بأهمية الترابط الأسري، وجدوى الالتفاف حول العائلة، وتأتي القنوات الفضائية لتدقّ إسفينها الأول في بنية المجتمع، عاملةً على تفكيك الأواصر والروابط ما بين الأفراد والجماعات، مزعزعةً روح الإلفة والمودة التي تسود العلاقة بين الأهل والأقرباء والجيران والأصدقاء، مغيّرةً ما دأبوا عليه من تواصل ولقاءات وزيارات، اعتاد أهلنا وأبناؤنا القيام بها في المناسبات وفي غير المناسبات، حيث كانت تشكل جزءاً من حياتهم اليومية، وحيث لم يكن يهنأ للجار عيش، إذا لم يرَ جاره أو لم يتفقّده، وكان القريب أو الصديق يحسّ بعقدة الذنب ووخز الضمير إذا لم يطمئن على أحوال قريبه أو صديقه، ناهيك عن اللقاءات العائلية والسهرات الجماعية التي تلتئم بين الأقرباء والأصدقاء، وعن كل ما من شأنه أن يعزِّز روح الألفة والمحبة والصداقة، وأواصر القرابة والجماعة، وخصوصاً في القرى والأرياف التي لم تكن المدنية، ولا القنوات الفضائية، قد دخلتاها وأفسدتاها بعد.

أما اليوم، وبفضل إعلامنا الفضائي هذا، وهو ليس فضلاً في كل حال، فقد حلّ بين الناس بعدٌ وجفاء، أو قُلْ، قطيعة وهجران، حيث لم يعد الصديق يجد وقتاً يلتقي فيه صديقه، فيستعيض عن ذلك بمكالمة هاتفية، أو رسالة الكترونية، سواء كان ذلك لتهنئة أو لتعزية، أو لأي أمر من الأمور. والشيء نفسه، يحصل مع الجار الذي لم يعد يحسّ بوجود جاره الذي يشاركه المبنى السكني نفسه، اللهم إلا إذا اصطدم به مصادفةً على سلّم المبنى، أو أمام المصعد الكهربائي، حيث يحصل لوم وعتاب، وادِّعاء لشوق مزعوم، فيعتذر الواحد منهما للآخر، متذرَّعاً بكثرة المشاغل وضيق الوقت، وهو اعتذار أقبح من ذنب! وقد يزداد هذا الذنب قبحاً حين ينسى المرء أهله، وأقرب المقرّبين إليه، بل قد ينسى، لطول البعد والغياب، أن له أقرباء ينبغي زيارتهم، لا مكالمتهم عبر الهاتف أو الرسائل الخلوية أو البريد الإلكتروني، عملاً بما أوصانا به الرسل والأولياء من تواصلٍ وتزاورٍ وصلة رحم، لأن الصلة ينبغي أن تكون صلة أرحام، لا صلة أرقام!

أجل! لقد أفقدتنا تلك الوسائل، بما تيسره لنا من نقل للوقائع والمناسبات العامة، الإجتماعية منها والسياسية، الثقافية والدينية، كافيةً إيَّانا مؤونة حضور تلك المناسبات، روح الإلفة والجماعة التي هي غاية من غايات قيامها، بل أفقدتنا الشعور بأننا لسنا كائنات منعزلة على وجه الأرض.

هذا التأثير السيء لمظاهر العولمة، ينعكس لدى هؤلاء، على كل سلوكيات حياتهم، إنْ في منازلهم التي تفتر فيها العلاقات بين الأفراد، حيث كل واحد منهم مشغول عن الآخر بما يشاهده على الشاشة... أو في أعمالهم ووظائفهم التي يباشرونها ببرودة وكسل؛ بعد أن أضناهم السهر الطويل أمام شبكة «الإنترنيت» أو الفضائيات التي تصل الليل بالنهار، وهي تعرض مختلف المشاهد والبرامج والأفلام التي يكثر فيها الغثّ ويقلّ السمين، فتجذبهم بإغراءاتها المتنوعة، وتقضم ساعات نومهم وراحتهم، وغالباً ما تلاحقهم إلى أماكن عملهم، حيث يعيدون إنتاجها مما خزّنته ذاكرتهم ومخيّلتهم، لتكون محور أحاديثهم وتعليقاتهم، مع زملائهم أو مع المحيطين بهم.

ولا يتوقف خطر هذا الإعلام المرئي عند حدود البنية الاجتماعية بشكلها العام، إنما ينفذ إلى أخص مكوناتها، وأهم دعائمها، عنيتُ بذلك الأسرة التي هي عماد المجتمع وركيزته الأولى، والتي يطالها من شرّ ذلك ما لا يطال المكونات الأخرى.

فهذا الجهاز الساحر الجذاب هو المفرّق لأفراد الأسرة، وإن كان هو الجامع الشكلي لشملها في إحدى غرف المنزل، حيث يزدحم الأهل والأبناء، مهما كبر عددهم أو صغر، «والمورد العذب كثير الزحام»! كما يقول أديبنا اللبناني مارون عبود! أليس التلفاز هو الذي يجمع بينهم، حيث لم تعد هناك مشاعر تجمع... مشاعر أبوّة أو أمومة... أو أخوّة..؟ مشاعر بدأت تفقد حرارتها في نفوس أبناء الأم الواحدة والأب الواحد؟!

