فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
56

خصوصية الرقص الشعبي المغربي

العدد 56 - موسيقى وأداء حركي
خصوصية الرقص الشعبي المغربي
المغرب

لا شيء يمنح الإنسان إحساسا بالحرية العفوية كالرقص؛ إبانه فقط تتحول اليدان لجناحين والجسد لطائرة من ورق تتطلع للسماء قصد توديع شرور عوالم الأرض.. بل يمكن اعتبار شعر المرأة الراقصة مثلا يدا ثالثة –دون مبالغة-يضفي سحرا آسرا على الجسد من خلال انخفاضه وارتفاعه وفق حالات الروح الداخلية.. رقص بقدر ما يجعل الراقصة ممتلئة ومنتشية بكينونتها بقدر ما يجعلها تنتصر على رتابة الواقع الممل بتكراره . الرقص بهذا المعنى شعر خاص يكتبه الوجه والجذع وتوقعه الجوانح والجوارح ، شعر يوفق في كشف لبس الموسيقى ولغز الجسد الملبوس والملتبس. بالرقص يصير الجسد لسانا أكثر بلاغة من الكلام اللفظي، وبه كذلك يتحرر الراقص ويحرر الرائي الذي يكف عن كونه مستهلكا إذ بنظرات الإعجاب يمده بقوة إنتاج أحسن ما عنده من فرجة بصرية..بالرقص تمدد فترة الشباب واليفاعة وتؤجل الشيخوخة إلى حين، وهو السبب الأساس الذي يجعل الراقص ينتصر إليه ويشجب السكون والثبات إذ بدونه يموت رمزيا جزء من الإنسان ويطلق الجسد الحركي عنفوانه..لحظة تكون فيها الروح في حالة طيران بسبب تناغمها مع الموسيقى والشعر والغناء. الرقص بهذا المعنى أغنية الجسد ونحت الفضاء بالحركة. ممارسة إذا أداها الراقص بشغف تظهر الجزء الخفي والمثير فيه، إذ لم نقل أنها تخبرنا بتاريخه وانتظاراته كلها.. والرقص لهذه الاعتبارات كلها أكثر اللغات صدقا وشفافية في تبليغ ما يجول بالداخل.قال الروائي كازانتزاكي على لسان بطل روايته «زوربا»:«يبدو لي ، هكذا أنني أفهم شيئا ما، لكن لو حاولت أن أقوله لهدمت كل شيء وذات يوم عندما أكون مستعدا، سأرقص لك».

تاريخيا ظهرت لغة الرقص قبل لغة الكتابة وهي أكثر عفوية في التعبير عن مشاعر الراقص، مشاعر تضفي على الفضاء مشهدية خاصة. والأدلة الأركيولوجية بإحدى مغارات الهند قبل تسعة آلاف سنة شاهدة على أقدم نقش لراقصة في حالة انتشاء. والأمر ذاته يقال عن لوحات القبور الفرعونية حيث تظهر نساء عاريات يرقصن أمام الحجارة المنحوتة كنشاط للتقرب به من الآلهة المصرية القديمة. أدلة تاريخية تحيل على أن الرقص وجملة من الفنون المجاورة نشأت أول الأمر في حضن الدين». فالظاهرة الجمالية نشأت أول ما نشأت في أحضان المعبد، فظهر فن المعمار، ثم ظهرت الحاجة إلى تزيين جدران المعابد بالنقوش والتماثيل فظهر فن النحت، ولما كانت العبادة تستلزم إقامة الاحتفالات الدينية، فقد ظهرت على التعاقب فنون الرقص المقدس والموسيقى والغناء، فالدين عمل على ظهور الفن وتطوره وترقيته»(1).

