فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
47

العمارة والإنسان في صعيد مصر (بحث ميداني)

العدد 47 - ثقافة مادية
العمارة والإنسان في صعيد مصر  (بحث ميداني)
كاتب من مصر

العمارة في صعيد مصر لا تطلق فقط على المساكن، لكنها تعني العَمَار، وهو وجود أهل المنزل في منزلهم، مما يُضفي عليه الروح ويجعله كائنا حيا يستأنس به أصحاب المنزل وأحبابهم، كما أن البيت لا يُطلق فقط على المسكن، ولكنه يعني عندهم العائلة أو القبيلة الكبيرة فيقولون (بيت عطية - بيت الجيلاني...)، كما أن البيوت عندهم مقدسة كقدسية المرأة، فلا يدخلها أحد بدون استئذان فيقولون (البيوت لها حُرمَة)، لذلك كان للبيت قيمة وأهمية كبيرة عندهم.

وعرف المصريون المنازل منذ عصور ما قبل الميلاد، وما تبقى من منازل الفراعنة ومعابدهم شاهد على ذلك، حيث أن المجتمع المصري عرف الاستقرار من آلاف السنين بسبب وجود النيل والعمل بالزراعة، فبنى المصريون القدماء منازلهم من الطين اللبن.

«أما مبانيهم الدنيوية فكانت تقام وسط المزارع من اللبن، فلذلك كان اختفاؤها محتما، لعدم صلابة المادة التي تبنى منها أولا، ولتعاقب المدنيات ثانيا، وكان ظهور أول مميزات واضحة في فن المعمار المصري، في خلال الأسرتين الأولى والثانية، انتشار استعمال اللبن في إقامة الجدران وصنع الأبواب وصنع الأبواب والعمد والسقف من الخشب، وهما المادتان اللتان كانتا في متناول المصري في ذلك العصر، ولا غرابة في ذلك؛ فطمي النيل الذي كان يخلط ببعض مواد أخرى وخاصة التبن كان صالحا لعمل قوالب من اللبن صلبة، قاومت لعدة آلاف من السنين. يضاف إلى ذلك أن طبيعة البناء باللبن في جو حار كجو البلاد المصرية لا يمتص الحرارة بسهولة كالأحجار الصلبة»1.

ثم تغيّرت أنماط بناء المنازل ومكونات البناء وخاماته في الفتح الإسلامي لمصر وفي عهد الدولة الفاطمية والمملوكية والعثمانية وتأثر بثقافة الوافد سواء العربي أو الأجنبي أثناء الاحتلال الفرنسي والبريطاني لمصر، وربما تأثرت المدن الحضرية أكثر بهذا التغير لأنها كانت محط الرحال لتلك العهود، غير أن صعيد مصر البعيد كثيرًا عن تلك المدن ظلّ على حاله لفترات كبيرة، وصمد أمام تلك التغيرات وظلَّت منازله التقليدية بكرًا وامتدادا لطرق البناء وخاماته في مصر القديمة وحتى وقت قريب، حتى طالها التغير في السنوات الأخيرة، بفعل وصول التحضر لكل بقاع مصر.

وأهم ما يميز العمارة التقليدية في صعيد مصر هو استخدامها لمواد خام من البيئة الزراعية، وكذلك بساطة المنازل وعدم وجود تفاصيل كثيرة كعمارة المدن، لأن الصعيدي لا يريد من المنزل سوى أن يكون مكانا للنوم والحماية من الشمس والمطر واستقبال ضيوفه، ومكان لتخزين حبوبه وماشيته وطيوره.

ولم تتأثر العمارة التقليدية في صعيد مصر بالفروق الطبقية آنذاك، حيث أن معظم أفراد المجتمع كانوا طبقة واحدة تقريبًا فيما عدا بعض الأفراد في كل قرية ويعدون على أصابع اليدّ الواحدة الذين تميزت منازلهم عن باقي منازل أفراد المجتمع الفقراء. والبحث الذي بين أيديكم هو بحث ميداني تمَّ جمع مادته باستخدام أدوات العمل الميداني مثل (الكاميرا والتسجيل والمقابلات الميدانية ودليل العمل الميداني) كما اعتمد البحث المنهج الوصفي في دراسة الموضوع، وتم جمع مادته الميدانية أعوام«2009 - 2010 - 2012 – 2013 – 2015 - 2017»، من إحدى قرى مركز البداري – محافظة أسيوط.

منطقة البحث

- (قرية نزلة القنطرة – مركز البداري – محافظة أسيوط – مصر)

- مركز البداري:

- يقع مركز البداري شرق النيل جنوب محافظة أسيوط على الحدود مع مركز ساقلته التابع لمحافظة سوهاج جنوبًا ومركز ساحل سليم التابع لمحافظة أسيوط شمالًا.

- يضم مركز البداري سبع وحدات محلية، ويُعد البداري من أكبر البلدان تصديرًا للرمان.

وكان البداري مركزًا لحضارتين من أقدم حضارات البشر، وهما حضارة دير تاسا (حوالي سنة 4800 ق.م.) وحضارة البداري (حوالي سنة 4500 ق.م.)، وتعتبر حضارتها من أغني حضارات مصر الخالدة في العصر الحجري؛ حيث تشمل بعض النواحي الهامة كالزراعة والزينة والأثاث، وتعتبر النقلة الأولى لحضارتّي نقادة الأولى ونقادة الثانية، وتضاهي حضارتي بابل وآشور بالعراق، وهي أهم حضارات عصر ما قبل التاريخ لحضارة الفراعنة والتي سبقت غيرها في مناحٍ عديدة هامة مثل2:

الزراعة والفخار والزينة والمقابر، وتوجد بها منطقة أثرية في بطن الجبل الشرقي المواجه لقرية (الهماميّة)، وهي عبارة عن مقابر أثرية بها تماثيل حجرية، ووجد في المنطقة المقابلة لقرية الهماميّة منطقة أثرية بها مومياء في أمعائها بقايا شعير غير مهضوم، مما يدل على أنها من أولى البلدان التي عرفت الزراعة في تاريخ مصر.

والمساكن قديما كانت تقع بالغرب من مقابرهم ولم يعثر على مساكن ظاهرة – والأثاث بسيط شمل أغطية ووسائد جلد وإن كان يرى البعض أنها كانت أكواخا بيضاوية من مواد نباتية ضعيفة ولعله السبب فى اختفاء هذه المساكن.

قرية البحث (نزلة القنطرة) 3.

وقرية (نزلة القنطرة) من قرى مركز البداري، وتتبع الوحدة المحلية لقرية العقال القبلي وتتكون من:

1) الجزيرة (منطقة الصيد والزراعة):

يقع الجزء الغربي من القرية على ضفاف النيل، ويمتلكُ جزءٌ من أهلها مساحة من الأراضي في جزيرة وسط النيل؛ تقع في الجانب الغربي من القرية، تُسمى أيضًا (الجزيرة)، ويزرعون فيها القمح والبرسيم وبعض الخضراوات في موسم الشتاء، وفي نهاية الموسم عندما يقترب فصل الشتاء تغمر المياه الجزيرة، فلا يظهر منها أي شيء، ويقوم الأهالي بحصاد القمح بالكاد لأن المياه ترتفع في كل يوم؛ ويقومون بنقل القمح في مراكب صغيرة تُسمى (الفلوكة)، أو في مركب كبير يُسمى (الصندل)، وينقلونه للجهة الشرقية فوق الضفة؛ لتتم عملية (الدَرس)، وهي فصل التبن عن حبات القمح.

ويطلق على السكان القريبين من النهر اسم (الجوازرية)، أي الذين يملكون أرض الجزيرة ويعملون بحرفة صيد السمك.

ونادرًا ما تُبنى المنازل في الجزيرة بسبب فيضان النهر الذي يأتي في الصيف فيدمر كل شيء، وأحيانا تبنى بيوت الخوص (الذرة الرفيعة) التي يسهل إقامة غيرها بعد إنحسار مياه الفيضان.

2) البلد (منطقة الزراعة والإقامة):

وعلى مسافة كيلو متر من ضفاف النيل تقع القرية الأمّ، ويسمونها (البلد)، وبها غالبية منازل القرية، والمبنية من الطين اللبِن، باستثناء بعض المنازل المبنية من الطوب الأخضر (اللبن) وأحيانًا الحُمرة، وبعض المنازل المبنية من الخوص (أعواد الذرة الرفيعة) والمنتشرة في الزراعات.

