فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
5

البحر في الشعر الشعبي الخليجي - رؤية مكانية سوسيولوجية

العدد 5 - أدب شعبي
البحر في الشعر الشعبي الخليجي - رؤية مكانية سوسيولوجية
كاتب من مصر

مقدمة: 

البحر من المنظور الأدبي ليس تجمعا مائيا ، تقوم عليه أنشطة الصيد والغوص والتجارة فحسب، وإنما هو عالم متكامل، تقوم على شواطئه جماعات بشرية، تستفيد من خيراته، وتحذر سطوته، وتتمنى أن تظل معتلية أمواجه، لا أن تبتلعها أعماقه . لقد تأرجحت العلاقة بين الإنسان والبحر دائما، بين شد وجذب، ولكن الثابت فيها أن البحر كان مصدرا للخيرات للإنسان. وهذا ما نراه في علاقة أبناء الخليج العربي بالبحر، فقد ظلوا عصورا طويلة، في استفادة مباشرة منه، وانعكس البحر بدوره على حياتهم، فحوّل القبائل البدوية التي سكنت ضفافه إلى تجمعات حضرية، ذات انفتاح ثقافي واجتماعي، بفعل ركوبهم البحر إلى الكثير من البلدان، وانعكس البحر – أيضا- على الفنون الشعبية لدى أبناء الخليج، فلم يعد جزءا مكانيا فقط، وإنما أضحى كائنا حيا، يحادثونه ويعاتبونه ويمدحونه، وهذا ما نلمسه جليا في الشعر الشعبي الخليجي .

البحر من المنظور الأدبي ليس تجمعا مائيا ، تقوم عليه أنشطة الصيد والغوص والتجارة فحسب، البحر من المنظور الأدبي ليس تجمعاً مائيا ، تقوم عليه أنشطة الصيد والغوص والتجارة فحسب، وإنما هو عالم متكامل، تقوم على شواطئه جماعات بشرية، تستفيد من خيراته، وتحذر سطوته، وتتمنى أن تظل معتلية أمواجه، لا أن تبتلعها أعماقه. لقد تأرجحت العلاقة بين الإنسان والبحر دائما، بين شد وجذب، ولكن الثابت فيها أن البحر كان مصدرا للخيرات للإنسان. وهذا ما نراه في علاقة أبناء الخليج العربي بالبحر، فقد ظلوا عصورا طويلة، في استفادة مباشرة منه، وانعكس البحر بدوره على حياتهم، فحوّل القبائل البدوية التي سكنت ضفافه إلى تجمعات حضرية، ذات انفتاح ثقافي واجتماعي، بفعل ركوبهم البحر إلى الكثير من البلدان، وانعكس البحر – أيضا- على الفنون الشعبية لدى أبناء الخليج، فلم يعد جزءا مكانيا فقط، وإنما أضحى كائنا حيا، يحادثونه ويعاتبونه ويمدحونه، وهذا ما نلمسه جليا في الشعر الشعبي الخليجي .

ويأتي هذا البحث، ساعيا إلى تقديم إطلالة عن أثر البحر – مكانيا وسوسيولوجيا – على الإنسان الخليجي عامة، والشعر الشعبي خاصة، وفي سبيل هذا الهدف جاءت خطة البحث موزعة على أربعة مباحث:

الأول: الخليج العربي: رؤية مكانية للبيئة والفن الشعبي .

الثاني: الخليج والإنسان: حياة اجتماعية وعمق ثقافي .

الثالث: البحر في الأغنية الشعبية الخليجية .

الرابع: البحر في الشعر الشعبي الخليجي .

فهو منقسم إلى شقين: شق نظري يتعلق بتقديم صورة جغرافية ومكانية واجتماعية عن الخليج العربي، وشق تطبيقي يدرس أثر البحر على الأغنية الشعبية والشعر الشعبي الخليجيين، بوصفهما وجهين لعملة واحدة ، فالأغنية ما هي إلا شعر شعبي مغنى، والشعر إذا انتشر صار أغنية، ولا يمكن فصل الأغنية عن حياة البحارة، فهي لازمة من لوازمهم. مع الأخذ في الحسبان أن للأغنية أشكال عدة تصاغ وفقا لها .

    أسأل الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في تحقيق هدف البحث ، كله أو بعضه، إنه سميع مجيب الدعاء .

المبحث الأول

الخليج العربي

رؤية مكانية للبيئة والفن الشعبي

 

البحر التعريف والماهية :

البحر متضاد  « البر»، فإذا كان البر هو اليابسة، بما عليها من وديان وسهول وهضاب وجبال، فإن البحر هو: تجمع الماء الكثير المالح أو العذب، وقد غلب عليه الملح، وقد سمي البحر بذلك لعمقه واتساعه1 .

ويتمثل مصطلح « البحر » – في هذا البحث – في الخليج العربي، هذا التجمع المائي الذي يتوغل اليابسة في قارة آسيا، مكونا تجمعات بشرية منذ القدم، تعايشت على خيراته، وتعايش في قلوبها، وامتزج – بوصفه مكونا أساسيا ومعيشيا – بسلوكياتها، وفنونها، وآدابها .

وبالنظر إلى الخليج العربي، من الوجهة الجغرافية، نلاحظ أنه لسان ممتد من المحيط الهندي إلى أعماق اليابسة فاصلا ما بين الجزيرة العربية والأراضي الإيرانية، ويقع رأس الخليج العربي عند خط عرض ( 30 )، ويسير موازيا تقريبا للبحر الأحمر الذي يقع عند نفس خط العرض2. والخليج العربي مسطح مائي ضيق غير متسع3 والخليج العربي كثير التعاريج، والشعب المرجانية ، وتكثر فيه الجزر4.

ويكوّن الخليج العربي مع البحر الأحمر ما يسمى شبه الجزيرة العربية، وقد نالت صفة العربية، لكون العرب يعيشون فيها منذ آلاف السنين، ويكاد اللسان العربي هو اللغة العربية الوحيدة السائدة في شبه جزيرة العرب. وبالطبع فإن الجغرافيا انعكست بطبيعتها على السكان، فنرى سكان الجزيرة قد توزعوا ما بين: أهل البحر، وأهل البر، فأهل البحر الذين سكنوا الشواطئ، واستفادوا من خيرات البحر: صيدا وغوصا وتجارة، وأهل البر هم من تحملوا شظف البر الفقير، فرعوا الأنعام، وزرعوا مناطق قليلة من الأرض.

وعلى ضفاف الخليج العربي، هناك الكثير من السكان استوطنوها منذ القدم، وكثير منهم ممن هاجروا من أعماق الجزيرة العربية، وتكيفوا مع البحر والمناخ، فاشتغلوا بمهن البحر، وساهموا في ترسيخ الوجود العربي على الشاطئ الخليجي، لذا بات منسوبا إلى العرب، باسم « الخليج العربي » .

وهناك من يختلف على تسميته منذ القدم، حيث يُسمَّى في كثير من المراجع الأجنبية بالخليج الفارسي، إلا أن كثيرا من الباحثين يرجعون هذه التسمية إلى زمن الأسكندر الأكبر، حين عجزت قواته البحرية عن السير باتجاه الساحل الغربي، نظرًا لضحالة المياه فيه، وكثرة الرواسب الرملية، فاتخذت سفن الأسكندر الساحل الشرقي، وأطلقت اسم الخليج الفارسي عليه، حيث إنه قريب من بلاد «الفرس»، إيران حاليا. ولكن الكثير من الجغرافيين حققوا هذه التسمية، فوجدوا أن سكان الساحل الغربي للخليج ورأسه هم من العرب، أما الساحل الشرقي فهو إقليم «عربستان» الواقع جنوب غربي إيران، ومن التسمية «عربستان» ندرك أن السكان المقيمين فيه هم من العرب، حيث توجد قبائل عربية - مثل بني كعب، وبني تميم - قد اتخذت من هذا الساحل موطنا منذ القدم5.  

وقد عبّر الشاعر «الأخنس بن شهاب التغلبي» عن مدى تآلف سكان الخليج مع بيئتهم، فامتدح أمجاد البحرين وأهلها، فقال :

 

لك أناس من معد عـمــارة

عروض  يلجــأون إليها وجانبُ

يكثر لها البحران والسيف كله

وإن يأتها بأس من الهند محارب6

 

فالأخنس عميق الانتماء لأرض البحرين، ويرى أنها موطن الخيرات، والملجأ للبحارة في الخليج، وأهلها لا يسكتون على الضيم، بل يحاربون من يهاجمهم، وفيها إشارة واضحة إلى أن بيئة الخليج جمعت مهن البحر والبر.

 

 الفنون الشعبية: رؤية مكانية :

عند دراسة الشعر الشعبي في الخليج، ينبغي التوقف عند اصطلاح «الفنون الشعبية»، الذي ينبثق منه «الشعر الشعبي» وقد أفسح المجال لدراسة الشعر الشعبي: روافده، وأشكاله المتعددة.

تعد الفنون الشعبية أو الفولكلور Folklore مرآة للحياة الشعبية، وتساهم في تصوير شخصية المجتمع البشري وجوانب الحياة المعيشة.  فالأعمال الأدبية والفنية ثمرة نتاج علاقة المبدع بمجتمعه، وهي علاقة معقدة، تتشرب من المجتمع القيم والعادات والتقاليد والعقائد والأحلام والإحباطات، والفولكلور من أكثر الفنون التي تعبر بصدق عما يسمى الثقافة الشعبية.

ولعل أكثر التعريفات شمولا لمصطلح الفولكلور أنه: العقائد المأثورة وقصص الخوارق والعادات الجارية بين العامة من الناس، وكذلك ما انحدر عبر العصور من السلوك والعادات والتقاليد والمعتقدات الخرافية، والأغاني الروائية والأمثلة الشعبية وغيرها7.

وقد شمل هذا التعريف مختلف جوانب الثقافة الشعبية والتراثية، ولكن المعيار المشترك بين هذه الجوانب هو التلقي المباشر، سمعيا وشفهيا، الذي يتم توارثه بين الناس في منطقة ما. وقد يكون الفن الشعبي مدونا بالفعل وقد بات هذا واقعا الآن، ولكنه يظل ضمن دائرة الشفاهية التي تتردد بالنقل والتلقي بين الناس. وبعبارة أخرى: « فإن الذي يميز الفولكلور عن بقية ألوان الثقافة في المجتمع الحديث هو ترجيح العناصر المنقولة على العناصر المكتسبة بالتعلم» 8

والطابع المميز للتراث الشعبي، بوصفه معرفة علمية، أنه أولا معرفة ديمقراطية لجميع فئات الشعب، لا حكرا ولا وقفاً على طبقة خاصة، أو تجربة خاصة، أو معرفة خاصة، بل هو مشاع لجميع الطبقات والأفراد9.

