فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
45

التراث الشعبي في مؤتمر وزراء الثقافة العرب ودراسات في العادات والتقاليد العربية

العدد 45 - جديد النشر
التراث الشعبي في مؤتمر وزراء الثقافة العرب ودراسات في العادات والتقاليد العربية
كاتبة من مصر

نعرض في هذا العدد لمجموعة من الدراسات المتنوعة بأربع دول عربية هي البحرين والسودان والأردن ولبنان، يجمعها عامل مشترك هو بحث موضوعات العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية العربية، حيث نسافر إلى السودان لنبحر في نيلها بحثًا عن العديد من الممارسات الشعبية الخاصة بدورة الحياة من الميلاد وحتى سن البلوغ (الميلاد والطفولة المبكرة) ثم مرحلة الزواج فضلاً عن عادات الطعام، لنصعد في الخريطة العربية لمجتمع البحرين لنتعرف على العادات والتقاليد المرتبطة بالسنع في تراث البحرين والخليج العربي خاصة فيما يتعلق بسلوكيات «السـلام والتحية» و»العلاقات الإجتماعية»، ثم نغوص في رحلة حافلة بالتفاصيل من خلال فصول متنوعة من العادات والتقاليد في لبنان ما بين القيم والآداب والفروسية والحرب والندب، والأزياء والحلي وأغطية الرأس. غير أننا سنبدأ بعرض لما تضمنه مؤتمر وزراء الثقافة العرب من موضوعات مرتبطة بالتراث الثقافي غير المادي أو التراث الشعبي في وطننا العربي الكبير.

مؤتمر وزراء الثقافة العرب

أصدرت وزارة الثقافة المصرية بالاشتراك مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية، كتابًا ضم أعمال الدورة الواحد والعشرين لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي لعام 2018، والذي ضم العديد من القضايا العربية، ومن بينها ما يرتبط بالتراث الثقافي غير المادي (التراث الشعبي) في الوطن العربي. ومن أهم القرارات التي اعتمدها المؤتمر في إطار الأوضاع الثقافية فى الوطن العربي حث الجهات المعنية فى الدول العربية على تنسيق زيارات تبادليّة للشّباب للتّعريف بأهمية التراث الثقافى المتنوّع فى الوطن العربي. كما ناقش المؤتمر الموقف التنفيذى من قرارات الدّورة العشرين وبحث الشأن الثقافي في المنطقة، والعقد العربى للحق الثقافى (2018-2027)، والترتيبات الخاصة بالعواصم الثقافية العربية، والإعداد للقمّة العربية الثقافية بالتّنسيق مع الجهات المعنية بالأمانة العامّة لجامعة الدول العربية وبالبلدان العربية يكون موضوعها «الأمن الثقافى العربي». كم تطرق لبعض الفعاليات المهمة مثل: رموز الثّقافة العربية- اليوم العربى للشّعر- الاستراتيجيّة العربيّة للتّنمية المسرحيّة. وفيما يخص موضوع التراث الثقافى، ناقش المؤتمر العديد من المحاور حول التراث المادي، منها صياغة ميثاق حماية التراث الثقافى فى الدول العربية.

وفيما يخص ترشيح العناصر العربية المشتركة على قائمة اليونسكو، اعتمد المؤتمر موضوع اختيار ملف النّخلة والعادات والطّقوس المُرتبطة بها: «تراثا عربيّا مُشتركا»، وتهنئة الدول العربية على موافقة اليونسكو على قبول هذا الملف المهم. لعرضه على اللجنة الحكومية الدولية للتراث الثقافى غير المادّى لإدراجه على القائمة التمثيليّة للتّراث الثقافى غير المادى للبشرية. وتثمين الدور الذي لعبته دولة الإمارات العربية المتّحدة فى تنسيق ملف النّخلة وصياغة الملفّ المشترك بالتّنسيق مع المنظّمة، وكذا مُباركة فتح باب الانضمام للملفّ العربى المشترك، بعد قبول إدراجه على القائمة التمثيليّة، لبقيّة الدّول العربيّة وغيرها من دول العالم التى تشترك معها فى هذا العنصر. وقد رحب المؤتمر باقتراح جمهورية العراق تسجيل «مهارة النّقش على الفخار والفضة» على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادّى للبشريّة كتُراث عربى مُشترك، ودعوة الدول لإعداد قوائم الحصر الخاصة بمهارات النّقش على الفخار، والنّقش على الفضة، والتّخضيب بالحنّاء، وصناعة آلة العود.

كما اطّلع المُؤتمر على العرض الذى قدّمته المنظمة حول نتائج الاجتماعين التنسيقيين الثّانى والثّالث للبوابة الإلكترونية للتّراث الثقافى غير المادي فى البلدان العربية، المنعقدين فى كلّ من جمهورية السودان (24 - 25 أبريل 2017)، وجمهورية مصر العربية (16-18 كانون الأول/ ديسمبر 2017). حيث أسفر اجتماع الخرطوم عن الاقتراحات التالية:

اعتماد شعار البوابة الذي اقترحته الألكسو.

اعتماد التعريفات المقدمة من طرف الدكتور مصطفى نامي، ضابط اتصال المملكة المغربية، والتصٌنيفات الفرعية الرئيسية.

اعتماد الاستمارة المبسٌطة لحصر التراث الثقافي غير المادي المقترحة من طرف المهندسة عزة خميس، ضابط اتٌصال مملكة البحرين.

اعتماد «النخلة والعادات والتقاليد والمهارات المتعلقة بها» كعنصر تراثي أولي للشروع في تجميع المادٌة حوله والتعهد بتوفيرها على البوابة في منتصف شهر أكتوبر القادم على أقصى تقدير.