ويحدُّ القرية من الشرق (ترعة)، وإلى الشرق من الترعة تمتد الأراضي الزراعية، لمسافة كبيرة.

ويعمل جميع أهل القرية بالزراعة وتربية الماشية، وفي أثناء النهار يقوم الفلاحون برعاية الأرض، إما بالحرث أو الري أو زرع واقتلاع المحاصيل أو جزّ الحشائش للماشية حسب المحصول وموسم الزراعة، ويرتبط (الجوازرية) بأهل البلد بروابط النسب، ومن أهل البلد من له أراضٍ زراعية في الجزيرة والعكس أيضًا، وذلك لأن المكانين متجاوران.

3) الشيخ عيسى (منطقة المقابر):

وتقع في الشرق من قرية البحث، أسفل الجبل الشرقى، وتبعد حوالى ثلاثة كيلو مترات من القرية، نذهب إليها سيرًا على الأقدام. وتُعد هذه المنطقة مكانًا لدفن موتى قريتنا وجميع القرى المجاورة، وتتميز بارتفاعها عن سطح الأرض، كونها متاخمة للجبل، وبها المقابر، والتي تسمى عندنا (التُرَب- الفَسقيَّة)؛ وهي مبنية من الطوب اللبِن، وعبارة عن غرفة أسفل الأرض، وبها (طاقة) يُدْخِلون منها الميت ويغلقون عليه بالطوب اللبِن؛ ثم يردمونها بالرمال.

ويعد هذا المكان من أكثر الأماكن التي يرتبط بها أهل القرية، ففيه يرقد جميع أقاربهم من الأجداد والآباء والإخوة والأبناء الذين انتقلوا إلى العالم الآخر.

أشكال المنازل في منطقة البحث ومكوناتها

أراضي الصعيد (وادي النيل) أراضٍ طينية، يمكن البناء عليها بدون أساس خرساني قوي، لأنها تحتمل الأثقال والأبنية المرتفعة ولا يحدث بها انهيارات كما في الأراضي الرملية.

وغالبية المنازل في صعيد مصر كانت تُبنى في الأراضي الزراعية، ولكن يختلف المنزل حسب الحالة المادية لأصحابه، ويختلف اتساعه حسب احتياجاتهم.

منازل البوص (السَبَاتَه)

1) أساس المنزل:

هذا النوع من المنازل لا يحتاج إلى أساس، فقط كان المزارع يقوم بشقِّ قناة على هيئة مربع أو مستطيل حسب مساحة المنزل بعمق متر تقريبًا، ليضع بها الجزء السفلي من (السَبَاتَه)، ثُمَّ يقوم بردمها بالحجارة والتراب، لتثبيتها ثُمَّ يقوم برشّها بالمياه زيادةً في متانتها.

2) خامات المنزل:

تتكون منازل البوص من مكونات الزراعة والبيئة في الصعيد، وهي أعواد الذرة الرفيعة الجافة، وأحيانًا أعواد نبات (الغاب) وحبال من ليف النخيل وجذوع النخيل وأخشاب السنط والطين.

3) طريقة إعداد الخامات المستعملة في بناء المنزل:

جدار منازل البوص يسمى (سَبَاته)، وهي عبارة عن أعواد الذرة الرفيعة الجافة، يتمّ جمعها في الحقل، ثُمَّ يقوم المزارع بإحضار ليف النخيل، ويقوم بتضفير تلك الحبال في شكل دائري حتى تصبح قطعة واحدة حسب الطول الذي يريده، ويحرص على أن يكون سُمْكُها رفيعًا، ويصنع منها مئات الأمتار، وبعد تمام صنع حبال الليف يقوم بوضع تلك الحبال على الأرض بشكل طولي، ويقسّمها ثلاثة حبال متوازية، ويثبت كل واحد منها بعصا في بداية الحبل وعصا في نهايته، ويكون كل حبل من الثلاثة بطول خمسة عشر مترًا، يقوم بشدّ خمسة أمتار منها على الأرض، والباقي يقوم بطيّه ليصبح مثل الكرة أو اللفة في بداية الحبل، وتكون المسافة بين كل حبل من الثلاثة حوالي متر تقريبًا.

ثم يقوم بعد ذلك بوضع أعواد الذرة الرفيعة فوق الحبال الثلاثة بشكل عرضي، بحيث يُشكل الحبل وأعواد البوص شكلاً متقاطع (الطول والعرض) أو رأسي وأفقي.

بعد ذلك يجلس ثلاثة أفراد؛ كل واحد منهم في مقدمة حبل من الحبال، ويجذبون أعواد البوص في وقت واحد، وكل حزمة بها حوالي خمسة أعواد من بوص الذرة الرفيعة، ثم يقومون بربط تلك الحزمة بالحبل الذي تمّ طيّه قبل ذلك عن طريق ربط الحبل الأعلى بحزمة البوص بالحبل السفلي، وبعد ذلك يجذبون حزمة أخرى ويكررون هذا الفعل في وقت واحد حتى تنتهي أعواد البوص ويتمّ تضفير (السَبَاته) بطول خمسة أمتار تقريبًا، ويحرصون على ترك جزء من الحبال في نهاية (السَبَاته) بطول متر تقريبًا، لأنه سيستعمل بعد ذلك في مهمة أخرى.

ثم يقومون بتضفير أعداد أخرى من (السَباته) على حسب طول المنزل المراد بناؤه، وبعد تمام تجهيز جدران المنزل (السَباته) يتم وضعها جانبا.

ثم يقومون بتجهيز (سَباته) أخرى بغرض سقف المنزل بها بعد بنائه حسب المساحة المربعة للمنزل (الطول في العرض)، ثُمَّ يتم وضعها جانبًا.

وبعد ذلك؛ يحضرون أجزاء النخيل التي تمَّ شقها إلى أربعة أجزاء بشكل طولي لاستعمالها كدعائم للمنزل، ويحضرون أيضًا بعد فروع الأشجار (السنط).

4) طريقة بناء المنزل (السباته):

- جدران المنزل من الخارج والداخل:

بعد تمام تجهيز الخامات المستعملة في البناء، يبدأ العمل في البناء، فيقومون بحفر حفرة كبيرة وتثبيت جذع النخلة بشكل رأسي في كل طرف من أطراف المنزل الأربعة، وأحيانًا يضعون جذعاً بين كل طرف وطرف حسب طول ضلع المنزل، وبعد ذلك يقومون برفع (سباته) إلى جانب الجذع الأول ويضعونها في القناة المحفورة بالأرض، ويربطون الحبال الثلاثة المتبقية في طرف (السباته) في جذعا النخلة لتثبيتها، وبعد ذلك يقومون بوضع الأحجار والتراب حول (السباته) لتثبيتها في الأرض جيدًا بحيث تقف مثل الجدار، وبعد ذلك يحضرون (سباته) أخرى إلى جانب (السباته) التي سبق تثبيتها في الأرض ويضعونها في القناة المحفورة، ويقومون بربط الحبال الثلاثة المتبقية من السباته الثانية في طرف السباته الأولى المثبتة، ويتم تكرار ذلك حتى يكتمل بناء جدران المنزل من الخارج، وبعد ذلك يتم تقسيم المنزل من الداخل حسب الحاجة (غرفة للنوم وثانية لجلوس أفراد الأسرة وثالثة لجلوس الضيوف ورابعة للطيور والماشية)، ويتمّ تثبيت جدران (السباته) من الداخل كما حدث في الخارج تمامًا، وبعد تمام تثبيت جميع جدران المنزل؛ يتمّ وضع الطين المخلوط بتبن القمح فوق الجدار حتى لا تدخل الحشرات والحيوانات للمنزل أو يصبح عرضة للمارة يرون ما بداخل المنزل، وللحفاظ على جدران المنزل من التلف لفترات طويلة.

- سقف المنزل:

وبعد الانتهاء من تثبيت جدران المنزل من الخارج والتقسيم الداخلي له، يتم تثبيت سقف المنزل، عن طريق وضع أخشاب السنط من أعلى بين كل جذع نخلة وآخر وربطها جيدًا، ثُمَّ بعد ذلك يتم حمل (سباته) ووضعها فوق تلك الأخشاب وربطها بالحبال في الأخشاب جيدًا حتى لا تؤثر الرياح فيها لتُكوّن سقف المنزل، ولوجود مسافات بين حزم أعواد الذرة تنفذ منها أشعة الشمس، يقومون بوضع الطين المخلوط بتبن القمح فوق السباته من أعلى لمنع تسرب المطر أو أشعة الشمس لداخل المنزل.

