فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
35

الحواج.. مهنة تتعثر أم تندثر

العدد 35 - في الميدان
الحواج.. مهنة تتعثر أم تندثر
باحث من البحرين

1. مهنة بقدم التاريخ:

هي ليست مجرد أعشاب، أو وريقات، أو جذور، أو ثمار لأشجارٍ شرقية تُزرع في عموم قارة آسيا، والأجزاء الشرقية من قارة أفريقيا؛ بل هي، تاريخياً، تلك الأعشاب التي كانت تُكتب عنها عبارات على زجاجات الأدوية في الممالك والأقاليم الأوروبية خلال البواكير الأولى لعصر النهضة مثل «وارد من بلاد الهند»، أو «وارد من بلاد العرب». وهي تلك الأعشاب التي ألهبت حماس الكثيرين، خصوصاً من المغامرين والباحثين عن الثراء، ودفعتهم للتساؤل والبحث والسفر لاكتشاف موطن تلك الثروة من المواد الطبيعية القادمة من بلاد السحر، الشرق.

وفي ذلك، عبر أحد الباحثين المحدثين في موضوع الكشوف الجغرافية الأوروبية وأهدافها عن الأهمية الاقتصادية الكبرى لعنصر التوابل في تلك الفترة، أصدق تعبير حين قال: «لعله ليس للفلفل الآن أهمية كبيرة في التجارة، بيد أنه كان في ذلك العصر، أي عصر الكشوف الجغرافية الأوروبية، يقف على قدم المساواة مع الأحجار الكريمة، فإن الناس كانوا يجابهون مخاطر البحار، ويقاتلون ويموتون في سبيل الحصول على الفلفل»(1).

بل إن أحد الكتاب الهنود قال مبالغاً عن أهمية التـــوابــــل والأفــاويــه: «إن الســـبب الخـفـــي وراء جـمـيـع الحروب التي نشبت في بلاد الروم هو فلفل «مـــلــيـبــار» وحُــــب السيطــرة علـــى أســـواقه، فقـــد استــطــاعـــت هذه الحبة السوداء الصغيرة أن تجذب إليها أنظار العالم كله إبان العصور الأولى للميلاد»(2).

وقد أضافت قصص السندباد البحري العربية، من خلال حكايات ألف ليلة وليلة، الكثير من الخيال والإبهار والخرافات حول موطن أعشاب التوابل وتجارتها والمغامرات العديدة من أجل الوصول إليها في الشرق. ومن هنا كانت تجارة التوابل هي منشأ العلاقات بين الأمم، وبسببها تكونت حلقات الاتصال بين فترات التاريخ في العصور الوسطى، وإليها يعود الفضل في إيجاد الاتصال بين الشرق والغرب بصورة مستمرة. ذلك أن الطرق التي سلكتها القوافل المحملة بتوابل الشرق لم تلبث أن أصبحت أهم شرايين الاتصال في آسيا وأفريقيا، حتى صارت تلك السلع ذات الرائحة الطيبة والمذاق الحلو تتركز في كلمة «العَطار» أو «الحواج». واستمرت لقرون عديدة كأهم ما كان يتبادله الشرق والغرب من سلع، حيث كانت متاجر الأسواق الأوروبية في العصور الوسطى والحديثة تمتلئ بكميات كبيرة من التوابل مثل، الزنجبيل، والفلفل، والقرنفل والقرفة، والكركم، وغيرها لأنها مصدر الثراء آنذاك(3).

وقد كان الاهتمام بـ«العطّارة» يهيمن على فكر وحياة الأوروبيين فعلاً في نهاية العصور الوسطى ومطلع العصور الحديثة الميلادية، حتى كان الاعتقاد السائد آنذاك بوجه عام لدى المواطن الأوروبي، أن مصـــدر التوابـــل والأحجــار الكـــريــمــة، هـــو «جــنـــة عـــدن»، وتــحــملــهـــا إلــى الــدنـــيا أربــعــة أنـهــار تنبــع مـنـهــا. وكـــان الجغرافيون يوضحون موقع «جنة عدن» على خـــرائطهم برسم دائــرة أو نصــف دائــرة يكتبــون إلى جــانــبهـــا في ثقـــة تـــــامـــة «هنا موضع الجنة»!، وكانوا يعــتـــقـــدون أنهــــا في المشـــرق الإســـلامي، في مكــان عــالٍ مــرتفـــع جـــداً؛ حتـــى أنــها تـكاد لتلامس القمر، وتحيط بها أسوار شامخة تكسوها أوراق الأشجار الخضراء وتقوم من حولها الحصون(4).

والسبب في كل هذا الاهتمام بالتوابل والأعشاب في العالم كله خلال تلك السنوات، يعود لاستخدامها كعقاقير طبية، وفي صنع الأدوية الشعبية. وكذلك للحاجة الشديدة للتوابل في عملية حفظ اللحوم في زمن لم تكن المبردات والثلاجات الكبيرة معروفة، ولأن حياة الترف الأوروبية حينها صارت لا تُقبل على طعام لا يُمزج بالتوابل الشرقية ونكهتها المميزة(5).

2. بين الحْواجة والعِطَارَة:

إذن نحن أمام مجموعة أعشاب طبيعية، أفرزت مهنة لها تاريخ عريق حتى اليوم. وأمام عمل مشترك بين الطبيعة والإنسان تم على هذه الأرض منذ القدم، وتطور تدريجياً واتخذ عدة أسماء كمهنة، من أهمها «العَطّار»، أو «الحْوّاج» كما يُطلق عليه أهل الخليج العربي. و«الحْوّاج» هو بائع الأعشاب والزيوت، الذي يعتمد على كتب الأقدمين الطبية لأسماء عديدة مثل «ابن سينا»، و«ابن البيطار»، و«داوود الأنطاكي»، وغيرهم. هو من يقوم بتركيب «خلطات» الأعشاب التي تعالج الناس فيما تعارف عليه بالطب الشعبي، وتندرج اليوم تحت مسمى الطب البديل. تلك الأعشاب النضرة، والحبوب المتنوعة، وزهوراً ذات رائحةٍ ونفع لا يضاهى، ليصنع منها «الحْوّاج» أدوية الصحة والجمال.

