فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
47

الفن الرقمي والحفاظ على التراث الثقافي غير المادي نحو فلسفة للفن في عصر التقنية المعلوماتية

العدد 47 - آفاق
الفن الرقمي والحفاظ على التراث الثقافي غير المادي  نحو فلسفة للفن في عصر التقنية المعلوماتية
كاتب من المغرب

فرض العديد من الفنانين المعتادين في مجال استعمال التقنيات السمعية البصرية أنفسهم كرواد التعبير عن الواقع بواسطة أدوات الاتصال خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ثم تطورت تجاربهم في استخدامات غير متوقعة لتكنولوجيات الشبكات، ما فتح مجال التعبير الفني على أساليب جديدة ووضع الإبداع الفني مجملا في مفترق الطرق بفعل ابتكار الحواسيب والبرمجيات الإلكترونية. لذلك، يقترح هذا النص إعادة قراءة تاريخية وتحليلية لولادة المصنفات الفنية الرقمية وأجهزة الإبداع الرقمية في الشبكة وملامسة بعض خصائص التطور الفني الحديث في شبكة الإنترنت وكيفية صون التراث الثقافي غير المادي عبر المدونات والأرشفة الرقمية.

والواقع أن الفن الحديث بصفة عامة والفنون الجميلة بصفة خاصة استأنسا دائما بما بلغته التقنيات الإنسانية من شأو وتطوير خضع لثلاث ثورات صناعية أثرت كثيرا في بنيانه ووظائفه، أولها الفترة الصناعية الأولى (1760-1820) المرتبطة بميلاد الآلة البخارية وخطوط السكك الحديدية، ثم موجة ثانية (1860-1900) تم اختراع الكهرباء والهاتف فيها، ما فتح الباب على مصراعيه لمرحلة ثالثة (1950-1990) مهدت لعصر المعلوميات واندماجها مع وسائط الاتصال السلكية واللاسلكية.

هذا يعني أن محاولة الربط بين الفن الرقمي والتراث غير المادي غير معهودة في العالم العربي، لكن ممكن أن تجد هذه المحاولة تفسيرها المنطقي على المستوى المعرفي والجمالي بوصف كل الأعمال الفنية أشياء مصنوعة بالمعنى الهيدغري، أي أن الحجر موجود في العمل الفني المحفور أو المنقوش، واللون موجود في اللوحة الزيتية المرسومة، والصوت موجود في العمل الفني اللغوي، واللحن موجود في العمل الفني الموسيقي، وصولا إلى منتجات الفن الرقمي... ويمكن أن نعكس القول إننا نجد العمارة في الحجر، والحفر في الخشب، والنقش في الجبص، والعمل الموسيقي في اللحن، والعمل اللغوي في الصوت، وأخيرا مجمل الأعمال في الوسائط الرقمية.

هكذا، يمكن ان نبرر ضرورة البحث في الثقافة الشعبية من منظور الفن الرقمي، وأن نجد مجمل العناصر الفلسفية الضرورية لهذا المبحث من أجل فلسفة للفن في عصر التقنية المعلوماتية.

وبالنظر إلى الثورة الثالثة، نجد ثمَّة تحولات كبرى أصابت مفاهيم مثل التقنية، والخيال والإبداع، بحيث لا تخل أي تكنولوجيا من تمثيلات اجتماعية، وهذه بدورها تجد فيها أداة من أدوات التعبير عنها، كما يحدث في فن الرسم عن طريق الحاسوب، وألعاب الفيديو والعوالم الافتراضية أو ثلاثية الأبعاد. وهو الأمر الذي يفتح الباب عن إمكانية تقننة الخيال بعد محاولة مكننته.

وإذا تأملنا مليا تكوين هذه الأنظمة التقنية الكبرى، نجد بأنها طورت أربع فئات تقنية بالغة التعقيد بحسب التصنيف الذي اقترحه ميشيل فوكو1:

- «تقنيات إنتاج» تساعد على تسخير الطبيعة وتطويعها والتحكم في مواردها،

- «تقنيات أنظمة الإشارات» تتيح استخدام العلامات، والمعاني والرموز،

- «تقنيات السلطة» التي تهدف إلى توجيه الأفراد نحو غايات بعينها، وهي اليوم تتم بواسطة أدوات جذب وحفز الاهتمام كما يحدث في مجال التسويق والتدبير أو عبر وسائط الإعلام،

- «تقنيات معالجة الذات» التي تسمح بإجراء عمليات حول الجسد أو تغيير سلوك الأفراد وقولبتها، بحيث بدأت التقنيات الإحيائية تخترق اسرار المادة العضوية لحماية الإنسان من أعراض الشيخوخة والمرض وتطوير الأداء.

وهو ما يعني في مجال التفسير الإبستمولوجي أننا إزاء ثلاث أنظمة تقنية كبرى لكل منها مبادئها ووظائفها وآليات تفكيرها ومعاييرها الخاصة بها في قولبة الذهنية البشرية وأذواقها وسلوكياتها، تم تأسيسها بالتدريج حول شبكات النقل، ثم شبكات الكهرباء، وأخيرا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

إجمالا، يمكن التذكير بسمتين أساسيتين للتقنية، فمن ناحية تُوسع التقنية وتُضخم وتزيد من قدرات الفعل الإنساني، ومن ناحية أخرى، هي تخلق عالما آخر، عالما مصطنعا يقوم على تحويل العالم الطبيعي بالالتفاف عليه بالمكر وخديعة قوانينه، لكن ما يبقى هو أن الموضوع التقني في آخر المطاف تكوين اجتماعي وثقافي، ويعد جزءا من « نظام تقني» ينخرط في نظام ثقافي عام ورؤية للعالم، أي أن التقنية عبارة عن إمكانية واختيار ومنعطف طريق يتعين إنجازه، حيث لا مجال لحتمية تقنية خارجية تَفرِض نفسها كقدر مشؤوم على المجتمع.

