فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
46

الأغنية الشعبية في المواسم الزراعية

العدد 46 - موسيقى وأداء حركي
الأغنية الشعبية  في المواسم الزراعية
كاتب من فلسطين

تجسد الأغنية الشعبية الزراعية ثقافة الانتماء في العمل الجماعي الذي يتجلى في أثناء جني المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى الأيدي العاملة الكثيرة في موسم قطف الزيتون بطقوس (العونة)، وحصاد القمح. وتختزل كلمات الأغنية الزراعية البعد النفسي والوجداني بين الأرض والإنسان. وتحرص الدراسة على الكشف عن البعد النفسي للأغنية الشعبية التي تُسهم في تخفيف الأعباء الجسمية التي يعاني منها الفلاح في المواسم الزراعية، وعن البعد الاقتصادي الذي يتمثل باعتماد المزارع على مواسم المحاصيل الزراعية في مواجهة تحديات تكاليف الحياة الاجتماعية .

وترصد الدراسة المصطلحات الزراعية في الأغنية الشعبية، نحو مصطلحات حصاد القمح، ومصطلحات مواسم الزيتون والسمسم وغيرهما من المواسم، وتحفل الدراسة بأسماء الأدوات الزراعية التراثية التي ترد في الأغنية الشعبية، ولهذا تشكل الدراسة معجما لغويا زراعيا للمصطلحات والأدوات الزراعية في الأغنية الشعبية.

ويشكل التراث الشعبي الفلسطيني نسيجا متنوعا ومتناغما ومتكاملا يتوزع على الأشكال التراثية المادية والأدبية الفنية، ويعبر النسيج كله عن علاقة الإنسان بالمكان (الوطن)، ويجسد الهوية الوطنية التي تميزه عن غيره من المجتمعات. ولكل نوع من أنواع التراث مزايا خاصة؛ فالأغنية الشعبية تمتاز بخصائصها الإيقاعية عن الحكاية الشعبية، وكذلك نجد التفرد والتميز في أنواع الزجل الشعبي. وعلى الرغم من وجود المزايا الخاصة لأنواع التراث إلا أن التراث كله يعد ثقافة واحدة وموحدة تحدد الهوية الوطنية، وتجسد العلاقات الاجتماعية، وترسم التعالق بين الإنسان والأرض، وتكشف عن الحاجات الفطرية للإنسان.

ولكل أمة موروث تراثي تعتز به، وتحفل به الذاكرة الجماعية، وتحرص على تدوينه خشية النسيان والضياع. وتتكون ثقافة أي أمة من ركيزيتين مهمتين: «أحدهما شفوية، مأثورة بين الناس، وتتناقل وتستمر عبر الذاكرة والنقل الشفوي، وتمثل مادة البحث الفولكلوري. والثقافة الشعبية للمجتمع، وهي مدونة ومؤرشفة، وتمثل مادة البحث التاريخي»1.

واستئناسا بما تقدم فإن «التراث الشعبي هو النتاج العفوي الجماعي المعبر عن شعور وعواطف وحاجات وضمير أبناء الشعب عامة، وينتقل من جيل إلى جيل2. ومن المرجح أن بعض الأغاني لم يُكتب لها الانتشار لأسباب عدة، فالأغنية التي تقتصر على أفراد محددين لا تتناقلها الألسن، ولا تحفظها الذاكرة الجماعية، كما أن بعض الأغاني لا تتوافر لها الرواية الشفوية، والانتقال من جيل إلى جيل. و«ليست كل أغنية تظهر للوجود يُكتب لها الشيوع، فالأغاني الضعيفة، وأغاني المناسبات العابرة تنقرض بسرعة، ويطويها النسيان، أما الأغاني التي تحظى بتجاوب شعبي قوي فإنها تطبع ذاتها في ذاكرة الشعب، والأغاني التي تعالج العواطف الإنسانية الخالدة تجد طريقها للخلود وتصبح تراثا للأمة»3. ومن البديهي أن الأغنية كان لها مبدع، ولكن سعة انتشارها كانت أكبر من مبدعها نفسه، فظلت الأغنية وذهب المؤلف طي النسيان4. ويتفق المهتمون بالتراث الشعبي على أن مادة الفولكلور ليس لها مؤلف أو مؤسس معروف ترتبط المادة باسمه، وليس له حقوق المؤلف أو المبتكر، بل إن مادة الفلكلور ملك للجماعة ورثتها من الأجيال السابقة دون معرفة مصدرها الأصلي. وهذا يعني أن الفولكلور هو تعبير عفوي عن الضمير الجمعي والشخصية الجماعية لذلك المجتمع، وينمو ويتطور ويتغير ويموت حسب التغيرات والتبدلات التي تطرأ على هذا الضمير الجمعي والشخصية الجماعية، وليس استجابة لرغبات الأفراد أو قراراتهم5.

وتعد الأغنية الشعبية جزءا من الفلكلور الفلسطيني. ومن أهم المواصفات التي يشترطها العلماء في مادة الفلكلور هي صفة القدم، ولكن لن يستطيع أحد أن يحدد العمر الذي يجب أن يتوافر في مادة ما حتى تصبح فولكلوراً. من المتفق عليه أن بعض المواد، كبعض الأغاني الشعبية مثلا، قد تصبح فولكلوراً خلال سنوات قليلة إذا لاقت قبولاً وانتشاراً كبيراً، وتفاعل معها أفراد المجتمع ولاقوا فيها أداة مناسبة للتعبير عما يجيش في نفوسهم. لذلك يمكننا أن نقول: ليس هناك حد زمني مطلق للفلكلور، ولكن قدم مادة ما يزيد من إمكانية تصنيفها كمادة فولكلورية6.

