فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
37

مهنة القصارين في البحرين (1930م – 1970م) دراسة ميدانية

العدد 37 - ثقافة مادية
مهنة القصارين في البحرين (1930م – 1970م)  دراسة ميدانية
كاتب من البحرين
كاتب من البحرين

من خلال الدراسة التي قدمها حسين محمد حسين حول تاريخ مهنة القصارين في البحرين (أنظر الدراسة في العدد السابق)، يلاحظ قدم وجود هذه المهنة، في البحرين، ومدى امتدادها عبر الزمن. كما تؤكد الدراسة أن لفظة “قَصّار”، بمعنى الذي يمتهن مهنة غسيل الملابس، كانت معروفة في البحرين حتى القرن السابع عشر الميلادي بأقل تقدير. يذكر أن مهنة القصارين ارتبطت قديماً بعين ماء طبيعية عُرفت باسم “عين القصارين” نسبة للمهنة التي كانت تزاول فيها، وقد خفف مسمى القصارين لاحقاً، وأصبح اسم العين “عين قصاري”. هذا، ومنذ القرن التاسع عشر وحتى نهاية الستينيات من القرن

العشرين، تحول أحد فروع عين قصاري، الذي عرف باسم عين قصاري الصغرى، إلى أحد أهم مراكز غسيل الملابس في البحرين، وفي هذه الفترة بدأت تعرف عين قصاري الصغرى باسم «عين الدوبية».

وعلى الرغم من أهمية مهنة القصارين في تلك الفترة، إلا أننا لا نجد دراسات توثقها، وبقيت تفاصيل هذه المهنة في الذاكرة الشعبية للأجيال التي عاصرت تلك المهنة أو الجماعات التي سمعت بها لاحقاً. في الوقت الراهن، لم يبق إلا عدد بسيط ممن عاصروا تلك المهنة ولازالوا يتذكرون جزءاً من وصفها والعمليات التي تمر بها والشخوص التي ارتبطت بها. في هذه الدراسة حاولنا جاهدين جمع أكبر كمٍ من المعلومات من بعض كبار السن الذين عاصروا تلك المهنة، حيث تعود بهم الذاكرة لما سمعوه وما عاصروه عن مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى في الفترة ما بين 1950م - 1970م.

 

 

تحديد المكان

سوف تقتصر هذه الدراسة الميدانية على مكان واحد كانت تتم فيه عملية غسيل الملابس وهي عين قصاري الصغرى، وهي جزء من عين القصارين التاريخية الضخمة، والتي يحدد امتدادها حالياً، بحسب تقسيم المناطق الحالي، بين منطقتي البلاد القديم والبرهامة. هذا، وقد عُرفت عين قصاري الصغرى باسم الدوبية، ربما في منتصف القرن التاسع عشر؛ وذلك عندما تزايد وجود التجار الهنود في البحرين. هذا، وقد استثمر عدد من أولئك التجار الهنود عين قصاري الصغرى، والتي أصبحت أحد أهم مراكز غسيل الملابس في البحرين في تلك الحقبة. يشار إلى أن لفظة دوبية أو دوبي من أصل هندي وتعني العامل الذي يقوم بغسل الملابس، كذلك، فاللفظة أصبحت كمسمى لإحدى الطبقات الرسمية المسجلة في الهند، وهي طبقة العاملين في غسيل الملابس، وقد دخلت هذه اللفظة حتى في اللغة الإنجليزية العامية في بدايات القرن العشرين (Dalzell and Victor 2008, p. 196).

يذكر، أن عين قصاري كانت تقسم إلى قسمين، قسم يعرف باسم عين قصاري الكبرى، وهي عين تستخدم للسباحة والاستجمام، وفي الفترة التي تولى فيها تشارلز بلجريف وظيفة مستشار حكومة البحرين (1926م - 1957م)، اهتمت الحكومة بهذه العين وبنت بها استراحة من جهة الغرب وزرعت حولها الأشجار والأزهار. وعند ما قل تدفق نبع عين قصاري الكبرى، تم ردمها في العام 1985م، وحولت إلى ملعب لكرة القدم ثم حولت لحديقة عامة. أما عين قصاري الصغرى فقد كانت مجهزة لتكون مكاناً خاصاً لغسل الملابس. وقد هجرت هذه العين، وتم ردمها وتم بناء منتزه مكانها وذلك في العام 1972م (القصيبي 1997، ص 58- 61).