اعتماد خطٌة عمل الأشهر السبعة القادمة.

الاتفٌاق على تكوين فريق فنٌي متكون من المهندسات عزة خميس (مملكة البحرين)، وسارة الكوت (دولة الكويت)، ونوة بدة (الألكسو).

الاتٌفاق على تكوين فريق علمي استشاري وتكليف الدٌكتور إسماعيل الفحيل بتقديم اقتراح لتركيبته إلى مديرة الثقافة بمنظمة الألكسو في أقرب وقت ممكن.

دعوة المنظمة إلى إعداد كتيب موٌجهات يحدٌد ما هو مطلوب من الدٌول في إطار تفعيل البوٌابة.

دعوة كل ضابط اتصال إلى تنزيل العناصر المدرجة على قوائم الحصر الوطنية، والمادٌة المتوفرة لدى مركز تراث الخليج العربي، والمادة التي أدرجت على القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية في البوٌابة في أسرع الآجال.

الطلب من المنظمة توجيه مراسلة للوزراء المعنيين حول الصعٌوبات التي واجهت أعمال البوابة.

أما اجتماع الأقصر حول البوابة الألكترونية للتراث الثقافي في الدول العربية فقد أثمر عن الاقتراحات التالية:

تشكيل لجنة استشارية تراجع قائمة الخبراء العرب الواردة على الألكسو في نطاق البوابة.

اعتماد التعريفات الفرعية التي سبق إرسالها من طرف الخبيرين د. اسماعيل الفحيل ود. مصطفى جاد.

تغيير استمارة التراث الثقافي حسب ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع.

إضافة روابط نحو العناصر المسجلة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، تتيح الفرصة لمستعملي البوابة الاطلاع على الملفات المسجلة.

وتجدر الإشارة إلى أن فعاليات ومحاور المؤتمر حفلت بعشرات الموضوعات المهمة من قبل كثير من الدول مثل تونس والمغرب والكويت ولبنان وفلسطين ومصر والسودان وجزر القمر، فضلا عن تقارير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فيما يخص الوضع الراهن للثقافة في وطننا العربي الكبير.

عادات وتقاليد السودان

صدر عام 2012 عن معهد عبد الله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم كتاب «العادات المتغيرة في السودان النهري النيلي» لمؤلفه عبد الله الطيب باللغة الإنجليزية ، ترجمة محمد عثمان مكي العجيل ومراجعة سيد حامد حريز ومحمد المهدي بشرى. والكتاب يقع في 247 صفحة من القطع الصغير في نسخته العربية/ الإنجليزية، ويحتوي مجموعة مهمة من الدراسات التي نشرها المؤلف بمجلة Sudan Notes and Records أو السودان في رسائل ومدونات خلال الأعوام 1955، 1956، 1964، 1998. ونًشرت في النسخة الإنجليزية تحت عنوان Changing Customs of the Riverain Sudan. ورغم أن أحدث دراسة بالكتاب قد نًشرت عام 1998 كما أوضحنا، فإن المؤلف يستهل كتابه بالإشارة إلى ملامح التغير السريع الذي تحولت بفضله الحياة السودانية من مجتمع العصر الوسيط، الذي تتعمق فيه التقاليد الراسخة إلى أمة أفريقية/ عربية حديثة متأثرة بالحضارة الغربية، حيث اختفت تمامًا العديد من أنماط الحياة وصيغها التي شهدها المؤلف في أيام الصبا، مضيفًا أن العديد من المهام الأخرى في سبيلها إلى الزوال. أما باقي العادات- والتي هي في الواقع قليلة جدًا- ما زالت تسود القرى النائية والبيئات التقليدية. ويؤكد على أن هذه ظاهرة جديرة باهتمام طلاب وعلماء علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ، علهم يقومون بتوثيق هذه العادات قبل أن تزول تمامًا وتضيع العديد من أنماط الحياة القديمة وتطويها أساليب الحياة الحديثة وسلوكياتها.

ويبدأ المؤلف كتابه بالحديث عن بعض العادات والتقاليد بداية من الميلاد وحتى سن البلوغ (الميلاد والطفولة المبكرة) مشيرًا لبعض المظاهر والممارسات الشعبية وبدأها بمرحلة الحمل وما يصاحبها من ممارسات المشاهرة- تابو إراقة الدم- تعويذة الفكي- عملية الوضع- القابلة- الطفل المولود- الكرامة وهي ذبح خروف أو إحضار اللحوم وتوزيعها بمعرفة الزوج بعد الجرتق شكرًا لله، ثم يعرض المؤلف للطقوس الخاصة بزيارة النفساء وحمايتها من عين الزائر وأثار الحسد، ثم يعرض لطعام النفساء، وتعويذة حماية الطفل الوليد والتي يطلق عليها «الحفيظة» أي الحافظة والحامية، ثم طقوس السماية لاختيار أسم المولود الجديد. أما النفساء فلا تبارح محبسها مدة أربعين يومًا، حيث يرصد المؤلف بعد ذلك عادات الرضاعة والفطام والممارسات المرتبطة بشعر الطفل سواء الذكر أو الأنثى وتقديمه لأحد الأولياء، ليصل بنا إلى وصول الطفل لتغيير أسنان اللبن، وتزيين الطفل وعملية الشلوخ المرتبطة بتزيين الخدود للبنات خاصة. ويعرض المؤلف في كتابه لموضوع اللعب عند الأطفال، فيشرح ألعاب الأولاد النهارية التي تأخذ في الغالب طابع التسلية وبعضها يعتمد على الحركة والنشاط مثل ألعاب: السيجة- الفيل- الشطارة. أما الألعاب الليلية فيشير الطيب إلى أن ضوء القمر يوفر فرصًا واسعة للعب أثناء الليل، ويقسم الألعاب الليلية إلى مجموعتين: ألعاب الأولاد الكبار المراهقين والشباب، ثم ألعاب الأطفال الصغار. وتعد لعبة «حرينا» ولعبة «شليل» أكثر الألعاب انتشارًا وسط الكبار، أما ألعاب الصغار المنتشرة فهي: الميز- الغراب- هو لاب لاب- الثعلب. فضلاً عن ألعاب البنات التي يصاحبها الغناء. وبجانب الألعاب والأغاني تقوم الأمهات والجدات بتسلية الأطفال من خلال سرد حكايات وطرح ألغاز يتوجب على الأطفال حلها. ويستعرض الكتاب موضوعات أخرى في مرحلة الميلاد كتعليم الأطفال والطرق التقليدية خاصة في حفظ القرآن، والأدوات المستخدمة كاللوح وأدوات تأديب الطفل. كما يعرض لموضوع ختان الأطفال وانحسار عادة ختان الإناث.