أكثر من ذلك، يتضح بأن الأشياء التقنية عبارة عن بلورة ثقافية ونظاما من تمثيلات اجتماعية تفسح عن خيالات، بحيث أن حتى الشيء العادي جدا فيها يشتمل على خيار وبراعة ونظام قيم وثقافة معينة. بمعنى أنه يمكن قراءة أي حضارة عبر أشيائها التقنية. أي أن هذه الأشياء حبلى بمفارقة وظيفية وخيالية في نفس الوقت، فهي أداة وظيفية، لكنها في نفس الوقت أداة خيالية.

لذلك هي تُشكل بالجمع « تقنية خيالية» كما يصور ذلك عالم الأنثروبولوجيا جورج بالاندييه. إنها تقنية تبشر بعوالم جديدة كما فعل جول فيرن تماما في رواياته العلمية الخيالية. وهي أيضا في نفس الوقت تقنية تكسر وتجبُّ ما قبلها منذ أن صنع الإنسان أول فأس بدائية إلى غاية صناعته للحفّارات العملاقة. فهي مثل واو العطف تماما، تأتي قبل الفعل الماضي فتقلب معناه إلى المستقبل، وقد تأتي هذه الواو قبل الفعل المضارع فتقلب معناه إلى ماض.

حتما هناك بون شاسع في التعقيد التقني، لكنه لا يعدو أن يكون في الدرجة وليس في الطبيعة، فكلها أدوات ووسائل تنتج بغاية أهداف محددة يختلط فيها الخيال بالحقيقة... إلخ. يتجلَّى ذلك في نموها البالغ السرعة وبصورة رجائحية ومفاجئة أغلب الأحيان، ولا أبلغ من ذلك، أننا أصبحنا مدينين للكهرباء وآلات الطبخ والغسيل ومكيفات الهواء والهواتف المحمولة لا نستطيع منها فكاكا. منه ما يقوله هربرت ماركوزه في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد: إن «الناس يتعرفون على أنفسهم في سلعهم، يجدون أرواحهم في سيارتهم، في أجهزة الهاي–فاي العائدة لهم، في بيوتهم المسواة، وفي تجهيزات مطابخهم». فقيمهم متسقة مع علاقات التسويق والاستهلاك، لا تستطيع عنها بديلا أو تبديلا.

لقد أدى تقدم تقنياتنا المذهل والطواعية والدقة اللتان توصلت إليهما، بالإضافة إلى العادات والأفكار وحتى الخيالات التي أوجدتها وقوع تغييرات عميقة في حياة الإنسان، إذ يستحيل اليوم أن نرى إلى المادة والمكان والزمان كما كان يحدث في الماضي.

ولعل كتاب نتشه وراء الخير والشر (1882)، يصور بدقة عالما تقنيا معاصرا يحبل كل شيىْ فيه بنقيضه: « في لحظات الانعطاف التاريخية هذه تتجلّى متجاورة ومتداخلة ببعضها غالبا حركات نمو وصراع رائعة متعددة الوجوه أشبه بالغابة، نوع من الإيقاع الاستوائي في عملية التطور مع حركة هائلة للتدمير والتدمير الذاتي بفضل الأنانيات المتعارضة تعارضا عنيفا والمتفجرة والمتصارعة فيما بينها من أجل الشمس والنور، غير قادرة على الاهتداء إلى أية حدود أو قيود وأي احترام أو اعتبار في إطار الأخلاق الموجودة تحت تصرفها… لا شيىْ غير «الأسئلة» الجديدة والصيغ الجماعية لم تعد موجودة، هناك «لاء» جديدة تستند إلى سوء التفاهم وانعدام الاحترام وثمَّة انحطاط وشرّ مستطير مع أسمى الرغبات المجتمعة مع بعضها بشكل مخيف، ثمَّة عبقرية الجنس تفيض فوق أطر الخير والشر وتزامن مصيري بين الربيع والخريف… مرَّة أخرى هناك خطر، وهو أمُّ الأخلاق – خطر هائل–. لكنه الآن موضوع خطر على الفرد، على الأقرب والأغر، على الشارع، على الابن بالذات، على القلب بالذات، على أعمق الملاذات السرية للتمني والإرادة»2.

وهذا ما يفسر الصرخة المدوية التي أطلقها نتشه وما زالت تصدح في الآفاق: «احذروا من التقدم التكنولوجي الذي لا غاية له إلا ذاته، احذروا من حركته الجهنمية التي لا تتوقف عند حد، سوف يولد في المستقبل أفرادا طيعين، خانعين، مستعبدين، يعيشون كالآلات، احذروا من هذه الدورة الطاحنة للمال ورأس المال والانتاج الذي يستهلك نفسه بنفسه، احذروا من عصر العدمية الذي سيجيئ لا محالة. إذ لا يكفي أن تسقطوا الآلهة القديمة لكي تُحِلُّوا محلّها أصناما جديدة، لا يكفي أن تنهار الأديان التقليدية لكي تحل محلَّها الأديان العلمية، فالتقدم ليس غاية بحد ذاته».