هذه الغرفة، المسكونة بجهاز يستحوذ على النفوس، والمخصصة في الأصل، لجلوس أفراد الأسرة، غدت المفضلة بفضل شاشتها، على كل ما عداها من غرف المنزل، ففيها تتربع ربَّة الأسرة، أمام الشاشة، لإعداد الطعام... وفيها تُقدّم الوجبات، وبين الوجبة والأخرى، يتفنَّنُ أفراد الأسرة بالتهام كل ما لذّ للنفس وطاب، وأضر بالصحة وأساء... وفي تلك الغرفة عينها يدرس الأبناء ويزدردون العلوم مختلطة بعبارات تأتيهم من التلفاز الذي لا يكلّ ولا يتعب... وإلى هذه الغرفة أحياناً، يُدعى الضيوف، وخصوصاً «الأعزاء» منهم، بحجة إتحافهم بفيلم شيّق، أو حرصاً على عدم تفويت برنامج... بل كثيراً ما تستخدم مقاعد تلك الغرفة بديلاً عن الأسرّة في غرف النوم.

وعليه، فإن التلفاز هو الذي يحتل المكانة الكبرى لدى العائلة، وهو الحاجة الملحَّة لأفرادها، والتي لا يمكنهم الاستغناء عنها، وأيّ خللٍ يصيبه، يصيبهم جميعاً بالغمّ والأذى؛ كيف لا؟ وهو الشخصية المركزية والمحورية بينهم، وهو المتكلم والراوي... السارد والمهرّج... وصاحب الحضور الدائم الذي لا صوت يعلو فوق صوته... كيف لا؟ وهو المرفِّهُ والمسلّي، والممتع والمطرب، والمضحك والمبكي... إلى آخر ما تيسّر من الأسماء والصفات، وما على الحضور إلا أن يُنصتوا، وأن يتلقّوا ويتلقَّفوا... لا يحاورون ولا يشاركون... لا يناقشون ولا يعترضون، والنتيجة صمت وإصغاء، وانقطاع لكل كلام أو حديث... وانقطاع لكل حوار... بين الأخ وأخيه، وبين الأب وبنيه... ويوماً بعد يوم، يتضاءل التفاعل بين أفراد الأسرة... لتكبر الهوّة... ويحصل الانفصال.

نحن لا نسوق أمثلة نادرة الحدوث، ولا نسرد ذلك على سبيل التفكّه والتندّر، فذلك هو ما يحصل حقيقةً وواقعاًً، كل يوم، وفي كل بيت من بيوت الطبقات الدنيا والمتوسطة في مجتمعنا. أما لدى الطبقات الموسرة، فالأمر أشدّ سوءاً وأعظم خطراً، حيث لكل فرد من أفراد الأسرة، غرفته الخاصة به، مؤثثة بكل ما يلزمه من وسائل التسلية والترفيه، وأولها الشاشة الفضائية والشبكة العنكبوتية التي لم تعد من الكماليات، إنما باتت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.

في مثل هذه البيوتات، يحصل تباعد شبه كلي بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث كلٌّ منعزل في غرفته، لا يخرج منها، إلا لطعام أو لقضاء حاجة. ومع الأيام يصبح الأمر عادة مألوفة، فينقطع كل تواصل أو حوار عائلي، وتحصل الغربة في البيت الواحد، غربة روحية ونفسية وفكرية، تنعكس سلباً على مفهوم العلاقات الأسرية السوية، حيث تنعدم الإلفة والغيرة وروح التعاون، وتنتفي حاجة كل واحد إلى الآخر؛ فلا الأخ يشعر بالحاجة إلى أخيه، ولا الإبن إلى أبيه، ولا ربّ الأسرة إلى زوجته وبنيه، بل كلٌّ غارق في عالمه الفضائي الكوني الذي يرضيه!

وإذا ما تمَّ، على هذا النحو، تفكيك عرى الروابط الأسرية والاجتماعية التي هي من أهمّ قيمنا الشعبية الأصيلة والثابتة، فإنه يغدو أمراً سهلاً، اختراق البنى الثقافية، بما تعنيه من أفكار ومعتقدات ومن مفاهيم وموروثات، وهذا هو ما نشهده الآن في مجتمعنا، حيث نلحظ سهولة التخلي عن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، مستبدلين بها قيماً وعادات وتقاليد، لا تتلاءم مع واقعنا ولا مع مفاهيمنا. وللإعلام المرئي الفضائي اليد الطولى في ضرب هذه القيم، والترويج لقيم ومفاهيم مستوردة، ليست في مصلحة المجتمع والأسرة أو الحياة الزوجية السعيدة، كبرامج ما يسمَّى ب«السوبر ستار» أو «ستار أكادمي»أو غيرها مما هو نسخة طبق الأصل عن برامج غربية، لا تتلاءم مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا, أو كبرامج الجنس والشذوذ وما شابـهها، والتي يترقبها الصغار قبل الكبار... أو كتلك المسلسلات الغربية المترجمة أو الناطقة بالعربية والتي لا موضوع لها سوى الخيانات الزوجية، والأولاد اللقطاء الذين هم في بحث دائم عن أم مفقودة أو أب مجهول، أو بتلك المسلسلات العربية التي شاعت مؤخراً على فضائياتنا، والتي تزرع بذور التفرقة والخلاف بين الأزواج، وتُخلخل الثوابت الأسرية، من خلال ترويجها لفكرة تعدد الزوجات، وتجميل صورة هذا التعدد وتقديمه بشكل حضاري وجذّاب؛ وكثيراً ما تعمل الشاشات على تكرار بثّ مثل هذه المسلسلات، مرةً ومرات، حتى بات تلقيها أمراً عادياً، لا يخدش كرامة، ولا يثير اشمئزازاً، بل على العكس، فقد أضحى عرضها أمراً مقبولاً، وربما مطلوباً، حتى، وللأسف، من بعض النساء الساذجات اللواتي هنّ أكثر المتضررات من هذا الموضوع؛ ذلك أن كل شيء تألفه العين، تألفه النفس؛ وكل مستهجن يضحي، لدى تكراره، طبيعياً ومقبولاً، تتناقله الألسن، ليصبح بعد ذلك مادة حديث بين الأخ وأخيه، وبين الجار وجاره، والموظف وزميله، بل كثيراً ما يتندّر به، وللأسف، الطلبة وأساتذتهم في معاهد العلوم والآداب، حيث يغيب العلم والأدب على حدٍّ سواء.

