فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
47

القهوة الإماراتية والقرى التونسية والطب الشعبي اللبناني وتعريف بعلم من الجزائر

العدد 47 - جديد النشر
القهوة الإماراتية والقرى التونسية والطب الشعبي اللبناني وتعريف بعلم من الجزائر
كاتبة من مصر

رحلة هذا الملف تتنوع جغرافيًا وموضوعيًا، وهو المنهج الذي اتبعناه دومًا في جديد النشر. وقد بدأنا الرحلة في كتاب غاص مؤلفه في صلب المعتقدات والمعارف الشعبية اللبناية في أسلوب مازج بين البحثي والروائي، ثم سافرنا إلى شمال إفريقيا وتوقفنا في تونس لنتنقل بين قرى واحات نفزاوة وما تحتويه من مساكن ارتبطت بتراث شعبي عريق، وانتهزنا فرصة وجودنا بتونس لنسافر إلى الجزائر لنذهب في رحلة داخل علم ورائد في الثقافة الشعبية الجزائرية وهو العلامة «محمد بن شنب»، ثم عدنا للمشرق العربي لنتعلم فنون وآداب صب القهوة في الإمارات من خلال كتاب يُعد الأمتع في مجاله.

معتقدات وطقوس لبنانية

صدر عام 2017 الجزء الأول من كتاب «تلك الأيام معتقدات وطقوس» لمؤلفه خضر ضيا عن دار الحداثة في بيروت. ويقع الكتاب في طبعته الأولى بحجم متوسط في 352ص. وقدم للكتاب كل من زاهي ناضروهاشم إبراهيم، ويُعد تجربة مهمة في توثيق ورصد المعتقدات والمعارف الشعبية بلغة أقرب للروائية، ومن ثم فقد تحقق الجانبان العلمي والإبداعي في آن، وقد كابد المؤلف جميع المظاهر الشعبية التي كتب عنها، وقد شاهدها ولاحظ كيف تتم وحرص على تسجيلها أولاً بأول. فحفل الكتاب برحلة شيقة بين الشيوخ الذين يعالجون بالقرآن، والسحرة الذين يقدمون وصفات سحرية، وزيارة الأولياء، وتأثير الكائنات الخارقة، والاحتفاء بالكلمات المطلسمة. كما رصد المؤلف العادات والتقاليد الشعبية منذ مرحلة ميلاد الأطفال وعادات الزواج والأفراح والأغاني حتى مرحلة الوفاة والعزاء وما يرتبط بها من احتفالات شعبية موسمية. وارتبطت معظم حكايات الكتاب بالقرى الجنوبية اللبنانية حيث جبل حرمون الذي شهد خبرات أبطال هذا الكتاب والذين عاصرهم المؤلف وسجل عاداتهم وطقوسهم وأمثالهم الشعبية وتعبيراتهم اليومية التي تظهر بين موقف وآخر عبر صفحات الكتاب. كما حفل الكتاب أيضًا بذكر بعض الأدوات التي كانت تستخدم في الماضي، وقد اندثر معظمها الآن مثل: النير- المحراث- المعاول- المزابل- كبكبة- اسمندرة- تبانة- روزنة- كواير- بابور- طبسة- دست- جنطاس..إلخ.

وقد ركز خضر ضيا على المعارف والمعتقدات المرتبطة بالطب الشعبي خاصة، وكيف تلجأ الجماعة الشعبية إلى الكثير من الممارسات العلاجية للتخلص من المرض. وقد أشار زاهي ناضر في مقدمته إلى أن معتقدات حكايات هذا الكتاب تمحورت، أكثر ما يكون، حول التناسل والخصوبة والإستمرارية الزمنية للجماعة، وسبل العلاج من الأمراض، ومقاومة الشرور والحوادث المشؤومة، والوقاية من طاقة الأذى المتربصة بحياة الإنسان. والملفت أن جملة هذه القضايا تدخل في إطار مشاغل ما يسمى «الطب الشعبي» بصورته القديمة المتوارثة، حيث لم يكن هناك أطباء بالمعنى الحقيقي، ولا مستشفيات أو تقنيات مخبرية.

وينقسم الطب الشعبي إلى فرعين هما الطب الشعبي الطبيعي التجريبي، والطب الشعبي الديني والسحري. يعتمد الأول على العلاج بالأدوية الطبيعية، أي على التداوي بالأعشاب والحمية وبعض الأغذية الخاصة، إلى جانب العلاجات الجراحية الأخرى كالفصد، والحجامة، والكي بالنار. أما الفرع الثاني فينقسم في الثقافة الرسمية إلى قسمين: أحدهما طب مشروع، أي يقره الشرع الإسلامي، ويستعين بالدين وطقوسه في العمل الطبي، ويدعي «العلاج بالأدوية الروحية»، ويبغي رفع معنويات المصاب، وتلطيف الوجه المقهور للزمن، ويعتمد التداوي بالقرآن، والرقى والصلاة والدعاء والأذكار والنذور لمقامات أنبياء الله وأوليائه، ويقوم بخدماته الممارسون المعروفون وبعض رجال الدين ومشايخ الحي. (ويقوم بخدماته رجال الدين ومشايخ الحي، وبعض الممارسين المعروفين.) أما القسم الآخر، فهو طب غير مشروع دينيًا، لأنه يلجأ إلى الأساليب السحرية، ويُعرف باسم الطب الغيبي أو الخرافي، ويتوسل بالتمائم والتعاويذ والأحجبة والطلاسم، وغيرها من الطقوس الغريبة بشروطها وممارستها، مما نهى عنه الدين، ويقوم به لطرد الأرواح الشريرة من تجمع لديه القوة السحرية والقدرة الدينية، وخصوصًا أصحاب الباع الطويل في تحضير الجان وكتابة الحجابات والتعاويذ.