من التقنية المادية إلى التقنية الرمزية

على مدى تاريخ الفن والتطور التكنولوجي، اهتمّت إبداعات مختلفة في الواقع بتحقيق شروط وسيط الاتصال والحضور عن بعد. غير أن البعد التعاقدي لفعل الاتصال في العصر الرقمي يظل مدفوعا بقوة وباستمرار من خلال تجربة فنية تُنجز في وقت واحد تبادلا ثقافيا وأعمال مشتركة جديدة، كما تعبر عنه اليوم حركات فنية مثل حركات الفن الشبكي، والممارسات الفنية الرقمية (Net art) المتميزة بتجريب تكنولوجيا الاتصال.

ومن ثم، شكّل الاستخدام الفني للشبكات البريدية وخدمة المراسلات من فرد إلى فرد شكلا من أشكال الابتكار في الاتصالات، أي ما يعرف اليوم بفن البريد الرقمي أو فن استعمال خدمات البريد الإلكتروني (le Mail art). وإذا كان هذا العمل الفني يحتفظ بمادية وليونة بشكل صحيح، فإن تداوله يعزز من جماليات علاقة جديدة على وجه الخصوص.

إذ عمل الفن البريدي الشبكي بالفعل على إرساء إبداع أكثر توزيعا وتشاركية كبيرة، أي أن موضوعه يتِمُّ دفع حدوده باستمرار عبر تجميله بنقوش وعلامات فنية مختلفة طوال رواجه المفتوح. وهكذا أصبح فن تبادل الرسائل في نسخه المتعاقبة من مخطوطات ومطبوعات ووثائق رقمية (برقيات وتلكس وفاكس وبريد إلكتروني) موضوعا للمعالجات الفنية الأصلية التي أثرت على شكل الرسالة وطرق الإرسال والنقل والاستقبال.

من الواضح تماما أن الفن البريدي الشبكي يميز بشكل جلي بين الإبداع الفني والوسيط الرقمي، لكنه بدمجهما يشكل مجالا يمتزج فيه الإثنان، وبالتالي فهو يوزع التجربة الإعلامية بين الفنانين ومعدات النقل البيني الرقمية ويخاطب تفاعلية مرتادي الشبكة في نفس الوقت، ما يطرح السؤال بقوة حول تعريف الفن الرقمي اليوم، فيما أصبحت الأدوات الرقمية جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية وأن مجموعة واسعة من الفنانين تستعمل ما نستعمله نحن أيضا. هذا في الوقت الذي أصبحت فيه الإبداعات الرقمية أكثر تنوعا حتى أصبحنا لا نميز بين ما ينتمي إلى الفن أو الترفيه، بخاصة أن التمييز بين الفنان والمشاهد أصبح ضيقا.

وعلى أية حال، ليس هناك من شك بأن مفهوم الافتراضي أضعف كثيرا ما هو نظري وما هو تطبيقي، بحيث لا تكمن المشكلة في عدم الفصل بينهما، لكنها تكمن في سهولة الانتقال من هذا إلى ذاك وبسرعة كبيرة في هذا المجال. بمعنى أن الافتراضي يتسلل بين الخيال. والقصد والتنفيذ، ما يجعلنا نتساءل عما إذا كان الافتراضي لا يمنح للخيال طيفا من الواقع، وسلطة أداء، وإنجاز تفرض نفسها على التفسيرات المختلفة.

ويمكن القول بأن الافتراضي مثل الأمواج، شيء متحرك قادم إليك وأنت في مكانك، فهو بحر أو مجرى أو وادي تسير فيه المياه، قد تفاجئك أمواجه وتحملك، وقد تزداد حدة أمواجه بتعدد روافده ومنابعه. بمعنى أنه معلق بين الحضور والغياب، فهو ليس بواقع حاضر ولا خيال غائب، إنه يقع في منزلة بين المنزلتين، وهذا سر قوته. ومن ثم يمكن أن ينشأ تعريف للفن الرقمي بوصفه فن افتراضي يعرض إشاراته وعلامات الخيال الافتراضي التي لا تخل بدورها من كثافة الشحن العاطفي والقوة التأثيرية المتضمنة في عملية المزج هاته.

وفي هذا الصدد، إن اللوحات الهاتفية (Telephone Pictures) للرسّام والمصور الهنغاري لاسزلو موهولي-ناجي (László Moholy-Nagy (1895 -1946، هي اليوم بمثابة نموذج مثالي كما يشرح آلياته: «طلبت عن طريق الهاتف في عام 1922 خمس لوحات مرسومة على أواني مطلية من مصنع علامات تجارية. وكان أمامي الرسم البياني الذي بحوزة المصنع بالإضافة إلى رسمي الذي وضعته على ورق الرسم البياني. أما في الجانب الآخر من الهاتف، كان أمام مدير المصنع ورقة من نفس الرسم مقسّمة إلى مربعات. وكان ينقل عليها الأشكال التي أُشير إليها في موضعها الصحيح. (لقد بدا ذلك بمثابة لعبة شطرنج عبر المراسلة)»3.

ويرجع طابع السبق لهذه اللوحات الهاتفية إلى عدة عوامل: إن فعل الإبداع إذا استند أولاّ وقبل كل شيء على إنتاج وصف موضوعي بواسطة مُصمِّم ورسم بياني، فإنه يكشف ويضع في المشهد عملية اتصال و«ترجمة» بين فنان ومُنفِّذ عن بعد، بحيث يتحمّل الأخير مسؤولية تحويل المعلومات الهاتفية إلى «معادل سيميائي» إلى عمل فني، ومن ثم يلتف الفنان على العمل الإبداعي من خلال تفويض إنتاج اللوحات الهاتفية إلى صانع علامات تجارية يعمل على تنفيذ المنطق كي يحيله إلى إنتاج متميز يترجم النية الفنية الأصلية.

