فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
34

العولمة والأدب الشعبي: «القرية» ضد القرية!

العدد 34 - آفاق
العولمة والأدب الشعبي: «القرية» ضد القرية!
الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، لبنان

 لا تكمن قيمة الأدب الشعبي (الفولكلور Folklore) في ذاته، إنما قيمته في مقدار ما يمكن أن يحققه من اندماج بحركة الحاضر، واتجاه صوب المستقبل، لذا، يؤمل أن تكون دراسة الأدب الشعبي على أسس من هذا المعيار الذي يتخذ من الحاضر قاعدةً، أو منطلقًا فكريًّا، بهدف وعي طبيعة الماضي، وتحديد الاتجاه الصحيح له في حركة الحاضر، ليعطي الدفعة الروحية للمستقبل(2)، فمن الوهم الاعتقاد أن التحول إلى التراث انقطاع عن الحاضر، لأن الحياة لا تنقسم على ذاتها، ولا تنكر تاريخها، إلا أنه من المنطقي القول إن إلغاء بعض التراث حاجةٌ وضرورةٌ، لكن هذا لا يعني أن يلغي المرء هويته، ويضرب صميم كيانه، إنما هذا المنحى هو من قبيل «تيسير العسير، وتسهيل الصعب»(3).
كان يحدث على طول التاريخ انهيار في بعض أجزاء الأدب الشعبي، لكن هذا لم يكن إلا نوعًا من التجديد، إذ يعاد على الفور تكوين مجموعات أخرى من التقليد. «وكان مظهر التجديد الأكبر في هذا الصدد، هو اختفاء ذلك النوع التقليدي من الابتداع(4)، ما نتج عنه ظاهرة فناء التقاليد، الأمر الذي أثار دهشة عامة ولا شك»(5).

يبدو أنه من المسلّم به إذًا، قبول خضوع أنواع من الأدب الشعبي لقانون الموت والتحول والتطور، مثلها مثل كل الأنواع الأدبية والفنية الأخرى، فالفولكور في المحصلة، هو «التراث الروحي للشعب»، ويطابق هذا التعريف توصيات وفود مؤتمر أرنهايم (Arnhem) الذي عقد في هولنده في العام 1955، وعبره يصل الإنسان إلى القصد بتعبير أقصرعلى مختلف درجاته في الثقافة والإدراك، فهو «من حيث تعريف البلاغة (مطابقة الكلام لمقتضى الحال) موافق كل الموافقة لهذا التعريف»(7).
لكن، ماذا يحدث إذا «قُتلت» روح عنصر من العناصر، أو حُشرت مع هذه الروح، أرواح أخرى، أو نُزعت من هذا العنصر روحه، وحلّت محلها روح لعنصر آخر؟
تتسم هذه الأسئلة بطبيعة الإجابة المتوقعة، وهي الإجماع على إجابة: حلول الموت حتمًا، إذ لا معنى لأيّ شيء على هذه الأرض من دون روح، فهي التي تجعل الحياة تدبّ في كل مكان.

1.إنسان ذو بُعد واحد:
ما هو أبرز مصطلح من مصطلحات العولمة في موازاة ذلك؟ هو: «إنسان ذو بعد واحد»(8) (One Dimensional Man)، ويعني: «تنميط المستهلكين بفرض سلع معينة عليهم في مختلف أنحاء العالم، ما يسهم في إزالة هويتهم الوطنية، والاجتماعية، وزرع الهوية العالمية فيهم من طريق ثورة المعلومات والسمات المفتوحة»(9)، فالإنسان ذو البُعد الواحد هو إنسان فقد تمامًا العقل النقدي المُتجاوِز، وهو أيضًا، الإنسان الوظيفي الذي يُعرَّف في ضوء وظيفته التي تُوكَل إليه، وهو الإنسان الذي رُشّد ودُجّن في إطار العقلانية المادية التكنولوجية. بذلك تنجح العولمة في خلق طبيعة ثانية مُشوَّهة لدى الإنسان، يتركز اهتمامه على وظيفته التي يضطلع بها (فهو إنسان وظيفي)، وتتركز أحلامه على السلع، ويرى ذاته بوصفه مُنتجًا، ومُستهلكًا وحسب، من دون أدنى إحساس بأية غائية كبرى أو هدف أعظم. ويرى أن تَحقُّق ذاته إنما يكمن في حصوله على السلع، فتُشبع كل رغبات هذا الإنسان داخل مجال السلع هذا حتى يصبح أحادي البُعد تمامًا (مُتسلِّعًا مُتشيِّئًا) مرتبطًا بسوق السلع؛ حدوده لا تتجاوز عالم السوق، والسلع(10).
أمــــــــا مفــــــهــــوم مصـــــــطلـــح الــعـــــولـمــــة أو الـــكــوكــــــــبــة (Globalization) نـفـــسه الـــذي انتـــشر بــــدءًا مــــــن العقــــد الأخـــير مـــن الـقـــرن العشــرين، فـيـعـني ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رؤوس الأموال، أو في تأثر أمّة بقيم غيرها من الأمم، وعاداتها، وتقاليدها وقواعدها(11)، فـ«الإنسان المعولم» - إذا صحّ التعبير - حُرّر من المعايير المطلقة للمجتمع التقليدي، وجرى تنقيته من كل المبادئ باستثناء مبدأ السعادة وامتاع الذات، وفُـرّغ من كل المقاصـد والقـيم إلا مقـصد البقاء وحفظ النفس، وأصبح إنسانًا مُفرغًا من كلّ محتوى، ومعيار، وأصبح عاجزًا عن تقـييم الخـيارات المطروحة، أو إدراك حقـيقة التشوهات الحـاصلة بغية تصويب الأخطاء، وإنتاج الحلول. بذلك لم تَعُد لديه أية قدرة على تجاوز ذاته الضيقة، أو الظروف المحيطة به، ولم تَعُد لديه المقدرة على النظر إليها نظرة نقدية، وأصبحت المقدرة الأساسية عنده هي القدرة على التكيف مع القوى الاجتماعية المهيمنة، وأداء الوظيفة الموكلة له؛ فالتكيّف لا يبدأ من اللحظة التي يُشرع فيها بإنتاج أجهزة الراديو والتلفزيون بكميات كبيرة، ولا من اللحظة التي تفرض فيها الرقابة المركزية عليهما، فعندما يدخل الناس في هذه المرحلة يكون التكيف قد قطع شوطًا طويلاً، وما حاسم الآن هو أن المفارقة (أو الصراع) بين المعطى والممكن، بين الحاجة المُلباة وغير المُلباة، قد أخذت تخفّ حدّتها، وما يُسمى بتحقيق المساواة بين الطبقات، يسفر هنا النقاب عن وظيفته الأيديولوجية؛ فإذا كان العامل وربّ العمل يشاهدان البرنامج التلفزيوني نفسه، وإذا كانت السكرتيرة ترتدي ثيابًا لا تقل أناقة عن ابنة مستخدمها، وإذا كان الفقير يملك سيارة من الشركة، وإذا كانوا جميعًا يقرأون الصحيفة نفسها، فإن هذا التماثل لا يدلّ على زوال الطبقات، إنما يشير إلى العكس، إلى مدى مساهمة الطبقات السائدة في تحديد الحاجات، والتلبيات التي تضمن استمرار السيادة لها(12).
يواكب انتشار العولمة الطريق السريع للمعلومات (Information)، والســـــمــــوات الــمفـــــتوحـة (Open Skies)، وانتـــــــــشار الفــــــــضائـــــــيات (Satellite TV)، وسيطرة القيم الغربية على العالم في ما يخصّ أساسًا الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني، فالعولمة ما هي إلا رسملة العالم(13)، وتجري السيطرة عليه في ظل هيمنة دول المركز، وسيادة النظام العالميّ الواحد، وبالتالي إضعاف القوميات، وإضعاف السيادة الوطنية، وصياغة ثقافة عالمية واحدة تضمحل إلى جوارها الخصوصيات الثقافية. والنمط السائد حاليًّا، هو العولمة الأميركية، بمعنى «أمـــــــركـــــــة الــعــــــالــــم» (Americanization of the world)، وسيــــادة الأيـــديـــولــجــية الأمــيــركــيــة عـــلـــى غيرها من الأيديولوجيات(14)، إذ تشغل مكانتها في صيرورة الإنتاج؛ فوسائل النقل، والاتصال الجماهيري، وتسهيلات السكن، والطعام، والملبس، والانتاج المتعاظم لصناعة أوقات الفراغ، والإعلام، إن هذا كله، تترتب عليه مواقف، وعادات مفروضة، وردود أفعال فكرية، وانفعالية معينة تربط المستهلكين بالمنتجين ربطًا مستــحــبًّا بـــهــذا الــقــــدر أو ذاك، ومـــن ثــم تــربــطــهـم بــــالمجمــوع. إن المنتــجــات تصــطنع وعيًّــا زائفًا عـديــم الإحساس بما فيه من زيف(15).  
لذا، لم يعد خافيًا، أن العالم يعيش في عصر عولمة متوحشة (Wild globalization)، قادرة على إضفاء صفة الحاجة على ما هو زائد عن الحاجة، وبات الناس يتعرفون على أنفسهم في بضائعهم، ويجــــدون جـــوهـــر روحـــهم في سيـــاراتـــهم، وجهـــازهـــم التلفزيوني(16) أو الهاتفي دقيق الاستقبال...، عولمة تفرض أدبياتهــا علـــى شعـــوب الأرض قـــاطــــبةً، تـــارةً بالترغيب، وتارةً أخرى بالترهيب. وإذا كان اليوم ثمة صعوبة بالغة في تحديد حجم التأثير السلبي للعولمة في الدول والمجتمعات والشعوب، إلا أنه بات في الإمكان أن يلمس المرء أنه يخسر شيئًا فشيئًا جزءًا من مكونات هويته الثقافية(17) التي تميزه إيجابًا عن الآخر، مقابل اكتسابه «ثقافة» تجعل منه مقلدًا وتبعيًّا، بل ومدمنًا على كل ما ينتجه الآخر(18)، لظنّه أن الحياة المعاصرة الحقّة هي في الأخذ بهذه المنتجات، واستخدامها، واللحاق بكل جديد تنتجه، والاعتماد عليها اعتمادا كليًّا. وما هي في الحقيقة سوى ثقافة مصطنعة (Culture Industry) ينتجها النظام العالمي إنتاجًا، أي ثقافة زائفة تقف في مقابل الثقافة الشعبية الحقيقية الناتجة تلقائيًّا من تفاعل البشر بعضهم البعض في إطار حركية المجتمعات لا تماثلها كما هي سياسة العولمة.