أما عادات الطعام، فيشير الطيب إلى أن الذرة ما زالت هي الطعام الأساسي للسودان النيلي والفطائري خاصة الخبز المصنوع من الذرة، و«الملاح» وهو مرق اللحم ويؤكل مع الكسرة بالأيدي مباشرة، و«اللحم المجفف» وهو لحم يقطع لشرائح ويعلق على سلة مربوطة في السقف ليتم تجفيفه بعيدًا عن متناول القطط، ثم يعرض لأكلات أخرى كالضبيحة التي تذبح في عيد الأضحى، والطبيخ، والحلويات كاللقيمات والكعك والقراصة، ثم يشير المؤلف في عجالة لآداب تقديم الطعام.

ثم يبدأ المؤلف في عرض مفصل للعادات والتقاليد الخاصة بمرحلة الزواج، وأهمية هذا الجزء هو ارتباطه بما شاهده المؤلف حول عادات الزواج في مرحلة مبكرة من عمره (العشرينيات من القرن الماضي) وهو ما يعد وثيقة مهمة في رصد هذه الممارسات، فيبدأ في عرض الخطوات الأولى من الخطوبة وحتى الزواج، والسن المناسب للزواج الذي يتراوح ما بين الثامنة عشر والعشرين للرجال، وللبنات من سن الثالثة عشر، ثم يكشف عن بعض أغاني البنات التي تظهر خوف البنات من تزويجها برجل كبير السن:

الشايب ما بدوره

المله فوق صنقوره

باخد الصبي ساكت حنجوره

أما الخطوة الأولى في الخطوبة فهي أن يأخذ الخاطب أقربائه إلى منزل الخطيبة فيما يعرف بـ«قولة الخير» أو «فتح الخشم»، ثم يقدم الخاطب مبلغًا للمساهمة في تجهيزات الزواج يعرف بـ «سد المال». ثم تبدأ إجراءات عقد الزواج حيث يقرأ المأذون الفاتحة ويسأل كل من وكيلي العروسين الموافقة والصداق وموافقة العروس..إلخ. ثم توزع القهوة والتمر ويتم إخطار النساء بعد إجراءات العقد وينطلقن بالزغاريد وهو ما يعد إشهارًا للزواج. يتبع ذلك الممارسات المرتبطة بدخلة العروسين، ونقوط العريس التي يطلق عليها «المغرم» وهي مبالغ مالية يدفعها أصدقاء العريس تساوي ما دفعها لهم في زواجهم أو زواج أقربائهم.، وتعد تجهيزات أهل العروس قبل الدخلة كثيرة جدًا بعضها بتجهيزات العريس وأهله، والآخر خاص بتجهيز العروس نفسها. ويتطرق المؤلف هنا إلى موضوع «دق الريحة» أو العطور وأنواعها الأساسية هي: الكركار- الخُمرة- خُمرة الزيت- الدلكة- الدخان، والأدوات المستخدمة في حفظها، والممارسات المرتبطة باستخدام هذه العطور، ومظاهر الاحتفال ليلة الدخلة والسيرة التي يقودها العريس ممتطيًا جملاً أو حصانًا، ويقوم كل من الطرفين برش الماء واللبن على الطرف الآخر وهن يغنين:

عريسنا أب شوره

العريس بنود سووا له الفقود

نحن النيل العم الوادي

ترانا جينا اسحفوا لينا غادي

ثم يستمر المؤلف في عرضه لعادات الزواج وصولاً لما يعرف بـ«قطع الرحط»، وهو لباس داخلي من الخيوط الجلدية المتفرقة تلبسه الفتيات يقوم العريس بقطع الدائرة التي تحيط بها هذه الخيوط ويقع الرحط ويقذف به العريس، حيث تتناثر خيوطه، وتعمل الفتيات على الاحتفاظ بهذه الخيوط، لأنها تجلب لهن الحظ. وينتهي رصد احتفالية الزواج باستعراض المؤلف لجرتق الزواج الذي لا يختلف كثيرًا عن جرتق الختان، ويتم الجرتق ظهرًا بعد الدخلة وقطع الرحط بذهاب العريس لمنزل والدته، ثم منزل العروس بمصاحبة الأهل والأصدقاء ويصاحب ذلك الغناء والرقص. وهناك العديد من المشاهد في حفل الجرتق كالثناء على العريس وأصله العرقي، ووقوفه رافعًا سيفه المجلد بجلد التمساح، فضلاً عن تقاليد الجلد بالسوط لاختبار قدرة العريس على التحمل، ويشاركه الشبان من الأصدقاء وأحيانًا الرجال المتزوجون لتلقي ضربات السوط تعبيرًا عن مؤازرتهم للعريس. وتستمر احتفالية الجرتق سبعة أيام بين الغناء والرقص واللعب والجلد بالسياط. ويلفت المؤلف في نهاية الكتاب بإشارة سريعة إلى التغيرات التي طالت هذه الممارسات وأهمية رصدها.

