فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
36

الثقافة الشعبية وبنية الذهن المعرفية

العدد 36 - آفاق
الثقافة الشعبية وبنية الذهن المعرفية
كاتب من المغرب

عرفت العلوم المعرفية (cognitive sciences) تطورا هائلا تجلى في التحولات الكبرى التي تشهدها العلوم المعرفية كاللسانيات وعلم النفس المعرفي والعصبي وعلم الإناسة والأحياء والذكاء الاصطناعي...إلخ. وتعتبر الثقافة الشعبية معنية إلى أقصى حد بهذه التحولات المعرفية التي تسعى في عمومها إلى بلورة ما أصبح يعرف اليوم نظرية صورية للمعرفة (formal theory of cognition) وضمنها المعرفة اللغوية والثقافة الشعبية، لكون مكونات الثقافة الشعبية من عادات وتقاليد وصور فولكلورية ... إلخ، ماهي إلا عناصر لها أساس أحيائي / ذهني كامن في الجهاز التصوري للكائن البشري (الإنسان)، كما أن الجهاز البيولوجي للإنسان فهو مكيف بحسب ماهو موجود في بيئة ثقافية معينة، وهذا الأمر يساهم في خلق انسجام ثقافي / بيئي. وهذا التفاعل بين مكونات الثقافة الشعبية والجهاز البيولوجي / الذهني للإنسان، يجعلنا أمام تصور عام يوضح التفاعل بين هذه العناصر التي هي عبارة عن صور ذهنية ناتجة عن أنساق معرفية وإدراكية.

ونتناول في ما يلي مقتضيات الثقافة الشعبية في ارتباطها بالمقولات الأنطولوجية في إطار ماسمي بالبنيات المعرفية، كما نتحدث عن التصور المعرفي / الأحيائي من خلال مبدأين أساسين، هما: الموقف النفسي / الذهني ومبدأ التأليفية، وأخيرا، نتناول علاقة النسق الثقافي واللغوي بالأنساق المعرفية.

الثقافة الشعبية والمقولات التصورية

لقد أدت التطورات، خلال العقود الأخيرة في عدد من التخصصات منها الأحياء التطورية والعصبية والعلوم المعرفية وعلم النفس واللسانيات والإناسة الاجتماعية والأحيائية...إلخ، إلى تبين طبيعة الظواهر التي تدرسها العلوم الإنسانية والاجتماعية وتبين الروابط التي تجمعها بمبادئ باقي العلوم، ومنها العلوم الطبيعية.

ونتج عن ذلك، ظهور نموذج معرفي جديد يسميه توبي وكوسميدس (1992) النموذج السببي المندمج (integrated causal model)، لقيامه على اندماج المعرفة العلمية وعدم استقلالها(1). وهو نموذج يسعى إلى أن يكون حصيلة تعاون بين عدد كبير من الباحثين العاملين في حقول مختلفة من حقول العلوم النفسية والاجتماعية وغيرها، خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. وقد ارتبط هذا البعد التعاوني الجوهري باستكشاف الترابطات السببية الطبيعية التي تمكن من اندماج حقول علمية مختلفة، في إطار نظرية صورية شاملة للمعرفة مبنية على اندماج نتائج مختلف العلوم واتساقها، وليس على تصور يختزل الظواهر في بعدها النفسي أو الأحيائي.

المقولات الأنطولوجية:

تعبر المقولات الأنطولوجية عن الثقافة المادية وغير المادية كما هي موجودة في العالم الخارجي، أي التعبير عن الأشياء الوجودية كما يتصورها الإنسان، من خلال تجاربه ومعارفه القبلية عن الثقافة، وكذا من خلال تجهيزه الوراثي.

المقولات الثقافية:

ترصد لنا المقولات الثقافية العناصر الثقافية المتداخلة في عملي الفهم وتمثيل الأشياء في ثقافة معينة. كما تساهم هذه المقولات في إعطاء صورة عن حدود قراءة المحتويات الثقافية للعناصر القابلة للقراءة.

المقولات المعرفية:

تتمثل المقولات المعرفية في تلك المقولات الذهنية المستمدة من عنصري التجربة والواقع والعالم الفيزيائي.

