فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
47

عادل مقديش: قراءة تشكيلية معاصرة للقصص والأساطير الشعبية التونسية والعربية

العدد 47 - ثقافة مادية
عادل مقديش: قراءة تشكيلية معاصرة للقصص والأساطير الشعبية التونسية والعربية
كاتب من تونس

تُجمع العديد من الدراسات السوسيولوجية على أهمية الثقافة الشعبية في فهم خصوصيات المجتمعات ومدى وعيها ومساهمتها في التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها عبر تاريخها، فهي تمثل في أغلب الأحيان الملاذ لفهم حاضر ومستقبل الشعوب والمجتمعات، والمدخل لفهم مجموعة الظواهر الاجتماعية المعاصرة التي نعتبرها وليدة العصر الحالي. وقد بان هذا الوعي بأهمية الثقافة الشعبية لدى العديد من المثقفين العرب الذين أولوها اهتماما كبيرا، حيث ظهرت مجموعة من المواقع الالكترونية والمجلات والكتب المخصصة لهذا الموروث الهام. ومن بين هذه الإصدارات مجلة الثقافة الشعبية التي اختارت أن تفتح ذراعيها على كامل التراث الشعبي العربي والعالمي، وذلك إيمانا منها بمدى ترابط الثقافات الشعبية على المستوى العربي خاصة، رغم وجود بعض الاختلافات التي فرضتها الخصوصيات التاريخية والجغرافية والحضارية. فقد سكنت الذاكرة العربية العديد من الحكايات والسير والملاحم والأساطير المشتركة من قبيل أسطورة عنترة وعبلة، والجازية الهلالية والعنقاء وملكة سبأ وعلّيسة وغيرها.

وحظيت هذه السير والأساطير الشعبية باهتمام الشاعر والمصور الشعبي الذي حولها إلى أعمال فنية قابلة للانتشار والديمومة، مثل تلك الصور التي رسمت من طرف رسامين لم يوقعوا على أعمالهم، بل أرفقوا أعمالهم بكتابات تحدد هوية الصورة وهوية مختلف الشخصيات المكونة لها.

لفتت هذه الصور والحكايات اهتمام العديد من الفنانين العرب المعاصرين، حيث عاود الكثير منهم صياغة هذه السير والأساطير الشعبية بلغة تشكيلية جديدة، كل حسب طريقته وحسب خصوصياته الثقافية والفنية بهدف إيجاد حلقة ربط بين تراث غني وتعابير تشكيلية معاصرة، وذلك على غرار الفنان التونسي علي بن الآغا الذي جعل من الرسوم تحت الزجاج التراثية محورا لأعماله وإبراهيم الضحاك الذي أهتم برسم السيرة الهلالية، َإضافة إلى الفنان عادل مقديش الذي اخترنا أن نقدم عينات من أعماله نظرا لارتباط تجربته التي تجاوزت أربعة عقود بالموروث الشعبي التونسي بكل ما يحمله من تنوع وخصوصية، بسبب تعاقب أهم الحضارات الإنسانية على هذه البلاد، وخاصة منها الحضارة الفينيقية والرومانية والبيزنطية إضافة إلى الحضارة العربية والعثمانية ثم الفرنسية عند أواخر القرن التاسع عشر.

هذا المزيج والتنوع الحضاري مثّل مادة خصبة للاستلهام بالنسبة للفنان عادل مقديش حيث نهل من مختلف الأحداث والوقائع والأساطير والخرافات ليقدم رؤيته الخاصة في هذا الشأن عبر ما تمليه عليه الريشة والألوان. فقد نهل من أسطورة الأميرة الفينيقية «عليسة» التي قامت بتأسيس مدينة قرطاج سنة 814 قبل الميلاد، ومن أسطورة عنترة ابن شداد وحبيبته عبلة، وسيرة بني هلال، ليقدم مجموعة من الأعمال التشكيلية التي نحاول ضمن هذا البحث فك رموزها وأبعادها الجمالية والفكرية.

إن اهتمام الفنان عادل مقديش بالموروث الشعبي يدخل في إطار بحوثه التشكيلة التي تستقي مرجعياتها من الخيال الواسع الذي وجده في الموروث الشعبي بكل ما يحمله من تداخلات بين الواقعي والخيالي. فقد قال لمحاوره فــي إحدى معارضه بالمركز الثــقافي الفرنسي بالرباط: «أنطلــق في رسوماتي من مثيولوجيات ومن أساطير شعبيـة ومن خرافات الطفولة ومن الـلاوعي الجماعي ومن فزع التمزق الذاتي بين الحلم والواقع وبين التقسيم الزمني في محاولة لتوحيدها في واقع واحد. حيث تلتحـم كل مقومـات ومــدارك الــذات في تعاملها الديناميكي مع المحيط المتحرك»1 فكيف تمكّن الفنان من كشف اللاوعي الجماعي؟ وكيف عالج تشكيليا فزع التمزق بين الحلم والواقع وكيف وحّد التقسيم الزمني في واقع واحد من خلال سرده لحكايات الأميرة الفينيقية وعنترة ابن شداد والكاهنة البربرية والسيرة الهلالية؟