كما أنه صادر عن فئات بشرية تجمعها عناصر ثقافية مشتركة: اللغة، التجاور المكاني، العيش المشترك، العادات والتقاليد..إلخ، فلا يتكون تراث شعبي في تناء مكاني، أو اختلافات بشرية لغوية وعرقية وسلوكية، وإنما الحد الأدنى من عوامل تكوين هذا التراث: لغة واحدة ( أو لهجة )، مكان واحد، ومن الممكن وجود اختلافات دينية أو مهنية أو عرقية.

والفنون الشعبية جزء من الفن، ودراسة الشعر الشعبي فرع من الدراسة الأدبية10 ويتأثر تبعا لذلك بمناهج البحث في الأدب والنقد.

وهناك اتجاهات عدة لدراسة الفنون الشعبية منها: الرومانسي و الاستعاري والأسطوري والتاريخي والجغرافي 11 ويتناول هذا البحث الاتجاه الجغرافي، الذي يعنى بانعكاس الجغرافيا، طبيعة وتعايشا، على الفنون الشعبية عامة، والشعر الشعبي خاصة.

وبعبارة أدق: الاتجاه المكاني وهذا أمر واقع بحكم أن الفن الشعبي لصيق بالذات المبدعة، وهي بدورها لصيقة بالمكان، تمتزج به، وتعكس طبيعته، فالمكان موطن الإقامة، والرزق، بل تفرض طبيعته على قاطنيه أشكال البناء، وأنواع المهن والحرف، ونوعية الطعام وعاداته، وكذلك تنعكس العوامل المناخية على المزاج والشخصية. وكذلك تؤثر الظروف الجيولوجية وشكل السطح المكاني ( الظروف البيئية التطبيقية ) على مكونات التراث الشعبي، وسيظل هذا التأثير المكاني راسخا في الفنون جميعها، رغم ثورة المواصلات والاتصالات، لأن المكان ليس بعدا أو قربا، بقدر ما هو نمط جغرافي شامل، يفرض أشكاله على السكان، عملا وبناء وطعاما وخلقا وعادات وفنونا 12.

وقد عدّ النقد الأدبي المكان مكونا من مكونات النص الأدبي، بل منبعا من منابع الخيال والوجدان والفكر في النصوص الإبداعية: الشعبية المصاغة باللهجات المحلية، والفصيحة المسجلة باللغة الفصيحة.

فالمكان الذي « ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لا مباليا، ذا أبعاد هندسية وحسب، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط ، بل بكل ما في الخيال من تحيز»13، هنا، نرى البعد النفسي للبشر في معيشتهم المكانية، فنحن نحيا بعقولنا، وقلوبنا في المكان، وذكرياتنا لها خصوصيتها المكانية، التي تختلف من شخص لآخر، في تصورهم وتحيزهم للمكان الواحد، ولكن يبقى قاسماً مشـتركاً ملامحه مكانية. فالبيئة البحرية - مثل الخليج العربي:- الجميع يحيا مع البحر، ويرتزق من البحر، وهناك خصوصية في الذكرى: مؤلمة أو سعيدة، مع البحر، أو من يعيشون معه على البحر .

فالمكان فيه جاذبية فـ« إننا نجذب نحوه لأنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالحماية، في مجال الصور لا تكون العلاقات المتبادلة بين الخارج والألفة متوازية، ومن ناحية أخرى فإن المكان المعادي ( الآخر البعيد ) لا يكاد يكون مذكورا» 14. هذه الألفة صاغها باشلار في تعبير دقيق « ألفة المتناهي في الكبر»، ذلك أن الكبر مقولة فلسفية، تعبر إلى حلم يقظة، وأحلام اليقظة تتغذى على كل أنواع المشاهد المكانية والشخصية. ولكن ليست الذاكرة هي التي تستعيد علاقة الإنسان بالمكان، وإنما الخيال وحده قادر على تضخيم الصور الكبيرة دون حد فالواقع أن حلم اليقظة منذ لحظته الأولية هو حالة ذات طابع محدد، لا نشهده وهو يبدأ، ولكننا نرى عوارضه وآثاره15.

إذا كانت الذكرى ملكا لكل فرد، ولها خصوصيتها الفردية، فتتعدد الذكريات وتتنوع بتنوع البشر في علاقاتهم المكانية والشخصية. ولكن الخيال لا يملكه الجميع، وإنما يخص فئة من الناس ، هم المبدعون الحالمون، أدباء، شعراء، رواة، قصاصون، تشكيليون، مغنون ..إلخ، هؤلاء يصوغون وجداناتهم في الإبداع، معبرين عن الوطن والإنسان، «ويتضح من هذا أن الأعمال الفنية هي حصيلة ثانوية لوجودية الكائن الذي يتخيل، في اتجاه أحلام اليقظة إلى المتناهي في الكبر هذه، تكون الحصيلة الحقيقية هي وعينا بالتضخيم، إننا نشعر عندها أننا انتقلنا إلى كبرياء الوجود المعجب»16 .

فكبرياء الوجود ناتج عن تصوير المبدع لجزئية في المكان بطريقة «ألفة المتناهي في الكبر»، فالشيء الصغير يصبح متضخما في رؤية المبدع الحالم، لأن علاقة المبدع به علاقة حالمة، رفعته إلى مستوى هائل في الكبر، مستوى الألفة. والمكان هو الجغرافيا، وحين « يقدم شاعر بعدا جغرافيا، فهو يعرف أن هذا البعد يجري تحديده في نفس اللحظة، بسبب كونه مغروسا في قيمة حلمية ما»17، المكان مغروس في أعماق الشاعر انتماء وحياة، لذا يصوغه إبداعا .

إن ذكر عناصر المكان، وجزئياته له دور مهم في إضفاء الصبغة الواقعية على الإبداع، وعلى حد تعبير « جوليا كريستيفا» فإن «المكان يقوم بدور مهم في تجسيد المشاهد مما يكسب هذا الأعمال جزءًا كبيرًا من واقعيتها» 18. وفي حالة انزواء المكان في الإبداع، فإنه يفسح لتصور الحركة في العقل، كي يتخيل مكانًا يكون موضعًا للأحداث، وفي حالة قيام الوصف المكاني بدوره في الإبداع  فإنه يصبغ النص بصبغته، ولا يمكن تفسير النص إلا في ضوء دلالة المكان، ومعطياته التي تبدو في النص الشعري، كأن يعبر الشاعر عن الغوص  والسفر والصيد، وهي معطيات مكانية، لأنها ناتجة عن تعايش حياتي للسكان مع طبيعة المكان الذي هو بيئة بحرية.

فالمكان يتداخل في العالم السردي الإبداعي، كي يضفي بعدًا من المادية المكانية المتخيلة، ويساهم في تكوين الصورة في تشكيل الفكر البشري، وبعبارة أخرى، فإن السارد يبدع شعرًا في مكان متخيل، ولكنه قد يقع في مناطق مغايرة للواقع المكاني الذي يتواجد فيه القارئ 19.

تعميقا لنقطة الواقعية، فإن تعريفها أنها «تصور العلاقات الاجتماعية التي ينشغل بها الناس، ويصور القوى التي تسبب لهم الضرر، ويصور الروابط التي تؤلف بينهم»20، فدور الفن هنا تصويري لما هو قائم في البيئة والمجتمع. أي « أن الفن الواقعي يعكس تاريخ زمانه، إنه يمنح الناس وعيا بالنسيج العريض للمجتمع الذي يعدون هم جزءا منه، ويبين لهم كيف أن مشكلاتهم إنما يشاركهم فيها الآخرون مشاركة تتم على مستوى عريض، ومن ثم يخلق شعورا بالقربى فيما بين الناس الذين لهم حياة ومشكلات مشتركة»21 .

إن الشعور بالقربى ناتج في الأدب الشعبي عن هذا التأثير المترسخ في النفس، لما يردده الناس من أغنيات وأشعار، بلغة سهلة، تتصل بحياتهم اليومية، وبالهموم المشتركة التي تجمعهم، فقد جمع الأدب الشعبي عنصرين: لغة يسيرة متداولة بين العامة البسطاء، ومضمون واقعي معيش.

فالأدب الشعبي ثمرة الضرورة، لم ينشأ عن فراغ من العمل والكد، وإنما نشأ ليكفي ضرورة العمل والعلاقات الاجتماعية والحاجة الروحية والنفسية، بإزاء الطبيعة، ومؤدى صدوره عن الضرورة انطباعه بالواقعية على نحو منطقي غير مصطنع ولا متكلف 22.

ودراسة الشعر الشعبي الخليجي نموذج فعال للفنون الشعبية: الشعر والأغنية بوصفهما انعكاسا للمكان، والعلاقات الاجتماعية، وهموم الإنسان.

 

 الشعر الشعبي والأغنية الشعبية، رؤية مكانية سوسيولوجية:

يعد كل من الشعر الشعبي، والأغنية الشعبية، من أبرز الفنون اللصيقة بالتجمعات البشرية، فهما فنان قوليان، سهل ترديدهما، والشعر الشعبي هو أساس الأغنية الشعبية، ومؤلفو الأغاني في العادة هم الشعراء، وكثير من الأغاني كانت شعرا، ثم جرى تلحينها وغناؤها.

فالشعر الشعبي: هو الشعر الذي يصدر عن شاعر من الشعب، بلغة الشارع اليومي، معبرا عن هموم الناس كل يوم، الحياتية والمعاشة، القيم والسلوكيات، كما يراه رجل الشارع. 

إن الشاعر الشعبي ينفعل بالمجتمع الشعبي من حوله، فيصور ما يراه الناس، بنفس مفرداتهم، وتعبيراتهم، المعبرة عن ثقافاتهم، ومعتقداتهم. وهو بذلك يفترق عن الشاعر « الرسمي » أو الذي يبدع بالفصحى، فمهما اشتهر، تكون دائرته محدودة، بطبقة معينة، تتفهم فصحاه، وتراكيبه اللغوية. فالشاعر الشعبي مرتبط دائما بالناس، برؤاهم، بأحاسيسهم، بقيمهم 23.

أما الأغنية الشعبية فهي: قصيدة شعرية ملحنة، تعتمد موسيقاها على السماع، وليس على نوتة موسيقية مكتوبة، وتظل متداولة، أزمنة طويلة، حيث تتناقلها الذاكرة من جيل إلى جيل، وتغنى جماعية أو فردية 24.

والأغنية الشعبية ترتبط بوظيفة اجتماعية محددة، [ بغض النظر عن مجهولية المؤلف والملحن أو معلوميتهما ] وقد ساهم أفراد المجتمع في تأليفها وتلحينها، على مدى سنوات طويلة، وبشكل ما ظلت باقية وهي تؤدى في العادة جماعيا25.