وإذا كانت حركة الجسد الراقص – في مستوى أول-تصريفا لانفعالات وطاقات الجسد الإنساني فإنها هي بالذات التي حولته من مجرد كتلة خامة إلى غابة من الرموز علينا تفكيكها حتى نفهم نداءات الجسد وانتظاراته..«فالرقص لغة بلا كلام ولغة ما بعد الكلام وتفجير لغريزة الحياة التواقة للتخلص من الازدواجية ، له وظائف أسطورية ودينية وغرامية، وهو ذاكرة تاريخية مهمة جدا ومجال ثري لعدة أبحاث ودراسات»(2). بل إن وظائفه أكبر من أن تعد أو تحصى في دراسة مماثلة. فهو نشاط ترفيهي ومصدر متعة حسية ووجدانية، وتمرين رياضي ووسيط للحلم والتخييل وطريق موصل للغبطة يكفي أن نعلم أن الجسد لحظة الرقص يفرز هرمونات السعادة ومن ثم ينتصر الراقص على ملل الواقع المتكرر؛إذ به يحقق بعض المتع ويرجئ التفكير في سؤال الموت والفناء. هو كذلك ممارسة وقائية للنفس من الاكتئاب ومخلص للجسد من الترهل والتوتر.ممارسة تزيد الجسد ليونة وحيوية وتخلصه من الرقابة المجانية والرزانة المزعومة؛ فالرقص يحيل الجسد لمادة أكثر سيولة لأن الحركة بكل بساطة تخفض من مستويات القلق والتوتر. أما نفسيا فيمكن اعتباره لغة خفية للروح به يخفف الراقص من أعباء الحياة اليومية.« كما أن للرقص وظيفة لا يمكن التعبير عنها بالكلام، وهي الإضاءة الرمزية للحقائق الإنسانية ، والتي تتم من خلال المزاوجة بين الوظيفة التعبيرية والحركة الدالة، والتي تتمثل في حركات وإشارات وإيماءات مفعمة بالرموز، هذه الحركات تشير إلى معان مكثفة ومركزة تعبر عن آراء أفراد المجتمع وإرادتهم وميولهم، وتتم بها عملية الاتصال»(3).

نخلص مرحليا إلى أن «فن الرقص يحتوي على العديد من الحركات، والتي هي عبارة عن دلالات رمزية، يستخدمها الإنسان بصورة فنية كنوع من التعبير عن ذاته، وكذلك لإيصال معان يفهمها كل أفراد جماعته، من خلال إدراكه (تأدية) وإعادة إنتاج (تجسيد شعوريا)؛إذ يرتبط فيه التجسيد الخارجي بالتعبير الجسدي، وتصبح خصائص الحركة الأدائية وسيلة اتصال شعورية وطاقة معبرة عن الحياة»(4). بل إن التعبيرات الحركية في الرقص رسائل تترجم كنه الإنسان الذي يمارسها وهي بمثابة نظام رمزي مركب يمنعنا من اعتبار الرقص «مجرد حركات متناسقة تنساب على إيقاعات متباينة، بل هو شكل تعبيري تكون فيه الإيماءة والزي ولونه وطبيعة ارتدائه دلالة موغلة في الذاكرة الجماعية، ويكون للإيقاع هو الآخر حمولة بين طبقات تاريخ الأجيال وشعوب تصل الماضي بالراهن، وتمنح للذاكرة الجماعية حرية الإبداع والإضافة على الأشكال التعبيرية التي لا تعترف بحق الإبداع الفردي لكونها تعكس رغبة الجماعة في الزمان والمكان»(5).

