فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
48

أغاني الحكيم «شَرْقَه»..ترنيمة الإله «شَرْقَن» في العلاقة بين الموروث الشفاهي الزراعي في اليمن وأدب ما قبل إسلامي

العدد 48 - أدب شعبي
أغاني الحكيم «شَرْقَه»..ترنيمة الإله «شَرْقَن» في العلاقة بين الموروث الشفاهي الزراعي في اليمن  وأدب ما قبل إسلامي
كاتب من اليمن

تمثل الذاكرة الشفاهية وسيطاً أساسياً من وسائط المعرفة، وقد اعتمدت عليها المجتمعات الإنسانية الأولى في حفظ وتداول وتناقل معارفها وثقافتها وخبراتها، عوضاً عن كون أقدم نماذج الأدب الإنساني، كانت شفاهيةً في مختلف الثقافات، قبل اختراع الكتابة، كما هو الحال في حضارات جنوب شبه الجزيرة العربية، التي اعتمدت مجتمعاتها، مثل كل المجتمعات الشرقية القديمة، على ذاكرتها الشفاهية بالرغم من أن تاريخ الكتابة في اليمن القديم، فيما يعرف بخط المسند، يعود إلى حوالي القرن العاشر ق.م، قبل أن يتوقف في القرن السادس الميلادي، ليحل نظام الكتابة العربية المعروف الآن، محل خط المسند، تزامناً مع إحلال العربية الشمالية (لغة وسط شبه الجزيرة العربية المعروفة بالفصحى) محل العربية الجنوبية، إلا أن الذاكرة الشفاهية ظلت وسيطاً أساسياً في الثقافة لأجيال متعاقبة من البشر شهدت ثقافتها ولغتها التحولات تلو التحولات، ومع ذلك، فقد ظلت مشدودةً إلى ماضيها، هذا ما يظهر في خصوصية اللغة المحكية وبعض الظواهر الفولكلورية والموروث غير المادي مما ثبت صلته بثقافة اليمن القديم، وبقي حياً قروناً من الأزمنة دون أن يطاله الكثير من النسيان، فماذا لو أضفنا إلى ذلك أن ثمة أدباً عرف في اليمن القديم ما يزال حياً بشكل من الأشكال في الثقافة الشفاهية الزراعية، في واقع الحال، هذا ما ينبغي علينا مقاربته في هذه الصحفات من خلال حالة نموذجية، ليست سوى جزء من ظواهر أوسع درسها كاتب هذه السطور في مشروع كتابٍ، له حيثياته ومنطلقاته وآلياته الخاصة ومادته المتنوعة، وأما معالجة الظاهرة النموذجية هنا فتنطلق مقاربتها من تساؤلٍ محوري من قبيل:

هل يمكن القول إن ثمة «ملاحم/ترانيم-أدبية-دينية- زراعية» عرفت في اليمن القديم، وبقيت حيةً وفاعلةً في الثقافة الشفاهية على هيئة أمثال وحكم وأغاني عمل؟ وفي المقابل: هل يمكن القول إن ثمة «آلهة أسطورية زراعية- أنصاف آلهة أو أنبياء أسطوريين زراعيين»، عرفوا في اليمن القديم، ثم أنهم ما يزالون أحياءً في الثقافة الشفاهية لكن في هيئة حكماء فلاحين؟

في أرياف بعض مناطق اليمن (مثل يافع والبيضاء ومارب) حيث الحياة إلى وقت قريب، أبعد عن التأثير التقني والمعرفي، وحيث اقتصاد المجتمع، مثل معظم الأرياف اليمنية، ما زال يعتمد على الزراعة التي تمارس بالتأكيد وفقاً لتقنيات ووسائل تقليدية وبدائية متوارثة؛ في هذه الأرياف وضمن ثقافة فلاحيها الشفاهية، تشتهر أسطورة حكيم شعبي «فلاح» يدعى «شَرْقَه»، ليس ثمة حكاية محددة حوله، ولا شيء مؤكد أو شبه مؤكد عن حياته وشخصيته، ومعرفة بعض الفلاحين به تكاد لا تتجاوز اسمه الأول إلى اسم أبيه، بينما هو عند البعض الآخر «شَرْقَه بن أحمد»، لكن هؤلاء أيضاً لا يذهبون بنسبه أبعد من اسمه الثاني، وأما حضوره فسوف يتمثل في أغانٍ منسوبة إليه ترتبط على نحو «جوهري» بأعمال السقاية والسناوة «رفع الماء من الآبار» إذ (يرددها المزارعون أثناء عملية السقي «السناة» بأصوات وألحان مؤثرة ترفع من هممهم وتحفزهم لمزيد من العمل في مختلف الظروف في الحر والقر)1، وهي ذات بناء صيغي إيقاعي يتسق مع طبيعة اللحن (الذي تردد به هذه الأقوال أثناء العمل من قبل المزارعين الذين يقفون على حافة البئر لاستلام الدلو عند وصولها ممتلئة بالماء أو أولئك الذين يحثون الخطى بعد الضمد في «المجلاب» نزولاً وصعوداً)2، ومن أمثلتها:

- ويش اخرجك يا الماء من قعر البير؟

قال: الله أخرجني والاحبال والدلي3.

- الماء ملك من سيّر الماء سار له4.

- دلو العشي دلوين والصبح أربعةْ5.

- ذراع بالمجلاب قامةْ بالبير6.

- قامةْ من الماء خير من قامةْ ذهب

يوم الذهب يكمل ولا الماء يكملي7.

ثوري مع ثــــــورك أمانة واشريك.

وينشد كلٌّ منها أو يستحضر بشكل مستقل ويرتبط اسم الحكيم بها إما ضمنياً.. أو بشكل صريح عبر لازمة تفتتح بها بعضها مثل:

- يقول شَرْقَه خيرة اليوم اوله8.

- شَرْقَه يقول الأرض تدعي وا قوي.

ومع ذلك فإنها في مجملها تتصل بالخبرتين العملية والاجتماعية في هذا المجتمع الزراعي، أي لا تتضمن موضوعةً تتصلُ بحياته الشخصية أو من منظوره الذاتي، وإن بدت بعضها كذلك، مثل:

- شَرْقَه بتول السقي وابنه عسكري.

ويظهر فيها أن الحكيم قد عمل في تلك الآبار، وهو معنى قوله «بتول السقي» أي أن عمله يتمثل في رفع الماء من البئر من خلال «الثيران» لأن من يعمل خلف الثيران يدعى (بتول) وأما (بتول السقي) فبمثابة تحديد أكثر دقةً لمهنته المرتبطة بها أقواله التي يرى الناس أنها ناتجة عن خبرته في هذه المهنة. وسوى هذا سوف نعرف أن له ابناً «عسكرياً»، مثلما سوف نعرف من نص آخر أن له زوجةً، لكننا لا نعرف عنه ولا عنهما أكثر من هذا، لأن ذلك لا يرد في النصوص التي يتناقلها الفلاحون شفاهاً وبالتواتر جيلاً عن جيل، والتي تعد المرجعية الوحيدة عن الحكيم وشخصيته، ويظهر من خلالها (أنه نشأ وتربى في منطقة الحد_يافع وهي المنطقة المعروفة تاريخيا بالعناق وتشتهر بسعة الأراضي الزراعية وتكثر فيها الآبار التي تسقي المزروعات)9، وإن لم يكن هناك دليل قطعي على نشأته في هذه المنطقة بالتحديد، ففي حين يحيا كظاهرة شفاهية في خارطة أوسع بقليل، فإن (الحد_يافع) هي أبرز مناطق شهرته.

ويكفي ذلك لتوضيح مدى كون هذا الحكيم غير معروفٍ من حيث حياته وتاريخيته، فهو حاضر في الثقافة الشعبية كواحد من أولئك الحكماء الذين نعرفهم في مختلف الثقافات الشفاهية (والذين يناط بهم حفظ ما قد حصلته المجتمعات الشفاهية من معرفةٍ على مر الأجيال ويقدرهم المجتمع تقديراً عالياً لذلك)10، ولكنه ينتمي إلى ظاهرة «الحكماء الفلاحين» في الثقافة الشعبية الشفاهية في اليمن، أمثال: أبو عامر، وعلي ولد زايد، والشبثي، وسعد السويني، أي أنه جزء من الظاهرة الكبرى التي يمثلونها، ومع ذلك فلا أدري إن كان أحد من القراء قد سمع به قبل الآن، فباستثناء ورود اسمه في بعض سياقات الكتابات المنشورة، فإن أهم ما دون عنه، يتمثل في «جهد توثيقي» عن ظاهرة هذا الحكيم وأحكامه وأقواله، جمعها الدكتور علي صالح الخلاقي، ونشرها كملحق بكتابه عن الحكيم «الحُميد بن منصور» الصادر سنة 2010م، وهذه المادة الشفاهية وحدها جديرة بالدراسة، خصوصا أن ظاهرة الحكيم شرقه لم يكتب عنها أي شيء -في حدود معرفتي- قبل الآن.

والحكيم «شَرْقَه» تكاد تنحصر خارطة حضوره (في مناطق محددة أبرزها سرو حمير «يافع» والبيضاء وربما في مناطق أخرى مثل مأرب والجوف)11، وهي خارطة خاصة به تميزه عن بقية الحكماء الذين نعرفهم في الموروث الشفاهي اليمني، لكنه يتميز بدقة اختصاصه أيضاً، ذلك أن الحكيم «شَرْقَه» -وهذا طريف حقاً-يفرط في التخصص فهو (متخصص بأغاني ومواويل السناة فقط، وهي عملية متح الماء أو انتزاعه من البئر بالدلو عن طريق ضمد من الثيران أو الجمال أو الحمير وربما مجموعة من الناس عند الحاجة)12، واختصاصه هذا يعني أن أقواله مرتبطة على نحو ما بالسقاية والسناوة من البئر، سواء من حيث المجال الطقوسي أو المضامين، فهذه الأقوال تردد من قبل المزارعين أثناء عملية السقي «السناة»، ولكنها قد تغادر حافة البئر ليتم تداولها (في عداد الأمثال الشعبية التي يستشهد بها الناس في حياتهم اليومية، مثل (لا عاسمة جاعه ولا ساني ظمي): لا يمكن أن تجوع المرأة التي تطهو الطعام ولديها منه ما لذ وطاب بين يديها وبالمثل لا يمكن أن يظمأ من يستخرج المياه العذبة من البئر وتجري جداولاً من بين يديه لتروي الحقول وتسقي المزروعات، وقوله (ذي ما يشرع من عشية ما سني): ومشارع الماء في الفصيح هي الفرض التي تشرع فيها الواردة أي لا بد من الشروع بتجهيز أدوات العمل من عشية اليوم الأول، ويضرب للحث على الاستعداد مقدماً لأي عمل لضمان النجاح)13. ومع ذلك فإنها تظل ذات صلة بأعمال السقاية ورفع الماء من حيث مضامينها التي تبدو كما لو كانت مستمدةً من خبرة السناوة أو ذات علاقةٍ بها على نحوٍ ما.

