فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
4

الزوايا والطرق الصوفية بالبلاد التونسية منطقة دوز* عيّنة

العدد 4 - عادات وتقاليد
الزوايا والطرق الصوفية بالبلاد التونسية منطقة دوز* عيّنة
كاتب من تونس

لقد وجدت الزوايا بالمغرب العربي إطارا ملائما لتضطلع بدور خطير  لا يختلف نسبيا عما اضطلعت به في كل البلاد الإسلامية. وعرف هذا الدور أطوارا مختلفة فتدرج من السلطة الدينية المحتشمة في طور النشوء والتأسيس إلى سلطة دينية نافذة في العصر الحديث (القرون 12 – 13 – 14 هـ/ 18 – 19 – الثلث الأول من ق 20 م) ثم إلى سلطة باهتة في طور الأفول الذي مرت به منذ الثلاثينات 1.

ولا ريب في أن هذه الظاهرة تكاد لا تختلف بين أرجاء بلاد المغرب العربي إلاّ أن الخصوصيات الطبيعية والبشرية لجهة أو منطقة قد تلوّن هذه الظاهرة أو تلك بلون يضفي عليها طابع التميز ويغري بالغوص بالبحث في مظاهره وأسبابه.

ولعل السمة اللافتة عند النظر في الزوايا والطرق الصوفية بمنطقة دوز هي عدم التلازم بين حضور الزوايا بل وتواصلها وبين الطرق الصوفية. فالمتعارف عليه هو أن تكون الصلة متينة بين الزاوية والطريقة الصوفية فعادة ما تتخذ الطريقة من الزاوية مقراًّ به تنتظم لقاءاتها وتستقطب أتباعها.

 

فكيف للزاوية بمنطقة دوز أن تنشأ وتستمر وتؤثر تأثيرا عميقا في الحياة الروحية والاجتماعية دون أن يوازيها حضور لطريقة أو طرق صوفية2 كما كان الشأن بالمنطقة المجاورة وهي منطقة نفزاوة3؟

لقد مثلت الزوايا دورا كبيرا ثقافيا في بلاد المغرب فحقّ الانتباه إلى تاريخية الظاهرة حتى ندرك الخصائص الجوهرية لهذا السلوك في تونس في القرن العشرين.

ولا ريب في أن الإلمام بالجوانب التاريخية المتشعبة لن يكون في متناولنا ولذا يمكننا الاكتفاء بتقسيم العمل إلى جانبين:

-   الجانب الوصفي التحليلي وتكون الزاوية بمنطقة دوز منطلقا.

-   الجانب التأليفي وفيه حرص على تعميم الظاهرة مقارنة بمناطق أخرى من البلاد التونسية وصولا إلى تمثّل التحولات الجوهرية الطارئة على المجتمع التونسي في القرن العشرين من خلال ظاهرة الزوايا.

إن رصد الثوابت والتحولات والانتباه إلى التأثير الطرقي عبر المراحل التاريخية يقتضيان وضع الثقافة في إطار أنتروبولوجي يشمل النشاط المادي والنشاط الذهني في آن مما يجعل الثقافة نواة الحياة الاجتماعية منها تنبع وإليها تعود السياسة والاقتصاد والأخلاق.

ولا شك في أن هذا المنظور للثقافة يمهّد للربط بين الخطين الأفقي والعمودي الأول وصفا وتحليلا والثاني استقراء واستنتاجا.

لم يكن العمل بمعزل عن التحولات الاجتماعية العميقة وما اختيارنا منطقة دوز عينة للدراسة إلاّ تأكيد لهذا التوجّه في الدراسة.

فهذه المنطقة لها ما يشدها إلى التحولات العامة التي يعرفها المجتمع التونسي ولها ما يميّزها ويغري بالبحث، فمن المميّزات:

أ) الموقع الجغرافي إذ بقيت المنطقة إلى وقت غير بعيد (منتصف السبعينات) بعيدة عن كثير من أسباب التمدن الحديث وهذا قد يدفـع إلى القول إن صلة المنطقة بالظواهر الثقافية وخصوصا الزوايا والطرق الصوفية ضعيفة لأن صلات التواصل والاحتكاك مع المناطق الأخرى من البلاد التونسية بقيت محدودة4.

ب) البنية الاجتماعية بنية قبلية وقد ساهم الموقع الجغرافي ونمط العيش البـدوي في رسوخ هذه البنيــة واستمرارهـا رغـم التحـولات الجوهريـة التي عرفهـا المجتمع التونسـي ورغـم محاولـة السلطـات السياسيـة المركزيـة في فتـرة الاستعمـار الفرنسـي5. وفـي فتـرة بنـاء الدولـة الوطنيـة الحديثـة6 والبنيـة القبليّـة الراسخـة المومـإ إليهـا سيكون دورها جليّا في إضفاء القداسة المميّزة على الشيخ الولي فهو ولي له كراماته وهو في نفس الوقت جدّ له قدسيّته.7

واللاّفـت فـي ظـاهـرة الزوايـا بمنطقـة دوز هـو التقديـس لوليّيـن فـي نفـس الوقـت والقيـام بنفـس الطقـوس تجاههمـا مـع التأكيـد علـى صلـة القربـى الوثيقـة بينهمـا.

 والـلاّفــت أيـضـا هـو أن أهـل مديـنـة دوز أو المـرازيـق كمـا يحرصـون علـى نعـت أنـفسـهـم نسبـة إلـى الـجـد الأول للـقـبيـلـة وهـو مرزوق 8 يقدّسون وليّين في نفس الوقت وينـزلانهما تقريبا نفس المرتبة من القداسة9. هذان الوليّان وهما حمد الغوث وعمر المحجوب المنتسبان إلى سيدي مرزوق10 يحظيان أيضا بتقديس كبير من القبائل والقرى المجاورة.

ولا ريب في أن نعت الوليين بالغوث والمحجوب يحيل على مرجعية صوفية قد تجعلنا نذهب إلى أن قدومهما إلى المنطقة والاستقرار بها كان سعيا إلى نوع من المرابطة، وقد تزامن استقرارهما مع انتشار الحركات الصوفية بإفريقية وكامل المغرب العربي11. ويسود المعتقد أن البركة يتوارثها الأحفاد عن الجدين ولا يختص بها جيل دون آخر فالبركة متأصلة - حسب اعتقاد العديد من المرازيق – بينهم فلا يختلفون في حصول كل واحد منهم على نصيبه من البركة فهي مشاعة بينهم سارية بينهم سريـان دم الجد فـي عروقهم، وإنما يختلفـون أو يتفاوتـون في الكرامات التي يتحلون بها بتفاوت درجاتهم في صفاء النسب والانتساب إلى الجد وعادة ما يوصف من لا يرتقي

 الشك في صفاء نسبه12 بأنه من أبناء «سلسلة» مما يكسبه مزيدا من القداسة لدى بقية أفراد القبيلة ولذا نجد عادة الشيوخ يحفظون شجـرة نسب كل عائلة وبطن ويقومون بتلقينها للأطفال بل يتباهى بعض الشيوخ أحيانا في بعض المناسبات العرضية كحصول خصومة حول أحقية ملكية أرض بين بطنين بامتلاك حجة ملكية تعود إلى مائة وأحيانا مائتي سنة تؤكد نسبة العائلة أو «العرش» إلى الجد الأول للقبيلة ويردّد بعض المرازيق القولة التالية «التالي فيه قدحة والقدحة تنقش منجل والمنجل يحصد فدّان» ومعناها أن أدنى أبناء القبيلة لا يخلو من بركة ولو كانت قليلة13، ونجد أن بعض أفراد القبيلة قد يصل بهم الحال إلى التباهي بهذا الإرث الروحي ويدعّمون القولة السابقة بقولة أخرى يردّدونها في بعض المناسبات وخصوصا عند الشعور بالضيم وهي «براكة وحذاقة ودبّوس خلاّها له بوه» أي أن الجد أورث أفراد القبيلة البركة.

ج) - خصوصية المنطقة المدروسة فيما يتعلق بظاهرة الزوايا والطرق الصوفية. فالثنائيات قائمة وصارخة منها:

- تقديس وليين صالحين في نفس الوقت وعلى نفس المستوى مقابل عدد من الأولياء يصل بهم البعض إلى الثمانين في منزلة بعيدة كل البعد عن منزلة هذين الوليين.

- التقابل بين مركز14 المدينة مقر إقامة قبيلة المرازيق التي تمثل نسبة 85% من السكان15 وبين القرى المجاورة كالقلعة ونويّل : على مستوى تعدّد الطرق الصوفية أو انعدامها وعلى مستوى تعدّد الأولياء أو الاقتصار على وليين رئيسيين فالمرازيق لا ينتمون إلى أية طريقة صوفية ولا يقيمون أيّة حضرة بل يذهبون إلى أن حضور أحدهم حضرة لطريقة صوفية بقرية مجاورة أو مدينة أخرى يعطّل نشاط الحضرة ولا يصل مثلا أتباع الطريقة العيساوية إلى حالـة «التخمر» إلاّ بعد الاستئذان ممن هو حاضر من المرازيق. ومقابل هذا نجد سكّان القرى المجاورة وخصوصا قريتي القلعة ونويّل، وهما قريتان عريقتان16 يعتمد سكانهما الحضريون على غراسة النخيل، ينتسبون إلى الطريقتين الصوفيتين المعروفتين وهما: القادرية والعيساوية17 كما يعتقدون في عدد كبير من الأولياء فلكل عرش وليّه الصالح الخاص به18.

د) - حضور الزاوية كمؤسسة مع اقتصارها على دور تعليمي يقتصر على تحفيظ القرآن وتوفير الإقامة والطعام للحجاج وعابري السبيل والمحتاجين دون أن تكون الزاوية19 مقرا لطريقة صوفية أو طقوس صوفية. وتجدر الإشارة إلى أن المرازيق يستعملون لفظة الزاوية في معنى مخصوص فهم يعرّفون أنفسهم أحيانا بأنهم أبناء زاوية أي أنهم أهل تقوى وورع وبركة وصفاء طويّة20 ولا شك في أن غياب الطُرُقيّة بدوز مع انتشارها خاصة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في كامل أرجاء البلاد التونسية وفي قرى مجاورة لدوز ظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل.

هـ) – اقترن تأسيس مدينة دوز بالمرابطة ووسم الحياة فيها بميسم خاص فأهل دوز يأخذون اليوم بأسباب الحداثة في مختلف ميادين الحياة ولكنهم في الآن نفسه يحملون عمقا روحانيا لافتا، وهذه المزاوجة العسيرة والعميقة لا تبدو غريبة إذا عرفنا أن المدينة تأسست حول نواتين وهما ضريحا وليين صالحين متناظران مكانيا ينتصبان على الربوتين الوحيدتين المشرفتين على منبسط من الأرض21 ومثل الضريحان والمقبرة22 التي أحاطت بضريح الغوث المركزين اللذين أحاطت بهما المدينة وتوسّعت في كل الاتجاهات في شكل دائري يبلغ قطره عديد الكيلومترات ونجد التنافس شديدا - فيما يخص البناء - على القرب من المركز رغم أنه لا توجد عوائق طبيعية تحول دون التوسّع أفقيا خاصة في اتجاهي الشرق والجنوب.

و) - التزاوج الخصيب بين نمطين من العيش متوازيين هما البداوة والتحضّر إذ تشهد مدينة دوز تحوّلا دقيقا وحرجا بين نمطين من العيش بدويّ موغل في البداوة عرفـه السكان طيلـة قرون فرضته قساوة الطبيعة وندرة الأمطار وأنتج حياة يغلب عليها الارتحال23 في أعماق الصحراء بحثا عن الكلأ والماء ونمط جديد من العيش طارئ 24 فرضته مقتضيات التطور الذي عرفه المجتمع التونسي على أوجه عديدة منها الوجه الثقافي الديني.

