فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
37

الأغنية الشعبية والتغيرات الاجتماعية في الأردن

العدد 37 - موسيقى وأداء حركي
الأغنية الشعبية والتغيرات الاجتماعية في الأردن
أستاذ مشارك في اللغويات التطبيقية، جامعة آل البيت، الأردن

يقف الباحث في هذه الورقة على التغيرات الاجتماعية التي يمكن رصدها من خلال الأغنية الشعبية في الأردن، من حيث هي سجل موثوق به إلى درجة كبيرة، ذلك أنها تتفلت من مقص الرقيب دائما، وتراوغ معبرة عن نقاط اللامساس في المجتمع، فتتجاوز الخطوط الحمر وتدخل في المحظور، ومع ذلك يتم التسامح معها لسببين :

لأنها فن، وللفن مبررات وجوده في ذاته ، وهو مقصود لذاته، ليس له هدف غير الإطراب أو التسلية والتنفيس، إلى غير ذلك من المبررات التي يمكن أن يسوغ بها صاحب السلطة - دينية كانت أو اجتماعية أو حاكمية - لنفسه السكوت عن تلك التجاوزات .

يعود لطبيعة الأغنية الشعبية نفسها، ذلك أنها لا تدعي لنفسها مؤلفا محددا ولا يدعيها أحد لنفسه، وكذا مجمل التراث الشعبي غير المادي، فعلى من يا ترى يمكن أن يقام الحد؟ ومن سيسجن حين نستمع إلى مجموعة من الشباب يرددون في (الدبكة) أغنية تتجاوز المحظور؟

عينة الدراسة:

تتمثل عينة الدراسة في ما تحصل عليه الباحث من مواد سمعية تعود لجيلين ، أي قرابة ستين عاما، منذ بداية الستينات وحتى العقد الأخير .

محاور الدراسة:

تنقسم الدراسة إلى محورين:

التغيرات الاقتصادية والسياسية وأثرها في الأغنية الشعبية.

موقف المجتـمــع من المحظور الديني والعادات والتـــقــالـــيد والأعـــــراف، وأثــــر ذلــــك فـــي الأغــنــــية الشعبية.

وقد لخص الباحث إلى النتائج الآتية:

كانت الأغنية الشعبية سجلا صادقا للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها المنطقة بشكل عام ولا يمكن عزل الأردن عن ما جرى في محيطه من تغيرات.

كان تجاوز المحظور الجنسي الأكثر تجاوزا ، ويمكن إعادة ذلك إلى سببين:

1 كانت نوعا من التنفيس عن الكبت الجنسي.

2 السلطة الوحيدة التي تحاسب على ذلك التجاوز سلطة مجتمعية لا تملك وسائل العقاب.

3 تسامح المجتمع مع هذا النوع من التجاوز بوصفه فنا لا يتجاوز القول إلى الفعل.

4 كانت الخطوط الحمر في السياسة الأشد سطوة، ولم يكن ذلك عائدا لتجبر السلطة بقدر ما كان عائدا لتجربة مجتمعية مع السلطة، ثم إن عقاب السلطة السياسية حاضر عيانا في حين لم تملك السلطة الدينية تلك الأدوات.

الموروث الشفاهي وقيمته:

يعد الموروث الشفاهي الجزء الأهم من أجزاء الموروث الشعبي والذي يمكن أن يقسم إلى: المعارف والمعتقدات الشعبية، المكونات المادية كالمباني والمنتجات الشعبية، والفنون الأدائية كالرقص والدبكات وغيرها، ثم الآداب الشفاهية الشعبية وتشمل الحكايات والخرافات والأساطير، والشعر، والغناء، والأمثال والحكم وغيرها(1). وبــــذا فــــإن المــــوروث الشفاهي يكتسب أهمــية خاصــة في منــظــومة التـــراث الشــعــبي، مــن حــيث إنــه يتـــسم بــالســمات الآتـــية:

1 السعة والشمول، فهو يشمل جميع أفراد وفئات المجتمع وطبقاته.

2 قدرته على الاستمرارية والتواصل عبر الأجيال.

3 قدرته التعبيرية التي تفوق مختلف أصناف التراث الشعبي الأخرى.