وتستدعي هذه النصوص بشكل عام جدليةً خاصةً فيما يتعلق بتصنيفها «الجنسأدبي»، فعلى أنها نصوص شعبية من حيث لغتها وسياقها الاجتماعي الجماعي، وجمالياتها الشفاهية التي تعتمد على الإيقاع الصوتي كالوزن والنهايات السجعية (أو القافية)، إلا أن هويتها سوف يتنازع عليها فنان شعبيان هما «أغاني العمل» و»الأمثال الشعبية»، سواءً من حيث المجال الذي تحضر فيه (أي أداؤها كأغاني عمل أو حضورها كأمثال)، أو من حيث خصائصها الأسلوبية التركيبية وخطابها، ذلك أن إيقاعها الذي يتسق مع اللحن (الذي تردد به هذه الأقوال أثناء العمل)14. يجعلها إلى جانب الأداء نفسه أدخل في «أغاني العمل» كشكل من أشكال التعبير الشفاهي، لكنها أيضا تحضر كأمثال والإيقاع سمة رئيسية من سمات الأمثال الشعبية، أضِف إلى ذلك أن خطابها الحكمي وهو يتجسد أسلوبياً في (جملة الشرط والأمر والنهي والجمل الاسمية) التي تقرر معرفةً ما يعزز قربها من الأمثال، في المقابل فإن الطابع الغنائي في بعضها (تلك النصوص الابتهالية الدينية وإن كانت من حيث الكم تمثل نسبة ضئيلة مقارنة بالموضوعات الأخرى ذات الخطاب الحكمي) يجعلها تميل مجدداً إلى الغناء، وهكذا يمكن أن تستمر جدلية تصنيفها، بينما يمكننا القول إجمالاً إنها تتراوح بين خصائص الفنين لكنها ليست أحدهما، مثلما لا يمكن أن تكون فناً ثالثاً مزيجا منهما. بل هي إلى الشعر أقرب، وإن لم تكن «نصاً مكتملاً» من حيث مفهوم «الشعرية الكمية» في الثقافة العربية الذي يحدد القصيدة الشعرية بعدد سبعة أبيات وما فوق، بينما تبدو هذه الحكميات كما لو كانت أبيات مفردة (وقليل منها ما يتألف من عدة أبيات، وقد يورد شطر وحده)15، في حين يُنشد كلٌّ منها أو يستحضرُ بشكلٍ مستقلٍ كما أسلفنا.

في الواقع، وباعتبارها من حيث الإنتاج والتداول «أدبا شعبيا جماعيا» أو ما هو في حكمه، فإن شرطا مهما وربما جوهريا من شروط الفنون الشعبية القولية يغيب عن هذه الحكميات وهو شرط (مجهولية القائل)، فعلى أن أثر الجماعة واضح في صياغتها وتبنيها وروايتها وتداولها جيلاً عن جيل، إلا أنها مرتبطة باسم قائلها (الحكيم شَرْقَه) وهذا الحكيم كما يبدو شخصية غير تاريخية، ما يجعله جزءاً من الظاهرة كإبداع جماعي، وسأعود لهذه الجزئية لاحقاً، إنما يمكنني القول هنا إن مسألة (نسبة هذه الأقوال إلى قائل) تمنحها طابعاً من «الشعرية»، على الأقل فيما يمكن أن نستشفه من قصدية يُستهدف بها المتلقي من خلال ارتباط صفتي «الشاعر» و«الحكيم» بـ«شَرْقَه» (عوضا عما بين الشعر والحكمة من روابط إذا ما حضرت إحدى الصفتين دون الأخرى)، الأمر الذي يهيئ المتلقي لتلقيها باعتبارها شعراً، وسوف تتآزر هذه النظرة مع «أدبية» الفن الشفوي كشأن اجتماعي ومفهوم الشعرية بما له من محددات في الوعي العام، لعل أهمها يتجلى في خصائص النص وإيقاعه الذي يأتي على وزن «مستفعلن/ مستفعلن/ مستفعلن» من بحر «الرجز»، كما تحضر في بعضها القافية أو ما يؤدي وظيفتها، وبهذا تدنو من عالم الشعر ومفهومه، وأما تداولها كأمثال وحضورها كأغانٍ، فنعرف أن النص الشعري عادةً ما يكون مؤهلاً لأن يسري في مجال الغناء والأمثال معاً لانفتاح خطابه واتساع أفق تشكيله ووظائفه. وكثير من الأبيات الشعرية تلقى حياة أخرى خارج النص الذي وجدت فيه فتصبح سائرة مسار الأمثال والحكم (ويتحقق هذا في الشعر الشعبي في البيئة نفسها والشعر الكلاسيكي العربي إجمالاً)، ولكن أكثرها حظاً ستكون تلك الأبيات الشعرية التي توصف بــ«الحكمة». والحكمة عادةً ما تحضر في القصيدة العربية (والقصيدة الشعبية في البيئة نفسها) كغرض شعري رئيسي، إنما لا تأتي إلا عرضياً ضمن قائمة طويلة من الأغراض منها الفخر والمديح والهجاء والرثاء.. إلخ، ومن النادر أن نجد مثل هذا الكم «الحكمي المحض» المنسوب إلى «شَرْقَه» منسوباً لشاعر آخر (من الشعراء الشعبيين وشعراء الموروث العربي)، ولا نعرف إن كانت هذه الأبيات قد خرجت من قصائد طويلة، ذلك أن لا شيء غيرها قد وصلنا، ما يعني أن شَرْقَه شاعر لا يقول الشعر إلا حكمة (في المقابل: حكيم لا يقول الحكمة إلا شعراً).

ومع ذلك تبقى هذه النصوص في إطارها الشفاهي الشعبي أبعد من أن تجسد «فناً شعبياً_ولو شعرياً-مستقلا» تتمثل فيه الكفاية النوعية التي تجعله (قادراً على إحداث عدد لانهائي من الأداءات المحاكتية)16، بتعبير جيرار جنيت، أي أنها لم تكن لتصبح فناً مستقلاً ك(الزامل والبالة)17 يمكن أن ينتهجه اللاحقون ويتجدد على الدوام مع ولادة مبدعين جدد يسلكون دروبه، ذلك أننا أمام نصوص متوارثة على هذه الحالة وفيها قدر كبير من الثبات، وإذا كانت انحدرت من نوع أدبي مندثر _وهو ما يرجحه طابعها الفولكلوري-فإنها لم تكن لتتحول إلى فن جديد، بقدر ما ظلت «مسخا» بلا هوية محددة، أو على الأقل مموهة وهي تبدو مزيجاً من ملامح عدة فنون شعبية، ولكننا قبل قليل حددنا أهمها في «الحكمة الشعرية»، غير أنها عبارة عن أبيات أو أجزاء أبيات مفردة، لا ترتقي إلى مستوى نص واحد من حيث الكم، ولكن ينبغي أن نلاحظ شيئاً مهماً بهذا الصدد: وهو أن ثمة روابط بينها تتحقق في وحدة الوزن (مستفعلن/ مستفعلن/ مستفعلن) والنهايات الصوتية المتشابهة، حين تلتزم معظمها بما يشبه قافية «موحدة» كــ «الياء مع اللام»، وأحياناً «الياء مع الراء، أو الياء مع غيرهما من الحروف». ووحدة الإيقاع وتقارب القافية بالإضافة إلى أدائها في مكان واحد أو بيئة واحدة ودورانها حول اختصاص واحد، ونسبتها إلى حكيم بعينه، أسباب منطقية تدفعنا لافتراض أن ثمة نصاً أصلياً ثم أنه تفكك إلى أبيات مفردة صارت أغانٍ وأمثالاً شعبية.

وتلك الفرضية سوف يعززها طبيعة المضمون الشعري الحكمي الذي تتضمنه هذه الأقوال، وصلته بالوعي الزراعي، أو البنى الذهنية التي تدل عليها المضامين وطريقة بنائها وتشكيلها. ذلك أنها تتضمن معرفةً اجتماعية زراعية بقدر ما يمكن تفسيرها على أنها امتداد لمهنة الحكيم، فإنها في الأساس مرتبطة عضوياً بفكر وتجربة وطبيعة المجتمع الزراعي، لكن وقبل ذلك فإن غنائيتها وخصوصيتها البالغة، واستثنائيتها، تحيلنا على نظريات نشأة الشعر كمقطوعات قصيرة شاركت في نظمها الجماعة، وكارل بوخر في مؤلفه «النغم والعمل» يرى (أن حركات العمل الطبيعية المنتظمة لاسيما حركات العمل الجماعي، كانت تحث من تلقاء نفسها على التغني بأغان موزونة مصاحبة للعمل وميسرة له تيسيراً نفسياً)18. وهي نظرية تلتقي مع الفكرة القائلة بنشأة الشعر مرتبطاً بالترانيم الدينية، حين يجتمع هذان العالمان في طقس واحد، إذا ما قلنا إن الإنشاد أثناء العمل يشير إلى طقس شعائري، وهو ما يطرحه ثروب فراي في كتابه الماهية والخرافة، فالشعائر عنده بمثابة:

«جهد إرادي (وبالتالي عنصر السحر فيها) لإعادة الإمساك بألفة ضائعة مع الدورة الطبيعية. والمزارع يجب أن يحصد محصوله في وقت معين من السنة، لكن بما أن هذا الأمر إلزامي فالحصاد بحد ذاته ليس شعائريا بالمعنى الدقيق للكلمة بل إنه تعبير مقصود عن الرغبة في تزامن الطاقات الإنسانية والطبيعية في ذلك الوقت الذي تنبع أغاني الحصاد، وتضحيات الحصاد، وعادات الحصاد الفولكلورية التي ندعوها شعائر، ففي الشعائر، إذا قد نجد أصل سرد القصص»19.