ومن الملاحظ، بالاستناد إلى حكايات الكتاب، أن القرويين، في ممارستهم للطب الشعبي، كانوا يعتمدون على العلاج بالأدوية الطبيعية، أو بالأدوية الدينية والسحرية، أو بهما معًا. فيقترن البُعد الطبي بالبُعد الغيبي. وفي أغلب الأحيان كانت الوصفات السحرية أكثر شيوعًا بين الناس من حبوب الدواء، لعلاج الأمراض أو للوقاية منها. ويشير هاشم إبراهيم في مقدمته للكتاب بقوله «تلك الأيام» الذي ألفه خضر ضيا نجد فيه فلاحين- رعاة- أكداس أغلال- أكوام أمنيات- جرار تتراقص على طريق العين فوق أكتاف الصبايا، زواقيق عابقة بروائح الخبز المرقوق ومشاطيح التنور، ورائحة البصل والكشك، وبأغنيات المصاطب، عواء الليل تنفس الشجر، وعلى أسطح البيوت تجفف النسوة القمح المسلوق والكشك، ويجففن أجسادهن تحت لهيب الشمس، وعند الدغوس يفرش المساء ضوء القمر تحت شجرة الزنزرخت لتعمر سهرات وحكايا الغيلان والضباع والأفاعي والجان..

وقد أسند خضر ضيا بعض العناوين الروائية بكل فصل من فصول كتابه، ليستقطب جمهور القراء إلى جانب جمهور الباحثين والمبدعين، وقد جاءت فصول الكتاب في نحو عشرين فصل حملت العناوين التالية: سراج الليل- بَطَّاح، حامي الحِمى- حسن وإبليس- الحُمَّى المُثَلَّثَة- الولد المبدول- حلفت على «الكراعين والراس»- « دَشِّر قَمَرْنا يا حُوت»- دقّ الكوز بالجرَّة- أسنان«أبو قَرُّوش»- «سَبَعَهُ الضَّبْعُ»- عقدُ لسانِ الوقش- قاطع شرش الإنس- علقة سخنة- «قوسُ قزح أم قوسُ الله»- كبسة النفساء- «تعريصة الفقير»- عين المسيح (آية يسوع الأبدية)- زيارة مقام النبيّ«سُجُدُ». في كل فصل نشهد قصة البحث عن حلول دينية وسحرية وعلاجات طبيعية وعقاقير ومشروبات تقليدية في عوالم أبطالها من الرجال والنساء والأطفال.. ففي حكاية «سراج الليل» تبحث أم علي عن علاج لابنها الذي هزل جسده وارتفعت حرارته فشرعت لتقديم مشروبات كالبابونج والزوفا والعيزقان، ولم تفلح تلك المشروبات، فشرعت الأم في أن تسكب له رصاصة تفك بها العين الحاسدة وهي تقول «طقت العين عنك وراحت».. ولما لم تفلح الرصاصة المذابة، لجأت الأم للحاجة زينب ذائعة الصيت وذات الباع الطويل في عالم الرقى، وقد دنت من الطفل المريض لتتلو عليه الرقية التي تحفظها عن ظهر قلب، وهي تنفخ داخل قبضة يدها اليمنى بين الفينة والفينة ثم تعود وتُمسد براحة كفها على رأس الصبي وجبينه وهي تقرأ الرقية: أُعيذك بكلمات الله التامة وأسمائه كلها، من شر كل عين لامة، ومن شر أبي قترة وأبي عروة...إلخ. ولم تفلح الرقية في علاج الطفل ولم تياس أم علي التي لجأت إلى الشيخ عبد الحليم في القرية المجاورة، وقد سألها عن اسمها واسم المريض، ثم دلف إلى غرفة حافلة بعدة الشغل ومستلزمات المهنة كالبخور وما شابه، وأخذ ينادي على أسماء الجان.. وبعد مجموعة من الطقوس يصرح للأم بأن طفلها قد تلبسته «قرينة» ثم جهز لها حجابًا في قطعة قماش خضراء وأوصى أم علي أن تربط الحجاب إلى زند الصبي حتى يشفى... وتستمر رحلة الأم للبحث عن علاج لابنها الذي لم تفلح معه جميع المحاولات السابقة ليستقر الرأي على اللجوء إلى سهجونة ابنة مختار القرية وهي المرأة المحترفة في إجراء الاحتفال الطقوسي المسمى «سراج الليل»، وهو احتفال يشارك فيه الجيران والأطفال يبدأ بجمع الطحين وزيت الزيتون والخرق البالية من سبعة منازل في كل منها ذكر اسمه «محمد»، وسبع منازل في كل منها أنثى اسمها «فاطمة»، ثم يتم عجن الطحين، ويدعى صبية القرية عصرًا للاحتفال حيث ينتقل الخبز من منزل إلى آخر، وبعد مجموعة من الطقوس يجتمع المشاركون قبالة منزل المريض، ويسمى العجين فيما بعد باسم «سراج الليل».. ثم تهتف سهجونة ويردون ورائها: يا ضبوعة البرية.. كُلي الحمى والبردية.. عن علي بن حاجة» أي عن المريض بعد نسبة اسمه لأمه وليس لأبيه..

وعلى هذا النحو تمضي حكايات الكتاب الممتعة والحافلة بتفاصيل الثقافة الشعبية والخبرات الشعبية لأهالي الجنوب اللبناني..