السنع في تراث البحرين والخليج العربي

صدر كتاب «السـنع: الأقوال المتداولة في المناسـبات الإجتماعية» لمؤلفه ابراهيم سند، عن معهـد الشارقة للتراث. والكتاب يحتوي أعمال ورشـة تدريبية قدمها المؤلف في المعهـد ومركز التراث العربي في الفترة من 22 – 27 يونيو 2016. وقام بالمراجعة العلمية والتقديم محمد حسن عبد الحافظ ، أما صـورة الغلاف والصـور الداخلية فهي من إبداع المصور البحريني حرز البنكي.

وقد اهتم معهد الشارقة للتراث في العام نفسه بإصدار مجموعة من الكتب التي تناولت موضوع السنع، مثل: أمثال السنع لعبد العزيز المسلم، والسنع في الشعر الشعبي لعتيق القبيسي، وآداب صب القهوة في الإمارات لعبدالله خلفان اليماحي. والسـنع هـو السـلوك المهـذب والتصرف الجميل في التواصل الإجتماعي . وتكشـف هـذه الكلمة الدقيقة والمعبرة في معناها عـن أسـرار التعامل الناجح مـع الآخرين. فإذا أردت أن تكون مقبولاً ومحبوبًا في المحيط الاجتماعي الذي تنتمي إليه ، وجب معرفة القواعـد الأسـاسـية المتمثلة في العبارات والممارسات السـلوكية في هـذا المجتمع.

ويبدأ سند كتابه بشرح موسع للمصطلحات المرتبطة بالسنع ليشير الى أن كلمة «سنع» في العادات والتقاليد المتبعة في الخليج، تعني التوجيه والإرشاد والقيادة، وكانوا يقولون فلان سنع الأخلاق، أي تربى على الأخلاق السليمة والصالحة. ثم يشير الى كلمات أخرى مرادفة لمصطلح سنع مثل: ذرب- الرزانة- فطين- التكانة. كما يعرض لبعض المصطلحات الأوسـع إنتشـاراً التي تتقاطع مع مصطلح «سنع»، مثل : الإتيكيت- البروتوكول- المراسم.

وقـد اشـتملت محتويات الكتاب على موضوعين رئيسيين رصد فيهما المؤلف موضوع السنغ، الأول حول «السـلام والتحية»، وقد تفرع عن هذا الموضوع العديد من العناصر الفرعية التي تشكل السياقات التي تؤدى فيها السلام والتحية، ويشير المؤلف إالى أن السلام ورد التحية من أولى العبارات التي يتوجب تداولها وإشاعتها بين الناس، لما لها من تأثير نفسي ومعنوي في تقوية أواصرالعلاقات الاجتماعية وتطويرها نحو الأفضل، فمرسل التحية يهدف إلى توصيل رسالة إيجابية للتفاعل مع الآخرين، في حين يستقبل المتلقي هذه الرسالة ويتجاوب معها بروح إنسانية متفائلة.. ثم يعرض لما اعتاد الناس في البحرين على ترديده من عبارات التحايا التي استوحوها من الشريعة الإسلامية ومن العادات والتقاليد المتوارثة أبًا عن جد. فيبدأ بعرض لتنوع أشـكال المصافحة في العالم، متوقفًا عند المصافحة باليدين التي تعد واحدة من أهم التصرفات الاجتماعية، والتي تستوجب بعض السلوكيات كالتقاء راحتي اليدين مع هزتين خفيفتين. وهناك محاذير يجب تجنبها مثل عدم المصافحة بأصابع متدلية أو الضغط بعنف على يد الطرف الآخر، وعدم وضع اليد اليسرى في الجيب أثناء المصافحة، وعدم وضع العطر في راحة اليد، لأنه قد يعاني بعض الأشخاص من الحساسية. ثم يتطرق سند للحديث عن إشارات العين والتواصل الذي يعد عنوان الإخلاص والثقة في النفس، وأولى النصائح هي الحفاظ على التواصل بالعيون عند مصافحة شخص وتوجيه التحية له. أما الإبتسـام فله تصنيفات عديدة كالابتسامة الملتوية والنظر لأعلى من الجانب والابتسامة العريضة..إلخ. وتعد مهارة الإسـتماع من أكثر مهارات الاتصال استخدامًا، ويفرق المؤلف بين السمع والاستماع وصفات المستمع الجيد، وعادات الاستماع السيئة..إلخ. وعلى هذا النحو يواصل المؤلف رصد عادات السنع المرتبطة بالمحادثة وأصولها ومفتاح المحادثة، يتبع ذلك رحلة شيقة حول سياقات التحية والتواصل خلال الاحتفالات الشعبية المعروفة مثل: الولادة– التطهير– الزواج– الخطابة- تحديد موعد الحفل- الدزة- الفرشة- الخضابة- العروس- العريس.