وبالتالي يتم تقويض مفهوم العمل «الأصلي» لصالح مادة مُصنَّعة بكل نسخها المحتملة التي تضع في المنظور اختلافات ممكنة في المقاييس، والأشكال، والتحولات المختلفة لعمل متعدد. وهو ما حدث في معرض الفن عبر التلفون (في متحف شيكاغو للفنون المعاصرة، تشرين الثاني / نوفمبر -كانون الأول / ديسمبر 1969)، حيث دشنت ثلاث لوحات هاتفية من قبل الفنان والمصور موهولي -ناغي الإمكانيات الجمالية لما سيطلق عليه بعد ذلك الإبداع عن بعد، والتي تهدف إلى «جعل الهاتف وسيطا مساعدا في الإبداع، وصلة بين العقل واليد»4.

ومن ثم، واصل ممثلو حركة فلوكسوس هذا المسار بمضاعفة استعمال قنوات الإرسال: بطاقات بريدية (On Kawara)، وبرقيات (Vostell)، ورسائل هاتفية (Maciunas). كما أكد إنشاء مدرسة نيويورك للمراسلات(New York Correspondence) من قبل راي جونسون (Ray Johnson) في السبعينيات أيضا أهمية الابتكار التكنولوجي في بلورة هذا الاتجاه الإبداعي. إذ كانت إرسالياته تتمثل في مئات من الظروف العادية المحشوة بالفن التصويري المصغَّر الذي يجمع بين الصور وقصاصات الجرائد لها علاقة مع أي مرسل إليه: لقد كان جونسون يطلب من مراسليه إضافة أي شيء إلى إرساليته أو إرسال جزء منها إلى شخص آخر أو إلى نفسه. وهكذا لم يكن العمل الفني يكتمل إلا بعد مشاركة آخرين فيه.

أكثر من ذلك، نجد أن الحضور أصبح في كل مكان قضية إبداعية رئيسية يدور من حولها كل من مفاهيم الارسال، والاتصال، وأهمية موقع الشبكة التي بلوت تدريجيا كلماتها ومفاتيحها الرئيسية من خلال ذلك. لكن تأثير فن الشبكة الوليد ظل محدود الأثر لأول وهلة، ومنحصرا في قبضة جمالية وتقنية تهم كيفية نقل وترجمة محتويات المواد المختلفة مثل الصور والنصوص، ونادرا الأصوات. ذلك، إن إرادة الوجود المتزايد والانتشار المضاعف هي التي سادت، أكثر من مسألة الاتصال والنقل على نطاق أوسع: «لقد استخدم معظم الفنانين الهاتف بالطريقة المعتادة، واهتموا فقط بإعطاء تعليمات من شأنها أن تسمح بتحقيق الموضوع الذي خططوا له»6.

هكذا، تجلّت الفكرة التأسيسية لـ«حوار فني» عن بعد في إنشاء كيت غالاوي (Kit Galloway) وشيري رابينوفيتز (Sherrie Rabinowitz) أول مقهى إلكتروني7في عام 1984، وهو عبارة عن مكان يجمع عدة هواتف، وأجهزة فاكس8، وشاشات، ومعدات للاتصالات السلكية واللاسلكية شبيهة بجهاز منيتيل (Minitel) الفرنسي.

وانطلاقا من هذا المكان، يمكن الاتصال مع الناس في مقاهي شبيهة في نفس المدينة والبلد نفسه أو في أي مكان آخر في العالم، كما أن الفضاء الافتراضي الذي تم إنشاؤه بواسطة هذه الشبكة خوّل للناس رؤية وسماع بعضهم البعض عن بعد، وتبادل الملاحظات، وهلم جرا، حيث عملت هذه الشبكات تدريجيا في تعزيز تبادل الاتصالات والتركيز على انتاج مشترك للمحتويات الفنية المختلفة.

انتهى الأمر بأن أخذت سيرورة العلاقة في حد ذاتها عبر مختلف وسائط النواقل التقنية قيمة إبداعية، كما تشكل الفن الشبكي كفن تشاركي وتعاوني لأنه ينطوي على مشاركة عدة أشخاص من ناحية، ثم لأن نتائجه لا تتجلى في إنتاج الأشياء أو الصور من ناحية أخرى -على الرغم من أن هذه الأخيرة يمكن أن تكون موجودة أو يتم تبادلها –، بل بقدر ما تهم عملية التفاعل نفسها. لذلك، إن تعريف مثل هذه العملية أو إذا شئنا تحديد الظروف التكنولوجية والجمالية التي يحدث فيها مثل هذا التبادل ورهان ما يتلفظ به، يجعل منها في الأخير رأس حربة فن الشبكة.

إبداع عن بعد

تُركز المنشآت الفنية الجديدة على استكشاف ظاهرة «التفاعلية عن بعد» التي ظهرت خلال سنوات التسعينيات، وهي تعزز من «الحضور عن بعد» من خلال خطوط الهاتف (RNIS) وشبكة الإنترنت. ويمكننا اليوم التمييز بين نوعين من الاستخدامات الفنية لمصطلح «التفاعلية عن بعد»: سواء الاستعمال الذي يحيل إلى جهاز تحكم عن بعد بواسطة أجهزة تعمل في بيئات يصعب على البشر الوصول إليها11 أو إلى الإحساس الذي ينتابه شعور أكثر بالوجود أثناء التجول في هذه البيئات، ومحاكاة بيئات حقيقية أو عوالم خيالية تماما.