4 قدرته على الكشف عن مكنونات ومعتقدات المجتمع وتصوراته ومواقفه تجاه حدث من الأحداث التي يمر بها المجتمع. ذلك أنه مهما حاولت مصادر الخوف والتخويف تحديد المواقف وصوغها بطريقة ما فإن مواقف الفرد والمجتمع تجد لها متنفساً من خلال النكتة والأغنية وغيرها من وسائل التعبير الشفاهي الشعبي الذي يصعب ضبطه وتقييده.

إن السمة الأخيرة تعد السمة الرئيسة التي تكشف عن قيمة الموروث الشفاهي في مصفوفة المعارف الإنسانية، فبالإضافة إلى وظيفة الموروث الشفاهي التنفيسية وتفريغ الطاقات الناتجة عن الكبت الذي تمارسه السلطات بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى ذلك فإن دراسته تكشف عن منتج إنساني يعبر أصدق تعبير عن معتقدات الشعب ومواقفه وتطلعاته. ذلك أن المنتج الشفاهي أكثر قدرة على المراوغة والتفلت من ربقة القيود التي تفرضها السلطات. حيث يمكن للسلطات أن تحدد شكل المباني وطرق العيش، والمعاش واللباس كالذي يحدث للحجاب في بعض الدول الغربية والعربية، وتمنع ممارسة بعض العبادات كالذي حدث في الاتحاد السوفيتي سابقاً، غير أنه ليس من سلطة يمكن أن تفرض رقابة على النكتة أو الأغنية الشعبية. ومن هنا جاءت عناية الباحثين والمؤسسات العلمية بالتراث الشعبي عامة وبالموروث الشفاهي خاصة، والذي تحتل فيه الأغنية الشعبية مكانة خاصة(2).

التراث الشعبي والاهتمام به

يمكن القول بأن الاهتمام بالتراث الشعبي على مستوى العالم قد بدأ في ألمانيا في القرن الثامن عشر على يد الأخوين (جرم) وذلك خشية منهما أن تضيع الروح الألمانية إثر الصراعات التي كانت تدور في أوروبا. وقد كان اهتمامهما منصباً على التراث الألماني قبل المسيحية، ثم تبعهما في ذلك كل من جاء بعدهما(3). الخوف على الهوية هو ذاته الذي دفع الفنلنديين إلى الاهتمام بتراثهم الشعبي حين خضعت فنلندا للاحتلال السويدي حتى عام 1809م ثم الاحتلال الروسي، مما حفز (إلياس لونروت) إلى تقديم رائعته الخالدة (كاليفالا) عام 1835م بعد أن طاف أنحاء فنلندا جميعها(4)، ثم أصبحت فنلندا رائدة في الحفاظ على الموروث الشعبي والعناية به. أما فرنسا فقد بدأ اهتمامها بالتراث الشعبي مرتبطاً بالاستعمار حيث أولت عناية فائقة لدراسة التراث الشعبي للشعوب المستعمرة خاصة في أفريقيا، تلا ذلك اهتمام بالتراث الشعبي الفرنسي(5)، وقد اندرجت دراسة التراث الشعبي في فرنسا ضمن دراسات علم الانثروبولوجيا وأنشئ في باريس متحف الإنسان (Musée de homme) وهو عبارة عن معهد للدراسات الانثروبولوجية يهتم بالتراث الشعبي الإنساني بعامة(6). أما في بريطانيا فقد جاء الاهتمام الأكاديمي بالتراث الشعبي متأخراً نسبياً، حيث أولت جامعة أدنبرة وجامعة ليدز ومتحف كارديف في ويلز عناية كبيرة بالتراث، فأنشئ أول معهد نموذجي للتراث الشعبي عام 1951م(7). أما العالم الجديد، أمريكا، فقد أولت عناية فائقة لدراسة التراث الشعبي الأمريكي غير أنها تأخرت كثيراً عن أوروبا، وأنشأت مجلة للفلكلور منذ منتصف القرن العشرين وقد كتب محررها (دورسون) يقول: «إنّ أمريكا البلد الغني، لابد أن يمتلك ثروة من فلكلوره الخاص به. ففي هذا العصر الذي تسيطر فيه أمريكا على العالم، يتحتم على الأمريكيين بكل فخر أن يكتشفوا تراثهم الفلكلوري ..... لماذا يكلف الشاب الأمريكي بأن يقرأ على الدوام عن آلهة بلاد الشمال؟ وأن يقرأ أساطير الإغريق والرومان؟ حقاً إنه ينبغي على كل أمة متقدمة أن تقدم لأطفالها فلكلورها عن أساطيرها وأبطالها، ويسعدني أن الباحثين الأمريكيين قد أخذوا على عاتقهم تحقيق هذا المطلب(8) ثم توالى اهتمام المراكز البحثية بالتراث الشعبي الأمريكي وخارج أمريكا، أما الاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية فقد كانت سباقة في دراسة التراث الشعبي منذ بداية القرن العشرين إثر الثورة البلشفية(9).