وهكذا يغرز الإعلام الفضائي معولَهُ الهدّام في صميم البنية الفكرية والثقافية، ثقافة المجتمع التي ينبغي أن تقوم على تمجيد الفضائل والقيم واحترام الأسرة بجميع مقوِّماتها، وتقدير المرأة وسموّ مكانتها، لا، الإساءة إليها عبر إيهامها بحماية حقوقها وتقدير دورها، من خلال برامج وندوات برّاقة، لا تقدم لها، في جوهر الأمر، شيئاً، حين يجعلها، من أجل مآربه الدعائية ومكاسبه التجارية، سلعة معروضة في سوق البرامج والإعلانات، حيث تطالعك شبه عارية في دعايات تسويق السلع، حتى تلك التي لا علاقة للمرأة بها من قريب أو بعيد، كما يعرضها فرجةً لمن يريد في مواسم عروض الأزياء التي يتهافت عليها الرجال قبل النساء، ويعرضها دميةً في حفلات تتويج ملكات الجمال، حيث الجمال يُقاس على يد خبراء الجمال، بالسنتميترات، طولاً وعرضاً، وبدرجات العري والاستعراض، على مقياس المتفرجين.
ولا يقتصر تأثير الإعلام السلبي، على هذا فقط، إنما يطال جوانب أخرى من ثقافة المجتمع، كالتشكيك في بعض الثوابت الخلقية، والمعتقدات الدينية، حين يروِّج لمفاهيم وسلوكيات تتنافى مع مبادئ المجتمع وقيمه، وحين يعمل على التهوين من شأن معتقداته، ونزع القداسة عن بعض رموزه الدينية، عبر السخرية من هذه الرموز حيناً، والصور والرسوم حيناً، وبثِّ أفلام من شأنها العمل على زعزعة ما هو راسخ في ثقافة أبنائه، كما حصل مؤخراً في ما بثّته بعض القنوات الاسرائيلية حول حقيقة السيد المسيح وأمه السيدة العذراء، أوفيما تبثُّه قنوات غربية من إساءات للرسل والأنبياء، ومايرافق ذلك من صور وتعليقات وهزء وسخرية وعبارات، تزرع بذور الشك في نفوس الكثيرين من أبناء الطبقات الشعبية حيال قدسية رموزهم وصدقية معتقداتهم. وهذا ينهض دليلاً على الدور الفاعل للإعلام في الإساءة إلى متلقيه. ناهيك عما تنقله لنا الفضائيات من بشاعة الحروب، ومشاهد القتل والخطف والتعذيب، وشتى الجرائم والإعتداءات، لا، بل إنها تكرِّرها على أنظار المشاهدين، كباراً وصغاراً، صبحاً ومساءً، حتى باتت الجريمة أمراً عادياً، وغدت أساليب التعذيب شيئاً مألوفاً، وحتى بتنا لا نأنف من رؤيتها ونحن نتناول طعامنا، أو نحتسي شرابنا، وهل هناك أفظع من أن نُفْقِدَ أبناءنا كل حِسٍّ إنساني فطرهم الله عليه...؟!!
ولا ننسى، في هذا المجال، ما يروِّج له هذا الإعلام من عقاقير وعلاجات، ليس لها من هدفٍ سوى التلاعب بعقول الناس، وسلب أموالهم، ناهيك عمَّا يروِّج له من خرافات وغيبيات وأباطيل، تتسابق القنوات الفضائية لعرض برامجها في المناسبات، وفي غير المناسبات،  تعيد أبناء طبقاتنا الشعبية خطوات إلى الوراء ، كالتنجيم، والتنبؤ وكشف الطالع والأبراج وسواها من الأمور التي بات المشاهدون ينتظرونها ويحافظون على مواعيدها محافظتهم على مواعيد الواجبات الدينية والفرائض العبادية؛ ولعل أسوأ ما في هذا الأمر، أن الكثيرين منهم باتوا يأخذون ما تقدمه لهم الشاشة من معلومات أو استطلاعات أو تنبؤات، على أنه مسلّمات لا تقبل أي جدال أو نقاش.