إن الملاحظات الآنفة الذكر دفعتني إلى جانب جدة الموضوع25 فيما يخص منطقة نفزاوة26

إلى دراسة ظاهرة الزوايا والطرق الصوفية بمنطقة دوز.

 

I – الزوايا والطرق الصوفية بمنطقة دوز : الخصائص والمميزات:

 

1) الزوايــا

أ) زاويتا الغوث والمحجوب:

لئن لم تشر الرواية الشفوية المتداولة -في غياب الوثائق والنصوص التاريخية- إلى تاريخ نشأة زاويتي الغوث والمحجوب فإنهما تبدوان قديمتين إذ نجد اعتمادا على الدفاتر الإحصائية لنخيل منطقة نفزاوة في عهد المشير أحمد باي وبالتحديد سنة 1852م عند فرض «قانون» أو ضريبة النخيل والزيتون بالإيالة التونسية أن النخيل المحبّس على الشيخين الغوث والمحجوب ببلدتي قبلي وتلمين كان عدده 182 نخلة وكان مجموع الأحباس سبعة27.

ولا شك في أن الزاويتين اقترنتا في منطلقهما بمعنى العبادة رغم أن الرواية المتداولة تسكت عن هذا السبب في اختيار بلدة دوز مستقرا بل تذهب إلى معنى آخر وهو البحث عن العزة والكرامة إلاّ أن هذا المعنى لا ينبغي أن يخفي عنا المعنى الثاني للمرابطة28 وهو إقامة الجيش في الرباط والراجح أن زاويتي الغوث والمحجوب كانتا تقومان بحماية طريق القوافل من قابس إلى الصحراء الجزائرية ومن شمال البلاد التونسية إلى مدينة غدامس فالبلدان الإفريقية جنوبي الصحراء29 إذ كانت هذان الطريقان التجاريتان نشيطتين خصوصا قبل الاحتلال الفرنسي لتونس. وقد يفسر هذا ما تمتعت به الزاويتان من حصانة في عهود البايات30وقد واصل الاستعمـار الفرنسـي إسناد الامتياز للمحتمين بالضريحين31.

وقد اقتصر دور الزاويتين على تحفيظ القرآن32 وتلقين مبادئ القـراءة والكتابـة. ولئن كنا لا نعرف فترة انطلاق الزاويتين في القيام بهذا الدور التعليمي التربوي فالأكيد أن زاوية المحجوب على الأقل كانت نشيطة منذ العقد الثالث من القرن العشرين إذ نجد في ترجمة الأديب محمد المرزوقي (ولد سنة 1914)33 أنه حفظ القرآن في صباه بزاوية المحجوب ثم انتقل إلى الدراسة بجامع الزيتونة.

وكان يؤم الزاوية ويقيم بها تلاميذ من مناطق الجنوب التونسي وأحيانا من مناطق أخرى.

وقد أمكننا ضبط قائمة في المؤدبين الذين تداولوا على كتّاب المحجوب :

-   الحاج سالم بن ابراهيم

-   عبدالله بن خالد

-   علي بن سعيد وهو تلميذ عبد الله بن خالد

-   العربي بن محمد بن عمر بن العربي

-   عمر بن محمد بن علي، اجتمع في فترة واحدة في الكتاب مع العربي بن محمد، ولم يطل به المقام أكثر من ثلاث أو أربع سنوات حيث غادر الكتاب ليقوم بتحفيظ القرآن في بيته.

-   علي بن العربي بن محمد، ولم يبق أكثر من سنتين.

-   الحاج عبد الله بن حمد بن عبودة

-   عمر بن ابراهيم بالثابت

-   بوبكر البكوش وهو مباشر إلى الآن.

ويتأتى دخل الزاويتين من الأعطيات والهدايا34 ومن الأحباس وخاصّة أحباس النّخيل بقرى تلمين ونقة والقريبة من قبلّي ورغم حلّ الأحباس رسميّا سنة 1957 فإنّ أوقاف النخيل مثـلا بقرية تلمين المخصّصة لزاوية الغوث بقيت قائمة إلى سنة 1995 وتمّ بيعها لبناء جامع أولاد يحيى. ومازالت زاوية الغوث تمتلك أرضا شاسعة بوسط المدينة قرب المقبرة محبّسة عليها ولم تفرّط منها إلاّ في جزء لبناء مكتبة عموميّة ومدرسة لتعليم الصّم والبكم، ومازال بعض الفلاحين يحبّس نخلة أو نخلات ببستانه على الزاويتين دون أن يوثّق ذلك بحجّة رسميّة ممّا يوفّـر دخلا دائما ومستمرّا لهما ممّا يجعل القائمين على إحياء الدور التعليمي بزاوية المحجوب35 مطمئنين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قومة الزاوية هم من المتطوّعين ولا ينتمون إلى عائلة معيّنة - باستثناء  عائلة الجديدي بالنّسبة إلى زاوية المحجوب – ولا شكّ في أن طلب الثواب هو الغاية دون أن نغفل المنافع الماديّة التي قد تحصل للقائمين على الزاوية لأنّهم لا يخضعون لرقابة مالية خارجيّة.

 

ب) زاوية نويّل36:

انطلقت هذه الزاوية في النشاط سنة 1917 وتم بناء مقرها سنة 1938 وبقيت تقوم بدور تعليمي إلى اليوم و يتجاوز حاليّا عدد الطلبة «المرتبين»37 بها 60 طالبا ويقتصر تعليمهم على حفظ القرآن وتلقّي مبادئ أوّلية في الفقه (منظومة ابن عاشر).

ويتوزع الطلبة على ثلاثة فصول:

- الفصل الأول : يضم الطلبة الكبار النجباء الذين يعيدون حفظ القرآن. تبدأ حصة التحفيظ بعد صلاة الفجر وإثر صلاة العصر، فيقومون بتلاوة القرآن وتجويده.

- الفصل الثاني : يضم الطلبة «الوسّاط» الذين يتوسطون الفصلين الأول والثالث. يتلقون «الملّة» أي الإملاء فجرا وبعد الظهر.

- الفصل الثالث : يضم «النصّافة»، يحفظون القرآن ويتولى تحفيظهم اثنان من قدماء الطلبة الذين تخرجوا من الزاوية.

وتتراوح مدة الدراسة بين ثلاث سنوات وخمس سنوات تختم بالحصول على شهادة الكفاءة في تدريس القرآن، ويكتفي كل طالب يكمل تعليمه بوظيفة المؤدب أو الإمام.

وتتحصل الزاوية على مساعدات مالية من وزارة الشؤون الدينية ومن جمعية المحافظة على القرآن الكريم.

وتجمع هذه الزاوية بين الجانـب التعليمـي والجانـب الطرقي إذ تـؤوي طريقة صوفيّة هي الطريقة القادريّة.

 

2) الطّرق الصوفيّة

أ . الطريقة القادريّة38 بنويل 39:

تمثّل زاوية نويّل مركزا هامّا لهذه الطريقة فبعد أن كان القائم على الزاوية وهو الشيخ عمران في رتبة مقدّم راجعا بالنظر إلى الزاوية القادريّة بتوزر ارتقى إلى رتبة شيخ بعد أن قلّده شيخ الطريقة القادريّة  بتوزر المشيخة بقوله « الشيخ ما يعلّم شيخ» وقد توفّي الشيخ عمران في أواخر السبعينات وأقيم له ضريح بزاوية نويّل وخلفه ابنه المداني على المشيخة أي على الولاية الروحية كما أصبحت ابنته حليمة وكيلة على فرع «الدالية» أي مشرفة على المداخيل والتنظيم المادي للزردة السنوية وأصبحت الطريقة القادريّة بنويل مستقلّة بذاتها لها إشعاع خاصّة على منطقة الفوّار40 ويقوم المعتقدون في بركة هذه «الزردة» بزيارة هذا المكان والإقامة به في فترات مختلفة من السنة قصد التبرّك أو طلبا للشفاء.

وتقيم الطريقة القادريّة بنويل «زردة» سنويّة بمكان بعيد عن القرية يعرف بـ»الدالية»41 وقد نشطت هذه «الزردة» وراج صيتها في منتصف السبعينات42 وعرفت إقبالا حينئذ من أصناف متعددّة من الناس، فصنف من الناس يأتي إلى الدالية اعتقادا وتبرّكا وصنف آخر حبّا للاطلاع وصنف ثالث رغبة في الخروج من القيود الاجتماعية وطلبا للاختلاط والتعارف.

ويشترك الجميع في الرغبة في الخروج عن المألوف وبناء علاقات اجتماعيّة وقبليّة   – ولو ظرفيّا – يتساوى فيها الجميع 43.

 

 ب . الطريقة القادريّة بالقلعة:

كما نجد طريقة قادريّة ببلدة القلعة وهي متفرعة عن الطريقة القادريّة بنفطة و قد توارثت عائلة الحاج عمر بن علي القلعاوي رتبة مقدّم بتزكية من شيخ القادريّة بنفطة44 ويتم التقديم بقراءة الفاتحة وتسليم الراية ويؤكّد مقدّم القلعة الحالي45 أن طريقته لم تقم «الزردة» السنويّة منذ خمس سنوات وقد سبق لها أن أقامت ثلاث زردات منذ سنة 1973 منها اثنتان بأم الصمعة بسوق الأحد، ويبرّر ذلك بتعدد المعترضين عليها، وقد نتج عن ذلك نقص الموارد الماديّة للطريقة ولمقدّمها حتما لأنّه يحصل على ربع مداخيل الزاوية ويتصرّف فيه ويرسل الباقي إلى الطريقة الأم.

ولطريقة القلعة سفائن أو قصائد في مدح عبد القادر الجيلاني وبعضها من تأليف أتباع الطريقة المحلية بلهجة دارجة.

وتعتمد الطريقتان القادريتان بنويل والقلعة في الحصول على موارد إضافيّة عن طريق ادعاء معالجة بعض الأمراض مثل الصرع46 أو عن طريق النظر في الطالع والحظ اعتمادا مثلا على كتاب أبي معشر الفلكي الكبير في البروج وكتاب «في الطب والرحمة» للسيوطي وكتاب حول خط الرمل (الدقازة). وتعتمد قادرية القلعة على النظر في «الزميطة» أي البسيسة قصد الكشف عن الأمراض الخفية، وتتميّز طريقة نويل في علاج بعض الأمراض باعتماد «اللاّئذة» وهي شاة ذات لون مخصوص تمرّر على بطن المريض ثم على ظهره فإذا داخت الشاة فإن ذلك علامة على الشفاء، مع تأكيد الطريقتين على أن القرآن يمثّل في حالات عدة شفاء.

وتشترك الطريقتان في السماح للمرأة بالمشاركة في بعض شطحات الحضرة على خلاف الطريقة العيساويّة وقد يفسّر هذا إلى حدّ ما انتشار الطريقة القادريّة بين عدد كبير من الأتباع.

ولئن كان المرازيق لا ينتمون إلى الطريقة القادريّة فإن الكثير منهم يعتقد في كرامات عبد القادر الجيلاني وسرعة نجدته للملهوف. ونجد عدد القصائد الشعبيّة التي تمجّد هذا العلم الصوفي وتتغنّى بفضائله وعادة ما يهب الرعاة أوّل جدي يولد بالغنم في مفتتح كلّ موسم فلاحي جديد – ويكون ذلك في نهاية فصل الشتاء – ويطلق على الجدي اسم «جدي سيدي عبد القادر» ويقدّم عند أوّل زيارة عاديّة هديّة إلى «الدالية» فيذبح ويوزّع لحمه بالتساوي بين كـلّ الحاضرين وعادة ما تتمّ هذه الزيارة قبيل العودة والاستقرار بالمدينة خلال فصلي الخريف والشتاء.