إن الباحث – في هذا البحث – يعتمد مفهوما: أن الشعر الشعبي هو نتاج  مؤلف معلوم أومجهول، وهو يترادف في ذلك مع مفهوم الشعر العامي، وهو اتجاه شائع بين بعض الفولكلوريين العرب، على الرغم من أن :«عامية اللغة، لا تعني بالضرورة والحتم شعبية الأدب، فهي - أي العامية - ليست سمة فارقة بين ما هو شعبي وما هو غير شعبي..، ولكنها على أية حال قد تبدو طاغية في عصور الازدواج اللغوي، وبخاصة حين تكون الهوة شاسعة بين لغة الحديث ولغة النظم»26 .

ومن هنا، فإن دراستنا للشعر الشعبي في الخليج، لا تشترط  أن يكون من سمات الأدب الشعبي كونه مجهول المؤلف، « لا لأن دور الفرد في إنشائه معدوم، ولا لأن العامة اصطلحوا على أن ينكروا على المبدع الفرد حقه في أن ينسب إلى نفسه ما يبدع، بل لأن العمل الأدبي الشعبي يستوي أثرا فنيا بتوافق ذوق الجماعة وجريا على عرفهم من حيث موضوعه وشكله»27 كما أن عدم انتساب بعض الأعمال الشعبية إلى مؤلف – في أحايين كثيرة يعود إلى أن أسماء المؤلفين لم يكشف عنها في حالات، أو ضاعت مع الزمن، كما أن النص لا يحفظ إلا في ذاكرة الراوي أو القاص، وهذا معرض للتبديل والتغيير، وقد ينسب النص إلى الراوي لا إلى المؤلف28

إننا ننفتح على الشعر الشعبي الخليجي أو الأغنية، من منطلق أنه فن قولي شعبي يتردد، فرديا أو جماعيا، معلوم المؤلف أو مجهوله، فما يهمنا النصوص المتوافرة بين أيدينا، التي تعبر عن البحر بوصفه ذا رؤية مكانية وسوسيولوجية (اجتماعية). وبعبارة أخرى، فإن الدراسة لا تقف كثيرا عند المؤلف، بقدر ما تدرس النص، بوصفه مرآة: مكانية للبحر، وسوسيولوجية للمجتمع البشري المتعايش مع البحر، وعلى ضفافه، مع الوقوف عند الظواهر الجمالية المميزة له.

فتاريخ الجزيرة العربية عامة، والضفاف المتاخمة للخليج العربي لا يمكن أن يكتب بدقة واستقصاء وشمول، إلا إذا تم تسجيل التراث الشعبي، ولا سيما الشعر العامي والقصصي والأخبار؛ مما يعد سجلا حافلا لوصف الحياة29، ويوسم الشعر الشعبي في الخليج بالشعر النبطي، وهو ما يطلق على الشعر العامي أو البدوي، وهو عامي لأن لغته تخلصت في كثير من الأحيان من بعض الظواهر التي تلتزمها الفصحى، وبروز ظواهر لغوية وصوتية مثل الترقيق والتفخيم والشنشنة والنطق العامي لكلمات فصيحة، والخلو من قواعد النحو والصرف30 ونبطي لأسباب عدة أرجحها أنه «استنبط» بمعنى استحدث من الشعر العربي الفصيح31، ولكن ينبغي التأكيد على أن المقصود بالشعر الشعبي الخليجي هو الشعر النبطي، وكلاهما بمسمى واحد، ولكن يرى الباحث أن اعتماد مصطلح الشعر الشعبي الخليجي مناسب للبحث، من أجل ربطه بالفنون الشعبية بشكل عام، فمفهومها يتفق معه، ومن أجل توحيد المصطلح بشكل خاص بين باحثي الفنون الشعبية في الخليج، وبشكل عام مع حركة دراسة الفنون الشعبية في العالم العربي، والعالم أجمع. كما أن اصطلاح «الشعر الشعبي» أعم يشمل الشعر والأغنية وسائر أشكال الشعر الموزون العامي. ويتفق مع ذلك العديد من الباحثين المعنيين بجمع الشعر الشعبي ودراسته، خاصة أنه مرتبط بمصطلح أعم هو «الأدب الشعبي»32

وهذا ما سيتناوله المبحث الثاني، حيث سيتناول تفصيلا أوجه معايشة الإنسان على الخليج العربي للبحر: سكنا، وارتزاقا، وفنا.

 

المبحث الثاني

الخليج والإنسان

حياة اجتماعية وعمق ثقافي

 

ارتبط الإنسان على ضفاف الخليج العربي بالبحر ارتباطا مباشرا، وقد لعب البحر دورا مباشرا في تشكيل طابع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في دول الخليج، وتغيرت سلوكيات أبناء البادية العربية الذين هاجروا من أعماق الجزيرة في الوسط والجنوب إلى شواطئ الخليج منذ مئات السنين،  فمنذ القرن الثالث الميلادي هاجرت قبائل من أواسط الجزيرة العربية على شكل هجرات متتالية واستوت على الشاطئ الشرقي والجنوبي، ومن هذه القبائل الأزد، واشتهروا بصناعة السفن والتجارة البحرية وكذلك: عبد القيس وتميم وبكر بن وائل 33.

لقد تركوا حياة الرعي والتنقل، وتكيفوا مع حياة البحر التي تتطلب استقرارا في قرى جانب البحر، وعملوا في الغوص والصيد والتجارة، ضمن ما يطلق عليهم مصطلح الحضر، أي المستقرون في قرى ومدن، وقد وجدنا تزاوجا في الحياة فهناك قبائل بدوية رعوية كان أبناؤها يمارسون الرعي، فإذا حان موسم الغوص عملوا فيه، فجمعوا ما بين الحياة الحضرية والبدوية، ونؤكد أن ليس سكان ضفاف الخليج من قبائل البدو العربية جميعهم، فمنهم سكان سابقون عليهم منذ القدم، وهذا ما أكدته الحفريات والآثار34، وإن كانت هناك حركة راصدة للهجرة الكبرى للقبائل الداخلية من نجد وما جاورها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث انضمت هذه القبائل إلى حياة البحر، واندمجت فيه35.

إن حياة البحر مفتوحة بين الأمم والشعوب، فالبحر حلقة تواصل ومعبر بين الأقطار، ويسجل التاريخ أن القبائل العربية البدوية تغيرت كثيرا، في تقاليدها المتوارثة، ونمط معيشتها، بما يتناسب مع حياة البحر 36 ولكنه تغير محمود ومحدود؛ فقد ظلت القبائل على لغتها العربية، وعلى تآلفها العشائري، وتفاخرها بانتسابها العربي البدوي، وفي نفس الوقت، لم تتمسك بالحياة البدوية، وإنما اندمجت في المجتمعات الحضرية، وتفاعلت معها، فلم يكن هناك صراع طبقي بين العشائر والعائلات، وإنما ساد الانسجام، حيث غلب على المجتمع تقارب في مستوى المعيشة والدخل، وإن كانت النزعة الأبوية هي المسيطرة: من خلال الأب رب الأسرة، ثم شيخ العشيرة، ثم النوخذة قائد السفينة فالشيخ الأمير الحاكم37 فحياة البحر حركة ونشاط، كحركة الموج بين مد وجزر، حياة أخذ وعطاء، لقاء ووداع، مثل حركة المجداف، وعندما تنتقل السفن من مكان إلى مكان، تُتَناقل الأخبار وتصاغ الأفكار، وتتداخل الثقافات خلال مواقف الأخذ والعطاء، في تبادل البضائع وشراء المنتجات. لقد دفعتهم حياة البحر بأخطارها في رحلات الغوص والتجارة والصيد، فالأخطار تحتاج إلى تكاتف جماعي 38, وحياة البحر نفسها حياة جماعية، فالنشاط الفردي فيها محدود جدا، فجميع الأنشطة من غوص وتجارة وصيد تستلزم تضافر المجموع، من أجل الأمان الشخصي لهم في العمل، فالسيب مسؤول عن الحبل الذي يربط الغواص، وعلى ظهر السفينة: النهام ( المغني )، الطباخ، البحّار...، الكل يعمل في فريق واحد، من أجل إنجاح العمل، وعلى البر الأسر، تعيش في بيوت متجاورة، وحواري ضيقة، تعبر عن الحميمية الاجتماعية، فالأزواج غائبون، والنساء يقمن بوظيفة الأب والزوج، بجانب رعايتهن لأبنائهن.

وقد أقيمت حياة بحرية حافلة، حيث وصلت السفن الخليجية إلى الهند والصين وكوريا 39، كما وصلوا إلى السواحل الأفريقية، وأحضروا منها العاج والعبيد والجواري والعطور والتوابل والأخشاب والزيوت، كما جلبوا من الهند السيوف والقرنفل والفلفل والأرز والمنسوجات والأدوية والأحجار الكريمة40.

أصبح البحر أساسا في الحياة اليومية، حيث استغل الناس مياه البحر في كثير من حاجياتهم اليومية، فنظرا لشح المياه العذبة من الآبار أو الأمطار، كانت مياه البحر بديلا في غسل الأواني، والملابس، ورش الطرقات، والاستحمام، وغسل الأبسطة والسجاد، وقد كانوا يقودون الأغنام لمياه البحر للسباحة والتبريد من لفح الشمس الحارقة، ومن المظاهر المألوفة قديما: النساء يحملن ملابس الأسرة في ربطة قماشية كبيرة، ويذهبن بها إلى البحر، ويستعملن العصي للضرب على الملابس من أجل تنظيفها، ويظللن طوال النهار حتى تجف الثياب على الصخور، ثم يجمعنها ويعدْن إلى المنازل41، كما أدركوا قديما أن مياه البحر المالحة فيها الرزق: أسماكا ولؤلؤا، وفيها العلاج أيضا، فمن الثابت  أنهم كانوا حريصين على تحميم الذكور الصغار بعد ختانهم في مياه البحر أياما عدة، لما لأملاح الخليج من أثر بالغ في شفاء الجروح، وتطهيرها من التلوث42.

أما أسماك الخليج فهي أساس في الوجبات الغذائية، لرخص ثمنها، وتوافرها دوما، والجميع يجيدون صيدها: نساء ورجالا وأطفالا، فكانوا يتناولونها في طعام الغداء والعشاء، ويأكلونها: مجففا أو مملحا أو مشويا 43.