2. الخضوع للعبة :
ما يبدو لافتًا للانتباه في مشهدية العولمة، أنها تستعيد إنتاج الفلسفة المثالية(19) (Idealism) التي أســـــس لهــــا Platon أفــــــلاطــــون(20) (427 - 347 ق. م.) لتكريس مفهوم المثال الأوحد، وكل ما يشابه هذا المثال/ النموذج، هو محاكاة(21) (Mimesis) له، وبهذا كلّ مَن يحاكي المثال في العالم الطبيعي، هو لا يقدّم معرفةً حقيقيةً، لأنه يحاكي/ يقلّد أصولاً موجودة في عالم المثل الذي يتضمن كل الصور الخالصة لكل الموجودات في الطبيعة، وهي بهذا المعنى، تكون ثابتة، وكاملة. بناءً عليه، جعل أفلاطون الفنان/الشاعر في المرتبة الثالثة، بعد الخالق الحقيقي للمثال، ومحاكاة الصانع للمثال في العالم الطبيعي، بحسبان أن الفنان/الشاعر يحاكي المحاكاة، أي تقليد التقليد.
يلحظ المرء هذا التقاطع بين الأفلاطونية والعولمة:
- فالأولى طردت الفنانين والشعراء من الجمهورية بحجة أنهم يثيرون في نفوس أبناء الجمهورية الخوف، والحزن، والألم، والابتعاد من الحقيقة.
- والثانية تقضي على خصوصيات الشعوب، ولاسيما آدابها الشعبية، بحجة عدم صلاحيتها لمواكبة العصر، وفلسفة السوق، فتفرض بالتالي آدابها، ونماذجها، وسلوكياتها بحسبان أنها النماذج «الكاملة».
لكن، ما يبدو مربكًا حقًا، هو إقدام الشعوب على الخضوع للعبة العولمة من دون طرح أسئلة، فيجد المرء مثلاً، أن ما حلّ محل الأدوات والأشياء والعناصر التي كان يتعاطى معها الإنسان يوميًّا، حافظت العولمة على المهمة التي وُجدت لأجلها، إنما ما فعلته، هو تغيير صناعتها والمادة التي تنتجها، لتصبح قابلة للاستهلاك السريع، لذا، اختفت الفخّاريات مثلاً ليحلّ محلها البلاستيك والألمنيوم (فالإبريق بقي يستخدم للماء، إنما بدلاً من أن يكون من فخّار مصنوع محليًّا، أصبح يستورد من الخارج، ويُصنع من مواد يُعتقد أنها مسببة للكثير من الأمراض)، وتراجعت الثقافة العمودية/المتعمّقة، لتحلّ محلها الثقافة السطحية/الشاشة، وأطلق الرصاص من كل حدب وصوب على الحليب الطبيعي، ليتقدم محله حليب البودرة، كذلك شوّهت الذائقة، فبدلاً من تناول العصائر الطبيعية تجد العصائر المعلّبة والمصنّعة هي المنعشة، والمناسبة للأمزجة في كل وقت وزمان، وفوق هذا وذاك، وسمت الأساطير، والأغاني الشعبية، والحكايات الشعبية بالبدائية (بالمفهوم السلبي)، والمثيرة للغرائز، والوهم، والتخلف، لتحلّ محلها أساطير السينما الهوليودية...، أي تنميط الفن، وخلق الأيقونة/المثال.
إن الديباجات الفردية التي تستخدمها إعلانات «الشــــــركـــات العابـــرة للقـــارات» (الكــوسمـوبـوليتية(22)Cosmopolitanism) هي قناع ماكر يخبّئ عملية فرض الأنماط الاستهلاكية الجمعية التي توحي للمستهلك بأنه يقلد الآخرين، وأن يتبع الموضات، وآخر الصيحات، فكأن الفردية هنا هي قناع لعملية ترشيد كاملة لباطن الإنسان، تُدخل في روعه أن هذا الحلم هو حلمه وحده، وأن هذه السلعة سبيله الوحيد لتحقيق ذاته، مع أنه في واقع الأمر وسيلة تجعل تطلعاته وأحلامه مثل تطلعات الآخرين وأحلامهم. من هنا، يمكن للآلة الاستهلاكية الاستمرار في الدوران، لـ«يتكون الفكر والسلوك أحادي البعد»(23).
إن «المستهلك أحادي البُعد» هو أنيق الملبس يستهلك كلّ السلع المطلوب منه أن يستخدمها داخل إطار مجتمع يُدار من الداخل والخارج بطريقة هندسية رشيدة غير ديموقراطية. ومع هذا (وهنا تكمن قوة المجتمعات الاستهلاكية)، يظن الإنسان أنه يمارس حريته وفرديته؛ فمجال الاختيار في عالم السلع واسع إلى أقصى حدّ. لكن هذا يخبئ الحقيقة الأساسية، وهو أن مجال الاختيار في الأمور المهمة (المصيرية، والإنسانية، والأخلاقية) قد تقلص تمامًا، واختفى، وأن هذا الإنسان فقد مقدرته على التجاوز، وعلى نقد المجتمع، وأصبحت عنده مقدرة عالية على التكيّف، وقبول الأمر الواقع، والإذعان له. ويسمّي ماركوز هذه المجتمعات «مجتمعات ديموقراطية لا تتمتع بالحرية»، أي مجتمعات شمولية نجحت في أن تجعل الجماهير تستبطن الرؤية السائدة في المجتمع، وتسلك حبسها من دون قمع بوليسي برّاني، بحيث يرى الإنسان أن الهدف من الحياة هو تَزايُد التحكم في الطبيعة، وتَراكُم السلع، وبذا يسود ضرب من «افتقاد الحرية في إطار ديموقراطي سلس معقول (smooth reasonable democratic unfreedom)».
في الحقيقة، إن الأهوال التي تنبعث من «حضارتنا المعقدة»، بحسب العالم النفسي السويسري Carl Jung كارل يونغ(25)(1875 - 1961)، قد تكون «أشد خطرًا بكثير من تلك التي يعزوها البدائيون للأبالسة والشياطين»(26)، فموقف الإنسان المتمدن الحديث يذكّره أحيانًا، بمريض بالذهان، قصد عيادته، وكان هذا المريض طبيبًا أيضًا، يقول يونغ: «لقد سألته ذات صباح عن حالته، فأجاب أنه قضى ليلة رائعة وهو يعقّم السماء كلها بكلوريد الزئبق، لكنه إبان تلك العملية الصحيّة الشاملة، لم يجد أثرًا للإله»، ويعلّق قائلاً: «هنا، نرى مرض العُصاب أو ما هو أسوأ منه، فبدلاً من الإله أو خشية الإله، هناك عصاب القلق أو نوع من أنواع الخوف. إذًا الشعور هو نفسه، لكن هدفه تغيّر، مغيّرًا كلاً من اسمه وطبيعته نحو الأسوأ»(27).