 

ج . الطريقة العيساويّة47 بالقلعة : 

لا تختلف هذه الطريقة في طقوسها عن بقيّة الطرق العيساوية بالبلاد التونسيّة وتنتسب مثلها إلى الشيخ محمد بن عيسى من مكناس بالمغرب الأقصى48 وتنتظم حضراتها مرّتين في الأسبوع مساءي الاثنين و الجمعة كما أنّها تقيم بعض الحضرات عند الطلب في حفلات الختان والأعراس دون مقابل مالي كما يؤكّد على ذلك مقدّم الطريقة49.

ولا يتمّ انتساب المريد إلى الطريقة المذكورة إلاّ بعد مباركة المقدّم له عن طريق «التعشيق» أي قبول انتساب المريد إلى الطريقة بعد توفر شروط الطهارة والصلاة والتقوى ثم وضع اليد في يد المقدم وقراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين ثم يتولى المريد قراءة العهد ونصه: «أعاهد الله والشاهد الله لا مبدل ولا مغير إلى الممـات في طريقتي …» ويحـدد «طريقة» أي نوع «الشطحة» التي يقوم بها عندما يصل إلى حالة التخمر. ومن هذه الشطحات:

-   سيّـاف (يضرب بطنه عديد المرات بالسيف)

-   السفافدي (يشك خديه ولسانه بآلة دقيقة وحادة)

-   الخطيفة (يقوم بشقلبات)

-   النعام (يبتلع المسامير)

-   الرفاعي

-   الجمل

-   الصيد

-   النمر

وتنطلق الحضرة بقول المقدم: «بسم الله والله الكريم نستفتح، وصلّ على محمد إن شاء الله نربحو» ثم تتم قراءة حزب الطريقة ويتمثل في ترديد عبارات «الحمد لله» ثلاثا و»إنّي توكلت» ثلاثا ثم «الحمد لله» ثلاثا  ويتولى اثنان يعرفان بـ»المخاديم» إمساك من يزدرد المسامير ويقومان في الأثناء بقراءة القرآن. ويؤكد المقدم أن لا شيء يذكر أثناء الحضرة غير القرآن ولذا لا يباح التدخين لقدسية المقام.

وعند بلوغ أحد المريدين حالة الإغماء التام فإن المقدم يضمه إليه ويردد الشهادتين على مسمعيه ولا يتم إطعام الحاضرين إلاّ بعد إتمام الحضرة.

ويذهب المقدم إلى أن القصد من الحضرة هو الاستجابة للدعاء بالتقرب من الذات العليّة.

وخلافا للطريقة القادرية، لا يدّعي المنتسبون إلى الطريقة العيساوية المذكورة إلاّ القدرة على مداواة لدغ العقرب.

 

د. الطرق الأخرى :

نلاحظ أن الطريقة القادرية هي التي تحافظ على انتشار واسع بالجهة رغم أنها لم تكن توجد زوايا خاصة بها سنة 1925 50 ولا نجد أثرا اليوم لطرق عديدة أشارت إليها المصادر.

ففي أواخر القرن التاسع عشر كانت أشهر الطرق بالجهة: الرحمانية – العيساوية – العروسية – السلامية – القادرية51.

وقد كانت للطريقة الرحمانية سنة 1925م زوايا بدوز والعوينة وزعفران والصابرية والعذارى وغريب52.

ويبدو أن الاستعمار الفرنسي حاصر الطريقة السنوسية مما حال دون انتشارها بالجهة إذ نجد أن أحد أتباع هذه الطريقة وهو حسن علي قد وفد على الإيالة التونسية بتاريخ 4 جوان 1896م وتوقف بعدة مدن تونسية منها دوز حيث أوضح للأهالي أوضاعهم المتردية مقارنة بأوضاع الخاضعين لنفوذ الباب العالي الذين لا يدفعون إلاّ ضريبة واحدة كما قام أيضا بتحديد ينابيع المياه بالجهة فتم إيقافه بدوز يوم 25 جوان 1896م وسُلّم يوم 28 جويلية إلى المراقب المدني بقابس الذي قام بترحيله في نفس اليوم إلى طرابلس53.

 

3) الزيارات

يمكن تصنيف الزيارات إلى صنفين : زيارة عاديّة يقوم بها أفراد أو مجموعات محدودة العدد في مناسبات عديدة كالأعياد الدينيّة وخاصّة في عيدي الفطر والأضحى ويقوم بها الرجال مباشرة بعد صلاتي العيدين فيقفون داخل الضريحين الغوث54 والمحجوب ويقرؤون الفاتحة ترحّما على روحيهما وتبرّكا بهما قبل زيارة بقيّة الأضرحة والمقابر.

وتقوم النساء في مجموعـات كبيرة العدد بزيـارة الضريحين ثمّ المقابـر في مناسبات عديدة لا يغفلن عن تذكّرها، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارات بدأت تدريجيّا تفقد بعدها الروحي لتصبح مناسبات للقاءات اجتماعيّة بين نساء بطون عديدة لا تجمع غالبا بينهنّ إلاّ مثل هذه الزيارات بعد أن زالت اللقاءات اليومية حول العيون والآبار لجلب الماء وتتجلّى غلبة الطابع الاجتماعي في تزيّن النساء – وخاصّة الفتيات - وتحلّيهنّ بأحلى حلي قصد جلب اهتمام مجموعات الشبّان بطرقات المدينة وإغرائهم أحيانا بمعاكستهنّ 55.

ويمكن ملاحظة هذا التحوّل بوضوح أكثر في الزيارة السنويّة أو ما يعرف «زردة الغوث والمحجوب» إذ ينتظم سنويّا احتفال يكون يوم الأحد الموالي لفعاليات مهرجان الصحراء الدولي بدوز56.وتنظّم «الزردة» بعيد انتهاء المهرجان قصد تمكين الفرسان القادمين من القيروان وسيدي بوزيد والحامّة والمشاركين في استعراضاته ومسابقاته من المشاركة في ألعاب الفروسيّة التي تقام يوم «الزردة» دون أن تتخذ شكل مسابقات. وتجدر الإشارة إلى أن المدّة الفاصلة بين المهرجان و الزردة خلال سنة 1999 كانت طويلة إذ انتظمت «الزردة» خـلال شهر جانفي 2000 بعد ثلاثة أشهر من انتظام المهرجان وقد فسّر هذا التأخير بانتظار انتهاء أشغال إعادة بناء زاوية المحجوب وانطلاقها من جديد في تحفيظ القرآن لكنّ هذا التفسير لا يبدو كافيا إذ نجد معارضة متنامية لإقامة الزردة بحجّة معارضتها للشرع وما يؤكد قوّة هذه المعارضة هو أن أحد المتحمّسين لإقامة الزردة كان ينادي بين الناس بصوت عال يوم السوق الأسبوعيّة معلنا عن موعد الزردة بقوله «الزردة يوم الأحد الجاي حب من حب وكره من كره» والقصد من الإعلان المسبّق أساسا هو استعداد العائلات لإعداد الطعام وتقديمه بالجامع الكبير للزائرين.

 وقد لاحظنا أن إقبال النسوة خلال الزردة التي أقيمت بداية سنة 2000 كان كبيرا مقارنة بإقبالهنّ على تظاهرات مهرجان الصحراء ويفسّر هذا بسببين على الأقلّ : الأوّل روحي اعتقادي خاصّة إذا عرفنا أن نسبة الأمّية بينهنّ أرفع، والثاني اجتماعي إذ تمثّل الزردة مناسبة للفرجة والتعارف والتواصل وتبادل التجارب مع الأخريات من نفس المحيط الثقافي والاجتماعي كما تمثّل مناسبة للفتيات للظهور أمام فتيان من أحياء مختلفة قد يصبحون أزواجا57.

وتقتصر «زردة» الغوث والمحجوب على ألعاب فروسيّة جماعية وفردية دون رقصات مع ضرب الطبول ونفخ المزمار وتجدر الإشارة إلى وجود إيقاع يعرف بـ»طريق الجدود»، وتقام على فترتين فترة صباحيّة قرب ضريح الغوث وفترة مسائيّة قرب ضريـح المحجوب وتختم كلّ فترة بتقديم الطعام (لحم وكسكسي) إلى كلّ الزائرين دون تمييز بينهم.

ويدّعي بعض الناس خاصة من النسوة أن الجدّين يظهران يوم الزردة في شكل حنشين أخضرين يرقصان على وقع الطبول معبرين عن رضائهما بالتفات الأحفاد إليهما. ولا شك في أن هذا المعتقد له جذور موغلة في القدم تحتاج إلى بحث.

وتنتظم سنويّا «زردة» أخرى بـ»الدالية» تتولّى الطريقة القادريّة بنويّل إعدادها وتسييرها58 ويقبل عليها المنتمون إلى الطريقة اعتقادا وتبرّكا ويقبل عليها غير الطرقيّين – خصوصا المرازيق – ترفيها وفضولا إذ نجد أن غالبيّة غير الطرقيّين يكونون من الشبّان والفتيات ويسمح الإطاران المكاني (بين كثبان الرمال المترامية) والزماني (ليلا) بربط علاقات جنسيّة عابرة خارج الرقابة الاجتماعيّة الصارمة في الحياة العاديّة اليوميّة ولعلّ اختيـار الإطار لإقامة «الزردة» مقصود لأنّ مركز الطريقة ومنشآتها هو قرية نويل وهذا الإطار الجديد يمثّل نوعا من «الخرجة» يسمح لغير الطرقيّين بارتياده ويتيح بناء علاقات اجتماعيّة غير مألوفة.

وتبدأ «الزردة» بعد صلاة العصر بقراءة قصيدة البردة للبوصيري ثمّ تردّد «سفائن» أو قصائد في مدح شيوخ القادريّة. وبعد غروب الشمس يجتمع الحاضرون في شكل حلقة وتـدقّ الدّفوف ويندفع من حين لآخر إلى وسط الحلقة من تفاعل مع دقّات الدفوف و»تخمّر» فيقوم برقصات أو «شطحات» يشترك فيها النساء والرجال دون ميز. وعادة ما يغمى على المريد بعد شطحاته فيخرج من الحلقة وقد يحتاج إلى تدخّل المقدّم أو الشيخ بتمتماته ليستعيد وعيه ويمكن أن تستغرق هذه «الحضرة» ساعتين أو أكثر.

 

II  - الزوايا والطرق بمنطقة دوز بين التمايز والتماثل :

لا ريب في أنّ منطقة دوز تشترك – اعتمادا على ما سبـق على إيجازه – مع مناطق أخرى من البلاد التونسيّة في جوانب عديدة تمسّ المعتقدات والطقوس وتجد تفسيرها في الأسباب الثقافيّة والحضاريّة المشتركة. ولكن يبقى رصد مميّزات ظاهرة الزوايا والطرق الصوفيّة بمنطقة دوز والبحث عن تفسيرها هو الأهمّ في عملنا.