وتتميز الأغنية الشعبية ببساطتها في المعنى واللفظ والتراكيب، ويتفاعل معها أبناء الشعب بمختلف مستوياتهم الفكرية. وتعالج الموضوعات التي تهم الشعب، ففيها الوصف والمدح والفخر والرثاء والهجاء، وتعكس الأغاني الشعبية الفلسطينية حب الوطن ورفض الاحتلال7. ولأغاني العمل مزايا خاصة تميزها عن غيرها من الأغاني الشعبية، فهي لا تصلح إلا للعمل، فلا تصلح للمناسبات الاجتماعية الأخرى. وتتضمن أغاني العمل إرشادات وتوجيهات خاصة بالإنتاج المتصل بالعمل. وتلائم الحركة البدنية، فإيقاعها يأتي بطيئا مع العمل البطيء الهادئ، ويأتي إيقاعها سريعا مع الأعمال التي تقتضي سرعة في الحركة8. ولكل أغنية نمط موسيقي معين يعتمد على بحر من بحور الشعر الفصيح، أو على البحور الممتزجة. وقد يخرج المغني الشعبي عن القاعدة العروضية أحيانا9. ولو تتبعنا سمات أغاني العمل التي تميزها عن سواها لألفيناها تقترب من السمات التي تطبع الأدب الشعبي عموما10.

وتحرص الدراسة على الإجابة عن الأسئلة الآتية :

- هل تعبّر الأغنية الشعبية عن ثقافة الانتماء للأرض والعمل الجماعي ؟

- ما هي السمات اللغوية والأسلوبية للأغنية الشعبية؟

- كيف صورت الأغنية الشعبية البعد الوجداني العاطفي في المواسم الزراعية؟

- هل يُسهم إيقاع الأغنية في الحث على العمل في المواسم الزراعية ؟

- هل تشكل الأغنية الشعبية معجما تراثيا للأدوات والمصطلحات الزراعية ؟

- كيف صورت الأغنية البعد الاقتصادي للمزارع الفلسطيني؟

 

 

الأغنية الشعبية في مواسم الحصاد

1) البعد النفسي والوجداني:

أغاني الغزل:

تعبر الأغنية الشعبية في المواسم الزراعية عن العاطفة الإنسانية، وهي عاطفة فطرية عفوية يصور بها الرجل عاطفته تجاه المرأة. ولا يتعارض هذا الأمر مع ثقافة المجتمع الزراعي المحافظ، لأن كلمات الأغنية لا تخدش الحياء، فهي أقرب إلى الغزل العذري في الشعر العربي. ولا يوجد مجتمع بشري يخلو من الأغاني أو الشعر الذي يصور العاطفة المتبادلة بين الرجل والمرأة. ولا يخفى أن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول الكريم لم يخل من الشعر الغزلي الذي كان يُسمى «نسيبا» في مطالع القصائد، ومن أشهر القصائد التي بدأت بالغزل(النسيب) في حضرة الرسول عليه السلام قصيدة (بانت سعاد)، وعليه فإن الغزل في المواسم الزراعية ينسجم مع الحاجات الفطرية في العلاقات الاجتماعية.

ومن المقطوعات الغزلية في موسم الحصاد :

والله أكبر يا حصادات ويّمات البكل لمشكلات

والله أكبر يا حصادات ويمّات الشبك لمخرزات

وتتصف كلمات الأغنية بالعفة، لأن الغزل يتعلق بالمظهر الخارجي للمرأة، ولا يتعلق بمفاتنها ،فالأغنية تعبير عن إعجاب الفلاح الحصاد بـ«البكل» التي تُمسك شعر المرأة وتزينه. ومن المرجح أن «الشبك» في الأغنية هو غطاء الرأس بدليل ارتباطه بالخرز الذي يزينه. ويحتمل تأويل مقطوعة الغزل اتجاهين؛ الأول: أن الفلاح الحّصاد يغني لنفسه تسلية وطربا. والثاني: أن الحصّاد يغني كي تسمعه المرأة التي تشاركه في العمل. وإن صح هذا التأويل الثاني فإن الأثر الوجداني للمقطوعة الغزلية يُضاعف من طاقة العمل في الحصاد بسبب التفاعل الوجداني مع كلمات الأغنية؛ إذ إن الإجهاد الجسمي يتحول إلى توهج المشاعر التي تُنسي الإجهاد البدني.

أغاني الحث والنشاط:

يجمع موسم الحصاد بين التفاؤل بالخير الوفير، والشعور بالتعب والمكابدة؛ فالمزارع ينتظر محصول القمح كي يحصل على ما يكفيه عاما كاملا، أو يبيع قسما منه كي يشتري حاجاته المعيشية. وفي المقابل فإن موسم الحصاد يأتي في فصل الصيف الحار، لذا يشعر المزارع بالتعب والإجهاد في أثناء جني المحصول بالوسائل البدائية. ولا يخفى أن الترانيم والأغاني تُسهم في تخفيف المعاناة في أثناء العمل.

نشأ الغناء الشعبي القديم بأنواعه المختلفة مصاحبا للعمل؛ لأن الإيقاع المنظم في الأصوات في أثناء العمل الفردي أو الجماعي يساعد على انتظام حركة العمل وتنسيقها. وتتميز أغاني العمال بالجملة اللحنية القصيرة والسريعة مما يؤدي إلى تشجيع العمل والتسرية عن النفس11.

ويمكن المقاربة بين الأغنية الشعبية التي تُفضي إلى تخفيف معاناة المزارع وفن الحداء في الشعر العربي الفصيح القديم؛ إذ يرى بعضهم أن الحداء مأخوذ من شعر الحادي الذي كان يسوق الإبل في الصحراء، وكان يُنشد كلاما موقعا على بحر الرجز كي يُسلي نفسه، ويستأنس وهو يقطع الصحراء القاحلة، وزعم بعضهم أن صوت الحادي كان يؤدي إلى نشاط النوق التي تسير في القافلة.