ولا بد بداية قبل الدخول في صلب هذه المهنة وممــتـهـنـيـهـــــا فــــي البحـــريــن، أن نفـــرق بــــــين «العِـــطّــــــار» و«العَطّـــارة». «فالعَطّارة» هم من ينتجون «العِطر» أو يبيعونه، سواء قاموا بتحضيره من مواد محلية، أو باستيرادها من بلدان عديدة. أما «العطّار»، أو «الحْوّاج»، فهو الذي يمتهن «الحْواجَة»، ويستخدم علمه لفائدة الناس، معتمداً على الطب الشعبي الأصيل الذي يتخذ من المصادر الطبية للعلماء العرب وغيرهم أساساً له(6).

ولربمــا نعتقــد بــأن «الحْــــوّاج» البحـــرينـــي اليـــوم، سواء أكان في العاصمة المنامة، أم في المحرق، أم في الرفاع، أوغيرها من المدن والقرى، عندما يقول لك: لا يوجد مرض ليس له علاج في الطب الشعبي من خلال الأعشاب، فهو يُبالغ كثيراً للترويج لبضاعته. إلا أن الواقع هو من يفرض هذه المعادلة الطبية. فـ«الحْواجَة»، هي مهنة قديمة جداً في البلاد ولها علاقة بالطب الأهلي أو الشعبي. بدأت بها أجيال من الأجداد، وورثها ومارسها أبناء وأحفاد. تنتقل بالتعليم الفطري من الجد إلى الابن، ومنه إلى الحفيد، في سلسلة من التجارب تدعمها ثقة من المجرب.

وهنا ربما يرد السؤال لدى القارئ مباشرة، هل كل من باع مواد «الحْواجَة»، صار معالجاً؟. ويأتي الجواب بالنفي، فهذه المهنة تحتاج خبرة عميقة جداً، وقراءات عديدة في كتب الطب كما يقول كل «الحْواويج» الذين قابلناهم في «الريبورتاج» التالي. فقديماً كان يُعبر عن «الحْوّاج»، بالطبيب الشعبي. فالحْواويج، هم صيادلة كل زمان، يصفون الدواء ببديهة مع دراية، وربما مارسوا بخبرتهم خلط البذور والأعشاب، أو الجذور والأوراق فأخرجوا منها دواءً جديداً مركباً(7).

فماذا عن اليوم؟ هل ما زال زمن «العِطّار» أو «الحْوّاج»، قائماً يتحدى؟ وهل بدا الناس أكثر إقبالاً على محلات «الحْواجة» عن ذي قبل بعد أن ظهرت كلمات «أمراض مستعصية» في غرف الطب الحديث وهو يُعلن عجزه عن علاجها؟ أم أن إقبال الناس على محلات «الحْواجة» هو كصحوة الميت، لا فائدة منها؟ وما هي قصة «الحْواجة» ورجالها في البحرين، وهل هذه المهنة في طريقها حقاً إلى الاندثار؟ أم أنها تمر فقط بحالة تعثر سوف تتخطاها وتعود قوية من جديد ما دام على كوكب الأرض أعشاب وتوابل تصلح لأن تداوى الناس عن طريق «الحْوّاج»؟

سنحاول من خلال اللقاءات مع بعض أصحاب هذه المهنة الشعبية القديمة الجديدة الذين بقوا صامدين بقدر حبهم للأرض التي ضمتهم، أن نبحث عن إجابات على هذه الأسئلة بين ثنايا السطور.

3. (الكنـﮔوني) وعالم «الحْواجة» منذ أكثر من مائة عام:

حجي أحمد عبدالرضا علي عبدالرسول محمد الكنـﮔوني: يعمل منذ 40 سنة في مهنة «الحْواجة»، مذ كان عمره 6 سنوات تقريباً وهو يعمل مع جده في نفس المتجر «الدكان»، الذي مازال يبيع فيه حتى اليوم وسط سوق العاصمة المنامة. حيث كان جده أيضاً قد عمل بهذه المهنة قبله لمدة 60 سنة. ووالده، أي جده الأكبر، عمل بها أيضا. ويُعيد، حجي أحمد، فتح جزء من ذاكرة المهنة قائلاً: «كان جدي يملك «محملا» (مركباً) خاصاً لشراء وجلب الأعشاب والأدوية العشبية والزيتية لتجارته، إذ كانت سوق الجملة في البحرين تقوم باستيراد مباشر للأعشاب الطبية خصوصا من إيران. ولذا جاء، لقب (الكنـﮔوني)، بسبب التجارة مع منطقة «كنجون» أو «كنـﮔون»، على الساحل الإيراني منذ عشرات العقود من قِبل عائلتنا، فالتصق الاسم بنا، وإلا نحن عائلة اسمها مثل بقية الأسماء.

ويؤكد الكنـﮔوني، أن أساس «الحْواجة» أنها العمل في الأعشاب، فكل الأدوية هي عشب أساسا. وبعضها يُطحن، وآخر لا يطحن، بحسب رغبة المستهلك وذوقه، وحاجته، وطلبه.

4. «العشرق السلمكي» واستخدامات الأعشاب:

يذكر لنا «الحْواج» الكنـﮔوني، أنه يقوم بتخزين الأعشاب حال وصولها من الميناء إلى متجره، في صناديق خشبية بسيطة وأوعية بلاستيك أو زجاج (انظر الصورة)، ويضع عليها بعض أسمائها، ثم يحتفظ بقائمة بها مع أرقامها، لأنها ربما تتشابه عليه أحيانا.

ويضيف: «كما أنني أكتب للزبون طريقة استخدام الدواء في ورقة مثل وصفة الطبيب، وأحياناً بالحديث الشفاهي مع الزبون مع الشرح التام. وقديماً قيل (عنـــدك المـــر فــــلا تشـــكــي الضر)، ولذا كان البدوي قديما وهو يقطع مسافات طويلة لابد أن يأخذ معه «صرار» المر، جمع صرة. وعندما يصاب بوجع الرأس يضع المر مع الماء ليذوب ويمسح به رأسه. وإذا شعر بألم في بطنه، وألم في المفاصل وعظام الظهر، فهو يبلع من المر. لأن المر فعلاً يشافي أكثر من مرض، خصوصا في حالة المسافات الطويلة وقلة الأدوية في الصحارى البعيدة».