نحو تصور معرفي / أحيائي

يقوم الذهن البشري على مجموعة من الآليات النفسية المتطورة لتحليل المعلومات، الممثلة في النسق العصبي، وهي آليات تشكل جوهر الهندسة الذهنية لدى الإنسان وتتصف بمحتويات بنيوية غنية ومتخصصة وظيفيا لإنتاج سلوكات تتعامل مع مشاكل تكيفية مثل اكتساب اللغة، وانتقاء الزوج، والعلاقات الأسرية والثقافية، والتعاون، ومعطيات الثقافة البشرية. وليس للغياب الظاهر لبعض مظاهر هذه الهندسة الذهنية لدى الإنسان عند ولادته أي علاقة بما إذا كانت تشكل فعلا جزءا من الهندسة المذكورة، كما افترض النموذج المعيار بناء على تصورات ساذجة ومغلوطة مستقاة من نظريات التطور المتجاورة.

إن من مكتسبات العلم المعرفي الحديث الجوهرية، أن الذهن/ الدماغ البشري يقوم على مجموعة محدودة من الأنساق أو القوالب أو الملكات المعرفية التي تحلل مختلف أنماط المعلومات وترمزها وتشكل في مجموعها العدة الأحيائية التي تضمن بلورة العمليات المعرفية ومردوديتها وتضافرها في تكوين تصور موحد للعالم لدى الإنسان. فهندسة الذهن الوظيفية قائمة على مثل هذه الملكات المعرفية المتمايزة التي تمتلك كل واحدة منها بنيتها الخاصة ومبادئها النوعية، وليس على مبادئ أحادية (أو موحدة) للتعلم والتلاؤم والتمثل والتجريد والاستقراء والاستراتيجيات المعرفية المختلفة، تنطبق على منبهات مختلفة لإنتاج معرفتنا بسلوك الأشياء في العالم،...إلخ(2).

أسس التصور المعرفي/ الأحيائي

الموقف الذهني/ النفسي

تعتبر كل نظرية دلالية نظرية ذهنية / نفسية إذا افترضت أن المعنى موضوع نفسي، وأن بناء معاني التعابير اللغوية ليس إلا جزءا من العمليات النفسية أو الذهنية، التي تقوم عليها القدرة اللغوية الباطنية لدى المتكلم. فالهدف الذي تسعى إليه أي نظرية دلالية نفسية، ليس ربط اللغة بنموذج رياضي/ منطقي، كما في دلالة النماذج النظرية، ولا ربطها مباشرة بالعالم، كما في النظريات البيئية، وإنما هو توضيح الكيفية التي ترتبط بها اللغة والعالم بعضهما ببعض في الذهن البشري، لتبيان الصورة يتعالق فيها التمثيل الذهني للجمل والتمثيل الذهني للعالم(3).

وتندرج الدلالة التصورية في هذا الإطار، وذلك لانطلاقها من مسلمة ذهنية مفادها أن المعنى في اللغة الطبيعية بنية معلومات مرمزة في الذهن البشري، أو هو تمثيل ذهني.

ومن ثمة، فإن المعلومات التي تحملها اللغة مصوغة بالطريقة التي ينظم بها الذهن التجربة، ولا يمكن لهذه المعلومات المتجلية في تعابير البنية التصورية أن تحيل إلى العالم الواقعي، كما في نظريات أخرى، وإنما إلى عالم مسقط ناتج من هذه البنية، ووليد التنظيم الذهني المذكور(4).

وبهذا، فإن تصور موضوع الإحالة اللغوية في إطار نظرية الدلالة التصورية، وبناء على المسلمة الذهنية خاصة؛ يعني أن البشر لا يتحدثون عن الأشياء إلا بفضل امتلاكهم تمثيلات ذهنية عنها. فإذا لم يكن لكيان مثلك في العالم الواقعي تمثيل في ذهن المتكلم، فإن لا وجود له عندك، أو ليس في متناولك، فلا تمكن الإحالة إليه في قول معين(5). ولذلك، فليس وجودك الواقعي شرطا ضروريا؛ إذ هناك عدد من الكيانات يحيل إليها المتكلمون، وليس لها مقابلات ملائمة في العالم الواقعي، مثل الكيانات في الصور الذهنية والأحلام والهلوسات(6).