3. فريحة وعبود و«الشعار الأثيري»!
هل يعيش الإنسان المعاصر - حقًا - في «قرية صغيرة»، وهو شعار العولمة الأثيري؟ وإذا لديه الرغبة في العيش في هذه القرية فعلاً، والانتماء إليها، لماذا أهمل قريته الخاصة التي تشكل تميزه وهويته، وعلامته الفارقة في هذا العالم؟
في موازاة هذين السؤالين، ألم يكن لافتًا للانتباه، أنه في الوقت الذي كان الأديب اللبناني أنيس فريحة(28)(1903-1993) يطلق صرخته التي ترجمها عبر كتابه: «حضارة في طريق الزوال: القرية اللبنانية»(29)، رأى العـــالـــــم الكــــــندي Marshall McLuhan مـــــارشــــال ماكلوهن(30)(1911-1980)  في ستينيات القرن الماضي، أن وسائل الإتصال ستحوّل جميع سكان كوكب الأرض بدوله المختلفة، إلى أشبه بسكان قرية صغيرة؛ ما يجري في أي بيت من بيوتها سرعان ما يعلم به ويتأثر به كلّ سكانها؟
وفيما لم يبد الأديب اللبناني مارون عبود(31)(1886-1962) في العام 1953، خشية على اللغة الفصحى، أعرب عن خشيته من «إفساد اللهجة»، فيقول: «إن سهولة المواصلات، ومطامع الشركات، والمهاجرة من وإلى، قد تؤدي إلى إفساد لهجتنا»(32).
تبدو رؤيا عبود المبكرة للخطر الذي يتربص بـ«لهجة الحياة اليومية»، و«التفاهم بين أبناء الأمة»(33)، لافتة للانتباه، وهذا ما يمكن وضعه اليوم في خانة «العولمة»، ومن أبرز أدواتها: سهولة المواصلات والاتصال، والشركات متعددة الجنسيات، وقد باتت اليوم تهدد فعلاً، ثقافة الأمة الشعبية، وجامع تفاهمها المشترك، أي اللهجة التي تعبر من خلالها عن حاجاتها، وانفعالاتها، وردود أفعالاها، وتعابيرها العفوية والتلقائية، وبالتالي، «تفسد» العولمة - لم تكن قد اتخذت مصطلحًا خاصًا بها في زمن كتابة عبود هذه المقالة - «اللهجة» بعدما جعلتها تنفصل عن ماضيها، وتقطع صلة التواصل بين جيلي الآباء والأبناء.
أدرك عبــود في وقــت مبــكر، أن الخــطر الحقــيقي ليس على اللغة الفصحى، بل على اللهجة العامية، وبمعنى آخر ليس الخوف على أدب الفصحى، بل على أدب العامة، وذلك على الرغم من بروز أصوات تدعو في ذاك الوقت إلى حماية الفصحى من خطر «الداعين إلى إحلال العامية محلها» من جهة، وأصوات تدعو إلى جعل اللغة الفصحى لغة حياة عبر إحلال العامية محلها من جهة أخرى(34).
تنطبق صرخة فريحة وخشية عبود في طبيعة الحال، على ما هو أبعد من «حضارة القرية اللبنانية» أو «اللهجة العامية»، على «حضارات» المنطقة العربية كلّها التي غزتها الحضارة الغربية بعنف وقوة، فمحت الكثير من معالمها، ومظاهرها، وعاداتها وتقاليدها، وأساليب عيشها، ولم يعد ثمة رابط بين ماضي هذه الشعوب وحاضرها ومستقبلها، وإن وجد فهو رابط يعتريه التشويه، وإبراز أسوأ ما فيه، وهو العصبية والعنف والغرائزية التي كانت هذه الشعوب عبر مسارها الحضاري السابق، تجهد للحدّ من انتشاره وتفشيه، عبر فهم واقعها، والانفتاح على الآخر، وممارسة عمليات التأثر والتأثير بوسائل واعية، تأخذ من الآخر ما يفيدها، ويشكل إضافة نوعية لوجودها ولمسيرة حضارتها، وإهمال ما لا يناسبها، أو ما يجعلها تندفع بتبعية عمياء لكل ما هو جديد.
يلحظ علماء الإناسة(35)(Anthropologists) في سياق متصل، أن البشرية عرفت على امتداد تاريخها، عشرة آلاف لغة، أما اليوم، فقد انخفض العدد إلى ستة آلاف؛ 300 لغة يتحدث بكل واحدة منها أكثر من مليون شخص، أي ما نسبته خمسة في المئة من اللغات المتداولة التي لا يعرف بعضها سوى مئات قليلة من المتكلمين. وتبرز الأرقام أن نصف اللغات التي ما زالت متداولة، ستندثر خلال هذا القرن الواحد والعشرين.
ولا تزال محاولة العولمة لفرض الإنكليزية لغةً وحيدةً في العالم، تجري على قدم وساق، وهو ما يعلــنه صـــراحةً منـــظرو العــولـمــة، ولا سيــــما Samuel Huntington صــــامــــوئـــــــيل هـنــتــــغــــــــتـون(36)(1927-2008) في كتابه «صدام الحضارات»(37)(Clash of Civilization)، إذ يتواصل السعي إلى إيجاد لغة عالمية واحدة، ودين عالميّ واحد، وثقافة عالمية واحدة، وحضارة عالمية واحدة(38).
هذه المعطيات يمكنها أن تظهر إلى أي حدّ كانت الثقافات المحلية غير قادرة على مقاومة «وحش التحديث» (Monster updated) في القرن العشرين، وكيف أن عصر العولمة أو «ما بعد الحداثة» الذي ما زال في بدايته، يمثل تهديدًا متواصلاً للثقافات المحلية، واللغات المتداولة.