وعُدَّ الغوص المصدر الأكبر للدخل؛ فهو مصدر اللؤلؤ، ومجلب الثروة الكبيرة، لذا، فقد أقيمت حياة اجتماعية حافلة بالتقاليد والعادات حسب مواسم الغوص، ابتداء وانتهاء، فحفلات الزواج تقام في أوقات غير متعارضة مع موسمه، وكذلك تواكبت حركة صناعة السفن وبناء المساكن وتنظيم التجارة مع الغوص، صعودا وهبوطا، حسبما يجود به موسم اللؤلؤ من رزق44، وقدرت حجم تجارة اللؤلؤ في مطلع القرن العشرين بحوالي 70 مليون روبية، في بلدان الخليج العربي مجتمعة 45.

المبحث الثالث

البحر في الأغنية الشعبية الخليجية

 

مرت الإشارة في المبحث الأول إلى أن كثيرا من الأغاني الشعبية كانت في الأساس شعرا يلقى، وتردده الألسنة، ومن ثم غناه المنشدون والنهامون والمغنون في رحلاتهم البحرية، أو مجالس سمرهم على البر، وبعض الأغاني كانت تؤلف خصيصا للغناء، وبعضها متوارث، مجهول المؤلف.

والملاحظ أن البحر احتل مكانة كبيرة في الأغنية الخليجية، بداية من أغاني الأطفال، إلى أغاني العمل والزواج والأعياد.

 

أغاني الأطفال:

تشكل أغنية الطفل معلما شعبيا بارزا، فأي مجتمع يحفل بأغاني الأطفال، التي تنقل عالم الأطفال، سواء الأغاني الموجهة من الكبار إلى الأطفال، مثل أغاني الأم إلى رضيعها أو ولدها الصغير أو ابنتها، أو أغاني الأطفال فيما بينهم في لعبهم، ونلحظ بداية مدى أثر البحر ( المكان والمفردات ) في الأغاني .

فها هي الأم تناغي ابنها وتقول:

 

جنج سِمانَه وجنج ابياجه

وجنج رابيه بشط القراحه

يعل صيادج ينقص يمينه

   ويعل الحالج ما يلقى راحه 46

 

تصف الأم ابنها بسمكة السمنة أو البياجه الممتلئة الكبيرة، التي تعيش في شط القراحه حيث الغذاء الوفير، وتدعو على صيادها أي من يضمر لها الشر ويتصيد أخطاءها، أن تقطع يده اليمنى، وهي أهم عضو في الإنسان، وتدعو على كل من يأكلها ألا يجد راحة في حياته .

  إننا أمام أغنية نابعة من أعماق البحر، من عالم الأسماك: ( سمانه، ابياجه )، وهما من الأسماك الشائعة في الوجبات الخليجية. لم نجد المشبه: الابن، بل وجدنا المشبه به السمكتين مباشرة، وعشنا أوصاف السمكتين، فهما من خير الأسماك، سمنة، ومنبع عيشها صاف وفير الغذاء، وهذا دليل على تشرب الأمهات المغنيات أو بالأدق منشيء النص ( المجهول ) بمعلومات دقيقة عن السمك ومكان عيشه، وتتطور الأغنية من مدح الطفل بالسمنة، وطيب المأكل مثل السمكتين، إلى الدعاء على كل من يصيب الطفل بالشر بأن يفقد الراحة في حياته، وتقطع يمينه، وقد توسلت الأغنية في الشر بالصياد ( يعل صيادج ينقص يمينه ) فالصياد / الشرير، والسمكة / الطفل. إنها تعبر عن عالم بحري، الطفل الصغير يدركه، والأم متشبعة به، وفي الخلفية حنان أمومي، أسلوبه الأغنية والدعاء، حماية للطفل من كل شر .

ومن أغاني الأعياد الشائعة:

 

يا طَرْفه .. يا هلال العيدْ

يا حِصٍ ما يبي تنجـيدْ

وأمدح طرفه بعد  وأزيد

وأمدح طرفه بمصلى العيد47

 

هنا نرى المدح بطريقة مختلفة : فطرفة (اسم علم نسائي ) ممدوحة بالنداء عليها ونسب هلال العيد إليها، وهذا راسخ في أعماق الأطفال بالفرحة والمرح والمال ( العيادي )، ثم تمدح طرفة بمصلى العيد: بركة الإيمان، وفرحة التجمع لأهل البلد، فالكل يخرج للصلاة يسلمون على بعضهم البعض. ويظهر أثر البحرفي النداء على طرفه بأنها: « يا حِصٍ ما يبي تنجـيدْ» والحص هي اللؤلؤ غير المثقوبة، دلالة الجمال والعذرية، وأنها مخلوقة مكتملة الملامح الحلوة، لا حاجة بها للتزيين. وفي نهاية الأغنية: تأكيد على المدح بهذه الخصال، وهي ليست خصالا بقدر ما هي: علامات زمنية ( هلال العيد ) أو زمانية مكانية (مصلى العيد)، أو شيئية بحرية (حصة)، وهي تشي بالفرحة، والبركة، والتلاقي، والجمال.

ومن أغاني السخرية الطفولية: مبارك ما تعشّى

 

تحله الصافي امحشى

وأكل سولي ابسوليّه

واكل منين شـعريّه

وأكل قلة خنـيزيه

وشرب بكرة حنينيه

وكِلّه ما تعـــشى48

 

فهذا الولد يقول إنه لم يتعش، بينما أكل: سمك الصافي المحشي، وبعض سمك ابسوليه، وكيسين من الشعرية، وسلة تمر أحمر ( خنيزية )، وقربة ماء. إنها أغنية ساخرة لمن يتظاهر بالجوع المستمر من الأطفال، وتقدم صورة كاريكاتورية، تشابه صورة الذي يدعي الجوع، وفي بطنه خروف كامل. بالطبع الطفل لم يأكل كل هذا، فهذا طعام جمل، وإنما السخرية الكاريكاتورية واقعة، وتذهب باسم مبارك ( الطفل ) بين الأطفال، ليكون محل سخرية، فبدلا من أن يكون مباركا في طعامه ( مثل اسمه)، محيت البركة من طعامه، وصار اسمه عكس فعله.

 

أغاني رحلات الغوص:

وهي أغانٍ ذات صلة بحياة البحر نفسها ، حيث نرى حياة ترديد جماعية بين جميع أفراد المجتمع، لهذه الأغاني في مواسم بعينها.

تبدأ الأغاني في العمل مع تحريك البحارة للسفينة إلى الماء، عبر «طعوم خشب أسطوانية» وهم يقولون سلامات، ويغنون:

 

البارحة يا أعمامــي

عن ما جرى في منامي

عطشان والقلب ظامي

من شافني قال لحّــول

لحّول يا وليد حـردان

محارب بالقوع بـردان

يبغي سواعد تشله49

 

الأغنية تشي بشكوى من الغربة، إنها شكوى متقدمة، فهم لا يزالون لم يقلعوا بعد من الشاطئ، ولكنهم يسترجعون ذكريات الفراق الماضية، القلب ظامي فيها إلى الأهل، الرجل في غربتين: غربة على ظهر السفينة، وغربة في أعماق البحر، وقد عبر عنها بـ: «محار بالقوع بردان» لفظة بردان، التي وإن أعطت دلالة البرد في المياه، ولكنها تشي بدلالة الغربة في الأعماق عن السفينة وعن الأهل، وجها لوجه أمام الموت. فالأغنية تقف في منطقة بين الحلم والحقيقة، الحلم «عن ما جرى في منامي» والحقيقة «محار بالقوع بردان، يبغي سواعد تشله»، والحلم يسترجع أشق لحظات الغربة، حين يكون الغواص في القاع، منتظر لحظة انتشاله للسفينة.

وعندما يتم تعويم السفينة وترفع أشرعتها معلنة الرحيل، يرتفع صوت النهام ( المغني )، مرددا :

 

صلوا على النبي

ربي كريــم سـتار     تعلم بحالي والأسرار

سبحان ربـي هـدانا    اللي هدانا على الديـن

إحنا ضعاف مساكين     مولاي نظرتك بالعين

توفي ديـون علـينا     توفي ديـون الثقـالى

الأولـى والتــوالى     يا موفي  الدين يا الله50

 

إنهم في بداية الرحلة، لا يعلمون الآتي من الرزق، فهو غيب بيد الله، ولكنهم يعلمون ديونا تراكمت عليهم طيلة الشهور المنصرمة، عليهم أن يعملوا بجد، لتسديدها، فهم في حالة الضعف: «إحنا ضعاف مساكين  مولاي نظرتك بالعين» فالدين يكسر النفس، ويشعرها بالهوان، وقد أصبح مطمحها الآن: القدرة على تسديد هذه الديون. الخطاب الشعري هنا: خطاب مفعم بالإيمان، وفيه نداء يخلط الذاتي بالجماعي: «ربي كريم، تعلم بحالي»، «هدانا، إحنا، ديون علينا»، فالنهام المغني يتحدث عن نفسه فهو واحد من هؤلاء الضعاف، ويتحدث عن المجموع، رفاقه على ظهر السفينة وفي الرحلة .

فقبل الرحلة بأيام كان النوخذا يستدعي البحارة إلى ديوانيته لاستلام سلفهم المالية، وكانت تقيد على كل بحار، وتخصم من حسابهم في رحلة الغوص، ومن هذه الأسلاف ما يدفع في فصل الشتاء، وهي بمثابة ضمان لاستمرار عمل البحارة مع النوخذا في الموسم القادم. وحين يتسلم البحار سلفته المالية، كان يقوم بتجهيز أسرته بالمؤونة: الأرز والسمن51 والحنطة، ثم يترك للعائلة مبلغا زهيدا لا يتجاوز بضع روبيات للتزود بالإيدام والماء وحفظ ما تبقى للظروف العصيبة، ولكن المبلغ المتبقي لدى الزوجة لا يكفي غالبا، وتضطر للعمل في البيع أو الخدمة أو صناعة شيء لسد قوت أطفالها.

   إن مدة رحلة الغوص الصيفية أربعة أشهر وعشرة أيام، وحين تقترب فترة الغياب من الانتهاء، تخرج النساء والأطفال، يمسكون قضيبا حديديا (يسمى الهيب ) يضربون به البحر، ويغنون :

 

توب توب يا بحر   توب توب يا بحر

الرابع خلـص      والخامس دخــل

 

  وقد يأتون بقطة ويقومون بتغطيسها في ماء البحر، وهم يرددون نفس الأغنية، فهذا اعتقاد خرافي في الاستنجاد بمظاهر من الحياة والطبيعة للسيطرة على عناصر من الطبيعة وهي البحر52.

أصبحت العلاقة هنا مع البحر فيها نوع من العداوة، ولكنها عداوة مؤقتة، مرهونة بعودة أبنائهم من غيابهم في البحر، والجميل أنهم يتعاملون مع البحر بوصفه قوة متحكمة، مسيطرة، لها القرار الأخير بشأن عودة أبنائهم، ويتجاهلون أن الغياب من الأبناء أنفسهم فهم منتظرون نهاية موسم الغوص. على الجانب الآخر، فإن هذه الأغنية تعكس الألفة الاجتماعية التي يعيشها الحي في الخليج، ألفة ضد الطبيعة عندما تقسو قليلا على الأبناء .