إن الإحالة إذن، علاقة قائمة بين التعابير اللغوية وتأويلات المتكلمين للعالم الخارجي، حيث يكون التأويل ناجما عن تفاعل بين الدخل الخارجي والوسائل الصالحة لتمثيله داخليا(7).

ويعني الذهن أو الذهن / الدماغ (mind / brain) في العلم المعرفي الحديث، وتبعا لتشومسكي أساسا، مجالا وصفيا بين اللاوعي الفرويدي والمادة الفيزيائية. ويمكن تخصيصه باعتباره تنظيم الدماغ ونشاطه الوظيفيين، ويظهر جزء صغير منه في الوعي ولا يظهر جله. والتمييز الذهني بهذا المعنى الاصطلاحي من باقي الاستعمالات الجارية، تسميه الدلالة التصورية ذهنا وظيفيا، وقد جرت العادة بفهم مصطلحي «وظيفة» و«دماغ» هنا بربطهما تباعا بمصطلحي «برمجية» و«عتاد» عند الحديث عن الحواسيب(8).

مبدأ التأليفية

من الخصائص الجوهرية التي تتفرد بها اللغة الطبيعية خصيصتها التأليفية(9) (combinatoriality)؛ أي قدرة متكلميها على خلق عدد لا محدود من الأقوال وفهمها، انطلاقا من التأليف بين عناصر محدودة العدد، تبعا لمبادئ معينة أو قواعد.

وتعتبر هذه الخصيصة، المرتبطة بمفهوم النسق التوليدي، من الخصائص الجوهرية في تصور النحو التوليدي بمعناه الحديث، عند تشومسكي، الذي انبنى على التطور الذي حصل في التقنيات الصورية لوصف القواعد وأنساق القواعد، والذي اشتق من العمل المتعلق بأسس الرياضيات خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهي التقنيات نفسها التي قادت إلى تطوير الحاسوب.

وعندما نضع التأليفية في إطار الموقف الذهني من موضوع اللغة، تصبح المسألة كالتالي: بما أن عدد الأقوال الممكنة في اللغة الطبيعية عدد لا محدود، فإن مستعملي اللغة لا يمكنهم تخزين الأقوال في رؤوسهم، بل إن رصد المعرفة اللغوية بطابعها الإبداعي يتطلب عنصرين: الأول لائحة محدودة من العناصر البنيوية الصالحة للتأليف، وهي المسماة عادة «معجما»؛ والثاني مجموعة محدودة من المبادئ والقواعد للتأليف بين العناصر المذكورة، أو ما يسمى «نحوا»(10).

وعند الموقف الذهني والتأليفية ينتج سؤال الاكتساب: كيف تقوم في ذهن الطفل قواعد لغته؟ وما هي المعرفة المسبقة التي يجب أن يملكها الطفل حتى يتمكن من لغته؟ وهو السؤال الذي يعبر عنه عادة باصطلاح فقر المنبه، ومفاده أن الطفل يجد نفسه أمام عدد من التعميمات المختلفة الممكنة للمعطيات، لكنه ينشأ بالتعميم الصائب الذي يوافق تعميمات المجموعة اللغوية؛ أي أنه يعرف مسبقا الاختيار المناسب، ومن ثمة يكون على النظرية اللسانية أن تجيب عن مفارقة اكتساب اللغة هذه، وذلك بتحديد خصائص المعرفة الوظيفية اللغوية التي لا تتعلم، وإنما تشكل أساس التعلم، وهو ما يصطلح عليه بالنحو الكلي(11).

النسق اللغوي والأنساق المعرفية

النسق اللغوي والنسق الإدراكي

نمثل لهذا العنصر بمثالين يهمان الكيفية التي ترتبط بها البنية اللغوية بباقي الذهن/ الدماغ، هما العلاقة بين الصواتة والنسق السمعي لإدراك الكلام والنسق الحركي لإنتاجه، والعلاقة بين النسق البصري والدلالة.