- أبواب المنزل:

الأبواب الداخلية: يحرص صاحب المنزل أن تكون الأبواب الداخلية للغرف خفيفة، حتى لا تؤثر على جدران المنزل الضعيفة، فيتمّ صنع الأبواب الداخلية من أعواد الذرة الرفيعة أيضًا، ويتم تثبيتها في جدار الغرفة بأعواد من جريد النخل.

الباب الخارجي: يحرص صاحب المنزل أن يكون الباب الرئيسي للمنزل قويا إلى حد ما، فيقوم بعمل دعائم له من جذوع النخل من اليمين واليسار والجزء العلوي ويكون ارتفاعه مترين ونصف المتر تقريبًا، ثُمّ يقوم بتصنيع جسم الباب من أعواد جريد النخل المثبتة في أخشاب السنط، ويتمّ تثبيت أعواد جريد النخل في أخشاب السنط عن طريق (مسمار) أو عن طريق حبال الليف، ويتم عمل قفل لغلق الباب من خشب السنط يغلق داخل فتحة في جذع النخلة المثبت على يسار جسم الباب، ويحرصون على أن تكون فتحة الباب الرئيسي كبيرة لتسمح بدخول الماشية التي يربونها للحوش الداخلي للمنزل.

5) مكونات المنزل من الداخل:

- أدوات إعداد الطعام والخبز:

بعد الانتهاء من بناء جسم المنزل (السباته) تبدأ ربة المنزل في تجهيز الأدوات التي تحتاجها أثناء الحياة اليومية مثل:

الفرن البلدي: والفرن بناء مهمته إعداد الخبز، ويُبنى في الجزء الخلفي للمنزل، والمكان الذي يُبنى به الفرن لا يكون مسقوفًا حتى يسمح بتطاير دخان الفرن لأعلى تلافيًا دخوله المنزل.

فتقوم بعمل بلاطة الفرن من طين يأتي خصيصًا لذلك الغرض من حافة النهر، يتم خلطه بالتبن والحُمرة جيدًا، وتُبنى البلاطة على هيئة دائرة قطرها متر ونصف المتر تقريبًا، وتوجد بها فتحة على إحدى جوانبها بقطر ثلاثين سنتيمتر تسمح بخروج النار واللهب من أسفل إلى أعلى، حتى تساعد على تسخين البلاطة، وبعد تمام جفاف البلاطة تقوم ببناء دائرة من الجدران بقطر متر ونصف المتر تقريبًا، ترتفع حتى نصف المتر من الطين والأحجار، وبعد ذلك تقوم بتثبيت (بلاطة الفرن) أعلى تلك الدائرة، ثم بعد ذلك تكمل بناء الجدران الدائرية أعلى البلاطة على شكل قُبة، وتقوم بعمل فتحة أسفل البلاطة لوضع القشّ بها لتسخين الفرن، وتقوم بعمل فتحة بجانب قُبة الفرن على ارتفاع متر وأخرى أعلى قُبة الفرن لتسمح بخروج الدخان لأعلى وللتهوية.

وتظهر معتقدات الجماعة حول السحر والحسد في بناء الفرن، فمعظم الأفران البلدي بمنطقة البحث ترسم النساء عليها كف اليدّ (خمسة وخميسة) لمنع العين والحسد من وجهة نظرهم.

ثم بعد ذلك تقوم بعمل دوائر من الطين المخلوط بالتبن بأعداد كبيرة بقطر خمسة عشر سنتيمتر تقريبًا، تُسمى (مقارص)، وذلك لوضع أرغفة الخبز فوقها، وتركه تحت أشعة الشمس أثناء عملية (الخبز) تجهيز العيش الشمسي قبل وضعه بالفرن لإكمال نضجه بالنار.

الكانون أو التنور: وهو أداة تستخدم في تجهيز الطعام والشاي. وتحرص ربة المنزل على بناء الكانون أو التنور بجانب الفرن، وهو عبارة عن جدران من الطين المخلوط بالتبن على شكل مربع بارتفاع حوالي نصف المتر، وتترك به فتحة من الأمام لوضع القشّ والأخشاب أثناء إعداد الطعام، ويكون بناؤه من الأحجار أو الطوب فقط.

وفي أحد أركان المنزل يتمّ وضع (زير أو بُرمَة) من الفخار لتبريد المياه التي يحضرونها من النيل أثناء فصل الصيف، ويتمّ تثبيته فوق ثلاثة أحجار، إضافة لقلة من الفخار لتناول الماء بها، و(بَلَّاص) لجلب المياه من النهر ووضعها في الزير، كما تستخدم البلاص أيضًا لتخزين (الجبن بالمِش) لفترات طويلة، وأيضًا (ماجور) من الفخار لتخزين اللبن تمهيدًا لاستخراج الزبد منه، و(بِرام) من الفخار لتجهيز طعام معين يسمى (المَرَق)، ومكوناته البصل والطماطم والسمن البلدي واللحم، و(مِقلايَة) من الفخار تشبه الطبق لتقديم طعام (المَرَق)، إضافة (لمُفراك) من جريد النخل طوله حوالي ثلاثين سنتيمتر لتجهيز طعام (الملوخية والبامية).

ويكون بداخل المنزل أدوات أخرى مثل (الطبلية)، وهي عبارة عن دائرة من الخشب مرفوعة على أربعة أرجل من الخشب بارتفاع ربع المتر تقريبًا، يوضع عليها الطعام أثناء الوجبات المختلفة ويجتمع أفراد الأسرة حولها، إضافة إلى (كَنكَة) من النحاس لتجهيز الشاي على الكانون، و(مِحساس) من الحديد عبارة عن حديدة بطول المتر ونصف المتر لتقليب النار داخل الفرن، ولسحب أرغفة الخبز من البلاطة بعد نضجها، و(صَبَّابّة) عبارة عن يدّ من جريد النخل طولها المتر ونصف المتر تقريبًا، وفي نهايتها توجد دائرة من معدن (الصفيح) على هيئة كوب لوضع (صَبّ)عجين العيش (البتاو) بها فوق البلاطة، و(فَوَّادَة) وهي عبارة عن عصا من جريد النخل طولها المتر ونصف المتر تقريبًا، وفي نهايتها تثبت قطعة قماش، وذلك لتنظيف بلاطة الفرن بها قبل وبعد وضع الخبز عليها، وتوجد (النِشَّابَة) وهي عبارة عن عصا من الخشب طولها حوالي المتر تقريبًا، وتستخدم في عمل الفطير، إضافة إلى (طبق) مصنوع من جريد النخل بقطر حوالي المتر تقريبًا، لوضع الخبز فوقه بعد إخراجه من الفرن لتبريده.

وتقوم ربة المنزل بصنع بعض الأدوات الأخرى من الطين مثل (المَخوَل) وهو عبارة عن دائرة من جدران الطين المخلوط بالتبن بارتفاع نصف المتر تقريبًا، مغلقة من أسفل ومفتوحة من أعلى، يتم وضع التبن والعلف به لتتناوله الماشية ومكانه حوش الماشية.

وأيضا (الصَومَعَة) وهي عبارة عن جدران من الطين المخلوط بالتبن على هيئة قبة ترتفع حوالي ثلاثة أمتار، وبها فتحة على أحد جوانبها من أعلى وأخرى على أحد جوانبها من أسفل، وتستخدم في تخزين الحبوب والفتحة العلوية يتم وضع الحبوب من خلالها، والفتحة السفلية يتم إخراج الحبوب منها أثناء الحاجة، ويتم إغلاقها بحجر أو طوبة من الطين أو مقرصة من الطين حسب قطر فتحة الصومعة.

ويوجد (تشت - طشت) وهو عبارة عن إناء مصنوع من الألومنيوم على شكل دائرة قطرها المتر تقريبًا، يستخدم في غسل الملابس، ولنشر الملابس تقوم بتثبيت حبال الليف في جذوع الأشجار على ارتفاع مترين تقريبًا أمام الجزء المكشوف من المنزل ليسمح بتجفيف الملابس.