وإذا كان التوصيف أعلاه يحاول الاقتراب من الرقص في عموميته فإن الرقص الشعبي «يستخدم بصفة عامة لوصف أشكال الرقص المتعارف عليها بين الشعوب والتي تكون ذات أصول متشابهة يتوارثه جيلا بعد جيل.ولذلك يعد الرقص الشعبي بصفة عامة وسيلة مهمة لترجمة أحاسيس ومعتقدات الشعوب»(6). الرقص الشعبي بالمعنى أعلاه طقس قبل أن يكون فرجة عابرة أو عرضا مجانيا، هو حكاية تنقل خبرة شعب وتمثل حضارة معينة للذات والآخر والعلاقة بينهما. رقص يرصد أدق تفاصيل الحياة ويقدم تمثلا للزمن مثلا وذلك باحتفائه بقدوم فصل الشتاء أو انتشاء بالمطر الذي ينبئ بمحصول وفير، كما يحضر لحظة انتصار في حرب أو نجاح رحلة صيد..لذلك نتصوره بمثابة نظام رمزي ونسق ذهني غاية في التركيب يكفي أن نعلم أن الراقص يقدر تقليده الطيور وهي تطير أو هو يحاكي دوران الكواكب بقدر إفصاحه عن مشاعره الخبيئة. رقص يجمع بين حركات الجسد الخارجية وعواطف الداخل لأنه ممارسة استثنائية يصير فيها الجسد شفافا ومضيئا وكاشفا لما يعتمل بالأعماق.. بالنتيجة الرقص الشعبي هو فن الحياة وهي تتشكل وتشكل وجدان الناس وجزءا أساسيا من تاريخ الشعوب..ممارسة احتفالية يصير فيها الجسد أبلغ من الشعر وأعمق من الأسطورة وأعرق من التاريخ؛ يكفي أن نستحضر أن رقصة واحدة تصير عنوان حضارة وبلد من البلدان كإحالة السامبا على البرازيل والفلامينكو على اسبانيا والحيدوس على المغرب وهكذا.« والرقص الشعبي عامة هو إبداع الإنسان وهو أيضا نتاج الحياة نفسها، انبثق من نشاطات الإنسان ليعكس أعمالهم التي يقومون بها ونشاطاتهم الفنية من احتفالات بالأعياد ومواسم الزواج وطقوسهم التي يمارسونها..بل هو مرآة تعكس تاريخهم ومواقفهم من مظاهر الطبيعة والبيئة التي يعيشون فيها»(7).

سياق حضاري عام يجعلنا نعتبر الرقص الشعبي المغربي تمثيلا شفافا لتراثنا البصري البالغ الثراء والتنوع والمتوزع بين العمق الإفريقي والصحراوي والمتوسطي والأندلسي والأمازيغي والعربي. والحفر الراهن والمتواصل في خطاب الرقص الشعبي غايته استعادة المدلول الأصلي للرقصات وعدم اعتبارها فرجة للتسلية، فالرقص الشعبي يختلف عن الرقص التعبيري أو التجريبي مثلا لا في اللباس وألوانه فقط ولكن في الأدوات المصاحبة وطرق العزف وماهية الشعر المنشد، بل هو يختلف حتى في حركات الراقص وسكونه بالمعنى الفلسفي العميق للمفردتين: فالموت سكون دائم والحركة حياة دائبة وطاقة متجددة.« إن الراقصة ليست امرأة ترقص، ومن أجل هذه المعارضة فهي ليست امرأة، ولكنها استعارة تلخص مظهرا من المظاهر الثانوية لشكلها كسيف، قدح، وردة الخ.وإنها لا ترقص وإنما توحي عبر كل الصور المدهشة والمختصرة والاندفاعات وعبر كتابتها الجسدية، بما تتطلبه من نشر وحوار ووصف لغاية التعبير. إنها بالأحرى قصيدة متخلصة من يد خطاط. فالوجود الراقص هو حد نظري للغة، أو هو بدقة أكثر، يحيا من هذه الحيرة بين الكلام والكتابة، إذ أن الجسم الراقص يكتب الكلام ويحطمه، يجرد من الفضاء هندسة دقيقة ومتعددة الأصوات، إنه زوبعة القوانين، انعكاس الخطوط، ومحو الأثر الذي بواسطته ينطق الأصل(الجسم) ويمحق»(8).