فالملاحظة الأولى اللاّفتة هي غياب الطرقيّة بدوز وانتشارها بمحيطها. ولعلّ هذا يعزى إلى رسوخ البنية القبليّة وتغلغل قيمها في نفوس أفرادها. فما تريد الطريقة أن تنشّئ عليها مريديها من انضباط وطاعة وتضحية وصبر ونفي للأنانية وإيثار هو نفسه ما تنشده القبيلة – مع اختلاف في المقاصد طبعا. ولذا فإنّ الطرقيّة ستكون موازية بل منافسة للبنية القبليّة. ولذا ستسعى القبيلة إلى أن تغرس في أذهان أفرادها أنّ الطرقية تخرج عن «الدين» وأنّ الطريقة لا تستطيع أن تنطلق في «حضرتها» وتنشط دون إذن مسبّق ممّن قد يحضرها من المرازيق59 هذا الاعتقاد المقصود به في الواقع سدّ الباب أمام أي انخراط في تنظيم آخر طرقي أو سياسي60 غير التنظيم القبليّ. فالطريقة تمثّل انتماء جديدا إلى بنية جديدة قد تخلق علاقات جديدة تجعل بنية المركز  – بمعنييه المادي والرّوحي - وقد سبقت الإشارة إلى أنّ سكّان دوز يعتبرون مدينتهم مركزا في المجال الروحي التصوّفي61.

وقد لا نبالغ في القول إذا أكدنا على أنّ ثنائيّة المركز/ المحيط  – دون أن نصدر حكما معياريّا في هذا السياق - هي الآلية التي تساعدنا كثيرا على فهم ظاهـرة الزوايـا والطـرق الصوفيّـة بالمنطقة المدروسة. فالمرازيق بعد أن بسطوا نفوذهم المادي والاقتصادي على المنطقة – لأسباب تاريخيّة لا تبدو واضحة على الأقلّ اليوم62 سعوا إلى أن يعضدوه بنفوذ معنوي بالتأكيد على مرتبتهم الرفيعة في المجال الروحي الديني شأنهم في ذلك شأن جدّيهم الأعليين63.

وإذا نظرنا في المعتقد السائد وجدنا أن الكرامات المنسوبة إليهما قد تبتعد بهما عن صورة الأولياء الصالحين المألوفة. فقدرتهما عجيبة وخارقة فهما يحضران – رغم مرور حوالي ثمانية قرون على وفاتهما – في لمح البصر بمجرّد الاستغاثة بهما وطلب حضورهما يرتديان «حوليين»64 أو إزارين أبيضين ويركبان صهوتي فرسين أبيضين فتنجلي الغمّة عن المستغيثين وغالبا ما تكون الغمّة ضلال السبيل في الصحراء أو فقدان الماء أو الراحلة فيها، والدعاء المتواتر في مثل هذه الحالات صيغته هي التالية:»يا مرازيق يا حضّار في الوسع والضّيق، يا غوث يا محجوب».

ويتوارث الأحفاد خاصية الانتقام غير المباشر ممّن يعتدي عليهم ماديـا سواء أتعلّق الأمر برزق وبممتلكات أم بالتعنيف البدني ويعتقدون أنهم يمتلكون قوة خارقة تصيب المعتدي بالمكروه و»تدقّه» ويمكن أن نذكر في هذا السياق قصة متداولة مفادها أن فارسا من فرسان بني يزيد يسمّى التليلي ويكنى بـ»لجام النكيرة» أي من يستولي على الأرزاق عنوة وقهرا افتك من مرزوقي وهو بشطولة ناقته فبقي صاحب الناقة يتبعه إلى أن وصل إلى قبيلة بني يزيد ويتوسّل إليه حتى يعيد إليه راحلته لكن الفارس تمادى في استفزاز المرزوقي بحلب ناقته وسقي حليبها للفرس مرددا :

يا سابقة ذوقي ذوقي    ما أحلى حليب نويقة المرزوقي

فأجابه صاحب الناقة شعرا:

يا سابقة  ذوقــي  ذوقــي

      ما  أحرف  عليك حليب نويقة  المرزوقـي

ما أحرف عليــك شرابــه

      ومــن قالـك  بـرّي مـع الزّغابــة

الله يجعل عقبتك زي تبن الصّابة    ذرّوه فـي البستـان  وريـح  شلوقــي وما إن انتهى من قصيدته التي بلغ عدد أبياتها تسعة عشـر حتى استجيب لدعوة المظلوم فمات الظالم وفرسه في الحين واستعاد المرزوقي ناقته.

 وقد يكون الخطر الداهم جماعيّا فتنقلب الصورة إلى غير حقيقتها وضرب العامّة على ذلك أمثلة منها أن الفرنسيّين هاجموا بطائراتهم المدينة سنة 1942 بعد أن استولى عليها الإيطاليون فترة من الزمن فانقلبت صورة المدينة في أعينهم إلى بركة من الماء – بفضل بركة الجدود – فعاد الطيّارون على أعقابهم دون أن يصيبوها بسوء . وحصل ما يشبه هذا عندما غادر الجنود الفرنسيّون ثكنتهم سنة 1957 وأراد قائد المجموعة العسكريّة أن يضرب بمدافعه المدينة وهو يهمّ بمغادرتها بالمكان المعروف بـ»قاعة الطيارة «فتراءت له بركة من الماء أيضا فالمدينة حسب الاعتقاد السائد أسوارها بركة جدودها65 وعضّد المرازيق نفوذهم – إضافة إلى ما تقدّم بحلف «عسكري» إذ مثّل فرسان أولاد يعقوب66 الدرع والذراع في التصدّي لهجمات التوارق من وسط الصحراء ومن هجمات بني يزيد (بالحامّة). ولئن تمكّن الاستعمار الفرنسـي فالدولـة الوطنيّة مع الاستقلال من إنهاء القبلية في وجهها المادّي فإنّ الصّلة الحميمة بين القبيلتين بقيت قائمة في نطاق الزيارات والمصاهرات إلى وقت قريب.

هكذا ترسّخ في الأذهان وعلى امتداد أجيال أنّ المرازيق على درجة متميّزة من البركة جعلت سكّان الجهات المجاورة يصدّقون بها ويقومون بما يستوجب ذلك من طقوس تتمثّل في النذور والزيارات وحمل قليل من تراب الأضرحة حسب الحاجة والدّافع. فإذا كان الغوث والمحجوب يجمعان – حسب الاعتقاد دائما – قدرات عجيبة للاستجابة لكلّ الرغبات فإنّ الأدوار موزّعة بين أبناء الغوث67 ليختصّ كلّ واحد بقدرات معيّنة. وكأنّ في هذا التكثيف من عدد الأولياء تأكيدا على أنّ العلاقة بين السّماء والأرض ليست أحاديّة الاتجاه فالبركة يمكن أن تنطلق أيضا من الأرض ومن أهلها نحو السماء68

والطريف أنّ الأولياء يحتلّون من المدينة مركزها 69 ولا يوجد بالصّحراء على ترامي أطرافها واتّخاذها مربعا ومرتعا ومراحا70  – إلاّ وليّان وهما سيدي بومنديل وسيدي ابن خود ومنزلتهما في اعتقاد عامّة النّاس – دون منزلة أولياء المركز. ويستنتج من هذا أنّ الحاجة النفسيّة وراء ظاهرة الاعتقاد في الأولياء والتبرّك بهم ليست هي المحدّد الأساسيّ وراء انتشارها أو تقلّصها ولا أدلّ على ذلك من أنّ الظروف الطبيعيّة والمادّية القاسية وشظف العيش والأهوال والمخاوف71 لم تدفع بسكّان الصحراء إلى التكثيف من عدد الأولياء في محيطهم رغم أن الكثير منهم لا يدخلون المدينة إلاّ أياما معدودات من السنة لحمل الزاد بل بقوا مشدودين إلى المركز ونجد العائلات التي تعود إلى المدينة بعد قضاء فصل الربيع وأحيانا شهر أو شهرين من الصيف تبادر بزيارة ضريحي الوليين، وقد يبادر بعضها بزيارة الدالية قبل دخول المدينة وذبح جدي سيدي عبد القادر. ولذا فإنّ الدافع الموجّه أكثر إلى الظاهرة هو دافع ثقافي اجتماعي. فالانتماء إلى مجموعة بشريّة – قد يقلّ عددها وقد يكثر – هو ما يوفّر للأفراد توازنهم وهويّتهم إذ يمتّن التشابه في السلوك الاجتماعي الصلة بين أفراد المجموعة التي تصل بينها حبال العقيدة والطقوس.

ويبدو أمام زخم الحياة وعمق التحوّلات الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التيّ يمرّ بها المجتمع التونسي أنّ سكّان دوز يعيشون اليوم أنماطا من التفكير والسّلوك – تبدو في جوهرها متعارضة ومتباينة كل التباين فحياة الناس تأخذ من الحداثة بنصيب72 وبالموروث الروحي الديني بنصيب. والأمر اللافت في هذا السياق هو أنّ الجانب الروحي والديني يمتزجان وينصهران انصهارا عجيبا.بعد أن مرت منطقة دوز والمجتمع التونسي بصفة عامّة بتحولات هيكلية صارخة من خلال ظاهرة الزّوايا.

 فليس من المجازفة التّأكيد على الأدوار الثلاثة التي لعبتها الطرقيّة والزّوايا، فالدّور الأوّل امتدّ من منتصف القرن التّاسع عشر - وقد حصلت زاويتا الغوث والمحجوب على امتياز الحرم الآمن من أحمد باي ( تولّى الحكم بين 1837م -  1855 م ) - ليصل إلى الخمسينات من القرن العشرين مع تطوّر ملحوظ فيما يخصّ الطّرقية بإنشاء زاوية نويّل سنة 1917 وبناء مقرّ لها سنة 1938.

والدّور الثّاني وهو هامشي بدأ بعيد الاستقلال ومع حلّ الأحباس وتواصل إلى منتصف السبعينات وقد توقّفت فيه الزّوايا عن أداء دور تعليمي إذا استثنينا زاوية نويّل كما عرفت الطرق الصوفية فتورا وكمونا.

والدّور الثّالث اكتسى منذ منتصف السّبعينات مظهرا جديدا لا هو خرافي محض ولا هو عقدي صرف فهو يقوم على القبول بالعجيب واللاّمعقول دون رفض للعقل أو تشكيك في قوّته. فالعقل قائم وحاضر ولكن ضمن حدود مرسومة فإنّ خرجنا من نطاق هذه الحدود إلى ما ورائها أصبح للرّوح نفوذها وللعجيب سلطانه، فالخطّ الفاصل بين العقل والرّوح دقيق ولا يمثّل حاجزا بينهما بل يقوم مؤشّرا على تجاورهما وتعايشهما معا73 فالعقل فاعل في الواقع المادي المحسوس بل هو سيد هذا الواقع لكنه سرعان ما يعلن تردده وحيرته وربّما عجزه إذا ما واجه عالما غير مادي، وفي هذا الهامش وفي توق الإنسان إلى تجاوز الواقع الموجود إلى عالم منشود يجد البعض في الروحانيات ملاذهم.

ويتجلى هذا الميل إلى الروحانيات في حقلين:

الأول النظر إلى الحظ وقد ذكرنا أمثلة على ذلك والثاني الاعتقاد في الصلة الممكنة بين الإنس والجن74.وكلا الحقلين ينهل من الموروث. فالتّطيّر مثلا كان معروفا لدى العرب منذ الجاهلية75.

فالروحانيات وجدت مجالا لتركيز جانب السّحري خارج دائرة المقدس المنبني على الوحي. والأمثلة على ذلك عديدة فمن وضع التمائم لحماية الأطفال من عين الحسود إلى وضع «حرز» للعروسين ليلة الزفاف حماية لهما من عيون الحاسدين ومن كيد الشّامتين إلى زيارة امرأة تعرف بـ»البازمية»76 لمعالجة «أمراض النساء» – هكذا دون حصر أو تدقيق.