- أدوات إضاءة المنزل:

في تلك المنازل التقليدية لم يكن هناك مصدر للكهرباء وقتها، وكانوا يستخدمون أدوات تقليدية للإضاءة ومنها:

- لمبة (عَويل أو صاروخ أو شريط): وهي عبارة عن كوب من الصفيح به فتحة صغيرة من أعلى، يتم وضع شريط من القماش بداخله ويظهر طرف منه أعلى الكوب ويتم تثبيت الشريط بقطعة من الطين حتى لا يسقط داخل الكوب، ويتم وضع (السولار) داخل الكوب الصفيح، وأثناء الليل يتمّ إشعال الشريط ليظل مضاءً طوال الليل، وعندما يحترق جزء الشريط يتمّ رفعه لأعلى مرة أخرى حتى ينتهي، ثم تقوم ربة المنزل بتغييره بآخر جديد، ويمكن تصنيع لمبة (العويل) داخل المنزل بأدوات بسيطة.

لمبة (بَنّورَة): وهي عبارة عن لمبة يتمّ بيعها بالمحلات التجارية، وتتكون من كوب سفلي من الصفيح أو الزجاج، يخرج منه شريط من القطن أو الكتان ويتم وضع السولار داخله وإشعال الشريط، ومن أعلى يتم تثبيت (بنورة) من الزجاج الشفاف فوق الشريط، لتضيء المنزل ليلاً، واللمبة البنورة أكثر إضاءة من اللمبة العويل وأقل تلويثًا، إذ تخرج اللمبة العويل كمية كبيرة من الدخان تسمى (صَماد) تتسبب في جعل الجدران سوداء.

- أدوات الجلوس والنوم:

المصطَبة: وهي عبارة عن مكان مُعد لجلوس أهل المنزل والضيوف وأحيانًا للنوم، وهي عبارة عن مستطيل على ارتفاع نصف المتر من الأرض، وعرضها حوالي المتر، ويتمّ بناء جدرانها من الطين، ومن الداخل يتمّ وضع التراب بها، ومن أعلى يتمّ وضع الطين المخلوط بالتبن لتسويتها، ويتمّ الجلوس والنوم فوقها بعد جفافها، وتكون المصطبة ملتصقة بجدار المنزل حتى يتكيء الجالس على الجدار خلفه، ويتم بناء العديد من المصاطب للنوم والجلوس حسب الحاجة.

حصير الحَلْف: وهي عبارة عن فراش يوضع على الأرض أو المصطبة للجلوس أو النوم عليها، وتصنع من نباتات تنمو على حافة الترع والمصارف تسمى (الحَلْف)، ويوجد حرفي متخصص في صناعتها، فيقوم بتجفيف نبات الحلف وأحيانًا الغاب الذي ينمو داخل النيل، ثم يقوم بتضفيره بحبال صغيرة جدًا من الليف، وأحيانًا يتم تضفيره من (الحَلْف) نفسه وذلك بتمرير (الحَلْف) بعضه ببعض بشكل طولي وعرضي.

- أدوات الزراعة:

لم يكن يخلو منزل من منازل الصعيد وقتها من أدوات العمل الزراعي، ومنها (الفأس أو التُوريَّة) والتي تستخدم في تقليب الأرض، و(تُوريَّة الشَك أو المَنقَرة) لعمل نقر صغيرة في الخطوط ووضع الحبوب بها، و(مَشرَط أو مَحَش أو مَنجَل) ويستخدم في حصاد القمح وقطع الحشائش، و(شُجرُف) لتنظيف الحشائش الضارة حول النباتات، و(مَزبَلَة) مصنوعة من الليف لنقل السماد العضوي (السِباخ) من حوش الماشية إلى الحقول، و(بَرذعَة) مصنوعة من الليف والقشّ والقماش على هيئة كرسي توضع على الدابة (الحمار) لركوب الرجال فوقها، و(النورج) وهو الأداة التقليدية المستخدمة قديمًا في فصل التبن عن حبوب القمح.

منازل الطين

كان لوجود النهر في مصر أثر كبير على تنوع المواد الخام المستخدمة في العمارة المصرية، ومن أهمها الطين الذي ظل ميراث البنَّاء المصري منذ فجر التاريخ وحتى أوقات قريبة.

(وقد جلب النيل إلى مصر على مدى آلاف السنين طبقة سميكة من الطمي. صنع منها المصريون منذ أواخر ما قبل الأسرات اللبن، وذلك بخلطه برمل أو تبن أو مادة أخرى ليقوى تماسكه، وحتى لا يتقلص ويتشقق ويفسد شكله عندما يجف، وكان يعجن بالماء حتى يصير ازجا، ومن ثم كانت تملأ به قوالب صغيرة مستطيلة من خشب، تترك في الشمس حتى يجف ما بها)4.

وقد ورث أهل الصعيد تلك الخامات وتلك الطريقة في البناء، فاستخدموا الطين اللبن في البناء بدون تشكيل (جالوص الطين) ثم بعد ذلك ظهرت فكرة تشكيله في قوالب من الخشب، ثم بعد ذلك ظهر حرق الطين في أفران تقليدية (القمير) ولكن منازل الطين اللبن كانت هى الأكثر شيوعا في منطقة البحث نتيجة للأحوال الاقتصادية الضعيفة لسكان منطقة البحث.

ولا تختلف منازل الطين في كثيرٍ من حيث الشكل والتقسيم الداخلي والمكونات الداخلية عن منازل البوص (السَبَاتَه)، إلا أن منازل الطين تُبنى من الطين اللبِن وأحيانًا الطوب، وتكون تكلفتها أعلى من المنزل البوص (السَبَاتَه)، ولا يقدر على بنائه جميع الفقراء، وتكون جدرانها قوية تحتمل المكوث لسنوات أطول بكثير من المنزل (السَباتَه)، وأيضًا تسمح ببناء دور علوي واحد فوقها، حيث أن سقف المنزل يتكون من العديد من جذوع النخل، ويتمّ وضع جريد النخل فوقها ثُمَّ تُسد الفراغات بينها بالطين المخلوط بالتبن، وأيضًا يتم عمل سلم للصعود أعلى المنزل وهو عبارة عن جذوع نخل مثبت بها قطع خشب صغيرة على هيئة درجات السلم، ثُمَّ يتم بناء الطين حولها لتصبح متينة وآمنة، وتتميز منازل القرية الطينية باتساعها فتتكون من غرف كبيرة لوضع أثاث المنزل وخزين البيت، وأحيانًا توجد غرفة أعلى المنزل تُسمى «الرواق» وتستخدم كغرفة للمعيشة، وتوجد غرفة كبيرة في الدور الأرضي لوضع (التِبن) الذى تأكله الماشية وتسمى (الشونَة)، ومكان كبير خلف المنزل لوضع (المواشى الكبيرة والماعز) ويسمى (الحوش) ويوجد داخل جدران الحوش فتحات صغيرة من الطين تسمى (البَنَاني – البِنيَّة) وهي بيت خاص بالحمام الذي يُربَّى داخل المنزل، كما توجد (عِشَّة) من الخوص لتربية الطيور وتوجد داخل (العِشَّة أو الحظيرة أو المَراح) أبنية صغيرة من الطين على الأرض تسمى (قُن) وهي مخصصة لتربية الدواجن والبط والأوز، وتضع بَيْضَهُا فيها، كما يوجد بناء من الطين صغير على الأرض مخصص لتربية ومبيت وتكاثر الأرانب يسمى (قُطرَة)، غير أن الأرانب لا تكتفي بالبناء الذي فوق الأرض؛ وتقوم بحفر أنفاق أسفل (القُطرَة) لتلد بها وتتكاثر.

وفي بعض المنازل الكبيرة يقومون ببناء برج من الطين بجانب المنزل وبه فتحات كثيرة (بناني) وهو مخصص لتربية الحمام (برج الحمام).

وبجانب حوش الماشية يوجد مكان به الفرن البلدى و(الكانون) يقومون بتسخين الماء عليه بإناء من النحاس يسمى (القِدر). ويحوى البيت معظم عناصر التراث الشعبى المادية ومنها (زير وبُرمَة وقُلَّة) لتخزين الماء وتناوله، وهي أدوات مصنوعة من الفخار، (بَلَّاص) لجلب الماء من النيل إلى المنزل ووضعها في الزير، (بِرام ومِقلايَة) لطهي الطعام وتناوله، وحصير من الحَلف للجلوس والنوم عليها، كما يوجد (حِرام) مصنوع من القطن أو الصوف ويستخدم كغطاء في الشتاء، وفي بداية المنزل توجد غرفة كبيرة مستطيلة تسمى (المَجاز أو المندرة) وبها مصاطب من الطين وأحيانا دكك خشبية أو جريد. وهي مُعَدّة لاستقبال الضيوف وأحيانًا لجلوس أفراد الأسرة لسماع الراديو أو تناول الطعام والشاى وتبادل الحديث، و(الرَهَبَة) وهي مكان متسع أمام المنزل ويقع وسط منازل العائلة؛ وهي مخصصة لجلوس أفراد العائلة من المنازل المختلفة، وأحيانًا يبنون فوق المنزل (صَومَعَة) كبيرة لوضع الغلال مصنوعة من الطين أيضًا، ويستخدمها أصحاب المساحات الزراعية الكبيرة، والبعض منها له سلم لوضع الغلال من أعلى وفتحة لجلب الغلال من أسفل.