عنترة بن شداد البطل الأسطوري

مثّلت أسطورة البطل العربي عنترة بن شداد أحد أقدم المحاور التي اهتم فيها عادل مقديش بالموروث الشعبي العربي، حيث رصدنا له عمل أنجزه سنة 1979، بتقنية الغواش، رسم فيه شخصية عنترة بن شداد بن قراد العبسي (525م - 608م) الذي صُنّف كأحد أشهر شعراء الجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام، حيث عُرف بغزله العفيف بعبلة ابنة عمه، وببطولاته التي جعلته من أشهر الفرسان العرب. ولد من أم حبشية حظيت بإعجاب شداد فأنجب منها عنترة، وهو ما حتّم عليه أن يكون عبداً، لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء. هذه الوضعية جعلته يذوق مرارة الحرمان ومهانة الأهل لأن أباه لم يلحقه بنسبه، فقد كان أبوه هو سيده، يعاقبه أشد العقاب على ما يقترفه من ذنوب، وقد حظي بالحرية من العبودية بعدما سجّل انتصارات وبطولات أثناء دفاعه عن قبيلته من سطوة القبائل الأخرى. وعندما طلب من عمه الزواج من ابنته رفض ذلك، وهو ما حرّك لديه قريحة الشعر بنظمه مجموعة كبيرة من الأشعار التي عبّر فيها عن حبه الشديد واشتياقه لحبيبته. وقد جسّد الفنان عادل مقديش هذا الفيض من المشاعر والأحاسيس والبطولات التي لامست الحب والحرب وإرادة التحرر من العبودية، من خلال رسمه رجلا يمثل شخصية عنترة ويمسك بيده اليسرى سيفا كبيرا ثنائي الرأس، ورسم وراءه حصانا تمتطيه امرأة تمثل على الأرجح شخصية حبيبته عبلة. وأضفى على عمله بعدا أسطوريا هلاميا من خلال تجاوزه لقواعد الرسم الواقعي الذي تجلى في العديد من النقاط. فقد جعل عبلة تمتطي الحصان بطريقة مغايرة للمألوف، وجعل مكونات جسدها تترابط فيما بينها بطريقة مغايرة. فقد اتخذت وضعية جبهية في مستوى الوجه والصدر تقابلها وضعية خلفية في مستوى الأرداف. كما سجل حضور وجه عنترة حضورا مزدوجا، حيث بان وجهه الجانبي أبيض اللون، ويجاوره نصف وجه أسود اختار له وضعية جبهية، وجعله يترابط مع النصف الآخر بواسطة شوارب. وربما أراد الفنان من خلال ذلك الإشارة إلى الأصول الجينية لعنترة. هذا الأسلوب الذي انتهجه الفنان في رسم شخصياته يذكرنا بأسلوب بيكاسو الذي يرسم شخوصه وفق زوايا نظر مختلفة. كما أكسب شخوصه مسحة تجريدية وهندسية، حيث بدت أكثر اقترابا من الرسم الكاريكاتوري أو الطفولي، الذي دعّمه الفنان من خلا ل مجموعة الأشكال التي تحمل أبعادا رمزية وجمالية. وهو ما مكّنه من خلق عالم أسطوري احتل فيه الخيال مكانة واسعة. فقد وزّع مجموعة من العيون على مساحات مختلفة من اللوحة، كما رسم عبلة بعين واحدة. وهذا من شأنه أن يحيل المشهد إلى أبعاد تتجاوز القصص والأساطير المعروفة عن عنترة ابن شداد وحبيبته، لتحيل إلى عوالم السحر والخرافات وبعض الأيديولوجيات ذات المرجعيات الغربية التي عاودت الظهور خلال الفترة الراهنة. كما أشبع بقية مكونات عمله بأشكال زخرفية متنوعة والتي اقتبسها من جماليات النسيج التونسي الموروث المحلي والعربي عموما.

بذلك اتخذ الفنان عادل مقديش من أسطورة عنترة التي حظيت باهتمام المصور الشعبي القديم وكذلك عديد الفنانين والسينمائيين العرب المعاصرين، منطلقا للتعبير عن رؤيته خارج حدود الروايات والقصص الشعبية القديمة والحديثة. فلم يعد عنترة أسمر البشرة، ولم يعد وجه عبلة فائق الجمال، بل اختصر جمالها في أنوثتها من خلال جمال نهديها حيث سجلت حضورا مميزا ضمن مكونات العمل. كما قدّم الفنان نهاية سعيدة لهذه القصة الشعبية من خلال الجمع بين الشاعر البطل وحبيبته، خاصة وأن هذه النهاية لم تؤكدها المراجع التاريخية.

الأميرة الفينيقية عليسة كما تخيلها الفنان عادل مقديش

اهتم الفنان عادل مقديش بأسطورة الأميرة الفينيقية «عليسة»، وذلك في إشارة إلى شخصية الأميرة التي نَسبت لها العديد من المراجع التاريخية تأسيس مدينة قرطاج بعد أن هربت من بلاد صور بالمشرق العربي على إثر خلاف مع أخيها. وتروي الأسطورة أنها تحايلت على حاكم البربر بعد أن مكنها من أرض تساوي مساحة جلد ثور لتقيم عليها مملكتها2.