الاهتمام بالتراث الشعبي في الأردن

بدأ الاهتمام بالتراث الشعبي الأردني منذ ستينات القرن المنصرم وقد بدت الدراسات المهتمة بهذا التراث قليلة ونادرة وكان على رأسها البحث الذي قدمه أ.د. هاني العمد لنيل درجة الماجستير وكان بعنوان «أغانينا الشعبية في الضفة الشرقية من الأردن» وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1969م وقد سبقه بأشهر صدور كتاب نمر سرحان عن الأغنية الشعبية في الضفة الغربية من الأردن. وقد سبق ذلك كله توجه رسمي نحو العناية بالتراث الشعبي وذلك بإنشاء دائرة الثقافة والفنون منذ بداية الستينات. وكذلك اهتمام الإذاعة بتشكيل لجنة لجمع الأغنيات الشعبية عام 1960م. ومن الأسماء الرائدة في العناية بالتراث الشعبي الأردني العالم الموسوعي رُكس بن زايد العزيزي الذي تعد مؤلفاته بصدق موسوعة للتراث الأردني، وعلى رأسها قاموس العادات واللهجات والأوابد الأردنية وقد طبع أول مرة سنة 1973م غير أن المؤلف أشار في مقدمة كتابه أن جمع المادة وعنايته بالتراث الأردني قد بدأت منذ عام 1928م، وقبله، وقد صدر له العديد من المؤلفات كان آخرها وأهمها: معلمة التراث الأردني. ونحن إذ نذكر لهذين العالمين جهودهما فإننا لا تغفل جهود الآخرين من الذين التفتوا للتراث الأردني واهتموا به، ومنهم د. خلف الخريشة(10)، ود. محمد الغوانمة(11) والمنزلاوي(12) وتوفيق أبو الرب(13) وغيرهم. غير أنّ ثمة جهداً لا يقل عن الجهد البحثي أهمية لا بل يفوقه قام به شعراء رواد استلهموا التراث الشعبي وأعادوا إحياء الكثير مما أوشك على الاندثار ومنهم رشيد زيد الكيلاني(14)، ونايف أبو عبيد وحبيب الزيودي وآخرون لا يتسع المجال لذكرهم، كما وأقيمت بعض المؤتمرات التي عنيت بالتراث الشعبي منها ملتقى عمان الثقافي الثامن، 1999م.

أما جهود المستشرقين فلم تكن مخصصة للتراث الشعبي إنما جاء ذكرها لملامح من التراث في سياق اهتمامها بالمنطقة بشكل عام ومن هؤلاء المستشرقين: (نرستم)، في كتابه: رحلات في شرق الأردن 1822، ولورنس، رحلات في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، 1829 - 1888م. وقد قام د. أحمد عويدي العبادي بترجمة الكتابين إلى العربية، وللعبادي دور كبير في مجال التراث من خلال المسلسلات التي كتبها للتلفزيون الأردني وعلى رأسها مسلسل وضحا وابن عجلان.

