فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
45

ما هو أندلسي في الزي المغربي

العدد 45 - ثقافة مادية
ما هو أندلسي في الزي المغربي
كاتب من المغرب

بقلم: الدكتور غييرمو غوثالبيس بوسطو - (مؤرخ و مستشرق إسباني)

ترجمة الكاتب

هناك الكثير مما يمكن إنجازه بالنسبة لتاريخ المغرب، و تكمن المرحلة الأولى لهذا التاريخ، حسب رأينا، في العمل على اكتشاف أجزاء هذا الماضي، و جمعها وترتيبها في ما بعد، لكي نحصل على فكرة عامة و تامة، أكثر من التي نتوفر عليها حتى الآن.

وأرى أنه من الضروري أن نبدأ بملاحظة مسبقة: لا يمكن كتابة تاريخ المغرب دون مساهمة الاستريوغرافية الإسبانية. كما أن تاريخنا لن يكون كاملا وتاما، دون دراسة تاريخ إفريقيا الشمالية عامة، و تاريخ المغرب بصفة خاصة. إن الضرورة التي تفرضها الجغرافية واضحة في هذا الجانب. كلما كانت تتقدم حرب الاسترداد الإسبانية، وخاصة عندما وصلت إلى الوادي الكبير، كانت موجات كبيرة من المسلمين الإسبان تنتقل إلى الشمال الإفريقي، حيث كان لها تأثير حاسم في المسار السياسي لبلدان المغرب العربي.

ومن المنطقي أن نعتقد، أن تأثير ما هو أندلسي في ما هو مغاربي، ليس في المجال السياسي والفني فقط، بل كذلك يجب البحث عن علامات التأثير الأندلسي في جميع مظاهر الحياة الإنسانية، ومن بينها طريقة اللباس.

عندما لجأ الأندلسيون إلى السواحل المغربية طوعا أو كرها، كانت ألبستهم تعكس أسلوبا، ونمطا للحياة مختلفا عن ما كان مألوفا عند المغاربة.

وما تبقى منها، هو ما سنحاول أن نقتفي أثره في هذا البحث المقتضب، محللين أسماءها، وقطعها ضمن الزي المغربي.

البُرْنُس

وردت هذه الكلمة في المعاجم اللغوية الإسبانية الحديثة، وتكتب بأصلها العربي، ولكنها تعني المعطف المصحوب بطرطور، وهو مختلف عن معناه العربي1 والكلمة تتكون من مقطعين: أداة التعريف العربية ولفظة برنوس.

وهذه الأخيرة تعني حسب «كازيميرسكي» Kazimirski: قلنسوة مدببة كان يلبسها الأئمة المسلمون مع بداية الإسلام. كانت القلنسوة تشكل جزءا من اللباس. المعطف والقلنسوة هما البرنوس2.

نفس الفكرة والتعريف تقريبا يقدمهما لنا «فرايطاغ»3 Freytag. الكلمة ومعناها، كانتا تستعملان منذ القرون الوسطى، سواء في الأندلس أو في إسبانيا المسيحية، وحسب «هنري بيريس» Henry Péres، فإن استعمال البرنوس كان شائعا بين الأندلسيين بعد الغزو المرابطي 4.

أما «ليفي بروفنسال» Levi Provenzal فقد اهتم بنفس الموضوع، ولكنه يضيف بأنه كان مستعملا من طرف نساء الطبقة الراقية، حين يخرجن ممتطيات متون الفرس5. وهو ما يعني أنه كان لباسا أرستقراطيا.

وكما هو مذكور، بأن الحكم الثاني أهداه للملك «أوردونيو» الرابعOrdoño IV ، أثناء زيارة هذا الأخير لقرطبة.

وقد عثرنا على ذكر هذه الكلمة في بداية العصر الحديث في مدينة القلعة: البُرنُسْ Albornoç، بُرْنُسْBornoç، وبَرْنِسْBarniç 6.

بعد قرن من الزمن يكتب «كوباروبياس» Covarrubias عن هذا اللباس قائلا: البرنوس. هو صنف من الثوب يغطي الرأس، يقيه من البلل عندما يرش بالماء: وهو معطف يلف الجسد كله، ويستعمله المغاربة. ويقول: «أوريا» بأنه دثار يقي من تسرب الماء إلى الجسد، كان مستعملا بإفريقيا، ويسمى «بورنوسوسم»Burnusum 7.

وكما نرى، فإن «كوباروبياس» Covarrubias يجعله لباسا إفريقيا تقليديا، أو من أصل إفريقي، وكان لباسا مستعملا من طرف الموريسكيين، الذين تقرر طردهم آنذاك.