رقصة «الحضرة»/أو «الجذبة» المغربية:

تعتبر رقصة الحضرة المغربية رقصة طقوسية علاجية تروم طرد الأرواح الشريرة بحركات عنيفة غايتها تطهير سريرة الراقص أو الراقصة من الإحساس بالذنب وذلك بالسفر من خلال الرقص العنيف على أنغام موسيقى صاخبة تماما وأشعار شعبية تناشد الأولياء الصالحين علهم يعيدون الراقص لزمن الصبا حيث الطهرانية ويفصلونه عن الزمن الراهن المغرق في الخطايا.. ورقصة الحضرة المغربية تمثل بقايا عادات وممارسات قديمة.رقصة تشترك مع رقصة الزار بمصر في الكثير من الملامح ومنها الانفعالات العنيفة للراقص والأداء الحركي القوي. رقصة يستشعر فيها الراقص كونه مسكونا بروح شريرة لذلك اعتبرناها رقصة استشفائية تطمح تحرير الجسد من كل القيود والدفع به لمعانقة درجات عليا من التحرر والانتشاء الحسي والمعنوي وإن كان البعض يربطها بالسحر لأنها تروم التأثير على الناس ضمن سياقات طقوسية معروفة.

تقام رقصة «الحضرة» عادة بطلب من المريض أو طالب الراقص (المكتئب، المنزعج، الضجر والممسوس حتى، أو بطلب من ذويه..) أو طالبته بصرف النظر عن الجنس والعدد ..يقام هذا الطقس في سكن يكون عادة لرئيس الفرقة أو شيخها الذي يختزن خبرة ومراحل الرقص الاستشفائي تفاديا لكل مكروه محتمل أثناء الرقصة.

تقف دوافع كثيرة خلف انخراط البعض في هذه الرقصة ومنها: تأخر الزواج أو النحس أو المرض النفسي وما شابه ذلك..يرجع أكسندر كراب«جذور الممارسة الطقسية ..للشعائر الطقسية الراقصة التي كان البدائي يقيمها لتحقيق النجاح في اصطياد الحيوانات بتقليد حركات الأخيرة، أو لإنماء الزرع ووفرته، أو من أجل غايات أسمى: مثل توهم البعض بأن الأجرام السماوية في ارتعاش حركاتها تحتاج لشيء من التشجيع حتى لا تتباطأ حركتها، أو قد تقام لطرد الأرواح الشريرة درءا للأمراض»(9).