رسم الفنان عادل مقديش «بورتريه» لهذه الأميرة سنة 1993 سماها «ديدون»، وهو الاسم الذي عرفت به هذه الأميرة في بلاد افريقية. فقد ألبسها قلادة تحدد هويتها من خلال شكل التانيت الذي يرمز إلى الآلهة الفينيقية، وزخرف هذه القلادة بمجموعة من الأشكال التي أضْفت جمالا إضافيا على وجه الأميرة ديدون التي جعل منها الفنان حسناء فاتنة الجمال. كما وضع مقديش خلف الأميرة لوحة تجريدية في المستوى العلوي من اللوحة، والتي جعل مكوناتها البنيوية تترابط مع لباس الأميرة في الجزء السفلي من اللوحة، محققا بذلك ترابطا بصريا بين الشكل والخلفية. وهذا شيء مألوف بالنسبة لفنان يرسم فزع التمزق الذاتي بين الحلم والواقع مثلما يصرح بذلك مستخدما كلماته وريشته.

بعد سنتين من إنجازه لوحة «ديدون» عاود الفنان رسم هذه الأميرة تحت عنوان «عليسة». كما قدّم لها صورة مغايرة عن سابقتها من حيث الشكل والتكوين والوضعية والمساحة واللون. فقد اختار لها بشَرة سوداء تخفي جمالا أخاذا ونظرة ثاقبة تضفي على شخصيتها نوعا من الوقار. وكساها بملابس من الموروث التقليدي التونسي الذي بدا شديد التباين مع السواد المسيطر على مختلف مكونات اللوحة. كما وضع بجانبها قطا أسودا سجل حضورا باهتا رغم أنه يحتل المستوى الأول من العمل. في مقابل ذلك رسم الفنان مجموعة من الشخصيات خلف الأميرة الفينيقية في المستوى الأيسر من اللوحة بأحجام صغيرة حتى لا يؤثر على حضور الشخصية الرئيسية. كما رسم في وسط اللوحة امرأة أخرى وأكسبها ألوانا مختلفة عن سابقتها رغم تساويها في الحجم معهم. ومن أهم خصوصيات هذا العمل هو سيطرة الألوان الداكنة على جل مكوناته، مما جعله يبدو كأنه لوحة ليلية، وفي ذلك ربما إشارة إلى الحيرة التي انتابت الأميرة بعدما رفض حاكم البربر في البداية منحها الأرض لإقامة مدينتها، أو كذلك هي قراءة استشرافية لمصير مدينة وحضارة قرطاج التي كانت في وقت من الأوقات سيدة المتوسط، قبل أن يدمرها الرومان بعد ثلاثة حروب كبيرة انتهت بانتصار رومه على قرطاج في القرن الأول قبل الميلاد. كما يمكن الإشارة إلى مدى التقارب الشكلي في مستوى رسم عادل مقديش للأميرة الفينيقية مع تلك التي رسمها الفنان الفرنسي بيار نرسيس سنة 1815 تحت عنوان «ايناي تروي لديدون تعاسة مدينة تروا»3.

الكاهنة البربرية عبر ريشة الفنان عادل مقديش

هي ملكة البربر واسمها الحقيقي «ديهيا» كما جاء ذلك في كتابات ابن خلدون. ويعرفها محمد التونجي بأنها دهيا بنت تابت بن تيفان من قبيلة جراوة من زناتة البربرية، وأنها حكمت قبيلتها بعد موت زوجها، وشنت حربا على الحضور العربي في حدود سنة 85هجري4. وترجع مصادر تاريخية أخرى أن مملكتها كانت تشمل الجزائر وتونس وليبيا وكانت عاصمة مملكتها هي مدينة خنشلة في الأوراس شرق الجزائر. قادت ديهيا عدّة معارك ضد الرومان والعرب والبيزنطيين في سبيل استعادة الأراضي الأمازيغية التي استولوا عليها في أواخر القرن السادس ميلادي ثم تمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية حولها خلال زحف جيوش المسلمين، واستطاعت ديهيا أن تلحق هزيمة كبيرة بجيش القائد حسان بن النعمان، وهو ما دفع العرب إلى اتهامها بالشعوذة والسحر، فنسبوا لها لقب الكاهنة مثلما جاء في كتابات العلامة ابن خلدون.

وفي تفاعل الفنان عادل مقديش مع هذه الشخصية، رسم امرأة تمتطي حصانا وتحمل بيدها اليمنى خنجرا. يرافقها في امتطاء الحصان شاب وسيم الوجه اتخذ وضعية جبهية على خلاف الكاهنة التي اتخذت وضعية جانبية. غير أن اللافت للانتباه هنا هو طريقة رسم بعض الأشكال الآدمية والحيوانية التي بانت على غير طبيعتها. فقد رسم عيون الشخصيتين والحصان بنفس الكيفية رغم اختلاف زاوية النظر بين الكاهنة والشاب، وأيضا اختلاف شكل عين الإنسان عن الحصان. وربما أراد الفنان من خلال ذلك الإيهام بأن شخصية الفارس تمثل الوجه الآخر للكاهنة، أو كذلك شخصية ابنها الذي تخلى عنها وانضم إلى جيوش المسلمين بينما بقيت الكاهنة تقاوم الوجود العربي إلى أخر لحظة في حياتها. ولعل هذه الفرضية تجد ما يؤكدها من خلال طريقة رسم الفنان لنهديها التي بدت وكأنها مقطوعة بالخنجر الذي تحمله بيدها. وفي ذلك إشارة إلى قطع رابطة الأمومة بينها وبين ابنها. وإن لم تذكر المراجع التاريخية والأساطير عن مسالة حمل الكاهنة من عدمه أثناء حروبها ضد الوجود العربي في شمال افريقية، إلا أن تركيز الفنان على رسم هذه المسالة يبعث أكثر من رسالة، لعل أهمها هو أن أرض البربر لن تفرغ من إنجاب الفرسان المدافعين عن أراضيهم. كما أن طريقة رسم فم الحصان ورأسه إضافة إلى عينه، تجعل هذا الحصان أقرب إلى الطائر منه إلى الحصان، وهذا أمر غير مستغرب من فنان يعشق الخيال والحلم أو الفن السريالي الذي خصه باهتمام كبير عند بداياته التشكيلة.