بالجملة، فإن التصور المادي الذي يطلق عليه «عودة الجهد إلى المعنى الأول» يمكن نقله وتجريبه عن بعد. ففي عام 1986، جاء تعبير التركيب وفن الأداء من طرف نورمان وايت (Norman White)، ودوغ باك (Dough Back) عندما اقترحا تجريب «مصارعة ذراع عابرة للأطلسي» (Telephonic Arm Wrestling) بين مدينة باريس (فرنسا)، ومدينة تورونتو (كندا)... إذ تم وضع رافعة ميكانيكية تعمل بالحاسوب والمودم في مدينة تورونتو، وكانت لها تأثير الشعور بوجود ضغط يمارس عابر بين ضفتي المحيط الأطلسي.

بالتالي، يسمح هذا المشروع لـ«مصارعين» عن بعد باستعمال قوتهما الذراعية عبر اللجوء إلى استخدام أنظمة متحركة لاستعراض قوتهما عبر خط هاتفي: (اتصال أجهزة استشعار، وحواسيب، ومرسال إلكتروني) يجعل من الممكن نقل واقتسام «الضغط» اللذان يمارسان على عتلات ميكانيكية عن بعد.

ويضيف هذا الجهاز مع نقل المعلومات إلى العملية إحساسا بمتعة ناجمة عن تحريك منحوتة بلاستيكية أصيلة، ما يجعل العمل يندرج في المنتوج عن طريق إدخال العملية التي تحركه أو تعطيه الحياة في آن واحد. لذا يتمثل التحدي هنا في تهجين الفضاء الفيزيائي وتقنية المعلومات، أي أن الاستخدام المعتاد للشبكات يزداد بعودة الإحساس المرتبط بتجربة الحضور والعمل عن بعد الذي يبرز الأهمية الرمزية للظرفية والفورية التي تروج لها البيئة التكنولوجية.

أما إذا أخذناه بمعناه الثاني، فإن التفاعلية عن بعد، هي أكثر من وسيلة للإبداع بشكل جماعي وعبر مسافة. ففي عام 1983، حقق الفنان روي أسكوت (Roy Ascott) في «جرح النص» محاكاة تكريمية لكتاب رولان بارت «لذة النص»، وهذه العملية الإبداعية جزء من معرض إلكترا (Electra) الذي نظمه فرانك بوبر (Frank Popper) في متحف الفن الحديث في مدينة باريس، وهو مشروع مشترك لتصميم النص الأدبي الذي كشفت أوراقه تدريجيا عن «تأليف مشترك» في إحدى عشرة مدينة في العالم، يعمل فيه بشكل متزامن مجموعات من الفنانين متصلون فيما بينهم بواسطة شبكة إلكترونية.

خلاصة القول، تدعم التفاعلية عن بعد إجراء تواصل وحوار نوعي مع جمهور العمل على نحو متزايد، متجاوزة بذلك مجرد شبكة من الفنانين قد تتشكل سابقا، فهي مفتوحة للإضافة والاستضافة إذا شئنا. لذلك أصبح قلق جلب وجذب اهتمام الجمهور13والحصول على ثقته، هو المسعى الرئيسي لمجموعة فرنسية من الفنانين أطلقت على نفسها اسم «الفن الاجتماعي» أسسها كل من فْريد فورست (Fred Forest)، وهيرفي فيشر (Hervé Fischer) وجان-بول ثينو (Jean-Paul Thénot) الذين تأثروا بنظريات ومسوحات اجتماعية كشفت وطرحت أسئلة منذ سبعينيات القرن الماضي حول حتمية وسائط الإعلام وإمكانياتها الحوارية.

والواقع، إن سلسلة من «الإجراءات» قام بها فريد فوريست (انظر Forest, 1995) تعد بالفعل نموذجية في مجال وسائط التعبير: اختراق الصحافة المكتوبة (فضاء إعلامي (Space Media)،) أو التلفزيون (قطع نشرة الأخبار، 1972)، تحويل واختراع استخدامات جديدة للراديو (رالي الهاتف (Rallye Téléphonique)،) ثم وضع (منحوتة هاتفية عالمية (Sculpture téléphonique planétaire)، ) أو كما وقع في جهاز مينيتل (حيث هاجما زيناييد وشارلوت وسائل الإعلام (Zénaïde et Charlotte à l’assaut des médias)،)، «بحيث عمدا إلى التنديد بغلاء سوق العقار عبر بيع متر مربع فني رقمي افتراضي في عام 1977، وكشف عيوب خطب رجال السياسة النمطية (مؤتمر بابل)14 في عام1983».

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنشآت تركز على الأدوات التقنية وتلعب على تداخل الفوري والمؤجل والقريب بالبعيد، كما تهدف إلى تأسيس اتصالات تفاعلية تهدف إلى تعبئة وإشراك عدد متزايد من جهات لا تعرف شيئا عن هذه المواضيع.

من أجل عمل فني منظم: الفن كحوار بصري

يصبح تسليط الضوء على «لقطات» مسار العمل الفني بالنسبة لفنانين آخرين وجمهور مشارك رهانا فنيا أكبر، فالفنانون يبدعون استراتيجيات جديدة لإغراء ولفت اهتمام الجمهور من أجل تنظيم طرق الاتصال والمشاركة في العمل مسبَّقا لعدد محدد ومنتظم من الجهات الفاعلة المجندة في التجربة الإبداعية، كما أن المسعى الفني يكمن هنا مرة أخرى في تجريب أدوات أو ممارسة ضغوط تكنولوجية يرجح أن تفضي إلى تشجيع أو تغيير هذا التواصل إذا كان من باب الزحاف الذي تتعاقب فيه حالات مطردة بدون فائدة قد تكرر العمل.