فولكلور واحات نفزاوة

صدر عام 2017 أيضًا الطبعة الأولى من كتاب «قرى واحات نفزاوة: التاريخ والجغرافيا والمعمار» لمحمد الجزيراوي، عن دار المغاربية للطباعة وإشهار الكتاب بتونس، والكتاب يقع في 275ص. وتوجد واحات نفزاوة في الجنوب الغربي من البلاد التونسية وتمتد إداريًا اليوم على مساحة ولاية قبلي، وتُعد المنطقة منخفضة مقارنة بما حولها، ومن مظاهر ذلك امتداد الشطوط والكثبان الرملية على جزء كبير من مساحتها. وقد أوضح المؤلف في مقدمته مدى اختلاف عمله هذا عمن سبقوه في دراسة المنطقة تاريخيًا وجغرافيًا، مشيرًا إلى أنه قد استفاد كثيرًا من تلك الأعمال ومن غيره، غير أنه اختص كتابه بالبحث في التراث العمراني والمعماري لمختلف قرى الدراسة، ومن ثم فقد قدم مادة مختلفة كونها اعتمدت على الجانب الميداني والشهادات الشفوية، كما أشار إلى أن حجم ما قدم في الكتاب يختلف من قرية إلى أخرى نتيجة عوامل عديدة منها العراقة التاريخية، فهناك قرى ضاربة في عمق التاريخ، وأخرى لم يمر عليها سوى سنوات قليلة، فضلاً عن أهمية الوثائق المتوفرة لدى المؤلف عن كل قرية، وأخيرًا حجم التعاون الذي وجده المؤلف من سكان قرى دون أخرى، وهو ما يمثل أحد صعوبات الجمع الميداني في مجال التراث عامة. وقد تجاوز عدد القرى التي تناولها الجزيراوي في كتابه خمسون قرية، شملت القرى المأهولة اليوم فضلاً عن بعض القرى التي غادرها سكانها خلال القرن العشرين مثل الدرجين وعوينة راجح والصنم والقصر لحمر..وقد لاحظ المؤلف أن النسيج العمراني التقليدي لقرى الواحات القديمة يمتد على مساحة صغيرة، وقد بدا كثيف المباني ومتشعب الأنهج ومتعدد الساحات العامة، في حين اعتمد سكان قرى الواحات المستحدثة على سكن مشتت وممتد على مساحة شاسعة.

كما لاحظ المؤلف أن الفلاحة السقوية هي أهم ما يميز تلك القرى، وقد أشار إلى تجربته الميدانية قائلاً: بعد أن قمنا بدراسة المادة الوثائقية وإثر العديد من الزيارات الميدانية وتسجيل المادة الشفوية، عملنا على تصنيف قرى هذه الشبكة إلى مجموعات اعتمدنا فيه على العامل الجغرافي كمقياس أساسي. فبعد الفصول الثلاثة الأولى للكتاب والتي تهتم بالتقديم الطبيعي والتاريخي والاجتماعي للمنطقة تأتي بقية الفصول متضمنة كل منها على مجموعة قرى تبعًا لتسميات قديمة أو انطلاقًا من أسماء اخترناها، وهي على التوالي: قرى بلاد «الزّوِي» وقرى منطقة «العِناد» وقرى منطقتي راس العين والبحاير وقرى منطقة «الشارَع» وقرى دوز وما جاورها وقرى الفوار وأخواتها. وقد تناول المؤلف في كل قرية الملامح التاريخية والأثرية العامة مع التركيز- كما أشرنا- على النسيج العمراني والتراث المعماري مثل أهمية موقع القرية وشبكة الطرقات ومحيطها البيئي لاسيما علاقتها بالواحة. مع الإشارة من حين لآخر لأصل التسمية.

بدأ الكتاب بعرض للمعطيات الطبيعية للمناخ بقرى واحات نفزاوة، متعرضًا للمناخ التضاريسي، والمياه والشبكة الهيدرولوجية، والمناطق الجغرافية. لينتقل للحديث عن المعطيات التاريخية للمنطقة ليتناول أصل التسمية، ونفزاوة خلال العصور القديمة والعصر الوسيط، والعصر الحديث حتى المرحلة المعاصرة. وقد توقف المؤلف في الجزء الخاص بالمعطيات الاجتماعية ليعرض لنا النظام الاجتماعي والاقتصاد المعيشي والأنشطة الحرفية بنفزاوة، ثم يشرح لنا العادات المرتبطة بالمجموعات ذات القرابة الدموية المرتكزة على النظام الأبوي دون تعدد الزوجات، ويجتمعون لاتخاذ القرارات في مختلف شؤون القرية، وتساهم المرأة في بناء المسكن بإعداد الجبس وجلب الماء، وكذا الأعمال المنزلية، فضلاً عن بعض الأنشطة الحرفية والفلاحة. ويختار زعيم القبيلة عادة من بين الشخصيات التي اكتسبت خبرة طويلة في الحياة العامة من بين أعضاء مجلس كبار القبيلة الذي يسمى «الميعاد».