على أن الموقف من الجانب السحريّ بدأ يميل إلى الحياد لدى «المتعلمين» فالغالب لديهم هو القول «ابن آدم لا يكسر ولا يستعقد» ويمكن أن يفسّر هذا الموقف برسوخ الإرث الروحي في النفوس على مدى اجيال ويعسر الفصل بين قداسة الجدّ على المستوى الاجتماعي القبلي وقداسته للولاية الروحية المنسوبة وما يحفّ بها من كرامات في اعتقاد العامة.

لقد بسطت مواطن الحل الروحاني سلطانها على الحياة الاجتماعية بصورة مطردة وجعلت تكتسح النفوس وتسيطر على الأذهان. فهل أن الأمر يمثل موقفا عاما من الحداثة وبحثا عن عالم خاص ولو كان وهميا؟

لقد استعادت الطريقة جانبا من حيويتها رغم أنها لم تستعد مواردها المالية التي كانت تنعم بها مع منتصف السبعينات، إلى جانب الروحانيات التي أخذت بحظها أيضا في خط مواز، قد نجد له أسبابا سياسية في الثمانينات فالعلاقة بين السلطة من جهة والطرق والزوايا من جهة ثانية تقوم على تبادل المنافع والمصالح فالبركة التي تسبغ على الزاوية تستدعي في المقابل ولاء للسلطة.

ولم يكن من العسير أن تبسط الطرقيّة والروحانيات سلطانا في بيئة بعيدة عن القواعد الأولى للتحديث من خلال النمط التعليمي الصادقي ومن خلال النشاط الفكري في النوادي والجمعيات وفي الصحافة، وكاد هذا النشاط على هذه الصورة أن يقتصر على المدن77.

ومما يسترعي الاهتمام اليوم الاختلاط الغريب في الزّيارات بين المقدّس والدّنيوي فلا تقصد الزّاوية ورعا مهما كان نوعه كما يرجى في العادة بل أصبحت تؤمّ في الغالب لمآرب دنيويّة أصبحت أوضح وأوكد كلّما ابتعدنا عن البدايات فنخرج تدريجيّا من الزّيارات الرّوحية إلى المهرجانات الفلكلوريّة.

دلالات الـزّيـارة

لا يمكن الفصل بين البعدين الدّيني والاجتماعي، فالعلاقة بينهما متينة وثابتة.

 

1) دلالة الانتماء

يفسّر الزّائرون للأضرحة والزّوايا ما يقومون به على أنه تأكيد للإيمان الحقيقي فهم يدرجون سلوكهم ضمن الإسلام «النصّ»، وإن كانوا لا يصلون بسلوكهم إلى حالة الكشف كما يذهب إلى ذلك الخاصّة من المتصوّفة فإنّ صلتهم بالوليّ وجدانيّة خالصة تمسّ شغاف القلب. فيعتبرون أنّ ما يقومون به يقرّبهم إلى التدين الحقّ. وهم عن طريق التوسّل والتقرّب يقطعون الأسباب المنطقيّة والموضوعيّة عن مختلف الأحداث والظواهر، وهم بذلك يتركون الخلافات الكلاميّة حول السببيّة جانبا ليؤمنوا بالقضاء والقدر ويسلّموا بهما تسليما لا يقبله العقل. وتصبح التّجربة الوجدانيّة الذّاتية سيّدة الأدلّة عندهم.

فغالبية الفئات كانت تعيش الكفاف وتجد في الطرقية تعويضا عن الحرمان والعوز. وفئة جلبتها المنافع الماديّة وقد وجدت الملجأ في الزّوايا حين اشتدّت الحياة وقست خلال الفترة الفاصلة بين الحربين وبعدها 78 إذ حظيت الزّوايا بالأمان من السّلط الفرنسيّة وحافظت على مواردها المادية في كلّ الحالات. ورغم أنّ الكسر الذي حصل في البنية الاقتصاديّة التقليديّة بقي محدودا بالجهة المدروسة فقد مثّلت الزّوايا ملجأ روحيّا يعبّر عند الزّائرين عن الهروب من واقع لم يبق الواقع الموروث ولم يجدوا فيه حظّا ماديّا ممكنا فطلبوا في الزّوايا الانغراس في الوجدان والرّكون إلى القيم الأثيلة فعبّروا تعبيرا سلبيّا عن رفض الحياة الجديدة بالالتجاء إلى الزّوايا.

فكانت الزّوايا عنصرا من العناصر التي احتضنت الحيرة والفزع والهلع. وقد بلور هذا كونا ثقافيّا نطق عن التحوّل الاجتماعي من بنية ممعنة في التقليديّة إلى بنية مستجدّة فرض عليها التحديث.

ولقد اعتبر تصويب السّهام نحو الزّوايا مظهرا من مظاهر النّضال الوطني إذ اعتبرت الزّوايا سببا في الإبقاء على الجهالة وحالة التخدير. وقد ساهمت الجهة بدور متميّز في الحركة الوطنيّة79

وتواصل هذا الموقف بعد فترة الاستقلال إذ اعتبر الموقف السّياسي في الدّولة الوطنيّة النّاشئة ألاّ فائدة من الطرقية وكان الهدف من ذلك كسر معلم من المعالم للبنية التقليديّة.

وتناسب هذا الموقف مع تعاظم الأمل في الدّولة الوطنيّة وكانت الآمال عريضة في النّظر إلى المستقبل و التعلّق بأسباب التنمية في مختلف المجالات.

والمرحلة الثانية كانت رجوعا إلى الطرقية والروحانيات بعد أن خفتت الإيديولوجيا الاشتراكيّة وتغيّرت الاختيارات العامّة. فانقلبت الزّوايا إلى موطـن العلاج لليائسين من الشّفاء وهي موطن الحاجات لمن انسدّت أمامهم أبواب العمل. وهو ما أفضى إلى دلالة ثانية من دلالات الزّيارة وهي:

 

2 ) الانزياح

وهو ينهض على إضفاء معقوليّة على السّلوك الفردي والجماعي.وهو يخرج من دائرة الحياة الموضوعيّة إلى دائرة العالم السّحري الخرافي80. ويتّهم الخارجون نحو الزّوايا  الحياة الاجتماعيّة وينعتونها بالتّناقض الصّارخ وبالظلم والاعتباط ويعزى ذلك إلى افتقاد التّوازن الاجتماعي الذي تجلّى في مظاهر عديدة :

أ- الفقر والبطالة النّاتجان عن  التّفاوت في البنية الاجتماعيّة وتجدر الإشارة إلى هذا التّفاوت بالجهة المدروسة لم تظهر بوادره إلاّ مع بداية الثّمانينات81 فرجحت كفّة المنافع والمصالح أحيانا على العلاقات الاجتماعيّة وروح التّكافل الذي اقتضته البنية القبلية.

ب - الجهويّات : الفرق الكبير بين الجهات ممّا ولّد شعورا مريرا بالقهر والظلم والنسيان والحرمان82 رغم أن الجهة أصبحت تزخر بكفاءات بشرية في مجالات متعددة بفضل ديمقراطية التعليم التي عرفتها البلاد.

 ج - التّعليم : أصبح في نهاية السّبعينات لا يضمن إلى حدّ ما التّشغيل ممّا ولّد القلق والخوف من المستقبل.

د - البنية القاعديّة: فقدان وسائل التثقيف والتّنوير.

وأدّت هذه العناصر مجتمعة إلى إيقاظ الشّعور بالحياة الرّوحية وإلى إحياء الالتجاء إلى الزّوايا لأنّها توفّر القوّة الخارقة وتفتّح عوالم الرّجاء وتزرع الطمأنينة وتكسر المنطق الاجتماعي القائم على المصلحة المادية وعلى الاستغلال.

وتبع الانزياح الاجتماعي انزياح آخر حضاري83 فارتبطت العـودة إلى الطرقيّة والروحانيات بالتّفاوت الفظيع بين الطّموح والإمكان وبين حقيقة التحضّر وقيود التّنمية وكان هناك شعور بالعجز عن مجاراة نتائج التقدّم المادّي في مستوى الحياة اليوميّة فاشتدّ التّنافس على اقتناء وسائل وأدوات دون أن يحصل التّوازن الضّروري بين المداخيل والمصاريف وهي طبيعة المجتمع الاستهلاكي، ممّا دفع إلى البحث على تحمّل التّناقضات الاجتماعيّة بالالتجاء إلى الزّوايا والطرق.

 ويبقى تفسير آخر لانتشار الطرقية وهو الارتياح إلى الطرقية والرغبة في إناخة الراحلة في ظل المنابت الأولى للإسلام لعدم الحصول على السّكينة المرجوّة في الإسلام الرّسمي84 رغم أنّه طرف جوهري في البنية الاجتماعيّة إذ يغلب على خطاب الإسلام الرّسمي التحنّط والتّكرار.

ألا يدلّ هذا على أنّ القواعد المهيّئة للحداثة لم تتأسّس بعد ممّا يدلّ على أنّ النقلة الحقيقيّة ابستولوجيا وانتروبولوجيا لم تتحقّق على الوجه المؤدي إلى روح العصر الحداثيّة وممّا يدلّ على هشاشة النّظام الاجتماعي وعلى الرّسوب في مؤثّرات الثقافة التقليديّة؟

ولعلّ المبادرة إلى تجديد الخطاب الدّيني بعد تنوير الفكر تجديدا ينهل من المقاربات الحداثيّة ويستأنس إلى العلوم الإنسانيّة من السّبل للتّصدّي إلى رواسب الطرقية، وقد يخفي نسق التطوّر المتسارع الذي تعرفه الجهة وتعرفه البلاد التّونسية بصورة عامّة الروح الطرقيّة التي تتلوّن في ألوان عديدة دون أن تندثر. فكيف السبيل إلى الانخراط في روح العصر؟       

 

الهوامش

*مدينة تقع في الجنوب الغربي من البلاد التونسية جنوبي شط الجريد على تخوم العرق الشرقي من الصحراء الكبرى، يبلغ سكانها حسب إحصاء 1994 حوالي 30000 نسمة ومن المرجح – كما يذهب إلى ذلك محمد المرزوقي – أن تكون كلمة دوز في أصلها بربرية ويستدل على ذلك باستعمال أهل البلدة الكلمة في صيغة المذكر فيقولون «دوز الأعلى» و»دوز الشرقي» و»دوز الغربي» ويرى أن كلمة دوز تعني الربوة.

1 - انظر : عمران كمال، الزاوية ظاهرة ثقافية: قراءة في الثقافة الدينية بتونس من بداية القرن 20 إلى بداية الثمانينات، ظواهر ثقافية في تونس في ق 20، كلية الآداب بمنوبة، 1996، ص ص 83 – 153.

2 - هناك زوايا قليلة غير طرقية كزاوية سيدي محرز وابن عروس والزاوية البكرية وزاوية سيدي الباهي، انظر: العجيلي التليلي، الطرق الصوفية والاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسية 1881 – 1939، منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1992.

3 - المنطقة الواقعة جنوبي شط الجريد وهي المعروفة اليوم بولاية قبلي.

4 - يعبّر أهل المنطقة عن هذا الانغلاق الجغرافي النسبي بقولهم: يا سعدكم يا أهل الرمل لا تسمعوا ولا تروا – وهم بذلك يعبرون عن قبولهم – أو ربما استسلامهم – لواقع ولنمط من العيش مخصوصين.

 5 - لا ريب في أن الاستعمار الفرنسي كان يسعى إلى تغذية النزعة القبليّة إلى الحدّ الذي يضمن الحفاظ على مصالحه.