ومن المحتمل أن يكون البرنوس لباسا للطبقة الوسطى، وليس لعامة الناس، كما نشاهده في ثنايا نقوش بالجهة السفلى للوحة الكبرى في المعبد الملكي بغرناطة، حيث يبدو شخص واحد فقط، وربما الأكثر منزلة لمن كان يلبسه.

إذا كان هناك من بين المسيحيين من لم يستعمله بطريقة عادية، فإن هذه اللفظة كانت تتردد على ألسنتهم، على الأقل منذ القرن الخامس عشر8.

إلى هنا نقف عند ما يتعلق باستعمال الكلمة، واللباس في أراضي شبه الجزيرة الإيبيرية.

نجد استعمالهما معا في المغرب إلى حدود يومنا هذا تقريبا. أقول تقريبا لأنه رغم وجودهما كلباس، ولكن اسمهما اختفى ولم يعد يستعمل كثيرا.

في أواسط القرن السادس عشر يصفه الزياتي «ليون الإفريقي» كلباس يستعمله فرسان فاس9.

في سنة 1659م، يصف «دايبير» Dapper الألبسة المستعملة من طرف السفراء الموريسكيين في الجمهورية الأندلسية بالرباط، المعتمدين لدى دول الأراضي المنخفضة، ويطلق كلمة البرنوس أو برنوث على واحد منهم، وذلك حسب الثياب الذي كان يرتديه، ويبدو أنه كان شخصية مرموقة 10.

مع بداية القرن التاسع عشر، يسرد «دومينغو باديا إي ليبليش» Domingo Badia، بأن الكلمة ومعناها مازالا يستعملان في المغرب 11.

لا ندري إن كان ألاركونAlarcón، عندما وصف اللباس سنة 1860م، ذكره ضمن الألبسة المستعملة في المغرب، أو اكتفى بما كان يعرفه باللغة القشتالية12.

أما حاليا، فإن كلمة البرنوس اختفت، ولم تعد تستعمل في اللهجة العامية المغربية. و ليس أنها اختفت من التعبير العربي الفصيح، فهي مازالت حاضرة حية، من لبنان13 إلى الجزائر14.

وإلى حدود نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وبداية القرن العشرين، كانت الكلمة متداولة في اللهجات المستعملة في المغرب، حسب ما ذكره: الأب «ليرشوندي»15 Lerchundi و«تيدجيني»16 Tedjini و«ميرسيي»Mercier 17، وإن كانت قليلة الاستعمال، ولكنها معروفة.

كيف ومتى اختفت كلمة البرنوس من اللهجة المغربية؟ لا ندري ذلك.

ويؤكد« دوزي» Dozy في سنة 1845م بأنه: في أواسط القرن التاسع عشر، كان البرنوس مستعملا من طرف ملك فاس ومراكش، ولكن ليس بلفظه المعروف، وإنما باسم السُلهام18.

وإلى غاية سنة 1750م. وهو التاريخ الذي اختفى فيه البرنوس، حسب «دوزي» Dozy، رغم أننا وجدناه بعد هذا التاريخ.

وفي جميع الأحوال، لدينا الشكوك حول تاريخ اختفاء اللفظ في اللهجة العامية المغربية. و ليست لدينا حول الاختفاء، الذي يؤكده مؤلف لاحق تأكيدا نهائيا و مطلقا، و هو «برونو» Brunot، وذلك سنة 1923م. في دراسته عن الألبسة الذكورية بمدينة الرباط، حيث يقول بأن كلمة «البُرْنوس» غير معروفة في غرب المغرب19.

اختفت الكلمة، واللباس لا يزال مستعملا. وقد ذكر لنا «دوزي» Dozy الكلمة التي تستعمل وهي: «السُلهام» zulham.

كتب «برونو» Brunot كلمة «السلهام» zulham، مضيفا بأنها ظهرت كاستعمال خاص بالمغرب، وبالفعل، نجدها فقط في اللهجات العامية، مثل التي أوردها «ليرشوندي» Lerchundi، و«تيدجيني» Tedjini و«ميرسييه»: وهي silham. أما باقي الدول العربية، فإنها تجهل تماما ذلك التعبير. هذا السلهام، هو موصول بالضبط بكلمات قشتالية: zulame، cerome ،cerrome وzorame، وكلها تعني المعطف، حسب إيغيلاثEguilaz 20.

نستنتج من الاستشهاد الذي ورد عند إيغيلاث Eguilaz، فيما يتعلق بصوت «ثورامي» zurame أو «سورامي» çurame، فإن استعماله يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي داخل إسبانيا المسيحية، على الأقل، وليس في القرن الرابع عشر الميلادي، كما نفهم من خلال ما ورد عند «بارثيا»21 Barcia و«دوزي»Dozy 22.

لم يجد «دوزي» Dozy اللفظ مذكورا عند المؤلفين العرب في العصر الوسيط، ولكنه يعتقد أنه من أصل بربري.