أما القسم الثاني من الكتاب فقد خصصه ابراهيم سند لبحث السنع في إطار العلاقات الإجتماعية، بدأها بموضوع «الزيارات» مشيرًا إلى أن هناك زيارات يومية درج أهالي البحرين القيام بها، وتكون هذه الزيارات بين الأقرباء والجيران في الحي الواحد، وهناك كلمات كثيرة تدل على الطيبة والكرم والترحيب الجيد بالضيوف والزوار. ومن موضوعات العلاقات الإجتماعية أيضًا «طلب الحاجة» فمن الشيم والأخلاق الحميدة التي عرف بها العرب قديمًا، أنه إذا تقدم شخص بطلب المساعدة، سواء كانت مادية أو معنوية، فإن طلبه يلاقي صدى طيبًا لدى الآخرين، ويهبون لمساعدته مهما كانت الظروف، ومن المعيب أن يُرد طلب المستعين، حتى ولو تجشم الأمر في بذل الكثير من العناء لأجل تحقيق ذلك الطلب. وفي البحرين يتداول الناس في ما بينهم الكثير من الأقوال التي تدل على المروءة والشهامة والذوق الرفيع في التعامل الاجتماعي والإنساني. وعلى سبيل المثال، إذا تقدم شخص بطلب حاجة ما يُرد عليه: على هالرأس. ويأتي الرد: يسلم راسك..إلخ. وهناك كلمات تقال للترحيب بالضيوف من الرجال: سم- إقلط- تفضل- حياك. وكلمات للزائرات النسوة، مثل: نعمة دايمة، بسلامتج وسلامة بو عيالج- كتر الله خيركم..إلخ. ثم يتتبع المؤلف العديد من الأقوال التي يتم تبادلها أيام الولائم التي تقام في المناسبات السعيدة كالزواج والأعياد والعودة من السفر، ومنها ما يقال أثناء تناول الطعام، أو من باب تشجيع الضيف على الأكل: لا الأكل ولا الريل في حيه، أو التي تقال بعد الانتهاء من الطعام من باب للدعابة: تغديت قال إيه، تمصمصت قال لا، قال عيل ما تغديت. ثم انتقل سند للحدث عن السـفر والقدوم مـن الأسـفار ليستعرض لنا الأقوال المرتبطة بتوديع الغواصين في رحلتهم إلى البحر، واستقبالهم من رحلة سفرهم: عسى توفقتو في مطراشكم. والسفر للعمرة وغيرها. ثم ينتقل لعبارات التهنئة في شـهر رمضان وعـيد الفطر والتهنئة بالبيت الجديد وارتداء الحلى، وإرتداء الملابس الجديدة، والحوادث والمصائب كالأمراض والحرائق والغرق والوفاة: البقه براسك- الله اخلف عليك، ويأتي الرد: وأجرك- وراسك- اخلف الله.

وقد حرص المؤلف على تزويد الكتاب بمجموعة من التدريبات العملية التي تتيح للمتدرب ممارسة هذه السلوكيات والتعرف على هذه الأقوال بتدوينها وطرح الأسئلة حولها. كما زود الكتاب بمجموعة ملاحق حول الورشة التي قام بها والبرنامج التدريبي والتوزيع الزمني، فضلاً عن ملحق خاص تضمن المادة الميدانية التي جمعها المتدربون (كل متدرب باسمه)، وقد صنفت المادة إلى ثلاثة سياقات: المناسبة- الكلمة- الرد. كما زود الكتاب بمجموعة مهمة لبعض الصور الفوتوغرافية حول مناسبات السنغ مثل: المجالس الشعبية للرجال- صب القهوة في مجتمع النساء- البخور- قبلة الرأس- حفل الزواج.

علم الفلك الشعبي

في عام 2017 صدر كتاب «علم الفلك الشعبي وحساب المواسم والفصول» لمؤلفه عواد ملهّي العثمان عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية. ويقع الكتاب في 195 صفحة من الحجم المتوسط.

ويشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أن العرب قد برعوا في مجال الفلك أكثر من غيرهم، وربما ساعدتهم بلادهم بسمائها الصافية في أغلب أوقات السنة على اكتساب تلك العلوم، وفي أحيان أخرى قد تفرض عليهم تلك الطبيعة تعلم هذه العلوم بسبب حرارة شمسها وتشابه صحاريها وقفارها، فيكون التنقل ليلاً أسهل وأفضل منه في النهار، هربًا من حرارة الشمس أثناء النهار من جهة، واهتداء بحركة النجوم من جهة أخرى، ومن طريف ما روي أنه قيل لإعرابي: أتعرف النجوم؟ قال: وهل يجهل أحد سقف بيته؟ وما زالت أغلب النجوم تسمى بأسماء عربية حتى اليوم. وقد بقي أهل البادية والأرياف حتى زمن قريب يرعون مصالحهم ويحركون ماشيتهم ويديرون شؤون زراعتهم، ويعرفون دخول الفصول وإدبارها وفقًا لما توارثوه من علوم ومعارف، ويتنقلون في الصحاري مهتدين بالنجوم وأماكنها في السماء، بل إنه لا يزال حتى الآن من يتعرف على أوقات السنة- كدخول الوسم والمربعانية وحلول الصيف واقتراب موسم الصيد وهجرة الطيور- بوساطة مطالع النجوم. وعلى الرغم من أهمية هذا العلم في حياة أهل البادية والأرياف في الزمن المتأخر إلا أنه معظمه لم يوثق، فلا يوجد مصنفات شاملة تحوي كل علومه، بل إن كل ما كتب في هذا المجال يتحدث في معظمه عن النجوم والكواكب بشكل علمي بحت دون ذكر موسع لعلاقة الإنسان بها واستفادته من دلالاتها في حياته، أما الذي كتب عن علاقة الإنسان بالنجوم واستدلاله بها فلا يتعدى حدود المقالات التي تنشر في الصحف والمواقع الإلكترونية، والكثير منها تنقصه الدقة في المعلومات والاستشهاد بالأدلة. ويشير العثمان إلى أنه قدم في كتابه مصنفًا شاملاً لكل أبواب هذا العلم الهام، مستندًا إلى ما دونه علماء العرب المتقدمون كالدينوري والزجاجي وغيرهم في حصر النجوم ذات العلاقة مستعينا بخبرات ومعارف كبار السن الذين أمضوا أغلب سنين حياتهم في الصحراء، وعاشوا فيها تجارب حقيقية، وطبقوا قواعد هذا العلم بشكل علمي مباشر، إضافة إلى معارف العديد من هواة هذا الموروث والمهتمين به.