وعلى ظهر السفينة تأتي الأغاني المصاحبة للعمل، ومن أغانيهم في أثناء جر المجداف:

 

والبارحة مرقـدي في راس تنــوره

والعين عيـّت تغــط في منامــها

واليوم بالهـير « بارفي « حـــبالي

قالوا لي شرضك قلت أرض مشعوره

الحوف وبيامـين وارض شيّبت حالي

يا نوخذا قل لـهم « العود « يكـسونه

واسند شمال القطعة هي عنك بالعالي53

 

فهناك أعمال جسدية روتينية على السفينة، منها: جر المجداف، ينشغل البحارة بالغناء فيها أثناء العمل، ونرى مدى التصاقهم بالبحر، ومعرفتهم بأماكنه المختلفة، فبعد أن كان البحار في رأس تنورة بالسعودية، لا يلعب بهم الموج ولا يضايقه فيه أحد، وينام في أي مكان يشاء، أصبح ينام في الهير وهو مكان الغوص في قاع البحر وهو مكان رديء غير صالح لممارسة الغوص؛ فأرضه صخرية قاسية كثيرة الثقوب والنتوءات، فوقه الحبال التي سوف تخرجه من القاع، عندما يجذبه السيب المكلف بسحبه، لذا فهو يرجو النوخذا أن يخطف الشراع، ويعود ويتجه شمالا إلى مغاص أفضل.

بالرغم من جماعية الغناء في هذه المقطوعة، فإنها تتكلم عن حالة فردية خاصة، تصف قسوة بعض الأمكنة في الخليج، وتقارن بينها وبين أمكنة أخرى أكثر لينا، وأمواجها هادئة. يستوقفنا في النص السابق أنه صار أغنية جماعية شعبية، رغم أنه – كما هو واضح فيه – يتناول تجربة ذاتية خاصة بأحد البحارة أو بمجموعة، ولكن الأغنية انتشرت ، وباتت تغنى في الرحلات، وكأنها تحكي هما عامًا مشتركًا بين البحارة.

ورغم حياة البحر القاسية، نرى أطياف الرومانسية الرقيقة، يقول النهام متحسرا على فراق حبيبته:

 

آه على طيف منك لو يزور بسـنه

ويلوح لي من جبينك كالبريق بسنا

ما أظن مثلي مسودن مبتلي بس أنا

هايم بهواك أحسب ما يحـسّب واعـد

يا من رأى المبتلي من حين أقفي الوعد

واعد وماطل ولا توفي بذاك الـــوعد

 أرضـي لو عاد وصلك كل يوم بسـنه

 

إننا أمام حالة حب شديدة الوجد، فيتمنى النهام أن يرى طيف الحبيب لو مرة في السنة، ويظهر جبين الحبيب بريقا لامعا، ويراه وعدا غير أكيد. لسنا في حالة تعامل مباشر مع المكان في البحر، وإنما تعامل غير مباشر، فالبحر يعني غربة،وفراق الأحبة، وتصبح الشهور سنينا، لأن المغترب يعدّ الأيام للقاء الأحباب عند العودة. إن الغربة مدتها أربعة أشهر، ومع ذلك يتمنى النهام أن يرى حبيبه ولو مرة في السنة، صارت مدة الفراق أربعة سنين أو أكثر، ولم يعد يحلم بوجه الحبيبة نفسها، بل بطيفها. ولو نظرنا من جانب آخر، إنها أغنية ذاتية، ولكن باتت أغنية شعبية، تتردد على السفن، يغنيها النهام، ويتجاوب معه البحارة، فهل النهام يعبر عن حالة وجد جماعية ؟ بالطبع نعم، فالكل له أحبته؛ زوجة، ولد، حبيبة، أم، أب..، الغناء الجماعي، يجعل التلقي مفتوحا، والدلالة رحبة، فكلٌ يغني على ليلاه.

 

المبحث الرابع

البحر في الشعر الشعبي الخليجي

 

إذا كانت الأغنية تمثل الوجه الأخص من الشعر الشعبي، بوصفها جزءا من القصائد المؤلفة، وقد تكون مجهولة المؤلف أو معلومته، فإن الشعر الشعبي يمثل الوجه الأعم الأشمل، الذي يعبر عن تصور الإنسان الخليجي للبحر، بشكل مسجل ويسهل تتبعه، ذلك أن الأغنية مرتبطة بمواقف على البر أو البحر، وهي حالات السمر الليلي أو الغناء أثناء العمل النهاري، وشرط الأغنية أن تكون سهلة التلحين ومن ثم الغناء، فهي محكومة بقيدين، أما الشعر فهو محرر من هذين، لينطلق في آفاق أرحب.

وقد أدرك شعراء الخليج منذ القدم مدى خيرات البحر، حيث يقول الشاعر ابن مقرب العيوني54، يقول مهاجما فساد بطون بعض أبناء أسرته من الأمراء، بعدما عدد وصف بلاده البحرين:

 

أما سهمنا في بحرنا الملح ماؤه

وفي نخلها العم الطوادي جذوعها

وليس لـنا في الدر إلا محاره

ولا فـي سعوف النخل إلا قموعها55

فهو يدرك إلى أي مدى كان الخليج مصدرا للخير، ومع ذلك فإن المظالم وسوء استغلال الثروة سبب في حرمان عامة الناس من هذه الخيرات البرية والبحرية.

ونستطيع أن نرصد البحر في أعمال عدد من الشعراء الشعبيين، ونبدأ من فترة مبكرة، من الشاعر ابن لعبون56، حيث نرى ترددا لصدى البحر في شعره، رغم أنه لم يعش الحياة البحرية، فهو من أهل البادية، ولم يذكر عنه أنه ركب البحر أو عمل به، ولكنه عايش حياة البحارة في الكويت حين قضى بقية حياته فيها، فتفاعل مع البيئة البحرية، وإليه تنسب أقدم النصوص الشعرية الشعبية عن البحر، يقول:

 

وقالت من مشا مثـله بسـاحه

وحاله حال من كثر التغني

وفي بحر الهوى يسبح اسباحه

كثر شربه ولا هوب امتهنى57

 

استخدم مفردة البحر مضافة إلى الهوى ( الحب والغرام )، وقد استعار من البحر دلالة الاتساع والرحابة التي تعطي لانهائية، فالمحب يشرب من ماء الهوى، ولكنه لا يشبع غراما، ولا يمتلئ عشقا .

ويقول متغزلا:

 

والبطن والخصر والنهدين

والعنق والعين وأوجانه

والورك والساق والفخذين

من بينـهن فلقة الدانة58

 

هنا نرى غزلا صريحا بالمرأة، والمفردات حسية، واضحة الوصف، ونتوقف عند ختام البيت الثاني « فلقة الدانة» والفلقة: مفك المحارة، والدانة: اللؤلؤة الكبيرة، وقد جاءت استعارة تصريحية للمكان الحسي في المرأة، والدانة الكبيرة من أغلى ما يظفر به الغواص. ويقول في وصف إحدى الدور:

 

دار العجب والطرب والكيف

والأنس والفن ودفوفه

علمي بها من ليالي الصيف

يوم البخت ناشر نوفه

أيام حظي يقـص السـيف

يشرب من المي بكفوفه 59

 

«ناشر نوفة» مفردة بحرية تشير إلى العلامة التي يرفعها البحارة في رأس الصاري وهم يتخاطبون بها، وقد جاءت وصفا لعلامة في بيت بري، ضمن أوصاف أخرى ساقها في هذا البيت. لقد كان شعر ابن لعبون منحصرا في الغزل والمديح وسائر الأغراض التقليدية للشعر، وجاء تعامله مع البحر محايدا، فقد وظّف المفردات البحرية التي استقاها من البيئة البحرية المعاشة، وهي مفردات مصاغة ضمن علاقات المشابهة الحسية، حتى يقرب لسامعيه في المجتمع البحري في الخليج مضامين شعره.

وقد أبدع الشعراء الشعبيون في تصوير حياة الغوص مصاعبها ومباهجها، ونكاد نستشعر في قصائد الشعراء تفاصيل الحياة اليومية، وخطراتهم. يقول شاعر البحر ضويحي الهرشاني :

 

يا بحر فيك الرزق لاشـك مخطور

أكبر خطر غوص البحور الغزيرة

وأكبر مصيبة عنـدنا يابو منصور

لا هبت اريــاح قوية خطيرة

ولا نساك السـيب في جمة ابحور

أما نعـس ولا تعومـس مريره60

 

يكاد هذا النص أن يقدم صورة حركية نفسية، من شاعر ركب البحر طيلة عمره، وتعرف دقائق حياة الغوص. إنه يقر بالرزق الوفير في البحر، ولكنه يعدد جوانب الخطر في جنباته: البحور عميقة، والرياح القوية الخطيرة، وهما عوامل طبيعية، وتهاون السيب المسؤول عن جذب الغواص بالحبل؛ نوما أو تكاسلا ( عامل بشري )، فالغواص إن نجا من شدة الطبيعة، لن ينجو من التقصير البشري. ونلحظ الحميمية في الخطاب الشعري، حيث يوجهه إلى صديقه النوخذه «أبو منصور»، مما ينقلنا إلى أجواء الحياة على السفينة، ويخرج النص من عموميته عن حياة الغوص، إلى خصوصية التجربة الحياتية.       

ويخبرنا عن غربة طالت:

 

متى يقولون من سيلان ماشيـني

والنوخذه عدته للســفن دناها

في وسط سيلان لي اليوم شهريني

في وسط ناس يضيق بالي الغاها

ويقول أيضا :

 

والله جزا ما راح يمسح ادموعه

إني لخلي زوجتي يم سيلان61

 

فسيلان جزيرة في المحيط الهندي، وللشاعر ورفاقه شهران على الجزيرة، وينتظرون أمر النوخذة لهم بالإقلاع. إنهم في شوق للعودة، فسيلان شديدة البعد، وهم يعيشون وسط أناس غرباء عنهم لغة وهيئة. إنه يقدم لنا كيف أن بحارة الخليج جابوا كثيرا من الجزر والبقاع في جنوب شرقي آسيا. وفي البيت الثالث، يعبر عن عميق شوقه لزوجته، ويشعر ببعد المسافة بينه وهو في سيلان وهي في الكويت. ويقول عندما حان العيد وهم في الهند:

 

بالهند جانا العيد يا شين عيــده

لو قالوا إنه عيد ما ظنـتي عيد

عيدٍ بليا صاحــب ما نريــده

يعل عيده عاد لــو أنه بعـيد

أنا في بمباي عنه داري بعــيده

وهو بدار مطــوعين إلا واليد

مبروك يا اللي وسط قلبي وصيده

عسى عليك العيد مبروك وسعيد62

 

فالأبيات تنقلنا إلى إحساسات الشاعر وهو في منأى بالهند عن عياله، يمضي العيد والعيد لا طعم له، عيد «شين»، ويدعو أن يهنأ أولاده بالعيد وهم في الوطن .