هذا، ولا يعرف بالتحديد متى تم تجهيز عين قصاري الصغرى لتصبح مكاناً مناسباً لغسل الملابس، إلا أنه من المرجح أن هذا حدث منذ عهد قديم وذلك بحسب الأدلة التاريخية التي تم مناقشتها في الدراسة التاريخية سالفة الذكر والمنشورة في العدد السابق من مجلة الثقافة الشعبية. ومن المرجح أن عين قصاري الصغرى تم إعادة تأهيلها من قبل التجار الهنود في منتصف القرن التاسع عشر.

منهجية العمل

تتلخص منهجية العمل، في هذه الدراسة، في إجراء سلسلة من اللقاءات الشخصية مع أربعة من كبار السن، الذين قارب أو تجاوز عمرهم السبعين عاماً، جميعهم من منطقة البلاد القديم، منهم من عمل في مهنة غسيل الملابس ومنهم من كان مقرباً من بعض من زاولوا تلك المهنة. وقد تم تسجيل جميع المقابلات، وتصوير (صوت وصورة) عددٍ منها، وهذه الشخصيات هي:

1 عبدالأمير بن علي عبدالله بن نعمة (عمل في غسيل الملابس).

2 عبدالحسين بن ميرزا الصفار (عمل في غسيل الملابس).

3 عبدالله مال الله (كان صديقاً لمن عمل في مهنة غسيل الملابس).

4 السيد ماجد عبدالله شبر البلادي (كان صديقاً لمن عمل في مهنة غسيل الملابس).

بالطبع، هذا العدد القليل من الأشخاص لا يفي بالغرض؛ نظراً لتعقيد عملية غسيل الملابس وتداخلها مع عددٍ من المهن الأخرى، وأبسطها التجار الذين كانوا يستوردون أدوات ومواد الغسيل، وهذا، في حد ذاته، يحتاج لدراسة ميدانية مفصلة. لذلك، تعتبر هذه الدراسة كدراسة تأسيسية يمكن تطويرها في المستقبل إذا شاءت الظروف.

نتائج الدراسة

من خلال المقابلات الشخصية السابقة تم الحصول على تفاصيل عملية غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، وكذلك، الحصول على عدة تفاصيل للعمليات المختلفة التي تتداخل مع مهنة غسيل الملابس.

 

 

العرقيات المتنافسة على العمل في عين الدوبية

كان يعمل في عين قصاري الصغرى جماعتان من عرقيتين مختلفتين، هما الهنود والبحرينون. وقد كان الهنود يعملون كفريق واحد تحت قيادة عدد من التجار الهنود، والذين كانوا يعرفون في البحرين، والخليج بصورة عامة، باسم «البانيان».

أما البحرينيون فقد عملوا في البداية لحساب التجار الهنود، وكانت تحسب لهم الأجرة باليومية، إلا أن أغلبهم استقلوا بعد ذلك بالعمل لأنفسهم. ويذكر عبدالامير نعمة، أنه كان هناك تنافس بين البحرينيين والهنود، وأحياناً كان البحرينيون يتعرضون لضغوط من قبل الهنود؛ حيث كان يجتمع الهنود مكونين ما يشبه «لوبيات ضغط» وتجمعات لتكون السيطرة والإدارة للتجار الهنود فقط. وبالرغم من ذلك، استقل غالبية البحرينيين بالعمل كل لنفسه، وكوّنوا زبائن خاصين بهم من العوائل الكبيرة، ومع بعض الشركات والمؤسسات كالبيطرة ودائرة الأشغال.

لا نعلم، على وجه الدقة، أعداد البحرينيين الذين عملوا في مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، إلا أننا تمكنا من حصر العوائل الأساسية التي عملت في هذه المهنة، وجميعهم كانوا يسكنون منطقة البلاد القديم. وبالإضافة لتلك العوائل، كان هناك أشخاص يعملون بصورة منفردة، وبالتالي فيمكن تقسيم العمال البحرينيين، الذين مارسوا مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، إلى قسمين، العوائل والأفراد.