ومن الأغاني الشعبية التي تصور عناء المزارع في أثناء الحصاد:

يا ريتني غيمة وأرد الشمس عنكو

والا مطر صيف وأرد الربيع الكو

تصور كلمات الأغنية السياق الزمني لموسم الحصاد الذي يحين في الصيف الحار، وترسم كلمات الأغنية صورة ذهنية بصرية للمزارع الذي يتصبب عرقا في أثناء الحصاد. وعلى الرغم من أن التمني في الأغنية مستحيل إلا أن العاطفة صادقة، فالتصوير الفني في الأغنية مؤسس على الخيال في الغالب، أما المشاعر فتصدر من القلب.

ومن الأغاني التي تسخر من الكسل في العمل، وتقترب دلالتها من صورة درامية:

ويا مفلس روّح ع الدار تلقى الطنجرة ع النار

تلقاها مليانة جريشة والله يقطعها من عيشة

ومن الأغاني الساخرة في موسم الحصاد :

والحصيدة ما بتتعبش

بتعب لقاط المشمش

كل ما هب الهوا

وهو على إمّه يِدْوِش12

ولا يخفى أن السخرية أسلوب يظهر عند التعب والمشقة، ويهدف إلى إضفاء المرح كي يتحمل الفلاح أعباء الحصاد، وتنسجم السخرية في الأغنية مع مواقف السخرية في الثقافة الشعبية، إذ إن أكثر المجتمعات سخرية ونكتة هي المجتمعات الأكثر معاناة وتحملا.

أدوات الحصاد:

تمثل الأغنية مرجعا تراثيا للأدوات التي كانت تستعمل في موسم الحصاد. وتكتسب الأدوات الزراعية في النسيج اللغوي والتصويري للأغنية رونقا جماليا وتفاعلا دلاليا ووجدانيا أكثر من ذكرها في معجم، وأكثر تأثيرا وإثارة من عرض صورة الأداة، لأن أدوات الحصاد في الأغنية تتحول إلى صورة من مشاهد الحصاد وطقوسه، نحو توظيف آلة «المنجل» في الأغنية الآتية:

أنا خيال المنجل والمنجل خيال الزرع

منجلي يابو الخراخش منجلي في الزرع طافش

منجلي يا منجلاه أخذته للصايغ جلاه

يا منجلي يا أبو رزة ويش جابك من بلاد غزة 13

تشبه الأغنية مشهد حصاد القمح بميدان الفروسية، ففي البيت الأول يبدو «المنجل» حصانا أصيلا يمتطيه الحصّاد في الشطر الأول، ويتحول المنجل إلى فارس يمتطي الزرع في الشطر الثاني. وترسم هذه الصورة الفنية معالم العلاقة الحميمة بين الحصّاد والمنجل. ويتحول التصوير في الأغنية من ميدان الفروسية إلى تصوير المنجل الذي يحرص الحصاد على تزيينه بـ«الخراخش». ويكشف تزيين المنجل عن انتماء الفلاح للأرض، والتعالق الوجداني بين موسم الحصاد والحصّادين. كما أن تكرار كلمة «منجل» سبع مرات في مقطوعة غنائية قصيرة يؤكد الانتماء والتعالق؛ لأن تكرار الاسم دليل على التعلق والحب. ومن المفيد أن نفرق بين المنجل و«الكالوشة» وهي أصغر حجما من المنجل، وأكثر تقوسا.

ومن أدوات الحصاد «المذراة» التي يعود أصلها اللغوي إلى «المِذْرَى» وهي الخَشَبَةُ الَّتِي يُذَرَّى بهَا14، وهي مشتقة من الفعل (ذرا)، نقول: ذَرَت الريح الترابَ حَمَلَتْه فأَثارَته. وذَرَيْتُ الحَبَّ أَطَرْته وأَذْهَبْته15.ومن الفعل (ذرا) قوله تعالى: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ «الذاريات» وهي الرياح التي تذرو التراب. واستئناسا بهذا السياق اللغوي فإن «المذراة» في التراث الشعبي الزراعي هي آلة مصنوعة من الخشب، تتكون من ساق طويلة، وفي نهاية الساق عدد من الأصابع الخشبية، يستعملها المزارع لرفع التبن الممزوج بحبوب القمح -وغيره من الحبوب- من الأرض إلى ارتفاع معين كي يطير التبن وتسقط الحبوب على الأرض. ويعد هذا الوصف أقدم عملية بدائية لفصل الحبوب عن التبن قبل اختراع الآلات الزراعية. ومن الأغاني الشعبية الخاصة بالمذراة :

يا مذرايتي

وين بتباتي

في العرماتي

يلله البركة

بركة ربي

في ها لشوبى

يناجي المزارع المذراة بإضافتها إلى (ياء) النسبة (مذراتي)، وتعبّر الإضافة عن التعالق بين المزارع والمذراة. وتُضفي كلمات الأغنية أنسنة على المذراة، وكأنها كائن حي، وليس مجرد قطعة من الخشب، فيسألها عن مكان المبيت (وين بتباتي)، ويأتي الجواب على لسان المزارع (في العرماتي)، والعَرَمَةُ الكومة من الحِنْطة والشعير. والعَرَمُ الكُدْسُ المَدُوسُ من الحنطة في البيدر. وذهب بعضُهم إلى أَنه لا يقال عَرْمَةٌ والصحيح عَرَمة بدليل جمعهم له على عَرَمٍ16.

وتتصل بسياق الحديث عن المذراة الطقوس التي تسبق عمل (التذرية)، وتبدأ بوضع محصول القمح على البيدر، وتوزيعه دائريا (حلقة دائرية) كي يدور عليه «لوح الدراس» الذي يجره حصان أو حمار بهدف هرس سنابل القمح، وفصل القش عن الحبوب، ثم يُجمع المحصول الذي تم هرسه على شكل كومة استعدادا لتذريته. وتحتاج التذرية إلى هبوب الريح كي يطير التبن وتسقط الحبوب على الأرض. ومن الأغاني التي صورت هذه الطقوس :

هب الهوا يا ياسين بتعب بال الدارسين

هب الهوا يا شحادة بتعب بال القعادة

طابت طرحتنا طابت قبل الشمس ما غابت17

ولا يخفى أن الأسماء الواردة في الأغنية تتغير وفق المنطقة الجغرافية. وتتضمن كلمات الأغنية مصطلحا تراثيا لافتا وهو «الطرحة» التي تعني كمية السنابل التي يتم هرسها بوساطة لوح الدراس.