وفي الشعائر قد نجد أصل «الشعر» أيضاً، وفي المقتبس هنا من كلام فراي، سيكون من السهل جداً أن نستبدل «الحصاد» بـ «سناوة الماء» ونحن نتحدث عن ظاهرة شَرْقَه، وعلاقة الأداء الغنائي أثناء العمل، بالبعد الميثولوجي الزراعي.

وفي الميثولوجيا الإنسانية عموماً والزراعية خصوصاً، اكتسب الماء مكانةً مقدسة، مثلما ارتبطت أعماله بطقوسيةٍ من نوعٍ ما تشبه طقوسية الحصاد، كما نرى في تقاليد الاستسقاء في اليمن القديم والتي استمرت حتى العصر الحاضر، أما الآبار فكانت في الفكر الديني السامي أماكن مقدسة، وعادة ما أضفي (قدر من القدسية على كل مصدر للماء الجاري، وحيثما كان يعتقد أن النشاط الإلهي يتجلى في إحياء الأرض كان الماء الذي يعطيها الخصوبة ويهب الحياة لسكانها يعد تجسيدا مباشراً لقدرة الآلهة)20. وقد عرف الفكر اليمني القديم تقديس الأرض الزراعية في حد ذاتها، دون أن تقام فيها منشآت أو أي شيء آخر، ولقد كان من أوصاف الأراضي الزراعية المقدسة (أن تكون أرضاً واسعة، مصدرا للمياه، فيها موضع للقرابين)21، ومن الملفت أنها تقترب من مواصفات المنطقة التي يشتهر فيها شَرْقَه وهي منطقة «الحد_يافع» و(المعروفة تاريخيا بالعناق وتشتهر بسعة الأراضي الزراعية وتكثر فيها الآبار التي تسقي المزروعات)22، ويتوارث فلاحو هذه المنطقة تقاليد الزراعة منذ آلاف السنين كما يبدو من تقنيات رفع الماء البدائية، مثلما يتوارثون أقوال شَرْقَه وإنشادها في كل مرةٍ يسنون فيها الماء من الآبار، بل ويفتتحون كل يوم عملٍ جديد بطائفة محددة من أقوال هذا الحكيم، وهي الأقوال ذات البعد الديني والتي تربط بين القدرة الإلهية، والماء:

- بالله بدعنا بالقوي خلاقنا

ومن سرح قال المعونة يا القوي.

- يا رب حق الحق وامح الباطلي.

- شَرْقَه يقول الأرض تدعي وا قوي.

- الحمد لله القديم الأولي

الآخر الباقي ولا يتحولي.

وفي الحكمية الأولى يستفتح العمل اليومي مستعيناً بالله، وفي الثانية يدعوه لإحقاق الحق ومحو الباطل، وفي الثالثة يقول إن الارض تستغيث بالله القوي، وفي الرابعة يحمد الله ذاكراً إياه بصفات «القديم والأول، والآخر الباقي الذي لا يتحول»، وهي نصوص دينية تتضمن ابتهالاً واستسقاءً للإله، وشكراً له واتكالاً عليه في استخراج الماء من البئر.. وبقدر ما تؤكد علاقة الإنشاد بالطقس الشعائري، فإنها تعكس مدى ارتباط الماء بالمنحى العقائدي أو التصور الديني في الوعي الزراعي كما تعزز فرضية نشأة الشعر مرتبطاً بالترانيم الدينية وفي ذات الوقت تعزز فرضية النص الأصلي حين تأتي مقدمةً على باقي الأغراض ليس في الافتتاح اليومي ولكن حتى في ترتيبها في العمل التوثيقي الذي يراعي بدوره الوعي الجمعي وتقاليد القصيدة في الثقافة الشعبية التي تفتتح عادةً بمقدمة دينية كتقليد ثابت ربما يعود إلى تقاليد شعرية مغرقة في القدم عرفت في الثقافة نفسها.

وإذا ما قلنا مع ثروب فراي إن كل «جنس أدبي» له نموذج أصلي قديم، أو أن الأسطورة مثلاً هي نموذج أصلي تنحدر منه عدد من الأجناس الأدبية23، أو مع منظري التناص (إن كل نصّ هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى. فالنصّ الجديد هو إعادة إنتاج لنصوص وأشلاء نصوص معروفة، سابقة أو معاصرة، قابعة في الوعي واللاوعي، الفردي والجماعي)، مع الفروق بين الحالتين طبعاً، إلا أن ما يهم هو تلك العلاقة بين النصوص الأدبية ونماذج قابعة في الوعي أو اللاوعي الجمعي، أقول إذا ما سلمنا بذلك فإن القصيدة الشعبية في اليمن (كما هي معروفة على سبيل المثال عند غزال المقدشية والوهبي والعنسي وغيرهم من الشعراء) تمتح من معين يتمثل في نموذج أدبي سابق (كالمعلقات الجاهلية التي هي بدورها تنحدر من أصل أسطوري ما) فهي _أي القصيدة الشعبية-تسير على هذا النحو: (مقدمة دينية، وصف الرحلة/وصف الحيوان (أحياناً المركبة مكان الحيوان)، فخر، موضوع رئيسي، حكمة، خاتمة دينية) بل تلتقي مع النموذج الجاهلي في المضامين والأنساق الثقافية والأغراض الشعرية، وتختلف عنها حكميات شَرْقَه اختلافاً تاماً، فباستثناء هذا التلاقي في المنحى الديني بينهما24، فإن القصيدة الشعبية في اليمن كما هي عند شعراء القبائل تبقى أشبه بــ«معلقة» قيلت باللهجة الشعبية، بينما نصوص شَرْقَه امتداد للأدب الزراعي وعياً وخطاباً ومضامين، وإذا كان (العربيّ- من حيث هو شاعر- ليس موضوعيًّا تمامًا ليجدَ كفايته في فنّ كلاميّ واقعيّ محض؛ وإنما يضع فنّه قبل كلّ شيء في خدمة فخره بنفسه، واعتزازه بمجد قبيلته)25، فإن حكميات شَرْقَه هي «ترنيمة الماء» المتفردة، ومثلما يحضر فيها النسق الميثولوجي يحضر إلى جواره النسق الواقعي العقلاني، بما هو سمة من سمات المجتمع الزراعي التي انعكست في أدبه، ويمكن لهذه الثنائية أن تتجسد على نحو ما في هذه الحكمية:

- ويش اخرجك يا الماء من قعر البير؟

قال: الله أخرجني والاحبال والدلي.

وفيها يخاطب الماء: من أخرجك من قعر البئر؟ فيتخيله يرد: الله، والأحبال والدلاء (أدوات استخراج الماء). وبغض النظر عن إسلامية اللفظ «الله» فإن ما يلاحظ هنا هو حضور «أدوات استخراج الماء» في إشارة واضحة إلى الاتكال على الإله، والعمل في ذات الوقت، وفي الميثولوجيا الزراعية (هنالك مبدآن، هما بمثابة الأساس لتلك الطقوس: أولهما أن لا تتوقع شيئاً من لا شيء، فلكي تأخذ عليك أن تعطي شيئاً بالمقابل. ثانيهما، يمثل رؤية تقديسية للواقع، إذ أن القداسة لم تكن شيئاً ماورائياً ومفارقاً للعالم الطبيعي، بل يتم مقابلتها والتعرف عليها من خلال الأرض ومنتوجها الذي هو مقدس بذاته)26، وهذان المبدآن يتجليان في الحكمية السابقة على بساطتها، كما يتجليان في النسق المقدس متجاوراً مع النسق الواقعي المتضمن فكرة الحث على العمل، وسوف نرى ذلك من خلال طائفة أخرى من نصوص شَرْقَه، وهي التي تحمل قيماً اجتماعية مستقاةً من المهنة ذاتها كتلك النصوص التي تحضر كأمثال كما ذكرنا سابقاً، بالإضافة إلى بعضها الآخر الذي يتركز بشكل أساسي حول قيمة العمل المرتبطة بقيمة الماء، مثل:

- العز يا شَرْقَه بمجــــلاب أغبــــــري.

- بلد بلا مهــــرة ثمـــرها شجري.

- من حــب كيــل البـــر بكـــر لــولي.

وفي الأولى مونولوج يحدث فيه نفسه عن كون العز يبدأ من العمل بمجلاب «أغبر»، وفي الثانية يرى أن البلدة التي لا تمارس العمل ثمرها عشب «ضار» أو لا فائدة منه «شجّرِي»، وفي الثالثة يحث على العمل قائلاً إن من يريد خير الأرض (كيل البُر) فعليه أن يستيقظ مبكراً للعمل، وهذه الطائفة وما يدخل في إطارها يتجلى فيها العمل كقيمة إنسانية عليا. وهي قيمة تنتمي فعلياً إلى فكر المجتمع الزراعي، مثلما ينتمي المقدس إلى وعيه الميثولوجي، ولكن مثلما تدرجت حكميات شَرْقَه من النسق الديني إلى الدنيوي «قيمة العمل»، سوف تهبط إلى مستوى أكثر واقعيةً بل أكثر عقلانية، في طائفة ثالثةٍ من النصوص التي تتضمن خبرة أو معرفةً زراعية، إما «تجريبية» تتعلق بالعمل وحيثياته وتقنياته، وإما ما يمكن تسميته بــــ«معرفة الإدراك الحسي» كمواقيت المطر، ومنها:

- سوه عجل من طلح واهياج اسحلي.

- ذراع بالمجلاب قامةْ بالبير.

- دلو العشي دلوين والصبح أربعة.

- لا تجعل الشرقي تقادم صيفنا.

- الشمس بالتسعين بأوساط البير.

- سعد الغنم والنوب لا قالوا دِلِي.

- لا هزه البحري تحرف يا جمل،

وان هزه الشرقي قم شد لوعية.

- عنب خُلاقه دَنَّته بالخامسي.