الأغنية الشعبية في الأردن

اهتم غير واحد من الباحثين بالأغنية الشعبية الأردنية منهم، د. هاني العمد، د. عبدالله الشناق، د. محمد الغوانمة، د. توفيق أبو الرب، وقد لفتت الأغنية الشعبية في الأردن أنظار بعض المستشرقين منذ ستينات القرن المنصرم من أمثال (E. Nida) و(Newmark) اللَّذَيْن قاما بمحاولات لترجمة بعض الأغاني الشعبية، غير أن اهتمامهم كان منصباً على الجانب اللغوي في هذه الأغاني. وعلى الرغم من الجهود المشكورة التي قام بها هؤلاء الدارسون فإن الأغنية الشعبية الأردنية لم تلق العناية التي تستحقها. فهي تعد من جهة رافداً مهماً من روافد الأغنية العربية بشكل عام ومن جهة ثانية تعبر تعبيراً صادقاً عن مواقف وتطلعات الإنسان العربي بشكل واسع. فقد امتزجت على هذه البقعة الجغرافية المحصورة بين نهر الأردن غرباً ودجلة والفرات شرقاً وسهل حوران والمتوسط شمالاً ونجد والحجاز جنوباً امتزجت على ثراها الأبعاد الحجازية والنجدية والشآمية الحورانية والفلسطينية وحزن دجلة والفرات، فلا غرابة بعد في أن تجد الأغنية الشعبية الأردنية، في قوالبها ومضامينها وألحانها مزيجاً عبق الشذى من ذلك كله.

1. على مستوى القوالب الغنائية:

يقصد بالقالب الغنائي (Formula) البنية اللحنية للأغنية، تلك البنية التي تتحدد وفق لازمة لفظية أحياناً كما هي الحال في:

«يازريف الطول».

«جفرا وهي يالربع».

«على دلعونة وعلى دلعونة».

«هلا هلابة يا هلا».

«أو وي ها».

«بالليل يا عيني بالليل».

وغيرها من اللوازم التي تتكرر في بداية كل مقطع أو نهايته، وأحياناً يكتفى بان تكون في مطلع الأغنية. غير أن القالب الغنائي في أحيان كثيرة لا يحتوي لازمة لفظية إنما هو نسق لحني بسيط وفق إيقاع محدد، ويمكن تقسيم القوالب اللحنية في الأردن إلى قسمين تندرج تحت كل قسم مجموعة من القوالب على النحو الآتي:

1 قوالب لحنية قارة توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، يصعب تحديد متى بدأت وأين، وهذا القسم على لونين، لون بدوي ولون ريفي، أما اللون البدوي فنذكر منه:

الهجيني: وهو من أكثر القوالب اللحنية شيوعاً وانتشاراً في الأردن، ويغنى في البادية والريف على حدٍ سواء. والتسمية مأخوذة من الهجن وهي الإبل.

السامر: وهو عدة أنواع من أشهرها (هلا هلابة يا هلا) و(الشروقي) والريحاني والمربوعة. أما النوعان الأولان فيشيعان في البادية الأردنية بشكل عام، أما الريحاني والمربوعة فتشيع في العقبة ووادي عربة، وجنوب فلسطين(15).

الربيج: وهو نوع من الغناء يبدو أنه متصل بالحرب، وقد شاع في كل مناطق الأردن ويغنى في زفة العريس. ومنه:

ألّي يموتَ خلُّه يموت خَلُّه يِزور المقبرة

يا بيض لا تبكن عليه هذي منايا مقدرة

***

يا بنت يالّي عالسطح طلّي وشوفي فعالنا

انتن غواكن شعركن واحنا غوانا سيوفنا

الحداء: وهو من أقدم الأنواع، ويتصل بالمسير وراء الإبل، وله عدة ألحان ويقال في مناسبات كثيرة من أشهرها انهماك الرجال في العمل، كالزراعة والحصيد، وجز صوف الغنم وغيرها، ومن أشهر أغانيه:

يا بنت يالّي بالبيت شوفيني كني ذليت

ومنه في جز الصوف:

ما دعاني داعي يا خال جيتك ما دعاني داعي

ما يعاون جاره هبيت يالجار المايعاون جاره

ياتمون زغاره تموت مرته وياتمون زغاره

الطويرقي: لعل التسمية مأخوذة من الطويرق، تصغير (طارق) أو من الطريق وهو من الأنواع الشائعة في الريف والبادية وتغنيه النساء في الغالب بعد خروج العروس من بيت أبيها ومنه:

كثر الله خيركو

يخلف عليكو

كثر الله خيركو

ما لقينا غيركو

عز النسايب

مالقينا غيركو

فرّش الديوان

يا بي محمد

فرش الديوان

الفرحة لصبياني

والعزلك

والفرحة لصبياني

لا تقول نسيتك

يا بي محمد

لا تقول نسيتك

وَوّل ما طريتك

وأنت المبدى

ووّل ما طريتك

العرضة: وهي نوع من الرقصة الحجازية التي تشيع في الجزيرة العربية، ولا تشيع في الأردن في غير العقبة، ويقال بأن أهل العقبة استقبلوا بها الأشراف عند قدومهم(16).