وترسم الأغنية الشعبية صورا فنية ترتقي إلى المشاهد البصرية المخزونة في الذاكرة. فالأغنية ليست تسجيلا تاريخيا للطقوس الاجتماعية في مواسم الزراعة وحسب، بل هي تسجيل بصري يشبه شريطا سينمائيا يوقظ الذاكرة حينما نقرأ كلمات أغنية تقول :

ع البيدر ما أحلى الشاعوب

وسيدي يذري بـ التبنات

والجاجة بتنق جبوب

وستي تغربل بالقمحات18

فالأغنية مشهد مؤلف من ثلاث لقطات تصويرية؛ صورة المزارع الذي يحمل المذراة التي تطير التبن عن حب القمح، وصورة الدجاج الذي يلتقط الحبوب من الأرض، وصورة المرأة التي تغربل القمح كي يصبح نقيا من الشوائب. ولا يخفى أن اللقطات الثلاث تختزل أبرز مشاهد الحياة الاجتماعية الزراعية .

2) البعد الاقتصادي في أغاني الحصاد :

تعد المواسم عامة مصدر الرزق الوحيد لمعظم المزارعين الذين يترقبون المواسم لشراء حاجاتهم المعيشية، وخاصة موسم حصاد القمح الذي يشكل أهم أنواع الزراعة؛ لأن القمح هو مصدر الغذاء الرئيسي قديما، وبيع القمح يكاد يكون الدخل المالي الوحيد، ومن الأغاني التي عبرت عن انتظار الفلاح لموسم حصاد القمح:

بكره بتخلص الحصيدة

والموارس والغمور

تنلبس الثوب المطرز

ونقعد في القصور

 

 

الأغنية الشعبية في موسم الزيتون

1) البعد الديني والوطني لشجرة الزيتون:

تجسد العلاقة بين الزيتون والمزارع بعدا ثقافيا يتوزع على مسار عقائدي، ومسار وطني؛ فالعقائدي مستمد من الخطاب القرآني إذ أقسم رب العالمين بالزيتون في قوله تعالى:﴿والتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۝ وَطُورِ سِينِينَ ۝وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾، ووصف شجرة الزيتون بالمباركة في قوله: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ (سورة النور 35 ). وفي غير موضع من القرآن الكريم ارتبط ذكر الزيتون بنعم الله وتجليات إعمار الأرض نحو قوله تعالى: ﴿وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ (الأنعام 99).

وأسهمت الأحاديث النبوية في تعزيز قداسة شجرة الزيتون والزيت، نحو قول الرسول الكريم: «كلوا الزيت وأدهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة». ويمتد السياق الديني المقدس لشجرة الزيتون إلى الطوفان الذي يعد حدثا كونيا حدد معالم الحياة الجديدة على الأرض كما تصوره الروايات التاريخية الدينية التي تربط بين غصن الزيتون وانتهاء الطوفان، واستقرار الحياة، وشيوع السلام على الأرض، ولهذا صار غصن الزيتون رمزا للسلام والأمن.

وتعبّر شجرة الزيتون عن العلاقة التاريخية بين الإنسان والوطن، وترمز جذورها للبعد التاريخي لارتباط الفلسطيني بأرضه، وتشكل دليلا على التمسك بأرض الأجداد. وتشكل شجرة الزيتون في الأدب الفلسطيني وخاصة الشعر أيقونة رمزية تختزل دلالات دينية وسياسية. ومازالت قيمة الأرض لدى فئة من المزارعين مرتبطة بوجود شجر الزيتون، فالأرض المزروعة بالزيتون أعلى في قيمتها المادية من الأرض المزروعة بغير الزيتون.

ويكاد زيت الزيتون لا تخلو منه مائدة وخاصة مائدة الفطور كما تعبر الأمثال الشعبية «الزيت عمارة البيت» و«اللي أمه في البيت بوكل خبز وزيت»، و«خبزي وزيتي عمارة بيتي»، و«الزيت عمود البيت»، وغيرها من الأمثال التي تؤكد على أن الزيت أهم من غيره من المواد التموينية. وتؤكد الأمثال السابقة على أهمية الزيت في وجبات الطعام «من غيرو السفرة ولا مرة تعمر».

وترد شجرة الزيتون مقرونة بخيرات الطبيعة الفلسطينية كما في الأغنية الآتية:

يا طير طاير ميل عالوادي

وجيبلي من كرم العنب زوادي 

شوية زعتر مع تين سوادي

والزيت الفغيش وحب الزيتونا 

وتبين الأغنية ذاتها فوائد الزيت الذي لا يقتصر على الأكل:

زيتوني الأخضر زيتوني الاسمر

من غيرو السفرة ولا مرة تعمر

والقلب يفرح ساعة مايكبر

من منتوجاته احلى صابونا19

2)البعد النفسي والاجتماعي في أغاني قطف الزيتون:

تعبر أغاني الزيتون عن البعد الاقتصادي؛ لأن المواسم الزراعية عامة كانت هي الدخل الرئيسي للمزارعين. وما دام معظم المزارعين يملكون أشجار الزيتون فمن البدهي أن يجسد الموسم بشرى طال انتظارها، ولعل هذه البشرى هي التي شجعت المزارع ليتغنى بشجرة الزيتون التي شبهها بالعروس كما يتجلى في الأغنية الآتية:

زيتونتي أطيب عروس

ما بتثمن بالفلوس

تحميني الفقر البؤس

ومن شر يوم عبوس

ما أحلاها وقت النوار

والشجر بدون أزهار

إن تشبيه الزيتونة بالعروس يجسد الجمال المثالي في الثقافة الشعبية التي ترى في العروس مثالا للجمال والكمال والنشوة، فلا موصوف يتفوق عليها، فهي سيدة الجمال والمثال والاكتمال، كما أن نفي ارتباط الزيتونة بالقيمة المالية (ما بتثمن بالفلوس) يؤكد القيمة النفسية والاجتماعية لشجرة الزيتون التي يراها الفلاح درعا حصينا يحميه من الجوع أو الفقر، وهي الذخيرة التي يطمئن لها،وتمنحه الأمان والسكينة والرضا. وينسجم هذا البعد النفسي والاجتماعي لشجرة الزيتون في الأغنية الشعبية مع دلالة بعض الأمثال الشعبية الخاصة بشجرة الزيتون والزيت التي أشرنا لها سابقا. وتسجل المقطوعة السابقة تميز شجرة الزيتون عن غيرها من الأشجار من حيث ديمومة خضرة أوراقها، وينسجم هذا التميز والتفوق مع الجمال المثالي لشجرة الزيتون في وجدان الفلاح الذي يقارب بين جمال شجرة الزيتون وأنوثة العروس من جهة، وتميز الزيتونة بخضرتها عن غيرها من الأشجار.

ويتغنى الفلاح بحجم حب الزيتون :

زيتونتي يا حبها بلح بلح

لو يدري بها القاضي سرح

يُضمر ها التغني والتصوير لحجم حب الزيتون عناية المزارع بالشجرة من حيث الحراثة والتقليم، واختيار الأنواع المحسنة التي تُثمر ثمرا كبير الحجم. كما توحي بالتفاخر بين الفلاحين في محاسن ثمر الزيتون، إذ كان التفاخر بينهم يشكل حيزا لافتا في حياتهم الاجتماعية اعتمادا على أن الزيتون وخاصة موسم جني الثمار يشغل مساحة ذهنية وزمنية في حياة المزارعين.

وتصل العلاقة الوجدانية بين الفلاح والزيتونة إلى مناجاة تجسد ارتباط الفلاح بشجرة الزيتون، نحو المقطوعة الآتية :

يا زيتون الحواري صبّح جدّادك ساري

يا زيتون اقلب ليمون اقلب مسخّن بالطابون

بجدك بالجدادة وبدرسك في البدادة20

تتضمن المقطوعة السابقة تفاؤل المزارع بحجم ثمار الزيتون التي يتمنى لو كانت بحجم ثمرة الليمون كي يحصل منها على زيت وفير يحقق رغبة ينتظرها المزارعون في نهاية الموسم وهي «الخبز المسخن في الطابون» الذي يعد من طقوس المأكولات الشعبية الفلسطينية التي ترتبط بموسم قطف الزيتون في الغالب. وتتضمن المناجاة في المقطوعة السابقة حزمة من المصطلحات الشعبية التي ترسم تفاصيل الحياة اليومية في موسم الزيتون وهي الصباح الباكر الذي يبدأ فيه الفلاح قطف الزيتون (صبّح جدّادك ساري)، والأدوات المستخدمة (الجدّادة)، و«دراسة الزيتون في البدادة»، أي حجر البد الذي يطحن ثمار الزيتون.

ومن المألوف أن مواسم الزيتون متفاوتة من حيث كمية الثمار. وحينما يكون الموسم غنيا بالثمار يتفاءل المزارعون ويُسمى الموسم «الماسية»، وإذا كانت كمية ثمار الزيتون قليلة يُسمى الموسم «شلتونة»21. ومن الأغاني التي تعبر عن البشارة:

زيتونا حامل والزيت بنقط منه

زيتونا يا وحداني يا رب كثّر منه

زيتونا حامل والزيت ع جراره

نايف يا وحداني يا رب تعمر داره 22

ويجسد تكرار لفظ (زيتونا) في الأغنية مناجاة بين المزارع والزيتونة، كما يكشف التكرار اللفظي عن عشق المزارع لموسم الزيتون.

وحينما تقل ثمار الموسم تعبر الأغنية الشعبية عن عتاب الفلاح للزيتونة كما في الأغنية الآتية:

يا زيتون الحق عليك

واطلع زيتك من عينك

جاء العتاب في الأغنية منسجما مع أسلوب التشخيص والأنسنة الذي تحولت فيه شجرة الزيتون إلى إنسان قصّر في عطائه، وسبب خيبة للمزارع.

أغاني الحث على العمل:

تشجع الأغنية الشعبية العاملين على العمل، وتُسهم في دفع الملل والضجر عنهم وخاصة أن ساعات العمل تبدأ من الصباح الباكر حتى غروب الشمس في الغالب. «ودفعا للملل تبدأ إحدى النساء بغناء «حديوية» ذات وزن خفيف يتفق في إيقاعاته مع حركة اليدين السريعتين. وقد تسرد «الحديوية» قصة مسلية، نحو قصة «الغزالة» التي كان الصيادون يطاردونها، فاستجارت بالنبي عليه السلام الذي حماها وباركها وأرسلها إلى صغارها وأثداؤها مليئة بالحليب، كما يتجلى في كلمات الأغنية الآتية:

والنبي صلوا عليه وألف صلى الله عليه

وألف صلاة ع محمد والبعير قبل إليه

و الغزالة زارته زارته واختارته

قالت جرني يا مختار جرني من لهيب النار

روحي كن الله جارك رُوحي رضعي اصغارك

و ارضعو يا صغار مني وارضعو من دي الحليب

من شفاعات هالحبيب والحبيب محمدي 23

تُضمر حكاية الغزالة في الأغنية السابقة معتقدات شعبية مستمدة من الأسطورة التي تفيد أن الغزالة مقدسة بسبب ارتباطها بالشمس التي عبدها العرب قديما. وتُشجع هذه العلاقة بين الشمس والغزالة على رصد المعتقدات الشعبية والأساطير في الأغنية الشعبية الفلسطينية التي تشكل جانبا من الثقافة الشعبية.