كما لا ننسى، في هذا الجو الإعلامي غير السليم، الحافل بالكثير من المفاسد والأخطار،أبناءنا من الناشئة والطلبة الذين هم من أهم مكونات المجتمع، والذين لايمكن أن يكونوا بمنأى عن أسرهم وعن سائر مكونات الطبقات الشعبية، وبالتالي فهم يتلقون تأثيراً مزدوجاً، من الفضائيات تارة، ومن «الإنترنيت» تارةً أخرى، وهذا ما يبعدهم شيئاً فشيئاً عن ثقافة الكتاب؛ حتى لنستطيع القول انه في عصر المعلومة الفورية، وعصر الشاشة الفضائية، وفي زمن الثورة الرقمية، قلّما نجد من يقصد المكتبات، ويبذل الغالي والنفيس للبحث عن كتاب، وفي عالم الصوت والصورة، لم يعد للكتاب دور يُذكر في حياة أبنائنا، إذ ماذا عساهم يفعلون؟... بل ماذا ننتظر منهم أن يفعلوا... وهم الذين فتحوا أعينهم، لا على أمهاتهم وآبائهم، بل على شاشات متلفزة، لا تفارقهم صبحاً ولا مساء؟! وما عسانا نترجى من هؤلاء الذين تربّوا على ثقافة التلفاز... وكيف لنا أن نتوقع منهم إقبالاً على كتاب لم يروه يوماً، في يد أبٍ أو أمٍ...! أوَليست القراءة في بدايتها تربية وعادة..؟! أوَلم يُقلْ بأن «كل شيء عادة، حتى العبادة»...؟!

كيف لنا أن نتوقع منهم إقبالاً على كتاب، أو تطلُّعاً إلى علم ومعرفة وأدب، والقنوات التي يستلهمونها، تستهين، عن قصد أو عن غير قصد، بثقافة الكتاب وجدواه،فتثبت لهم بالدليل القاطع، وبالصوت والصورة، في آن، أن العلم لا يطعم خبزاً، وأن الأدب لا يصنع لأصحابه مجداً ولا يحقق لهم مكسباً، ولا يبوِّئ منصباً، لأن المشاهير في عصرنا وأصحاب المناصب والنجوم الذين يتصدرون الشاشات هم أهل السياسة، وأهل المال وهم كل من قذف برجله كرةً، أو غنّى لحناً، أو هزّ قدّاً!

أليست هذه دعوة صريحة أو غير صريحة، توجهها الفضائيات إلى الأجيال، للإبتعاد عن كل علم أو فكر أو ثقافة، ما دامت هذه لا توصلنا إلى الهدف..؟ أوَليست ضربة موجعة للكتاب وأهله... ضربة قاسية ومدمِّرة، يسدِّدها هذا الإعلام إلى صميم الثقافة الشعبية والطالبية خصوصاً، حين ُيفقِد هذين، الثقة بالكتاب، وبجدوى الكتاب، لا سيما إذا كان كتاباً أدبياً، أو ديواناً شعرياً، أو عملاً روائياً، كان فيما مضى، وقبل شيوع الإعلام المتلفز، وسيلتنا الثقافية المفضلة للتسلية والترفيه، وطرد الملل والسأم، ناهيك عن المتعة التي كنا نشعر بها لدى قراءتنا قصة أو رواية مشوّقة. أما اليوم، فقد لا تجد، وللأسف، في صفوف طلابنا الجامعيين، من يذكر لك اسم رواية قرأها، فضلاً عن أن يكون اقتناها أصلاً، بل لعلّ أسوأ هدية تُقدَّم إليه بمناسبة نجاحه مثلاً، أو بمناسبة عيد ميلاده، رواية، أو كتاب، مهما يكن نوعه أو موضوعه.
وعليه، فبدل أن يقرأ الطالب رواية، فإنه يحضر فيلماً، وبدل أن يطالع مجلة أو صحيفة، يشاهد برنامجاً على الشاشة، أو على شبكة «الإنترنت»، وغالباً ما لا يكون هذا البديل خيراً له؛ فهو إن كان قليله خيراً، فكثيره غثٌّ وفاسد ورديء.

إذا كان هذا ما وصل إليه حال القراءة في رواية أو مجلة أو صحيفة مما يغلب عليه طابع المطالعة والترفيه، فما بالك بالكتب التي تتطلب دراسة جادّة ومركَّزة، بل ما بالك بكتب الشعر والأدب التي باتت تصنّف، بعرف هؤلاء، في آخر مرتبة من مراتب المعارف والعلوم المفيدة، حتى ليسألك الواحد منهم ساخراً، عن مدى جدوى الشعر والأدب، وعن مدى أهمية ما يدور حولهما من أبحاث نقدية ودراسات، وما يعقد بشأنهما من ندوات ومؤتمرات، وقد يصل به الأمر لأن يبدي أسفه لحال أولئك الطلاب الذين يهدرون وقتاً، ويبذلون جهداً، لسماع محاضرة أدبية أو لحضور أمسية شعرية لا تعدو كلاماً، لا تُرجى منه فائدة أو منفعة، حتى لو كانت نتيجتها نيل شهادة، لا تؤمِّن عملاً ولا تُطعم خبزاً.