الرفيحي: وهي كالعرضة حجازية الأصل، والأشعار والأغاني التي تصاحب رقصة الرفيحي معظمها في مدح الهاشميين، لذا فهي من الرقصات الوطنية عند أهل العقبة(17).

الجوفية: حجازية، نسبة إلى منطقة الجوف، ومن أغانيها «يا بو رشيده».

يا بورشيده قلبنا اليوم مجروح

جرح غميق وبالحشا مسْتظلِّ

اللون الريفي

في الوقت الذي كان فيه اللون البدوي متصلاً بنجد والحجاز والجزيرة العربية بشكل عام، فإن اللون الريفي متصل ببلاد الشام حيث تشيع القوالب ذاتها في كل من فلسطين وسوريا ولبنان والأردن. ومن أشهر ألحانه(18):

دلعونة: وتغنى في كل المناسبات مصاحبة للشبابة أو المجوز أو اليرغول وتنتشر في بلاد الشام عامة.

ززيف الطول: وحــالــها حال الــدلعـونة من حيث الانتشـــار والـــشــيـــوع.

جفرا: وهو القالب الأكثر شيوعاً في فلسطين ويعتقد أن مصدره شمال فلسطين.

التراويد: أغاني تغنيها النساء للعروس ليلة وداعها إلى بيت عريسها، ليلة الحناء، وهي تتسم بالحزن الشديد، كلمات ولحناً.

التهاليل: وهي أغاني هدهدة الأطفال في المهد.

الميجنة: وهي الأكثــر شــيوعاً في لــبــنـان وفلسطين وسوريــا وشمــال الأردن ويغنيــها الــرجال والنساء على السواء.

العتابا: وهو القالب المناظر للموال، حيث تشيع العتابا في بلاد الشام والموال على حدٍ سواء، ويبدو أن أصل هذا القالب منطقة الفرات، وهو قالب شجــي حزين.

اليــــــــادي: يشــــــيع في لــبــنــان كــــثــيـــراً وهــــو أقــــل شــيـــوعــــاً في الأردن.

الغزيّل: وهو كاليادي أكثر شيوعاً في لبنان.

المهاهاه: وهو من أغاني النساء، غناء فردي موضوعه الفخر والمدح.

ألحان زفة العريس من مثل:

درج يا غزالي، وتلولحي يا دالية.

وثمة قوالب لحنية كثيرة ليس لها تسميات، إنما عرفت بمطالع أغاني اشتهرت ومنها:

بالقوارة يا زارعين الورد

عا حوارة سافر حبيب القلب

لبسوني جاكيت وشلحوني جاكيت

سلموا تسلموا وأكثر سلامي عليه

وبشوارع لكويت سلّمولي عليه

وين عاباب الله ولفي يمسافر وين عاباب الله

ما تخاف من الله جرحت قليبي ما تخاف من الله

سكابا يا دموع العين سكابا

بنات العم راحن للغرابة

يا خيّال الزرقا يا ولد

خذني معاك للزرقا للبلد

يا بو قضاضة بيضا

غيّر عليا لونه

رف الحمام مغرب يا داده

مجوز ولاّ فرداوي يا داده

يا عنيد يا يابه (لحن شعبي عراقي شاع في الأردن)

2 قوالب لحنية غير قارة، وهي في الغالب تنويعات على الألحان القارة، وهي في كثير من أحوالها موسمية تشيع لفترة زمنية تمتد أحياناً سنوات ثم تختفي. وهذه الألحان في غالبيتها كانت تفد إلى الأردن من جنوب سوريا (حوران) والسويداء وشبه الجزيرة الفراتية ومن أشهرها:

بالليل يا عيني بالليل

يم الزنار النيلي ... ميلي عليّ ميلي

وينك يالحلو وينك

عاللجزيرة شدوا الرحال اليوم

يا زمّان ... مالك زعلان

يا زمان وينه حبيبي ... يا زمان طوّل الغيبة

إن القوالب اللحنية غير القارة من أكثر القوالب المهددة بالزوال والنسيان، وقد قامت فرقة الفحيص وفرق الرمثا مشكورة بجهد جيد في سبيل الحفاظ عليها غير أن الجهد لم يستكمل، وهي إن تم توثيقها باللحن والكلمة تمثل مخزوناً يمكن الاستفادة منه(19).