سواء كانت صحيحة هذه الفرضية أم لا، فمن البدهي أن الكلمة واللباس ظهرا في شبه الجزيرة الإيبيرية لفترة قصيرة جدا، وكانتا قد تأقلمتا في إسبانيا المسيحية من جهة، التي تبنت كلمة: سورامي çurame، وفي إسبانيا الإسلامية من جهة أخرى استعملت كلمة السلهام23.

أي كانت اللفظة التي ساد استعمالها في المغرب، دخلت إليه دون أي شك مع المهاجرين الأندلسيين الذين كانوا يستعملونه إطلاقا في شبه الجزيرة الإيبيرية.

كما رأينا، من كونها لباس، قد استعمل من طرف الأغنياء، وهو ما يجعلنا نفترض أن الكلمة أدخلتها الطبقات العليا والمتوسطة، من الأندلسيين الذين غادروا مملكة غرناطة بعد سقوطها.

هؤلاء الغرناطيون، الذين شكلوا نواة حضارية مغربية، ومن هناك، ربما كان هذا البلد هو الوحيد الذي استقبل إرث السلهام.

البلغة

سواء المعاجم الإسبانية والعربية القديمة عند «بيلوت» Belot، و«كازيميرسكي» (Kazimirski)، والمنهل24 كلهم يؤكدون على جذر اللفظ الفارسي للكلمة يكتبها «فرايطاغ» Freytag «بابوس» Babus. و«دوزي» Dozy في معجمه… يكتبها«Babus» أو «Babug»، ومع ذلك، ففي ملحقه... عاب «فرايطاغ» Freytag عليه زيادة حرف (s) في نهاية الكلمة، ويلح هنا على أنها «بابوس» Babus ، وأدرج «بابوغة»25 Babuga.

وفي دراسة أخرى لـ«دوزي» Dozy، في معجمه. حيث يرد مرة أخرى لفظ Babus، و عبر هذا المستعرب الشهير عن اعتقاده، أن كلمة «بابوشا» Babucha دخلت اللغة الإسبانية عبر الفرنسية، على أساس أنه لا يجد اللفظ إلا في المعاجم الإسبانية الحديثة نسبيا، واستعمالها يمكن أن يكون بعد حقبة الحكم العربي.

و بالفعل، إننا لا نجدها عند معجمي القرن الثالث عشر26، ولا عند «بيدرو دي ألكالا» Pedro de Alcalá، ولا حتى في «طيسورو» «لكوباروبياس»، Covarrubias في القرن السادس عشر.

ويبدو من المؤكد إذاً، أن كلمة «بابوشا» Babucha لم تستعمل في إسبانيا خلال العصر الوسيط كله.

ولا نستغرب من أن هذا اللفظ لم يستعمل في المغرب، البؤرة، التي يبدو أنها كانت تستقبل و تنشر الألفاظ و اللباس القادم من الأندلس.

لنرى، في بداية الأمر، ما هو اللفظ المستعمل في المغرب، كي نعين اللباس الذي نعرفه مثل «بابوشا» Babucha، وهل كانت لهذه الكلمة علاقة بالأندلسيين.

في اللهجات المغربية، حسب «ليرشوندي» Lerchundi و«تيدجيني» Tedjini و«ميرسييه» Mercier ، فإنهم يكتبونها «بلغة» Belga ويرمزون إلى قطعتين متقابلتين من البلغة، ولكن، كما هو الأمر مع «السلهام» الذي تحول إلى البرنوس، والذي لم ينتقل من المغرب إلى العالم الناطق بالعربية، وعلى عكس البلغة، فقد انتشرت كثيرا في الجزائر، حيث نجدها عند اللغويين: «كاربونيل»Carbonel و«بيرشي»Bercher 27.

وأخيرا ننتقل إلى شرق الشمال الإفريقي، حيث نجد نفس الشيء، في مصر، حيث يكثر استعمالها في العامية المصرية28.

إن انتشار البلغة في إفريقيا الشمالية أثبته «كازيميرسكي» Kazimirski. وسنحاول أن نقتفي جذر الكلمة وعلاقتها بشبه الجزيرة الإيبيرية.

لقد نبهنا «ليرشوندي» Lerchundi إلى أنها لفظة إسبانو - لاتينية. وحسب «سيمونيه» Simonet، هذا المؤلف يعود بنا إلى «بارغة»-«أبارغة» parga-avarca. قد كتب «بارغة»- «أبارغة»29 parga-avarca، وقد تحول حرف «ب» إلى p؛ parga تترجم مثل القرق alcorq وalpargate (البارغاطي) عند «بيدرو دي ألكالا».

والغريب هو أن «كوباروبياس» Covarrubias لا يجد أية علاقة بين «أباركا» abarca وبعض الكلمات أو الألبسة الموريسكية، ومع ذلك يجعل كلمة «ألبارغاطي» alpargate مشتقة من اللغة العربية.