6 - حاول الاستعمار الفرنسي شق القبيلة إلى قسمين كبيرين هما: العوينة ودوز وعيّن شيخين (أو عمدتين حسب الاستعمال الإداري منذ سنة 1969) عليهما سنة 1894 بل وسّع الخلافات بتعيين «خليفة» وهو ذو رتبة إدارية وسياسية متميزة ينتمي إلى منطقة دوز الغربي في السنة نفسها وخصّ هذه المنطقة بشيخ سنة 1931، وأجّج الخلافات وقرّب شقّا دون الآخر، وواصلت الدولة الوطنية بعد الاستقلال السعي إلى إضعاف اللحمة القبلية - بعد أن زال الخلاف بين الشقين المذكورين بسبب تغيّر الذهنية التي أصبحت تسمو على الخلافات الضيقة – إلاّ أن تلك النزعة ما زالت تطفو من حين إلى آخر بطرق مختلفة منها تقاسم المناصب السياسية والحزبية الهامة بالاعتماد على مقياس الانتماء القبلي، فمثلا يتم تداول مناصب رئاسة البلدية وعضوية مجلس النواب وعضوية اللجنة المركزية للتجمع بين أفراد الأقسام الكبرى الثلاثة للقبيلة، وكذلك يتم توزيع المقاعد بالمجلس البلدي توزيعا عدديا قبليا دقيقا، ولا يثير هذا التوزيع احترازا حتى من «النخبة» – إن صح التعبير على سبيل الاستعارة – خاصة أن عدد المتعلمين هام وللزوايا دور هام في نشر التعليم بالجهة، بل إن الاحتراز قد يتوجه أحيانا إلى الأشخاص لا إلى انتمائهم القبلي، وكذلك توزّع المساكن داخل المدينة يخضع إلى مقياس قبلي فكل فرع له حي خاص به له حدود مرسومة لا يخرج عنها. ولا يتم إسناد أرض صالحة للبناء لفرد خارج الحي المخصص لأبناء «عرشه» وعملية الإسناد موكولة أساسا إلى ما يعرف بلجنة التصرف المؤلفة من شيوخ «العرش» ودور البلدية يقتصر عادة على تزكية قراراتها.

7 - هذه الثنائيّة ستجعل المثقّفين لا يجرؤن على الاعتراض على اعتقادات عامّة الناس في الولي الصالح فهم إن اعترضوا على جانب الولاية فيه فلا يعترضون على تقديسه باعتباره جدّا جديرا بالتقدير.

8 - إن الرابطة القبلية لدى المرازيق ما زالت جلية رغم التحولات الاجتماعية والسياسية الهامة والعميقة التي عرفها المجتمع التونسي وتتجلى الرابطة القبلية إلى يوم الناس هذا في : النفوذ القوي لشيوخ بطون القبيلة - أو ما يطلق عليهم اسم الجماعة – في اتخاذ القرارات التي تهم حياة المجموعة (مثل تغيير معيّن المهر – توزيع الأراضي العامة – توزيع أغلب الأراضي الصالحة للحرث عند سيلان الأودية بمنطقة الظاهر أي المنطقة الغربية من جبال مطماطة والجفارة  توزيعا يعتمد على بطون القبيلة وفروع كل بطن لا عدد المنتسبين إلى كل فرع أو بطن)، الاقتصار غالبا على المصاهرات الضيقة– العناية المفرطة بسلسلة النسب الذي يعود إلى العباس بن عبد المطلب، وإقامة كل بطن داخل حدود جغرافية مضبوطة ويكفي أن نعرف انتماء شخص ما إلى عرش معين حتى نعرف دون أن نخشى الخطأ منطقة إقامته؛ ويتجلى التمسك بالرابطة القبلية أيضا في إسناد الآباء لأبنائهم الذين يولدون خارج مدينة دوز مهما نأت بهم الديار لقب المرزوقي في الوثائق الرسمية حنينا واعتزازا ولذلك لا نستغرب أن نجد في نفس العائلة أخوين يحملان لقبين مختلفين فالأول يحمل لقبا ما والثاني يحمل لقب المرزوقي، وقد يفسر هذا الحضور القوي للبنية القبلية لدى المرازيق إلى نمط المعاش – حسب عبارة ابن خلدون – إذ أن الموقع الجغرافي المتاخم للعرق الشرقي من الصحراء الكبرى فرض نمط البداوة على حياة السكان ودفعهم إلى اعتماد حياة الترحال بحثا عن الكلإ والماء كما أن عزلة المنطقة إلى زمن غير بعيد إذ لم تعرف إلاّ في منتصف السبعينات الكهرباء والطريق المعبدة وشبكات المياه والمدرسة الثانوية وما لهذا من نتائج على الحياة الاجتماعية حافظت على البنية القبلية.

9 - مع بعض الاختلاف الذي يراعي فارق السن فالغوث حسب الرواية الشفوية الراجحة هو عم المحجوب وفي رواية أقل تواترا هو حفيده، ولذا تبدأ الزيارة الظرفية أو الموسمية بالنسبة إلى أغلب سكان دوز بضريح الغوث ثم ضريح المحجوب.

10 - تذهب الرواية إلى أن مرزوق مرض عند انتقاله مع عائلته في اتجاه دوز ومات بقرية بني امحمد غربي قبلي فدفن بها وما زال ضريحه قائما بالمكان دون أن يمثل مزارا بالنسبة إلى المرازيق رغم انتسابهم إلى صاحبه.

11 - اعتمادا على الرواية المتواترة الراجح أن الاستقرار تمّ في القرن الثامن للهجرة ويمكن قبول حاليا ذلك انطلاقا من شجرة النسب (انظرها في الملاحق) فإذا افترضنا أن معدل عمر الجيل 30 عاما كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون فإن الرواية المذكورة يمكن أن تصبح مقبولة، وتتساند هذه الرواية مع رواية أخرى مفادها أن المرازيق يعودون في نسبهم إلى قبيلة سليم بن منصور وهي قبيلة لحقت بني هلال في زحفهم على إفريقية.

12 - بدون ريب ليس بمعناه العرقي بل ما يهمّ هو الاعتقاد في ذلك وأثره في سلوك الإنسان وحياته.

13 - من يخرج في سلوكه عن المألوف وتزل به قدمه يعتقد أنّه سيعود إلى الجادة لأنّ مفعول «الأصل» سيكون سحريّا وينتظرون ذلك بفارغ الصبر.

14 - تأخذ لفظة «مركز» لدى المرازيق معنى يكتسي بعدا صوفيا فيعنون بها أن بلدتهم تمثل قطبا متميّزا يشعّ بركة وكرامات على ما حوله ، بل على بلدان بعيدة من الكرة الأرضية عند الاستنجاد بهم.

15 -  Voir : BISSON Vincent : Douz, la ville des Mérazig, permanences  lignagères et dynamiques urbaines au sahara Tunisien, mémoire de maitrise  de géographie, Tours (France) Septembre 1994 p 42 .   

16 - تتفق الروايات الشفوية على أن القريتين المذكورتين كانتا قائمتين قبل الفتوحات كما تتواتر الرواية بأن أرض «وادي السمارة» التي كانت بها عين جارية وبساتين من النخيل وكانت قائمة إلى بداية الستّينات تعرف بـ»الرقع» أو الرقاع – ما بين المقبرة والجامع الكبير- كانت على ملك أهل نويّل وتبرّع بها أحدهم إلى الغوث عند قدومه إلى المنطقة ليستقر بها. كما تشير دراسة (MUEL J.: Moeurs et coutumes dun village du Sud tunisien, El Golaa, cahier de tunisie, 1954, pp 67 – 93)) إلى أن أرضا قرب زاوية المحجوب هي على ملك عرش من سكان القلعة. ولقد تم العثور منذ ثلاث سنوات تقريبا على قبور شرقي بلدة القلعة تبدو مثيرة للاهتمام فالموتى قد وضعوا على هيئة جلوس ووضعت بجانبهم أدوات مع تناسب اتجاه القبور مع ما هو معروف في المقابر الإسلامية والأمر موكول لأهل الاختصاص قصد البحث والتنقيب خاصة أن المنطقة لم تنل بعد أية دراسة علمية أثرية على تعدد المعالم الأثرية وبالخصوص الرومانية.

17 - نجد بقرية القلعة طريقتي القادرية والعيساوية في حين نجد بنويل طريقة القادرية وهي طريقة استقلت بذاتها عن الطريقة القادرية بالجريد وارتقى مقدمها إلى مرتبة المشيخة.

18 - انظر الجدول في الملاحق.

19 - كانت توجد بدوز زاويتان: زاوية الغوث وزاوية المحجوب وقد أسستا على الأرجح في بداية القرن التاسع عشر وقد اختفت زاوية الغوث سنة 1957 بعد حلّ الأحباس العامة وتوحيد النظام التربوي بالبلاد التونسية (1958) وبقيت زاوية المحجوب تواصل نشاطها إلى بداية الستينات ثم توقفت لتتم إعادة بنائها في أواخر 1999 وتشرع في نشاطها في جانفي 2000 وهو أمر لافت يستدعي التوقّف عنده.

20 - وتمتد هذه البركة في اعتقاد العامة إلى النساء المرزوقيات لصفـاء سرائرهن فهن يستجبـن لاستغاثة الملهوف عندما يصرخ بقوله «يا مرزوقيات يا صافيات الحليب» كناية عن صفاء النية.

21 - تفصل بين الربوتين مسافة تقارب الكيلومتر وقد توسعت الأحياء المحيطة بالضريحين وأصبحت تمثل نسيجا عمرانيا واحدا دون أن تفقد خاصية ذكرناها سابقا وهي أن كل فرع أو بطن من القبيلة له حدود جغرافية مرسومة رسما هندسيا لا يمكن أن يخرج عنها ونجد السلط الإدارية تساير هذا الواقع.

22-  توجد مقبرة وحيدة بالمدينة التي تجاوز سكان المنطقة البلدية بها حسب إحصاء 1994 الثلاثين ألف نسمة وهي تحتل مكانا هاما في قلب المدينة قرب الأسواق والمتاجر والمؤسسات الإدارية وقد سعت البلدية دون طائل في مرحلة أولى في أواخر السبعينات إلى التقليص من مساحة المقبرة المترامية الأطراف فاتخذت مطية لذلك تعلة بناء سور للمقبرة يحفظ حرمة الموتى ويعوّض الأسلاك الشائكة الفاصلة بين عالمي الأحياء والموتى، فأثار ذلك غضب الأهالي وبني السّور دون أن تقلص مساحة المقبرة وقامت البلدية بتخصيص فضاء مجاور للمدينة لمقبرة جديدة لم يدفن فيها إلاّ عدد قليل من الأطفال والنساء فلم يقبل السكان دفن ذويهم خارج «تراب الغوث» كناية عن المقبرة.

وتروي حكايات عجيبة تُجمع كلها على أن كل من فكّر في تغيير ملامح الضريح أو المقبرة يرى في منامه الولي غاضبا فيعلن في اليوم الموالي عن «توبته» علنا بل قد يصاب من تحّثه نفسه على الإساءة بإسهال مفرط!