ويقول في اللالئ التي يغوصون طلبا لها:

 

يا دانة من فعن الهند مشراها

واللي شراها بعشر آلاف يحاسبها

 

ويقول:

دانةٍ ما قلبوها التجار العارفين

دونها هير غزير يغرق من نصاه63

 

الدانة: ثمرة الغواص، وقد تكلفه عمره، ولا يعرف قيمتها إلا من غاص من أجلها، ومهما دفع الطواش ( تاجر اللؤلؤ ) في شرائها، ولو كان الثمن عشرة آلاف روبية، وهو ثمن خيالي، وباعها في أسواق الهند، إلا أنه لن يوفيها حقها. وهذا ما أوضحه في البيت التالي: فالدانة مستخرجة من الهير، وهو أحد أمكنة الغوص، مثل هير ريه، وهير اشتيه، وهي بقاع شديدة العمق، عظيمة الخطر.

ويكون الشاعر أمينا في وصف حالة الكساد التي تعم من آن لآخر، فيجد البحارة أنفسهم تحت تراكم الديون، ومطالب الحياة، يقول أحد الشعراء الشعبيين:

 

تجارنا عقب المعرفة جفونا

زال الشــتا وهم ما سقمونا

ما أدري عسر بهم ولا جفونا

الله عليهم وإن نووا للتعاكيس64

 

العتاب هنا موجه للتجار، تجار اللؤلؤ، الذين يتولون تمويل رحلات الغوص والتجارة، وهم يعتمدون على منح سلف للبحارة والغواصين مقدما أثناء فصل الشتاء، حتى يأتي الصيف، وهذا يتوقف على رؤية التاجر للأسواق الخارجية في الهند، فإذا تعرضت تجارة اللؤلؤ إلى كساد، يقلل التاجر من أعطياته المالية، ولكن الغواص لا يعرف هذه الموازنات التجارية، إنه مطالب باستيفاء حاجات أهله وأطفاله، وهم في منأى عن تقلبات السوق. الخطاب الشعري في البيتين جماعي، فيقول: «تجارنا، جفونا، سقمونا»، فكأن الشاعر لسان حال المجموع من رفاقه. ونلحظ وصفا دقيقا للعلاقة مع التجار: «تجارنا عقب المعرفة» أي عقب اللقاء بين التاجر والبحارة، حيث يتم التعارف، وترتيب الرحلات القادمة في الصيف، ويبني كل بحار آماله على هذا اللقاء، ولكن التاجر – هنا - توقف عن تقديم المال، ويكون التساؤل من البحارة: هل جفاهم التجار ؟ أم بهم عسر ؟ أم يريدون «التعاكيس» أي المماطلة .

وتبدو الشكوى أشد، ولكنها أكثر لصوقا بالمعيشة اليومية، يقول أحدهم :

 

قماشنا بالهند والله طـــايح

وحنا غذينا بين شاني وصايح

هذي السنة صار علينا فضايح

أنتم تبون فلوس وحنا مفاليس 65

 

   فالقماش ملقى في أسواق الهند ينتظر من يبحر للحصول عليه، والبحارة في الخليج يعانون الركود والإفلاس، وهم موزعون بين الشانئين والصائحين من الباعة وتجار المواد الغذائية الذين يطالبون بالمتأخر لهم من مال، فالسنة هذه (يحددها) فيها فضائح للبحارة، فالكساد يعم، والديون متراكمة، والإفلاس طال الجميع. إننا أمام صورة زمنية محددة بسنة ما من سنوات كساد اللؤلؤ، وهو كساد يضرب اقتصادا بأكمله، فيه آلاف من البحارة وصانعي السفن والغواصين. ويبدو الخطاب موجهاً إلى الدائنين: «أنتم تبون فلوس وحنا مفاليس» فكأنه يحاور دائنيه بلسان كل البحارة .

ويقول أحد الشعراء مستعرضا وجها آخر لحالة الغواصين:

 

ما أدري ويش جرى للغوص كله

مثل الحمير تنـــقاد أرسنة أهله

تشكي العرب والجوع ويا المذله

وتركض في خدمتهم مثل البنابيس66

 

فهو متعجب من سبات حالة الغوص: وليست الشكوى تخص التجارة، بل تنصرف إلى بعض الغواصين الذين يركضون مجاملين ومتملقين التجار والنواخذه، وهم من قبل كانوا يشتكون من عسفهم. إنه يدين بعض السلوكيات التي يراها من رفاقه، كيف الشكوى منهم وهم سبب الجوع والمذلة ؟ وكيف الذهاب إليهم وخدمتهم ؟ ونرى التشبيه شديد الوطأة: « مثل الحمير تنقاد أرسنة أهله » فالغواصون صاروا كالحمير، يقادون بالحبال ( الرسن الحبل والزمام)67، والتشبيه الثاني أشد، فهو يقارن بين القول والفعل، الشكوى ومتضادها من الركض لخدمة المشكو، فهم مثل «البنابيس» الفارين الراكضين68 والدلالة محورة من الفارين من الشر(معجميا ) إلى الفارين إلى الشر (حياتيا ). فهذه صورة للتطور اللغوي في استخدام بعض الكلمات .

وعلى جانب آخر، هناك مفاضلة واضحة بين اللؤلؤ والنفط، من قبل الشاعر البحريني «ملا عطية الجمري»، إذ يقول على لسان مهنة الغوص:

 

وها البيوت التي طـابت مــبانـيها

من الله تشيدت وأنا السـبب فيها

نلعب بالذهــب خلــيت أهالــيها

ولا خليت أحد يشكي من أعساره

عزيت العـرب والعـرب عزونــي

وتجار البلد بالكوك قصــدوني

أنا اللؤلؤ .. وماعوني ذهــب وهّـاج

زينة للملوك يرصعوني تــاج

أنا لكل من مرض صورني الحكيم علاج

وعقدي على النهد تتساطع أنواره69

 

لقد كان اكتشاف النفط صدمة للجيل السابق الذي عاش مرحلة البحر: حياة ورزقا، وفجأة يحدث هجران  جماعي إلى مهن النفط، والمهن المدنية المستحدثة في إطار تطور الدولة، وتصبح مهنة الغوص مدانة، فيتقنع الشاعر هنا بقناعها، وينطلق بلسان حالها معددا فضائلها على الناس: تشييد البيوت، تحلٍ باللآلئ، ماعونها ذهب وهّاج، أعزت العرب في أسواق اللؤلؤ، وفي الملاحة الدولية، وهم أيضا أعزوها بجهودهم. فالمهنة لها فضل عليهم، فعلام الإدانة التي وجدها الشاعر من البعض لتاريخ كامل من الحياة ؟ وقد جاء حديثه بلسان المهنة موفقا من الوجهة الفنية، فهو متحدث بلسان الغائب المدان، وليس بلسان فردي هو ذاته فقط.

وهذا الشاعر الشعبي الكويتي «منصور الخرقاوي» يقول :

 

حنين الموج يشجيني

وضوء البدر يغريني

شراع الفـلك يحديها

تبارك جل مجـريها

أقضي ليلــتي فيها

غريب الـدار يا عيني70

 

كلمات «الخرقاوي» جاءت عقب الخفوت الكبير في مهنة الغوص، ونأي الناس عنه، حيث تشجيه الذكرى: ذكرى الموج؛ فهو يحن إليه، وإلى انعكاس ضوء القمر بدرا على صفحاته، مع تمايل أشرعة السفن، رغم إقراره أنه يقضي ليلته، غريب الدار، ولكنه سعيد بهذه الذكرى، فرحا بها، هنا نجد البحر والغوص بصورة شاعرية: الموج والقمر والشراع وقضاء الليل غريبا. وجاءت الصياغة الشعرية دقيقة: « حنين الموج يشجيني»، فالموج مؤنسن، له علاقة مباشرة مع الشاعر، علاقة إنسانية أساسها الحنين لهذا الغواص الذي كان يعتلي صهوات الموج، في الليالي المقمرة، وهو لا يصرح بأن قضاءه الليل كان في السفن، بل يؤكد « أقضي ليلتي فيها» ، في الموج أو السفن ( محذوفة )، ولكنه تعبر عن مدى الشوق لليالي الإبحار والسمر الليلي .

ويقول « فهد بورسلي » مسترجعا الحال القديم بكل ما فيه من مشقات وأشواق:

 

يا لدانا لدانا

يا لدانا لدانا

يرزق الله راع الله

والله المجنة بلية

سلموا على اللي سم حالي فراقه

حسبي الله على اللي حال بيني وبينه

قايد الريم تاخذني عليه الشـفاقة

والله إني علــيه أحسن من والدينه 71

 

فهذا مقطع شعري يصف حالة الإبحار، الشاعر على متن السفينة، يطالع البر الذي يغيب عنه، وينظر للأمواج التي تمخرها السفينة، ويشعر بشوق للأهل، ونشاط في تحصيل الرزق، هذا المقطع يعبر برؤية وسطية عن الحياة البحرية القديمة، حيث شوق للبر والأهل، ودعاء لله أن يرزقهم وفرة في الدانات .

 وهذا ما يبدو في المطلع: فهو يتغنى بالدانة (اللؤلؤة الكبيرة)، ثم يدعو الله أن يوسع الرزق، فهو سبحانه الراعي، فالحال على اليابسة فقير «المجنة بلية»، ثم يرسل سلاماته للأهل والناس، فهو شفيق ومشتاق إليهم .

يقول يوري سوكولوف: « إن تحليل شاعرية الفولكلور سوف يكشف عن كيفية صياغة التقاليد تدابير في الأسلوب وفي البيان، للمساعدة على تذكر النصوص الفنية من جهة ومن ناحية أخرى للمساعدة في إعادة تشكيل وإيجاد نصوص جديدة عن طريق الارتجال72.

وهذا يعني الاهتمام بدراسة نصوص الشعر الشعبي الخليجي وفيها الكثير من الصدق والعفوية اللذين أنتجا نصوصا بديعة، جاءت معبرة عن معدن الإنسان، وبصياغة شعرية مؤثرة، تحتاج إلى بحوث عميقة حول بنية الأسلوب والتصوير ودلالات الكلمات في الشعر الشعبي.