ما عدا القرقون، qurqun فقد أضاف إليها par وحولاها إلى G على أساس أنgurgad –par–al، وأدمجت لتصبح alpargate.

ينبهنا «إغيلاث»Eguilaz إلى أن البلغة albolga، والبرغة alborga، وalparca البركة هي كلمات مشتقة من abarca، الباسكية، يتفق مع «دريفين» Driffin في دراسته اللغوية.

ويكرر ويؤكد «دوزي» Duzy هذا الرأي في معجمه. ظانا أن كلمة البلغة albolga هي حديثة في اللغة العربية؛ و يقول نجد استعمالها كثيرا عند رحالة القرن التاسع عشر، ولكن لم يتداولها مؤلفو العصر الوسيط أبدا، واعتقد بأنها من جذر إسباني. وأظنها باسكية فعلا.

الغريب هو أن «دوزي» Duzy لا يجد علاقة «البرغة» alborga مع«بروة» barua ، وهذا اللفظ مشتق من «القرق» qurq الذي يعتقد بأنه عربي، ويعترف بأنه يجهل أصل الكلمة و اشتقاقها اللغوي31.

وأومأ إلى شكه في أن تكون الكلمة من أصل لاتيني «كيركوس» querqus .

وهكذا، فإن «كيركوس» querqus هي مشتقة من اللغات ذات الأصل اللاتيني لفظة «كوركوس» corcus، المستعملة من طرف المستعربين بالأندلس. لفظة كورك qurq أعطت للقشتالية كلمة «الكوركي» alcorque، ومنها جاءت البرغطة alpargata، والبرغة alborga والبلغة albalga.

إن كلمة البلغة في العامية المغربية، وبعدها، في كل بلدان إفريقيا الشمالية تنطق حسب الكلمة اللاتينية، التي كانت مستعملة من طرف المسلمين الإسبان خلال قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية33.

يبدو أن النتيجة المنطقية، هي الاعتقاد بأن الكلمة واللباس، قد دخلا إلى دول افريقيا الشمالية مع المنفيين.

إن الانتشار الواسع لهذه الكلمة، يجعلنا نظن أنها دخلت مع أكبر موجة من المهاجرين، الذين أدخلوا هذه اللفظة، بدءً من المغرب إلى مصر، وهذا العدد الكبير من الناس، قد يكونوا من الموريسكيين الذين هُجروا مع بداية القرن السابع عشر.

القميص

ليست هناك شكوك كثيرة حول الأصل اللاتيني لهذه الكلمة، لكن هناك شك حول تاريخ ظهورها.

يؤكد «دوزي» Dozy في معجمه: بأن هذه الكلمة قديمة جدا في أروبا قبل الوجود العربي بها، وهكذا فإن القميص «كاميسا» camisa، وردت عند أحد المؤلفين من القرن التاسع الميلادي في سان خيرونيمو.

يكرر «كوباروبياس» Covarrubias نفس رأي «ب. ماريانا» P. Mariana أن الكلمة مأخوذة من القوط، وهو ما يدعم رأي «دوزي» Dozy، ويستشهد بقول القديس «سان إسيدرو» San Isidro في الكتاب 19، الفصل 22، camisias vocamus, in his dormimus incamis.

إذاً، دُونت هذه الكلمة في اللغة اللاتينية في العصر الوسيط، قبل أن تتشكل اللغة القشتالية، وقبل الغزو العربي لشبه الجزيرة الإيبيرية.

يلاحظ استعمال الكلمة واللباس، في أقدم معجم اللغة القشتالية سواء بالنسبة للرجال و النساء.

ونجدها تترد في «أنشودة السيد»34 (Mio Cid) في الأبيات الشعرية: 2721، 2738، 2744، التي تحكي عن قميص السيدة «إلبيرة»، والسيدة «صول»، عاريتان وقد جردتا من قميصهما من طرف زوجيهما في غابة كوربيس Corpes، وفي البيت 3636 وهو واحد من أبناء «كاريون» Carrión، مرتديا هذا اللباس عند حضوره إلى مبارزة.

بقيتا الكلمة واللباس في إسبانيا الإسلامية منذ الأيام الأولى للفتوحات العربية، سواء من خلال الجماعات المستعربة، أو من معتنقي المسيحية أنفسهم.

ويشير المستشرق الفرنسي «ليفي بروفنسال» Levi Provenzal إلى استعمالها في الأراضي التابعة للأمويين بقرطبة من طرف الرجال والنساء.

ويقول إن الأشخاص في إسبانيا من كلا الجنسين كانوا يلبسون القميص مباشرة على لحمهم كلباس داخلي، المصنوع من الكتان أو القطن35.

لقد أدخلت الكلمة إلى اللغة العربية الكلاسيكية، ونجدها ضمن قوامسها36.