وفي هذه الطائفة من النصوص يجنح الخطاب أكثر نحو العقلانية أو الفكر العملي التجريبي. من خلال تضمنه الخبرة العملية التجريبية، مثل (سوه عجل من طلح واهياج اسحلي)، والتي تتعلق بصناعة أداة «العجلة» المستخدمة في تقنيات رفع الماء27، أو بعض النصائح بخصوص تقنيات الحفر وخبراته (ذراع بالمجلاب قامةْ بالبير)، وما يتصل بوقت الري وأهميته كتفضيل الصباح على المساء، بالإضافة إلى ما يشبه التقويم الفلاحي فيما يتعلق بالمواسم وعلاماتها، مثل (الشمس بالتسعين بأوساط البِيَر) والتسعين: من المواسم الفلكية وفيه تستقر أشعة الشمس في وسط ماء البئر28، وكذلك (سعد الغنم والنوب لا قالوا دِلِي)، والدلي موسم تعشب فيه المراعي وتتفتح الأزهار فتجد الأغنام والنحل «النوب» ضالتها دون صعوبة29، ومواعيد بعض المحاصيل مثل (عنب «خلاقه» موعده في الخامس)، والخامس من المواسم الزراعية في التقويم الفلاحي اليمني في عدد من المناطق، وهذه الخبرات والمعارف الفلاحية لا تأتي ضمنياً ولا عابرةً بل هي الغرض الرئيسي من البيت الشعري، أي أن غرضه الأول والأخير هو تضمن معرفة تجريبية زراعية من تلك التي تتراكم في الثقافة المتداولة عبر الأجيال وتحفظها محفوظةً في صيغ شفاهية، لكنها هنا تحديداً تقترب على نحو ما من الأقوال المأثورة أو الشعر التعليمي.

وأرمي من كل ما سبق إلى القول إن نصوص الحكيم شَرْقَه أبعد ما تكون عن «الشعر الشعبي» الشائع في البيئة نفسها هذه الأيام والذي لا يختلف كثيراً عن تقاليد وطابع الشعر العربي الكلاسيكي (الجاهلي)، بقدر ما هي أقرب ما تكون إلى «الفولكلور الشعري» المتوارث جيلاً عن جيل مرتبطاً بإنشاد جماعي طقسي هز الآن على هيئة «أغاني عمل»، وهو ما يرجح كوننا أمام بقايا لنص أصلي استثنائي تفكك أغانٍ وأمثال، وبقدر ما تعزز هذه المسألة تلك الوحدة المفترضة بين النصوص كما أسلفنا، فإن من شأن ذلك أن يتقوى أكثر نظراً لهذا التدرج في المضامين والذي يكاد يرسم لنا خطاً مناسباً للبنية المضمونية للنص المفترض: (بعد ديني ميثولوجي، حكمة اجتماعية، حكمة معرفية زراعية تجريبية)، وفقاً لترتيب المضامين التي قرأناها قبل قليل ووفقاً لتدرجها داخل أفق «رؤيوي» ينتمي إلى الوعي الزراعي، ويمكن لهذه البنية أن تكون ذات معنى قياساً على نماذج من الأدب الزراعي في ثقافات أخرى، وإن كان ليس ثمة نموذج بهذه الدقة من الاختصاص كما في ظاهرة شَرْقَه، ولكن وعلى كل حال، فإن هذا المضمون يفترق مع المضمون في القصيدة العربية التقليدية فليس ثمة ما هو شخصي يعكس حياة «الشاعر» أو ينطلق من منظوره الذاتي أو يدور في الإطار «القبلي» الاجتماعي بقدر ما يتسع أفقه ليشمل الإنساني التجريبي الموضوعي.

وهذا المضمون الذي تخلقه حاجة اجتماعية وتحدده بنى ذهنية يختص بها المجتمع الزراعي يساهم هو في تشكيل خطابه. إن (المضمون الأدبي، بحكم تجدده عن طريق التنقيلات المتعاقبة، يبدع هو نفسه صورة التعبير الخاصة به)30، وفي نصوص شَرْقَه نحن أمام موضوعة إنسانية يُعبَّر عنها من منظور حيادي يؤدي وظيفة «الحكمة أو الأقوال المأثورة»، أو «الشعر التعليمي» وقد تحقق فيها خطابه من خلال طبيعة الجملة اللغوية وأسلوبيتها التي ترتكز غالباً على جملة الشرط والأمر والنهي، والجمل الاسمية التي تقرر معرفة من نوع ما. بخلاف الموضوعة «الذاتية» في الشعر العربي. ولأن الشكل الأدبي في حد ذاته شأن اجتماعي، والأدب ناتج تفاعل الإنسان مع واقعه، فإن الشعر العربي (منذ الجاهلية ووصولاً إلى الشعر الشعبي) امتداد للوعي البدوي وبيئة الصحراء، بينما ظاهرة شَرْقَه امتداد للمجتمع الزراعي ووعيه، بما هي تمثيل حقيقي لفكر هذا المجتمع وقيمه وبنيته الذهنية، ليس -فقط- في خطاب النص وشكله ومضامينه ودوره الاجتماعي في الثقافة الشفاهية ولكن حتى في صورة الشاعر نفسه، التي يبدو أنها هبطت من أسطورة ما، لكنها تجسد لنا نموذجاً من «شخصية الشاعر» أكثر أناقةً مما نعرفه في الموروث العربي.

وصورة شَرْقَه كما هي حاضرة في الثقافة الشعبية تبدو على الطرف النقيض من صورة الشاعر المألوفة في الثقافة العربية، فهو شاعر لا يقول الشعر إلا حكمة، وحكيم لا يقول الحكمة إلا شعراً، وفوق هذا يظهر في هيئة الفلاح، وليس مألوفاً في الثقافة العربية أن ينتمي الشاعر إلى مهنته، وفي نفس الوقت يجسدها قيماً وخطاباً، فعادة ما كانت مهنة الشاعر هي الشعر، وغالباً ما كان الشعر أداة للقتال أو التكسب، وأما شَرْقَه فمهنته فلاح وهو يدور في فلكها ويمجد العمل بما هو قيمة إنسانية عليا، عوضا عن كونه يحضر في «العمل» ومن خلاله، وإن غادر ذلك فإنه لا يغادر موضوعيته، إنه شاعر لا يهجو ولا يمدح، ولا يرثي، ولا حتى يتغزل.. بل يخلص للحكمة ويقدمها للجماعة، وهذه الجماعة التي ينتمي إليها ليست قبيلة بل تجمعاً أكثر تقدماً من أن يكون «سلالياً» عنصرياً قبلياً على سبيل المثال، بل تجمع جغرافي (إن قلنا إنه يمثل المنطقة التي يشتهر فيها) أو مهني (إن قلنا إنه يمثل السقاية والمشتغلين بها)، وهكذا يحضر في الثقافة الشعبية كممثل لجماعة أو مجموعة بشرية أقرب إلى تلك المنظومات الاجتماعية التي تشكلت نتيجة لتطور أحدثته الثورة الزراعية. وإذا كان هذا سوف يتجلى أيضاً في اسمه (حين يختفي النسق القبلي في الانتساب سواءً باللقب أو سلسلة النسب)، فإن الاسم يغدو أكثر انزياحاً حين يقترب من الطابع الأيقوني تماماً مثل أبطال الأساطير والحكايات، حيث الاسم أو الشخصية ليست سوى مجموعة من الأفعال تشكل إجمالاً صورة البطل، ولكن ليس ثمة سرد مكتمل عن «شَرْقَه»، بل ليس له حكاية محددة أو متماسكة، إنه حقاً يشبه الأبطال الشعبيين في أي ثقافة شعبيةٍ، لكنه يختلف عنهم في أن بطولته تتركز في «القول» بدرجة أساسية.

وهذا الطابع الأيقوني لشخصية الحكيم يتكثف بدءاً من كون الاسم (شَرْقَه) ليس مألوفاً في اليمن كاسم «علم» بالرغم من أن هناك عائلة في محافظة البيضاء تسمى (بيت شرقه) وهذا نادر جداً بالنسبة للأسماء، أما فيما عدا ذلك فإن لفظة «شَرْقَه» في عمومها تعني في لهجة بعض مناطق اليمن مثل (عتمة): وقت معين من أوقات الصباح حين تكون فيه الشمس قد بسطت ضوئها على كل الأماكن، وبدأت ترتفع في كبد السماء، ويستخدمون اللفظة في تحديد موعد تناول وجبة من وجبات العاملين في الحقول تقع ما بين الفطور ووجبة الغداء، على أن اللفظة «شرقه» في بعض المناطق مثل (عنس)، قد تعني بدايات الصباح الأولى، وعادة ما تضاف إلى كلمة «شمس» لتصبح «شَرْقَة شمس» بمعنى لحظات بزوغ الشمس تحديداً ظهورها في أعالي المرتفعات، وقد تنطق في هذه الحالة هكذا (زَرْقة شمس)31، وفي معناها المرتبط بالشروق قد تشير هنا إلى أهمية السقاية باكراً قبل طلوع الشمس وتفضيلهم لها، وهو ما تدل عليه الحكميات في مثل: (دلو العشي دلوين والصبح أربعة، من حب كيل البر بكر لولي)، وتأتي غير منفصلة عن هذه الدلالات، دلالات كلمة (شَرَق) الظرفية، والتي تعني تأخر الوقت لكن مرتبطةً بالصباح ويقابلها (غلس) في المساء32، أما في بعض مناطق ريمة، فإن لفظة (شرق) قد تعني الحراثة كما في بعض الأدبيات الزراعية مثل هذا القول المنسوب لعلي ولد زايد في هذه المنطقة:

«شرق على ثور حاسر... ولا تجداي الاصحــــاب»33.

أي حراثة على ثور عجوز، خيرٌ من استجداء الناس. وقد تتصل في هذه الحالة بمهنة الحكيم «شَرْقَه» (بتول السقي)، وإجمالاً فإن كل هذا يمكن أن يساعد في فهم دلالة الاسم، اسم الحكيم (شرقه)، لكنه لا يساعد كثيراً في فهم طبيعة شخصيته، على الأقل ليس كما هو الحال مع الاسم «شرقن» (الشارق) في لغة اليمن القديم.