وفي هذا الاتجاه، تمّ تطوير كثير من المشاريع من بينها منشآت مجموعة «فن- شبكات»، نسّقها كل من كارين أورورك (Karen O’Rourke)، وجيلبرتو برادو (Gilberto Prado) اللذان عملا على ربط موقعين منفصلين يتوفر كل منهما على أجهزة استقبال وإرسال الفاكس، يسهِّلان نقل إحدى الصور من أحد الموقعين، وعندما يتم تلقيها عن بعد، توضع على ورقة حرارية في جهاز الفاكس لكي يتم العمل عليها فورا ونقلها عبر جهاز الاستقبال، فيما ينظم الربط الدائري بين باريس وشيكاغو هذه الصفقة المشتركة للصورة، حيث تتدخل الأيدي (وليس فقط البصر والسمع) بين الجهازين في فاصل زمني (قصير جدا) يفصل بين تلقي البث عبر الهاتف.

ومن ثم، يطلق على هذا العمل الفني المشترك رسم صورة مدينة (City Portrait) تنطوي على تبادل مناظر حضرية بين الفنانين والطلاب من باريس وسان فرانسيسكو وساو باولو في ذات الوقت، بحيث يشارك كل منهم من مكان تواجده في عملية تأليف صورة (بصرية) لمدينة الآخر انطلاقا من وصف نصي حصلوا عليه مسبقا، أي «عن طريق الحوار مع مراسلين حاضرين في نفس الجلسات، لكنهم يتواجدون في عدة مدن، يصبح من الضروري وضع جدول زمني دقيق لهم، وإلا تضاعفت أخطاء كثيرة في العمل، ناهيك عن حقيقة أن أي اتصال مباشر يطرح مشاكل من حيث التكلفة والفرق الزمني بين تلك المدن»17.

ويتطلّب هذا النوع من المشاريع الجديدة تقنين بروتوكول إجراءات تحدد الواجب اتباعه كتحديد خطة علمية، كما يتم استخدام تكنولوجيا الاتصال لتقسيم عملية الإبداع الجماعي في ثلاثة مستويات متميزة: تتمثل في إعداد بروتوكول يتضمن سيناريو العمل، وأداء تطبعه الارتجالية والعفوية إلى حد كبير، ثم إظهار الحدث من خلال تجميع جهودهم وتقييم المتتبعين.

علاوة على ذلك، تخضع هذه الأشكال المختلفة من الفن الشبكي إلى ابتكار «آلات اتصال سلط الضوء على العمل سواء عبر تهيئة تقنية مناسبة أو الخوض في رهانات عملية. وهو ما يظهر مدى تعقيد فن التفاعل في وسائط الاتصال عن بعد، فضلا عن كونها تخوض في تحريك ملتوي لأشياء بعيدة عن بعضها البعض، وتعمل على تحقيق شروط مناسبة، وتفعيل طرق حوار بين فنانين وجمهور، وترتيب حالات تجريبية خيالية.

وبطبيعة الحال، فإن العمل الإبداعي الرقمي لا يُقيّم هنا بإنتاج موضوع -فني، لكنه يركز حول تجريب حالة الاتصال. وذلك من خلال التحايل على مشكلة جماليات الصور، بحيث يقدم هذا الشكل من الفن للجهاز الإبداعي وظيفة اتصال كما يجري ذلك في إطار المدرسة الموقفية (actions situationnistes)، لكن العملية الفنية الرقمية هنا تخضع إلى بيئة اتصالات إلكترونية.

وقد فتح البحث في هذا الصدد عن علاقات حيوية مع الجمهور في الفن الرقمي، وعمل على التركيز على تحويل صور وأصوات ونصوص إلى تأسيس فن «التدفق» في الشبكة، بالإضافة إلى إيصال بيانات متنقلة ومرنة تميز عصرنا المعلوماتي، حيث بتنا نشهد ولادة فن أصبح في الواقع عبارة عن حوار مستمر يؤدي إلى تجاوز رؤية أن الفن حبيس صنع الأشياء، تلك الفكرة السائدة عند العديد من الفنانين ومنذ زمن .

وأخيرا إن دراسة هذه الأعمال المركبة التي تفترض حضورا طاغيا لتقنيات المعلومات والاتصال، يفرض أول ما يفرض الانتباه إلى كيفية تكونها وهرميتها، ثم العلاقات القائمة بين مختلف المشاركين، وكيف يتم إدماج مختلف العناصر بشكل مفارق وبين أجساد بشرية تفصل بينها مسافات طويلة لكن يربط بينها حدث فني واحد. مما يفرض الانتباه إلى وضع الصورة الأصلي وتقلباتها بين الوسيط وحالتها شبه النهائية. ذلك أن العالم الرقمي انفلت إلى أشكال ممزقة من معاني تتكلم أصواتا متعددة.