العوائل التي عملت في مهنة غسل الملابس

من خلال المقابلات، لوحظ أن هناك عائلات عمل جل أفرادها في مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، ومن أهم هذه العوائل ما يلي:

1عائلة نعمة

ويمثل هذه العائلة الحاج علي بن عبدالله بن نعمة، وهو من مواليد 1910م عمل في مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى منذ أن كان صبياً صغيراً في الثلاثينيات من القرن المنصرم وحتى كساد المهنة في مطلع السبعينيات، وقد وافته المنية في العام 1994م. وقد عمل معه ابناه، عبدالكريم وعبدالأمير، اللذان عملا مع أبيهم منذ طفولتهما وحتى مطلع السبعينيات. توفي الأخ الأكبر عبدالكريم في العام 2014م، أما عبدالأمير فهو أحد من قابلناهم في هذه الدراسة.

2 عائلة الصفار

ويمثل هذه العائلة الحاج ميرزا منصور جعفر الصفار، وقد عمل في مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى منذ نهاية الثلاثينيات من القرن المنصرم وحتى كساد المهنة في مطلع السبعينيات، وقد توفي في العام 1990م. وكان أحد أبنائه، عبدالحسين بن ميرزا الصفار، ممن قابلناهم في هذه الدراسة.

3 عائلة الرأس رماني

ويمثل هذه العائلة الأخوان عبدالله (توفي العام 2009م)، وإبراهيم (توفي العام 1999م) أبناء حسن علي حسين الراس رماني، وأصل والدهما من رأس رمان، إلا أنهما ينتسبان، من ناحية الأم، لعائلة نعمة، سالفة الذكر، من البلاد القديم. هذا، وقد سكن الأخوان في منطقة البلاد القديم منذ فترة طفولتهما، وعملا في مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، بأقل تقدير، ما بين الأعوام 1950 – 1970م، كما عملا أيضاً في مهنة بيع المشاطف، أي الصخور التي يتم غسل الملابس عليها. يذكر أن، عبدالله الرأس رماني قام بفتح محل خاص لكي الملابس في التسعينيات من القرن المنصرم، وذلك في منزلهم القريب من مركز البلاد القديم الصحي، وقد كان هو من يباشر العمل بنفسه.

4 الأفراد الذين عملوا في مهنة غسل الملابس

هناك قلة من الأسماء التي تمكنا من جمعها لأفراد كانوا يعملون في مهنة غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، ولا نعلم المزيد من التفاصيل حولهم، من تلك الأسماء: عبدالله بن حسين بن علي البلادي، وخميس جاسم أحمد علي البلادي، وعلي بن علي القطيفي، وعبدالله بن حسن علي الزنجاوي.

 

 

عمليات جمع وغسل الملابس وكيها

عملية غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، لا تشمل عملية واحدة فقط وهي عملية الغسيل، بل أن هناك سلسلة من العمليات الأخرى التي تتداخل معها مهن أخرى مساندة لها. من ذلك، عملية جمع الملابس، وعملية تخمير الملابس، وعملية شطف الملابس في العين، وعملية التجفيف... إلخ. وقد حدث تطور ملموس في كل عملية من العمليات السابقة بصورة مستقلة، وعليه سوف نتناول كل جزئية بصورة منفصلة.

1 جمع الملابس

فيما يخص الهنود فقد كونوا شبكة تعمل على جمع الملابس من الأفراد والعائلات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة، وقد كان لهم في المنامة مركز لجمع الملابس. بالإضافة لذلك، كان عندهم تعاقدات مع العوائل الكبيرة والشركات لغسل ملابسهم. أما الغسالون من سكنة البلاد القديم فمنهم من كان لديه محلات خاصة يجمع فيها الملابس، كما كان عندهم تعاقدات مع عددٍ من العوائل والمؤسسات الحكومية.

2 عملية تميّز الملابس

أثناء عملية جمع الملابس تتم عملية تميّز الملابس ليتم التعرف على أصحابها لاحقاً، حيث توضع علامة مميزة على الملابس أو شفرة خاصة لكل زبون تُعرِّف به، وذلك بكتابة حرف أو رقم أو قد تكون رمزا معينا. وقد أشار الحاج عبدالحسين الصفار بأن عملية التميّز تكون موكلة للشخص الذي يقوم باستلام الملابس فهو المسئول عن معرفة صاحب القطعة.