ويبدأ الحاج أحمد الكنـﮔوني بالحديث عن بعض الأعشاب الطبية التي سألناه عنها، قائلاً:

«أولاً، شراء الناس عادة للأعشاب يكون بوزن بسيط، بــــالجرامـــات، لأنهـــا خفيفــة، وقـــويـــة عــادة بسبب أنها طبيعية. وتؤخذ بمقدار لاستخدامها للكبير والصغير، والطفل والمرأة، والشيخ الكبير كل بحسب عمره.

فلدينا عشب «سلمكي»، وهو عشب جبلي أساسا من مكة وضواحيها، وسمي «عشرق» بعد خلطه مع الورد واللبان و الزعتر للاستعمال قبل شهر رمضان، لتنظيف البطن. ولا يطحن بل يُنقع كأوراق ويشرب عند الصباح، ولمرة واحدة عند الحاجة كل عام. وبعد شرب هذا المنقوع، يفضل أن يكون طعام الغذاء عبارة عن «صالونة» (مرقة لحم خفيفة) مع خبز حتى يسهل الأمر ولا يعود التلبك سريعا للمعدة. ولا يُنصح بالرز لأنه ثقيل لا يناسب بعد شرب «العشرق السلمكي»! وهناك عشب «الزعتر» الذي يجب الحذر في استخدامه، و«اللبان» و«البر»، و«الفلفل الأسود»، وكلها تدخل في الأدوية أيضاً.

أما ثمر «البليلج»، فهو جيد كدواء للبطن ويقوي المعدة وكل ما يتعلق بالأمعاء، ولكن كثرته ليست جيدة للقلب بل يجب أن يكون خفيفا في الاستعمال. ففي الزمان القديم كان يُنقع في ماء ويبقى في البيوت القديمة معلقا عندهم، ولذا لا تجد بيتا يخلو منه للعديد من الأمراض. كما أن من الخطأ أن يتم نقعه أكثر من 24 ساعة، فهذه حدود استعماله فقط لأنه يضر إذا بقي مدة أطول. أربع حبات فقط توضع في كأس ماء لليلة واحدة ثم يُشرب صباحا، وتكرر العملية لمدة 3 أيام فقط وليس أكثر.

عشب «القرطم»: للاستخدام الخارجي لتخفيف حــرارة الجســم، وينفـع حتـى للحيــوانات، في حالة المرض الذي يصيب لسان الأبقار.

عرق «الحيس»: يستعملونه في أدوية خاصة بالمرأة بعد حالة الولادة، حيث يُضاف لما يسمى شعبياً بـ«الحسو»، وهو يُصنع من حبوب «الرشاد» مخلوطاً مع 18 جزء من الأعشاب كالزنجبيل، والفلفل الأسود، وغيرهما، فيعطيه نكهة وعلاجا. فهو خير مقو لجسم المرأة بعد وضع الجنين، بشرط أن يُشرب لمدة أسبوع على الأقل.

الجعدة: وتأتي من إيران، وتنفع لخفض السكري، وحرارة الجسم. يتناول منها بقدر فنجان واحد من القهوة يكفي لمدة 3 أيام.

جوزبوه: أو حبة «الطيب»، يضعونها مع عشبة «البسباس»، وتدق جيداً مع بعض العسل أو الحليب، ويتم تناوله كشراب، وهو مفيد جداً كدواء للجنس وتعطير الأطعمة.

ورد لســان الثــور: سمــي كـــذلك لأنـــه أزرق يشبه لون لسان الثور، جيد للكحـة، والإيرانيون يسمونه «ﮔـل كوزبون».

ريـــت: صـــابــــون هنــــدي يــــســتــخـــدم لغســـيل الـــصـــــوف خــــــاصـــــة، مثـــــل «الــــبـــشـــت»، أو الصـــديــــري الـــرجـــالــــي وتسمى «الــصـخـمـة»، أو أي ثــــوب صــــوف. يـــنـتــج عـــنـه رغـــوة طبيعية ولأنه ليس كيماويا فـــلا يــؤثــر سلـــباً عـــلـــى الصـــوف.

الجــــاوي: هو بخور يطهر المنــــزل مــن الجـــراثـــيم والميكــروبــات ولــيس لــه عـــلاقة بالــدواء، ويجب ألا يكـــون هنـــــاك أطفــــال في الغــــرفـــة أثنـــاء إشعال هذا النوع من البخور لأنه يضر بالتنفس.

الحِلـــبة: ينقعونها مع اللبان فتشفي مـــن عســــر البــــول. كمــــا تضـاف إلى «الحسو» للمرأة الوالدة كي يمنع الريح عند النساء، وله استعمالات أخرى.

الثعلبية: يستخدمها بالذات الأخوة الهنود مع الحليب كمقويات للجنس بالذات.

فلـفــل مبــارد: من الهند، يستخدم مع أدوية الجنس أيضـــــا ومـــع بهــارات «الحســـو» التــي تُســمى شعـــبياً «جـــلاب»، وسعره مرتفع، الكيلو بـ 8 دنانير.

دارميروه: وهو دواء لشفاء العيون، يُدق وتكحل به العين، أو يطبخ ويستخدم عصيره لقطرة العين.

البمبر الجاف: دواء للكحة ومرض الصدر. توضع أربع، أو خمس حبات في إناء للغلي، ثم تُسكب في الكأس وتُشرب، يستمر العمل بها لمدة 3 أيام بمقدار «استكانة» (كأس صغيرة) واحدة عن الكحة. وله تأثير بقوة عشب «ورد لسان الثور».

بهيلة: يستخدمه الهنود كدواء، وسعره 2 دينار للكيلو فقط.

الـــكـــاكـــي: يدق ويستخدم كمقو وصبغ للشعر.

دامـــر: يُستخـدم للصق ألــواح المراكــب، أي اللحـــام بــــــين اللـــوحــــــــــين، ولا يــــــدخــــــل في الأدويـــــــة، فقــــــط البــحـــارة يشــتــرونـــــه.

تالا مخانهدأو«حب السفرجل»: ينفع للكحة، يُغلى بالماء، ممكن يُضاف له «ورد لسان الثور».

خيار «شمبر»: يغلى مع ماء ساخن لتسهيل عمل الأمعاء، وهو مفيد لطرد الغازات وحالات الإمساك وتشقق اللسان. يمكن أن تتناول منه قطعة صغيرة للمص فينفع كدواء للثة الضعيفة والمريضة. وللعلم فإنه يُزرع في البحرين الآن منذ 10 سنــــوات تقريباً. أصـــله مـــن الهند، وحبوبه يمكن مشاهدتها في الثمر الجاف (انظر الصورة). وكما «الزعتر»، فهو يُزرع بنجاح في الــبـحــــريـــن الآن.