وفي إطار النظام الاجتماعي لدى المجموعات القبلية التي كانت تجوب الأراضي الجنوبية من منطقة نفزاوة، فتُعد الأسرة الخلية الأساسية في التنظيم الاجتماعي.. وتنطلق كامل القبيلة نحو «دار المصيف» بالممتلكات التي يمكن حملها على ظهر الإبل ولا يتخلف عن الرحيل إلا من كلف بحراسة النخيل والمؤن المخزنة في مساكن تم بناؤها لهذا الغرض. وتهتم النساء ببناء الخيام منذ أواخر الشتاء إلى أواخر فصل الربيع بينما يبنون زرائب من أغصان الأشجار الصحراوية كمسكن صيفي، ويسمى الانتقال بين المرحلتين «النقضة» ويعرفون موعدها بظهور الجوزاء في السماء، ومن الأقوال التي تتداول في هذا المعنى «إذا ريت الزوزا في العشي وتي الدلو والرشي». وما أن تبدأ بشائر فصل الخريف حتى تعزم نجوع البدو على العودة إلى «دار الشتي»، وبنفس الخبرة التي يمتلكونها في تحديد موعد السفر، فهم يعرفون الوقت المناسب للانتقال من مرحلة لأخرى. يقطن البدو خلال هذه المرحلة في زرائب يشيدونها من خشب النخيل وجريدها، أو مساكن نصفها الداخلي حفر في الأرض ونصفها الخارجي يتمثل في سور من الجريد أو أغصان الأشجار. وتقوم النساء خلال هذه المرحلة بترقيع بيوتهن وإعداد المؤن الغذائية، بينما يقضي الرجال أغلب وقتهم في التزود بحاجياتهم من التمور والحبوب والزيوت وبيع السمن والصوف أو جني التمور، ومنهم من يستغل الفرصة لبناء غرفة للخزن أو ترميمها للذين شيدوا سابقًا، ويشتغل الجميع بإقامة احتفالات الزواج وأداء زيارة للأولياء الصالحين. وقد اهتم الباحث بدراسة خمس قبائل في نفزاوة هي: أولاد يعقوب- المرازيق- العذارى، الصابرية، غريب.

وارتبط النظام الحرفي بنفزاوة بالنجارة حيث وظفت أخشاب النخيل والأشجار في صنع الأبواب، واستفادت المرأة من السعف في صنع الأواني، كما انتشرت الحرف المرتبطة بصوف الأغنام وصناعة الجلود، وكذا النسيج الذي اعتمد على النشاط العائلي، ثم صناعة الطين التي تستخدم كمادة محلية، فضلاً عن الأعمال المتعددة المرتبطة بالفلاحة. ويبدأ المؤلف بعد ذلك في رصد موسوعي لقرى الدراسة قسمها على ستة فصول، استهلها بقرى بلاد الزِوِي، وهي: الدِّبَاشَة- فُطْنَاسَة- بِشْرِي- زاوية العانس- زاوية الحَرِثْ- أُم الصُّمْعَة- زاوية الشُّرْفَة- بُوعبدالله- المِنْشْيَّة- القلِيعَة- نَفة- جزيرة الوحيشي- الزيرة البعيدة- الشوشة. أما منطقة العْنَادْ فقد تناول فيها المؤلف قرى: طُنْبَارْ- الرابطة- المنصورة- الجديدة- تِلِّمينْ- تِنْبيبْ. أما منطقتي راس العين والبحاير فقد تناول فيها قرى: قبلي القديمة- الكَعْبي- قبلي- جنعورة- استفطيمية- ليمافس- سعيدان. ثم منطقة الشَّارَعْ وتضم قرى: بَازْمَةْ- الرَّحْمَاتْ- المساعيد- جِمَّنَةْ- القصر لحمر- القَّلْعَة- القطْعَايَة- ابِنِسْ- بِشِلِّي- البَرْغُوثية- كِلْوامن- غِليسية الفدارة- بني امحمد- البْلِيدات- الجِرْسين- الطويبة). ثم منطقة دوز وما جاورها وتضم قرى: دوز- غليسية- الحِسي- زعفران- الصنم- نويل- الكليبية- الشكرية. وأخيرًا منطقة الفوار وأخواتها، وتضم قرى: غيدمة- بِشني- الدِرْجينْ- عِوينة راجح- الفَوَّارْ- الصابرية- قرى رجيم معتوق. ويقدم المؤلف بكل منطقة بيانات موسوعية تتفاوت حسب ما تيسر له من جمع ميداني، مشيرًا إلى موقع القرية وما دون حولها في المصادر تاريخيًا وكذا المادة الشفهية، ثم الآثار الموجودة بها، ثم يسجل المؤلف وصفًا دقيقُا لمساكن القرية، وارتباطها ببعض المزارات كمقامات الأولياء وغيرها، ثم يشرح الحراك الاجتماعي للسكان، والمقارنة بين المساكن القديمة والحديثة، مشيرًا لأصل التسمية كلما أمكن. واختتم الجزيراوي كتابه بملحق احتوى بيانات أهم المجموعات والأعيان والطرق الصوفية بقرى نفزاوة أواخر القرن 19، وملحق آخر ضم معطيات حول بعض القطاعات بنفزاوة سنة 1959، وبيان بعدد المساكن الصلبة (العريش) والقربى والخيام بنفزاوة سنة 1924. وأخيرًا قدم لنا المؤلف قائمة بالمصادر الشفوية التي اعتمد عليها في جمع مادته، وضمت 76 إخباري من مختلف قرى الدراسة.