وعلى الرغم مما تعرضه الفضائيات من ندوات علمية أو أدبية أو مباريات شعرية، فإنها، وللأسف تُشيع في أذهان المتلقين عدم جدوى هذه المعارف والعلوم، موليةً اهتماماً بالغاً بأحوال الفنَّانين وأخبارهم، وببرامج الطهي والأبراج وتفسير الأحلام وما يدور في فلكها، حتى باتت ظاهرة متفشِّية في صفوف الطبقات الشعبية، بل ولدى بعض أبناء الطبقات المثقفة أيضاً.

وهكذا باتت الثقافة عموماً، والشعر والأدب خصوصاً، تعاني الهجر والكساد والإهمال، ليس من ذوي الثقافة المحدودة فحسب، بل، وللأسف، من أهل التخصصات الأدبية أنفسهم، في سوق راجت فيها بضاعة أخرى، تعرضها وسائل الإعلام المرئي، ملغيةً ثقافة الحرف والكلمة، لتحلّ محلهما ثقافة الصوت والصورة... ثقافة الاستسهال والسرعة... استسهال الجاهز الذي يقدَّم إلينا فنأخذه دون جهد ولا عناء، ودون رقابة ولا تمحيص، أسوةً بما نأخذه من الأطعمة الجاهزة والألبسة الجاهزة، حتى بتنا نأكل مما لا نزرع، ونلبس مما لا نصنع، ونتثقَّف بما لا نبدع، في زمن لم يعد لدينا فيه متَّسعٌ من الوقت لإنتاج فكرأو إبداع... وقت صرفناه هدراً أمام الشاشات، حتى بتنا مدمنين، غير منتجين، ينطبق علينا ما قاله، ذات مرة، الأديب النهضوي نجيب الحداد، في سياق نقده لخنَث شبَّان العصر ومغالاتهم في التزيّن والتأنّق، واصفاً أحدهم بالقول: «الفتى من فتيان عصرنا يقف لدى المرآة، فيقضي في تنظيم ثيابه، وتسوية مفرق شعره، وربطة قميصه، ما لو قضى بعضه في الصلاة، لدخل الجنة بثيابه، ولو خصّص شيئاً منه للعلم لبهر الدنيا بمعارفه». ونحن نقول: لو قضى أبناؤنا في القراءة والمطالعة، بعضاً من الوقت الذي يصرفونه أمام الشاشة، لملأوا خزائن الكتب بإنتاجهم، ولبهروا العالم بإبداعهم.

ولا تخرج اللغة العربية الفصحى، بما هي أداة الفكر والأدب والثقافة، عن دائرة التأثير الإعلامي هذا، إذ لا يمكنها أن تكون بمنأى عن أخطاره، على الرغم من بعض النعمة التي أصابتها مؤخراً، لتعدُّد اللهجات، كما أسلفنا، ذلك أن اللغة عماد الإعلام، ووسيلته التعبيرية الأولى، وغالباً ما كانت تشنّف آذان الصغار قبل الكبار، بعاميّة تسود البرامج كافة؛ بها تُجرى الأحاديث والتحقيقات، وبها تُدار المقابلات والحوارات، وتقام المناظرات... نعم! وبالعامية تُقرأ النصوص والتعليقات، حتى لا يسلم منها برنامج أو حوار، سوى نشرات الأخبار التي حاولت المحافظة على العربية الفصحى، لكنها عربية مشوّهة ملحونة، يجهل مقدّموها مبادئ الفصحى وقواعدها بحيث لا يبقى أمام المتلقي الذي أنعم الله عليه وحباه بمعرفة أصول لغته، سوى أن يعدّد الأخطاء ويصنّف أنواعها.

هذا الإعلام الفضائي  يسيء إلى اللغة العربية، كل يوم، حين يقدم كل ممتع وجديد بلغة، غالباً ما تكون عامِّية أوغير عربية، مرسخاً في أذهان أبنائنا نظرة دونية تجاه لغتهم وثقافتهم، في مقابل نظرة الإعجاب والانبهار بلغات الآخرين، حتى أفقدناهم الثقة بما يملكون.

هذا غيض من فيض ما تحمله إلينا الفضائيات من مساوئ وما تتهدد به ثقافتنا من أخطار، وهي سلبيات تبعث على القلق والخوف مما يمكن أن تخلّفه في نفوس الأجيال الشعبية عموماً، وفي نفوس الناشئة خصوصاً، وهو قلق ينتاب، بشكل أساسي، المهتمين بشؤون التربية والتعليم، والحريصين على المحافظة على الأصالة والقيم والتقاليد، ويساور المشتغلين في الحقل الثقافي والمعرفي، ونحن منهم، إذ نتساءل عن مدى انعكاس هذه الظاهرة على غير المحصَّنين من أبناء طبقاتنا الشعبية، وعلى قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم،كما على مدى قدرتهم على تحصيل المعارف والعلوم، وسلامة تفكيرهم ونوعية إنتاجهم. مع علمنا وإيماننا، بأن لكل جيل رؤيته ووسائله لتحقيق الهدف، شرط أن يكون الهدف سامياً، وشرط التزوّد بالعلم والمعرفة، لا التنكّر لكل أنواع الثقافات بحجة تخطي العصر لها، وهذا يفرض على القيّمين في المؤسسات الحكومية والتربوية والتعليمية أن يمدّوا يد العون لأبناء هذا الجيل، من أجل مساعدته على تحقيق الأهداف من خلال استعداد القيمين هؤلاء، للإنفتاح على المتغيرات والمستجدات، ولعدم التمسك بما لم يعد يتناسب مع طموحات هذا الجيل وتطلعاته ورؤيته للحياة.