2. الصواتة ونسقا إدراك الكلام وإنتاجه:

عند الربط بين تحليل التردد في الإشارة الكلامية والبنية الصواتية للقول، نجد أن بعض مظاهر الإشارة الكلامية لا تؤدي أي دور في البنية الصواتية، ويجب أن تحلل خارجها في أنساق أخرى. وذلك مثل: سمات الطابع الفردي لصوت المتكلم، ونبرته الشخصية، ودرجة تدفق كلامه، إلخ، التي تهم الوجاه الرابط بين الإشارة الكلامية والمعرفة الاجتماعية (ومنها المعلومات المتعلقة بالشخص: من هو، وما جنسه، وما سنه، وما علاقتي به... إلخ). فيظهر الوجاه الرابط بين سمات النسقين السمعي والصواتي يتسم بنفس الخصائص العامة التي تتسم بها الوجاهات داخل اللغة؛ أي إقامة توافقات جزئية بين مظاهر بنيات ذهنية منفصلة.

وتصدق الملاحظات ذاتها في حالة إنتاج الكلام؛ فمظاهر البنية الصواتية لا توافق كلها مظاهر التحكم الحركي عند تشغيل القناة الصوتية. من ذلك، أن حدود الكلمات لا توافق تماما الوقفات عند إنتاج الكلام. كما أن مظاهر التحكم الحركي لا تراقبها كلها البنية الصواتية؛ إذ يمكن للمتكلم أن يتكلم ويبين وعيونه في فمه، فلا يغير تأثر التحكم الحركي بذلك من البنية الصواتية شيئاً. زد على هذا أن عضلات القناة الصوتية نفسها تستخدم للمضغ والاحتساء وما شابه ذلك، فيتضح أن المبادئ الوجاهية عينها تنطبق في هذه الحالة أيضا.

2. النسق البصري والدلالة:

تقدم العلوم العصبية المتعلقة بالنسق البصري الصورة الهندسية نفسها؛ فهناك عدد من المناطق الدماغية المستقلة، كل واحدة تختص، بمظهر بصري معين، كالحجم والحركة واللون والعلاقات الفضائية، وتتفاعل فيما بينها عبر وجاهات محددة، ولا توجد منطقة يتشكل فيها دفعة واحدة التمثيل التام للحق البصري. وحتى يمكن لنسق دلالي معين أن يتأثر بالإدراك، يجب أن يكون هناك وجاه يربط بين البنية التصورية / الدلالية والأنساق الإدراكية، حيث العالم (أي البناء التصوري الذي يملكه المدرك عن العالم الفيزيائي) منظم في صورة أشياء ثلاثية الأبعاد تملأ الفضاء.

ويملك هذا الوجاه البصري التصوري الذي يمكننا من أن نتحدث عما نراه، الخصائص نفسها المشار إليه سابقا؛ أي أنه تشاكل جزئي بين بنى شبه جبرية (algebraic) ترمز إلى المعاني اللغوية، وبنى شبه هندسية / موضعية (topological) ترمز المعرفة الفضائية(12)، فلا يرى، مثلا، خصائص البنية الدلالية كأحياز الأسوار والقوة الإنجازية وخصائص التأليف الدالي، بخلاف خصائص الأشياء وحركتها وتفاعلها الفضائي.

ومثال ذلك أن كثيرا من المعلومات المتعلقة بخصائص الأشياء أو الأحداث التي تدرجها الأدبيات الدلالية في التمثيل الدلالي عن طريق السمات التعريفية، تنتمي في الواقع إلى هذا الوجاه. حيث نجد كثيرا من السمات المتعلقة، مثلا، بالفروق في مظاهر الأشياء والأحداث وهيئاتها (كالفروق بين أنواع الكراسي أو بين أنماط أفعال الحركة أو أنواع الطيور (مثل: بطة وإوزة). التي قد تدرجها بعض الأدبيات الدلالية في التمثيل الدلالي عن طريق سمات تعريفية.

ويسمح إطار هندسة التوازي برد المشكل الذي يعترض التعامل مع مثل هذه السمات إلى ارتباط الخصائص المظهرية للأشياء بمعلومات بصرية أساسا؛ أي بنسق إدراكي غير لغوي يوفر صورة للتمثيل البصري ترمز إلى الخصائص الهندسية والموضعية للأشياء، ويمكن الذات من تعيينها ومقولتها. فتكون المسألة مرتبطة، كما سبق، بالوجاه البصري الدلالي اللغوي الذي يسمح بترجمة المعلومات البصرية إلى صور لغوية، ويمكننا من الكلام عما نراه(13).