4. الاستسلام  ـ  الخلل:
إن صفّارات الانذار التي كانت تطلق بين الفينة والأخرى بهدف الانتباه إلى الهوية الثقافية، بدأت تخفت، وكأن الإنسان العربي عمومًا واللبناني خصوصًا، أصبح مستسلمًا استسلامًا كليًّا لكل ما يأتيه من الآخر، حتى يكاد يظن أنه إذا فكّر للحظة أن يختار منتجًا، ويترك منتجًا آخر، سيصبح متخلفًا، وغير حضاري، بل وغير إنساني!
لعل أخطر ما «فعلته» العولمة، في هذا السياق، هو ما يلحظه المرء على مستوى الخلل الذي أحدثته في الإرث المعرفي الذي عادةً، يسلك مسلكًا معروفًا، وهو من الماضي إلى الحاضر، أو بما يمكن فهمه على المستوى الإنساني: انتقال الراية من الأب إلى الابن، إنما ما يحدث في ظل العولمة، هو العكس تمامًا، فيجد المرء أن الأبناء يعلّمون الآباء، خصوصًا في المسائل المتعلقة بوسائل الاتصال الحديثة، والتقنيات العلمية المختلفة. وبناءً عليه، يجد الآباء أنفسهم، في أوقات كثيرة، تلاميذ أبنائهم، ما يعني على مستوى أعلى، كسر مفهوم الأب «العارف»، و«الخبير»، و«القادر»، و«المنقذ»، و«الحامي»...
ليس هذا فحسب، بل يجد المتابع أيضًا، أن الثقافة العربية؛ الفصيحة منها والعامية، تحولت إلى «ثقافة شاشة»(39)، ومن نهج فكريّ إلى «نهج خطابي شاشوي»(40)، مرتكزاتها تنحصر باليوميات الصحافية(41)، وببعض ما تبثه مواقع الإنترنت، وكأن الإنسان يعيش من دون تاريخ، وتصورات مستقبل، كُسرت رؤيته للحياة، والعالم، والكون، فطبعته العولمة بطابعها، وبأيديولوجيتها المهيمنة(42).
إن القرية العربية عمومًا واللبنانية خصوصًا، أصبحت في زمن العولمة احتمالاً بين عدة احتمالات، وإن كان احتمال الهجرة أو الموت من بين أقوى الاحتمالات التي يعرفها سكان هذه القرى اليوم، إذ تحولت القرية في وظيفتها إلى أن أصبحت من دون وظيفة، ومهمتها الوحيدة تزويد المدينة باليد العاملة(43)، أما مَن يبقى فيها، فيمتصّه الإهمال، وتوقف الزمن، بعدما كانت ثقافة القرية تكرّس «غريزة الحياة المرتبطة عضويًّا بالطبيعة»(44)، وتدفع الإنسان فيها - بحسب المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1936-2010) - إلى أن «يحترم حياة الآخرين، وصحتهم، وإلى الوقوف للدفاع عن المظلوم، ورفع الأذى عنه، إضافة إلى معاقبة المسيء بما يتناسب وإساءته. وهذا ما يقتضيه مفهومهم للحرية، وحق المساواة، القيام بذلك، وهما حقّان طبيعيان»(45).
يـــرى عـــالـــم الإنـــاســـة الفـــرنـــسي جـــورج بــلانــديـر   Georges Balandier () - أن المجتمعات يمكن تقسيمها بحسب علاقتها بالزمن، بالآتي:
المجتمع التقليدي: يختص بتصرّف في الزمن يتجه نحو الماضي، أي تسوسه التقاليد...
المجتمع العصري: يتميز بتصرف في الزمن يقوم على قطيعة عن الماضي.
المجتمع «فوَ محدث» (بعد الحديث):
هو المجتمع الحالي المتسم بالحركة المتواصلة، والتغيرات السريعة، والزمنيات المتسارعة. في هذا المجتمع يغدو الزمن مشكلة(46).
لكن إذا كان المجتمع الفرنسي تحديدًا، تمكن من إنجاز انتقال ثوري من أنماط زراعية تقليدية إلى اكتساب الصناعة من الانتاج الحِرفي واليدوي، ثم إلى الانتاج الممكنن، بدت رحلة الانتقال هذه في المجتمعات الإنسانية الأخرى قسريّة، وعشوائية في أغلب الأحيان، تحت «تأثير الاستعمار وضغوطه، والانخراط في شبكة النظام الرأسمالي العالمي، أو تحت إلحاح الأنظمة التي نزعت الاستعمار، وكانت مستعجلة لبناء الدولة الحديثة عبر التخلص من إرث الماضي»(47)، لأنها كانت تريد فتح الأسواق لتصريف الإنتاج.
من هنا، كيف يمكن للمرء أن يطلق مجددًا صفارات الإنذار، وإذا فعل، هل ثمة جدوى من ذلك؟ ألم يكن عنوان العولمة العريض هو جعل العالم «قرية»، وأن أول ما فعلته هو السعي الحثيث لإبادة كل «قرى» البشر، والفرض عليهم مفاهيم «قريتها» هي؛ فسيطرت على أبسط ما يتميزون به، وهو المأكل والمشرب والملبس، وعاداتهم وتقاليدهم، وأنماط استهلاكهم، وتواصلهم في ما بينهم، حتى أنها فرضت عليهم كيفية التعبير عن أفراحهم وأحزانهم، وطرائق تعبيرهم الشفوي والجسدي؟
والمفارقة أن التنقيب عن الآثار الذي بدأ في الحقبة الاستعمارية، حين كانت بعثات التنقيب تأتي من أوروبا لاكتشاف تراث الحضارات الغابرة، ترافق مع اندثار التراث المرتبط بالحياة اليومية؛ كانت الحِرف التقليدية والصناعات اليدوية تندثر، وكانت الأجيال الجديدة تُهمل طرائق عيش الآباء والأجداد التي تشمل حكاياتهم، وأقاصيصهم، وأغانيهم، باسم التعلق بتراث كلاسيكي أقدم عهدًا، أو باسم التعلق بالثقافة العالمية(48)، تحت وطأة الانخراط بسوق العمل.