ويستخدم في عملية وضع العلامة على الملابس مادة تستخرج من ثمرة تشبه التمرة الصغيرة، وتجلب من الهند، وتكون مادتها كالحبر وتسمى عند أهل المهنة في البحرين (بِلاوه)، من أسمها الهندي Bhilawa or Bhilava. وتستخدم للكتابة إبرة خياطة صغيرة؛ حيث تغرز الإبرة في الثمرة ثم يكتب بها. يذكر أن هذه النبتة، أي بِلاوه، مشهورة في الهند وتستخدم لنفس الغرض؛ ولذلك عرفت بعدة أسماء باللغة الإنجليزية تشير إلى ذلك؛ فهي تسمى جوزة الدوبي (أي جوزة غاسل الملابس) Dhobi Nut، كما تسمى Marking Nut أي جوزة وضع العلامة (عن موقع flowersofindia.net).

3 عملية نقل الملابس للعاملين في غسيلها

بعد عمليتي جمع وتميّز الملابس، يتم ترتيبها على شكل «بگش» وهي جمع لكلمة «بگشه»؛ حيث تجمع مجموعة قطع من الملابس وتوضع في خرقة أو شرشف كبير وتربط، ومن ثم، تنقل للعمال الذين يقومون بعملية غسيل الملابس في البلاد القديم. هذا، وعلى مدى الزمن تغيرت وسائل النقل، وقد تعددت طرق نقل الملابس من مناطق الجمع إلى العاملين في عملية التغسيل، وبالعكس، أي من العاملين إلى أصحاب الملابس، وهناك من العاملين من تخصص فقط في عملية نقل الملابس.

ومن أبسط طرق النقل كانت عن طريق العربة التي يجرها الحمار (أي الحمار والگاري)، ومنهم من استمر على هذه الطريقة دون تطويرها، وهذا ما فعله الأخوان إبراهيم وعبدالله الرأس رماني. أما علي نعمه، فقد طور عربة خاصة صنعت خصيصاً لنقل الملابس. ومع تطور وسائل النقل، استخدمت الدراجة الهوائية لنقل الملابس، وقد كان لعبدالحسين الصفار دراجة هوائية يوصل بها الملابس لشارع المهزع في المنامة. كذلك، استخدمت سيارة كبيرة تشبه الشاحنة ولها حاوية خاصة للملابس، وهذه السيارة كانت تنقل الملابس من المنامة إلى عين قصاري الصغرى.

4 عملية التخمير وكيف تطورت

بعد جمع وتميّز الملابس وتوصيلها للعامل، يقوم العامل بعملية تخمير الملابس، وبالخصوص البيضاء منها؛ حيث توضع الملابس في الماء والصابون، وتضاف لها مواد أخرى، فالملابس البيضاء يضاف لها الجويت والسوده.

4. 1 التخمير مع الجويت والسوده

من أهم المواد التي استخدمت في البحرين في غسيل الملابس، وخصوصاً الملابس البيضاء، هي مادتي الجويت والسوده. أما الجويت فهو الاسم المحلي للمسحوق الأزرق الذي كان يستخدم لتبيّض الملابس البيضاء، ويحافظ على لونها الأبيض، وهو يعرف بالنيل Neel. وقد أكتشف هذا المسحوق منذ القدم، وكان يحضر بسحق أملاح معدنية طبيعية، إلا أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر بدأ يحضر بصورة صناعية (عن موقع oldandinteresting.com). وأما السوده فقد وصفها عبد الأمير نعمة أنها مسحوق ناعم أبيض اللون يستخدم للملابس البيضاء فقط، ويخرج رغوة قليلة، وعند لمسه باليد فإن به حرارة. من خلال هذا الوصف، يُرجح أن هذا المسحوق محضر من مشتقات الصودا أو أحد مركبات الصوديوم الأخرى، وأن أصل التسمية ربما الصودا، تم تحويرها للسوده. وهذه المركبات كانت معروفة في تلك الحقبة وكانت تستخدم في عمليات تبيض الملابس.