23 - حاول الاستعمار الفرنسي إغراء البدو الرّحل بالاستقرار لأسباب أمنية وسياسية وجبائية فبنى سوقا بدوز سنة 1910 تشتمل على ثلاثين متجرا بعد أن أحدث بئرا ارتوازية سنة 1909 وأغرى السكان بتسليمهم متاجر وبساتين من النخيل مجانا فرفض أغلبهم ولم يقبل بذلك إلاّ المقربون من السلطة العسكرية الاستعمارية. بل سعى الكثير حسب الرواية المتداولة إلى رشوة الشيخ -وهو صاحب خطة إدارية- بعشرين فرنكا حتى لا تسجل أسماؤهم على قائمة المنتفعين وقد نسجت الذاكرة الشعبية حكاية مفادها أن رجلا مجذوبا اسمه علي بن عليّة من عرش أولاد منصور كان تنبّأ في أقواله بما سيحصل من بناء سوق وإنشاء واحة وأكّد تخوّفه من الطارئ من ذلك قوله :

-    نح علقاية (نوع من النبات الصحراوي) دير دقلاية

-      نح باقلية (نوع من النبات الصحراوي) دير فطيميّة (نوع من النخيل)

-    مخزّمة ملزّمة اناثي وذكور على بوفالس (أي الانصياع كالإبل المخزومة والانقياد للمال القليل)

-    ثلاثين حانوت ما بين العوينة ودوز لأمّك حنين (المقصود بها فرنسا)

وفي نفس السياق نجد بيتا شعريّا ملحونا وهو : جَدِّي هَا يَا جَدِّي و المَكَّاسْ وْصِلْ        خَلِّ افَّادَه يْوَدِّي فِي السِّرْوَالْ يْحِلْ

و معنى البيت تعبير عن رفض للجابي ودعاء عليه بأن يصاب بإسهال يجعله عاجزا عن ربط سرواله

24 - من الأسباب الأساسية التي دفعت المرازيق إلى الاستقرار الحاجة إلى تعليم الأبناء بالمدارس. فمع بداية الاستقلال بدأ المرازيق يطلّقون حياة الترحال التي تدوم في الغالب ستة أشهر – من فيفري إلى جويلية - ليستقرّوا قرب الواحة أشهرا معدودات وأصبحوا في بداية السبعينات بدوا مستقرين ولكن الحنين إلى الرحيل مازال يراودهم فغالبية السكان يهجرون مدينتهم في عطلة الربيع المدرسية ليضربوا بخيامهم في الصحراء.

25 - لم تنل الزوايا والطرق الصوفية بنفزاوة حظها من الدراسة على غرار مناطق أخرى من البلاد التونسية مثل زاوية عين الصابون (باجة) فقد خصّها الأستاذ كمال عمران بدراسة متميزة. ولم أعثر إلاّ على دراسة تاريخية قصيرة للأستاذ الشيباني بن بلغيث موضوعها «أهمية الأوقاف العامة من النخيل في الحياة الدينيّة والاجتماعيّة بواحات نفزاوة خلال القرن التاسع عشر».

26 - تطلق لفظة «نفزاوة» على المدن والقرى الواقعة جنوبي شط الجريد، مع الإشارة إلى أن المرازيق يعتبرون أنفسهم خارج منطقة نفزاوة فأهل نفزاوة هم الحضر فقط من سكّان المنطقة وما يستتبع التحضّر من قيم ونظم لا يرتضيها البدوي.

وتروى في هذا السياق حكاية مفادها أن الغوث والمحجوب بعد قدومهما من الصعيد المصري والاستقرار ردحا من الزمن بأغنامهما وإبلهما بقرية شكشوك بليبيا ثمّ مغادرتها مع ذويهم إلى منطقة العيايشة بقفصة فترة قصيرة من الزمن ليتّجها إلى واحة تلمين قرب قبلي ولكنّ المقام لم يطب لهما وقد تعوّدا حياة الترحال وألفا البداوة، وفسّر المحجوب انتقاله إلى دوز بقوله :

نْهِزْ ذِرِّي مْنِ النَّـــزْ     نَزْ اللِّي يْدِيرْ الغَصَائِـصْ

نُـص مَلْيْهَـا و العِـزْ     ولاَ مَلِيـْهَا و الرْخَائِـصْ

والمعنى أن النـزّ  وهو كناية عن الاستقرار بالواحة يولّد غصّة لا يقبلها كريم النفس الذي يأبى الذلّة مع الشبع ويقنع بقليل من الأكل مقابل الحفاظ على عزّته وهذان البيتان يردّدان على الألسن إلى اليوم.

27 - انظر : بلغيث الشيباني، المقال المذكور، ص 288.

28 - انظر: محمد الدكالي، كتاب في الرباطات، ص2

29 - انظر: محاضرة عبيد البشراوي بعنوان : دور الجنوب التونسي في التجارة عبر الصحراء. و قد ألقيت بمهرجان الصحراء بدوز في نوفمبر 1968 و نشرت بالعدد الرابع من مجلّة «صدى الصحراء» التي تصدرها اللّجنة الثقافيّة المحليّة

30 - لم أعثر على وثيقة تثبت أن الزاويتين لهما حرم آمن (الأرشيف الوطني التونسي، الملف د 97 – 8 مكرر) ولكن يتردد هذا المعنى في الشعر الملحون ونجده مثلا في قول الشاعر «الشعبي» محمد الطويل مخاطبا المحجوب :

عندي عليك النقل بالتصحيـح    ثابت حديثي شيء بالتصحاح

محرّر أولادك من الأداء  مساريح    من أحمد باشا جايب التسراح

31 - بقي يتردد على ألسنة الناس عند الاحتماء من خطر داهم قولهم «اعقل على الغوث أو المحجوب»، وقد احتمى عديد المتظاهرين في ما يعرف بأحداث الخبز الدامية التي انطلقت من دوز يوم 31 ديسمبر 1983 بضريـح الغوث وبالمقبرة باعتبارهمـا مكانين مقدسين لا يمكن دوس حرمتهما.

32 - يعرف الكتاب بالمنطقة باسم الخلوة.

33 - انظر ببليوغرافيا المكتبة الوطنيّة بتونس التي صدرت سنة 1983 بمناسبة انعقاد الدورة الأولى لملتقى محمّد المرزوقي للأدب الشعبي.

 34 - كان وكيل زاوية المحجوب إلى منتصف الثمانينات يجلس يوم الخميس – وهو اليوم الذي تنتصب فيه السوق الأسبوعيّة – بمكان معلوم وينادي بصوت عال» يا اللّي عندك وعدة خلّصها» وكانت المداخيل تخصّص أساسا لإطعام عابري السّبيل.

35 - بدأ القائمون على زاوية الغوث يفكّرون في إعادة الدور التعليمي للزاوية.

36 - قرية تقع غربي دوز تبعد عنها مسافة 18 كلم

37 - أي المقيمين الذين يتمتعون بالأكل والإقامة مجانا ولا يغادرون مقر الزاوية إلاّ يوم الجمعة.

38 - عن القادرية انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية، ص 164.

39 - يشرف على الزاوية والطريقة عائلة القوادر الذين ينتسبون إلى سيدي عمر عبد الجواد دفين قفصة.

40 - تقع على مسافة 42 كلم غربي دوز وتقام بهذه المنطقة «زردات» كثيرة في شهر سبتمبر من كل سنة (انظر جدولا في ذلك في الملاحق) مع الإشارة إلى أن هناك «زردة» لافتة وهي زردة «سبعة رقود» إذ تقام حضرة على الطريقة القادريّة بعيدا عن مواطن العمران بين كثبان الرّمال قرب بئر وتذبح أثناءها ناقة بيضاء وشياه كثيرة ويفد على هذه «الزردة» عدد كبير من الناس خاصّة من منطقة غريب ومن الجريد.

41 - مكان قفر تحيط به الرمال يقع على مسافة 12 كلم جنوبي دوز توجد به بئر وغرفتان إحداهما لإيواء الزوّار والثانية لوضع الملابس والأدوات النسائيّة المهداة إلى «الدالية» وهي أساسا أحزمة صوفية إذ تذهب الأسطورة إلى أنّ «الدالية» هربت يوم زفافها إلى هذا المكان من منطقة قفصة أو الجزائر صحبة أربعين فتاة عذراء في أبهى زينة قصد التبتّل والتعبّد ولمّا عطشن في الصحراء أرضعتهن الدالية حماية لهن واختفين بين الرمال وبقيت آثارهنّ ظاهرة ومن حين إلى آخر تسمع جلبتهن داخل الأرض حسب المعتقد السائد.

42 - هذه الفترة هامّة في تاريخ البلاد التونسيّة ولا نستغرب ما عرفته الطريقة القادريّة بنويل من حركيّة إذا علمنا أنّ حركة ما يعرف بالإسلام السياسي عقدت مؤتمرها التأسيسي بنويل سنة 1974 وفي السنة ذاتها ومقابل ذلك تم الكشف عن حركة سرية قومية بدوز عرفت «بجماعة دوز» وتمت محاكمة أعضائها.

43 - من الطقوس أن لحوم الشياه المهداة إلى «الدالية» توزّع بالتساوي على كلّ الحاضرين بدون استثناء أو تمييز.

44 - انظر الوثيقة في الملاحق.

45 - تحصل الجيلاني على التقديم سنة 1990 وهو مقدم في داره كما يقول أي ليس لطريقته مقر مخصص.

46 - عادة ما تكون الأمراض المعالجة ذات سبب نفسي.

47 - عن العيساوية : انظر العجيلي التليلي، الطرق، ص 56 ويعتبرها فرعا من القادرية ص 46.

48 - انظر شجرة النسب في الملاحق.

49 - لا يحتفظ المقدّم بجزء من الأموال والهدايا التي تقدّم إلى الزاوية كما هو الشأن بالنسبة إلى الطريقة القادريّة بل يرسل بها عن طريق التسلسل إلى الزاوية الأم. و يبدو أنه كانت هناك زاوية عيساوية مركزيّة بالمنطقة توجد بقرية بازمة ( على مسافة 5 كلم جنوبي قبلي). وانتقلت حاليا إلى الجرسين ولكن المنتسبين إلى الزاوية العيساويّة لا يرغبون في الإفصاح عن ذلك و تقديم معلومات دقيقة.

50 - العجيلي التليلي، الطرق، ص 40.

51 - الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة د، صندوق 97 ملف ½ بتاريخ 1891م.

52 - العجيلي التليلي، الطرق، ص 54.

53 - العجيلي التليلي، نفس المرجع، ص 69.

54 - لا تصحّ زيارة ضريح الغوث – حسب المعتقد السائد - إذا لم تكن مسبوقة بزيارة ضريح مجاور وهو ضريـح «مفتاح الجبّانة» ولا يكاد يعرف باسم آخر وتذكر الرواية أن هذا الولي الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الغوث والمحجوب كان عاملا لدى الغوث ببستان النخيل بوادي السمارة المجاور للضريح وظهرت عليه علامات التقوى والبركة ومن كراماته أن الغوث وجده نائما والمسحاة تتحرّك وحدها وتعمل عملها في الأرض فكان اقتران زيارته وجوبا بزيارة الغوث اعترافا بمنزلته الصوفيّة، مع الإشارة إلى أن هناك رواية أخرى تفيد أن «مفتاح الجبّانة» هو جدّ للعروش التي تسكن منطقة دوز الغربي وهذه الرواية غير رائجة ولا تستند إلى الوثائق المحفوظة لدى بعض العائلات والتي يعود بعضها إلى مائتي سنة.

55 - لابدّ من الإشارة إلى انتشار ظاهرة العنوس لدى الفتيات بالمنطقة ولا شكّ في انّه تقف وراء ذلك أسباب ثقافيّة واجتماعيّة وماديّة بحاجة إلى درس للوقوف عليها وعلى نتائجها.

56 - انطلق هذا المهرجان في صيغته الحالية في نوفمبر 1967. وكان في عهد الاستعمار الفرنسي يعرف بـ»عيد الجمل» وفي صيغة مغايرة.