5. الحياة الجديرة بأن تُعاش :
يبدو أن الرهان مجددًا، على إعادة الاعتبار للأدب الشعبي، هو بمنزلة فعل إيمان بالمثل الشعبي القائل: «بحصة بتسند خابية أو جرّة»، واعادة الاعتبار للقيم التي تعزّز من إنسانية الإنسان، ومن مساهمة هذا الإنسان - ولو في الحد الأدنى - في النشاط الحضاري الذي يسعى إلى بناء شعب حرّ في خياراته، وقراراته، وأساليب عيشه، وتعبيره عن ذاته، لا جعله تابعًا وعبدًا ومقلدًا، فـ«الحياة البشرية - بحسب ماركوز - جديرة بأن تُعاش، أو بتعبير أدق، أنها يمكن أن تكون كذلك، ويجب أن تكون كذلك»(49).  
يمكن القول إن من أبرز مقومات تشكل هذا الرهان في الوقت الحاضر، هو ما يلاحظه المتابع على مواقع التواصل الاجتماعي على «الإنترنت»، وبرامج الاتصالات الحديثة(50)، إذ إنه، وعلى الرغم من اتهام هذه الوسائل، بجعل الإنسان «وحيدًا»، وأنها تساهم باستلابه(51)، تبرز في الوقت نفسه، أن الإنسان إجتماعيّ في الفطرة، ويحتاج إلى التواصل مع الآخرين، وإلا كيف يفسّر المرء هذا الكمّ الهائل من التعابير المشتركة بين «الفراندز»، أو تبادل «اللايكات»(52)، والصور، وتحيات الصباح والمساء، والتهاني في المناسبات السعيدة، والمواساة في المصائب والأحزان، فضلاً عن نشر آلاف النصوص، والحكايات، والأشعار، والحكم، والأمثال، والآراء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والوطنية؟
كذلك، تعدّ إشكالية البحث عن مشروع حضاري إنساني، في ركام القول بالصدام الحضاري العولمي، مهمة أساسية لدى الطامحين إلى السلام العالمي في ظل حوار بنّاء قائم على الاحترام الحضاري المتبادل بين الشعوب، وهو ما شكّل جوهر الأبحاث المكثّفة التي برزت من بداية التسعينيات إلى اليوم، وحاولت أن تقدم تفسيرات لما يحصل، أو تجيب عن أسئلة باتت معلقة لسكان الأرض(53).
هذه المسألة تقود البحث إلى التمييز بين «عولمة متوحشة» تقودها شركات عملاقة ربّها الأعلى: المال، والسيطرة، والتسويق، و«عولمة إنسانية» (Humane globalization) تعي الاختلاف، وتعزّز من دعائم جسر عبور عمليات التأثر والتأثير، فهذه العولمة الإنسانية ليست جديدة على الإنسان، إنما هي فكرة مسيحية - إسلامية في الأساس، إذ إن هذين الدينين قاما على قاعدة تعزيز التواصل بين الشعوب، والقوميات المختلفة(54)، وبهذه الفكرة اتسع انتشارهما، «بينما بقيت الديانة اليهودية محدودة، ومغلقة، لالتزامها تاريخها، وخواص شعبها، على الرغم من أنها من ذات النهج العقائدي للدينين»(55).
لذا، وكما حررت العولمة الدينية (Religious globalization) المنتمين إليها من الماضي؛ أطلقت المسيحية على هذا الماضي تسمية «الوثنية»، وأطلق الإسلام عليه تسمية «الجاهلية»، فإن العولمة الإنسانية الحديثة تكمل هذا التحرر، بتجاوز كل ما يقيد الإنسان، ويعيق قناعاته الشخصية، وبالتالي تغدو مقياسًا لقابلية المجتمعات للتقدم، والتلاقح، والانسجام مع الآخرين. مع التأكيد أن هذا النهج ليس من اختصاص أحد، أو ابتكار مجتمع من دون غيره، بل هو حصيلة تطور جماعي لحضارة الإنسان، بحيث يصبح الجميع في معسكر واحد، يواجه هدفًا مشتركًا، إما بالتطلع إلى الخير العام، وتجاوز الخلافات، أو لمجابهة ما يهدد الوجود الإنساني، واستمراره، فالأخطار الكبيرة تحمل دعوة ملحة إلى إعادة تكريس مفاهيم شرعة حقوق الإنسان في المناهج التربوية، تكون ملزمة لكل الشعوب، كي يشعر كل فرد «بأن بعض مصيره مرتبط بمصير غيره، وليس من حقّه رفض الآخرين، وحقوقهم بأية ذريعة، أو عقيدة»(56).
إن تنامي التحديات الطبيعية والحضارية معًا، لم يعد يقتصر على شعب من دون شعب آخر، أو على جماعة من دون أخرى، أو على طائفة من دون أخرى...، بل هي تواجه «بقاء الإنسان» على الأرض، ولعل أبرز هذه التحديات هي: إنتاج الغذاء، وتوفير الماء، والحماية من التلوث والاشعاع، وخطر دمار الأرض.
تكشف وقائع الحروب التي تعزز من وسائلها العنفية مواكبةً لما يطلق عليه «تطور»، و«تقدم»، و«عولمة»، أن الوحشية قوة كامنة في عمق كلّ إنسان، وهو دائمًا يبحث عن ذريعة لممارسة هذه القوة المدمّرة لديه، وإذا كانت «الثقافة الرفيعة» تسعى دائمًا إلى الحدّ من «الثقافة الوضيعة» (أو ما يسميها المثل الشعبي: حكي قرايا وحكي سرايا)(57) وتفكيك بِناها، بحجة أنها السبب في هذه «الوحشية»، لارتباطها بالثقافة الماورائية، والبدائية، يجد المرء نفسه في حالة ذهول عمّا تنتجه هذه «الثقافة الرفيعة» من أدوات أكثر وحشية، ووسائل تعمق أكثر فأكثر من الماورائية، والدليل ما تروج له العقلية الأميركية من أنماط خرافية قادرة «دائمًا» على إنقاذ كوكب الأرض من خطر داهم يخرج من باطن الأرض، أو يأتي من كوكب المريخ أو زحل!
هذه «الحضارة» المفروضة على الأرض، تكشف أن جميع القيم العليا التي يمكن أن يتطلع الإنسان إليها، قابلة للتحريف والتزييف، وخداع الآخرين، بواسطة قياديين ماكيافليين(58)، وما تكشفه بعمق خطير، أن ثقافة أيّ إنسان، إنما هي بِنية قابلة للتحول إلى عداء مميت.
إن بوادر القلق تتعاظم في الزمن الحديث؛ القلق على الحضارات الإنسانية في خضم التطورات الهائلة على غير صعيد، وهي تزداد خطورة في وضعها في إطارها الصحيح بين تهديدات العولمة، والقلق المزدوج على الماضي والمصير، وتتزايد الأسئلة، وتتكثف حول ما يجري: أنعيش في زمن النهايات أم البدايات؟ ما هو السبيل إلى التلاقي والتحاور في مهمة إنقاذية لسكان الأرض، في ظل عولمة قادرة على التخريب، والاعتداء، والإلغاء، بدل الافساح في المجال أمام الاستفادة من التقدم البشري الهائل؟(59) والخيار الجدّي المطروح اليوم أمام الحضارات كلها: علاقات إنسانية أم علاقات هيمنة؟ مجتمع إنساني أم مجتمع السوق؟(60)
يبدو من المفيد التذكير بأن حضارات ذات قيم عليا يمكن ايجادها بين شعوب بدائية لم تكن ذات انجازات إنشائية وعلميّة جبارة؛ لذا، يجد المرء نفسه، أمام هذا الواقع الإنساني اليوم، يعيد طرح السؤال نفسه الذي جال في خاطر جلجامش(61) منذ خمسة آلاف سنة: إلى أين نحن ذاهبون، وقد أطلقنا الرصاص على الماضي، وها نحن نجعل الحاضر جهنمًا؟
لعله من المناسب في خلاصة هذا الجانب من البحث، أن يُختم بما رواه الأديب اللبناني سلام الرّاسي(62)(1911-2003) في القسم الأخير من حكايته «كان، يا ما مكان»، التي افتتح بها كتابه: «الناس بالناس...»، يحكي الرّاسي:
«... وانقطع، بعد ذلك، ظهور الخوارق في قريتنا، بعدما فاجأتنا خوارق من نوع جديد، كان أدهشها عجيج السيارات على الأرض، وضجيج الطائرات في الفضـــاء، وراح رجــالـــنا يتخـــيّلـــون بشـــأنهــا أغـــرب التخيّلات، وينسجون الحكايات الجديدة المثيرة حول شتّى المفاجآت».
وقبل أن يعقد الموت أجفان أبو مقبل(63)، غزت المطاحن الآلية الحديثة أكثر قرانا، وعلى الرغم من انتشار عدّة شائعات تقول إن «جَعِير» محركات هذه المطاحن «يَقْطَع حيْـل» الطحين، وإن ميازينها التي لا تُعدّ فيها «البركات»(64) ستقطع البركة من بيوتنا... على الرغم من هذه الشائعات أقبل الناس إليها، واحدًا بعد الآخر، وأكياس القمح على ظهور دوابهم، وكان أبو مقبل آخر المقبلين، بعدما نبت الشوك على طريق مطحنته.
وبدأ بعض المتقدمين العارفين يلاحظون أن الحال الأول تحوَّل: صارت الأشجار لا تسجد في ليلة عيد الغطاس(65)، وانطفأ خبر الجنّ، وصارت حكايات الأشباح والأرواح من سقط المتاع، حتى أن شجرة «المستحيَّة»(66) «بطَّلتْ تستحي»، لأن الذين استحوا ماتوا - كما تقول عجائز هذه الأيام - وصار بعض أبناء الجيل الجديد لا يتورَّعون عن إلقاء فتات الخبز على الأرض، ويطأون الملح بأقدامهم... وقلَّت البركة بين أيدي الناس.
ونشأ عندنا جيل من المشكّكين استطاعوا أن يطمسوا أجمل ما نسجه خيال آبائنا، وأجدادنا من أساطير، وخرافات، وأمثال، وحكايات تنضح بالجمال، والحكمة، والبركة.
وتشاءَم شيوخ القرية لهذه الظواهر المريبة، وانزووا أخيرًا في زواياهم، وراحوا يجمعون العلامات عــلــى آخــر الأوقـــــات»(67).
بين طمس المشككين، وتشاؤم شيوخ القرى، أو ما تبقى منهم، تبدو دعوة الأديب الألماني يوهان غوته Goethe‏ Johann () الذي أطلق عبر قصيدة تتغنى بمتع الشعر الشعبي، مصطلح الأدب العالمي (Weltliteratur) في العام 1827، صالحة لهذا العصر ولكلّ العصر: «لست أقصد - من الأدب العالمي-  إلى أن تفكر الأمم بطريقة واحدة، بل أدعو إلى أن تتعلم كيف تتفاهم في ما بينها، فإذا لم يكن يعنيها الحبّ المتبادل، فلا أقل من أن تتعلم كيف تتسامح»(68).

 

الهوامش:

 1. يعتمد البحث هذه الترجمة للفولكلور، أما في الاستشهاد، فيدع الكلمة كما وردت في المصدر أو المرجع.

 2. ينظر: الملتقى العربي الثاني للأدب الشعبي (من 24 إلى 26 فيفري 2009): الشعر الشعبي بين الهوية المحلية ونداءات الحداثة، منشورات الرابطة الوطنية للأدب الشعبي لاتحاد الكتّاب الجزائريين، جمع وإشراف نبيلة سنجاق، ورقة: بولرباح عثماني: الأدب الشعري الجزائري ومناحي التجديد الإبداعي، ص 14 و15.

 3. الملتقى العربي الثاني للأدب الشعبي...، الجزائر، م. س.، ورقة: د. جورج شكيب سعادة: الشعر الشعبي اللبناني بين سلبيات الحرب وفوضى العولمة، ص 27.

 4.  الابتداعINNOVATION: يرجع أصل المصطلح إلى الكلمة اللاتينية Innovare، أي يحدث التغييرات. الابتداع هو أيّ عنصر ثقافي جديد تقبله الثقافة، وهو كذلك العملية التي تؤدي إلى هذا القبول وما يمكن وصفها بأنها صورة من صور التغيّر الثقافي. ويعرف الابتداع أيضًا، بأنه أيّ فكرة، أو سلوك، أو شيء يكون جديدًا، لأنه يختلف نوعيًّا عن الأشكال القائمة. ويمكن وصف عمليات الابتداع بأنها اختراع، واكتشاف، وانتشار... للمزيد، ينظر: إيكه هولتكرانس: قاموس مصطلحات الأثنولوجيا والفولكلور، تر. د. محمد الجوهري، ود. حسن الشامي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، رقم الايداع 10029/99، ط2، ص 11

 5. إيكه هولتكرانس: قاموس مصطلحات الأثنولوجيا والفولكلور، م. ن.

6. ينظر:

 Expert Committee: Recommandations présentées par le symposion à Amsterdam à la CIAP. Actes du congr. International d,ethnologie réigionale, 1955. Arnhem, 1956, P 137.