سفيد موسلي: يستعملونه مع أعشاب أخرى مثل «الثعلبية» لتقوية الجنس للرجل، يدق ويغلى مع الحليب أو العسل أيضا. والهنود والباكستانيون يعرفون فائدته أكثر في هذا الأمر.

كبود الهند: أو بالفارسي، «قرص قمر»، يُستخدم ضمن أدوية «الجلاب» للمرأة بعد الولادة، لتقوية الظهر والعظام.

حلبة الخيل: حبات لونها أحمر، تستخدم لتخفيف السكري. يتناول الإنسان منه أربع إلى خمس حبات فقط، يُبلع دون ماء، ثم يتم شرب الماء بعده. ولا يجب تناوله مع حبوب السكر الطبية، لأن الاثنين يتعارضان مما يسبب هبوطا حاداً في السكر بالجسم. سعر الكيلو منه بين 4 إلى 5 دنانير تقريبا.

ويضيف الحاج أحمد الكنـﮔوني، ذكر أسماء أعشاب أخرى عديدة مما هو متوافر في متجره، كلها تفيد في علاج كثير من الحالات المرضية. منها «عرق الهيل»، و«سرسخ جلاب»، و«بهمن سرخ»، و«بابونة»، و«زموتة»، وعشبة شاي «الينسون»، «بذر الخله»، «سبيداج» وهو لتزيين الوجه وتبييض البشرة للنساء، و«عرعر الديك»، و«كل بوه» وهو ما يُصنع منه شراب للحلقوم، و«شبيوش» وهو عصير لتخفيف الحرارة من الجسم عند ارتفاعها. كما يبيع حبوبا لزراعة الخضروات المحلية أيضا، كالبصل، و«الرويد»، و«البربير»، و«الشبنت»، و«البقدونس»، وغيرها.

ويبيع الكنـﮔوني أيضاً، زيوتا ومراهم مستخرجة مـــن الأعشــــاب أو الحيـــوانـــات، مثـــل دهـــن الســـمــســــم، والنارجــيل، والحنـظل، والبيذان، والنعامة. وكلها زيوت تصلـح كـــأدوية للمسح والتطبيب ولـكــن للاستعمـال الخــارجــي فقـط.

5. قراءات ..في طب الأعشاب:

اتفق «الحْواويج» في اللقاء بالرغم من أن عملهم وعلمهم متوارث أساسا؛ أنه لا يمكن أن يعمل أي «حْوّاج» في هذه المهنة، ويقوم بوصف دواء عشبي للزبون بعد تشخيص طبيعة مرضه بناءً على تفاصيله التي يتلقاها «الحْوّاج» منه، دون الاعتماد مسبقاً على قراءات واسعة، أو سماع شفاهي واسع ومكرر ولسنوات طويلة، في كتب طب الأقدمين. ويؤكدون بأن أهم كتب الطب العربية هي كتب طب الرسول المصطفي محمد وآل بيته الطاهرين، وكتب الطبابة العربية والتي هي مزيج من الطب اليوناني، والهندي، والفارسي، والصيني، فهي الأساس في طب العالم. أضف إلى ذلك الخبرة الطبية العربية الإسلامية التي أنتجت كتبا أخرى من تجاربها ومعامل الأعشاب التي تنتج أدويتها في ذاك الزمان، وبحسب أمراضه وعلله. وأن جميع كتب الطب تكمل بعضها البعض، فليس هناك طب قديم شامل لكل الأمراض وعلاجها بالأعشاب.

ومـــن كــــتـــب الـــطــب الــــتـي تـــم ذكــــرهــــا عـــلـــى لــــســان «الحْواويج»، وهي أساسية في العودة إليها والاعتماد عليها، مثل: المعتمد في الأدوية المفردة، لمؤلفه الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول الغساني التركماني صاحب اليمن، المتوفى سنة 694 هـ، وبذلك فهو مؤلف في القرن السابع الهجري(8). وهذا الكتاب، كما يذكر محمود مرهون، به وصفات طبية تعلمك الكثير، ومع الممارسة اليومية والتجربة على نفسك أولاً، ومع خبرة الآخرين الذين يستخدمونها أيضا لمدة سنين طويلة؛ تصبح ضليعاً في نوعية الأعشاب وعلاجاتها وفوائدها على المديين القصير والطويل. أضف إلى ذلك، كتب القانون في الطب لابن سينا، والسيوطي، وموسوعة طب الأئمة، وأذكياء الأطباء، وصيدلية الأعشاب المعروف بتذكرة أولي الألباب، لداود الأنطاكي، والرحبة في الطب والحكمة، والجامع لمفردات الأدوية، لابن البيطار. أضف إليها، كما يؤكد صادق المخلوق، طب الإمام الصادق. ويشير بعض «الحْواويج»، إلي أن الإمام هو من علّم جابر بن حيان صنعة الكيمياء، ومنه تعلم الكثيرون أساس العلوم وصناعة الدواء من الأعشاب الطبيعية.

كما اتفق «الحْواويج» بأن واردات الأعشاب كلها تأتي من الهند، وإيران، وباكستان، والشرق الأقصى، وقليل من عُمان، واليمن، والصومال، وأثيوبيا، والسودان.

5. 1. الحفـيد مـن الأعشـاب إلى دم الغـــزال وعنبر الحوت:

مــحــمــود حمــيد يوسـف مرهــــون: خريج جامعة بغداد للعام 1979، تخصص إدارة أعمال. عملت عائلة، مرهون، منذ 70 عاما في هذه المهنة. وكوالده حميد، وجده يوسف، وعمه؛ واصل الحفيد أيضاً العمل معهم وتعلم على أيديهم كل شيء، حتى تركيب بعض الأدوية العشبية، ثم تعلق بعشق هذه المهنة، ولاسيما أنها كانت تدر ربحا أفضل من الوظيفة حينها.