السيرة الهلالية من منظور مغاير للمألوف الشعبي

حظيت السيرة الهلالية باهتمام كبير من طرف الفنان عادل مقديش خلال منتصف تسعينات القرن الماضي. فقد رسم مجموعة من الرسوم التي قدّم فيها تصوراته حول هذه السيرة أو ما اصطلح على تسميتها بــ«التغريبة» التي امتزج فيها الواقع بالخيال، حيث ركز فيها الفنان على شخصية الجازية التي بدت قصتها قريبة نسبيا من أسطورة الأميرة الفينيقية عليسه. تروي أغلب السير الهلالية أن الجازية الهلالية كانت من الفاعلين الأساسيين في «تغريبة» بني هلال المشهورة، إذ كانت تُقَدم لها المشورة في مجمل المجالس الحربية التي خاضتها ضد سكان تونس الأصليين، وذلك نظرا لحكمتها وحسن تدبيرها. فقد تركت الجازية الهلالية زوجها في مكة رغم حبها الشديد له وإنجابها طفلا منه، واختارت الرحيل إلى أراضي تونس الخضراء كما وصفها الهلاليون حينها من أجل قبيلتها بني هلال، واختارت الحياة القاسية التي تقوم على التنقل والحرب بهدف مناصرة قبيلتها في حربها ضد سكان تونس الأصليين. والجدير بالذكر أن هذه التغريبة جمعت بين عديد المتناقضات، حيث امتزج فيها التاريخ بالخيال والحقيقة بالأسطورة، والبطولة بالخيانة، والبناء بالدمار، والشرف بالعهر، والحب والرومنسية بالحرب والعنف. وصارت شخصيات السيرة الهلالية وأحداثها مضرب الأمثال5، وهو ما جعلها مادة خصبة للشعراء والفنانين لتقديم رؤاهم وتصوراتهم رغم الامتداد الزمني الذي تجاوز التسعة قرون، حيث أنها لا تزال تمثل محور اهتمام فناني وشعراء وأدباء العصر الراهن6.

لم يكن عادل مقديش أول من رسم السيرة الهلالية، بل سبقه في ذلك المصور الشعبي الذي ركز على تصوير بطولات بني هلال، أو اللحظات الملحمية التي كتبت تاريخ السيرة الهلالية وخاصة منها لحظة انتصار أبو زيد على البربر، أو كذلك لحظة انتصار ذياب بن غانم على الزناتي وكيف غرس سيفه في عينه. حيث تفنن المصور الشعبي في رسم لحظة المعركة، من دون أن ينسى ألوان الدماء والعنف. في مقابل ذلك تناول الفنان عادل مقديش هذه السيرة من منظور مغاير، حيث ركّز في أعماله التشكيلية على الجوانب الجمالية والزخرفية ليلامس الجوانب الأيروسية عبر إظهار مفاتن المرأة التي مثّلت محور اهتمامه الرئيسي في جل أعماله، وخاصة منها تلك التي منح لنفسه الشرعية لإبراز مفاتنها استنادا إلى بعض السير التي تتوافق مع نهجه الفكري والجمالي. أنجز عادل مقديش مجموعة من الأعمال التي عبر من خلالها عن قراءته الخاصة لهذه السيرة التي تمتزج فيها الحقيقة مع الخيال، لتساهم في إثراء مخيلة الفنان الذي سافر بالمتلقي بعيدا عن ملايين الأشعار والتغريبات التي تروي حكايات هذه السيرة. فمن الناحية التقنية، نوّع الفنان بين تقنية الحبر الصيني على الورق والأكرليك على القماش. ومن الناحية الجمالية، لامس حدود الخيال الحالم بجمال الأشكال وتناسق التكوين.

تعد لوحة «لقاء» التي أنجزها الفنان عادل مقديش سنة 1984 من أقدم الأعمال التي اهتم فيها الفنان بالسيرة الهلالية. وإن كان العنوان لا يحدد هوية الصورة أو موضوعها، غير أن وجود بعض الكتابات الغامضة التي وضعها الرسام فوق توقيعه تشير إلى الإطار العام للصورة والشخصيات المكونة لها مثل «الفارس، بني هلال، البربر» وهو ما يعني أن هذه الصورة تمثل لحظة الصراع بين خليفة الزناتي البربري ودياب بن غانم الهلالي، أو بالتحديد لحظة توجيه ذياب سيفه إلى وجه خليفة الزناتي.