 7. ينظر: علي الخاقاني، فنون الأدب الشعبي: دراسة ونماذج من الموال والأبوذية والموشح والمذيل والتجليبه لشعراء العراق، منشورات دار البيان، مطبعة الأزهر، بغداد 1962، الحلقة الأولى، ص 3 (المقدمة)

 8. هذه العبارة  التي تعني "الإنسان البسيط غير المركّب"، هي في الأساس، جاءت في كتاب صادر في العام 1964 للفيلسوف الألماني الأميركي هربارت ماركوز (1898 - 1979) (Herbert Marcuse: One Dimensional Man, Beacon Press ,US 1964, P 257)، المعروف بتنظيره لليسار الراديكالي، وحركات اليسار الجديد، ونقده الحاد للأنظمة القائمة، وهو أحد مفكري مدرسة فرانكفورت. فالإنسان ذو البُعـد الواحد – بحسب ماركوز - هو نتاج المجتمع الحديث، وهو نفسه مجتمع ذو بُعد واحد يسيطر عليه العقل الأداتي، والعقلانية التكنولوجية، والواحدية المادية، وشعاره بسيط هو التقدم العلمي، والصناعي، والمادي، وتعظيم الإنتاجية المادية، وتحقيق معدلات متزايدة من الوفرة، والرفاهية، والاستهلاك. وتهيمن على هذا المجتمع الفلسفة الوضعية (Positivism) التي تُطبِّق معايير العلوم الطبيعية على الإنسان، وتدرك الواقع من خلال نماذج كمية، ورياضية، وتظهر فيه مؤسسات إدارية ضخمة تغزو الفرد، وتحتويه، وتُرشِّده، وتُنمِّطه، وتُشيِّئه، وتُوظِّفه لتحقيق الأهداف التي حددتها. ويذهب ماركوز إلى أن المجتمعات الاستهلاكية تتسم بالهيمنة الكاملة للمؤسسات الرأسمالية على السلطة، وسيطرتها على عملية الإنتاج والتوزيع، بل صياغة رغبات الناس وتطلعاتهم وأحلامهم (أي أنها تتحرك في كل من رقعة الحياة العامة والخاصة).للمزيد، ينظر: Herbert  Marcuse: One-dimensional Man: studies in ideology of advanced industrial society. London: Routledge (1991), Chapter 1. (علمًا أن الكتاب ترجمه إلى العربية جورج طرابيشي. ينظر: هربارت ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، دار الآداب، بيروت 1988، ط 3).

 9. ينظر: إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي: معجم مصطلحات عصر العولمة (مصطلحات سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية وإعلامية)، 2003، ص 71 و72.

10. ينظر: Chapter 1…,: Herbert  Marcuse: One-dimensional Man

11. فـ"الرأسمالية هي ديانة الإنسانية، وأن النسبية الفكرية ستكون لها الغلبة على المطلقات الأيديولجية". ينظر: عبد الكافي: معجم مصطلحات عصر العولمة...، م. س.، 72.

12. ينظر: ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 44

13. يرى المفكر والاقتصادي المصري سمير أمين (1931) - أن الرأسمالية هي نفي للثقافة أصلاً، موضحًا أن الغزو الرأسمالي ليس مجرد غزو تكنولوجي، وإن كان يتم في ظل المجتمع التكنولوجي الحديث، بل غزو لثقافة الأمم، والشعوب، لتأخذ كلّها ثقافة الشعوب الرأسمالية، (وهي هنا الثقافة الغربية)، وتتخلى عن ثقافتها وهويتها، لأن الثقافة الرأسمالية ثقافة غازية تتسم بعدائها المحكم للتفرد، أي بعدائها لأيّ هوية. ينظر: عبد الكافي: معجم مصطلحات عصر العولمة، م. س.، ص 252 و253.

14. ينظر: معجم مصطلحات عصر العولمة، م. س.، ص 334 و335.

15. ينظر: ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 48

16. ينظر: ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 45

17. إن العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية في تنافر وتصادم وصراع، إذ تسعى العولمة إلى خلق منظومة متكاملة، في حين تدافع الهوية عن التنوع والتعدد. كذلك يلحظ أن العولمة تهدف إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة، بينما الهوية تسعى إلى الاعتراف بعالم الاختلافات، وترفض الذوبان. أما الهوية الثقافية، فتعني إدراك الفرد نفسيًّا لذاته، وتوحد هذه الذات مع تراث ثقافي معين. ينظر: شارلوت سيمور سميث: موسوعة علم الإنسان المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية، ت. مجموعة من أساتذة علم الاجتماع، بإشراف محمد الجوهري، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، رقم الإيداع 15054 / 1998، ص 731.

18. مفهوم "الآخر" Other: عنصر أساسيّ في تشكيل الهوية وفهمها، بحيث يشكل الناس أدوارهم، وقيمهم، ومنهج حياتهم قياسًا بالآخرين كجزء من منهجية التفاعل البيني التي لا تحمل بالضرورة معانيَ سلبية.

19. المثالية: معناها في اليونانية الصورة أو المفهوم. اتجاه فلسفي يتعارض تعارضًا قاطعًا مع المادية في حلّ المسألة الأساسية في الفلسفة. والمثالية تبدأ من المبدأ القائل إنّ الروحيّ أي اللامادي، هو الأول، وأن المادي ثانويّ؛ وهو ما يجعلها أقرب إلى الأفكار الدينية حول تناهي العالم في الزمان والمكان، وحول خلق الله له... للمزيد، ينظر: الموسوعة الفلسفية (وضع لجنة من العلماء والأكاديميين السوفياتيين)، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة، بيروت 1974، ص 415 و416.

20. أفلاطون: هو ارستقراطس، ويدعى أفلاطون بسبب كتفيه العريضين، من مؤلفاته: الجمهورية، والقوانين (النواميس).... للمزيد، ينظر: فرانسوا أوبرال وجورج سعد: معجم الفلاسفة الميسر، دار الحداثة، بيروت 1993، ص 21 إلى 25

21. ظهرت نظرية المحاكاة التي تعدّ أول نظرية في الأدب في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد صاغ مبادئها أفلاطون، ومن بعده تلميذه أرسطو. اهتمت المحاكاة النابعة من الفلسفة المثالية، بأثر الشعر في القرّاء/ المتلقين، وفق معايير أخلاقية؛ فأفلاطون يرى أن الشعر مفسد للأخلاق، وأرسطو يرى أن الشعر يهدف إلى إحداث توازن انفعالي ونفسي (التطهير أو التنفيس Catharsis)، وبالتالي إلى توازن أخلاقي وسلوكي. كما لم تهتم بذاتية الشاعر، وعواطفه، وانفعاله، وخياله، وإيمانه، وانتمائه الاجتماعي، فالحدث أو الحبكة أهم من الشخصية. للمزيد عن هذه النظرية، ينظر: أفلاطون: أيون، تر. د. محمد صقر خفاجة، ود. سهير القلماوي، القاهرة 1956، وأرسطوطاليس، فن الشعر، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت 1973، ط 2، ود. محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت 1987، ود. شكري عزيز ماضي، في نظرية الأدب، دار الحداثة، بيروت 1980.

22. "الكوسموبوليتية": تعبّر عن مصطلح استعمله كارل ماركس وفريدريك أنجلز، لوصف حالة الشركات الاحتكارية التي ولدت من رحم المنافسة الرأسمالية، وقصدا استعمال هذا التعبير ليكون وصفًا أكثر دقة، لحالة اندماج بين شركات من عدة جنسيات، تبحث عن يد عاملة رخيصة ومواد أولية وفيرة، بحيث تفقد الشركات صبغتها القومية، ويصبح منتجها مصنعًا في غير بلد، ورادف هذا المصطلح العديد من المصطلحات؛ ففي أدبيات فرانسيس فوكوياما (صاحب كتاب: "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" (The End of History and the Last Man - 1992) أطلق اسم العولمة على حالة فتح أسواق العالم، بشكل حرّ، والقضاء على الصناعات القومية، أما لينين، فاستعمل مصطلح الإمبريالية في كتابه "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"، ودرج في أدبيات الأحزاب اليسارية مصطلح الشركات العابرة للقارات. ويُشير مصطلح الكوسموبوليتية أيضًا إلى مفاهيم أخرى كالكونية أو الانفتاحية؛ الكونية هي الأيديولوجية التي ينتمي إليها جميع الأعراق البشرية على أساس الخُلقْ المشترك.

23. ينظر: ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 48

24. ينظر: ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 37 وما بعدها. وينظر: عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: الإنسان ذو البعد الواحد، موقع المسيري: تاريخ الزيارة في 25 تشرين الأول 2015، www.elmessiri.com

25. كارل يونغ: عالم نفسي سويسري، مؤسس علم النفس التحليلي الحديث. قدم مساهمة كبيرة لفهم السيكولوجيا البشرية، ولا سيما مفهومه المتعلق باللاشعور، والرموز، والأحلام. وينظر يونغ إلى الأدب الشعبي جزءًا لا يتجزأ من ميدان دراسته العلمية، ويضم برنامج الدراسة في معهد يونغ في زيوريخ مادة دراسية عن التمرين على التفسير النفسي التحليلي للحكايات الخرافية. ويفسر يونغ الأساطير والحكايات الخرافية بمنهج الرمزية. وقد تصور يونغ أن هناك شخصيات ومواقف وهمية تمثل الجانب المظلم من الشخصية في الأساطير الخرافية والحكايات الشعبية، كما هو الحال في الأحلام والخيالات.

26. ينظر: كارل يونغ: الإنسان ورموزه: سيكولوجيا العقل الباطن، تر. عبد الكريم ناصيف، دار التكوين، دمشق 2012، ص 43. (اسم الكتاب بالإنكليزية: MAN AND HIS SYMBOLS).