لذا نجد أنفسنا مدفوعين، بسبب ما نراه من فقدان أصالتنا الشعبية، وانحراف سلوكيات البعض من أبنائنا، إلى التصدِّي لهذه الظاهرة ، ظاهرة القنوات الفضائية، بوصفها، حسب رأينا، عاملاً لا يُغفَل شأنه، من عوامل كثيرة للتقهقر والاضمحلال بدل أن تكون عاملاً من عوامل النهوض والإزدهار. وعليه، وانطلاقاً من ملاحظاتنا اليومية، والدائمة، سنحاول ألا نكتفي بإطلاق الصرخة، من خلال ما قدمناه من توصيف لواقع الحال، إنما سنعمل على وضع الإصبع على الجرح، والإسهام في تقديم اقتراحات، قد يكون من شأنها أن تشكل لبنة في بناء مشروع لتنظيم هذا الإعلام، وقوننته وضبطه وتوجيهه، والحد من انعكاساته السلبية، بما يمكن أن يعود بالخير والنفع العميم، على ثقافة أجيالنا ومجتمعاتنا.

المقترحات:
من المؤكد أننا لا نريد من تسليط الضوء على مخاطر الإعلام الفضائي، وتوصيفها، المطالبة بإيقاف هذا الإعلام، ولا التنكّر لما حققته الثورة التكنولوجية وما أبدعه الفكر البشري من اختراعات وإنجازات وتسهيلات للأفراد والجماعات في جميع الميادين؛ إنما نريد أن ندرك كيفية الإفادة منه، بما لا ينعكس سلباً على حياتنا، وعلى قيمنا ومبادئنا وثوابتنا، وعلى ثقافتنا الشعبية بما تعنيه من فكر وعلم وقيم وتقاليد.
نحن لا نريد لثقافتنا الشعبية المعاصرة أن تكون نسخة طبق الأصل عن ثقافة الأسلاف ؛ فالاختلاف بين الأجيال كان، ولا يزال، وسيبقى، دليلاً على تطور المفاهيم والظروف والأحوال، وهذا أمر طبيعي، يفرضه تقدم الحياة والعلوم والثقافات، وانتفاع اللاحقين من السابقين؛ والتواصل بين الأجيال ضرورة لاستمرار الحياة، بشكلها الأفضل، وإن كان قيام هذه العلاقة بين جيلين يختلفان في الوسيلة والنهج؛ ذلك أن جيل الآباء كان يعتمد ثقافة الكتاب طريقاً لإنضاج وعيه، وبناء شخصيته، واكتشاف العالم من حوله. أما جيل الأبناء، فتعددت أمامه سبل المعرفة ووسائلها... إنه جيل «الفضائيات» و»الإنترنت» وسواهما من الوسائل التكنولوجية.

كما لا نريد الإطاحة بكل تلك الجهود الجبارة التي بُذلت، ولا بالنتائج الباهرة التي عنها أسفرت، إنما نتوخى ضبط هذه الوسائل الإعلامية، والعمل على ترشيدها وتوجيهها وتهذيبها، والحد من انحرافها وغلوائها، فإذا «كان الوقت، كما يُقال، سيفاً ذا حدّين، إن لم تقطعه، قطعك»، فإن الإعلام ذو وجهين، إن لم تستنر بوجهه المضيء، دمّركَ بوجهه الرديء! لكن المضيَّ في تقويم الإعوجاج، دونه الكثير من العقبات... تبدأ بتحديد أسباب التعلق بهذه الفضائيات، والانجذاب إليها، فهل هو ناتج عن فتنة الإغراءات التي تقدمها، أم هو الفراغ الأسري...؟ الاجتماعي...؟ السياسي...؟ أم هو يأس الناس والحاجة إلى دغدغة الآمال وتلبية الطموحات...؟ أم هو انعدام الحوافز وانسداد الآفاق ومصاعب الحياة ...؟ أم هي كلها مجتمعة في آن...؟!

أسئلة كثيرة ومتداخلة، تتطلب منا تقديم إجابات تأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين الأجيال، واختلاف الظروف، ومتطلبات العيش، ومواكبة المستجدات، والتسلّح بالوعي والجرأة وتحمّل المسؤوليات.
نحن لا نزعم أن هناك جهة واحدة يمكنها تقديم إجابات، أو تحمّل المسؤوليات عما آل إليه، ويؤول، حال الناس، هذه الأيام، من هدرٍ للوقت، وانصراف عمَّا هو منتج ومفيد، وانجذاب جارف إلى الإعلام المرئي، وإقبال على برامج تضرهم أكثر مما تنفعهم، بل نرى في ذلك مسؤولية تربوية تعليمية توجيهية، تتقاسمها أطراف متعددة ينبغي أن تتعاون وتتكامل فيما بينها، لنصنع أجيالاً مزودة بالعلم والمعرفة، يمكنها الارتقاء بالأمة والمجتمع، وإلا، فالمجتمع إلى انهيار وزوال.