مما تقدم يتضح مدى غنى القوالب اللحنية في الأردن، فقد شكلت الأردن مصفاة اندغم فيها الحجازي بالشآمي بالعراقي بالفلسطيني بشكل عفوي طبيعي، وكالذي كان على مستوى اللحن كان على مستوى الكلمة والحس والشعور القومي، حيث الهم واحد والآمال واحدة.

التغيرات السياسية والاقتصادية ودورها في الأغنية الشعبية(20)

كانت المنطقة منذ نشأت الدولة القطرية عرضة لرياح عاتية لم تهدأ إلى يومنا هذا، وكان ظهور الكيان الصهيوني وتأسيس دولة إسرائيل الحدث الأبرز الذي أثر في حركة البشرية عامة، وحفر عميقا في وجدان إنسان هذه الأرض، شرق النهر وغربه، وقد تجلى ذلك الأثر في أغانيه الشعبية، فمجد حب الأرض والبطولة وتغنت الصبايا بالجندي والمناضل، وكان الحنين للمكان والزمن الجميل شدوا شجيا حزينا، الريح رسائل شوقه، فطربت أجيال على صوت العتابا:

شمالي يا هوى الديرة شمالي

على اللي بيوتهم توجه للشمالي

وانا لا رافق الغيم الشمالي

ندى واسقط على ديار الحباب

ويكثر أن يحمل الطير سلامه:

ياطير ياطاير يا رايح على الديرة

بتشوفك عيني وتصونك عين الله

بالله يا مسافر شعلانه هالغيرة

فلسطين بلادي حلوة يا ماشاء الله

وقد صحب تلك التغيرات السياسية تغيرات اقتـــصـــادية، كــــان لهـــا أثـــــر كـــبير في الأغـــنية الشعبية، عـــلــــى مســـتوى الــكــلــمــات والألــحـــان وطـــرق الأداء والأدوات.

كـــان الـفــارس أو خيــال المــهــرة هـو مـن تـتــغـنــى بــه الصـــــبايــــــا، وكـــــــان للــحــــصــاد غــــــواه وفــروســـيته، بــزنـوده السمر ووجهه الذي لوحته الشمس، فغنوا للمنجل غناءهم للسيف:

منجلي يا من جلاه راح عالصايغ جلاه

ما جلاه إلا بعلبة ليت هالعلبة فداه

وغنـوا لفرس الحراثة الحمراء، وعلى التي يضعون عليها لوح الدراس:

«يا حمرا يا لواحة»

بـــــدأت مـــع التحـــاق الشــــباب بـــالـجــيش أنــمـــاط العـــيش وطــرائـــقه تتـغــير، ليحل الجندي بشماغه المهـــدب أو طــاقـــيته محط أنظار الصبايا، فأصبحنا نسمع:

يا بو بنطلون الجيش، حنا ومنا،

من حارتنا لا تيجيش، شيل يا الله

هاي المرة مصرح لك، حنا ومنا،

ثاني مرة في تفتيش ، شيل يا الله

غير أن غوى الجندي لا يكفي لهذه الصبية

وهي تقول:

جندي أول ما بوخذ، حنا ومنا،

بدي قايد سرية، شيل يا الله

الغربة

مع ثورة الثروة النفطية في الخليج بدأ الأرادنة يفتحون أعينهم منتصف السبعينات على عالم جديد، عالم الريال والدرهم، في العطلة الصيفية يعودون بسياراتهم الفارهة، وضاع غوى الفارس، ولحقه غوى الجندي وقائد السرية وحتى المعلم.

وصاحب ذلك إرسال الكثير من العائلات أبناءها للدراسة في الخارج ، وأصبحنا نسمع :

مكتوب بطيارة دزي لمحمد

مكتوب بطيارة بيقرا بشطارة

يا بي محمد وبيقرا بشطارة

تغيرت مطالع القصائد في البادية الأردنية، فحلت السيارة محل (الذلول ) وشاعت أشعار من مثل ( محاورة بين الجمل والطرنبيل )

حتى سمعنا بالجمل والطرنبيل

رضيوا لهم قاضي وحطوا معاديل

والكل منهم قال انا صادق القيل

كلاُ على القاضي يفيض دعاويه

قال الجمل يالقاضي الي رضيناك

ابدعوتي جيتك وبدعوته جاك

نبغى الامانه والمعاديل بيديك

والكل منى تقنعه لين ترضيه

2. الأغنية الشعبية والمحظور

المحظورات أو التابوهات الثلاثة كما يصنفونها(21)، الدين والجنس والسياسة كانت حاضرة في الأغنية الشعبية وقد تم تجاوزها بدرجات .