هذه الصورة تذكرنا بما رسمه المصور الشعبي بخصوص هذه المعركة، حيث حاول هذا الأخير من خلالها سرد تفاصيل لحظة القضاء على خليفة الزناتي. غير أن الفنان عادل مقديش بدا أكثر تركيزا على الناحية الجمالية والتقنية مقارنة بالناحية السردية. إذ جعل من هذا الصراع عبارة عن تحفة تشكيلية زخرفية وتعبيرية، حيث تتداخل الأشكال فيما بينها مكونة علاقات توازن وتناسق أنتج من خلالها حركة دائرية أو بالتحديد اهليجية تتوافق مع طبيعة الحركة ضمن هذا الصراع. فقد ربط الفنان بين حركة سيف المحارب الخلفي مع حركة سيف عدوّه مع حركة جسم الحصان الأمامي. كما أشبع مساحاته بزخارف وزعها بكيفية متوازنة بين مختلف مكونات اللوحة دون تمييز بين الأشكال الآدمية والحيوانية. بل أن طريقة رسمه لحوافر الخيول بدت على درجة من الأناقة تجعلها تذكرنا برشاقة قوائم راقصات البالي. كما أدخل الجوادين في ساحة المعركة إلى درجة جعل فيها الحصان في المستوى الأول يدافع عن راكبه الذي تلقى طعنة بالسيف في مستوى وجهه. وهو ما يعني أن هدف الفنان هو تحويل الصورة النمطية التي تمكن المصور الشعبي من جعلها ايقونة الصراع بين الهلاليين والبربر، إلى عمل تشكيلي يكتسي أبعادا جمالية حيث تتلاشى حدود المكان والزمان مقابل شحنة جمالية تحكمها علاقات توازن وتناغم بين مختلف مكونات العمل.

بعد سنة من إنجازه لوحة «لقاء»، عاود الفنان الاهتمام بالسيرة الهلالية بأكثر عمقا وتدقيقا من خلال مجموعة من الأعمال منها لوحة: «قصيدة ملحمية هلالية» «,La Geste hilalienne»، حيث نَظَم ألوانها وأشكالها باستعمال تقنية الحبر الصيني، ليقدم مشهدا متكونا من ثلاثة شخصيات رئيسية وحصانين داخل إطار زخرفي مميز. تتوسط اللوحة امرأة حسناء تمتطي حصانا وبيدها سيفا، وتوجه نظرها إلى امرأة فائقة الجمال والأنوثة متكئة على أريكة، وتمسك بيدها اليسرى لجام حصان. ويتقدم المرأة التي تمتطي الحصان محارب يمسك بيده سيفا اختار له الفنان وضعية حركة رغم موضعه بين المرأة التي تمتطي الحصان والمرأة المستلقية على الأرض. وقد رسم لهذا المحارب وجها وسيما غير أن نظره كان موجها خارج الأحداث الرئيسية لهذا المشهد، فقد كان غير مباليا بما يدور حوله من حوار بصري وحركي بين المرأتين. كما أن التركيز على خصوصيات الشخصيات الثلاثة يحيل إلى الاستنتاج أن المرأة التي تمسك بلجام الفرس هي الشخصية الرئيسية في اللوحة. وهو ما يعني أنها أقرب إلى شخصية الجازية نظرا لوجودها في المستوى الأول من اللوحة من جهة، وكِبر حجمها مقارنة بالشخصيات الأخرى. كما تعمّد الفنان إظهار مفاتنها عبر تعرية جزء من نهديها وأردافها التي رُسمت بطريقة غير مألوفة تذكرنا بأسلوب بيكاسو في تعامله مع شخصياته التي يرسمها بطريقة جبهية وجانبية في نفس الوقت. وقد كسا الفنان شخصيته الرئيسية بتشكيلات جميلة من الحلي التي تتدلى من أذنيها ويديها، إضافة إلى تسليط الضوء على جسدها، الذي بدا على درجة كبيرة من البياض مقارنة بباقي مكونات اللوحة، والذي خلق من خلاله نوعا من الهدوء البصري حيث أوْجد توازنات ضوئية مع باقي مكونات اللوحة.

إن المتتبع لأعمال الفنان عادل مقديش يلحظ مدى الإشباع الزخرفي في مجمل أعماله، حيث تضيع الحدود بين الشكل الهندسي والزهري، إضافة إلى الزخارف الخطية التي يجعلها في تناغم كبير مع باقي مكونات العمل مثلما هو الشأن في هذه اللوحة. فقد وظّف جماليات الخط المغربي القريب من الكوفي القديم لكتابة كلمات نظمت بطريقة تذكرنا بالأشعار أو السير التي ميّزت السيرة الهلالية. وقد وزّعت هذه الأشعار أو الكلمات داخل ثلاثة خانات عمودية غطت مساحات هامة من خلفية اللوحة، ما جعل بعض الكلمات أو الجمل تكون مخفية، ولكن بالرغم من ذلك تظهر بعض النصوص أو الأبيات الشعرية القابلة للقراءة والتي يقول فيها الفنان في الخانة الأولى:

عمائم الرجال مخبلة في ساحة الحرب تحت أقدام الخيل

وسيوف العرب فضة تحت شمس الغرب

عند بساتين الزيتون وواحات توزر وغدامس

والجازية غازية لرماح ... الرجال لها

جاء البربر خفاجي عامر إبن النيل

والعراق مارا إلى مراعي الجزائر على تونس

اين تجوع الحلايل

مضارب قبائل العرب الأكابر وعرب الوز فوق الحب

سيوف الرجال تشق الريح ورماح مع النبال ....