آداب صب القهوة في الإمارات

صدر عام 2016 كتاب «آداب صب القهوة في الإمارات» لمؤلفه عبدالله خلفان الهامور اليماحي، عن معهد الشارقة للتراث، والكتاب في الحجم المتوسط في 130 صفحة. واعتمد الكتاب على التجارب والملاحظات الشخصية للمؤلف خلال خبراته الطويلة في هذا الموضوع، وكذا الرجوع لبعض المتخصصين، والمصادر العربية التي تناولت الموضوع، ومن ثم يُعد الكتاب وثيقة مهمة لتوثيق آداب القهوة وما يرتبط بها من ممارسات، بلغت ما يقرب من خمسة وتسعين أدبًا لصب القهوة مما ورثه المؤلف وتعلمه وشاهده في هذا الأمر خلال ربع قرن من الزمان، لازم خلالها مجلس والده- رحمه الله- وكذا مجالسة الكبار ومجالس العائلة؛ إذ كانت- كما يشير الهامور- ملأى بالقيم والأخلاق والأدب والشعر وحب الوطن، وكذلك المشاهدة والمعايشة اليومية، حيث كان حريصًا كل الحرص على متابعة الأمور التراثية ومعرفة الآداب وما يختص به السنع الإماراتي من عادات وتقاليد. ويضيف المؤلف قد تكون هناك آداب سواء كانت أفعالاً أو أقولاً أخرى لصب القهوة لم يقف عليها، لدى بعض القبائل، وكذلك في بلدان عربية لها عاداتها وتقاليدها في صب القهوة.

وقد أسند المؤلف لفصول الكتاب بعض الصور الكاريكاتيرية لتوضيح آداب القهوة في كل مرحلة بطريقة مسلية، حيث أشار إلى أن الكتاب موجه لفئة الشباب. وقد أعد هذه الصور الفنان عادل خليل الحوسني بشكل محترف. وقد صنف عبدالله الهامور كتابه إلى خمسة فصول، خصص لكل منها أدبًا من آداب صب القهوة مراعيًاتسلسل هذه الآداب قدر المُستطاع.

وقد بدأ الكتاب بعرض لآداب حامل الدلة وهو «المغنم» أو راعي الدلة أو «الصبيب» أو «المقهوي»، وهو الشخص الذي يصب القهوة، حيث أشار إلى أن راعي الدلة يجب أن يتحلى ببعض الآداب والتي حصرها المؤلف في 44 أدبًا، أي أنها اشتملت نصف الآداب المسجلة بالكتاب تقريبًا، منها أن يكون صاحب الدلة عند صبه القهوة حافي القدمين، وأن يكون واقفًا عند صبه القهوة، ويتميز بالمظهر الحسن، وألا يسمح لوالده بأن يصب القهوة للضيوف في وجوده، وأن يكون موقعه في أول المجلس قرب الباب، وأن يشرب ويجرب الفنجان الأول، وأن يتأكد من سلامة الفناجين قبل تقديم القهوة إلى الضيف، وأن يهز الفناجين التي بيده قبل أن يصب فيها القهوة، وأن يمسك مقبض الدلة من الوسط وإصبعه الإبهام أعلى المقبض، وأن يرفع الدلة عن الأرض بطريقة هادئة وغير خاطفة، وأن يمسك الدلة باليد اليسرى والفناجين باليد اليمنى، وأن يكون عدد الفناجين التي يحملها بيده ثلاثة فقط، وإذا كان في المجلس رجل ذو وجاهة يبدأ به، وإذا لم يعرف إلى من يقدم الفنجان الأول، يتقدم لوالده وهو يوجهه (حالة الشك)..إلخ.

أما ما يخص واجبات الضيف وهي الآداب التي يتحلى بها الضيف أثناء شرب القهوة من تسلمه وشُربه وتسليمه الفنجان، فقد بلغت 22 أدباً، منها أن يُقبل على صاحب الدلة بصدره ووجهه عند أخذ الفنجان، وأن يتسلم الفنجان بثلاثة أصابع: الوسطى والسبابة والإبهام، وألا يشرب أكثر من ثلاثة فناجين؛ فلا يصح له الفنجان الرابع، وأقل ما يشربه فنجانان، وهذا هو الأفضل. ولا يصح له ترك شيء من القهوة داخل الفنجان ويسلمه لصاحب الدلة، وألا ينفخ في الفنجان ليبرد القهوة، لكن يحركه حركة شبه دائرية، وألا يخرج صوتًا عند شرب القهوة بشكل ملحوظ أو واضح، وألا يترك الفنجان في يده مدة طويلة وينشغل بالكلام، وإذا كان بجانبه شخص ذو وجاهة، يُستحسن أن يقدم إليه فنجانه تقديرًا له. وأن يضغط بالفنجان على يد صاحب الدلة، إذا أراد زيادة كمية القهوة، وأن يأخذ الفنجان باليد اليمنى ويشرب ويسلمه باليد اليمنى كذلك، ولا يجوز له أن يأخذ الفنجان وهو واقف بل عليه الجلوس، وألا يكون واضعُا رجلاً على رجل أو متكئًا حينما يتسلم الفنجان. وألا يطيل الحديث مع صاحب الدلة أثناء أخذ الفنجان، وأن يقبل الفنجان الذي وجهه إليه صاحب المجلس، وألا يضع الفنجان على الأرض إلا إذا كانت له حاجة، وألا يتقدم الضيف لصب القهوة، ولو كان أصغر من في المجلس سنًا، وللضيف الحق أن ينادي: فنجانك يا راعي الدلة، إذا نسى الفنجان في يده، وأن يهز فنجانه عند الاكتفاء من شرب القهوة، ويقول (غنمت)، كما يحق له أن ينبه صاحب الدلة إلى عيب في الفنجان، وألا يسلم فنجانه إذا تزامن انتهاؤه من شرب القهوة مع ذي وجاهة أو كبير سن، وأخيرًا على الضيف أن يستأذن صاحب الدلة أولاً إذا أراد الخروج والدلة (دايرة أو واقفة( قائمة.