والاختلاف مع اللهجة العامية هو أن تهجيها يشبه تقريبا الكلمة الإسبانية camisa = qamiya، بينما تكتب هكذا qamis قميص. إن المصادر المعجمية الثلاثة الخاصة باللهجة المغربية هي متشابهة جدا في ضبط صوتها. «قَميجة» qamiya عند «ليرشوندي»Lerchundi 37، «قْميجة» qmjja عند «ميرسي»Mercier 38 و«قَميجة» qamiyya عند «تيدجيني» Tedjini.

ونفس الشيء بالنسبة لـ«قميجة» qamiyya عند «كاربونيل» Carbonel في اللهجة الجزائرية، وهذا دليل على سعة انتشارها كلفظ.

هذا الانتشار الواسع يتطابق مع ما ذكرناه سابقا، أي مع الشتات الموريسكي. وحسب اعتقادنا يبدو هذا مؤكدا مع تصريحات موريسكيي الرباط، الذين أظهروا ازدراءهم من البربر، لأنهم غير مهدبين، يجهلون استعمال لباس القميص39.

بما أن البربري لم يكن من سكان المدن الحُضر، لذلك، وربما لم يستعمله أو كان يجهله كلباس، ولكن من دون شك كان مستعملا من طرف سكان الحواضر المغربية، الذين كانوا من جانب آخر، قد احتكوا و تأثروا بالموجات المتتالية من المهاجرين الأندلسيين.

الشيء الآخر الذي ساعد على تعميم اللفظة واللباس واستعماله، كان بعد وصول الموريسكيين، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

تشكك «خواكينا الباراثين» Joaquina Albarracín كذلك في أنه ليس هناك علاقة بين القميص المغربي والإسباني في العصر الوسيط.

فالقمصان – تقول – بأطواقها المطرزة أو السبيكة، يمكن ربطها دون أي مجهود مع «قمصان مطرزة margomadas» التي منعت في القرن الثالث عشر الميلادي بإسبانيا، ويتردد ذكرها كثيرا في النصوص الأدبية40.

ومع ذلك، فالقميص العامي والعادي، بدون تطريز، كان لباسا عاما، بشكل واسع وحسب اعتقادنا أنه دخل مع الأندلسيين إلى أراضي المغرب العربي. أما المطرز، فقد دخل وظهر مع طبقات الصناع التقليديين المهاجرين من مملكة غرناطة، عندما سقطت في يد الملكين الكاثوليكيين.

الرداء المنزلي

اللفظة هي عربية الأصل، كما توضح لنا ذلك الأكاديمية، مثل «بارثيا» Barcia و«إغيليث» Eguilez.

اللباس بسيط جدا، وبدون تعقيدات، و من المحتمل أن يكون قد استعمل من طرف العديد من الشعوب، بدء بالفراعنة إلى الغربيين الحديثين.

ثوب طويل يصل إلى الكعبين، بكُمَّين، يستعمله الرجال والنساء في منازلهم ليشعروا بالراحة، حسب تعريف الأكاديمية و «بارثيا»Barcia .

و في قاموس «كازيميرسكي» Kazimirski عندنا لفظة bat «باط» التي تعني: قطعة من اللباس مصنوع من الحرير أو من الصوف، دون مخيط، بحيث يستعمله الدراويش لتغطية الرأس والكتفين، ويستخدم في نفس الوقت لحاف وفرش.

وتكرر «إغيليث» Eguilez كل هذا التعريف مضيفة: وكان كذلك معطفا نسائيا.

إذاً، فإن اللباس المقصود بالباط العربي bat، ليس هو نفسه الباطا bata. ولا نتوفر في اللهجة المغربية على لفظ bat ، ولا ما يشابهها.

ويترجمها «ليرشوندي» Lerchundi (بمشريت) mxarret و«تيدجيني» Tedjini لا يدرجها في قاموسه.

فما هي اللفظة وما هو اللباس الذي كان مستعملا في إسبانيا الإسلامية؟ يتحدث «ليفي بروفنسال» Levi Provenzal عنهما معا: في إسبانيا الإسلامية كان يستعمل نوع من القميص الفضفاض من الثياب الأبيض، الزيهارة zihara. وفي البوادي قميص من الصوف مفتوح من الأمام، جزئيا أو بالكامل41.

وعن هذه الأخيرة لا يزودنا باسمها، ربما قد تكون الجلباب yilala أو قميص، مستشهدا «بهنري بيريس» 42Henry Péres. الذي يدرجها كلباس مستعمل من طرف النساء، بينما الرجال يلبسون zihara (زيهارة) أو القميص الخفيف.

الزيهارة zihara هو لباس خارجي، والأصل هو الزيهارة zihara، وكانت تعني إلقاء شيء على الكتف، ويتدلى على الظهر.