ويقول عبدالأمير نعمة أن هذا المسحوق كان يستورد في خياش، ربما من الهند أو إنجلترا، وأن هناك عددا من التجار يستوردونه مع أعشاب أخرى يستخدم بعضها في غسيل الملابس، وكان أحد أولئك التجار ينتمي لعائلة الصفار.

4. 2 التخمير في الماء الحار

هذا وقد تحدث عبدالحسين الصفار وعبد الأمير نعمة عن تفاصيل تطوير عملية التخمير، وذلك بتخمير الملابس في الماء الحار، وهذه تتم في بيوت العاملين وليس في العين؛ حيث يستخدم برميل أو تنور، وتوضع داخله أخشاب بصورة معينة، ويملئ بالماء، ومن ثم توضع الملابس فوق هذه الأخشاب داخل البرميل، وتشعل من أسفله النار. وبعد عملية التخمير، تجمع الملابس وتؤخذ في صبيحة اليوم الثاني لعين قصاري الصغرى حيث يتم غسلها وشطفها على الصخور.

5 عملية الشطف والغسال

تتم عملية غسيل الملابس في عين قصاري الصغرى، وهي مجهزة لذلك، وأهم التجهيزات التي توجد هي المشاطف (مفردها مشطفة)، وهي عبارة عن صخور ضخمة مسطحة، تمتد على أحد أطراف عين قصاري الصغرى، يتوزع عليها الغسالون، فيقف كل عامل في قبال إحدى تلك المشاطف والتي يتم غسل الملابس عليها بطريقة الشطف (سنناقش عملية الشطف لاحقاً)، ومنها أشتق لها الاسم مشطفة. وجذر اللفظة «مشطفة» وارد في كتب اللغة بمعنى غسل؛ جاء في معجم «تاج العروس» (مادة شطف): «شَطَف: أي غَسَلَ، قال الصَّاغَانِيُّ: وهذه سَوَادِيَّةٌ، أَي لُغَةُ السَّوادِ، قلتُ: وكذا لُغَةُ مِصْرَ». وفيه أيضاً، وفي نفس المادة: «التَّشْطِيفُ كالشَّطْفِ، بمَعْنَى الغَسْلِ».

يذكر، أنه في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم امتهن الأخوان إبراهيم وعبدالله الرأس رماني مهنة جلب هذه الصخور من منطقة الصخير، وكانت الصخرة الواحدة (أو المشطفة) تباع بسعر ما بين 15 و20 روبية.

وعندما يصل العامل لعين قصاري الصغرى، وقبل أن يدخل للعين، يقوم العامل بمسح أرجله وأقدامه وبالخصوص بين الأصابع بمراهم خاصة، تستورد من الهند، وذلك حفاظاً عليها من الأسماك الصغيرة (الحراسين) التي توجد في العين والتي تتجمع حول أرجل العاملين وتحاول قضم أقدامهم، وهي أسماك عرف عنها أنها تتغذى على الجلد الميت والقراح والجروح.

بعد مسح الأقدام بالمراهم ينزل الغسالون للعين، ويتوزعون داخل العين بصورة منظمة؛ حيث يقف كل عامل في قبال إحدى تلك المشاطف والتي يتم غسل الملابس عليها بطريقة الشطف، ومنها أشتق لها الاسم مشطفة. بعدها، يبدأ كل عامل بغسل الصخرة، التي سيعمل عليها، بماء العين الجاري لينظفها من الأتربة والأوساخ العالقة عليها، وبعد ذلك يباشر غسل الملابس بالماء والصابون. وبعدها يبدأ شطف قطع الملابس؛ حيث تضرب قطعة الملابس بقوة على الصخرة (المشطفة). وبعد أن تشطف قطع الملابس، يعاد غسلها بالماء مجدداً لإزالة الصابون، ومن ثم تعصر وتُكّوم لتأخذ لاحقاً للنشر في الشمس.