أما الآداب المرتبطة بالقهوة والدلة والفناجين فقد جاءت في 12 أدبًا، منها أن تكون الدلة والفناجين على درجة كبيرة من النظافة، وأن تكون الدلة صالحة لزل القهوة فيها، ولا تقدم القهوة فاترة أو محمومة؛ أي حرارتها ضعيفة، ولا يصب في الفنجان المشلوم أو الذي فيه شرخ، وأن تكون الفناجين ذات حجم واحد، كما يُمنع وضع الفناجين في صينية ويُطاف بها على الضيوف، وأن توضع الفناجين في طاسة فيها ماء إلى نصفها أو أقل بقليل وتسمى (طاسة الغسول)، وعند وصول ضيف جديد تُصنع له قهوة جديدة، ولا تُستخدم ألفاظًا مثل: (شكرًا)، (عفوًا) عند صب القهوة، وصاحب الدلة هو من يرد على من مدح القهوة، وأخيرًا ينبغي ألا يتقدم الأبناء صغار السن أو من ليس لديه معرفة إلى صب القهوة.

وقد تناول الهامور بعض آداب صب القهوة عند أفراد العائلة والأصدقاء واشتملت تسعة آداب، جاء فيها: يُمنع جلسة القُرفصاء (التربع) على الذي يصب القهوة، ويُسمح له بالجلوس أثناء صبه القهوة، ولا بأس بأن يصب الأب القهوة لأولاده وكذلك الأم، كما يُسمح بالسوالف أثناء صب القهوة، وفي موسم القيظ، لا بأس بأكل الرطب وشرب القهوة في آن واحد، ولا مانع من زيادة عدد الفناجين إلى أكثر من ثلاثة في شرب القهوة عائليًا، كما يُسمح للأولاد في سن السابعة فأكثر بصب القهوة من باب تعليمهم، ولا بأس بكمية القهوة التي تُصب لكبير السن، أن تزيد على ربع الفنجان، ويجب غسل الفنجان بعد شرب القهوة ثم تسليمه راعي الدلة. وفي القسم الأخير من الكتاب سجل المؤلف بعض الآداب العامة التي لم ترد في الكتاب منها بعض العادات المرتبطة بدلة الولائم أو العزاء الكبيرة، حيث أن فنجان العزاء يكون واحدًا ولا يزاد على اثنين، كما أن دلة العزاء لا يُستأذن صاحبها عند المغادرة، بل يُستأذن صاحب العزاء، أما دلة ولائم الأفراح الكبيرة فتكفي الضيف فيها الإشارة إلى صاحب الدلة بالمغادرة، أما الشخص الذي لا يشرب القهوة فعليه الاعتذار لصاحب الدلة ويتحول الفنجان إلى الذي بجانبه، وفي المجالس الكبيرة في الوقت الحالي قد تكون هناك بعض الاستثناءات، غير أن الأصل أن تكون في المجلس دلة واحدة قائمة، وقد يتقدم الأب ليصب القهوة لأحد أبنائه.

والكتاب على هذا النحو يسجل بدقة علمية في الرصد والوصف والتحليل آداب صب القهوة، وفي الوقت ذاته اتسم أسلوب المؤلف بالبساطة والتشويق والمتعة في العرض مما يجعل الكتاب مرجعًا علميًا وأكاديميًا من ناحية، ومرجعًا ثقافيًا وأدبيًا وتعليميًا للأجيال القادمة من ناحية أخرى.

بن شنب والثقافة الشعبية

وفي الجزائر أصدرت مديرية الثقافة لولاية المدية عام 2012 كتابًا حمل عنوان «الدكتور محمد بن شنب والثقافة الشعبية» ويتضمن سلسلة محاضرات الملتقى الوطني المنظم بإشراف المديرية يومي 12 و13 ديسمبر 2011 بجامعة المدية. وقد نشأ بن شنب (1869- 1929) في منطقة عين الدهب بالمدية، حيث حفظ القرآن عن شيخه أحمد بارماق، ثم توجه إلى تعلّم الفرنسية بالمكتب الابتدائي، وحصل على شهادة مكنته من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، ثم توجه إلى الجزائر العاصمة سنة 1886، والتحق بمدرسة المعلمين، وتخرج منها عام 1888، ثم عمل معلمًا ثم توجه إلى الجامعة الجزائرية حيث حصل على شهادة اللغة العربية، كما حصل عام 1896 م حصل على شهادة البكالوريا، وعمل بعدها أستاذًا بالمدرسة الكتانية في قسنطينة، ثم ارتقى عام 1908 إلى درجة محاضر بالجامعة. ثم تقدم عام 1920 لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر ثم عُين 1924 أستاذا بكلية الآداب الكبرى في العاصمة. وقد أتقن إلى جانب العربية اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والأسبانية والألمانية والفارسية، وشيئًا من اللاتينية والتركية.وقد أشار مدير الثقافة في مقدمته للكتاب إلى أن اختيار محور الثقافة الشعبية في فكر العلامة محمد بن شنب (1869- 1929) جاء مؤسسًا على سببين اثنين:أولهما: الأهمية التي تكتسبها الثقافة الشعبية كركن ركين في فهم واستيعاب تاريخنا الثقافي والاجتماعي، وثانيهما: التعرف على مدى اهتمام بن شنب بدراسة الثقافة الشعبية، ومدى مساهمته فيها، وكيف تعامل معها في ظل الهيمنة الاستعمارية.. كما أكد عبد الحميد بورايو إلى أن الوسط الثقافي والجامعي قد تنبه إلى أهمية ما أنجزه بن شنب في العديد من مجالات المعرفة الإنسانية، مثل دراسة التراث اللغوي والأدبي، مع التركيز على الخصوصية المغاربية ممثلة في التراث الأندلسي، ودراسة التراث الشعبي ممثلاً في أشكاله التعبيرية المختلفة كالأمثال والأشعار والعادات والتقاليد والعربية الدارجة. ويمكن أن نستنتج من موقف بن شنب استرتيجية للثقافة الجزائرية في مجال البحث العلمي في الجزائر، باعتباره من أهم مؤسسي البحث العلمي فيها، والمتعلق باللغة العربية، بالدراسات الأدبية والثقافة الشعبية.