النسق اللغوي والأنساق المعرفية

يتفاعل النسق اللغوي مع الأنساق المعرفية عن طريق الوجاه، مثلما يتفاعل مع الأنساق الإدراكية السالفة الذكر. ولهذه الأنساق المعرفية الصفة الضرورية نفسها في فهم تصرف المعنى في اللغة. وأول ما يتبادر إلى الذهن هو ما يسمى ب:

1. نسق الاستنتاج

وهو التفكير، أي توليد فكرة من فكرة أخرى، لكون التفكير الإنساني ككل قائم على عنصر الاستنتاج. فحينما نقول مثلا:

دخل زيد إلى الدار.

نستنتج بمجرد ما نسمع هذه الجملة بأن «زيد في الدار». ومن هنا يتضح أن الاستنتاج هو العلاقة القائمة بين البنيات التصورية (الأفكار) واللغة.

وإلى جانب نسق الاستنتاج، هناك نسق آخر لا يقل أهمية من النسق الأول، ويتعلق الأمر ب:

2.نسق العمل

وهو أن تستجيب لأمر ما، وذلك نحو:

افتح الباب.

تقوم بمجرد سماع هذا التلفظ اللغوي بفتح الباب، لكون هذا الأمر ناتج عن العلاقة بين التصورات واللغة، بحيث نجد أن هذا النسق ينتج عن طريق الاستجابة عن أمر صادر أو وجه إليك أو تلقينه عن طريق اللغة.

وبهذا، فنسقا الاستنتاج والعمل لهما صفة الجوهرية لفهم التصورات اللغوية.

نسق المعرفة الاجتماعية / الثقافية

تنبني المعرفة الاجتماعية / الثقافية على عدد من الأنساق، من أبرزها أنساق ذات طابع إدراكي حركي ترتبط بتخصصات دماغية في الإدراك الاجتماعي، وأنساق ذات طابع تصوري. وهي أنساق تتفاعل لتغذي مضمون المعرفة الاجتماعية / الثقافية وتخدم وظيفتها في تحليل ما لا حصر له من ظواهر التفاعل الاجتماعي والثقافي وتنظيمه.

1. تصور الشخص

من الأوليات المركزية التي تقوم عليها المعرفة الاجتماعية تصور الشخص (person)، لكون العناصر الأساسية في المعرفة الاجتماعية هي الأشخاص في التفاعل الاجتماعي/ الثقافي. وتتعلق المعرفة الاجتماعية بأسئلة، مثل: من هو؟ وماهي علاقة هذا الشخص بي وبالآخرين؟

ويبدو أن مثل هذه الاعتبارات ترتبط، كما هو الحال بمبادئ لغوية وثقافية تمكن الطفل من تعلم المواضعات الثقافية الخاصة التي ينشأ فيها.

خاتمة

إن التقدم الملحوظ الذي عرفته العلوم المعرفية ساهم بشكل كبير في تقريب المسافة بين المجالات المعرفية عن طريق الدمج المعرفي، وجاوز الموقف الكلاسيكي الذي يجعل من العلوم المعرفية متباعدة عن بعضها بعضا كالجزر، والواقع أن الثقافة الشعبية ظلت إلى وقت قريب بعيدة نسبيا عن ميدان البحث المعرفي الذي قطع أشواطا هامة في الكشف عن خصائص مجموعة من الأنساق الإدراكية والتصورية.

 

الهوامش

1. انظر توبي وكوسميدس (1992)، ص 21-22.

2. انظر محمد غاليم (2008)، ص 9.

3. محمد غاليم (1999)، ص 47.

4. للمزيد من التفاصيل في هذا الموضوع، انظر غاليم (2007).

5. انظر محمد غاليم (2011 ب)، ص. 53.

6. المرجع نفسه، ص. 53.

7. انظر جاكندوف (2002)، ص 304.

8. المرجع نفسه، ص 21.