وفي النقوش المسندية، وردت كلمة «شرقن»، كصفة من صفات الإله عثتر «الزهرة» ويعتبر (الركن الثالث من أركان الثالوث الكوكبي في الحضارة اليمنية القديمة ويمثل الابن للشمس والقمر من حيث الجانب الأسري في المجمع الإلهي)34، والإله «عثتر» في الفكر الديني القديم إله وطني (وقد تقدم اسمه في تلك النقوش على الآلهة الوطنية بسبب عموميته التي ارتضاها كل اليمنيين لأنه لم يكن إله كتلة سياسية معينة وقبيلة من القبائل ولكنه ارتبط بالمطر والسقي وهذان الأمران هما دعامة الحياة في الحضارة اليمنية القديمة)35، وقد وردت لهذا الإله عدة صفات لكن أشهرها هي صفة «شرقن» التي عرف بها وحدها أحياناً، أي «شرقن» فقط، وهي تدل عليه عندما (يكون مرئياً في «الشرق» وتدل عليه كنجمة في الصباح وبالتالي فإنها تعني الساطع أو المضيء وسبب وصفه بتلك الصفة أنه يظهر في وقت يتداخل فيه نهاية ظلام الليل الحالك بنور الصباح، وبالتالي فإن ظهوره يبشر بطلوع النهار ويدل على حركة الحياة فيه بعد سكونها في الليل)36، ولكن البعض يرى أن صفة «شرقن» لا علاقة لها بالجهة وإنما بالسقي والمطر، كذلك بعض صفاته الأخرى37 التي تشير إلى أن هذا الإله له «علاقة بالمطر الذي يعتبر من وظائف الإله عثتر»38. وهو يوصف «بأنه (ذو هرق) أي: الذي يهرق، من الفعل (هرق) = (أراق) وتعني الذي يريق الماء»39. كما أن عثتر الشارق، هو الحامي للمنشآت المائية (سد، بئر، ماجل، ساقية).

وما زالت تحضر في تقاليد (السقي والري) في اليمن، بعض التسميات القريبة من مادة «ش.ر.ق» لتؤكد علاقة الصيغة بالري والسقيا وربما بالإله «شرقن». يشرح لنا جامع أقوال «شَرْقَه» تقنيات رفع الماء من الآبار والتي (تتم بتقنية بدائية عجيبة ابتكرها الإنسان من القدم حيث تحاط فوهة البئر بحافة حجرية متينة وتعلو على شفير البئر البكار أو الدعائم وهما حائطان وفي المحكم منارتان تبنيان على رأس البئر من جانبيها فتوضع عليها النعامة وتسمى الحاملة، وهي خشبة تحمل البكرة وتسندها خشبة أصغر تواريها من الأعلى تسمى (مشريق) ويثبت بينهما وبشكل عمودي عودان أصغر حجما «الغريب» وتنصب بينهما البكرة العجلة التي يستقى عليها وهي خشبة مستديرة في وسطها محز للحبل..)40، والمهم في هذا هو أن «مشريق» و«مغريب» اسمان لبعض أجزاء الآلة القديمة لرفع المياه، ويشبه هذا تسمية بعض السواقي في احدى القرى اليمنية بـ(شرقية، وغريبة)41، وأعني أن هذا الحضور المتكرر لمادة (ش.ر.ق) مرتبطةً ب(السقاية والري) على اختلاف تمظهراته في (البئر، والساقية، والأدوات) يجعل من اسم الحكيم (شَرْقَه) واسم الإله (شرقن) المرتبطين بالسقاية والري أيضاً، معنى مختلفاً قد يكون له علاقة بالحقل الدلالي نفسه وبالتالي بالتقاليد والطقوس الدينية ومعتقدات الخصوبة والمياه المقدسة.

وفي اليمن الذي عرف الزراعة منذ آلاف السنين، كان للماء مثلما كان له في أي مجتمع زراعي، بعده الميثولوجي التقديسي، كدلالة على الخصب والنماء والتجدد، فهو «نطفة» السماء التي تتدفق في رحم الأرض فتنتج الثمرة والحياة، ولقد كان للآلهة اختصاصاتها التي من بينها «الري والأمطار»، وكان لأعمال الري تقاليدها وطرقها وطقوسها الدينية كما نرى ذلك جلياً في ظاهرة «الاستسقاء» المرتبطة بنصوص «أدبية» خاصة بها. وحتى وقت قريب (كان لدى يمن الجنوب [والشمال] طقس يمارس عند إصابة المنطقة بجفاف، فيخرجون بالأضاحي إلى العراء، ويرددون أدعية واناشيد تردد إلى الآن في المناسبات ذاتها وفي المنطقة ذاتها)42. ولا شك أن هذا الطقس قد توارثته الأجيال واستمر بتفاصيله أو أغلبها بما في ذلك تقديم الأضاحي والإنشاد كامتداد للفكر اليمني القديم وتقاليده43.

والأهم من كل ذلك هو أن ما وصلنا عن تقاليد الري في اليمن القديم، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما وصلنا مما يدل على وجود أدب يمني قديم، وأشهر الأدلة الأثرية واهمها في هذا الصدد ما يعرف بـ«ترنيمة الشمس» أو نقش القصيدة الحميرية.

و«ترنيمة الشمس» هو الاسم الذي يطلقه الباحث يوسف محمد عبدالله، على نقش مسندي عثر عليه في «ضاحة الجذمة»، وادي قانية في مديرية السوادية، محافظة البيضاء، أبرز ما في هذا النقش هو (خاتمة كل سطر فيه، حيث ستكرر حرفان هما الحاء والكاف في كل سطر، وإن عدد حروف كل سطر تتراوح بين ثلاثة عشر حرفاً وسبعة عشر حرفاً والغالب هو ستة عشر، ورغم ان انعدام أصوات اللين والحركات «يقتل» أية محاولة مثمرة لدراسة التفاعيل إن وجدت، إلا أن لزوم الحاء والكاف في آخر كل سطر سبعاً وعشرين مرة متتالية: يغري باعتبار ذلك قافية ممكنة)44، والنص مكتوباً بالحرف العربي المعروف يأتي على هذا النحو:

نشترن/ خير/ كمهذ/ هقحك

بصيد/ خنون/ مأت/ نسحك

وقرنو/ شعب/ ذقسد/ قسحك

ولب/ علهن/ ذيحر/ فقحك

وعليت/ أأدب/ صلع/ فذحك

وعين/ مشقر/ هنبحر/ وصحك

ومن/ ضرم/ وتدأ/ هسلحك

....................45

ويقترب النص من الطابع الشعري الأدبي الذي يعززه مضمونه الابتهالي الاستسقائي، ويوسف عبدالله يرى أنه ينتمي إلى نمط من النصوص «مألوف في الشرق القديم عموماً، إلا أنه نص جديد ومثير بالنسبة لليمن القديم ويعكس شيئاً من ثقافة عرب اليمن قديماً. كما أنه يخرج عن إطار ما نألفه في أشكال آلاف النقوش اليمنية ومضامينها، والتي وصلتنا إلى اليوم»46، وقد نقل معناه إلى العربية (الفصحى) على هذا النحو:

نستجير بك يا خير فكل ما يحدث هو مما صنعت

بموسم صيد خنوان مائة أضحية سَفَحْت

ورأس قبيلة «ذي قســد» رفعت

وصدر علهان ذي يحير شرحـت

والفقراء في المآدب خبزاً أطعـمت

والعين من أعلى الـوادي أجـــريت

وفي الحرب والشدة قوّيت

ومن يحكم بالباطل محقت

وغدير «تفيض» لما نقص زيدت

وليان «العز» دائما ما بيضت

وسحر اللات إن اشتد ظلامه بلجت

ومن يجأر ذاكراً نعمك رزقت

والكرم صار خمراً لما أن سطعت

وللإبل المراعي الوافرة وسعت

والشرع القويم صحيحاً أبقيت

وكل من يحفظ العهد أسعدت

وكل أحلاف ذي قسد أبرمت

والليالي الغدر بالاصباح جليت

وكل من اعتدى علينا أهلكت

وكل من يطلب الحظ مالاً كسبت

ورضي من تعثر حظه بما قسمت

وفي (الشعيب) الخصب أزجيت

وبئر «يذكر» حتى الجمام ملأت

الحمد يا خير على نعمائك التي قدّرت

وعدك الذي وعدت به أصلحت

أعنتنا يا شمس إن أنت أمطرت

نتضرع إليك فحتى بالناس ضحيت47.

وتقترب هذه الترنيمة من الاناشيد البابلية، والآشورية، والأدب الحكمي في الشرق القديم وهي من حيث موضوعها وطابعها أنشودة ابتهالية من أناشيد المطر والاستسقاء، وخطابها موجه للإلهة (الشمس)، وهي إلهة المطر عندهم، كما تبيّن نقوش أخرى.