27. يونغ: الإنسان ورموزه...، م. س.، ص 43.

28. أنيس فريحة: أديب، وصحافي، ومدرّس، وباحث فولكلوري لبناني. دكتور في الفلسفة، واللغات السامية، ومحاضر جامعي. له أبحاث في اللغة، واللهجات، والأمثال، والملاحم، والأساطير القديمة، تميز بدراساته العلمية والأكاديمية، درس اللغات السامية والحضارات القديمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية. أتقن عددًا من اللغات السامية كالسريانية، والعبرية القديمة، والكنعانية، والأوغاريتية المكتوبة بالحرف المسماري. اهتم بتاريخ لبنان، وتراثه الشعبي، ولهجات قراه، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأمثالهم، إضافة إلى اهتمامه بتبسيط قواعد اللغة العربية والخط العربي. من مؤلفاته: اسمع يا رضا، مطبعة الكريم، جونيه 1956، يسّروا أساليب التعليم، الجامعة الأميركية في بيروت 1956، معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية، مكتبة لبنان، بيروت 1972، معجم الألفاظ العامية، مكتبة لبنان، بيروت 1973، دراسات في التاريخ، دار النهار للنشر، بيروت 1980، وغيرها.

29. نُشر كتاب: د. أنيس فريحة: حضارة في طريق الزوال: القرية اللبنانية، في العام 1957، بدعم من الجامعة الأميركية في بيروت، وأعادت نشره جروس برس، طرابلس لبنان، في العامين: 1970، و1989. ودار النهار للنشر، بيروت، في العام 1980.

30. حلّل ماكلوهان التأثيرات التي تُحدِثها وسائل الإعلام في الناس والمجتمع من خلال مؤلفاته مثل: العروس الميكانيكية (1951) The Mechanical Bride: Folklore of Industrial Man; 1st Ed.: The Vanguard Press, NY; reissued by Gingko Press, 2002.؛ مجرَّة غوتنبرغ (1962) The Gutenberg Galaxy: The Making of Typographic Man; 1st Ed.: University of Toronto Press; reissued by Routledge&Kegan Paul 1962.؛ فهم وسائل الاتصال (1964) Understanding Media: The Extensions of Man; 1st Ed. McGraw Hill, NY; reissued by MIT Press, 1994, with introduction by Lewis H. Lapham; reissued by Gingko Press, 2003؛ الإعلام هو الرسالة (1967) The Medium is the Massage: An Inventory of Effects with Quentin Fiore, produced by Jerome Agel; 1st Ed.: Random House; reissued by Gingko Press, 2001؛ الحرب والسلام في القرية العالمية (1968) War and Peace in the Global Village design/layout by Quentin Fiore, produced by Jerome Agel; 1st Ed.: Bantam, NY; reissued by Gingko Press, 2001.

 31. مارون بن حنا بن الخوري يوحنا عبّود: كاتب وأديب لبناني، ولد في عين كفاع من قرى جبيل. أثرى المكتبة العربية بستين مؤلفًا منها ما طبع ومنها ما هو مخطوط: 1909: العواطف اللبنانية إلى الجالس على السدّة الرسولية. 1910: كريستوف كولومب، أتالا ورينه. 1912: الإكليروس في لبنان، مجنون ليلى. 1914: ربّة العود، تذكار الصّبا، رواية الحمل، أصدق الثناء على قدوة الرؤساء. 1924: أشباح القرن الثامن عشر، المحفوظات العربية. 1925: الأخرس المتكلّم، توادوسيوس قيصر. 1927: مغاور الجنّ. 1928: كتاب الشعب. 1945: وجوه وحكايات، زوبعة الدّهور. 1946: على المحكّ، الرّؤوس، زوابع. 1948: مجدّدون ومجترّون، أقزام جبابرة، أشباح ورموز. 1949: بيروت ولبنان منذ قرن ونصف قرن (الجزء الأول). 1950: بيروت ولبنان منذ قرن ونصف قرن (الجزء الثاني)، الشيخ بشارة الخوري صقر لبنان. 1952: روّاد النهضة الحديثة، دمقس وأرجوان، في المختبر. 1953: الأمير الأحمر، أمين الريحاني، من الجراب، جواهر الأميرة. 1954: بديع الزمان الهمداني، جدد وقدماء. 1955: سبل ومناهج. 1957: أحاديث القرية، حبر على ورق، على الطائر. 1958: قبل انفجار البركان. 1959: نقدات عابر. 1960: أدب العرب. وبعد وفاته نشر له: 1964: فارس آغا. 1968: الشعر العامي. 1974: آخر حجر. 1975: مناوشات. 1977: رسائل مارون عبود. 1978: مارون عبود والصحافة. 1980: من كل واد عصا... ترجمت بعض أعماله إلى الروسية، والفرنسية.

32. ينظر: مارون عبود: اللهجة العامية اللبنانية، مجلة الآداب البيروتية، 1953، ع 3، ص 13.

33. ينظر: عبود: اللهجة العامية اللبنانية، م.ن.

34. للمزيد عن هذه الدعوات، ينظر: كامل صالح: يوسف الخال: حياته ودعوته اللغوية، رسالة أعدت لنيل شهادة الدبلوم في اللغة العربية وآدابها، إشراف: أ. د. وجيه فانوس، الجامعة اللبنانية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الفرع الأول، بيروت 1998 (الفصل الثاني: تاريخ الدعوة إلى اللغة العامية). ود. نفوسة زكريا سعيد: تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر، دار المعارف، مصر 1980، ط2. ود. كامل فرحان صالح: الشعر والدين، دار الحداثة، بيروت 2005، ط 1. (الباب الثاني: الهوية – الغرب والشعر).

35. ينظر: ويد دافيز: الحضارات الغاربة، مجلة الثقافة العالمية، ع 101، الكويت 2000، ص 82 و83. وخالد زيادة: الثقافة الشعبية والعولمة، مجلة الحداثة، بيروت السنة 11، ع 89 – 90، صيف 2005، ص 191.

36. صاموئيل هنتغتون: عالم سياسي أميركي، بروفسور في جامعة هارفارد لـ58 عامًا، ومفكر محافظ. عمل في عدة مجالات فرعية منبثقة من العلوم السياسية، والأعمال. تصفه جامعة هارفارد بمعلّم جيل من العلماء في مجالات متباينة على نطاق واسع، وأحد أكثر علماء السياسة تأثيرًا في النصف الثاني من القرن العشرين. أكثر ما عُرف به على الصعيد العالمي كتابه: صراع الحضارات الذي رأى من خلاله أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تتمحور حول خلاف أيديولوجيات بين الدول القومية، بل بسبب الاختلاف الثقافي والديني بين الحضارات الكبرى في العالم، وقد تمسك بهذا الرأي حتى وفاته. من مؤلفاته: "الجندي والدولة: نظرية وسياسة العلاقات المدنية العسكرية" (1957)The Soldier and the State: The Theory and Politics of Civil-Military Relations) )، و"النظام السياسي في مجتمعات متغيرة" (1968) (Political Order in Changing Societies)، وآخر كتبه: "من نحن؟ تحديات الهوية القومية الأميركية" (2004) (Who Are We? The Challenges to America's National Identity).

 37. صدام الحضارات (The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order - 1996): أثار هنتغتون جدلاً كبيرًا في أوساط منظري السياسة الدولية بكتابته مقالة تحت عنوان: صراع الحضارات، في مجلة Foreign Affairs (الشؤون الخارجية)  في العام 1993، وهي كانت ردًا مباشرًا على كتاب تلميذه فرانسيس فوكوياما: "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" The End of History and the Last Man - 1992 الذي رأى أن الديمقراطية الليبرالية ستكون الشكل الغالب على الأنظمة حول العالم في نهاية الحرب الباردة. رأى هنتغتون أن هذه النظرة قاصرة، مشيرًا إلى أن صراعات ما بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والإقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرّك الرئيس للنزاعات بين البشر في السنين المقبلة. توسع هنتغتون في مقالته، وألّف كتابه: "صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي"، رأى فيه أن النزاع في الحرب الباردة، كان أيديولوجيًّا بين الرأسمالية والشيوعية، لكن النزاع المقبل سيتخذ شكلاً مختلفًا، ويكون بين الحضارات، ومن ضمنها الحضارة الإسلامية.... ينظر كتابه: Clash of Civilization? : New York, Simon & Schuster, 1996 ISBN 0-684-84441-9, P 22 .49

38. د. سالم المعوش: الأدب وحوار الحضارات (المنهج والمصطلح والنماذج)، دار النهضة العربية، بيروت 2007، ص 77.