وفي المستطيل الثاني والثالث بدت الكتابة أكثر غموضا ولكن يمكن أن تظهر بعض الكلمات:

الخيول الهلالية عند جنح الجازية الهلالية

النيل فرسان خفاجي عامر ابن النيل الزناتي خليفة

الواحات البربرية تدق عند الشروق

وحتى أسد وصاحبه الجازية

طير العراق مرورا بتونس

إلى مراعي الجزائر ليبدو الحق

حتى عامر والجرح قديم قدم السوق ورماح الزناتي ....

ولا نعلم هل أن هذه الأبيات مقتبسة من السيرة الهلالية، أو من اجتهادات الفنان غير أن المؤكد بالنسبة لنا أن هدف الفنان ليس تقديم كلمات أو أشعار بهدف تفسير الصورة مثلما هو الشأن بالنسبة للمصور الشعبي الذي اهتم بتصوير مثل هذه الأحداث التاريخية، أو كذلك المنمنمات العربية القديمة، بل كان هدفه الابتعاد عن القراءة المباشرة التي تضعف الجانب الجمالي وما يحمله من قابلية واسعة للتأويل. بذلك يمكن القول بأن غاية الفنان من خلال هذه الكتابات هو تقديم فضاء زخرفي يتناسق مع بقية مكونات اللوحة، والإشارة إلى الإطار العام لموضوع اللوحة ولبعض شخصياتها حيث تكون الجازية التي وصفها بالغازية الشخصية الرئيسية.

ضمن لوحته «هلالية 6» قدم الفنان عادل مقديش صورة تشكيلية لملحمة الجازية الهلالية، والتي بانت وكأنها امتداد للوحته السابقة، فهي تمثل فارسا يمتطي حصانا أسود وبيده اليسرى سيفا ويمد يده اليمنى إلى يد الجازية باعتبارها الشخصية الرئيسية في هذه اللوحة. ويظهر تركيز نظر الفارس على عيني الجازية التي لا تبالي به، بل توجه نظرها نحو عيني الحصان الذي يبادلها بدوره النظرات. فرغم الوضعية القريبة من حوافر الحصان والتي تكتسي الكثير من الخطورة على الجازية، فإن ملامح وجهها وحركات جسدها تعكس نوعا من الاسترخاء، بل وأيضا الإغراء من خلال إظهار مفاتنها في مستوى الأرداف والأفخاذ، وخاصة في مستوى نهديها حيث بدت على درجة كبيرة من الجاذبية. وقد أكسب الفنان عند رسمه للحصان أبعادا تشكيلية وتعبيرية مميزة، حيث جعله فاعلا هاما في مَسْرحة هذه التركيبة، إذ بدا بدوره شديد الاهتمام بالجازية من خلال انحناء رأسه تجاهها متبعا نفس حركة الفارس تجاه الجازية.

كما وضع الفنان على خدي الجازية وشمتين، وفي ذلك تجاوز للبعد الزخرفي لملامسة البعد الثقافي الذي تشترك فيه كل من الثقافة الشعبية البربرية خاصة والعربية. فقد عُرف الوشم في الموروث التونسي قبل الإسلام، حيث كان هذا الوشم إضافة إلى صبغته الجمالية بمثابة الطابع المميز الذي يحدد الانتماء إلى القبيلة، وأيضا الوسيلة للوقاية من الأمراض والحماية من الأوبئة وطلب الخصوبة للعاقر ودفع الحسد والعين.

هذه الوشمة الصغيرة التي وضعها الفنان في لوحته هلاليات عدد 6 والتي رسمها بتقنية الأكرليك على القماش كانت بمثابة المحرك الذي أحاله لرسم لوحة هلاليات 7 والتي رسمها في نفس السنة مع سابقتها مع تغيير في مستوى التقنية. فقد زخرف عادل مقديش هذه المرة وجه الجازية بمجموعة من الأوشام التي وزعها في مستوى الخدين والجبين والذقن. وإن بدت هذه الأوشام ذات أبعاد زخرفية إلا أنها تحمل في طياتها ثقافة شعبية غارقة في القدم مثلما يقر بذلك بدر العشري الذي يقول: «إن الثقافة الشعبية يمكن أن تتجسد أيضا عبر الجسد، فقراءة الوشم ليست خبرة يمكن اكتسابها من خلال دراسات وأبحاث جاهزة، بل عبر تفكيك الجهاز الميثولوجي للقبيلة و فهم الرموز و الأشكال الهندسية في علاقتها بمجال إنتاجها»7. وربما أراد الفنان من خلال ذلك القول بأن الجازية تأثرت بالثقافة المحلية لأهل تونس التي كانت ولا تزال تعطي للوشم أهمية كبيرة خاصة في الأرياف.