وبالرغم من أهذا النسق التصوري الرقمي احتل جميع الميادين، يبقى الرهان الأساسي ما كشف عنه تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات في عام 2019 ، عن فجوة رقمية جديدة تلوح في الأفق، وتتمثل في أنه إذا كان تطور شبكة الإنترنت في صيغتها الأولى (1.0) مقتصرا على الخبراء، فإن تطور شبكة الإنترنت (2.0) من (2003-2007) قد فتح المجال أمام رواد الإنترنت والفنانين لينتظموا في جماعات افتراضية مؤثرة، لكن المرحلة الثالثة التي يطلق عليها إنترنت الأشياء (3.0) ستشمل ثلاثة مبادئ أساسية (حركية مستمرة، كونية شاملة، توصيل دائم)، ليتفرع عن ذلك الجمع بين تطبيقات التصنيع، والنقل والمدن الذكية والاستهلاك والنشر والتوزيع الأدبي والفني والجمالي، فضلا على الربـط بـين جميـع الدور والأجهزة مثل المتاحف، وصالات عروض الحفلات والأزياء التقليدية أو الثلاجة، وصنبور الماء والمصباح الكهربائي ومرآب السيـارة واللوحة الزيتية في المنزل، التي ستصبح كلهـا ذكية لأنها مجهزة بآليات اتصال (سيتم ربط الاتصال بحلول عام 2020-2021) تأتيك بما تريد دون أن تكون مضطرا للاحتكاك بها مباشرة.

والأهم من ذلك، فإن إنترنت الأشياء سيستمد قوته وقيمته من توليد بيانات جديدة ومعالجتها وتحليلها وإعادة تركيبها، سواء كانت بيانات نصية أو بيانات وسائط اجتماعية وفنية أو جمالية خاصة بالأزياء التقليدية مثلا. بحيث يلامس الاتصال الآني الاتصال البعدي لكي يشمل تقاسم المعلومات حول جميع الأشياء المصنعة وتاريخها، وأشكالها المختلفة ومناطق نشأتها، وهو ما قد يفعله الفن الرقمي أو الشبكي بامتياز اليوم وبسرعة كبيرة. وبالتالي تمتد بعد ذلك إلى جميع مجالات البيئة والحياة وربط معطياتها وبياناتها مع جميع الأجهزة الأخرى.

وهذا الأمر يتيح لإنترنت الأشياء أن يصبح دافعا رئيسيا لتحريك عجلة التنمية التقنية والتربوية والفنية، وسيكون عنصرا هاما في بناء مدن الغد الذكية. لذلك، إن الشبكات الاجتماعية لا تشكل في الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة إلا الجزء الجليدي الظاهر، أما الجوهري الذي بوسعه أن يضبط عقاربها، فيكمن في النظام الثقافي والاجتماعي، أي تلك التصورات التي يصنعها المجتمع عن هويته وأنماط حياته وعيشه وفنونه المادية وغير المادية.

شبكات الفن الرقمي وحماية التراث الثقافي غير المادي

إن المواقع التشاركية، حيث المعطيات متوفرة بفعل لعبة المشاركة المجانية وبدون حقوق ملكية تذكر، تسهل مشاركة حشود كبيرة من مستعملي الإنترنت في هذه المواقع التي تربطهم بآخرين نظرا لكونهم يتقاسمون نفس الاهتمام حول أزياء تقليدية معينة ووصفات طبخ تقليدية بعينها أو رقصات فولكلورية بصفة تعاونية، كما تيسر لهم تبادل الآراء بخصوصها وتقاسم المعلومات عنها بسرعة البرق، هكذا نجد موقع مثل فليكر مخصص لتبادل الصور، ونيتفيبس كبوّابة حوارية مفصلة على المقاس الشخصي، فيما يتيح موقع ديل.إيسيو. أوس (del.icio.us) تقاسم مختلف عناوين مواقع الشبكة وحفظ الصفحات... إلخ. هذا في الوقت الذي لا يتوفر فيه العالم العربي على دراسات كافية تتناول شبكات الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي ودو ر مختلف الفاعلين وندرة المواقع التي تعرض أرشيفا مختصا لها.

ومما يجدر الإشارة إليه في هذا المضمار بأن الحفاظ على هذا التراث الزاخر يمكن أن يساهم فيه الفن الرقمي ليس فقط في نقله من أرشيف مكتوب لعرضه كمدونة رقمية بصرية، بل يمكن أن ننقل معه التعابير، الإيماءات، الأصوات، الأغاني والرقصات والاحتفالات والإيقاعات بوصفها تعابير حية، بما يعني ذلك أن إعادة إحياء تلك الممارسات هو شكل من أشكال تكوين معارف عنها والحفاظ عليها في نفس الوقت.

فضلا عن ذلك، تتيح الشبكات بموازاة ذلك نقل مختلف الرؤى المعاصرة التي يغذيها التراث الثقافي غير المادي في أذهان الناس وتصرفاتهم المعاصرة. هنا أيضا نجد أنفسنا في وضع حواري شبكي تطبيقي لما يعنيه مفهوم التراث غير المادي بوصفه مهارة وخبرة غير مفصولة بالضرورة عن المجال الرمزي والاقتصادي والاجتماعي والطقوسي والفني.

هكذا إن وضع التراث الحي في مواقع شبكات رقمية مختصة، يمكن بسهولة فهرسته إلكترونيا في عناوين فرعية –حفلات، فنون، صناعة تقليدية، أزياء، – تيسِّر بدورها الوصول إلى عناوين وأبواب أو نصوص تضفي شروحا عليها بحسب المهن والطقوس جغرافيا وتاريخيا وأناسة، أي أن كل صفحة مرتبطة بأخرى عبر روابط فائقة بفضل لغة التمييز الترابطية (Hypertext Markup Language) التي توفر إمكانية تشابك مختلف التعبيرات الثقافية بالاطلاع على صفحات وصفية مطابقة مزينة بالصوت والصورة.