أنواع ثمار الزيتون:

رصدت الأغنية الشعبية بعض أنواع ثمار الزيتون، ومنها الصرّي والبري والنبال، كما في الأغنية الآتية :

الصرّي زيته طيب أما القاطه بغلب

والبري زيته مرّي أما القاطه بمرر

النبال زيته سيّال أما لقاطه عجال عجال

فالنوع الصري تكون ثماره صغيرة الحجم، ولونه أسود، ويُسمى أحيانا حب الشعير إذا كان حجمه صغيرا جدا، وتكون السيوله فيه منخفضة. والبري ينتشر في مناطق جبلية كثيرة من الشمال إلى الوسط (جنين، نابلس، رام الله). والنوع النبالي وهو صنف ينسب إلى بلدة «بيرنبالا» في منطقة القدس، أو إلى مدينة نابلس التي كانت تسمى نيوبولس. وثماره تناسب الكبيس والعصير. والكبيس يكون في معظم الأحيان أخضر، ويتصف زيته بالجودة العالية، ويختلف نوعه تبعاً للتربة والمنطقة، وكذلك الحال بالنسبة للون الزيت ولزوجته؛ فاللون يكون فاتحًا في الأراضي الخفيفة. وتصل نسبة الزيت في هذا الصنف إلى حوالي 22 % من وزن الثمرة في مرحلة النضج الكامل، عند اسوداد الثمار24.

3) مصطلحات وأدوات في أغاني الزيتون:

النكافة والجدادة والعراد . ثلاثة مسميات تتردد في موسم قطف الزيتون؛ فالنكافة عصا قصيرة تستخدم لضرب أغصان شجرة الزيتون بخفة لتسقط ثمار الزيتون، والجدادة أطول من النكافة لإسقاط ثمار الزيتون التي تكون في وسط الشجرة، والعراد أطول من الجدادة لإسقاط الثمار العالية .

ومن الأغاني التي تتضمن مصطلحات وأدوات جني محصول الزيتون:

والمليص زيته طيب أما القاطه بغلب

يا زيتون الحواري صبّح جدّادك ساري

بجدك في الجداده وبدرسك في البداده

ويعني «المليص» في المقطوعة حب الزيتون الأسود الذي يغلب عليه صغر الحجم، وحينما يكون حجمه صغيرا جدا يشبهه المزارعون بـ«حب الشعير»، ولهذا عبرت الأغنية عن صعوبة قطفه وجمعه. ومن المرجح أن تسميته بـ المليص تعود إلى سهولة انزلاقه من اليد، ويعزز هذا الترجيح أن من معاني «ملص» في المعجم «إِذا قبضْتَ على شيء فانفَلَتَ من يَدِك قلت انْملَصَ من يدي انمِلاصاً»25. ومن المعلوم أن حب الزيتون الأسود لزج رطب يرشح زيته مما يسهم في انزلاقه أو انملاصه – كما ورد في المعجم.

وأما اللقاط الذي يشيع على ألسنة الفلاحين بدلا من لفظ «قطف»، فأصله اللغوي فصيح إذ يقول الفلاحون «لقاط الزيتون»، واللفظ مأخوذ من اللَّقْط وهو أَخْذُ الشيء من الأَرض. ويقال للذي يَلْقُط السَّنابِلَ إِذا حُصِدَ الزرعُ لاقِط ولَقّاطٌ ولَقَّاطة. وكل نُثارة من سُنْبل أَو ثمَر لَقَطٌ والواحدة لَقَطة يقال لقَطْنا اليوم لقَطاً كثيراً26.

والجداد والجدادة في الأغنية السابقة من أصل لغوي واحد «جدد»، والجدّاد هو الرجل الذي يحمل عصا طويلة يهش بها على الشجرة فيسقط حب الزيتون على الأرض فتلتقطه النساء، فالرجل جداد، والمرأة لقاطة. ولفظ الجداد صيغة مبالغة على وزن (فّعال)، وسمي الرجل بـ جدّاد بسبب كثرة ضرب الشجرة بالعصا الطويلة. والجدّادة اسم آلة على وزن «فعّالة»، واللفظ مشتق من الفعل «جدد» وفق أصول علم الصرف. وأصل الجدّاد والجّدادة مأخوذ من الجَدادُ والجِدادُ وهو أَوانُ الصِّرامِ، والجَدُّ مصدرُ جَدَّ التمرَ يَجُدُّه27.

ويسمى عصر حب الزيتون واستخراج الزيت «دراسة» – كما ورد في المقطوعة السابقة- ودراسة أو درس الزيتون يعود إلى أصل لغوي فصيح؛ فقد ورد في المعجم دَرَسَ الشيءُ والرَّسْمُ يَدْرُسُ دُرُوساً عفا. وَدرَسَ الأَثَرُ يَدْرُسُ، دُروساً ودَرَسَته الريحُ تَدْرُسُه دَرْساً أَي محَتْه. ودُرِسَ الطعامُ يُدْرسُ دِراساً إِذا دِيسَ. ودَرَسُوا الحِنْطَة دِراساً أَي داسُوها28. وتفيد هذه المعاني المحو والتحول، أي تحول حب الزيتون إلى مادة تشبه العجين. ولا يصير حب الزيتون عجينا أو هريسا إلا إذا دار عليه حجر البد دورات عدة، وتناظر هذه الحالة معنى الطريق الدارس الذي لا يصبح دارسا إلا إذا كثر المشي عليه.

نهاية موسم الزيتون (الجاروعة):

تختزل كلمات الأغنية الشعبية مشاهد ومواقف من العادات والتقاليد التي تخفى على الجيل المعاصر، ولا يعرف تفاصيلها سوى المزارعين الذين شهدوا أو مارسوا تلك العادات والتقاليد، نحو العادات والتقاليد المرتبطة باليوم الأخير من موسم قطف الزيتون، والتي تُسمى «الجاروعة»، كما في المقطوعة الآتية :

بطاطا نشوي بالطابون

نوخذ ع جداد الزيتون

مسخن جروعة بتكون

بعد ما نجيب الزيتات 29

فالجاروعة هي نوع غير محدد من الطعام الشهي يُؤكل في اليوم الأخير من انتهاء موسم قطف الزيتون، وقد تكون «الخبز المسخن» المشبع بالزيت الجديد، وقد تكون طعاما آخر. كما أن من مشاهد الجاروعة توزيع كمية من الزيتون على الأطفال الحاضرين كي يبيعوا الزيتون ليحصلوا على المال.