والأهم من ذلك أنها تلتقي مع حكميات شَرْقَه في معانيها وخطابها، وطابعها الأدبي وصلته بالميثولوجيا الزراعية، بدءاً من كون كل منهما يتخصص على نحو ما في السقاية وري المحاصيل الزراعية، ثم الطابع الابتهالي الاستسقائي، وإن كان مرتبطاً في الترنيمة بالآلهة الشمس، بينما غدا في نص شَرْقَه إسلامياً، لكنه ما زال متجسداً في طبيعة البنية المضمونية للابتهال، وهي إذ تبدو في الترنيمة (عبارة عن تعداد فضائل الشمس ونعمها على العباد، وكلها توحي بقدرة الشمس وسيطرتها المطلقة على كل شؤون الحياة)48، تبدو قريبة منها في ابتهالات شَرْقَه التي تعدد فضائل الله، والاتكال عليه وحمده وذكره بصفات القوة والقدرة والقدم والأزلية والثبات.. كما تمجد إرادته التي تقف خلف كل شيء من إخراج الماء من البئر إلى حماية الحق، هذا مع أن حكميات شَرْقَه تبدو دنيويةً أكثر، حين تظهر فيها الخبرات العملية لاستخراج الماء من البئر وتقنيات الحفر، والدور الإنساني في ذلك، بيد أن هذا لا يغيب كلياً في النص المسندي، فمن الواضح أن (وسائل الري المذكورة في الترنيمة من عمل الإنسان وانجازه فالآبار تحتاج إلى الحفر والبناء، وأغلب العيون لا تفجر إلا بعد توفير مجرى أرضي لها، وتوحي ترجمة الشارح للغدير بـ«الشق أو الأخدود» بأن ثمة يد قامت بشقه، أما إذا اعتبرنا معنى الغدير النهر أو مجرى السيل الكبير ففي كلا الحالتين لابد للاستفادة من المياه التي تجري من تدخل الإنسان وجهده، وأقل ذلك هو شق القنوات والسواقي)49، ومعناه أننا أمام أنساق دنيوية إنسانية تظهر داخل الأفق الأسطوري في الترنيمة، بينما نجد أنفسنا في حكميات شَرْقَه أمام أنساق أسطورية خافتة تظهر على استحياء خلف مضامين تبدو في ظاهرها دنيويةً، مثل خصوصية الصباح أو الإشراق في السقي: (دلو العشي دلوين والصبح أربعة). إذ ليس له تفسير سوى أنه يرتبط بتبرك «إلهي» بوقت من الأوقات دون غيره، على أن المعنى ذاته في ترنيمة الشمس سوف يبدو لاهوتياً (وسحر اللات إن اشتد ظلامه بلجت/ والليالي الغدر بالاصباح جليت). حيث القدرة الإلهية تقف خلف كل حركات الطبيعة وظواهرها، مثلما أن القدرة الإلهية سوف تسيج القوانين وتحمي الحق، كما يظهر من خلال المضمون القانوني التشريعي في الحالتين، ففي الترنيمة (ومن يحكم بالباطل محقت/ والشرع القويم صحيحاً أبقيت)، وفي حكميات شَرْقَه (يا رب حق الحق وامح الباطلي)50، ولا يقع بعيداً عن ذلك ربط قيم العمل والكسب في الترنيمة بالآلهة (وكل من يطلب الحظ مالاً كسبت)، وأنسنتها في حكميات شَرْقَه (من حب كيل البر بكر لولي).

وبغض النظر عن التفاوت في حضور النسق الديني الأسطوري بين الحكميات والترنيمة والذي يبدو أن اختلافه بين الحالتين يعود إلى أنسنة حكميات شَرْقَه جراء رحلة شفاهية طويلة قطعتها منذ أصل ما هو أقرب ما يكون إلى ترنيمة الشمس، فإن المقابلة السريعة قبل قليل وهي توضح الفروق، تضع يدها في نفس الوقت على التناصات الواضحة في تفاصيل المضامين التي تدور إجمالاً حول السقيا والري، وبالتحديد سناوة الماء من الآبار وخبراتها وما يتصل بذلك، ثم العمل الزراعي عموماً، فالمحاصيل الزراعية (اللبان، والعنب) في الترنيمة، يقابلها (البر والعنب) في ظاهرة شَرْقَه، وسقاية الحيوانات كالإبل تحديداً في الترنيمة (وللإبل المراعي الوافرة وسعت) يقابلها في حكميات شرقه (خيرة وطن للعيس ذي ناخب وبرء)، بما لذلك من دلالة على أن مجتمع الظاهرتين (زراعي-رعوي) في نفس الوقت، غير أن بعض الخصوصية التي تظهر في ترنيمة الشمس وهي مرتبطة بتاريخ سياسي معين51، تغيب في ظاهرة شَرْقَه التي تبدو أكثر عموميةً من خلال خطاب مفتوح تأنسن بعضه وتداخلت معانيه، وتعددت صياغات بعضه الآخر، بيد أنها ما تزال تلتقي مع الترنيمة، إلى جانب التفاصيل السابقة، والطابع الاستسقائي الابتهالي، في الأبعاد الكلية للنص: البعد الديني، البعد الحكمي، البعد الزراعي، وأخيراً في لغة النص، فإذا كانت ظاهرة شَرْقَه شعبيةً بامتياز، فإن نقش «ضاحة الجذمة» يختلف عن النقوش اليمنية المألوفة، بل إنه يقترب من أدب الحكمة البابلي الذي نسج (وفق تقليد متوارث ومتراكم مما يجعله أقرب إلى «الأدب الشعبي» إذ أن نسبته إلى شخص معين أو زمان محدد أمر صعب)52، بحسب الباحث مترجم النقش.

وعلى كلٍّ، فإن ما لا يخطئه العقل، هو أن ثمة علاقة بين كلٍّ من «شَرْقَه» الحكيم الحاضر في الثقافة الشعبية في بعض مناطق اليمن، و«شرقن» الذي تظهره كتابات المسند كأحد آلهة اليمن الكوكبية أو أحد أسماء أو صفات تلك الآلهة، وأن يكون لدينا حكيم شعبي اسمه «شَرْقَه»، وإله يمني قديم اسمه «شرقن» قد يكون محض مصادفة، لكن ليس من المصادفة أن يكون الإله «شرقن» (الذي تؤكد النقوش وجوده بلا أدنى شك)، والحكيم «شَرْقَه» (مجهول النسب والمكان والزمان) متشابهين في كونهما متخصصين في الري، وقد سبق لنا القول إن الحكيم «شَرْقَه» متخصص -بكل ما تعنيه الكلمة هنا= في السقاية وسناوة الماء، وأما إحدى صفات «شرقن» فهي ارتباطه بالمطر وأعمال الري.. إلخ. إن هذه العلاقة بين الحكيم شَرْقَه والإله شرقن وهي علاقة تتكشف في الالتقاء اللفظي والطقوسي والموضوعي، سوف يعزز من شأنها أن المكان الذي عثر فيه على نقش «ترنيمة الشمس» (عزلة قانية، بمديرية السوادية، محافظة البيضاء) هي إحدى المناطق التي يشتهر فيها الحكيم شَرْقَه، بل ما زال حاضراً في ذاكرة فلاحيها وأغانيها الشعبية المرتبطة بتقاليد السقي وسناوة الماء. وفي منطقة هجر قانية حيث عثر على نقش الترنيمة -بحسب مكتشفه- (يشاهد المرء عدداً من الآبار القديمة (الحميرية)، لا يزال بعضها يستعمل إلى اليوم وكذلك آثار من سدٍّ قديم)53، أما «الحد_يافع» أهم مناطق شهرة الحكيم شَرْقَه والمعروفة تاريخيا بالعناق فتشتهر بسعة الأراضي الزراعية وتكثر فيها الآبار التي تسقي المزروعات بحسب جامع أقوال «شَرْقَه»54.

ولا شيء يمنع أن يكون «شَرْقَه» هو الإله «شرقن» أو ظله، وأن تكون أغاني الفلاحين المنسوبة لهذا الحكيم هي أصداء نص ديني ابتهالي مشابه لترنيمة الشمس، كان الناس يتوجهون به إلى الإله «شرقن» المتخصص في الأمطار والري، ومن الطبيعي أن يكون هذا النص مرتبطاً اسمياً ودلاليا، بــــالإله «شرقن»، كأن تكون هناك نصوص عدة منسوبة إلى الآلهة أو إحدى صفاتها أو تجلياتها، أو تقرب بها إلى الالهة كهنةٌ أو رجالُ دين، أو أبدعها شعراء لهم علاقة بالمؤسسة الدينية، وتبنتها هذه المؤسسة بحيث أصبح النص «سرديتها الكبرى» أو جزءاً منها، بينما أصبح مبدعها أو من تنسب إليه، رمزاً جماعياً أسطورياً، أو أنه في الأصل كذلك، كأن يكون «إنساناً» ضحى بنفسه قرباناً للآلهة من أجل الناس، فاحتفظ به الوعي الجمعي رمزاً أسطورياً يرى فيه كل فرد ذاته، أو ما يمثلها. وفي الميثولوجيا ثمة مبدأ مشترك (يكمن في أساس العقيدة هو أن المياه المقدسة مشحونة بالروح والطاقة الإلهية، وتقدم الأساطير تفسيرات شتى لذلك وتربط بين السمة الإلهية والمياه والعديد من الآلهة والقوى الغيبية، لكنها جميعا تتفق على أن موضوعها الرئيس هو بيان أن عين الماء أو الجدول يتم تخصيبها إن صح التعبير بالطاقة الحيوية للإله الذي تستمد قدسيتها منه)55. ويمكن القول إن اساطير التضحية تنطلق من كون الدم (في عقيدة الأقدمين هو مبدأ الحياة أو وسيلتها، وبالتالي فإن التعليل الذي كان شائعاً لقدسية المياه هو أن دم الإله يتدفق فيها)56. وأما التضحية فكانت ما تزال حاضرةً حتى وقت قريب في تقاليد الاستسقاء لدى اليمنيين، ولكنها في اليمن القديم وصلت إلى درجة «التضحية بالبشر»، ولا نعرف إن كان ذلك مرتبطاً «بالاستسقاء» بالتحديد، إنما يمكننا الاستدلال عليه من آخر سطر شعري «في ترنيمة الشمس» الذي يقول:

نتضرع إليك فحتى بالناس ضحيت

وهذا السطر الشعري الصريح جداً يمثل الذروة لمجموعة الاسباب المنطقية التي تدفعنا للتساؤل: هل قام البطل الملحمي في كل من «ترنيمة الشمس» و«أسطورة شَرْقَه» بالتضحية بنفسه؟ وجزء من الإجابة فيما يتعلق بترنيمة الشمس، هو السطر الشعري نفسه، لكن على خلفية التضحية بالبشر في اليمن القديم ففي «عهد الممالك القائمة على تجارة القوافل (النصف الثاني للألف الأول قبل الميلاد) تذكر بعض النقوش وجود قرابين بشرية.. وكثيراً ما يقدم الشخص نفسه كقربان»57، وقد يكون لذلك علاقة بالتضحية كنسق أسطوري، كما في الميثولوجيا القديمة والديانات الوثنية والزراعية، وهنا يخطر في البال ما يسمى بالبطل الملحمي الذي وهب نفسه للآلهة، أو ما يسميه سعيد غانمي (باستعارة «الإله القتيل» أو «الموت الملحمي»)58، كما في تضحية المسيح، ولقد اعتقد اليمنيون أن الإله «كهل» ضحى بنفسه، وفي نقش يمني آخر مثل نقش زيد عنان (وهو نقش ذو طابع أدبي أيضاً) يقدم صاحب النص «الأيل» قرباناً. بل إن النص نفسه جزء من قربان، وقد عثر عليه مكتوباً فيما يمكن أن يكون أراضٍ مقدسة، وهو أمر يتآزر مع دلالة تعليق النصوص الاستثنائية في الأماكن المقدسة (كما يقال عن «المعلقات السبع» مثلاً)، ومثله إنشادها في الطقوس الدينية كما تدل عليه «ظاهرة شَرْقَه» التي تحيا في ما يمكن أن يكون مكاناً مقدسا «تكثر فيه الآبار»، لكن هل هذه الآبار مثل (العيون والأنهار المقدسة لإله السماء (بعل شاميم) التي تلقت دمه عندما ذبحه ابنه)59، أي هل تلقت دم «شَرْقَه» الذي قد يكون قدم نفسه قرباناً إلهياً، أو أن أحداً فعل ذلك به، كابنه مثلاً، ابن «شَرْقَه» الذي لا نعرف شيئاً عنه سوى أنه «عسكري»!!