المحظور الجنسي:

كان المحظور أكثر المحظورات تجاوزا. حيث يدهش المرء من مدى تسامح المجتمع مع ذلك التجاوز، إن قررنا أن ذلك كان من باب التسامح، فالأغاني الشعبية كانت تتجاوز التلميح والإيحاءات الجنسية إلى التصريح والكلام المباشر الذي يفترض أنه يخدش الحياء والذوق العام، مما لا يسمح المقام بذكر نماذج منه، ويزداد المرء استغرابا أن بعض تلك المقطوعات كان يغنيها الشباب على مسامع النساء، صبايا كن أم ممن تجاوزن مرحلة الشباب، أما الأغاني التي كانت النساء يرددنها فأقل تجاوزا، وإن كانت لا تخلوا بالمطلق من ذلك.

مما يمكن إدارجه ضمن تلك المحظورات اشتراك النساء في الدبكة إلى جانب الرجال، ما يسمى بـ(حبل مودع) ومن المقطوعات التي يمكن إيرادها في هذا الحيز من قالب زريف الطول:

مسك بالدبكة وامسكت بحده

شلحني الخاتم الله لا يرده

المحظور الديني:

يمكننا إجرائيا أن نفصل المحظور الجنسي عن المحظور الديني، غير أن كل محظور جنسي محظور ديني، وليس كل محظور ديني بالضرورة محظورا جنسيا، فالمقصود هنا تجاوز الحدود الشرعية كالتطاول على المقدسات الدينية، والرموز الدينية، كالشيوخ والقساوسة والرهبان، وقد وجد الباحث بعض النماذج التي تتجاسر على الذات الإلهية، مما لا يسمح المقام بذكره، ويستغرب المرء حين يجد أن محطات تلفزيونية كانت تبث تلك الأغاني دون أن تجد حرجا في ذلك.

كان الأمر أقل مما وجدناه في المحظور الجنسي، ويمكن إرجاع ذلك لا لوازع ديني أخلاقي ذاتي، إنما لسطوة ما يمكن تسميته بالسلطة الدينية المجتمعية التي كانت تمارس تلك السطوة في تجاوز المحظور الجنسي لكن بدرجة أقل، فأن يتغزل شاب بصبية غزلا صريحا لا يخرجه ذلك من الملة، أما تجاوز باقي المحظورات الدينية فمدعاة لغضب الإله وشيخ المسجد.

المحظور السياسي :

ثمة خطوط حمراء صارمة وحادة لا يمكن تجاوزها، وثمة سلطة حاكمة تراقب كل صغيرة وكبيرة، وهي تعجل في الثواب والعقاب، وهي لا تسامح إن استغفر المرء إلا قليلا، وعليه فإن هذا المحظور من أقل المحظورات تجاوزا في الدول العربية إلى أن تحدث تغييرات جذرية شاملة كالذي حدث في ما سمي بالربيع العربي .

إذا ما قيس الأمر نسبة وتناسبا فإن السلطة السياسية في الأردن كانت الأكثر تسامحا، ومع هذا فإننا بالكاد نعثر على نماذج تتجاوز المحظور السياسي، ومن المفارقات أنني في ورقتي هذه أجد تجاوز المحظور السياسي أقل المحظورات وطأة، فأستطيع أن أضرب من النماذج ما شئت غير أنها قليلة، من ذلك أن الحزب الشيوعي كان محظورا ولكننا لا نعدم أن نجد من قالب الدلعونة:

على دلعونة وعلى دلعونة

علم الحزب أحمر اللونة

خلاصة ونتائج

1 كانت الأغنية الشعبية سجلا صادقا للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها المنطقة بشكل عام ولا يمكن عزل الأردن عن ما جرى في محيطه من تغيرات .