كما يتم بناء مكان لتخزين الأشياء الهامة في المنزل ويسمى (الطاقَة)، ويتم حفرها داخل جدار المنزل من الداخل، ويتمّ عمل باب خاص بها يغلق بقفل يكون مع صاحب المنزل أو ربة المنزل، وتوضع بها الأوراق الهامة والأموال والذهب.

كما أن المنازل الطينية تسمح بوجود فتحات تهوية وإضاءة (شباك) في جدران المنازل من الخارج، كما أن البيوت الطينية أكثر أمانًا ولا تؤثر فيها الأمطار أو الشمس كما يحدث للبيوت البوص (السَبَاته) التي تهلك كل عام ويتمّ إستبدالها بأخرى، وأحيانًا تحترق نتيجة لنار الفرن أو الكانون.

وأمام بعض المنزل توجد أداة لرفع المياه من باطن الأرض تسمى (الطرنبة أو الحَضَّارَة) وهي عبارة عن ميكنة من (الحديد الزهر) تتصل من أسفل بمواسير من المعدن على أعماق كبيرة، يتم تشغيلها يدويًّا لإخراج الماء من باطن الأرض لأعلى.

ولا تخلو جدران المنازل الطينية من الداخل والخارج من وجود الأحجبة وأوراق فكّ السحر والحسد الملصقة بعجين الخبز، ورسومات معينة مثل كفة اليدّ والعين.

1) مصطلحات خاصة بالمنزل الطيني:

الطوف: ويطلق على الحائط التي تمّ بناؤها من الطين، وعملية بناء الحائط يسمونها (يطَوفوا) أي يضعون الطين بعضه فوق بعض.

جالوص الطين أو (جالوس) كما ينطقونه بمنطقة البحث: وهو عبارة عن كتلة كبيرة من الطين مثل قالب الطوب في شكلها، ويوجد بها منحنى من أسفل يسمح بتثبيتها فوق الحائط لزيادة ارتفاعه، وسُمِّىَ الجالوص لأنه يشبه في شكله الرجل الجالس على أقدامه ويديه، والجالوص هو ما يوضع على (الطوف).

التلييس: وهو عبارة عن وضع (طلاء) الطين الطري غير المتماسك على جوانب الحائط، وذلك لزيادة صلابتها وسدّ الفراغات بين (الجالوص) والآخر، ويقولون (يليسوا ) أي يضعون الطين المعجون بالتبن والذي تزداد به نسبة الماء (الماهي) حول الجدار (الطوف).

(وكانت الجدران من اللبن تطلى بطلاء من طين، وكان نوعين، نوع خشن يتكون من طمي الطين العادي، ونوع جيد يتكون من خليط طبيعي من طين دقيق الحبيبات)5.

المعجنة أو البربيط: وهو المكان المخصص لعجن الطين المستخدم في بناء جدران المنزل (الطوف)، ويتم وضع التراب وفوقه التبن ويصب الماء فوقهما، ويقوم الذي يعمل على البناء بخلط تلك المكونات بقدميه حتى تصبح متماسكة، ويقوم بقطع (الجالوص) منها ووضعه على (الطوف).

ومنازل الطين والبوص كانت الأكثر انتشارًا في مجتمع البحث في فترة ما قبل الثمانينيات من القرن الماضي، وبعد حدوث تغير ثقافي واقتصادي في منطقة البحث نتيجة لسفر أفراده إلى الخارج، بدأ ظهور نوع جديد من المنازل المبنية من الطوب الأحمر والخرسانة، وظهرت الأبواب الخشبية والحديدية، وتم توصيل المرافق مثل الكهرباء والمياه، وظهرت الأدوات المنزلية الحديثة مثل التليفزيون والثلاجة والغسالة والبوتاجاز، الأمر الذي جعل البعض يُغَيّر من نمط البناء كي يواكب التغير من حوله، غير أن البعض ظلّ على حاله في البيوت الطينية والبوص حتى الآن نتيجة لظروفهم الاقتصادية البسيطة، والتي لا تسمح لهم بمواكبة التطور، ويقولون أن بيوت الطين والخوص تساعد على تقليل الشعور بالحرارة في فصل الصيف لأنها من خامات البيئة بعكس البيوت الخرسانية التي تزيد من حرارة الجو.

2) قَمين الطوب الأحمر أو (قَمير) كما ينطقونه في منطقة البحث:

وعندما بدأ التغير في القرية تم استخدام الطوب الأحمر في البناء سواء باستخدام الطين أو الأسمنت، وكان أهالي القرية القادرون يحضرون حرفيين متخصصين في صناعة الطوب الأحمر، غير أن حرق الطوب اللبن كان عادة مصرية قديمة ورثها أبناء منطقة البحث من أجدادهم القدماء.

(ومع أن المصريين صنعوا اللبن منذ أواخر ما قبل الأسرات فإنهم لم يستخدموه محروقا إلا في العهد المتأخر)6.

وفي تلك العملية يقومون بتجهيز كميات كبيرة من التراب الذي يجلبونه من الأراضي الزراعية ويتم خلطه بالتبن، ويشكلون الطوب بشكل منتظم وموحد عن طريق صبّ الطين في قالب من الخشب، ثم يضعونه على الأرض ليجفَّ تحت أشعة الشمس، ثم بعد ذلك يقومون برصِّ الطوب الجاف بعضه فوق بعض على هيئة بناء مربع كبير يسمى (القمين) يسع حوالي عشرة ألاف طوبة، وبه فتحات من أسفل يضعون بها الكثير من أخشاب الأشجار ويرشون فوقها (المازوت)، ويشعلون النار بها، ويظل (القمين) مشتعل لأسبوع كامل حتى يتحول الطوب الطيني إلى طوب أحمر بفعل حرقه بنار (القمين)، ثُمَّ بعد ذلك يقومون بفصل الطوب، ويتم بناء المنازل الحديثة به.

غير أن هذه التجربة كان لها أثر سيئ على الأراضي الزراعية في القرية، حيث أن صناعة الطوب تستلزم كميات كبيرة من التراب والتي كانوا يجلبونها من الأراضي الزراعية؛ مما أدى لتجريف التربة وتبوير مساحات كبيرة من الحقول، كما أدى استخدام الأخشاب الكثيرة في إشعال (القمين) إلى قطع الكثير من أشجار السنط والبرتقال، كما أن اشتعاله لفترات طويلة أدى لتلوث بيئة القرية وظهور أمراض الصدر والحساسية نتيجة للدخان المتصاعد منه بكميات كبيرة بفعل (المازوت)، فسنت الدولة القوانين لمعاقبة القائمين على ذلك وتغريمهم مبالغ كبيرة، مما أدى لتراجع تلك التجربة، وظهرت بعد ذلك مصانع في أطراف المدن والمناطق الصحراوية مخصصة لصناعة الطوب الأحمر، مما أدى لقيام أهل القرية بشراء الطوب بدلاً من التكلفة الكبيرة والجهد الذي يضيع في صناعة الطوب عن طريق (القمين) في القرية.

وبفعل التغير الثقافي والاقتصادي ظهرت المساكن الحديثة واختفت تلك المبنية من البوص والطوب اللبن، غير أن بعض الفقراء في بعض قرى الصعيد لا تزال بيوتهم من الطوب الأخضر (اللبن) مما ساعدنا في جمع مادة هذا البحث ورصد هذا النوع من العمارة قبل اختفاءه.

المعتقدات المتعلقة بالعمارة الشعبية.

الجماعة الشعبية في صعيد مصر لها معتقداتها الخاصة سواء المتعلقة بالأماكن أو الأشياء أو المخلوقات فوق الطبيعية مثل الجن والعفاريت والعين والحسد، لذلك يحرصون على وقاية أنفسهم وذويهم والأشياء الخاصة ببعض الممارسات التي يعتقدون أنها تبعد الشر والعين. ولأن البيوت هى أول ما تقع عليه عيون المارة وأهل القرية، فيبدأون بوقايتها أولا من تلك الشرور.