ويبدأ الكتاب بمدخل إلى علم الفلك الشعبي يستعرض فيه علاقة الإنسان بالكون، وأهمية النجوم في حياة الإنسان، وعلم النجوم والشريعة الإسلامية التي قسمت العلم إلى: علم التأثير وعلم التسيير، ثم الاختلاف في الحساب الفلكي الشعبي وأسبابه موضحًا الاختلاف في الحساب بسبب عدم رؤية النجوم واختلاف مواعيد طلوعها، وكذا اختلاف الروايات وتشابه التسميات وتعددها، والمعايير المعتمدة في معرفة أوقات طلوع النجوم والمنازل. ثم ينتقل لبحث مسارات الشمس والنجوم والكواكب، لنتعرف على مشارق الشمس ومغاربها، حركة النجوم ومساراتها، لنعلم أن النجوم تستغرق في رحلتها لتعود إلى المكان نفسه سنة كاملة، وهناك حركة النجوم أبدية الظهور، وحركة النجوم الشامية، وحركة النجوم اليمانية. أما أهم النجوم التي عرفها العرب فيصنفها المؤلف إلى: النجوم دائمة الظهور، النجوم غير دائمة الظهور ومنها منازل القمر وهي متعددة الأسماء والحركات، وهناك نجوم أخرى لا تظهر دائمًا من منازل القمر. وقد خصص العثمان فصلاً مستقلاً لبحث الحساب ومعرفة مواقيت المواسم والفصول، ومنها الحساب بمطالع النجوم ومنازل القمر، حيث يستعرض فصول السنة: الصيف- الخريف- الشتاء- الربيع،

وفي حديثه عن الحساب بقران الثريا يشير إلى أن الثريا من أشهر النجوم التي عرفها العرب، وخصوصًا أهل البادية، وهي كذلك من أحب النجوم إليهم، فهم يتفاءلون برؤيتها، وينسبون لها كل محمود، ويطلقون اسمها على بناتهم، ومطرها من أفضل المطر، وأنفعه للأرض والنبات، لأنه أول الموسم. ويعرف القران بأن اقتراب القمر بالثريا، ويحدث هذا القران عندما يحل القمر في أقرب مسافة من الثريا، أي عندما يحل القمر بمنزلة الثريا. ثم نتعرف على أهمية القران في الحساب الفلكي عند أهل البادية: قرن الصيف- قرن الخريف (الصفاري)- قرن الشتاء- قرن الربيع- ثم يستعرض بعض الأمور المهمة التي يجب إدراكها بخصوص الحساب بقران الثرايا، والحساب بالتشكيلات النجمية الأخرى، والحساب بالنجوم السبع، والحساب بحسب مواقع النجوم في أوقات من الليل، وكذا الحساب بمطالع الشمس وطول الظل، والحساب بواسطة المزولة، ثم المقارنة بين الحساب بمطالع النجوم وقران الثريا، وأسماء الأشهر والفصول وأوقات الليل والنهار في البادية، ومعرفة أوقات العبادة، وأوقات طلوع القمر في الليل.

وينتقل بنا المؤلف لموضوع شديد الأهمية في بحث علم الفلك الشعبي، وهو السفر في الصحراء والاهتداء بالشمس والنجوم، مشيرًا لأهم نجوم الاستدلال، وتحديد الاتجاهات بواسطة مواقع النجوم ومطالعها ومساراتها، والاستدلال بمشارق الشمس ومغاربها، والاستدلال بالقمر، وتحديد الاتجاهات بواسطة العصا، وبعض الأمثلة على الاستدلال بالنجوم مثل: قصة الخلاوي وولده- وصف الطريق للخلاوي- وصف الطريق إلى حوران- وصف الطريق من تركيا إلى دمشق والسويداء. وفي الفصل قبل الأخير من الكتاب يقدم لنا المؤلف طرق معرفة أماكن النجوم في السماء، ومنها طرق رؤية نجوم القطب الشمالي وتحديد أماكنها، وطرق رؤية منازل القمر والنجوم القريبة منها، وينتهي الكتاب بفصل حول النجوم ومعتقدات العرب، حيث يزخر التراث العربي بالكثير من المعتقدات والأساطير التي لها علاقة بالنجوم والكواكب، منها ما يأخذ شكل الاعتقاد ويكون له طقوس خاصة به، ومنها ما يكون على شكل قصة أو أسطورة تُحكى من باب التسلية أو تُروى لتفسير الظواهر الكونية وحالات الطقس. ويقدم المؤلف مجموعة من الروايات التي كانت متداولة حول الكواكب والنجوم مثل: العجوز أو قران العجايز الجدي وبنات نعش- سهيل والجوزاء-فزعة سهيل للجدي- قصة سعد الذابح- قصة الجمرات- الحوت والقمر- سقوط الشمس في البحر- المجرة- طاسة الخريعة- الصفرة- هالات الشمس والقمر- الشهب- الاعتقاد بتأثير النجوم. ويختم المؤلف كتابه بقوله أن الأباء والأجداد كانوا على جانب مهم من العلم والمعرفة في الحساب الفلكي الذي مكنهم من إدارة شؤون حياتهم في أقسى الظروف وأصعبها، واستطاعوا أن يجعلوا من هذه السماء المزينة بنجومها أداة توقيت، وتقويم، وخريطة، وبوصلة. وقد ذُيل الكتاب بمجموعة من الملاحق التي تبين أسماء النجوم الشهيرة بلهجات مختلفة.