إن لفظة الزيهارة غير موجودة في اللهجة المغربية، كما هو الشأن بالنسبة للفظة جيلالة yilala. ولم تكن موجودة أو اختفت، مثل bat. من المحتمل أنها كانت قد استبدلت بلفظة جاطة yata، التي يقول عنها «برونو» Brunot بأنها كانت معروفة فقط في الشمال الغربي للمغرب، ومن وصفها يمكن أنها تنتمي إلى اللباس المعروف مثل باطا bata.

الجوخة لباس طويل، فضفاض، بدون أكمام ولا عنق؛ ويقفل بمساعدة زر على طول العنق، هو لباس داخلي. ويشير «ميرسيه» Mercier إلى أن الجوخة في طنجة وتطوان هو اللباس العادي لليهود، وأن المسلمين نادرا ما يلبسونها43.

الغريب في الأمر، هو أن لفظة الجوخة لا وجود لها في اللغة العربية الفصحي، بل وحتى في اللهجة العامية، باستثناء عند «كاربونيل» Carbonel الذي يدرجها في اللهجة الجزائرية، و يصفها بلباس من ثوب فضفاض بأكمام كبيرة.

نظن من جهة، على أن اللفظة بدأت تختفي من اللهجة، ومن جهة أخرى بأن اللباس واسمه جاءا عن طريق المهاجرين الإسبان اليهود في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.

إن ملاحظة «مارشي»Marçais، بأن مكان الجوخة هو طنجة وتطوان كلباس عادي لليهود، يدفعنا إلى التفكير في الجماعات اليهودية الغرناطية، التي عمرت مدينة تطوان. و بالفعل أن اللفظة استعملت فقط في جزء من شمال المغرب والجزائر، وهو ما يعزز اعتقادنا.

شاليكو

هذه الكلمة الإسبانية، جاءت من التركية عبر العربية، حسب الاشتقاق اللغوي الذي أورده «بارثيا» Barcia في قاموسه، وفي قاموس «إسباسا» Espasa، و قاموس أكاديمية اللغة الإسبانية. بالنسبة لـ«بارثيا» Barcia، كانت بدلة مورسكية، وعند «إسباسا» Espasa ما كان يلبسه المسيحيون الأسرى بين الأتراك بشكل دائم. هكذا يفهم من خلال الكيخوطي لسرفانتيس44. ويعتقد «دوزي» Dozy بأن ذلك «جيليكو» gileco السرفانطي قد تحول إلى شاليكو45 chaleco.

وفيما يتعلق باللباس، المستعمل من طرف المغاربة، الذي يتطابق مع وصف شاليكو chaleco، ليس هو الموجود اليوم، ولا يشبهه بتاتا. وعن اللفظة لا نجد لها أي أثر في المعاجم العربية الكلاسيكية، أو اللهجات العامية.

لقد تعودنا أن نرى ألبسة متعددة بنفس الاسم، والعكس صحيح، فضلا كذلك عن التطور الذي عرفته الألبسة نفسها. إنها مسألة معقدة بما فيه الكفاية، ومن الصعوبة بمكان إعطاء فكرة واضحة عن ذلك. لأن تطور لباس واحد، و مع غياب الوثائق، لا يسمح لنا بإنجاز غير جذول تقريبي، كما يقول «جورج مارشي» George Marçais، الذي درس اللباس الجزائري، وهو ما يمكن أن ينطبق على أي نوع آخر مما نهتم به46.

وبالنسبة لشاليكو chaleco، نلاحظ بأن وصف هذا اللباس هو مطابق تقريبا لما هو عند «ألباراثين»47 Albarracin و«برونـو» Brunot، وهو ما يطابق اسـم الـبـدعـيـة vida’ya. هــذه المؤلـفـة الأخيــرة، الـبـاراثـين Albarracin، تــؤكــد بــأن الـلـفـظـة شـائــعــة فـي كــل شـمـال إفريقيا.

وفعلا، فقد أدرجها كل من: «ليرشوندي» Lerchundi و«تيدجيني» Tedjini، و«ميرسييه» Mercier، ويؤكدون على استعمالها في المغرب، يبين «كاربونيل» Carbonel بأن استعمالها يقتصر على الجزائر فقط.

لم تدرج هذه الكلمة في المعاجم القديمة، ولا عند «كازيميرسكي» Kazimirsk، ومع ذلك، يثبتها «دوزي» Dozy في ملحقه. وهناك كلمة أخرى، ولباس آخر يستعملان في المناطق التي شهدت توسع الهجرة الأندلسية. إن أغلبية الألبسة المستعملة من طرف الجزائريين، هي كما نعرف أندلسية48. ويمكننا أن نؤكد نفس الشيء بالنسبة للمغاربة.