وقد سجل التاريخ لهذا الصرح العلمي عديد الصولات والجولات في مناظرة المستشرقين، محاورتهم ومجادلتهم، فأعجز بوافر علمه وبلاغة لسانه وكريم خلقه، فكان رجلاً عاشقًا لوطنه، متمسكا بعروبته وإسلامه وانتمائه.وتُعد الثقافة الشعبية في فكر بن شنب ومدى مساهمته فيها ركنًا أساسيًا في فهم واستيعاب التاريخ الثقافي والاجتماعي الجزائري، إذ تكشف عن كيفية تعامل الرجل معها في ظل الهيمنة الاستعمارية.وتضمن الكتاب محوران رئيسيان؛ الأول بعنوان»مفهوم الثقافة»اشتمل على بعض الدراسات المتخصصة من بعض الباحثين، بدأت بدراسة محروق اسماعيل المعنونة «العلامة بن شنب وآثاره الإبداعية»، حيث أكد على دور بن شنب في تحقيق المخطوطات والمنهج المتبع فيها، ومنها مخطوطة «البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان» لابن مريم التلمساني، و»عنوان الدراية فيمن عرف من علماء المائة السابعة ببجاية» لأبي العباس الغبريني. كما أشار إلى جهد بن شنب في جمع التراث المعنوي وحمايته في مرحلة عصيبة مرت بها الثقافة الشعبية، بمحاولة طمس عناصر هويتها الثقافية وإلباسها ثوبا تبشيريا على يد مجموعة من المستشرقين لخدمة أغراض استعمارية توسعية.كما أشار محروق إلى أن ابن شنب قاد مقاومة ثقافية ضد الاستعمار، مستعملاً سلاح إبراز الثقافة الوطنية العربية الإسلامية الأصيلة وإظهار التباين بينها وبين الثقافة الفرنسية الاستعمارية، ساعده على ذلك تكوين علمي رفيع المستوى، وإتقان متعدد للغات، دراية بفن التحقيق، واطلاّع على أسرار المنهج وخباياه عند المستشرقين، وهذا ما لم يتح لغيره من المفكرين والمحققين.كما سلط الضوء على منهج بن شنب في التصنيف في كتابه «أمثال العوام بأرض الجزائر والمغرب» الذي نُشر بين عامي 1905- 1907 بباريس في ثلاثة أجزاء، حيث اعتمد العلامة على كتب المعاصرين والأجانب في مجال التراث.

وفي المحور نفسه «مفهوم الثقافة» قدم العربي بوجلال دراسة بعنوان «محمد بن شنب حياته وأثاره» عرض فيه لمولد بن شنب ونشأته، وأثاره ومؤلفاته، وكذا تحقيقاته للمخطوطات، وأسلوبه العلمي في البحث، فهو وإن كان أستاذًا لآداب العربية في الجامعة الفرنسية بالجزائر، ونال شهادة الدكتوراة في الآداب، فإنه في الواقع عالم أكثر مما هو أديب، وأبحاثه- وإن كانت في موضوعات أدبية- فهي أبحاث علمية على طريقة علماء المشرقيات لا نكاد نرى عليها مسحة أدبية. وتحت عنوان «أصالة الإيقاع في الشعر الشعبي الجزائري» كتب لوصيف لخضر بحثه مشيرًا إلى أن الإيقاع في الشعر الملحون الجزائري وعناصره لابد وأن يسبقه حديث عن الأوزان في الموشحات والأزجال لشيوعهما قديمًا. فالموشحات هي أقدم تسمية شائعة ظهرت مقرونة باسم بلدها الأصلي الذي ظهرت فيه وهو الأندلس. أما عائشة ملكار فقد قدمت دراسة بعنوان «صورة المرأة في الثقافة الشعبية من خلال عينة من الأمثال في كتاب أمثال الجزائر والمغرب لمحمد بن شنب»، وقدمت الباحثة لمحة عن الكتاب، مشيرة إلى بعض الأمثال التي تذم النساء وتدعو إلى العنف، مثل «النساء بقرات إبليس- النساء كيتهم- ضربة النساء ما تتنسي..إلخ. وتنهي الباحثة دراستها بالإشارة إلى أن هذه العينة من الأمثال الشعبية المدروسة تؤكد أن صورة المرأة العربية ومن خلالها المرأة الجزائرية سلبية، أو هكذا ترسم لها هذه الأمثال الصورة في الظاهر، إلا أننا حين نتعمق تلك الأمثال نجد صورتها إيجابية، ويتضح ذلك من خلال نماذج التحليل التركيبي لهذه الأمثال. واختتم هذا المحور بدراسة لصادق خشاب تحت عنوان «تاريخ الأرقام العربية: الرقم ثلاثة عند العرب أنموذجًا لابن أبي شنب» حيث استعرض تاريخ شكل الأرقام عند العرب، وأشارإلى اهتمام بن شنب بالرقم ثلاثة، حيث تُعد دراسته لهذا الرقم عند العرب من أغنى الدراسات وأضخمها حيث تتناول استشهادات من علم الكلام وأصول الدين والشرع، والشعر العربي والأمثال والحكم التي يحتل فيها العدد ثلاثة مكانة هامة، مع ترجمة وشرح لفصل من كتاب «برد الأكباد في الأعداد» في العدد ثلاثة عند الثعالبي والذي طبع 1927 تحت عنوان الرقم ثلاثة عند العرب.