فإذا كانت المشكلة، في أساسها، مشكلة تربية، فإن المسؤولية الأولى فيها، تقع على عاتق الأسرة! أليس الأهل هم قدوة الأبناء؟ فكيف نطلب من الأبناء ألا يفعلوا ما دأب على فعله الآباء؟! وكيف نطلب إليهم ألا يصغوا إلى ما يقوله لهم ذلك الإعلام الذي هو على تواصل دائم معهم، في الوقت الذي تنقطع فيه مع ذويهم كل أشكال التواصل والحوار؟! أما آن لهذه الأسر أن تتنبَّه إلى المخاطر التي تحدق بأبنائها؟... مخاطر على قيمهم وأفكارهم ومستقبلهم الأكاديمي والثقافي...؟ أما آن لهذه الأسر أن تعود إلى رشدها، وأن تضطلع بدورها، فتكون المرشد والموجّه والعين الساهرة على رعاية شؤون الأبناء، وعلى إسداء النصح لهم بضرورة التمييز بين ما يصلح لهم، وما لا يصلح، وبحسن استغلال الوقت وتنظيمه تنظيماً يجعل لكل شيء حيزاً، حيث للعمل وقته، وللراحة وقتها، وللقراءة  وقتها، وللترفيه وقته؛ ولتعمّم هذه الثقافة داخل الأسرة، بدءاً بالآباء أنفسهم، ليكونوا القدوة، وليصبح هذا نظام حياة!

أما آن لهذه الأسر أن تعي أهمية التواصل والحوار في ما يهم الأبناء من شؤون وشجون، وفي ما يتلاءم مع أذواقهم وميولهم ومفاهيم عصرهم، بما في ذلك الشؤون الثقافية والمشاكل المدرسية، والقضايا الاجتماعية، في ظل ما يشهده العالم من تحولات في مختلف المجالات، قد يكون من أهمها الثورة التكنولوجية، وفي عدم الاستهانة بأمورهم، مهما صغر شأنها أم كبر، كي لا تكون القنوات ملجأهم ومرجعهم الذي منه يستمدون التوجيه والإرشاد، وكي لا يكون الإدمان عليها شكلاً من أشكال سدّ الفراغ الأسري أو الاجتماعي، بل ينبغي إحاطتهم بكل أشكال الرعاية والاهتمام، مما يمنحهم الإحساس بالطمأنينة والثقة ويؤمِّن لهم مرجعاً صالحاً، يعودون إليه في السرّاء والضرّاء، ومنه يستمدون كل نصيحة وإرشاد.

ولا يخفى ما للعائلة من أهمية وضرورة، لبناء مجتمع متوازن، إذ بقدر ما تتماسك الأسرة، وينمو التواصل والحوار والتفاهم بين الأجيال على مواجهة المصاعب وتقبّل المتغيرات، تنجح هذه العائلة في درء الأخطار عن أبنائها. وإذا كان هناك من يرى بأن الأسرة تمثل قيداً ينبغي عدم الانصياع له، بدعوى التشبث بالقيم والعادات والتقاليد، وبكل ما هو تقليدي وقديم، وأن لكل زمن خصوصياته، وأن زماننا هذا، لا مكان فيه للتمسك بقيم وسلوكيات، لم تعد تواكب عصرنا، فإننا نؤكِّد على ضرورة تواصل جيل الآباء بجيل الأبناء، لأن ما يحدث بين هذين الجيلين، ليس صراعاً، إنما هو اختلاف في الأذواق والخيارات؛ وليس من العقلانية في شيء النكوص على الأعقاب، والعودة قروناً إلى الوراء، جاحدين ومنكرين جهود أولئك الذين لهم الفضل في ما أحدثوه من ثورة وتجديد.

أما المسؤولية الثانية، فتقع على المؤسسة التعليمية، أساتذةً ومربين ومرشدين، بصفتها المصدر والحاضن لثقافة الجيل، والممدّة لهُ بكل ما يلزم من العلم والمعرفة، لجعله حصيناً، قوياً وقادراً على التعامل مع المتغيرات، وعلى الإفادة منها ومواجهة أخطارها، بل هي الأقدر على زرع حبّ القراءة والتطلُّع إلى المعرفة، وإلى صرفهم عن التلهي بأمور تعرضها عليهم الفضائيات، لا تدرّ فائدة، ولا تحقق نفعاً.

وتقع المسؤولية الثالثة على المؤسسة الإعلامية نفسها، بصفتها سلطة قائمة بذاتها، وبمقدورها رسم سياسة إعلامية واعية، تقوم على نشر العلم والمعرفة، وتعزيز الثقافة الأصيلة، والإعلاء من شأن اللغة الأم، حافظة الإرث والتاريخ، والشاهدة على الحاضر والمستقبل. على هذه المؤسسة أن تكثّف برامجها الثقافية بما يُبرز أهمية العلم وأصحابه، والثقافة وروَّادها، وأن تنوّه بالمتفوقين والمبدعين، وتكرّم الأدباء والعلماء والمفكرين، وتبرز عطاءاتهم من خلال ندوات ومناظرات، تُظهر من خلالها أن العلم هو الذي يصنع الرجال، وليس السياسة الجوفاء، ولا الفن الرخيص، ولا الأكداس المكدَّسة من الذهب والفضة.