فكلمة بدعية bid’ya وجذرها هو بدع bada’a تعني «إنتاج شيء جديد مبتدع، إلخ» ومن هنا نشأت بدع bid’a والتي ظهرت لأول مرة أو ما نطلق عليه الجديد.

بالنسبة لسكان شمال إفريقيا، فإن هذا اللباس، كان يعني لديهم فعلا الجديد. فهل جاءت من هناك لفظة بدعية bida’ya المجهولة في العربية الفصحى؟

نفس الشك يبديه «ميرسييه»49 Mercier وإن كان قد حدد تاريخ دخول اللفظة، مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. ونحن نظن عكس ذلك، وأن اللفظة دخلت مع الموجات الأخيرة للمهاجرين الأندلسيين، مع بداية القرن السابع عشر الميلادي، وإن كانت اللفظة تأخرت نوعا ما في التأقلم مع اللهجة المنطوق بها.

ومن المحتمل أن لا يكون «شاليكو»chaleco ابتكارا أندلسيا، ولكن من المؤكد، استعماله من طرف الموريسكيين الإسبان إلى غاية الحقب الأخيرة من نفيهم وبعد ذلك.

على شكل خلاصة

بفحصنا لبعض الألفاظ والألبسة المستعملة حاليا في المغرب، ثبت لنا بدون شك أصلها الإيبيري. إذا اعتبرنا التطور العجيب، الذي وصلت إليه الحياة الحضرية في الأندلس، فقد كانت حضارة مشرقة، مهذبة، رقيقة في العديد من المجالات، ومن جهة أخرى – كما كتب ابن خلدون – أن البدو لم يعرفوا الألبسة المخيطة أو المضبوطة، وأن لباس الطبقات الضعيفة، وبصفة عامة، فإن ساكنة البوادي كانت تتميز ببساطتها الكبيرة50. وأخيرا، فإن غالبية الساكنة الحضرية المغربية، كانت تتشكل من المنفيين الأندلسيين، وليس غريبا أن يكون تأثيرهم واضحا على الأقل. كان هناك سيل جارف مستمر من المهاجرين الأندلسيين إلى شمال إفريقيا؛ أحيانا كانت أفواج كبيرة، مثلما حدث بعد أن استرد الملك فيرناندو الثالثإشبيلية، وبعد سقوط غرناطة، أو طرد المورسكيين سنة 1609م وما بعدها.

و في بعض الحالات الأخرى، لم تكن أعدادهم كثيرة، ولكن مرور وانتقال الجماعات والأفراد المنعزلين كان بشكل مستمر.

كل هؤلاء الإسبان- المسلمون والإسبان-اليهود، حددوا إقامتهم بصفة نهائية، ليس في القرى، ولا في البادية، حيث لم يرحب بهم بصفة عامة، بل في الأنوية الحضرية المليئة بالسكان، بل أحيانا هم نفسهم شيدوا مدنا جديدة، كما حدث في شمال المغرب مثل شفشاون وإعادة بناء مدينة تطوان.

كان لهم في بعض المناسبات وزن حاسم في المسيرة السياسية للبلد. وأما بالنسبة للبصمات والآثار الفنية، ليس هناك مجال للشك: يكفي التذكير هنا بمثال واحد: التجول في مدينة فاس المرينية. فإنه ليس من المنطقي نفي وقع التأثير السوسيولوجي، الذي يعني اللغة والأزياء.

إن ما قدمناه هو فقط، نموذج للعديد مما يبقى دون إنجاز في هذا الجانب، وجوانب أخرى من الاستغرافية المغربية، التي لها روابط حميمية مع الاستغرافية الإسبانية.

الهوامش

*عن نشرة الجمعية الإسبانية للمستشرقين عام 1979 - XIV.

1- Enciclopedia Universal Ilustrada Espasa Calpe S. A. Diccionario de la Real Academia Española. ROQUE BARCIA, Primer Diccionario General Etimológico de la lengua española.Barcelona,1880.

2- A. DE BESTAIN ZAKIMIRSKI: Dictionnaire árabe-français. Paris. 1960.

3-GEORGE WLMELMI FREYTAG : Léxicon arabico-Latinum.Halis-Soxonum. MDCCCXXX.

4- HENRI PERES: La poésie andalouse en arabe classique au XI siècle, Paris, 1953. Pag. 319.

5- LEVI PROVENÇAL: Historia de España de M. Pidal, Tomo V. Pág. 277.

6- PEDRO DE ALCALCÁ: Vocabulista arábigo en letra castellana, Granada, 1505.

7- SEBASTIAN DE COVARRUBIAS HOROZCO: Tesoro de la lengua castellana o española, según la impresión de 1611. Ed. Preparada por Martín de Riquer, Barcelona, 1943.

8- MARTÍN ALONSO: Enciclopedia del idioma, Madrid, 1958.