الأغنية الشعبية في موسم السمسم:

ما زال الفلاحون يزرعون نبات السمسم في سهول جنين وخاصة في سهل مرج ابن عامر. ويمر جني محصول السمسم بمراحل عدة ؛ أولها: اقتلاع نبات السمسم من جذوره بعد نضوج أجراسه، وتجميعه في حزم متقاربة في الحجم ليسهل نقله من مكان زراعته – كما يبدو في الصورة الأولى. والثانية : وضع حزم السمسم على شكر قرص دائري أو هرمي، أو أي شكل يتيح وصول الشمس إلى نبات السمسم كي يتحول لونه من الأخضر إلى الأصفر – كما يبدو في الصورة الثانية. وكان المزارعون – قديما – يضعون حزم السمسم بشكل دائري على سطوح البيوت، وكان يُسمى قرص السمسم. ومن المرجح أن وضع قرص السمسم على سطح البيت كان يهدف إلى منع الدواجن من أكل الحب، أما حماية السمسم من الطيور غير الداجنة فكان المزارع يعمد إلى نصب «فزاعة» بين حزم السمسم لتخويف الطيور البرية. وثالثها : «كت» السمسم وهي ضرب الحزمة بـ عصا صغيرة كي تنزل حبوب السمسم إلى الأرض.

ومن أبرز الأغاني الشعبية في موسم جني السمسم :

يـا زارعين السمسم يا زراعين السمسم

خلي السمسم بأجراسه خلي السمسم بأجراسه

واللي يهوى وما يوخذ واللي يهوى وما يوخذ

كبّوا السكن على راسه كبّوا السكن على راسه

تمزج كلمات الأغنية الغزل بالسخرية في سياق زمني يرتبط بموسم السمسم. ولا تجد الدراسة تعليلا لهذا الربط؛ إذ إن الأغنية الموروثة جيلا عن جيل تبقى كلماتها وتخفى مناسبتها؛ لأن الذاكرة الجماعية تردد الأغنية وتنسى سببها ومناسبتها.

ومن الأغاني التي تشير إلى وضع قرص السمسم فوق سطح البيوت :

والسمسم الاخظر جلّل الحيطان

قوم يا ابو محمد وافتح الدكان

اقطع يا محمد بدلات العرسان

وهذي الفرحة ناويها زمان30

وتتضمن كلمات الأغنية بعدا اقتصاديا يرتبط بانتظار المزارع لموسم السمسم كي يبيع المحصول، ويشتري حاجاته، أو ينفذ مشروعا اجتماعيا كالزواج، كما تشير دلالة الأغنية. كما تدل الأغنية على فرح المزارع بمشهد قرص السمسم الذي «يجلل» سطح البيت.

ومن أغاني موسم السمسم التي يغلب عليها الإيقاع الهادئ والكلمات البسيطة:

السمسم بجراسه والعسل بقراصه

الله يمسيكم بالخير كل واحد براسه

والسمسم باسمه والعصر جانا قسمه

الله يمسيكم بالخير كل واحد براسه

 

 

نتائج الدراسة

تحدد الأغنية الشعبية في المواسم الزراعية الهوية الوطنية، وتجسد العلاقات الاجتماعية، وترسم التعالق بين الإنسان والأرض.

تتميز الأغنية الشعبية ببساطتها في المعنى واللفظ والتراكيب، ويتفاعل معها أبناء الشعب بمختلف مستوياتهم الفكرية.

صوّرت الأغنية الشعبية في المواسم الزراعية العاطفة المتبادلة بين الرجل والمرأة بلغة قريبة الغزل العذري في الشعر العربي.

يُسهم الإيقاع المنظم للأصوات في أثناء العمل على انتظام حركة العمل وتنسيقها وتُسهم كلمات الأغنية في دفع الملل والضجر عنهم وخاصة أن ساعات العمل تبدأ من الصباح الباكر حتى غروب الشمس في الغالب.

تمثل الأغنية مرجعا تراثيا للأدوات التي كانت تستعمل في المواسم الزراعية .

تعبر أغاني المواسم عن البعد الاقتصادي ؛ لأن المحصول الزراعي يكاد يكون الدخل الوحيد للمزارع .

 

الهوامش

1. انظر: قانصو، أكرم: التصوير الشعبي العربي. عالم المعرفة، 1995، ص50.

2. انظر: كناعنة، شريف : من نسي قديمه تاه – دراسات في التراث الشعبي والهوية الفلسطينية. ط1، مؤسسة الأسوار، عكا، فلسطين، 2001، ص66

3. البرغوثي، عبد اللطيف: الأغاني العربية الشعبية في فلسطين والأردن. ط1، مطبعة الشرق العربية، فلسطين، القدس، 1979، ص 18.

4. انظر: صلاح، شيماء: تعريف الأغنية الشعبية وخصائصها. مجلة الموسيقى العربية (مجلة ثقافية موسيقية تصدر عن المجمع العربي للموسيقى، جامعة الدول العربيةHTTP://ARABMUSICMAGAZINE.COM

5. انظر: كناعنة، شريف : دراسات في الثقافة والتراث والهوية. المؤسسة الفلسطينية لدراسة التراث (مواطن)، رام الله، فلسطين، 2011، ص120.

6. المرجع نفسه. ص120.

7. المراغي، عبير داود . تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الهوية الوطنية الفلسطينية – التراث الشعبي أنموذجا – رسالة ماجستير، إشراف: مسعود الربضي، جامعة الشرق الأوسط، 2013، .ص 39.