أما المسؤولية الكبرى، فتقع على عاتق الدولة، المسؤولةُ المفترَضة، عن رعاية أبنائها، والاهتمام بشؤونهم، والحرص على تنمية قدراتهم المعرفية، وإعلاء مكانتهم بين الشعوب، لذا ينبغي أن تعمل على الحد من كل ما من شأنه الإساءة إليهم، والحطّ من قدرهم وشلّ قدراتهم وتغييب كفاءاتهم، بسبب ما يُعرض على بعض شاشات الإعلام من مغريات، لا يمكن للطبقات الشعبية مقاومتها، وهي أمور تقتضي من الدولة أن تخضعها لرقابتها الصارمة والدائمة، سواء في ذلك، ما خصّ البرامج السياسية التي تسيء لثقافة الأجيال فيما تحركه من نعرات طائفية، وفتن مذهبية، وما تثيره فيهم من ضغائن وأحقاد، أو ما خصّ البرامج الاجتماعية التي تتنافى مع القيم والأخلاق، ومع المبادئ والمعتقدات.

كما ينبغي على الدولة، رسم سياسة ثقافية تربوية حكيمة، تعيد للثقافة اعتبارها وريادتها، بخلق الحوافز للمتعلمين، وتأمين فرص العمل لهم، واعتماد الكفاءة والمعايير العلمية لذلك، بعيداً عن المحاصصات الطائفية والمذهبية والسياسية. كما عليها إعادة النظر في سياستها حيال الكتاب، مما يقتضي منها إيلاء الأهمية لفتح مكتبات عامة في المدن والمناطق، وتجهيزها، بحيث تستقطب روَّاد العلم والثقافة، وتؤمن لهم الجو الثقافي الملائم، كما ينبغي فتح مراكز ثقافية أو قاعات للمطالعة في القرى والأرياف، كتلك التي تفتح للحاسوب والإنترنت والألعاب، فتكون حافزاً لهم على القراءة والمطالعة، بدل الشاشة التي تسرقهم من الكتاب وتستهلك أوقاتهم دون جدوى.

دون أن يعني ذلك تخلِّياً عن الوسائل التقنية والإعلامية الحديثة، بل المراوحة بينها وبين الكتاب، لما لهذا من أهمية بالغة في كونه مرجعاً ثابتاً لنا، يمكننا العودة إلى مخزونه الفكري في كل وقت وفي كل حين. وهذا ما يعلي من مكانة الكتاب لدى الناشئة، وينمّي لديهم الوعي بمزايا الفكر والثقافة، فتتحقق متعة القراءة وفائدة التطوُّر والمعرفة.

فإذا تبنّى المسؤولون هذه السياسة الثقافية، وعملوا على تحقيقها، وتأمين مستلزماتها، بما يدعم قدرات ذوي المستوى الثقافي المحدود، وبما يعمل على تنمية وعيهم ومداركهم، تتأمن الصلة الروحية والعلاقة الحميمة مع الثقافة السليمة والأصيلة والكتاب، في عصر شاعت فيه ثقافة أخرى، هي ثقافة الاتصال الرقمي «المشفّر» أو «المرمّز» حتى لكأن المشاعر باتت تحسب بالأرقام، وفي جوٍّ مادي بغيض، طغى عليه التفكير بالربح المالي الناتج عن استثمار الوسائل الرقمية، في تجاهل شبه تام، لقيمة الفكر والأدب والثقافة، حيث يصبح الإنسان مجرد آلة تحركها الرموز والأرقام.

أجل! ليكون الإعلام الفضائي أداة ثقافة وتنوير، وقبل أن يستحيل أداة هدم وتدمير، ينبغي التحرك وتوجيه الإنذار، وهذا واجب الدولة ومسؤوليتها، وواجب كل قيّم على شؤون المؤسسة الإعلامية والمؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية، ومسؤوليته... واجب لا يجوز التهاون فيه، لأن في ذلك ضياعاً لثقافتنا، وفقداناً لهويتنا؛ ومن فقد الثقافة والهوية ضاع، وداسته القوى المتكبرة التي لا ترحم الضعفاء والمتخاذلين، لا سيما في زمن العولمة وتحدياتها التي لا تقف عند حدود المد العسكري أو النفوذ السياسي أو الجشع الاقتصادي، إنما تتعداه إلى الغزو الثقافي، الذي يدخل في كل مفاصل حياتنا، بما يعنيه هذا الغزو،من قيم ومفاهيم، وعادات وتقاليد، وهذا ما ننبّهُ إليه وندق ناقوس الخطر من أجله، دون أن يعني ذلك رفضاً للمستجدَّات والوسائل الحديثة أو التقنيات، أياً كان مصدرها؛ بل على العكس، الإفادة منها أمر مفيد ومطلوب، شرط ألا تكون مدخلاً للقضاء على فكرنا وثقافتنا، ولا أن تكون بديلاً عن كتابنا ولغتنا.

الهوامش

لم يتم الرجوع الى مصادر ومراجع في هذه الدراسة، لأنها وليدة معايشة يومية في المجتمع، وتجربة شخصية في حقل الثقافة والتعليم.
مصادر  الصور
http://www.campaignlive.co.uk/news/1077931/
http://albadee.net/assets/c36e2d0347339dc151d8be241d52c895_598_355.jpg
http://africacartoons.com/rasha-mahdi-media-misleading-the-public/
http://imagem.vermelho.org.br/biblioteca/tv000154976.jpg
http://www.ipv.pt/forumedia/3/3_cria1.gif
http://lovemycreditunion.blogspot.com/2014/05/satellite-and-cable-tv-are-still-here.html

أعداد المجلة