9-JEAN LEON L`AFRICAIN: ^Description de l`Afrique, Paris 1956. Tomo I. Pág. 207-8.

10-Sources inédites de l`histoire du Maroc. Pays Bas. Tom. VI. Pág. 607.

11- Viajes de Alí Bey El Abassi, Paris, 1836. Pp. 22 y 173.

12-P. A. DE ALARCÓN: Obras Completas. P. 1054. Madrid, 1943.

13- JEAN BAPTISTE BELOT: Dictionnaire français-arabe.3ém édit. Beyrouth, 1970.

14- JULES CARBONEL., Dictionnaire français-arabe. Alger sa.

15- FR. JOSÉ LERCHUNDI : Vocabulario español-arábigo del dialecto de Marruecos, Tánger, 1932.

16- B. TEDJINI: Dictionnaire français-Marocain, y También el Dictionnaire Marocain-Français, Paris, 1948-1949.

17- HENRI MERCIER : Dictionnaire Français-Arabe...d’arabe parlé marocain, Tanger-Rabat, 1959.

18- R.P.A. DOZY : Dictionnaire détaillée des noms des vêtements chez les arabes, Amsterdam, 1845. Pág. 77.

19- L. BRUNOT : Noms des vêtement masculins a Rabat. Apud Mélanges René Basset, Paris, 1923.Pág. 77.

20- LEOPOLDO DE AGUILEZ Y YANGUAS: Glosario etimológico de las palabras españolas de origen oriental, Granada, 1886.

21- BARCIA: Op. cit. VOZ ZULAME.

22- R. DOZY: Glossaire des mots espagnols et portugais dérivés de l’arabe. Leyde, 1869.

23- LEVY PROVENÇAL: Historia de España, de M. Pidal. Tom. V. Pág. 276.

24- Dictionnaire Français-arabe, Beyrouth, 1970.

25- DOZY: Supplément aux Dictionnaire arabes, Paris,1881.

26- DAVID A. GRIFFIN: Los mozarabismos del “vocabulista” atribuido a Ramón Martí. Apud. Rev. Al Andalus. Vol. XXXIII, 1958, f.2.

27- L. BERCHER: Lexique árabe-français.

* هذا الكاتب يشير إلى أن البلغة هي لفظة منتشرة في المغرب العربي.

28- ELIAS A. ELIAS: Dictionnaire moderne Arabe-Français, Le Caire. S. A. También aquí la vocaliza BALGA.

29- FRANCISCO JAVIER SIMONET : Glosario de voces ibéricas y latinas usadas entre los mozárabes. Madrid, 1888.

30- Tesoro…VOZ ALPARGATE.

31- Dictionnaire…

32- JAIME OLIVE ASIN: Quercus en la España musulmana, Apud. Rev. Al Andalus. Vol. XXIV .Año 1959.

33- JOAQUÍN ALBARRACIN DE MARTÍNEZ, RUIZ: Vestido y adorno de la mujer musulmana de Yebala (Marruecos). CSIC., Madrid, 1964. Pág. 56.

34- Edic. de M. Pidal. Madrid, 1956.

35- Historia de España de M. Pidal. Tomo V. Pág. 275.

36 - هناك احتمال أن تكون سواء اللغة القشتالية واللغة العربية قد أخذتا اللفظة مباشرة من اللغة اللا تينية. في أماكن عديدة تمت السيطرة الإسلامية على مناطق ذات ثقافة لاتينية؛ و كذلك الأمر بالشرق الأوسط.

37 - حسب هذا الكاتب أنها لفظة إسبانية-إيطالية.

38 - لم تكتب بالحروف العربية.

39- Sources inédite de l’Histoire du Maroc. Pays Bas. Tomo V. Relación de Dapper.

40- Op. Cit. ,41.

41- His. De Esp. Cit. Pp.275-6.

42- Op. Cit. P. 318.

43- BRUNOT: Op. cit. P. 101.

44- 6ª Edic. De Espasa Calpe con notas de F.R. Marín. Madrid, 1956. IV. Pág. 95.

45- DOZY: Glossaire…

46- Le costume musulman d’Alger. Paris MCMXXX. Pág. 63.

47- Op. cit. Pp. 43-4.

48- G. MARÇAIS : Op. cit. P. 90.

49- Op. cit. P. 45.

50- ROBERT BRUNSCHVIG : La Berbérie oriental des origines a la fin du XV siècle, Paris, 1947. Pág. 277.

الصور

1 - https://t1.hespress.com/files/sultanmorocco_596173484.jpg

2 - http://francespadreisla.blogspot.com/2018/06/

3 - https://sites.google.com/site/kawtar56/get-9-2007-n0soqypa.jpg

4 - https://st-listas.20minutos.es/images/2008-04/13793/223853_640px.jpg?1274783303

أعداد المجلة