كانت عائلة مرهون تبيع أدوات الصيد البحري جميعها، وخزن الحديد للمتاجر والبيوت لحفظ الأموال والوثائق المهمة، والتي يستوردونها من الصين. كما يبيعون أدوات الوزن، وأدوات صهر الذهب والمواد التي تستخدم في صهره، وغيرها. ويضيف محمود: «كنا نبيع «الودج»، ونستورده من استراليا، و«الصل»، و«الـــقــار»، لــصــنــاعــة واستخــدام السـفــن الخشـــبـية في البحرين في القرن الماضي. والمسامير الخاصة بالسفن، وقطع الحديد الخفيف بما يُطلق عليه «اسيام» لصنع «القراقير» (شباك) صيد الأسماك، والأدوات والمواد الخاصة بصناعة السفن وترميمها كافة، ومنها جاء كل الخير. وكنا نعمل على سجلين، أدوات السفن، والأعشاب الطبية. ثم انتقلنا إلى الأعشاب وحصرنا عملنا فيها عندما قل الطلب على تلك المواد واندثرت صناعة السفن تدريجياً. كنا نستورد من عدن بالذات، المر والصبر واللبان، وهي من أحسن الأنواع، وللأسف لا تصلنا اليوم الأصيلة منها حيث ارتفعت أسعارها وصارت تصدر إلى الغرب لجني الربح الأكثر. فهناك مصانع أدوية ومصانع لأدوات التجميل في الغرب تعتمد اليوم على الأدوية والأعشاب الطبية الشرقية.

ومع أنه «حْوّاج»، إلا أن محمود، يحذر بأن الأعشاب الطبية لا تعالج الأمراض الخطيرة والمزمنة كأمراض القلب، والسكري، والمخ، ولكن ربما تخفف من آلامها أو توقفها عند حد معين. ثم يجب الحذر في التعامل مع الأدوية الشعبية لمثل هذه الأمراض خصوصاً أن السوق به مدعون كُثر اليوم همهم الربح وليس مصلحة المريض أو الزبون.

وضمن بعض الأدوية التي يتعامل بها «الحْواويج» قديماً ولو أنها بعيدة عن الأعشاب، عرض، مرهون، أمامنا بعض الكرات الصغيرة المكسوة بالشعر، وقال بأنها، كرات دم الغزال أو ما يسمى بمسك الغزال. وأصلها بعض الدم الذي يتجمع في «السرة» الخاصة بالغزال، والغريب أن رائحته نفاذه وطيبة، سبحان الله. لأن الغزالة تتغذى على أعشاب عطرة وتتجمع في سرتها، وخلال موسم الصيف تشعر بحكة في سرتها فتحك نفسها بالصخور القريبة منها، مما يسبب تساقط هذه المادة من جسدها، ويأتي الصيادون لجمعها وبيعها بأثمان عالية. والغريب أن الدم يبقى لمدة طويلة ولا تتغير رائحته،. ويؤكد، محمود، أن لديه هذه الكرات منذ سبع سنوات تقريباً وما زالت رائحتها نفاذة. (انظر الصورة). ويباع دم الغزال، وأحسنه غزال التبت عند حدود الصين، بمبلغ يصل إلي ما بين 40 - 50 دينار لوزن «التولة» الواحدة. وكذلك عنبر الحوت الأزرق ويأتي من الهند وبحر العرب. حيث يتقيأ الحوت هذا العنبر، وهو مادة مهمة وغالية الثمن، تقريبا كمسك الغزال. وهو يُستعمل كدواء مفيد جداً لتقوية الجسد والقلب، ويدخل أيضا في الأدوية الطبية الأخرى.

وأضاف مرهون لقائمة أعشابنا الطبية، أنواعاً أخرى، منها ما يدخل في باب العلاقة بين الزوجين. ومنها عشبة «الديرم»، وهي مخصصة للنساء، كدواء ومرطب شفاه، وزينة للمرأة الشرقية. وتُقبل النسوة على النوع الحار منه، فهو يرطب الشفاه جيداً ويحيلها إلى نوع من اللون الأحمر أو الماروني القاني، مما كان يسبب في جذب الرجال أيام الزمن الجميل، يوم لم يكن هناك أحمر شفاه تدخل فيه المركبات الكيمائية. ولهذا عادت اليوم بعض النسوة لاستخدامه لأنه يشكل أكثر إغراء للرجل.

ومن أغلى مواد الأعشاب في الزمن القديم أيضاً، ما يسمى «شنكفه» باللغة الهندية، أي مواد «الحِسن». يستخدمه النسوة لـ«الدقة» وتزيين الوجه للجمال. كانت مواده غالية تصل إلى 6 دينار للكيلو، ويُعتبر هذا السعر غاليا جدا في القرن الماضي.

6.الحْواج..هل يعالج نفسه؟

أكد الحواويج في هذه التغطية بأنهم جميعا وغيرهم من زملائهم في السوق، يتطببون بهذه الأعشاب منذ صغرهم، وقد حصلوا منها على فوائد كثيرة. وكما يقول مرهون وصادق المخلوق وعصام، بأنهم يستعملون الأعشاب كدواء منذ عشرات السنين، ولم يذهبوا إلى الطبيب منذ سنوات إلا في الأمراض التي تحتاج لفحوصات مختبريه فقط، وهي قليلة. ولكن، الجميع، لا ينكرون الحاجة للمستشفيات في الأمور الطبية الكبيرة، والعمليات الكبرى، أو حتى العلاجات السريعة بمضادات حيوية يتطلبها سرعة إنجاز العمل اليومي والسفر.

6. 1. الوحدة الخليجية في الأعشاب :

عبـــــدعلــي عـــبــدالكـــريـــم المـــخـــلـــوق: عـــائــلــته بدأت «الحْـــــواجـــة» منذ حــــوالــــي 75 عـــامـــــاً، وقــــد ورث المــــهــــنة بـــالفطرة والسليقة والتعلّم السماعي منذ كان عمره 9 سنــــــوات، مـــــن جـــــده ووالــــده، ومــعــه إخــوتـــه صـــادق، وجــمـيــل، وحســــيـن، وحمـــيد، مـــا زالوا يعملــون في هذه المهنة حتى اليوم.