في حضورها «الشفاهي الشعبي» تبدو نصوص شَرْقَه الحكمية أصداء نص «قرباني» بينما تبدو شخصية الحكيم قريبةً من البطل الملحمي الذي ضحى بنفسه من أجل الجماعة، ذلك أننا لا نجد تفسيراً وجيهاً للغموض الذي يلف سيرة الحكيم، أو طبيعة حضور شخصيته التي لا تكاد تظهر ملامحها، إذ لا حياة ملموسة له ولا يعرف مكانه أو زمانه، إنه أقرب إلى الأبطال الأسطوريين من حيث أن حياته لا تبدأ عند نقطةٍ معينة ولا تنتهي عند أخرى، فهو ممتد وحي داخل الجماعة ما حييت هي، وأما بقايا النسق الأسطوري الخفي الذي لا نكاد نتبينه إلا طفيفاً فيظهر في ذلك التقدير «الغامض وغير المفسر» للحكيم وما ينسب إليه، إلا في كونه هو «حكيما» وفي كون ما ينسب إليه «حكمةً، حكمياتٍ» وأما الحكمة فلم تكن دنيوية بحتة، بقدر ما كانت مرتبطة بالمقدس، إما صفة في الإله أو الأنبياء أو في النصوص الدينية أو ما يقترب منها. فالحكم، أو الحكيم أحد صفات الآلهة اليمنية القديمة بل كان الإله القمر يسمى «حكيم». وفي ثقافات الشرق ألحقت الحكمة بالمقدس أو أنها انبثقت منه. وهكذا فإن الطابع المقدس للظاهرة هو أكثر التفسيرات معقوليةً لهذه المكانة الشعبية التي تتصف بها نصوص شَرْقَه، كما أنه العامل الوحيد الذي قد يجعل ثقافةً ما تحتفظ بنص ما _شفاهياً-عبر الأزمنة وتجعله يقاوم النسيان، في رحلة يبدو أنها قد استلزمت عدم بقاء النص «الأصلي» على حاله دون تغيرات، إن أول التغيرات التي نفترض أنها طرأت عليه ستتمثل في هبوطه من نص ديني إلى «أغان مرتبطة بالعمل»، ومن نص «تشريعي» إلى حكمة شعبية لها ما للأمثال أو الحكم الشعبية من مكانةٍ، بينما سوف يهبط الرمز الأسطوري من عرشه المقدس في سقف العالم إلى حافة البئر، أو من نصف إله إلى «شَرْقَه بتول السقي» دون أن ينال ذلك كثيراً من مكانته إلا بالقدر الذي يبدو فيه متخفياً بفعل التحول وطبيعته، أي أن ذلك لن يمس طبيعته الفلاحية القومية، اولاً، كإله متخصص في تخصص فرعي داخل نطاق مهنة الزراعة بشكل عام (السقاية)، وثانياً كإله مختص بمنطقة من المناطق أو بخارطة جغرافية/اجتماعية محددة، وهما ملمحان أساسيان في شخصية الحكيم شرقه الأسطورية، فهو متخصص في السقاية دون غيرها، ومختص بمنطقة معينة فقط، وهو بهذا حكيم لا يتكرر في المنطقة نفسها وبالتخصص نفسه، وأما إذا كان ثمة من يشبهه في هذا التخصص الاستثنائي والإطار القومي/الاقليمي، فسوف نجده في منطقةٍ أخرى من مناطق اليمن، في ظل تعددٍ للحكماء، قد يكون صدى لتعدد الآلهة، وفق الاختصاصات والأقاليم.

الهوامش

1. د. علي صالح الخلاقي: (الحكيم الفلاح الحُميد بن منصور - شخصيته وأقواله)، بدون دار نشر، صدر، عام 2010م، ص: 106.

2. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 106.

3. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 111. والمعنى: (ما الذي أخرجك أيها الماء من باطن الأرض:قاع الآبار؟ ويتخيله يرد: الله والأحبال والدلاء).

4. والمعنى: (الماء ملك من أجرى الماء جرى من أجله).

5. والمعنى: (دلو الماء المستخرج من البئر في الليل يساوي دلوين، أما في الصبح فيساوي أربعة).

6. (الذراع: اليد، وهي أشبه بوحدة قياس لدى اليمنيين، والمجلاب المكان المحيط بالبئر والذي تجلب إليه المخلفات عند الحفر (وهو المكان الخاص بالثيران أثناء السناوة) والحكمية تتضمن خبرةً عملية فيما يتعلق بالحفر، إذ أن ما يعادل ارتفاعه ذراع من مخلفات البئر يساوي «قامة» في البئر).

7. والمعنى: قامة من الماء: ما يساوي ارتفاع قامة إنسان من الماء في البئر، خير مما يماثلها ذهباً، ذلك أن الذهب ينفد أما الماء فلا ينفد.

8. والمعنى: يقول شرقه: خير الأوقات اليوم أوله.

9. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 104.

10. والترج. أونج: الشفاهية والكتابية، ترجمة: د.حسن البنا عز الدين، مراجعة: د. محمد عصفور، المجلس الأعلى للثقافة، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد:182، فبراير، 1994م، ص: 85/ بتصرف.

11. د. علي صالح الخلاقي: (الحكيم الفلاح، الحميد بن منصور،)، مرجع سابق، ص: 104.

12. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 104.

13. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 107.

14. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 106.

15. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 106.

16. جيرار جينيت: «أطراس، (الأدب في الدرجة الثانية)» ت: المختار حسني، مجلة فكر ونقد، ع16، س2، الرباط، المغرب، فبراير1999، ص: 130.

17. الزامل: من فنون الشعر الشعبي في اليمن، يقترب في بنائه وبعض خصائصه من فن الزجل الأندلسي، يتميز بقصره إذ لا يتعدى بيتين شعريين على اختلاف بناه الشكلية التي قد تشبه أحياناً _وليس دائماً_ نظام بيت الموشح، ويقال الزامل في المناسبات والمواقف ويشبه بياناً اجتماعياً من قائله الذي قد يمثل ذاته أو جماعته، وغالباً ما يصاحب مناسبات اجتماعية (الأعراس، العزاء، الخلافات الاجتماعية، أو المصالحات)، وفي هذه الحالة الأخيرة عادة ما ينشد جماعياً ويعبر عن موقف الجماعة التي ينتمي إليها الشاعر.

- والبالة: ففن شعري ارتجالي إنشادي، يؤدى في حلبة جماعية، ويتخذ طابع المبارزة أو النزال بين الشعراء، ينظم في أوزان شعرية خاصة به تتناسب مع ألحان أدائه، إذ يؤدى في مقامات إنشادية مخصصة، في جماعة من الناس تشارك في الإنشاد، وتشكل جمهور المتلقين.

- والمقصود أنها فنون شعبية يمكن أن ينسج على منوالها الشعراء والمبدعون بينما لا يصدق هذا على الأشعار الفلاحية المنسوبة إلى الحكيم شرقه وكذلك الحكماء الآخرين.

18. كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ترجمة: عبد الحليم النجار، مطابع دار المعارف (ج.م.ع)، 1983م، ج 1/44 - 45.

19. ثروب فراي: الماهية والخرافة، دراسات في الميثولوجيا الشعرية، مراجعة: عبدالكريم ناصيف، ترجمة: هيفاء هاشم، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، دمشق، 1992م، ص: 25.

20. روبرتسن سميث: محاضرات في ديانة الساميين، ترجمة د. عبدالوهاب علوب، مراجعة وتقديم: د. محمد خليفة حسن، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 1997م، ص: 181.

21. منير عبدالجليل العريقي: الفن المعماري والفكر الديني في اليمن القديم، من 1500 قبل الميلاد، وحتى 600 ميلادية، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م، ص: 154.

22. د. علي صالح الخلاقي: (الحكيم الفلاح، الحميد بن منصور،)، مرجع سابق، ص: 104.

23. ثروب فراي: الماهية والخرافة، دراسة في الميثولوجيا الشعرية، مرجع سابق، ص:13، وما بعدها.

24. أعني بالقصيدة الشعبية ذلك النوع من الشعر الذي ينتجه الشعراء الشعبيون المعروفون باللهجة الشعبية/الدارجة، وبالتحديد تلك النصوص الطويلة التي تسمى قصائد في الثقافة نفسها (بعكس الزوامل والبالة والنتف)، ومن الملاحظ أن هذه القصائد غالباً ما يكون لها نظام معين عوضا عن الايقاع والقافية والوزن، فهي تكاد تكون أقرب إلى النموذج الشعري البدوي (الكلاسيكي)، ويبدو أنها ليست سوى ظلال للقصيدة الجاهلية كصدى لطغيان النسق البدوي في إطار حركة متغيرات شملت شبه الجزيرة العربية كان أهمها تعميم البداوة على كامل شبه الجزيرة، وأريد أن أقول هنا انها تختلف عن الشعر الزراعي، في ظاهرة شرقه مثلاً، قيماً ومضامين وبنية وخطاب، إلا ما كان من تلاقٍ في المقدمة الدينية، باعتبار هذا تقليد شعري ثابت في الشعر الشعبي اليمني، في معظم ألوانه وأشكاله، ومضامينه. وهو تقليد قد يكون له تفسيره من حيث علاقة الشعر بالدين، كما سوف يتضح لنا ذلك كلما تقدمنا في هذا الكتاب.

25. كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ترجمة. عبد الحليم النجّار، ج 1، ص: 56- 57.

26. كارين أرمسترونغ: تاريخ الأسطورة، ترجمة: وجيه قانصو، الدار العربية للعلوم، ناشرون، لبنان، ط1، 2008م، ص: 42.