9. استفادت التأليفية من اللسانيات الحديثة من جهات كثيرة، أهمها الفصل المنهجي المفيد الذي جاء به فردينان دي سوسير (F. Desaussure) بين المستويين النسقي (systematic) والأنموذجي (paradigmatic)، فالنسقي شكل من العلاقات يوجد بين وحدتين لغويتين أو أكثر، لهما حضور فعلي في السلسلة المنطوقة. وعلى النقيض منه، تكون العلاقات الذهنية افتراضية، وتتمثل في نمط من العلاقات الذهنية بين وحدتين أو أكثر تنتميان إلى قسم نحوي واحد. وبهذا المقتضى، صارت التأليفية، كما يرى اللساني أندراي مارتناي (A.Martinet) موجها بعنصرين، أحدهما ذهني، والثاني نسقي، وفي الاتجاه نفسه، مضت المدرسة التوزيعية من خلال أعمال الأمريكيين بلومفيلد وهاريس (Harris) إلى وضع بعض المبادئ المشكلة للتأليفية، اعتمادا على مبدإ التوزيع الذي يراعي ما للكلمة من جوارات مع غيرها من الكلم، وفق دراسة استعمالات معنية يراقب فيها محيطها الشكلي الذي ترد فيه.

أما النحو التوليدي (generative grammar)، فقد سعى إلى ضبط صياغة صارمة لقواعد التأليفية ومبادئها، اعتماداً على ما للمتكلم من إنتاج الجمل الصحيحة نحويا، بالإضافة إلى تأويل ما يسمعه من الجمل المبهمة. وصارت فكرة التأليفية فكرة مركزية في اللسانيات المعرفية (cognitive linguistics)، وهذا ما يُوضحه أحد رواد هذا المذهب راي جاكندوف (Ray Jackendoff)، ولاسيما في مؤلفه أسس اللغة (foundations of language) الذي يعرض فيه أسس معرفية اللغة الطبيعية، ومن ضمن هذه الأسس الأساس المسمى التأليفية.

10. المصدر نفسه، ص 38-39.

11. انظر بهذا الصدد، محمد غاليم (2011 ب)، ص 54.

12. جاكندوف (2002)، ص 16.

13. انظر غاليم (2007)، ص 120-121؛ جاكندوف (1990)، ص 20-43-45.

المراجع العربية

جاكندوف، راي (2002) الدلالة مشروعا ذهنيا، ترجمة محمد غاليم ضمن كتاب، دلالة اللغة وتصميمها، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.

غاليم، محمد (2008) أي منهج لدراسة الظواهر الإنسانية والثقافية؟

غاليم، محمد (1999) المعنى والتوافق، مبادئ لتأصيل البحث الدلالي العربي، ط1، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط.

غاليم، محمد (2007) النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة، مبادئ وتحاليل جديدة، ط1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.

غاليم، محمد( 2011أ) «مرجعيات معرفية في النظرية اللسانية التوليدية»، ضمن كتاب: المرجعيات في النقد والأدب واللغة، إشراف: ماجد الجعافرة وأمجد طلافحة، عالم الكتاب الحديث للنشر والتوزيع، إربد، الأردن.

غاليم، محمد (2011 ب) «هندسة التوازي النحوي وبنية الذهن المعرفية»، ضمن كتاب: آفاق اللسانيات، دراسات مراجعات- شهادات، تكريما للأستاذ الدكتور نهاد الموسى، إشراف: هيثم سرحان، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان.

المراجع الأجنبية

Jackendoff, R (2002) Foundations of Languages, Brain, Meaning Grammar, Evolution, Oxford University Press.

Jackendoff, R (2007) « Languages Consciousness, Culture, Essays on Mental Structure », MIT Press.

Tooby, and Cosmides, l .1992, “The psychological foundations of culture”, in :Barkaw, Cosmides and Boody (eds):Oxford University press.

الصور

1. http://edl.ecml.at/Portals/33/images/EDL_Logo1.jpg

2. https://opc.co.uk/wp-content/uploads /2015/06/Knowledge-transfer-image -e1435152050972.jpg

3. http://www.victoria.ac.nz/__data/assets/im age/0010/358930/New-Language-Buddy-Image.jpg

4. http://www.icytales.com/wp-content/uplo ads/2016/01/LeftBrain_460_490_sha-90-0-0_c1_center_center_0_1.jpg

أعداد المجلة