وجاء المحور الثاني من هذا الكتاب المهم يحمل عنوان ”مستقبل الثقافة الشعبية”، بدأ بدراسة لعبد الحميد بورايو بعنوان «مكانة كتاب أمثال الجزائر والمغرب لمحمد بن أبي شنب بين مصنفات الأمثال الشعبية الجزائرية”، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب يعود إالى مستهل القرن العشرين، والمطلع على هذا العمل مقارنة بمن سبقوه نهاية القرن التاسع عشر(أمثال عبد الحميد بن هدوقة ووقادة بوتارن) سيجده أكثر اكتمالاً وتخصصًا وتوثيقًا حيث عمد إلى مقارنة الأمثال. ويحتوي 3127 مثلاً شعبيًا، موثقة بصيغها التعبيرية الأصلية، مرتبة وفق الترتيب الأبجدي، ومترجمة إلى الفرنسية، موثقة من حيث مصادرها، مشروحة من طرف المصنف ومعلق عليها، ومن ثم فالكتاب يمثل ثروة لغوية هامة يعتمد عليها الدارسون في التعرف على اللغة العربية الدارجة المستعملة في حواضر البلدان المغاربية في النصف الأول من القرن العشرين. كما قدم لعمي عبد الرحيم دراسة بعنوان ”مستقبل الثقافة الشعبية في ظل تحديات العولمة”، ناقش فيها مفهوم الثقافة عامة والثقافة الشعبية خاصة،مشيرًا إلى جبهة الحاضر وتحديات المستقبل، حيث أكد على أن المنظومة الفكرية العالمية أدركت قيمة الثقافة الشعبية من حيث أنها الوعاء الذي يحوي الطرح الهوياتي والحضاري، ثم تساءل في النهاية حول مصير الثقافة الشعبية أمام شبح العولمة، وماهي الإجراءات التي يمكن تفعيلها لحماية الثقافة الشعبية والرسمية من مخاطر العولمة، ومن بين الإجابات التي توصل إليها، نجد التفعيل الحقيقي لمظاهر الثقافة الشعبية، لأنها تعطي لكل مجتمع عناصر التميّز والاستقلالية وتقوي الوحدة الوطنية، وذلك لتنوعها، وإنشاء المخابر ومراكز البحث التي تتكفل بمواد الثقافة الشعبية، مع تسخير الوسائل السمعية البصرية الضرورية ومسح شامل لكافة مواد الثقافة الشعبية على المستوى الوطني، وإنشاء بنك معلومات على الأنترنت ليكون مرجعا للباحثين وملاذًا لشرائح المجتمع تعود إليه قصد الاطلاع على ثقافتها الشاملة كون الثقافة الشعبية أحد روافدها.

وقدم الباحث شيكو يميتة مداخلة بعنوان «زواج المسلمين بغير المسلمين في الجزائر في عهد الاحتلال الفرنسي»، وهو من الموضوعات التي اهتم بها بن شنب ونشره عام 1908 باللغة الفرنسية، حيث تعرض إلى مشكلة الزواج بين المسلمين وغير المسلمين بدءًا بذكر أشكال الزواج عند اليهود والمسيحيين. فهو يرى أنه توجد مصاهرة كبيرة بين الديانات السماوية الثلاث، وبما أن الديانة الإسلامية منحدرة بدون نزاع عن اليهودية والمسيحية، فليس من غير المجدي الإشارة بشكل إجمالي إلى أهم النصوص التي تذكر زواج اليهود بغير اليهود، وزواج المسيحيين بغير المسيحيين، قبل عرض ما يتعلق بزواج المسلمين بغير المسلمين. وأعقب ذلك دراسة بوحبيب حميد بعنوان «محمد بن شنب مترجمًا الشعر الشعبي: قصيدة ”الورشان” لابن مسايب أنموذجًا». مشيرًا إلى أن هذه القصيدة يمكن تصنيفها ضمن شعر «الحنين والشوق» حنين إلى ديار الأحبة والمقصود هنا البقاع المقدسة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. ويخلص بوحبيب من خلال اقتفاء معالم ترجمة هذه القصيدة من مربوع إلى آخر، بأن بن شنب مترجم محنك يدرك لطائف المعاني ويحسن إعادة إنتاج التركيب الأقرب إلى طبيعة الجملة الشعرية لدى ابن مسايب، كما أن الغاية من الترجمة (وهي تعريف القارئ بالفرنسية بأنموذج من الشعر الشعبي) هي التي أملت على المترجم طريقة الترجمة، فقد كان يضع في الحسبان دومًا ذلك القارئ الغربي قليل المعرفة بأبجديات الثقافة العربية الإسلامية، ومن جهة أخرى بذل بن شنب جهدًا جبارًا في توثيق الترجمة، ولم يفته شاردة ولا واردة في التعريف بأسماء الأعلام والبلدان والشعائر. من أجل كل هذا، كان لابن شنب فضل الريادة في ترجمة الشعر الشعبي. واختتمت المداخلات والأبحاث في هذا المحور بمداخلة لنعيمة العقريب بعنوان «توثيق الأمثال الشعبية عند محمد بن شنب»، تناولت فيها منهجية بن شنب في توثيق الأمثال، من ناحية التصنيف والمصادر المرجعية، والبناء اللغوي.

أعداد المجلة