يذكر أن عملية ضرب وشطف الملابس على الصخور كثيراً ما تتسبب في تكسر أزرار الملابس أو فقدانها. وأحياناً، تحتوي بعض الملابس على قطع نقدية صغيرة، فتفقد في العين؛ ولذلك، عادة ما يلاحظ وجود أعداد من الأطفال يسبحون في عين قصاري الصغرى ويغوصون إلى قاعها بحثاً عن قطع النقود التي، ربما، تساقطت أثناء شطف الملابس، وأحياناً تجد الأطفال يتنافسون فيما بينهم لأجل ذلك.

6 عملية نشر الملابس وتجفيفها:

بعد غسل الملابس يتم نشرها، وقد كانت تستخدم المساحة الفارغة أمام العين من جهة الجنوب وتمتد من الشرق للغرب، وهي مساحة مفتوحة للشمس وبعيدة قليلاً عن الأشجار والطيور التي قد تؤدي لتوسيخ الملابس بفضلاتها. وكان يستخدم في عملية النشر حبال مصنوعة من القطن. ويتم برم قطعتين من الحبال مع بعضهما البعض، ومن ثم، يتم ربط طرفي الحبال المبرومة بأخشاب خاصة من شجر البامبو، والتي كانت تستورد من الهند خصيصاً لذلك. بعد ذلك يتم تعليق الملابس التي توضع بين قطعتي الحبال المبرومة كي تثبت جيداً ولا تطير من فوق الحبال بسبب الرياح.

بعد أن تجف الملابس يتم جمعها، وعادة ما يكون ذلك في فترة العصر، ويتم طيها ووضعها من جديد في بگش، ويتم نقلها لأماكن تتم فيها عملية الكي.

7 عملية كي الملابس

توجد العديد من المحلات التي تخصصت في كي الملابس، وأغلبها كان في المنامة، والبعض منها في البلاد القديم. هذا وقد عمل بعض الغسالين على فتح محلات خاصة لهم متخصصة في عملية كي الملابس، على سبيل المثال الحاج عبدالله نعمة قام بفتح محل للكي في المنامة، كما قام عبدالله الرأس رماني بفتح محل خاص لكي الملابس، في التسعينيات من القرن المنصرم، وذلك في منزلهم القريب من مركز البلاد القديم الصحي، وقد كان هو من يباشر العمل بنفسه. وكذلك ميرزا الصفار فتح له محل لكي الملابس في البلاد القديم.

بالنسبة للبحرينيين فقد انتهت مهنة غسيل الملابس بالطريقة التقليدية مع دفن عين قصاري الصغرى في العام 1972م. وبذلك تم طي صفحة من تاريخ مهنة عريقة في البحرين عرفت منذ مئات السنين واستمرت حتى ستينيات القرن المنصرم. يذكر أن بعض من مارس مهنة كي الملابس، وبالخصوص الذين كانت لهم محلات خاصة، استمروا في مهنة كي الملابس حتى تقادم بهم العمر وهجروا هذه المهنة.

 

المراجع

المراجع العربية

1 الزَّبيدي مرتضى، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الهداية، الكويت.

2 القصيبي، هند. تاريخ وواقع العيون الطبيعية في دولة البحرين. رسالة مقدمة كجزء من متطلبات الحصول على درجة الماجستير في علوم الصحراء والأراضي القاحلة. كلية الدراسات العليا، جامعة الخليج العربي، البحرين. تاريخ التقديم سبتمبر 1997م.

3 حسين، محمد حسين. تاريخ مهنة القصارين في البحرين – دراسة تاريخية تحليلية. في هذا العدد من مجلة الثقافة الشعبية.

المراجع الأجنبية

1 Dalzell, T. and Victor, T. (2008). The Concise New Partridge Dictionary of Slang and Unconventional English. New York: Routledge.

مواقع على شبكة الإنترنت

1 www.flowersofindia.net/catalog/slides/Marking Nut.html

2 www.oldandinteresting.com/laundry-blue.aspx

الصور

1 أرشيف صور عبدالأمير علي نعمة

2 أرشيف صور عبدالحسين بن ميرزا الصفار

3 أرشيف صور Mike Knight على موقع flickr.com

4 Al-Muraykhī, K. M. Events enfolded in time: A journey into Bahrain's past: the 1920's through the 1960's. Bahrain, 1997.

5 Wheatcroft, A. Bahrain in Original Photographs, 1880–1961, London: Kegan Paul, 1988. P. 115

أعداد المجلة