57 - في المناسبات العاديّة عادة ما يقتصر التعارف على أبناء الحي الواحد أو البطن الواحدة فحتى التوزيع الجغرافي للمؤسسات التربوية بين الأحياء لا يسمح بالجمع بين شبان ينتمون إلى أحياء عديدة.

 58 - كانت تنتظم في فصل الصيف ويقبل عليها الشبّان وخاصّة – التلاميذ والطلبة – من باب التسلية وحبّ الاطلاع ثمّ أصبحت تنتظم في فصل الخريف حتّى لا يفسدها من يشكّك في مقاصدها الروحيّة والدينيّة كما يذهب إلى ذلك شيخ الطريقة.

59 - يشترط عادة في المرزوقي حتى يكون له تأثير في تعطيل انطلاق الحضرة أن يكون حسن النيّة صافي الطويّة.

60 - بهذا يمكن أن نفهم سرّ تسمية تنظيم سياسي قومي سرّي نفسه بـ» جماعة دوز» وقد حوكم هذا التنظيم سنة 1974 وسجن بعض أعضائه

61 - نجد هذا المعنى يتردّد على ألسنة الشيوخ في مغالاة مفرطة في قولهم «إذا طاحت تونس تقعّدها دوز، وإذا طاحت دوز ياخرّافة خرّفي».

62 - يمكن أن نجد سببا مقنعا يتمثّل في تنويع الإنتاج فهم يعتنون بالزراعات الواحيّة فترة من السنة ويهتمّون بتربية الماشية والإبل في الآن نفسه، كما أنّهم كانوا يوفّرون الحماية للقوافل الصحراويّة ويحصلون مقابل ذلك على امتيازات كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

63 - يمكن تفسير هذه الثنائيّة بالرغبة في التأكيد على التميّز الذي يختصّ به «الأصل» على المستوى الروحي التصوّفي فالبركة متأصّلة وعميقة وثابتة.

64 - نوع من اللباس الأبيض المصنوع من الصوف يلتف به الرجل وما زال مثل هذا اللباس مستعملا في بعض مناطق الجنوب وليبيا.

65 - للماء حضور متواتر عند الحديث عن الأولياء بالمنطقة و يفسّر ذلك بمكانة الماء في حياة الناس في رقعة يعزّ فيها الماء. ومن الأمثلة على الحضور الدائم للماء في الحكاية الشعبية أن المحجوب بُعيد استقراره مع عمّه أو جدّه الغوث بالمنطقة اختلف معه فقرّر مغادرة المكان وركب صهوة فرسه وسار مسافة قصيرة – حوالي الكيلومتر– وعثر الفرس فانتبه إلى أن الماء ينبع من الأرض نتيجة وقع حوافر الفرس فقرر نبش الأرض فانبثق الماء وبقي جاريا فقرر الاستقرار قربه غير بعيد عن الغوث. وكانت هذه الحادثة حسب اعتقاد العامة كرامة من كراماته، ونجد حادثة شبيهة بهذا فيما يتعلق بإحياء زردة الدالية في السبعينات.

66 - قبيلة عرفت سابقا بفروسيّتها وقدراتها الحربيّة ومقرّ القبيلة الأصلي هو قرية «نقّة» غربي قبلي. ومن المرجّح أن التحالف بين المرازيق وأولاد يعقوب يعود إلى الخلاف بين وطني «شدّاد» (الباشية) و « يوسف» (الحسينية) بنفزاوة وهو الخلاف الذي شبّ بين الحسين بن علي وابن أخيه علي باشا سنة 1729 م وانتهى بإبعاد علي باشا سنة 1756 م.

67 - من الروايات التي هي محلّ خلاف أنّ المحجوب لم ينجب أبناء وأن العروش التي تنتسب إليه هي في الأصل عروش استقرّت قرب زاويته ولا تمتّ  إليه بصلة دمويّة مع الإشارة إلى أن كل المقيمين بالمدينة يريدون أن يرفلوا في حلل الانتماء إلى الجد الشريف. ومن الطريف أنه حصل خلاف حاد في نهاية السبعينات حول أحقية بعض العروش في طلاء ضريح الغوث أثناء إقامة زردته وتدخلت البلدية لتحسم الأمر بتوليها عملية الطلاء سنويا.

68 - انظر : النهدي الحبيب، البركـة بيـن المقـدس والدنيـوي، مجلة الحيـاة الثقافيّـة، العدد 112، السنة 25، فيفري 2000، ص ص 68 – 77.

69 - تلاشت القباب الصغيرة التي كانت منتشرة بين المنازل داخل الأحياء لأنّ بناءها ارتبط باعتقادات أفراد أو عائلات في كراماتهم.

70 - يقيم كل الرعاة بأغنامهم باستمرار في الصحراء ويلتحق بهم عادة بعض أفراد عائلاتهم لمساعدتهم في فصل الربيع.

71 - على خلاف ما يذهب إليه الأستاذ كمال عمران، المقال المذكور، ص 125.

72 - نتيجة انتشار التعليم وانتشار وسائل الاتصال الحديثة والاحتكاك المكثّف بالثقافات الأخرى بوسيلتين هما السياحة والهجرة.

73 - الأدوار الثّلاثة المذكورة لا تختلف في حدودها إلاّ قليلا عمّا ضبطه الأستاذ كمال عمران ( المقال المذكور، 85) ويفسّر استمرار الدّور الأوّل إلى منتصف الخمسينات بعزلة المنطقة وبعدها نسبيا عن أسباب التّواصل مع المناطق الأخرى من البلاد.

74 - من أسباب سيطرة الجن على الإنسان في اعتقاد العامة بالجهة المدروسة مروره على الدم أو الرماد دون ذكر اسم الله.

75 - من مظاهر التطيّر بالجهة المدروسة: عدم شروع النسوة في نسيج جديد من الصوف يوم الأربعاء – عدم لبس الجديد في يوم محدد من الأسبوع.

 76 - يفسّر الإقبال المكثف للنساء على هذه المرأة بقرية بازمة – جنوبي قبلي بـ5 كلم – بانعدام الأطباء المختصين في أمراض النساء بالجهة وخجل بعضهن من الحديث علنا خاصة عن الأمراض الجنسية. 

 77 - لقد أنشأ أصيلو الجهة الذين درسوا في جامع الزيتونة جمعية «الشباب المرزوقي» سنة 1947 وكانت أهدافها ثقافية لكن تأثيرهم في البيئة بقي محدودا لأن السلط الاستعمارية كانت تحاصر نشاط هذه الجمعية.

78 - مثلا: حصلت فيضانات عارمة سنة 1933 وتعرف السّنة بـ» عام الطهمة « وفي سنة 1947 حصل جفاف قاس بالجهة يعرف بعام « الزّمة السّوداء» فالبعض نفقت غنمه بكاملها، بالإضافة إلى الأسباب العامة التي عرفتها الإيالة التونسية مثل الأزمة الاقتصادية لسنة 1929.

79 - بلغ عدد الشّهداء أصيلي المنطقة 93 شهيدا كما تثبته القائمة الموجودة بروضة الشهداء بدوز.

80 - عمران كمال، المثقال المذكور ص 130.

81 - كانت البيئة قبل ذلك متقاربة في مستوى العيش وفي وسائل الإنتاج واقترنت البطالة بعزوف عن النشاط الزراعـي وبعودة جماعية وقسرية للمهاجرين من ليبيا.

82 - تجلى في مجالات عديدة كالتعليم فأول مدرسة ثانوية بنيت بمجهود شعبي سنة 1976 رغم المطالب المتعدّدة والملحّة.

83 - عمران كمال، المقال المذكور، ص 131.

84 -  اعتقد الإسلام السياسي في السبعينات أن الطرقية مظهر لإحياء الجانب الديني في المجتمع لكنه سرعان ما اصطدم معها لمعارضته الاعتقاد في الولايات تأثرا بالحركة الوهابية إلى جانب الاختلاف الجوهري المتمثل في تسامي الطرقية عن المشاغل الدنيوية وبحثها عن الانسجام ورفضها الإقصاء أو التهميش.

المراجع

- مجلة الحياة الثقافية، العدد 112، السنة 25، فيفري 2000، عدد خاص بالتراث الصوفي.

- ظاهرة الأولياء والزوايا، عمل ميداني، المعهد العالي للتنشيط الثقافي إشراف الأستاذ محمد العزيز نجاحي، السنة الجامعية 1992/1993.

- عمايرية الحفناوي، الشيخ الولي أحمد بن عروس، مجلة الحياة الثقافية، السنة 24، العدد 110 ديسمبر 1999.

- عمايرية الحفناوي، الطريقة المدانية بتونس: الأصول والطقوس والدلالات، مجلة الفنون والتقاليد الشعبية، ص ص 31-55.

- دائرة المعارف الاسلامية، الطبعة القديمة، معربة، المجلد العاشر، ص 232 .

- الهيلة محمد الحبيب، الزاوية وأثرها في المجتمع القيرواني، المجلة التونسية للعلوم الاجتماعية، العدد 40 - 43، السنة 12، 1975، ص ص 97 - 127.

- بالراشد محمد، الزوايا في تونس: بحث في التغيرات الاجتماعية بالقرية التونسية، مجلة الإتحاف، السنة 9، العدد 48، أفريل 1994، ص ص 21 - 23.

- الكعاك عثمان، التقاليد والعادات التونسية، النشرة الثالثة، الدار التونسية للنشر 1981.

- بن عاشور محمد العزيز، المجتمع التونسي وسيدي محزر في العهدين التركي والحسيني، مجلة الفنون والتقاليد الشعبية عدد 12، ص ص 1 - 9.

- الثقافة التقليدية في الجنوب التونسي، أعمال ميدانية في الجريد وجربة، ربيع 1986، «كراسات» المعهد العالي للتنشيط الثقافي، ص ص 35 - 41.

- عمران كمال، الزاوية ظاهرة ثقافية: قراءة في الثقافة الدينية بتونس من بداية القرن 20 إلى بداية الثمانينات، ظواهر ثقافية في تونس في ق 20، منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1996.

- العجيلي التليلي، الطرق الصوفية والاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسية 1881 - 1939، منشورات كلية الآداب بمنوبة، 1992.  

- ابن بلغيث الشيباني، أهمية الأوقاف العامة من النخيل في الحياة الدينية والاجتماعية بواحات نفزاوة خلال القرن التاسع عشر، المجلة التريخية المغاربية، السنة 21، العدد 75 - 76، ماي 1994.

- نجاحي محمد العزيز، مدينة دوز: نموج التداخل بين البداوة والحضارة في الجنوب التونسي، دار سحر للنشر، تونس 1995.

- العيسوي منى كامل، المعتقدات الشعبية حول الأضرحة اليهودية، مجلة إبداع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدد 12، ديسمبر 1997.

- هاني عبد القادر، الدور الثقافي والاجتماعي للزاوية بجهة سليانة، مجلة الحياة الثقافية، العدد 26/27، ماس - جوان 1983 ص ص 115 - 119.

- DHAOUADI  Zouhaier: Femmes dans les zaouia-s: la fete des exclues, Peuples Mediterraneens: N 34 (jan. - mars 1986) p 153 - 162.

- BISSON Vincent: DOUZ, LA VILLE DES MERAZIG:permanences lignageres et dynamiques urbaines au sahara Tunisien, mémoire de maitrise de géographie, Tours - France septembre 1994.

- MELLITI Imed: LA RELEGION « POPULAIRE » EXISTE - T-ELLE?: notes a partir d’une pratique de recherche, cahier des arts et des traditions populairs, N2.

- MHALLA Moncef: LE CONFRERISME, RELIGION DIFFUSE: les zaouias en tunisie au 19 siecle, cahier des arts et des traditions populairs, N2.

أعداد المجلة