غير أن اللافت للانتباه هنا هو ذلك التداخل الكبير بين جسم المرأة وجسم الحصان، حيث تندمج مكونات جسد الجازية مع شكل الحصان الذي تعانقه وتمتطيه حسب الطريقة المبتكرة للفنان، لتفرز وحدة زخرفية متجانسة حيث تضيع قواعد التركيب الكلاسيكية مقابل تركيب قابل لتأويلات تصب في خانة العلاقة الحميمية بين المرأة والحصان التي تتجاوز حدود العلاقة الطبيعية بين الإنسان والحيوان، خاصة أمام تعمّد الفنان تعرية نهدي الجازية بأسلوب يذكرنا بلوحة نساء الجزائر للفنان بابلو بيكاسو. كما أشبع الفنان العديد من مساحاته بأشكال زخرفية وخطية وخاصة في مستوى السّجل العمودي الأسود الذي اخترق بياض الورقة وتحول إلى مثابة عمود يحمل جميع مكونات العمل. وقد ملء هذا العمود بمجموعة من الأشكال الصغيرة الآدمية والحيوانية والتي اتخذت شكل سجلات تذكرنا بالمسلات المصرية، مع وجود زخارف خطية بدت غير قابلة لقراءة ذات معنى. هذا الأسلوب قال عنه الكاتب حسان بن رحومة: «كما نجد أن الشبكة الرمزية التي يُدخل فيها الفنان عادل مقديش موضوعاتـــه الفنـــية هي شبكـة شائكة ومعقدة بحيث أن التمـــائم والطـــلاسم والرموز تدور معظمها حول قضايا إنسانية وجودية خالصة، مما يجعلنا نزعم بأن «الصورة المعكوسة» للحياة اليومية أحد المحاور المركزية لهذه الذاكرة ومنبع خصب من منابعها»8.

بذلك رسم الفنان عادل مقديش الجازية بصورة مغايرة لمجمل الروايات وملايين الأشعار التي خصت بها، فلم تعد بالنسبة لمقديش البطلة المناصرة لقومها بحكمتها وشجاعتها وتضحيتها بحبيبها من أجل عشيرتها، بل قدمها مقديش على أنها امرأة متبرجة توظّف مفاتنها لقضاء حاجتها، بل ذهب بها إلى أبعد من ذلك من خلال الإيحاء بعلاقة حميمية بينها وبين الحصان الذي يعد في العديد من الحضارات رمزا للذة أو للطاقة الجنسية الغير محدودة. بذلك جعل الفنان بطلته تتجاوز حدود العلاقات الطبيعية بين البشر لتطال أبعادا أخرى تلامس فيها حدود الشذوذ. وقد بان ذلك خاصة في اللامبالاة التي خصّت به الجازية الفارس الذي مد يده إليها. هذه الصورة التي قدمها الفنان لم تكن الأولى من نوعها. فهي تمثل امتدادا لموروث ثقافي بربري معادي للوجود الهلالي، والذي يجد أثره في بعض السير والكتابات التي تروي بأن الجازية كانت تفاوض العلاّم وهو صاحب أبو زيد الهلالي بذكاء وجرأة ولا تتردّد الجازية في إبداء مفاتن جسدها لتغري العلاّم». بالإضافة إلى بعض السير التي تتغنى ببطولات الزناتي حاكم تونس الذي قاوم الزحف الهلالي على بلاده مثل تلك التي ذكرها الكاتب خالد أبو الليل عندما قال بأن منطقة دندرة وما يحيطها في مركز قنا، ومنطقة القلعة وما يحيطها في مركز قفط ينسبون إلى الأمارة، يفضلون الزناتي خليفة؛ لذلك فإن الشاعر عندما يقوم بإحياء إحدى الحفلات بهما فإنه يحرص على اختيار القصص التي يكون فيها الزناتي خليفة منتصرا؛ حتى لا يصطدم بانتماءات الجمهور المستمع إليه9 . إضافة إلى ذلك أشاد الكاتب محمد الدسوقي رشدي بدوره بالبطل البربري ضمن مقال حمل عنوان: بطل السيرة الهلالية في المغرب العربي وعدو أبوزيد الهلالي: الزناتى خليفة.. القوة والشجاعة حينما تقتلها الخيانة. ذكر فيه مدى أهمية شخصية خليفة الزناتي وتميزها بالرجولة والشجاعة والدفاع عن الوطن 10.