يتفق، صادق، مع بقية «الحْواويج» في فائدة الأعشاب الطبية على صحة وجمال الإنسان منذ قديم الزمان، وإن علمها متوارث جيلاً عن جيل. ويذكر بأن مسميات هذه الأعشاب كما نقرأها، هي نفسها لا تختلف في بقية بلدان الخليج لأنها مسميات قادمة بأسمائها من بلد المصدر الأصل. وأن بعض الأعشاب الطبية كانت تُزرع سابقاً بشكل تجاري في البحرين، مثل نبات الحنظل، والجعدة، والفقع، وغيرها، وذلك بسبب توافر بعض مياه الأمطار في البر. ولكن في السنوات الأخيرة ومع ندرة المطر وتقلص الرقعة الزراعية كثيراً؛ لم تعد تُزرع مثل هذه الأعشاب في البحرين.

ويضيف لقائمتنا بعض الأعشاب والأدوية الشعبية المشهورة، مثل «كتيرا» أو «كثيراء»، وهذا ينقع في الماء ويستخدم مثل دهان (الجل) للشعر وتقويته، وللنساء والرجال. «الظفر»، وأصله حيوان بحري، وهو ينفع للبخـــور فقــط، يستخـــرج مـــن البحــر وبعــــد أن يغسل ويــجـــفـــف جــيـــداً يُــطـــحــن ثـــــم يـــخــلــــط مـــــع البخـــــور (انظر الصورة).

7. «تفاح الجن» ومعلومات عشبية:

يكتب لنا «الحْواويج» هنا بعض المعلومات عن الأعشاب وتوابعها في مهنتهم.

تستطـــيع الأعشـــاب أن تقــاوم الفســـاد لسنـــــوات مـــن إنتــاجــها، إذا لـــم تصبهــا رطــوبــة.

إذا تغير لون اللُبان فإنه يُقتصر استعماله كبخور وليس للبلع أو المضغ.

إن الأعشاب إذا كانت لا تفيد بشكل مباشر؛ فهي لا تضر الصحة كاستخدام الأدوية الكيمائية.

يتوافر العسل في متجر «الحْوّاج» عادة، ويذكرون بأنه مهم في فعالية بعض الأعشاب لتوصيل أثرها لموطن المرض بسرعة وقوة.

القـــرفـة «الــدارســــين»، تحتــــوي علـــى مــادة تسـمـى (بوليفينول)، وهــــي مـادة مضادة للأكسدة ومفيدة جـــداً، وقـــد تــلـعــب أيضــاً دوراً في الـتمــثــيــل الغــذائـــي للسكــر والــدهـــون.

«الزنجبيل»، من الأعشاب المنشطة جنسيّاً، ويعتبر أيضاً من أكثر الأعشاب المقويّة والمضادة للالتهابات. وقد وجد فيه الكثير من المواد المضادة للأكسدة.

«الكركم»، ينقّي البشرة ويصفّي لونها.

في الطب الصيني، يوصى بتناول السمسم الأسود لمكافحة تساقط الشعر والشيب المبكّر.

ماء «الحندبان»، مخفض للحرارة في البطن، مما يقي الجنين في بطن أمه من الإصابة بـ«أبو اصفار». كما أن هناك أعشاب شراب «الطبيخة»، وهي لإخراج الأبخرة المتكونة من آثار المشيمة بعد الولادة للمرأة.

«تفاح الجن»، وهو مجفف ويُستخدم كمدر للبول ويساعد على تفتيت الحصى في الكُلى والمثانة. إلا أن عند البعض، كما في الأساطير، له استخدامات غريبة نوعاً ما، فهذا التفاح يُستخدم كبخور وعطر في المنازل لطرد الشيطان، وكذلك لتحضير الأرواح كما في المعتقدات الشعبية القديمة.

إن الأعشاب التي يبيعها «الحْوّاج» غنية بمضادات الأكسدة، وتحتوي على كميات أكبر مما تحتوى عليه الخضروات. فهي تكافح الشيخوخة مثلاً، وتُسهل الهضم، وتعمل كمضاد للبكتيريا في الجسم. وبعضها له تأثير كبير على الحالات النفسية والمزاج والعواطف والأذواق أيضا.

أفضل دواء عشبي يعمل كمضاد لحالات الزكام صيفاً مثلاً، أو نزلة برد كما يقال شتاءً؛ هو «البابونج»، و«الكركديه»، لأن بهما (فيتامن سي).

توجد في بعض المواد البحرية والزهرية والأعشاب مضادات لتخفيف الاحتقان سريعا، مثل القسط البحري، والزعتر، والعسل. ومن الأنواع التي ترفع المناعة في الجسم، نبتة (الجنسنك)، والشاي الأخضر أيضاً.

يستطيع «الحْواج» الخبير المتخصص تمييز الأدوية الشعبية، إما بالرائحة أو الرؤية أو من خلال عجنها وخلطها بيديه.

العقاقير والمواد التي تُستخدم في البخور عديدة وبعضها يزيد سعره عن سعر الذهب! وبعضها رخيص ومتوافر. ومنها العود، وخشب الصندل، والمركب منها مثل «الجاوي»، و»اللبان»، و»المر»، و»عين الديك» (الشَشَم)، و «الفاسوخ» (الأشق). إلا أنه يجب الحذر من بعض البخور العطري فلربما يُحضر من نشارة الخشب التي تُشبع بزيت عطري.

سحر الشرق يتمثل منذ القدم في تلك الروائح العطرية المنبعثة من البخور الناتج عن احتراق العود، أو الصندل.

7. 2 .«إكسير الجسم»:

صادق عبدالكريم المخلوق: منذ العاشرة من عمره يعمل في «الحْواجة»، وهو يخطو الآن على أبواب الـ 57 عاماً، أي مكث حتى اليوم حوالي 48 سنه في هذا الحقل. يعود لدفتر الذكريات قائلاً: «جدي ووالدي من قبل كانا في «الحْواجَة»، أي من مائة عام تقريباً وعائلة المخلوق تعمل بشكل متواصل في هذه المهنة، حتى تشربتها تماما بالخبرة الطويلة. ولذا فانا أعرف بشكل سريع ومباشر ماهية العشب الذي يطلبه الشخص للتداوي به بعد وصف حالته، لأن هناك عشرات الحالات التي سبقته مرت علينا خلال هذه السنين الطوال. من النظر إلى عين الإنسان، أو لسانه، أو ما يشكو منه بعد شرحه الوافي لنا وإجابته الصريحة الواضحة على بعض الأسئلة التي نوجهها له؛ نحدد نوعية الخلطة أو العشب الذي يداوي مرضه. أما الأمراض المستعصية والخطيرة والمزمنة فهذه لها الطب الآخر في المستشفيات، فنحن لسنا عيادات طبية لعلاج المرضى، بل صيدلية أعشاب طبية، إن جاز التعبير.