1) المعتقدات الشعبية المرتبطة بالمنازل:

-وقاية المنزل وقت البناء:

تبدأ معتقدات الجماعة فيما يخص العمارة الشعبية مبكرا عند البدء في بناء المنزل، ولأنهم يعتقدون أن الجن والعفاريت تسكن أسفل الأرض، فجميع الأراضي عندهم مسكونة بالأرواح والجن، وعند البدء في بناء المنزل يقومون برش الملح على أرضية المنزل وخاصة في الحفرة التي يوضع بها الجدار أو أساس المنزل. ووضع العيش والملح داخل حفرة أساس المنزل.

-وقاية المنزل أثناء بناء الجدران والأسقف:

وأثناء بناء الجدران يرشون الملح وسط الجدار ويستمرون في البناء، وخاصة في منازل الطين والطوب اللبن والطوب الأحمر والجيري، وأثناء سقف حجرات المنزل يضعون الملح والخبز أسفل طبقة الطين التي يسقف بها المنزل.

- وقاية المنزل ومحتوياته بعد البناء:

بعد الانتهاء من بناء المنزل، يقوم أصحاب المنزل بلصق أوراق أحجِبَة للتحصين يتم إعدادها عند رجل متخصص في كتابة الأحجبة، وتتوزع تلك الأوراق على جدران المنزل من الداخل ويتم لصقها بعجين الخبز، وهناك أوراق تلصق على الجدران للوقاية من الحشرات الضارة والحيوانات الزاحفة ومنها (العقارب والثعابين) غير أن المفردات المكتوبة في تلك الأوراق غير مفهومة وغير واضحة ولا يعرف معانيها إلا (عبد المُعِز) وهو رجل متخصص في عمل الأحجبة في منطقة البحث. ويعتقدون أن تلك الأوراق تمنع أي سحر أو عين أو شر عن المنزل وأهله، كما أنهم يقومون بعمل عرائس صغيرة وكفة يد من الطين ويلصقونها على واجهة المنزل، وأيضا على واجهة الأفران البلدي الطينية، ويعتقدون أنها تحصين ضد الحسد والعين.

وعقب ذبح الماشية والخراف والماعز في عيد الأضحى يقومون بتعليق قرون الأضحية على واجهة المنزل أعلى الباب الرئيسي للبيت، ويعتقدون أنها تجلب البركة للمنزل وأهله لأنها ذُبِحَت لله، وأيضًا لإظهار عادة الكرم عند أصحاب المنزل الذين يتصدقون بلحومها للفقراء.

ويعتقد أهل المنزل أن سكب الماء الساخن على الأرض قد يأتي بالضرر لأهل المنزل، لأن الأرض يسكنها الجن والتي قد يؤذيها سكب الماء الساخن، كما أن كنس المنزل بالليل يعتقدون أنه يتسبب في موت أحد أفراد المنزل، كما أنهم يمنعون الخياطة ورمي قشر الثوم والبصل لأنهم يعتقدون أنه يجلب النكد لأهل المنزل، كما يمنعون استعمال مقص الخياطة لأن فتحه وغلقه يمنع العلاقة الزوجية وخاصة للمتزوجين حديثًا. ولزيادة تحصين المنزل من السحر والسَحَرَة، يعلقون في أحد أنحاء المنزل كيسًا به شبكة وداخلها حبوب برسيم وسمسم ورمل وإبر خياطة. ويعتقدون أن الساحر لا يستطيع التأثير على هذا المنزل أو أهله، لأن محتويات الكيس من برسيم ورمل وسمسم يصعب عليه معرفة أعدادها، كما أن شبكة الصيد بها عُقَد كثيرة يصعب عليها فَكَّها. وزيادة في تحصين أفراد المنزل يقومون بارتداء الملابس الداخلية مقلوبة لتحصينهم من السحر.

2) المعتقدات الشعبية المرتبطة بالمساجد والقبور:

للمساجد والقبور دور أيضاً في معتقدات الجماعة الشعبية في منطقة البحث، ففي حال تعرض أحد أفراد مجتمع البحث للظلم، يقوم بقلب حصير المسجد يوم الجمعة، ويعتقدون أن قلب الحصير في المسجد والدعاء على الظالم يكون له أثر سريع وينتقم الله منه قبل حلول الجمعة التالية.

في حال تعرض أحدهم للظلم من شخص معين، يعقَد مجلس للتأكد من شخصية الظالم، فيحضرون قالبًا من الطوب الأحمر، ويطلبون ممن يتَّهِمونَه الحَلِف على قالب الطوب بأنه لم يفعل هذا الجرم، وبعد أن يحلف يقومون بوضع قماشة كفن بيضاء حول قالب الطوب (يكفنوه) كما يكفنون المتوفى تمامًا، ثم يقرأون عليه سورة (يَس) وبعض آيات القرآن الأخرى ويسمونها (عِديَّة يس)، ثم يذهبون بهذا القالب لمنطقة المدافن (الجَبَّانَة) ويدفنونه في قبر مثل قبر الميت، ثم يتركونه لمدة أربعين يومًا، ثم يذهبون لمنطقة المقابر ويخرجون قالب الطوب من القبر وينزعون عنه الكفن، فإذا كان بحالته سليمًا فمن حَلَف عليه صادق في الحَلِف، وإذا كان مكسورًا (مفلوق) يتأكدون من كَذِب الحالِف، وعِندها يقيمون عليه حُكم الجماعة حسب الجُرم الذي ارتكبه، ويشتهر هذا الطقس في حالة القتل والثأر.

وفي حال السيدة التي لا تنجب يطلبون منها أن تغتسل، ثم يذهبون بها لمنطقة المقابر ويطلبون منها أن تتدحرج من فوق الجبل على الرمال، وبعد ذلك يُدخِلونها فَسقية مفتوحة لم يدفن بها أحد قبل ذلك ويغلقون عليها باب الفسقية لمدة نصف ساعة تقريبًا، ويعتقدون أن تعرضها للفزع والخوف نتيجة وجودها في الفسقية يتسبب في زوال سبب عدم الإنجاب، وعقب ذلك تنجب تلك السيدة كما ذكر أبناء منطقة البحث.

العادات المرتبطة بالعمارة الشعبية

ترتبط بالعمارة الشعبية بعض العادات والمناسبات، فعندما يحضر أحدهم سواء من الأقارب أو الضيوف للمنزل الذي يقصِدُه، يقوم بالنداء على أهل الدار بالمولود الذكر (يا أبو عمر) أو يا (أبو غايب) في حال عدم وجود مولود ذكر أو عدم وجود خليفة لصاحب الدار. ويكون النداء من مسافة بعيدة عن الدار حتى تختبئ النساء وتحتشم. وإذا كان الضيف يركب دابة فيقوم بالنزول من فوق دابته عند الاقتراب من المنزل الذي يقصده، احترامًا لأهل المنزل وتقديرًا لقيمتهم.

وفي مناسبات الحج يقوم أهل المنزل عند اقتراب عودة الحاج من الأراضي المقدسة، بطلاء المنزل من الخارج باللون الأبيض (الجير) ورسم جداريات الحج على الجدار (الكعبة – سفينة – جمل – طائرة). والغرض من ذلك الاحتفاء بالحاج وليعلم القاصي والداني أن صاحب تلك الدار قد أدى فريضة الحج، الأمر الذي يكسبه ثقة أبناء مجتمع البحث، كما في الصورة.

وفي حال وفاة أحد أفراد المنزل وخاصة الرجال في نزاعات الثأر، تقوم النساء بوضع الطين والنيلة على جدران المنزل من الخارج (يطَينوه)، ويدل ذلك على فاجعة أهل المنزل وحزنهم الشديد على وفاة أحدهم، وليعلم المارون بالمنزل أن أهل المنزل في حالة حزن وحداد. كما أنهم لا يوقدون نارا في بيتهم ويمتنعون عن إعداد الطعام على الكانون والخبز على الفرن، فتصاعُد دخان الفرن والكانون من منزلهم يعرضهم لانتقاد أفراد المجتمع، ويظنون أنهم غير حزانى على ميتهم. لذلك يحرص أفراد العائلة الآخرين على دعهمهم بالطعام والخبز طوال فترة الحداد التي تستمر حتى يوم الأربعين.

كما أنهم يقومون بزراعة الصبار وأشجار الزيتون بجوار قبور المتوفى، لأنهم يعتقدون أنها تخفف عنهم عذاب القبر، ويضعون زيرًا من الفخار بجوار القبر؛ لأنهم يعتقدون أن الميت سيشرب منه عندما يشتد عليه العطش في القبر، .