من الواضح تماما، أن الرقمنة في إطار حماية التراث غير المادي تحتل موقعا وسطيا، فهي مركز الموارد وحزام النقل في إطار الوساطة وتفعيل الشبكات والتعريف بها وشيوعها، لذلك تحتل مكانة استراتيجية في سياق العولمة التي فسحت المجال للثقافة الرقمية أن تسيطر على ما عداها19. وهي إن كانت تحرص بالتأكيد أن يكون العرض متاحا للجميع وضمان انتقاله من جيل لآخر لكونه يمثل جزءا من الانتماء والهوية، فهي بمثابة تفعيل دائم لقوة ناعمة بالغة التأثير داخليا وخارجيا، كما أنه تسمح هذه الشبكات أن يكون بمثابة «منتدى» لحوار مستمر بين الدولة والجماعات الإقليمية والجمعيات ومختلف الفاعلين الثقافيين والباحثين لحماية وحفظ التراث غير المادي.

ومن ثمّة، ضرورة التفكير الشامل حول العلاقات بين المعلـومة والثقافة والاتصال والمجتمع والفن، أكثر من السؤال حول الأدوات التقنية واستخداماتها. فالاتصال السليم في المجتمع يتجاوز الفرد، ولا ينفصل عن الثقافة وتاريخ المجتمع.

الهوامش

1. Foucault, M. Dits et écrits, Gallimard, Paris, 1994, p : 785.

2. ترجمة شخصية

3. Moholy-Nagy، L. (1947). The New Vision and Abstract of on Artist, New York, Wittenbom, 1947, cité par Kac, E. (1992). Aspects of the Aesthetics of Telecommunications, Actes: “Siggraph Visual proceedings” New York, p. 47-57.

4. http://www.ekac.org/Telecom. Paper. Siggraph. Html.

5. Art by telephone, Record-catalogue of the show, Museum of Contemporary Art, 1969. Popper, F. 1993 (Chapter 5, “Art de la Communication”, p. 124.

6. انظر حول راي جونسون موقع(artopol) التالي:

- www.artopol.hu/Ray /

- www.artpool.hu/ray/NYCS_chrono.html.

7. Kac, E. Op.cit., 1992, p.47-57.

8. تم إنشاء المقهى الإلكتروني بمناسبة الألعاب الأولمبية في صيف 1984 التي جرت في لوس أنجليس من طرف غالاوي ورابينوفيتز.

9. Kac, E. (1987). Conversation, Centuro Cultural Três Rios à Sao Paulo, le 17 novembre 1987. ; Kac, E. RETRATO SUPOSTO - ROSTO ROTO, Télécommunications Event, Live Brodcast, 1988 ; Kac, E. (avec la collaboration, d’E. Bennet), Ornitorrinco, http://www.ekac.org Ornitorrinco.

10. انظر أنشطة الفنان في موقع:

- wwwwebnetmuseum.org/html

- Forest, 1985.

- انظر الخطوات الأولى للمحرك الشعري

(Générateur Poïétique) على موقع:

- http://wwwenset.fr/~auber)

- Collecticiel créatif inauguré par "l’atelier d’écriture" lors de l’exposition les Immatériaux au centre Pompidou, 1985.

11. Semon, P. (1991). Telematic Dreaming, ou Lozano-Hemmer, The Trace, 1995.

12. Back et White، «Le bras de fer transatlantique» (Telephonic Arm Wrestling) entre Paris et le Canada, 1986.

13. انظر العدد الخاص بمجلة ليوناردو :

- Leonardo, Ascott, R., Loeffler, C. (dir.). "Connectivity, Art and Interactive Tele-Communications", vol. 24, n° 2.

14. Formentraux, J.-P. (2004). Quête du public et tactiques de fidélisation. Une sociologie du travail et de l’usage artistique des NTIC »In Réseaux, n° 124, 2004.

15. Conférence de Babel, présenté à l’espace Crétis à Paris en 1983, installation vidéo et radiophonique visant une critique des déclarations "stéréotypées" des hommes politiques.

- مؤتمر بابل أقيم في فضاء «كريتيس» في باريس في عام 1983، وهو يشمل وضع جهاز فيديو ومذياع ينتقد «تصريحات» رجال السياسة النمطية.

16. Cf. O’Rourke (dir.), 1992.

17. O’Rourke, K. (1991). “City Portraits: An experience in the Interactive Transmission of Imagination” Leonardo, vol. 24, n° 2, Boston, The MIT Press, p. 215-220.

18. Ibid., p.48.

19. قاوم هذا التيار الفني مأساة «التغريب الاجتماعي» و «شهوانية المنتجات» التي انتشرت واتسعت فشملت كل جوانب الثقافة والحياة في الحياة المعاصرة. كما رفضوا فكرة أن ظواهر نجاح الرأسمالية (التقدم التكنولوجي، والزيادة في الدخل والرفاهية) تستطيع التغلب على البؤس النفسي والاستلاب والتدهور الاجتماعي الذي تتسبب به في الحين ذاته. يعتبر كل من جوي ديبورد و راول فانيجم أبرز ممثليها.

20. DOUEIHI, Milad. La Grande conversion numérique. Paris : Éd. du Seuil, 2008.

الصور

- الصور من الكاتب

1. https://www.pinterest.com/pin/170785010846120143/

2. http://chulavista.mx/net-art-en-facebook/

- Imagen extraída de: www.escaner.cl

أعداد المجلة