 

خاتمة البحث

جاء هذا البحث تطوافا في العلاقة المباشرة بين البحر بوصفه مكانا ومحلا للرزق والتنقل، وبين العرب المقيمين على ضفافه، وقد كانت العلاقة عميقة، فيها من التوتر والشوق والحب الكثير، ولكن نستطيع أن نخلص إلى جملة نقاط :

- إن الفولكلور الشعبي عامة، والشعر منه خاصة من أصدق الوسائل المعبرة عن علاقة الإنسان بالمكان، وقد رأينا هذا جليا في الشعر الشعبي الخليجي، الذي جعل العلاقة مع البحر إنسانية أكثر منها مادية .

- كانت العلاقة الإنسانية بين الخليج والفرد مثلها مثل سائر العلاقات الإنسانية: علاقة شد وجذب، حب وكره، رغبة ورفض، ولكن الخليجي يعترف للبحر بالفضل والمنة، بعد الله سبحانه وتعالى .

-  إن دراسة الشعر الشعبي الخليجي بكل ما فيه من معان وقيم ومشاعر ورهافة لغوية وبلاغية، تعطي صورة حقيقية عن الإنسان والمكان، بعيدا عن الصورة النمطية السائدة الآن من أن الخليج العربي يعني نفطا وحسب .

- لم تنته علاقة الخليجي بالبحر مع انتهاء عصر الغوص، فهي علاقة حية متجددة، فالبحر راسخ، ولكن تغيرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وهذا لا يعني انتهاء دور الخليج العربي، فلا يزال مجرى للتجارة الدولية، ومحلا لآبار نفطية، ومصايد وفيرة للسمك. ولكن المتغير هو الإنسان، الذي هجر مهن الأجداد البحرية وانخرط في المهن المدنية في الدولة الحديثة، وهو انخراط حسن غير مدان، لأنه ناتج طبيعي من نواتج التطور المجتمعي

-  في الخليج العربي الكثير من الثروات، وتشير التقديرات إلى أنه يحوي مكامن ضخمة للؤلؤ الطبيعي، وقد تضاعفت أسعاره خلال الستين سنة الماضية حوالي عشر مرات، ولا يزال اللؤلؤ الخليجي مطلبا غاليا في عالم الحلي، فشتان بينه وبين اللؤلؤ الصناعي 73, والأمر يحتاج إلى تخطيط جديد من أجل الاستفادة الضخمة من هذه الثروة، بدلا من إهدارها، وهناك وسائل حديثة في البحث والتنقيب عنه، دون أخطار الماضي، وهذا أمر يؤكد أن البحر كان وسيظل مصدرا للخير.

 

هوامش ومراجع

1-  الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5،1415هـ،  1996م، ص441، 442، وابن منظور، لسان العرب، إعداد: يوسف خياط ونديم مرعشلي، دار صادر، بيروت، دون تاريخ، ج1، ص1654 .

2-  سليمان سعدون البدر ( إعداد ) منطقة الخليج العربي خلال الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط1، 1984م، ص21. والخليج العربي حوض قليل الغور، ويعد امتدادا لخط وادي نهري دجلة والفرات، ويجري الخليج في اتجاه جنوب شرق على امتداد ( 500 ) ميل من رأسه إلى أسفله ( ص23 ) ويعود استقرار الإنسان الأول في منطقة الخليج إلى أقدم العصور في الأراضي التي انحسرت عنها مياه البحر (ص41) .

3 - يقع الخليج العربي في مسطح مائي لا يتجاوز (97ألف ميل مربع)، وعرضه لا يتجاوز (150 كيلومتر)، وهو يقع بين دائرتي عرض (20 – 57درجة شرقًا)، انظر: مصطفى مراد الدباغ، جزيرة العرب موطن العرب ومهد الإسلام، دار الطليعة، بيروت، 1963م، ج2، ص97 .

4-  وفيها جزر كثيرة في البحرين والكويت وعمان والسعودية، وتكثر فيه مصائد اللؤلؤ والسمك، والبر المشرف على الخليج، فيه جبال قليلة الارتفاع ومنها جبل شمر، والجبل الأخضر. انظر: محمد ارشيد العقيلي، الخليج العربي في العصور الإسلامية منذ فجر الإسلام حتى العصور الحديثة، دار الفكر اللبناني، بيروت، ط2، 1408هـ، 1988م، ص23.

5 - انظر: تفصيلا: قدري قلعجي، الخليج العربي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط2، 1413هـ، 1992م، ص7، ص8. ومن أسماء الخليج العربي: البحر الأدنى أو المرّ، يقابله البحر الأعلى ( الأبيض المتوسط )، وفي العصور المتأخرة أطلق عليه العمانيون اسم «خليج البصرة»، وسماه سكان الإحساء « خليج القطيف» . راجع: الخليج العربي في العصور الإسلامية، م س، ص39 . ونلاحظ أنها تسميات عربية أيضا، وقد  أطلقها عرب: أهل عمان وأهل الإحساء .

6 - أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني ( ت 331 هـ )، صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن عبد الله النجدي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1953هـ، ص29 .

7 - د. حسين عبد الحميد أحمد رشوان، الفولكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع، نشر: المكتب الجامعي الحديث، الأسكندرية، 1993م، ص2. والتعريف منسوب إلى « وليم جون تومز William Thoms ، وتبنته جمعية الفلولكلور الإنجليزية.

8 - السابق، ص4. ويفضل بعض الباحثين العرب إطلاق مصطلح الفنون الشعبية على الفولكلور، ص4.

9 - السابق، ص8 .

10 - يوري سوكولوف، الفولكلور: قضاياه وتاريخه، ترجمة: حلمي شعراوي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ط1، 1971م، ص21 .

11 - الاتجاه الرومانسي: يتناول الحنين إلى الماضي وبساطة الحياة القديمة، والاتجاه الواقعي أو المدرسة الاستعارية الذي يعتني بأصول الحكايات ومصادرها الأساسية بين الشعوب ، والاتجاه الميثولوجي ( الأسطوري ) ويحاول أن يفسر الفنون الشعبية ضمن الأساطير والمعتقدات التي تحكمه، والاتجاه التاريخي: ويكشف عن أصول التراث الشعبي بمراحله التاريخية المختلفة لاستكمال الصورة الثقافية والحضارية لماضي الشعوب. انظر في هذه الاتجاهات تفصيلا: فوزي العنتيل، بين الفولكلور والثقافة الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978م، ص54 وما بعدها. وأيضا:بان فانسيتا، المأثورات الشفاهية، دراسة في المنهجية التاريخية، ترجمة ودراسة: د. أحمد على مرسي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة،1981، ص30، 31 .

12 - الفولكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع، مرجع سابق، ص24. يرى المؤلف أن البعض يأخذ على الاتجاه الجغرافي أن لا تأثير كبيراً له في عصر المواصلات الحديثة والاتصالات حيث ألغيت الحدود الجغرافية وتقلصت المسافات بين البلدان. انظر(ص25 ). وهذا قول مرود عليه لأن خصوصية المكان تنعكس على التكوين الجسمي والنفسي واللغوي..، فليست مسألة تباعد مسافات، وإنما مسألة تعايش وتجانس مع المكان مما يشكل تميزا في الشخصية، وبالتالي في الإبداع .

13 - غاستون باشلار، جماليات المكان، ترجمة: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1404هـ، 1984م،ص 31 .

14 - السابق، ص31 .

15 - السابق، ص170 .

16 - السابق، ص171 .

17 - السابق، ص172 .

18 - جوليا كريستيفا، علم النص، ترجمة: فريد الزاهي، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1991 م، ص57 .

19 - انظر: سيزا قاسم، بناء الرواية: دارسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984، ص74 .

20 -  سيدني فنكلشتين، الواقعية في الفن، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1406هـ، 1986م، ص11.

21 - السابق، ص28 .

22 - انظر: أحمد رشدي، الأدب الشعبي، م س، ص28. ويضيف: أن بعض الأدب الرسمي الفصيح ناشئ لإرضاء طبقة اجتماعية تعاني الفراغ، فلها مطالب استمتاعية في الآداب المختلفة. انظر:ص28 .

23 - انظر: محمد قنديل البقلي، صور من أدبنا الشعبي ( الفلكلور المصري)، ص31 – 33 . وقد استشهد بنصوص من شعر العامية المصرية، تصور كيف أن الشاعر لسان الواقع اليومي، بكل أحاسيسه ومشكلاته ومتاعبه وسلوكياته .

24 - انظر: الفولكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع، مرجع سابق، ص114، 115 .

25 -  راجع: د. فتحي عبد الهادي الصنفاوي، التراث الغنائي المصري والفولكلور، دار المعارف، القاهرة، 1978، ص10 – 15، وقد أعطى ثلاثة أنواع من الأغنية الشعبية: الأول: أغنية ملحنة ومكتوب من محترف متعلم في معهد موسيقي راق، معلوم وتنتشر بين الناس، والثاني: أغنية من مطرب شعبي نابع من البيئة الشعبية، والثالث المذكور عاليه .

26 - د. محمد رجب النجار ( مقال تقديمي )، في كتاب دراسات في الشعر الشعبي الكويتي، د. عبد الله العتيبي،مؤسسة الفليج للطباعة والنشر، الكويت، ط1، 1404هـ، 1984م، ص9 ، 10 .

27 - أحمد رشدي صالح، الأدب الشعبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ( مكتبة الأسرة، 2002م )، ص29. ويطلق على مجهولية المؤلف مسمى «الجماعية»، ويعرفها بالتعريف المتقدم عاليه. وهذا ما نختلف قليلا معه، فالجماعية قد تعني جماعية الترديد الشعبي، وقد يردد الشعب أشعارا وأغاني معلومة المؤلف والملحن، مثلما يحدث مع الأغاني المبثوثة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتحظى بشعبية كبيرة، وجماعية في الترديد؛ وكذلك جماعية التأليف: وهذا حادث بالفعل ولكن لا يعد شرطا أساسيا ليكون نصا شعبيا، فقد يكون معلوم المؤلف، ويحظى بالشعبية مثل: أغاني بيرم التونسي (مصر).

28 - انظر: يوري سوكولوف، الفولكلور: قضاياه وتاريخه، م س، ص23، 25 .

29 - محمد بن أحمد العقيلي، الأدب الشعبي في الجنوب، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، ط2، 1402هـ، 1982م، ص16 .

30 - طلال عثمان السعيد، الشعر النبطي: أصوله، فنونه، تطوره، ذات السلاسل، الكويت، دون تاريخ، ص15 .

31 - السابق، ص18. يذكر المؤلف أن تسميته نبطيا عائدة إلى عرب سكنوا واديا يسمى «وادي النبط » بناحية المدينة المنورة ص17, أو نسبة إلى مجموعة من العرب المستعربة ونزلوا بالبطائح وهذا شعرهم . ص17.