وفي مناسبات الوفاة والعرس يكون لمنضرة العائلة دور كبير، فيقومون بتنظيف المنضرة وفرشها بالحصير ويحضرون الدكك الخشبية من بيوت العائلة لمقر المنضرة لاستقبال ضيوف الجنازة أو العرس، وتتجه الأنظار إلى تلك المنضرة والتي تتعرض للانتقاد أو الإعجاب من الضيوف وتكون مسار حديثهم عقب انتهاء المناسبة، لذلك نجد العائلات في مجتمع البحث يهتمون ببناء المنضرة وتجهيزها، لأنها واجهتهم أمام باقي العائلات وتظهر من خلالها قيمتهم ومكانتهم الاجتماعية. كما تكون المنضرة الملحقة بالمنزل مكانا لتجمع النساء أثناء تلك المناسبات.

وأثناء بناء منزل أحد أفراد العائلة، يقوم باقي أفراد العائلة بتقديم الدعم له سواء بالمساعدة في أعمال البناء أو بتقديم (الواجِب) والمتمثل في أكياس السكر والشاي وأحيانا الدواجن والطيور الأخرى لذبحها لمن يعملون في البناء.

العمارة في الأمثال الشعبية:

تنتشر الأمثال الشعبية في منطقة البحث بشكل كبير، فتعبر عن مواقفهم اليومية ويستدلون بها عن أحوالهم ومشاعرهم ووجهات نظرهم فيما يحدث حولهم، ورغم أن جملة المثل قصيرة وموجزة؛ إلا أنها تحمل الكثير من المعاني والحكم والنصائح. ويُعَرِف أحمد أمين الأمثال الشعبية بأنها نوع من أنواع الأدب يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكتابة، ولا تكاد تخلو منها أمة من الأمم، وتنبع من كل طبقات الشعب7.

وتعرفه نبيلة إبراهيم «المثل قول قصير مشبع بالذكاء والحكمة»8. أما معجم «روبير» الفرنسي فيعرف المثل بقوله «المثل حكمة مشتركة بين أفراد فئة شعبية معبر عنها بعبارة موجزة، غالبا ما تكون مجازية ذات زخرف9.

ونعرض هنا لبعض الأمثال التي ورد بها الحديث عن العمارة أو عناصرها وخاماتها، سواء ما يتعلق بشكل البناء أو عاداته أو التمثيل به في بعض المواقف التي يمر بها أفراد المجتمع.

عامل زي الطين الماهي لا يسِد ولا يليس

الطين الماهي: هو الطين الذي تزيد فيه نسبة الماء بشكل كبير، بحيث لا يصلح لوضعه على جدران منزل الطين أو الطوب اللبن لطلائه من الخارج (التلييس).

يا باني في غير ملكك يا مربي في غير ولدك

يعرض المثل هنا ضرورة بناء المنزل في أرض يملكها صاحبه، لأن البناء في أرض الغير سيأتي يوم ويسترد صاحب الأرض أرضه ويأخذ البيت أو يهدمه.

اختار الجار قبل الدار

ويعرض المثل هنا لمبدأ هام قبل بناء البيت، وهو اختيار الجار الذي سيسكن بجواره، ولوجود الكثير من النزاعات بين أفراد وعائلات مجتمع البحث، فإنهم يفضلون السكن بجوار منازل العائلة.

البيت بيت أبونا والغرب يطردونا

ويضرب هذا المثل عندما يقسم ميراث العائلة، ويرث أحد الأقارب جزءًا من المنزل ويحاول إخراج أهله منه، أو حرمانهم من الميراث.

ما تضيق الزريبة إلا على الحمارة الغريبة

ورد في هذا المثل لفظ (الزريبة) وهى مكان تربية الماشية في المنزل، ويذكر المثل أن الزريبة ترفض وجود حيوانات غريبة بها غير حيوانات صاحب المنزل.

ماعون المشّ ما ينضح عسل

ورد في المثل لفظ (ماعون المش) وهو إناء من الفخار يوضع به الجبن والمش ويسمى (بلاص المش)، ويقولون إن الإناء الذي يحوي المش لا يمكنه أن ينضح عسلًا، أي أن الإنسان السيئ لا ينتظر منه الخير.

ما يعجبكش الباب وتزويقه يا ترى صاحبه فطر ولا على ريقه

يهتم أهل منطقة البحث بزينة المنازل من الخارج وطلاء المنزل وخاصة الأبواب، مهما كانت حالتهم الاقتصادية، وتدل هنا على أهمية المنزل وقيمته وضرورة الاعتناء بمظهره عند أهل منطقة البحث.

مسمار في الحيط ولا جاموسة في الغيط

هذا المثل يعبر عن أهمية بناء البيوت (مسمار في الحيط)، وأن ملكية المنزل أفضل بكثير من ملكية الماشية، ويمكن للإنسان بيع الماشية وبناء المنزل والذي يعطي له قيمة بين أفراد المجتمع ويشعره بالاستقرار.

الحيطان لها ودان

هذا المثل ينهى أصحاب المنزل عن الحديث بجوار جدران المنزل، وخاصة تلك المبنية من البوص والتي يمكن للصوت أن ينفذ من خلالها لمن يسيرون بجوار المنزل أو يسكنون بجوارهم، وينهاهم عن الحديث عن الغير.

اِللِّي غِيطُهْ عَلَى بَابْ دَارُهْ هَنِيَّالُهْ

يعرض المثل هنا لأهمية بناء المنازل بجوار الحقول (الغيط) والتي تسمح لصاحب المنزل بالعناية بحقله، وعادة أهل منطقة البحث بناء المنازل بجوار الحقول.

إِنْ خَسَّعِ الْحَجَرْ يِكُونِ الْعِيبْ مِنِ الْقَاعْدَهْ

يعرض المثل هنا لعادة من عادات البناء وهى تأسيس المنزل، فإذا كان الأساس ضعيفًا سينهار جدار المنزل بعد زمن.

بَابِ الْحَزِينْ مِعَلِّمْ بِطِينْ

يعرض المثل هنا لعادة من عادات أهل منطقة البحث، فعند وفاة أحد الرجال بالمنزل وخاصة في حوادث الثأر تقوم النساء بوضع الطين والنيلة على جدران المنزل من الخارج تعبيرا عن الحزن لفقد المتوفى.

اِلْبَابْ يِفَوِّتِ الْجَمَلْ

يعرض المثل هنا لعادة من عادات البناء في مجتمع البحث، فأبواب بيوت مجتمع البحث تكون متسعة بشكل كبير كي تسمح بدخول وخروج الماشية.

بَانِي طَالِعْ، وِالْفَاحِتْ نَازِلْ

ويعرض المثل هنا لأهمية وقيمة بناء البيوت الذي يجلب الخير والاستقرار. فالبناء يرتفع بجدرانه وبأصحابه أيضا. فكلما كانت جدران المنزل مرتفعة دل ذلك على قيمة أهل المنزل الكبيرة، فمنازل الأثرياء في منطقة البحث عادة ما تكون جدرانها مرتفعة.

بُكْرَهْ تْمُوتْ يَا ابُو جِبَّهْ وَاعْمِلْ لَكْ فُوقْ قَبْرَكْ قُبَّهْ10

يعرض المثل هنا لعادة من عادات بناء القبور في منطقة البحث، والذين يميزون القبور بقبة مرتفعة حتى لا تدوسها أقدام من يسيرون في منطقة المقابر.

بِيتِ الْمُحْسِنْ عَمَارْ

يعد هذا المثل دعاء لأهل الكرم والعطاء، بأن يجعل الله بيوتهم عامرة بأهلها وأموالهم.

بِيتْ يِنْكِرِي وِبِيتْ يِنْشِرِي

يعرض المثل هنا لأهمية تملك المنازل، فأهل منطقة البحث يفضلون تملك المنازل عن السكن في منازل مؤجرة.

بِيعُوا مِنْ قُوتْكُمْ وِاسْرِجُوا بْيُوتْكُم

يعرض المثل هنا لأهمية أدوات الإضاءة في المنزل (اللمبة) والتي تساعدهم على مزاولة أنشطتهم ليلًا.

اِلْحِيطَهْ اِللِّي لَهَا سَنَّادْ مَا تِفْقِش 1 1

يعرض المثل هنا للخامات المستخدمة في البناء، وأهمها الدعائم التي تسند الحائط، وعادة ما توضع جذوع النخل كأعمدة ودعائم للحائط. فالحوائط التي لها دعائم لا تتشقق.