8. انظر : كناعنة، شريف وآخرون : المأثورات الشعبية . منشورات جامعة القدس المفتوحة، ط1، 1996، ص 72

9. انظر : علوش، موسى : الأغاني الشعبية الفلسطينية. ط2، دار علوش للنشر، بيرزيت، فلسطين، 2001، ص13.

10. انظر : العمد، هاني صبحي: أغانينا الشعبية . وزارة الثقافة الأردنية، 2009، ص162.

11. أبو عليوي، حسن: الشعر الشعبي الفلسطيني (الموسوعة الفلسطينية). ط1، مكتبة المهتدين، بيروت، 1997، ج 4، ص97.

12. صبحي، ماجدة: أغاني مواسم الحصاد والزراعة. بوابة حيفا . http://www.haifagate.com 2892016

13. أبو عليوي، حسن: الشعر الشعبي الفلسطيني (الموسوعة الفلسطينية). ط1، مكتبة المهتدين، بيروت، 1997، ج4، ص98.

14. الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني الواسطي (ت1205 هـ 1790 م): تاج العروس شرح القاموس . منشورات مكتبة الحياة، بيروت، 1306 هـ. مادة : ذرا.

15. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: ت (711هـ، 1311م)، 15م، لسان العرب. دار الفكر، بيروت، ط6، 1997 . مادة : ذرا.

16. لسان العرب: نبر.

17. أبو عليوي، حسن: الشعر الشعبي الفلسطيني (الموسوعة الفلسطينية). ط1، مكتبة المهتدين، بيروت، 1997، ج4، ص98.

18. أبو الهيجاء، سمير: طرزة فلسطينية .(شعر شعبي). ظ1، منشورات المركز الفلسطيني للثقافة والإعلام، فلسطين، جنين، 2014، ص44.

19. مصطفى، نادية: شجرة الزيتون في القلب والوجدان الفلسطيني. مجلة آفاق البيئة والتنمية .(مجلة إلكترونية)، ع89، 1112016 http://www.maan-ctr.org

20. أبو عليوي، حسن : الشعر الشعبي الفلسطيني ( الموسوعة الفلسطينية). ط1، مكتبة المهتدين، بيروت، 1997، ج 4، ص98.

21. انظر : البرغوثي، عبد اللطيف : الأغاني العربية الشعبية في فلسطين والأردن .ص33.

22. صبحي، ماجدة : أغاني مواسم الحصاد والزراعة . بوابة حيفا . http://www.haifagate.com 2892016

23. انظر : البرغوثي، عبد اللطيف : الأغاني العربية الشعبية في فلسطين والأردن .ص33.

24. انظر : أصناف الزيتون. مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا. http://info.wafa.ps

25. لسان العرب : مادة ملص.

26. لسان العرب : مادة لقط.

27. لسان العرب : مادة جدد.

28. لسان العرب: مادة درس.

29. أبو الهيجاء، سمير: طرزة فلسطينية .(شعر شعبي). ظ1، منشورات المركز الفلسطيني للثقافة والإعلام، فلسطين، جنين، 2014، ص45.

30. صبحي، ماجدة : أغاني مواسم الحصاد والزراعة . بوابة حيفا . http://www.haifagate.com 2892016

مراجع الدراسة

- البرغوثي، عبد اللطيف : الأغاني العربية الشعبية في فلسطين والأردن. بيرزيت : مكتب الوثائق والابحاث، 1979.

- الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني الواسطي(ت 1205 هـ 1790 م): تاج العروس شرح القاموس. منشورات مكتبة الحياة، بيروت، 1306 هـ

- صبحي، ماجدة: أغاني مواسم الحصاد والزراعة . بوابة حيفا . http://www.haifagate.com 2892016

- صلاح، شيماء: تعريف الأغنية الشعبية وخصائصها. مجلة الموسيقى العربية (مجلة ثقافية موسيقية تصدر عن المجمع العربي للموسيقى، جامعة الدول العربيةhttp://arabmusicmagazine.com

- عبد اللطيف: الأغاني العربية الشعبية في فلسطين والأردن . ط1، مطبعة الشرق العربية، فلسطين، القدس، 1979.

- علوش، موسى : الأغاني الشعبية الفلسطينية .ط2، دار علوش للنشر، بيرزيت، فلسطين، 2001.

- أبو عليوي، حسن : الشعر الشعبي الفلسطيني ( الموسوعة الفلسطينية). ط1، مكتبة المهتدين، بيروت، 1997.

- العمد، هاني صبحي: أغانينا الشعبية . وزارة الثقافة الأردنية، 2009

- قانصو، أكرم: التصوير الشعبي العربي. عالم المعرفة، 1995، ص50

- كناعنة، شريف : دراسات في الثقافة والتراث والهوية . المؤسسة الفلسطينية لدراسة التراث (مواطن )، رام الله، فلسطين، 2011

- كناعنة، شريف وآخرون : المأثورات الشعبية . منشورات جامعة القدس المفتوحة، ط1، 1996

- كناعنة، شريف : من نسي قديمه تاه – دراسات في التراث الشعبي والهوية الفلسطينية. ط1، مؤسسة الأسوار، عكا، فلسطين، 2001

- المراغي، عبير داود . تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الهوية الوطنية الفلسطينية – التراث الشعبي أنموذجا – رسالة ماجستير، إشراف : مسعود الربضي، جامعة الشرق الأوسط، 2013.

- مصطفى، نادية : شجرة الزيتون في القلب والوجدان الفلسطيني. مجلة آفاق البيئة والتنمية .(مجلة إلكترونية)، ع89، 1112016 http://www.maan-ctr.org

- أبو منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: ت (711هـ، 1311م)، 15 م، لسان العرب. دار الفكر، بيروت، ط6، 1997.

- أبو الهيجاء، سمير: طرزة فلسطينية .(شعر شعبي). ظ1، منشورات المركز الفلسطيني للثقافة والإعلام، فلسطين، جنين ،2014

الصور

- الصور من الكاتب

أعداد المجلة