32 - يطلق الباحث: محمد بن أحمد العقيلي نفس المصطلح على الشعر الشعبي في جنوب الجزيرة العربية، راجع: الأدب الشعبي في الجنوب، م س، ص16. ويقول: إن « الشعر الشعبي « هو شعر الأكثرية الساحقة في كل بيئة محلية .

33 -  د. سليمان العسكري، التجارة والملاحة في الخليج العربي في العصر العباسي، مطبعة المدني، القاهرة، 1972م، ص21 .

34 - هذا ثابت تاريخيا، وهناك الكثير من المراجع التي تؤكد ذلك، كما أن الآثار التاريخية شاهدة في عمان والبحرين والكويت ( جزيرة فيلكا مثالا )، وقد نشرت صحيفة القبس الكويتية خبرا مفاده: اكتشاف مدينة كاملة في « جزيرة فيلكا » تثبت وجودا إنسانيا منذ ثلاثة آلاف سنة، عدد القبس، 27 /4/2007م.

35 -  انظر: د. محمد غانم الرميحي، الخليج ليس نفطا: دراسة في إشكالية التنمية والوحدة، دار الجديد، بيروت، ط2، 1995م، ص1 .

36 - قدري قلعجي ، الخليج العربي ، دار الكاتب العربي ، بيروت ، 1965م ، ص37 .

37 - انظر د. محمد الرميحي، الخليج ليس نفطا، م س، ص25 ، 26 .

38 - راجع: صفوت كمال، مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي، نشر: وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مؤسسة المسرح والفنون، مطبعة حكومة الكويت، 1967م، ص89 .

39 - د. سليمان العسكري، التجارة والملاحة في الخليج العربي، م س، ص130، وقد استقبلوهم في الصين استقبالا حافلا، وحملوا الكثير من متاع الصين.

40 - انظر تفصيلا: خالد سالم محمد، ربابنة الخليج العربي.. ، م س ، ص 43، 47.

41 - راجع: أيوب حسين الأيوب، من ذكرياتنا الكويتية، منشورات ذات السلاسل، الكويت، ط2، 1984م، ص144.

42 - السابق، ص145 .

43 - محمد جابر الأنصاري، لمحات من الخليج العربي: دراسات في تاريخ الخليج العربي وثقافته ورجاله وفولكلوره الشعبي ، نشر: الشركة العربية للوكالات والتوزيع، وأسرة الأدباء والكتاب في البحرين، ط1، 1970م، ص96 .

44 - السابق،ص 106 .

45 - السابق، ص110، وقد احتلت البحرين المكانة الأولى بحوالي (30) مليون روبية ن تليها قطر (11) مليون روبية ، ثم الكويت (8) مليون روبية انتهاء بجزيرة قيس (0.4) مليون روبية.

46 - بزه الباطني ، من أغاني المهد في الكويت، مطابع الدوحة الحديثة، قطر، ط1، 1986م، ص136، 137 . (سمانه ، أبياجه) من أسماك الخليج العربي، و( القراحة) شط نظيف صاف، (يعل) جعل، (ينقص) يتقطع، (الحالج) من يأكلك.

47 - السابق، ص137 .

48 - السابق، ص142 . الصافي ( نوع من الأسماك منتشر على ساحل الخليج العربي )  ابسوليه، ( نوع من السمك الطويل ) ، خنيزيه : تمر أحمر .

49 - صفوت كمال، مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي، م س، ص94، ص95 .  لحول: لا حول ولا قوة إلا بالله. تشله: ترفعه. القوع: قاع البحر.

50 - السابق، ص95 .

51 - د. حصة السيد زيد الرفاعي، أغاني البحر: دراسة فولكلورية، منشورات ذات السلاسل ، الكويت،ط1،1406هـ، 1985م ، ص105.

52 - السابق، ص100

53 - د. حصة الرفاعي، أغاني البحر، م س، ص 314

54 - ولد سنة 572هـ، وتوفي سنة 631هـ، وقد عاش في البحرين، وكان ينتمي لقبيلة عريقة، وعشيرته من الأمراء العيونيين،العرب الذين أجلوا القرامطة عن البحرين. انظر: محمد جابر الأنصاري، لمحات من الخليج العربي..، مس، ص32 .

55 - السابق ، ص37 .

56 - الشاعر ابن لعبون، من أقدم الشعراء الشعبيين في الخليج العربي، ولد في نجد، وعاش فيها طفولته، ثم رحل إلى الزبير جنوب العراق، حيث شارك في مجالس الأشعار، إلا أنه اختلف مع شيخ الزبير، فغادرها إلى الكويت، وعاش فيها ما تبقى من عمره، حيث مات بالطاعون. راجع: ابن لعبون: حياته وشعره، جمع وترتيب: يحيي الربيعان، شركة الربيعان للنشر، الكويت، ط1، 1982م، ص9 – ص11.

57 - السابق، ص121 .

58 - السابق، ص126 .

59 - السابق،ص127 .

60 - عبد الرزاق محمد صالح العدساني، شاعر البحر الكويتي: ضويحي بن رميح الهرشاني، (1840– 1907م)، حياته وشعره، دون ناشر، ط1، الكويت، 1998م، ص60 .

61 - السابق، ص63 .

62 - السابق، ص134 .

63 - السابق، ص64 .

64 - محمد جابر الأنصاري، لمحات من الخليج العربي..، ص 107، ولم يصرح باسم الشاعر .

65 - السابق، ص109 .

66 - السابق، ص108 .

67 - الفيروز أبادي، القاموس المحيط، م س، ص1549 .

68 - السابق، ص687 .

69 - السابق، ص113 .

70 - صفوت كمال، مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي، م س، ص 108 .

71 - فهد راشد بورسلي، جمع وإعداد: وسيمة فهد بورسلي، ط2، 1978م، الكويت، دون ناشر، ص77.

72 - يوري سوكولوف، الفولكلور، قضاياه وتاريخه، م س، ص26 .

73 - الخليج والإنسان واللؤلؤ، مقال منشور ( دون مؤلف)، مجلة الكويت، منشورات وزارة الإعلام الكويتية، العدد 22، سنة 1987م، ص54 .

 

قائمة المراجع

- أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني (ت 331 هـ )، صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن عبد الله النجدي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1953هـ

- أيوب حسين الأيوب، من ذكرياتنا الكويتية، منشورات ذات السلاسل، الكويت، ط2، 1984م .

- بان فانسيتا، المأثورات الشفاهية، دراسة في المنهجية التاريخية، ترجمة ودراسة: د. أحمد على مرسي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة،1981 م

-  بزة الباطني، من أغاني المهد في الكويت، مطابع الدوحة الحديثة، قطر، ط1، 1986م

- جوليا كريستيفا، علم النص، ترجمة: فريد الزاهي، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1991 م

- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، الفولكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع، نشر: المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية، 1993م .

- حصة السيد زيد الرفاعي، أغاني البحر: دراسة فولكلورية، منشورات ذات السلاسل، الكويت،ط1، 1406هـ، 1985م .

- خالد سالم محمد، ربابنة الخليج العربي ومصنفاتهم البحرية، الكويت، دون ناشر، ط1، 1402هـ، 1987م .

- سليمان العسكري، التجارة والملاحة في الخليج العربي في العصر العباسي، مطبعة المدني، القاهرة، 1972م

- سليمان سعدون البدر ( إعداد ) منطقة الخليج العربي خلال الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط1، 1984م

- سيدني فنكلشتين، الواقعية في الفن، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1406هـ، 1986م

- سيزا قاسم، بناء الرواية: دارسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984 .

-  صحيفة القبس الكويتية، عدد القبس، 27 /4/2007م .

- صفوت كمال، مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي، نشر: وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مؤسسة المسرح والفنون، مطبعة حكومة الكويت، 1967م .

-  طلال عثمان السعيد، الشعر النبطي: أصوله، فنونه، تطوره، ذات السلاسل، الكويت، دون تاريخ .

- عبد الرزاق محمد صالح العدساني، شاعر البحر الكويتي: ضويحي بن رميح الهرشاني، (1840 – 1907م)، حياته وشعره، دون ناشر، ط1، الكويت، 1998م،

- عبد الله العتيبي، دراسات في الشعر الشعبي الكويتي، مؤسسة الفليج للطباعة والنشر، الكويت، ط1، 1404هـ، 1984م

- غاستون باشلار، جماليات المكان، ترجمة: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1404هـ، 1984م

- فتحي عبد الهادي الصنفاوي، التراث الغنائي المصري والفولكلور، دار المعارف، القاهرة، 1978

- فوزي العنتيل، بين الفولكلور والثقافة الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1978م

- الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5،1415هـ

- قدري قلعجي، الخليج العربي، دار الكاتب العربي، بيروت، 1965م، ص37 .

- قدري قلعجي، الخليج العربي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط2، 1413هـ، 1992م

-ابن لعبون: حياته وشعره، جمع وترتيب: يحيي الربيعان، شركة الربيعان للنشر، الكويت، ط1، 1982م

- محمد ارشيد العقيلي، الخليج العربي في العصور الإسلامية منذ فجر الإسلام حتى العصور الحديثة، دار الفكر اللبناني، بيروت، ط2، 1408هـ، 1988م

- محمد بن أحمد العقيلي، الأدب الشعبي في الجنوب، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، ط2 ، 1402هـ، 1982م.

-  محمد جابر الأنصاري، لمحات من الخليج العربي: دراسات في تاريخ الخليج العربي وثقافته ورجاله وفولكلوره الشعبي، نشر: الشركة العربية للوكالات والتوزيع، وأسرة الأدباء والكتاب في البحرين، ط1 ، 1970م

-  محمد غانم الرميحي، الخليج ليس نفطا: دراسة في إشكالية التنمية والوحدة، دار الجديد، بيروت، ط2، 1995م- مصطفى مراد الدباغ، جزيرة العرب موطن العرب ومهد الإسلام، دار الطليعة، بيروت، 1963م، ج2 .

 -ابن منظور، لسان العرب، إعداد: يوسف خياط ونديم مرعشلي، دار صادر، بيروت، دون تاريخ .

   - فهد راشد بورسلي، جمع وإعداد: وسيمة فهد بورسلي، ط2، الكويت ، دون ناشر 1978م .

- مقال: الخليج والإنسان واللؤلؤ، دون مؤلف، مجلة الكويت، منشورات وزارة الإعلام الكويتية، العدد 22، سنة 1982م .

- يوري سوكولوف، الفولكلور : قضاياه وتاريخه ، ترجمة : حلمي شعراوي ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، ط1 ، 1971م.

 

أعداد المجلة