دُخُولَكْ فِي بِيتِ اللِّي مَا تِعْرَفُهْ قِلِّةْ حَيَا

ويعرض المثل هنا لعادة من عادات أهل منطقة البحث، وهى عدم الدخول في منازل الغرباء وأيضًا الاستئذان قبل دخول المنازل.

ضَبِّة خَشَبْ تِحْفَظِ الْعَتَب12

يعرض المثل هنا لأداة غلق الباب وهى (الضَبَّة) أو (المُصران) وهو قفل من الخشب يثبت في باب المنزل الخشب ويدخل في جدار المنزل المحيط بالباب، وأن هذا القفل يحمي العتبة أو البيت من الدخلاء.

ضَيَّقْ تُسْقُفْ

ويعرض المثل هنا لعادة من عادات بناء المنازل، وخاصة ما يتصل بسقف غرفة منازل الطين والطوب اللبن، ولأن أسقف الغرف تكون من الجريد والطين فيحرص البَنَّاء على أن تكون مساحة الغرفة صغيرة؛ حتى لا ينهار السقف إذا اتسعت مساحة الغرفة، بعكس المنازل التي تبنى من الطوب والخرسانة ويكون سقفها من الخرسانة، والتي تكون فيها مساحة الغرف كبيرة.

الطِّينَهْ مِنِ الطِّينَهْ وِاللَّتَّهْ مِنِ الْعَجِينَهْ

أي أن الطينة لا تكون إلا من الطين، واللتة هى الطين المعجون بالماء (الكُحلَة) التي توضع بين قوالب الطوب لسد الفراغ بينها وتثبيتها.

قَبْلْ مَاخَطَبْ عَبَّى الْحَطَبْ، وِقَالْ: أَبْنِي الْكَوَانِينْ فِينْ ؟

ويقصد المثل هنا أنه لابد من بناء المنزل أولا وبعد ذلك يتم بناء محتوياته مثل (الكانون والفرن).

قُعَادِ الْخَزَانَهْ وَلَا الْجَوَازَهْ النَّدَامَهْ

ويذكر المثل هنا أن الفتاة خيرا لها أن تجلس بغرفتها (الخَزَانة) بدلا من أن تتزوج رجلًا غير مناسب لها وتندم بعد ذلك.

قَعْدِتِي بِينِ أعْتَابِي وَلَا قَعْدِتِي بِينَ أحْبَابِي

ويضرب المثل هنا لبيان أهمية تملك الدار، فالأفضل للمرء أن يجلس بداره التي يملكها بدلا من الجلوس كضيف في منازل أقاربه وأحبابه. ويقابله مثل آخر يقول (اللي خرج من دارُه إتقَل مِقدَارُه).

مَا بَقَى فِي الْخُن رِيشْ إِلَّا الْمِقَصَّصْ وِالضَّعِيفْ

وورد في المثل هنا لفظ (الخن) وهو بناء من الطين خاص بتربية الطيور داخل المنزل.

مِنْ لَقَى بَنَّا مِنْ غِيرْ كُلْفَهْ يِبْنِي لُهْ مِيةْ غُرْفَهْ 13

أي أن الذي يجد بناء يبني له المنزل دون أجر أو تكلفة، فعليه أن يطمع في المزيد من الغرف وزيادة مساحة المنزل، ويقابله مثل في نفس المعنى (أبو بلاش كَتِّر مِنُّه). فأهل منطقة البحث جلهم من الفقراء وتكلفة بناء المنازل تكون مرتفعة عليهم وخاصة منازل الطوب اللبن والأحمر.

مِنْ لَقَى بِيتْ مَبْنِي لَقَى كِيسْ مَرْمِي

ويعرض المثل هنا لقيمة المنزل وتكلفة وجهد بنائه الكبير، وأن من حصل على بيت مبني وجاهز فكأنه وجد كنزًا (كيس مرمي)، وعادة ما توجد مثل هذه البيوت كميراث لأصحابها.

الهوامش

1. - حسن ، سليم – موسوعة مصر القديمة – الجزء الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة – ص 212 – 2000م.

2. 2 - رزقانة ، إبراهيم أحمد - الحضارات المصرية في فجر التاريخ – حضارة البداري – ص139– القاهرة - مكتبة الآداب – 1948م.

3. 3 - شكري، محمد أنور- العمارة في مصر القديمة – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – 1970م – ص 39.

4. 4 - مرجع سابق – ص 41.

5. 5 – مرجع سابق – ص 40.

6. 6 - شعلان ، إبراهيم أحمد – الشعب المصري في أمثاله الشعبية – الهيئة المصرية العامة للكتاب- ص360 – 2008م.

7. ( ) - أحمد أمين، قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1953، ص61.

8. ( ) - نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1974، ص 144.

9. ( ) - عبد الحميد بن هدوقة، أمثال جزائرية (لبرج بوعريريج)، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2007 ، ص .12.

10. ( ) - أحمد تيمور باشا، الأمثال العامية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص 130.

11. ( ) - مرجع سابق، ص 181.

12. ( ) - مرجع سابق، ص 279.

13. ( ) - مرجع سابق، ص 444.

الإخباريون

1.

الاسم فزاع تمام يحيى

النوع ذكر

العمر 82 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 16

التعليم والعمل محو الأمية – شيخ بلد

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة 4/1/2010

2.

الاسم شحاته علي عثمان

النوع ذكر

العمر 60 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 4

التعليم والعمل الابتدائية – مزارع

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة 23/12/2009 -أغسطس 2017

3.

الاسم سراج مهران عبد الرحمن

النوع ذكر

العمر 47 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 6

التعليم والعمل دبلوم زراعة – المقاولات

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2011 – مايو 2014

4.

الاسم جميلة علي عثمان

النوع أنثى

العمر 80 سنة

الحالة الاجتماعية أرملة

التعليم والعمل بدون – ربة منزل

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة أبريل 2013

5.

الاسم رئيسة أم محمود

النوع أنثى

العمر 67 سنة

الحالة الاجتماعية أرملة

التعليم والعمل بدون – ربة منزل

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2015

6.

الاسم أم ياسر

النوع أنثى

العمر 65 سنة

الحالة الاجتماعية أرملة وتعول 6

التعليم والعمل بدون – ربة منزل

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2015

7.

الاسم عبدالحميد كامل

النوع ذكر

العمر 70 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 2

التعليم والعمل بدون – مزارع

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2013

8.

الاسم عبدالرحيم محمد عثمان

النوع ذكر

العمر 66 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 2

التعليم والعمل بدون – مزارع

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة 17/ 8/ 2014

9.

الاسم أم هيثم

النوع أنثى

العمر 53 سنة

الحالة الاجتماعية متزوجة ولديها 6

التعليم والعمل بدون – ربة منزل

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2012

10.

الاسم شادية شحاته علي

النوع أنثى

العمر 30 سنة

الحالة الاجتماعية متزوجة ولديها 1

التعليم والعمل بكالوريوس تجارة – معلمة

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2010 – أغسطس 2017

11.

الاسم عباس مهني السيد

النوع ذكر

العمر 70 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 4

التعليم والعمل محو أمية – مزارع

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2010

12.

الاسم محمود نفادي عبدالتواب

النوع ذكر

العمر 75 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 7

التعليم والعمل بدون – يعمل في بناء المنازل

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2010

13.

الاسم سعيد محمد منصور

النوع ذكر

العمر 65 سنة

الحالة الاجتماعية متزوج ويعول 5

التعليم والعمل دبلوم المعلمين – ناظر مدرسة

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2010

14.

الاسم نادية أم محمد

النوع أنثى

العمر 67 سنة

الحالة الاجتماعية أرملة ولديها 4

التعليم والعمل بدون – ربة منزل

العنوان قرية نزلة القنطرة

تاريخ المقابلة يوليو 2010

 

المصادر

- حسن، سليم، موسوعة مصر القديمة، الجزء الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 2000م.

- رزقانة، إبراهيم أحمد، الحضارات المصرية في فجر التاريخ، حضارة البداري، القاهرة، مكتبة الآداب، 1948م.

- شعلان، إبراهيم أحمد، الشعب المصري في أمثاله الشعبية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008م.

- شكري، محمد أنور، العمارة في مصر القديمة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – 1970م

- علي، محمد شحاته، أغاني النساء في صعيد مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2013م.

- جميع النصوص والصور من جمع الباحث وتصويره.

الصور

- الصور من الكاتب.

أعداد المجلة