زمان، كما يضيف صادق، عندما كانت البحرين وأسواقها هي مركز تجارة الأعشاب وبقية أنواع البضائع في الخليج؛ كنا نذهب إلى الهند بأنفسنا ونختار البضاعة ونتفق مع المصدّر أن يرسلها لنا، بكلمة الشرف والثقة المتبادلة بيننا منذ زمن باسم الجد والوالد. وبعد أن تصل البضاعة إلى البحرين بالمراكب نرسل لهم الثمن كذلك عن طريق النقد المباشر أو البنوك عندما انتشرت في البحرين.

أما اليوم، فنذهب إلى دبي وليس الهند، أو إيران، لاختيار البضاعة وإرسالها عن طريق البحر إلى البحرين، لأن سوق دبي أكبر بكثير من البحرين في حركة السوق والبيع والشراء والربح كذلك. كما أن هناك بضائع توصل بالطائرة ولكن سعرها مرتفع.

ويتفق صادق مع الجميع، على أن أسماء الأعشاب هي ذاتها في الخليج، ولكن في الهند مثلا، والشام تختلف التسميات قليلاً. ويؤكد على أهمية الأعشاب في علاج الكثير من الأمراض، ولذا يتحدث عادة عن خلطات الأعشاب. فهو يُحضر دواء عشبيا يُطلق عليه «إكسير الجسم»، وهو عبارة عن مركب به خلطة عدة أعشاب، ينفع في تنظيم الدورة الدموية وهو من الطب اليوناني (انظر صورة العلبة). كما أنه يشير إلى دواء عشبي لهشاشة العظام أيضا (انظر الصورة)، وينفع للنساء كذلك في تنظيم الدورة الشهرية. كما هناك خلطات تفيد في علاج قرحة المعدة، أو جرثومة المعدة، وكذلك علاج الحموضة، والديسك والمفاصل، والصداع النصفي، وغيرها كثير.

7. 3. تخزين الأعشاب بين (داجاما) والجواهري:

عصام عبدالحسين عبدعلي الجواهري: يعمل في هذه المهنة منذ حوالي 27 سنة تقريبا. لم يرثها من والده حيث كان يعمل في مهنة قريبة من «الحْواجَة» في تجارة المواد الغذائية والبهارات أساسا. ويذكر بأن دخولهم بشكل واسع في «الحْواجَة» بدأ منذ 35 سنة فقط عن طريق إخوته بمساعدة والدهم عبدالحسين جواهري. وجاء عصام بعدهم مباشرة باعتباره الأصغر. هو الآن يدير خمسة فروع لمشروع «حْواجة» الجواهري، بين المحرق، والرفاع، والسيف، وشارع المعارض، والمنامة.

وهنا ترد حكاية، فحين وصل المستكشف البرتغالي المعروف (ڤــــاسـكـــو دا جـــامــا)، لسواحل الهند الغربية لأول مرة في مايو من العام 1498م. من عصر الكشوف الجغرافية الأوروبية؛ وسأله (الــزامـوريـن) حاكم «كاليكوت» عن سبب مجيئه إلى الهند، أجابه (دا جاما) باختصار شديد، المسيحية والبهارات. وكي يختبره الحاكم في مدى معرفته بالبهارات والتوابل بين المنتهية مدتها أو الطازجة بسبب التخزين؛ عرض عليه أنواعاً رديئة وفاسدة من التوابل والأعشاب الطبية وبأسعار عالية، فلم يعترض عليه القائد البرتغالي ولم يعلم ما بها من رداءة. وعندما عاد إلى البرتغال في سبتمبر من العام 1499م، باع تلك التوابل الرديئة بعد تخزينها لمدة حوالي عام في سفينته وهو يُبحر عبر المحيطين الهندي والأطلسي؛ بستين ضعف ثمنها الأصل في الهند(9).

وعندما سألنا، الجواهري، عن هذه الحكاية ومدى العمر المفترض لتخزين الأعشاب كما هي المواد المصنعة كيمائياً. أوضح بأن كل شئ له عمر افتراضي محدد، حتى الأعشاب. فهي تصمد ما بين سنتين إلى خمس سنوات، وهناك أعشاب لا تصمد في التخزين أكثر من ذلك فتفسد. ونحن نعرف هذا دون وضع تاريخ بداية وانتهاء عليها، لأننا لا نستورد أعشابا بكميات إلا لمدة سنة أو سنتين بالكثير. ولا نقوم باستيراد كميات كبيرة وبالتالي لا نُخزّنها حتى لا تفسد علينا وعلى الزبائن. أمــــا بــالـنــســبـة لـــلأحـجــار، وأنــواع الطـين، و«الجــــاوي» وغيرها، فهذه يمتد عمرها لدينا أكثر من سنتين لأنها لا تفسد بحسب طبيعتها الصلبة.

وحين سألنا، هل اكتشف العلاقة بين التوابل والبهارات التي تدخل في المواد الغذائية والأعشاب الطبية؟، رد، عصام، بربط التوابل بالعلاج الطبي، بقوله: «الكثير من التوابل نستخدمها كعلاج أيضا، مثل الزنجبيل، والقرنفل، وجوز الطيب، والدارسين، والكمون، والفلفل الأسود والأبيض والأحمر، وحب العروس، والينسون، والمرمية، والنعناع، وحبة الحلوة، وغيرها. ولذا هي مفيدة في الغذاء وفي حفظ صحتنا من كثير من الأمراض. وللعلم، أنها كانت في الأصل تُستخدم في الطب العربي وليس كنكهة وتحسين مذاق الطعام، ولكن الشعب الهندي هو من علمنا أنها يمكن أن تدخل في الأطعمة لتحسين مذاقها وجعله جذاباً ونفاذاً وطيباً. فمثلاً، الكركم، مفيد لآلام المفاصل وأمراض الكبد ويقوي جهاز المناعة لدى الإنسان».