39. التعبير للمؤرخ اللبناني د. يوسف الحوراني. ينظر: كتابه: مدخل دراسة الإنسان والحضارة، دار الحداثة، بيروت 2009، ص 14.

40. الحوراني: مدخل دراسة الإنسان والحضارة، م. ن.

41. لا يعني هذا التعبير في أي حال حال من الأحوال، التقليل من أهمية الصحافة ودورها، خصوصًا تلك الصحافة الملتزمة قضايا الناس، والإضاءة على مشاكلهم ومعاناتهم. كذلك لا يُنسى في هذا الجانب، الدور الريادي الذي شغلته الصحافة العربية في عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر.

42. الأيديولجية المهيمنةDominant Ideolgy: تعبير يطلق على الثقافة المسيطرة على أيّ جماعة من الجماعات، خصوصًا الحاكمة التي تحاول غرسها عبر وسائل الاتصال والنظام التربوي. ينظر: معجم مصطلحات عصر العولمة، ص 81.

43. تعدّ ظاهرة تضخم المدن من الظواهر المعاصرة، إذ قفز عدد سكان آلاف المدن من بضعة آلاف إلى بضعة مئات الآلاف، أو بضعة ملايين، وعلى المستوى العالمي سيطغى عدد سكان المدن الكبرى على سكان الأرياف.

44. ينظر: فرحان صالح: القرية أو سيرة الحياة التي مضت، مجلة الحداثة، بيروت السنة 11، ع 89 – 90، صيف 2005، ص 7.

45. ينظر: مجلة الحداثة، ع 89 – 90، م. س.، ص 9

46. جورج بلاندي: متحضرون، على ما يقال، تر. عبدالرزاق الحليوي، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، قرطاج 2004، ص 132 وما بعدها. (يشار إلى أن الكتاب صدر بالفرنسية (Paris, PUF) في العام 2003 تحت عنوان:Civilisés, dit-on)

47. ينظر: زيادة: الثقافة الشعبية والعولمة، م. س.، ص 191.

48. زيادة: الثقافة الشعبية والعولمة، م. ن.

49. ينظر: ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 27.

50. من هذه المواقع والبرامج: Facebook، وTwitter،     وIinstagram، وWhatsapp....

51 . يرى ماركوز أن مفهم الاستلاب أصبح اشكاليًّا اليوم، عندما يتوحد الأفراد مع الوجود المفروض عليهم، ويجدون فيه تحقيقًا وتلبية، موضحًا أن هذا التوحد ليس وهمًا، إنما هو واقع. بيد أن هذا الواقع لا يعدو هو نفسه أن يكون مرحلة أكثر تقدمًا من الاستلاب؛ فهو قد أصبح موضوعيًّا تمامًا، وباتت الذات المستلبة مبتلعة من وجودها المستلب، ولم يعد هناك غير بُعد واحد ماثل في كل مكان، وتحت شتى الأشكال، ومنجزات التقدم تحول دون طرحها على بساط البحث إيديولوجيًّا، كما تحول دون تبريرها. والوعي الزائف لعقلانيتها قد أصبح أمام محكمته الذاتية هو الوعي الصحيح. ينظر: هربارت ماركوز: الإنسان ذو البعد الواحد، م. س.، ص 47.

52. "فراندز" Friends، و"لايك" Like من المصطلحات المستخدمة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا في موقع "الفايسبوك"Facebook.

53. المعوش: الأدب وحوار الحضارات...، م.س.، ص 13

54.  جاء في سورة الحجرات: 13 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. وجاء في انجيل متى 5: 44) وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ)، وفي انجيل لوقا 6: 35 (بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ).

55. الحوراني: مدخل دراسة الإنسان والحضارة، م. س.، ص 22.

56. الحوراني: مدخل دراسة الإنسان والحضارة، م. س.، ص 23.

57. مثل يطلق للتمييز بين الأدب الشعبي (أي الأدب الذي تنتجه القرية، أو الطبقة الفقيرة)، والأدب الخاص (أي الأدب الذي تنتجه القصور، أو الطبقة الأرستقراطية).

58. نسبة إلى: نيكولا دي برناردو دي ماكيافيلّي (بالإيطالية Niccolò di Bernardo dei Machiavelli:  (1469 – 1527: مؤسس للتنظير السياسي الواقعي الذي أصبح في ما بعد عصب دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب "الأمير" (The Prince) الذي هدف مكيافيلي منه، وضع تعليمات للحكّام. نُشرَ الكتاب بعد موته، وأيّد فيه فكرة أن ما هو مفيد فهو ضروري. شكل الكتّاب صورة مبكرة للنفعية، والواقعية السياسية.

59. المعوش: الأدب وحوار الحضارات...، م. س.، ص 14

60. المعوش: الأدب وحوار الحضارات...، م. س.، ص 26

61. جلجامش (Gilgamesh): يعدّ خامس ملوك أورك بحسب قائمة الملوك السومريين. كان لزمن بعيد يعدّ شخصية أسطورية، لكن الاعتقاد السائد الآن، أنه كان بالفعل موجودًا بعد اكتشاف ألواح طينية ذُكر فيها اسم ملك ذُكر أيضًا في ملحمة جلجامش. تختزن الملحمة قلق الإنسان الوجودي، ومصيره المحتوم، لذا، يكون البديل الموضوعي لخسارة عشبة الخلود، هو أن يبني الإنسان خلوده بالعمل الصالح، ومحبة الناس. للمزيد، ينظر: كامل صالح: الملحمة باكورة الآداب وانتاج المادة المكوّنة لبناء الرموز (جلجامش أنموذجًا)، مجلة الحداثة، بيروت، السنة 21، ع 161 – 162، صيف 2014، من ص 69 إلى ص 88.

62. سلام الراسي: ولد في قرية إبل السقي من قضاء مرجعيون في محافظة النبطية. ويلقبه أهل الجنوب بـ"أبي علي". يعدّ من أعمدة الفولكلور اللبناني عمومًا، وفولكلور المنطقة اللبنانيّة الريفية الجنوبية خصوصًا. لُقِب بـ"شيخ الأدب الشّعبي"، وتمتاز كتاباته بسلاسة الأسلوب، وقدرة المزج ما بين اللغة الفصحى والمحكيّة. قدّم العديد من الحلقات التلفزيونية على تلفزيون لبنان في ثمانينيات القرن الماضي. من مؤلفاته: لئلا تضيع 1971، في الزوايا خبايا 1974، حكي قرايا وحكي سرايا 1976، شيح بريح 1978، الناس بالناس 1980، حيص بيص 1983، الحبل على الجرار 1988، جود من الموجود 1991، ثمانون 1993، القيل والقال 1994، قال المثل 1995، الناس أجناس 1995، أقعد أعوج وإحكي جالس 1996، من كل وادي عصا 1998، يا جبل ما يهزك ريح 2000، أحسن أيامك، سماع كلامك 2001. خصصت مجلة الحداثة قبل وفاته في 19 نيسان 2003 وبعدها، عددين عنه. للمزيد، ينظر: مجلة الحداثة، بيروت، السنة السادسة، ع 41 - 42، صيف 1999، والسنة العاشرة، 2003

63. هو "برَّاك" (أي مدير، صاحب) مطحنة قرية الراسي.

64. كان أهل القرى عندما يعدّون كيلات القمح أو الطحين، يطلقون على أول كيلة "بركة"، لأن الطحين كالقمح مباركٌ عند أهل البركة... ينظر: سلام الراسي: النّاس بالنّاس... حكايات وخبريّات عن الناس... وللنّاس، مؤسسة نوفل، بيروت 1983، ط 2، ص 13.

65. عيد الغطاس: من الأعياد المباركة عند المسيحيين، ويرمز إلى معمودية السيد المسيح في نهر الأردن.

66. ترفع شجرة "المستحيّة" أغصانها إلى السماء في الليل، وعند الفجر تسدلها إلى الأرض، لتغطي جذعها. لذا، سميت بهذا الاسم لاعتقاد الناس أنها تستر ساقها /جذعها في النهار، وترفع يديها لتمجد خالقها في الليل.

67. ينظر: سلام الراسي: النّاس بالنّاس...، م. س.، ص 22 و23.

68. ينظر: رينيه ويلك: مفاهيم نقدية، تر. د. محمد عصفور، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت، 1987، ص 314، ومحمد غنيمي هلال: الأدب المقارن، دار الثقافة، بيروت، طبعة 1990.

الصور:

1. http://consciousart.de/galleries/drawin g/images/ashoka/brave-new-world.gif

2. https://bartbrowne.files.wordpress.com /2012/10/soma1.jpg

3. https://creativeselfdestruction.files.wor dpress.com/2015/07/climate-change-cover-final-with-bleeds3_edited-2.jpg

 

أعداد المجلة