عادات وتقاليد لبنان

نعرض في هذا الإطار لكتاب هو الثالث للمؤلف حسن أمين البعيني في بحث ودراسة العادات والتقاليد اللبنانية، الأول بعنوان: عادات الزواج وتقاليده في لبنان (1998)، والثاني بعنوان: العادات والتقاليد في لبنان في الأفراح والأعياد والأحزان (2001). أما الكتاب الثالث- الذي سنعرض له- فجاء بعنوان: فصول من العادات والتقاليد في لبنان، ومذيل بعنوان فرعي يضم موضوعات الكتاب تقريبًا: قيم وآداب- العادات والتقاليد الحربية- فنون الفروسية وألعابها- الندب والنياح في التقاليد والأناشيد- الملابس والأزياء والحلي- لأغطية الرأس- العادات والتقاليد بين الأصالة والحداثة. والكتاب يقع في 303 صفحة في طبعته الأولى، نشر مطبعة غانم، عام 2009. ويسجل المؤلف أنه اعتمد في بعض مواد الكتاب على ما شاهده من عادات وتقاليد في المجتمع القروي، وما أفاد به المعمرون، وما جمعه من معلومات في جولاته الميدانية. وكما أشرنا فإن المؤلف يعرض لسبعة موضوعات رئيسية في العادات والتقاليد اللبنانية، بدأها البعيني ببحث القيم والآداب بتناول العديد من القضايا التي بدأها بوصف القيم والآداب في مجتمع الأجداد ليرصد لنا نماذج منها، في مقدمتها «صنع المعروف» مشيرُا إلى أن الفضل في المعروف أولاً للبادئ أو بحسب التعبير الشعبي: مليح بمليح والفضل للبادئ، إلا أن صانع المعروف الحق لايبتغي أصلاً مبادلته بالمثل، ولا أجرًا ماديًا ولا شكرًا. والمعروف يُصنع مع الخصوم والأعداء في الأمور الطارئة والمستعجلة، وفي القضايا التي كانت تتخذ طابعًا عشائريًا. أما «العونة» فهي من الممارسات التي تتضمن صنع المعروف والتعاون بين الأهل والجيران والأصدقاء في القرية اللبنانية، إذ تكمن في المحبة والألفة والصداقة وحسن الجوار، ومن أبرز المجالات التي تظهر فيها العونة: العمل في الأرض، والمؤونة أي تأمين ما يحتاج إليه البيت القروي من موسم لآخر، والمناسبات الاجتماعية الخاصة، وبناء البيوت، والأمور الطارئة، والكوارث والخسائر، والأخطار الخارجية، والمصلحة العامة.. وجميعها ترتبط بمفهوم العونة في المجتمع. ويأتي على هذا النحو العديد من القيم والآداب بالقرية اللبنانية التي رصدها المؤلف ويفرد نماذج لها مثل: التسامح- الضيافة- آداب التحية والسلام- آداب المخاطبة والنداء- آداب الأكل والشرب- آداب الدخول والجلوس- آداب الكلام.

أما الفصل الثاني من فصول العادات والتقاليد في لبنان فقد خصصه المؤلف للعادات والتقاليد الحربية، مشيرًا إلى أن العادات والتقاليد الحربية في لبنان هي أنواع السلوك المتوارث، الذي مارسه سكان مناطقه عبر العصور، أثناء التهيئة للحرب والذهاب إليها والقتال فيها، وما استعملوه من أسلحة وأساليب. ويتناول المؤلف في هذا الإطار الطابع الحربي لتاريخ اللبنانيين، وتسميات الحرب حيث سمى اللبنانيون الحرب تسميات مضافة إلى المكان الذي حصلت فيه، أو السنة التي جرت فيها، وقليلاً ما سموها باسم القائد الذي حاربوه. أما اقتناء الأسلحة فيرى المؤلف أن اللبنانيين يعتبرون السلاح زينة الرجال، وقد استمروا على عادة اقتناء السلاح في بيوتهم وعلى حمله والظهور به رغم صدور القوانين التي تمنع ذلك كالبنادق بأنواعها، كما تعرض المؤلف لموضوعات أخرى في هذا الإطار مثل: انتظام المقاتلين- التجهيز والتعبئة- قرار الحرب- الإشارة والاستنفار- النجدة- السير في القتال- أناشيد الحرب- القتال- البيرق. ثم ينتقل في الفصل الثالث للحديث عن فنون الفروسية وألعابها، حيث حرص اللبنانيون على اقتناء الخيول الأصيلة المطهمة التي تنسب إلى أحد أصول الجياد العربية الشهير. وكانوا- كسواهم- يفضلون الإناث على الذكور، وقد اهتموا بتربية أجود أنواع الخيول وتدريبها لتصبح جاهزة للركوب والميدان والحرب. ثم يستعرض المؤلف فنون الفروسية، وركوب الخيل، ولعبة الكرة والصولجان التي سادت في العصر العباسي، والميادين التي خصصت لإقامة ألعاب الفروسية، ورمي الأهداف باستخدام القوس والنشاب والرمح، والسباق والطراد والمقصود، هنا سباق الخيل، أما الطراد فهو انطلاق فارس من أحد صفي الفرسان في الميدان وراء فارس انطلق من الصف الآخر، ومطاردته من أجل اللحاق به. ويستطر المؤلف في وصف فنون الفروسية وألعابها، ليشرح لنا فنون المبارزة بالرمح، واللعب بالرمح، والمبارزة بالسيف، والتباري بضرب السيف، ولعبة السيف والترس، ولعب الجريد.