وهل يمكن أن يكون هناك دواء عشبي على شاكلة ما يصفه الأطباء من أدوية معينة للأمراض المزمنة، كالسكر، والكلية والمثانة، والبروستاتا، والقلب، بأنها لمدى الحياة ولا يمكن التخلي عنها؟

أجاب، عصام، بأنه يوجد أعشاب بهذا الشكل، لمرضى الضغط والسكر مما يخففها وتُستخدم لمدى طويل. وكذلك للأمراض الوراثية، فهي تخففها أو تحافظ على مستواها ألا تزيد، ولكن لا تقضي عليها. لذا يضطر المريض أن يتناولها لمدى الحياة. كما أن هناك أعشاب تعالج حالات نفسية أيضا وليس فقط جسدية معينة. مثل البابونج، والينسون، وورد لسان الثور، هذه تقوم مقام المضادات لحالة الاكتئاب عند بعض الناس.

8. «الحْواجة» ومنافسة قسرية بين الأمس واليوم:

لا تجد في أسواق البحرين اليوم، وبالذات في المنامة والمحرق والرفاع، «حْوّاج» بحرينيا لا يشكو من منافسة غير منظمة من قِبل الأجانب، وبالذات الآسيويين، الذين تعرفوا على مهنة «الحْواجة» من بلدانهم، أو من التعامل مع السوق المحلي، حتى وإن كانت دون خبرة ولا قراءات واسعة، كما ذكرنا، في كتب الطب القديمة. هذا ما أكده لنا أصحاب المهنة الذين التقينا بهم على مختلف أعمارهم وخبرتهم في سوق المهنة.

كما أشاروا، بأن البحرين في القرن الماضي كانت هي مركز استيراد وتوزيع الأعشاب والأدوية الشعبية في الخليج العربي، أما اليوم فالزمن قد تغيّر، وما عادت البحرين كذلك. لقد خطفت أسواق دولة الإمارات، وبالذات دبي، منها هذا البريق، وتراجعت البحرين لتصبح مركزاً فرعياً تستورد من دبي، وعُمان، وغيرها. وذلك لعدة أسباب منها أنه منذ بدأت دولة الإمارات تنهض اقتصاديا، وغدا المجال مفتوحاً لديهم لتشجيع مثل هذه التجارة، ولكن بقوانين؛ ازدهرت تلك المهنة هناك. بينما هنا اللوائح والقوانين لا تسمح ولا تشجع على التوسع في هذه التجارة.

ثم إن دخول الأجانب هذا السوق، كما يضيف «الحْواج» محمود مرهون، قلت المصداقية فيه وزاد العمل من أجل التوجه التجاري فقط مهما كانت الأعشاب التي تباع أو طريقة التحضير، المهم الربح السريع، وهذا ما شوه مهنة «الحْواجة» وأضعفها.

أما بالنسبة للبحرينيين فهم قلة حالياً، والخوف عليها من أن تندثر بحرينياً بعد هذا الجيل.

في مقابل معادل آخر خطر جداً على هذه المهنة، وهو الأجنبي الذي يُقبل عليها حتى لو كان قد جاء للتو من الخارج، فقط من أجل الربح وليس من باب المحافظة عليها بأصولها وتقاليدها. كما أن هناك من هو مقيم منذ زمن هنا وبدأ يزاحم في هذه المهنة وينافس البحريني، ولكن ليس لديه علم وفن طريقة البحريني في البيع، أو الوصف، أو إعداد الأدوية العشبية. ويؤكد، «الحْوّاجين» صادق المخلوق وعصام الجواهري، بأن الأجانب هم السبب في تدني إقبال الناس على الحواويج البحرينيين، حيث كل من هب ودب فتح له دكان. ولم يبق إلا عائلات بحرينية معدودة تمارس مهنة الحْواجة. فـ«الحْواج» البحريني يكون أكثر دقة وأقرب للعلمية في تعامله مع المواد الخام و تراكيبها.

واتفق جميع «الحْواويج»، من أجل دعم تواصل مهنة «الحْواجة»، أن يتطلب الأمر بشكل سريع دعمها حتى لا تندثر، لأن أجيالنا البحرينية الجديدة لا تُقبل عليها لقلة ربحها وسط المنافسة غير المنظمة من أناس متطفلين عليها. ولحماية «الحْوّاج» البحريني وتشجيع الأجيال الجديدة لولوج حقل هذه المهنة لابد من توفير دعم حقيقي، وليس ماليا في حد ذاته؛ بقدر ما هو إجراء إداري يحمي الموجودين ويدعم ربحيتهم ويتيح التوسع والتسهيلات في جلب الأعشاب من الخارج، كما ويسهل أمر الجيل القادم من أهل البحرين لخوض غمار هذه المهنة. وتمنوا أن تكون هذه المهنة التراثية العظيمة الأثر على الناس والمجتمع طوال التاريخ؛ هي في مرحلة تعثُر وليس اندثار.

 

الهوامش:

1. Panikkar, K.M., Asia and Western Dominance, (London, 1959), p. 22.

2. الألوائي، محي الدين، «مليبار-كيرله»، مجلة ثقافة الهند، مج 7، عدد 1-2، (بومباي، 1959)، ص 32.

3. ديورانت، ول وايريل، قصة الحضارة، مج 4، (15)، عصر الايمان، (بيروت، 1988)، ص 67-68.

4. Boies, Penrose, Travel and Discovery in the Renaissance, (1402-1692), (U.K. 1960), p. II.

5. ديل، شارل، البندقية : جمهورية ارستقراطية، ترجمة أحمد عزت عبدالكريم وتوفيق اسكندر (القاهرة، 1948)، ص 146؛ الشناوي، عبدالعزيز محمد، أوروبا في مطلع العصور الحديثة (القاهرة، 1959)، ج 1، ص 201.

6. دار المشرق، المنجد في اللغة والأعلام، ط 29 (بيروت، 1987)، ص 512.

- www.esyria.sy/ehoms/index

7. http://www.stooob.com

8. انظر: الملك يوسف بن عمر بن علي بن رسول الغساني التركماني، المعتمد في الأدوية المفردة، ضبطه وصححه: محمود عمر الدمياطي، دار الكتب العلمية، ط 1، (القاهرة، 2000).

9. سونيا ي. هاو، في طلب التوابل، ترجمة محمد عزيز رفعت (القاهرة، 1957)، ص199.

- Danvers, F. C., The Portuguese in India, (London, 1966), Vol. I, p. 50.

الصور:

 أرشيف الثقافة الشعبية.

 

أعداد المجلة