2 كان تجاوز المحظور الجنسي الأكثر تجاوزا ، ويمكن إعادة ذلك إلى سببين :

كان نوعا من التنفيس عن الكبت الجنسي

السلطة الوحيدة التي تحاسب على ذلك التجاوز سلطة مجتمعية لا تملك وسائل العقاب

تسامح المجتمع مع هذا النوع من التجاوز بوصفه فنا لا يتجاوز القول إلى الفعل .

3 كان الخطوط الحمر في السياسة الأشد سطوة ، ولم يكن ذلك عائدا لتجبر السلطة بقدر ما كان عائدا لتجربة مجتمعية مع السلطة ، ثم إن عقاب السلطة السياسية حاضر عيانا في حين لم تملك السلطة الدينية تلك الأدوات .

الهوامش

1 لمزيد من التفاصيل ينظر: باسم عبد الحميد حمودي، التراث الشعبي والرواية العربية، ص 28-39. ومصادر دراسة الفلكلور العربي، مجموعة باحثين، إشراف: د. محمد الجوهري.

2 حول عناية الغرب بالأغنية الشعبية ينظر: هاني العمد، أغانينا الشعبية في الضفة الشرقية من الأردن، ص91، ومحمود العبطة، الفلكلور في بغداد، ص 93-94.

3 نبيلة إبراهيم، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، ص 47.

4 نفسه، ص 33.

5 نفسه، ص 15.

6 نفسه، ص 15.

7 نفسه، ص 18.

8 دورس، الفلكلور الأمريكي، شيكاجو، 1959، ص 413.

9 انظر: نبيلة إبراهيم، سابق، ص 25.

10 خلف الخريشة، الشعر الشبعي عند أهل الجبل، وزارة الثقافة، 1992.

11 محمد الغوانمة، الأهزوجة الأردنية، الروزنا، 1997.

12 المنزلاوي عبدالله، التراث الشعبي في العقبة، 1993.

13 توفيق أبو الرب، دراسات في فلكلور الأردني، وزارة الثقافة، 1980.

14 حول هذه الأغاني ينظر: أهازيج من الأردن، جمع ونشر المطبعة الهاشمية عام 1967. ومحمد الغوانمة، الأهزوجة الأردنية، ص 80-200.

15 حول هذه الأنواع ينظر: عبدالله المنزلاوي، التراث الشعبي في العقبة، ص 175-180.

16 ينظر: عبدالله المنزلاوي، سابق، ص 141. وطارق عبدالله، مشاهير المغنين العرب، ص 8.

17 نفسه، ص 142.

18 حول هذه الألحان ينظر: إبراهيم ملحم، الأغنية الشعبية في شمال فلسطين، ص 9-28، ويلحظ أن أغلب الأغاني؛ كلمات وألحاناً تشيع في بلاد الشام كلها.

19 حول دور فرقة الرمثا للفنون الشعبية. ينظر: مجلة التراث، فرقة الرمثا للفلكلور الشعبي، ع4، بسام السلمان.

20 ينظر حول هذا الموضوع : محمود الجبور ، البعد الوطني في الأغنية الشعبية الأردنية ، منشورات عمادة البحث العلمي ، جامعة اليرموك ، 2008

21 ينظر حول هذه التابوهات كتاب : التابوهات المقدسة ، عمر مصطفى ، نسخة ألكترونية:

2010

https://docs.google.com/viewer?a=v&pid=sites&srcid=ZGVmYXVsdGRvbWFpbnxib29rNGFyfGd4OjE1YjVmYzdiOTgxOGQzZDM

الصور

1 من الكاتب

2 https://www.google.com.bh/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwjL56SEgd3RAhUFtxoKHXlwCswQjBwIBA&url=http%3A%2F%2Fwww.alghad.com%2Ffile.php%3Ffileid%3D91834%26width%3D658%26height%3D400&bvm=bv.145063293,d.d24&psig=AFQjCNFRJsOsnwRlyu-4EwNcOmVCkfXLew&ust=1485423499870398

3 https://www.google.com.bh/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s &source=images&cd=&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwiQ1by2gt3RAhXCVBQKHU4kAiEQjBwIBA&url=http%3A%2F%2Fwww.alghad.com%2Ffiles%2F92416.jpg&bvm=bv.145063293,d.d24&psig=AFQjCNFRJsOsnwRlyu-4EwNcOmVCkfXLew&ust=1485423499870398

أعداد المجلة