الخاتمة

ليس غريبا أن يقترن اسم الفنان عادل مقديش بالموروث الشعبي بمختلف تجلياته. هذا الموروث الذي وجد في المرأة المستند والأداة والوسيلة لتبليغ مجموعة من أحاسيسه وأفكاره ضمن فضاء تشكيلي مشبع بالزخارف والرموز، إلى درجة يصير كل جزء من اللوحة عبارة عن لوحة مستقلة بذاتها. فقد تفطن الفنان إلى مدى ترابط الثقافة الشعبية التي تمثل أحد أوجه الموروث العربي الإسلامي بالإشباع الزخرفي الشكلي واللوني مثلما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين الغربيين المهتمين بالفنون الإسلامية أمثال الباحث الفرنسي الكسندر بابادوبولو الذي يعتبر أن هذه الخاصية تمثل أحد ركائز الفنون الإسلامية انطلاقا من فرضية «الخوف من الفراغ»11. والتي تمتد حسب رأينا إلى الجانب السلوكي والتواصلي في الثقافة العربية الإسلامية. ذلك هو الأسلوب الذي انتهجه الفنان عادل مقديش في جل أعماله والتي حوّل من خلالها الحيز التشكيلي إلى معزوفة زخرفية يتحكم في أسرارها من خلال اختياراته اللونية والشكلية. لذلك فإن اهتمامه بالسيرة الهلالية أو الأساطير الفينيقية والتونسية أو العربية، يدخل ضمن واحدة من مجموعة الحلقات التي سجل فيها اهتمامه بالمورث الشعبي التونسي والعربي عموما، بما يحمله من سير وأساطير تتماهى مع شغفه بالفن السريالي الذي مثّل حلقة هامة من حلقات البحث لديه باعتبارها عُدّت مرحلة البدايات التي انطلق منها إلى عالم الأساطير والخرافات والسير الشعبية، فقد تفطن إلى الخيط الرفيع الذي يربط الموروث الشعبي التونسي والعربي عموما بعالم الخيال والحلم. فلم يكن هاجس الفنان تصوير وقائع الأحداث الأساطير القديمة، بقدر ما كان يتخذها مصدر استلهام لتبليغ هواجسه الداخلية والتي كثيرا ما تجدها تتطابق مع أفكاره ومواقفه تجاه الأحداث التاريخية التي مرت بها البلاد التونسية عبر تاريخها القديم. فقد قال الفنان: «لي ذكرى أليمة مع الروم والأتراك والأسبان وقبائل بني هلال الزاحفة... أرسم خصوبة عليســة على جلود البقر المقدس، أنحت وجه جـــوغرتا في أسواق الأفراس البربرية. حفرت على جدران المعابد الإفريقية رسم السفن الساحلية وأشرعتها المنسوجة بشعر النساء»12 وقد جسد الفنان هذه الآراء بطرق مختلفة، وبأساليب مميزة أكسبته طابعه الفني المميز الذي يختلف عن أسلافه المصورين الشعبيين والفنانين العالميين الكلاسيكيين والمعاصرين، حيث تمكن من أن يأخذ المشاهد إلى عوالم وأزمان بعيدة وقريبة من دون أن يفقده متعة التذوق الجمالي، ضمن فضاء تشكيلي محكوم بعلاقات تنظيم دقيق، وحس مرهف وخيال فياض.

الهوامش

1. ذكره رياض العلوي، جريدة الأنباء 16 سبتمبر. 1981.

2. هي أميرة فينيقية أسطورية أسّست مدينة قرطاج. ورد ذكرها في الكثير من المصادر التاريخية والأدبية القديمة من يونانية ورومانية،. عليسة هي ابنة ماتان (Matan) أو موتو (Mutto) ملك مدينة صور الفينيقية، وقد ذكر تيمي أنّ الأفارقة لقبوها فيما بعد بديدون وهو الاسم الذي خلّده الشاعر فرجيليوس (ق 1 ق م). تزوجت هذه الأميرة من أشرباس (Acherbas) كاهن الإله الفينيقي غير أن أخوها طمع في ثروة زوجها فقتله. وتقول الرواية أن عليسة تحايلت من أجل الفرار بكنوزها مصطحبة معها عددا من سادة قومها، واتجهت نحو خليج تونس. اشترت من حاكم البربر قطعة أرض صغيرة بمساحة جلد ثور، ثم تحايلت من أجل توسيعها، أسست فوقها مدينة أطلق عليها اسم قرط حدشت (قرطاج أي المدينة الجديدة، وكان ذلك سنة 814 ق م.

3. Pierre-Narcisse Guérin. Énée racontant à Didon les Malheurs de la ville de Troie.

4. محمد التونجي، معاجم أعلام النساء دار العلم للملايين، بيروت لبنان. 2001. ص.147.

5. تتفرع السيرة الهلالية إلى قصص كثيرة مثل قصة الأمير أبو زيد الهلالي و قصة أخته شيحة المشهورة بالدهاء والاحتيال، وسيرة الأمير دياب بن غانم الهلالي، و قصة زهرة ومرعي وقصة عزيزه ويونس وغيرها من السير التي تشكل في مجموعها ما يعرف بسيرة بني هلال.

6. حظيت السيرة الهلالية باهتمام مجموعة من الفنانين التونسيين والعرب. فإضافة إلى الفنان عادل مقديش نذكر إبراهيم الضحاك الذي يفتخر بأمجاد الهلاليين باعتبار أنه ينحدر من تلك القبيلة.

7. بدر العشري .الثقافة الشعبية كمدخل لرصد التحولات السوسيولوجية

- نشر بمجلة الأحداث المغربية يوم 21 - 12 – 2013

- https://www.maghress.com

8. حسان بن رحومة. موقع بوابتيhttp://www.myportail.com

9. د. خالد أبو الليل . الثقافة الشعبية الععدد28 . فصلية علمية متخصصة رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم .ص .26-27.

10. محمد الدسوقى رشدى https://www.youm7.com/story/2009/1/1/.

11. Alexendre papadopolo. l’islam et l’art Musulman. Citadelle et Mazenod. Paris 1976.

12. ذكره رياض العلوي ، جريدة الأنباء 16 سبتمبر 1981

الصور

- الصور من الكاتب.

أعداد المجلة