27. والعجل جمع عجلة، والعجلة، العجلة وهي أداة ضمن أدوات رفع الماء من البئر التي يستقى عليها وهي خشبة مستديرة في وسطها مَحْزُّ للحبل وفي جوفها مِحْوَرٌ من الحديد تدور عليه. ويستخدم لجر الدلو حبل غليظ يسمى «الكَرَبْ» وهو مفتول من ألياف بعض الأشجار. وتُصنع الدلو من جلود الماعز, ويقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب العَرْقُوَتانِ وهي العَراقي (فصيحة) وإِذا شددتهما على الدلو قلت قد عَرْقَيْتُ الدلو عَرْقاةً, عَرْقُوَةُ الدلو بفتح العين والجمع العَراقي. وفي الحديث رأيت كأَن دَلْواً دُلِّيت من السماء فأَخذ أَبو بكر بعَراقِيها فشرب. والوَذَمةُ (فصيحة) وهي السيرُ الذي بين آذانِ الدَّلْوِ وعَراقِيها تُشَدُّ بها وقيل هو السير الذي تُشدُّ به العَراقي في العُرى. وتُربط الدلو بطرف الحبل الذي يُربط طرفه الآخر بالهيج وهو النير الذي يجره الثوران «الضمد» وأثناء حركة الثورين نزولاً تخرج الدلو ممتلئة بالماء فيصب ما فيها في حوض خاص على حافة البئر ومنه يمتد عبر «السَّاقية» ليصل إلى الطين المجاورة. وفي البيت المذكور (سوه عجل...) الطلح: السمرة ولها شوك أحجن ومنابتها بطون الأودية، وهي أعظم العظات شوكاً، وأصلبها عوداً، وأجودها صمغاً، أما «الاهياج» ومفردها هيج: فهي النير ويفضل أن تكون من شجر الاسجل، وهو سجر يشبه الأثل، ويغلظ حتى تتخذ منه الرحال». ينظر الحكمية والشرح: د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 107، 108.

28. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 109.

- والبِيَر جمع بِيْر: بئر، والتسعين أحد معالم فصل الصيف، إذ يعتبر الصيف وفقاً للتقويم القراني في اليمن موسم تليم (بذر)، ومدته كله 40 يوم، وكل معلم منها أي كل عشرة أيام، تخص تليم معين، وكلما تقدمنا فيها قلت فرص التليم، ويقسم الصيف إلى أربعة مواسم كل منها عشرة أيام، المية والتسعين والثمانين، والسبعين والستين، واليمنيون يستدلون على هذه المعالم بأشياء في الطبيعة وفقاً لحركة الشمس وظلالها، باستخدام أماكن ثابتة في محيطهم الذي يحيون ويعملون فيه، ويبدو أن لكل منطقة طريقتها الخاصة في الاستدلال على ذلك من خلال الادراك الحسي، لأنني سمعت شرحاً من فلاحين يحددون فيه هذه المعالم وفقاً لعلامات في قراهم نفسها لا يمكن ان يستدل بها أناس آخرون في أماكن أخرى بطبيعة الحال، والحكيم هنا يقول إن علامة التسعين هي حين تكون الشمس في وسط البئر، تسقط عمودياً عليه.

29. د. علي صالح الخلاقي: السابق، ص: 109.

30. الطاهر لبيب: سوسيولوجيا الغزل العربي، الشعر العذري نموذجا، ترجمة: مصطفى المسناوي، دار الطليعة، الدار البيضاء، يونيو 1987، ص: 37.

31. يقال زرقت الشمس، بمعنى: أشرقت الشمس.

32. مطهر الإرياني: المعجم اليمني _أ_ في اللغة والتراث، حول مفردات خاصة من اللهجات اليمنية، المطبعة العلمية دمشق، الطبعة الاولى، 1996م، ص:484.

33. 33 ينظر.. يحيى بن يحيى العنسي: التراث الزراعي ومعارفه في اليمن، الهيئة العامة للكتاب، وزارة الثقافة، صنعاء، الطبعة الاولى، 2008م، ص: 143.

34. 34 منير عبدالجليل العريقي: الفن المعماري والفكر الديني في اليمن القديم، مرجع سابق، ص: 73.

35. منير عبدالجليل العريقي: السابق، ص: 73.

36. منير عبدالجليل العريقي: السابق، ص: 77.

37. فاطمة احمد أبو الجزر: أسماء الأعلام المؤنثة في النقوش السبئية، رسالة لنيل درجة الماجستير، معهد الآثار والأنثروبولوجيا، جامعة اليرموك، 1994م، ص: 42، 43.

38. منير عبدالجليل العريقي: الفن المعماري والفكر الديني في اليمن القديم، مرجع سابق، ص: 77.

39. أسمهان الجرو: الفكر الديني عند عرب جنوب شبه الجزيرة العربية (الألف الأول قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي)، مجلة أبحاث اليرموك، «سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعية»، المجلد 14، العدد 1، 1998م، ص: 224. (ينظر أيضاً، أحمد علي الطيب الزراعي: المعبودات الكونية في مصر واليمن القديم، «دراسة مقارنة»، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة في تاريخ الشرق الأدنى القديم، جامعة أسيوط، كلية الآداب، قسم التاريخ، جمهورية مصر العربية، 2009م، ص: 435). (كذلك ينظر، إبراهيم الصلوي: أعلام يمنية مركبة، دراسة في الدلالة اللغوية والدينية، مجلة الإكليل، العدد 2، وزارة الإعلام والثقافة، صنعاء، 1989م، ص: 158).

40. د. علي صالح الخلاقي: (الحكيم الفلاح، الحميد بن منصور)، مرجع سابق، ص: 104، 105.

41. توجد هاتان الساقيتان في عرام، من المناطق الوسطى، وهي قرية معروفة بعراقتها الزراعية، ومن الملاحظ أن الساقية المسماة شرقيه تقع في الشرق وغريبة تقع في الغرب، ومع ذلك فإن لفظة غريبة هنا، تنطق هكذا (غريبة) ليست غربية لتدل على الجهة، وقد يكون لذلك معناه خصوصاً مع وجود ألفاظ قريبة منها تتعلق بالسياق ذاته، مثل ذلك (الغرب) وهو وعاء لجلب الماء مصنوع من جلد الحيوانات.

42. ثريا منقوش: التوحيد يمان (التوحيد في تطوره التاريخي)، دار الطليعة، بيروت، 1977م، ص: 79. نقلاً عن: سيد قمني: الأسطورة والتراث، المركز المصري لبحوث الحضارة (تحت التأسيس) القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999م، ص: 157.

43. 43 للمزيد ينظر: فيصل محمد اسماعيل البارد: النقوش المسندية المتعلقة بالماء والري في اليمن القديم، أطروحة لنيل شهادة الدراسات العليا، وزارة الثقافة بالمملكة المغربية، المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، شعبة آثار ما قبل الإسلام، الموسم الجامعي 2009م، 2010م.

44. د. يوسف محمد عبدالله: نقش القصيدة الحميرية، أو ترنيمة الشمس (صورة من الأدب الديني في اليمن القديم)، مجلة ريدان، حولية الآثار والنقوش اليمنية القديمة، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف، جمهورية اليمن الديموقراطية، عدن، العدد الخامس، 1988م، ص: 90.

45. د. يوسف محمد عبدالله: نقش القصيدة الحميرية، أو ترنيمة الشمس، السابق، ص: 92، 93.

46. د. يوسف محمد عبدالله: نقش القصيدة الحميرية، أو ترنيمة الشمس، السابق، ص: 92.

47. د. يوسف محمد عبدالله: نقش القصيدة الحميرية، أو ترنيمة الشمس، السابق، ص: 93، 94، 95.

48. محمد يحيى الحصماني: البعد الحضاري فـي نقش القصيدة الحميرية «ترنيمة الشمس»، مجلة نزوى، عمان، العدد63، يوليو 2010م، ص:88.

49. محمد يحيى الحصماني: السابق، ص: 93.

50. د. علي صالح الخلاقي: (الحكيم الفلاح، الحميد بن منصور،)، مرجع سابق، ص: 108.

51. محمد يحيى الحصماني: البعد الحضاري في نقش القصيدة الحميرية «ترنيمة الشمس، مرجع سابق، ص: 89

52. د. يوسف محمد عبدالله: نقش القصيدة الحميرية، أو ترنيمة الشمس (صورة من الأدب الديني في اليمن القديم)، مجلة ريدان، مرجع سابق، ص:89.

53. د. يوسف محمد عبدالله: نقش القصيدة الحميرية، أو ترنيمة الشمس، السابق، ص: 84.

54. د. علي صالح الخلاقي: (الحكيم الفلاح، الحميد بن منصور)، مرجع سابق، ص: 104.

55. روبرتسن سميث: محاضرات في ديانة الساميين، مرجع سابق، ص: 184.

56. روبرتسن سميث: محاضرات في ديانة الساميين، مرجع سابق، ص: 184.

57. د.محمد عبدالقادر بلفقيه، وآخرون: مختارات من النقوش اليمنية القديمة، تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إدارة الثقافة، 1985، ص: 100. والكتاب يشير إلى عدد من النقوش وردت فيها التضحية بالبشر وهي النصوص (رقم (3) (7) (10) (11) (19) (17)) بحسب ترقيم النقوش في الكتاب نفسه.

58. سعيد الغانمي: حراثة المفاهيم، الثقافة الزراعية والشيتية والفلسفة في كتاب «الفلاحة النبطية»، منشورات الجمل بغداد_بيروت، الطبعة الأولى، 2010م، ص: 57.

59. روبرتسن سميث: محاضرات في ديانة الساميين، مرجع سابق، ص: 184.

الصور

1. https://modo3.com/thumbs/fit630x300/41561/1439451284/%D8%A3%D9%8A%D9%86_%D9%8A%D9%82%D8%B9_%D8%B3%D8%AF_%D9%85%D8%A3%D8%B1%D8%A8.jpg

2. أرشيف الثقافة الشعبية

3. https://ictcoffee.com/wp-content/uploads/2018/12/coffee-orgin-yemen-1-1960x1105.jpg

4. 5. 6. أرشيف الثقافة الشعبية.

أعداد المجلة