وقد خصص البعيني الفصل الرابع من كتابه لبحث العادات والتقاليد اللبنانية المرتبطة بالندب والنياح في التقاليد والأناشيد، مشيرًا إلى أن نطاق الندب والنياح لم ينحصر فقط على أهل الميت وأقاربه ومحبيه في المناطق اللبنانية، بل إنه توسع في الماضي ليشمل جميع المشاركين في المأتم، أو معظمهم، في إطار عادات وتقاليد ومظاهر وأشكال وأساليب مسرحية، يشارك فيها من يجيدون إنشاد الأناشيد المحزنة، ومن يعزفون على الآلات الموسيقية (النوبة)، أكثرهم بدافع المشاركة والتعاطف الاجتماعي، وأقلهم بدافع كسب الأجر المادي، والغرض من كل هذا تكريم الميت وتكريم الأحياء من خلال تكريمه، وإزالة أحزان أهله. ثم يستعرض المؤلف بعض المظاهر الشعبية في هذا الإطار منها: ظاهرة الندب والنياح- النياح- الحوربة- نشأة الندب وإزدهاره- طرق نظم الندب- أناشيد الندب- إنشاد ندب الرجال وألحانه- إنشاد ندب النساء وألحانه- الندب لغير المستحقين، مقدمًا بعض النماذج من تنويحات النساء وأخرى من تنويحات الرجال، ثم نماذج من الحوريات، ونماذج من ندب الرجال، ونماذج من ندب النسا، ونماذج من الندب لغير المستحقين. أما الفصل الخامس من فصول العادات اللبنانية فقد خصص لبحث الملابس والأزياء والحلي، مشيرًا إلى أن الملابس في لبنان هي إلى حد ما ملابس الطوائف والمذاهب الدينية التي كان تعددها أهم عوامل التعددية الثقافية فيه. وكانت ملابس الرجال والنساء، الكبار والصغار، بدون قبات، وكانت، بما في ذلك ملابس الصغار، تمتاز بطولها وبتغطيتها شبه الكاملة للرجل، والكاملة لجسم المرأة، من منطلق مراعاة الحشمة والأدب، والحفاظ على الأخلاق. ويستعرض المؤلف في هذا الفصل ملابس الرجال العامة، وهي: القميص الذي يعد من أقدم أنواع الملابس، والعباءة التي تعد في الأصل لباس القبائل العربية التي وفدت إلى لبنان، ومنها الزنارية والمشلح والجبة والدرزية (المقلمة) والزغرتاوية. ثم السروال أو الشروال ومنه ما هو مخصص للنوم وآخر للعمل، ثم الصدرة أو الصدرية، ثم القفطان وهو لباس مشترك بين الرجل والمرأة، ثم الفرو أو الفروة وهو معطف له بطانة من جلد الغنم أو الجمل، ثم البُرنس والقنباز والكبران والمنتيان (قميص غير طويل)، والدامر، والسترة، والجارب، والحذاء. أما ملابس الرجال الخاصة فقد صنفها المؤلف لملابس رجال الدين وملابس الجنود، لينتقل إلى شعر الرأس والشوارب واللحى. أما الملابس والأزياء عند النساء فقد بدأها المؤلف برصد لملابس النساء عبر العصور، مشيرًا إلى تدخل رجال الدين والسلطة في أمور ملابس النساء. ويصنف ملابس النساء في الدراسة إلى: الجارب- الأحذية التي تشبه أحذية الرجال، ثم أزياء شعر النساء، ثم الحلي النسائية، ومنها حلي الرأس ومن أنواعه: الطرطور- الطربوش (الذي تشترك فيه مع الرجال)، والقفوية أو القيفونة نسبة لقفا الرأس، والصفقا، وحلي الضفائر، والصفية (الشكة) وهي عصابة للجبين. كما يستعرض هذا الفصل حلي العنق، وحلي اليدين.

ويعرض المؤلف في الفصل السادس لموضوع «أغطية الرأس»، حيث ظل غطاء الرأس في المناطق اللبنانية سائدًا عند الجميع، رجالاً ونساءً، شيوخًا وفتيانًا، ولم يستثن من لبسه إلا نسبة قليلة من الصغار، حتى أواخر الربع الأول من القرن العشرين. وقد صنف المؤلف أغطية الرأس للرجال إلى: العمامة أو اللفة على اعتبار أنها قبعة ملفوفة بنسيج، ثم العمامة المدورة عند الموحدين الدروز، ثم الكوفية أو الكفية وهي منديل مربع الزوايا يوضع على رأس الرجل، ثم الطربوش، واللبادة، والطاقية، والعراقية وتشبه الطاقية، والقبعة. ثم يعرض لأغطية الرأس عند رجال الدين المسيحيين ومنها: التاج، والاسكيم، والفاووق، والطابية. أما أغطية الرأس لدى الجنود فمنها: الخوذة أو الطاسة، والطربوش العزيزي، والقلبق، والنورية، والكابي. وفيما يخص أغطية رأس النساء فقد قسمها المؤلف إلى: الحجاب- الطنطور- البريقع- المنديل- الحبرة- القمطة والشنبر- القبعة. وينهي المؤلف كتابه بفصل حول العادات والتقاليد بين الأصالة والحداثة، حيث ناقش مسألة مواجهة العادات والتقاليد لتحدي الحداثة، وما يجب أن يظل منها صامدًا في وجه رياح التغيير حفاظًا على الهوية، وتحقيقًا للمصلحة الوطنية.

أعداد المجلة