تبدأ رقصة الحضرة المغربية عادة بإشباع فناء المنزل بالبخور ووضع صحون من الحناء في ساحة الرقص للتبرك بها حيث تضمخ أيادي الراقصين بها على اعتبار أنها فأل حسن في التمثل الشعبي.. كما توضع دائرة من الحناء على رأس الذبيحة والآلات الإيقاعية، توزع أعلام بألوان مختلفة بجوار صحون الحناء ونحن نعلم التأثير النفسي للون.في صبيحة يوم الرقص تهيأ أطعمة شعبية مختلفة تختلط رائحة توابلها القوية برائحة البخور النفاذة خالقة أنفاس خاصة في رحبة الرقص.. تبدأ الرقصات عشية بطيئة مصحوبة بأذكار وأشعار هي أقرب إلى النحيب منها إلى الغناء، أشعار مبهمة المعنى في الغالب سرعان ما تتوارى لصالح نغمات ناي ودفوف كبيرة(طارات) تحدث رهبة في الأجواء وتدفع الراقصين دفعا للرقص المحموم.ترقص النساء بشعر منسدل تعاضدهن مساعدات الشيخ أو الشيخة(رئيسة الفرقة) لحفظ توازنهن على الوقوف.. رقصة يحرك فيها الراقصات والراقصون رؤوسهم بعنف تارة نحو الشمال وتارة نحو اليمين..وبعضهن يرقصن بشكل دائري وهنا يحضر البعد المقدس في الرقصة حيث يقلد الراقص أو الراقصة دوران الكواكب أو الطواف حول الكعبة.سياق يجعل من رقصة الحضرة المغربية حصة استشفاء حقيقية يتداوي فيها الراقص بالحركة والانغماس الكلي في رقص طقوسي يجعل من تموجات الجسد بديلا عن الكلام أو مكملا له ..حركات فائضة عن المعنى الواحد..بالنتيجة رقصة الحضرة المغربية هي طقس علاجي يحضر فيها الغناء والرقص والأداء الحركي والملابس الرمزية ذات الألوان الدالة... إن رقصة الحضرة المغربية إلى جانب بعدها الطقوسي تشتمل على بعد درامي يتمثل في حضور الممثلين(الراقص والعازف..) والمشاهدين ورئيس الفرقة باعتباره مخرجا إلى جانب المرددين للأشعار الشعبية والواقفين على شاكلة كورال المسرح الإغريقي تحت ضوء خافت تزيده أدخنة البخور التباسا..فرجة ينخرط فيها العازف والراقص والمشاهد بقصد تخفيف توتر طالب الرقصة المتصفة بمقامات وإيقاعات وأشعار خاصة. فالراقص معني بشكل مباشر بالعبور من المرض للعافية بواسطة الرقص الانفعالي القوي والذي يجعل الجسد في حالة هيجان تنتهي عادة بسقوط الراقص(ة) مغمى عليه جراء المجهود البدني المبذول، وحالة الاندماج مع الموسيقى العالية الصوت والإيقاع . إن لجوء الراقص لتعذيب(لإمتاع) الجسد ببذل جهد فوق الطاقة الغاية منه طرد الأرواح الشريرة التي حلت به كما يعتقد..لكن قبل لحظة الإغماء تكرر مساعد(ة) رئيس الفرقة الموسيقية على مسامع الراقصة أو الراقص اسم الهدية المطلوبة وإحضارها من الجان إن هو/هي أرادت التخلص من المرض/والروح الساكن بجسدها، وعادة ما يكون الطلب ديكا أو تيسا أو خروفا وما شابه ذلك.علما أن الأرواح التي يتم استدعاؤها تتوزع بين الأرواح الطبيعية أو جني النار أو الماء والأرواح المعتقدية كملة الجن (نصراني، مسلم...) أو أرواح يتقاطع فيها الأسطوري بالتاريخي (عيشة/عائشة قنديشة وغيرها)..

نخلص إلى أن هذه الرقصة الاستشفائية تنفتح على العلاج النفسي والعضوي، يقصدها أفراد من العامة كما النخبة والبعض ممن ألم به صداع الرأس المزمن أو حالة اكتئاب وما بينهما . ولذلك فهي تتموقع في قلب الطب الشعبي الذي اعتمد منذ أن كان على الملاحظة العفوية لتشخيص الظاهرة وإيجاد مخارج لها ومنها رقصة الحضرة..

رقصة «هوارة» أو رقصة الأفعى:

تتعدد أصول ومصادر رقصة «هوراة» أو رقصة الأفعى الأمر الذي يجعل الحسم في مصدرها ومنشئها الأول أمرا صعبا..فهناك من يرجعها لحكاية أفعى احتلت الطريق الوحيد الذي يربط قبيلة«هوارة» بالعالم، وبعد معاناة العزلة ارتأت القبيلة ترشيح ثلاثة شبان لحل مشكل العزلة بقتل الأفعى التي قتلت اثنين منهم وأغرمت بالثالث. ويرجعها البعض الآخر إلى أن سكان القرية اختنقوا بعزلتهم بسب الأفعى المحتلة للطريق فاستدعوا«عيساويا/عازفا مجذوبا» لسحبها بواسطة العزف على المزمار حيث توفق سحر الموسيقى بتخديرها فارتمى العازف المجذوب على رأسها وقتلها وظلت الرقصة تعاد مرات ومرات لتذكير سكان القبيلة أن الخطر مؤجل بسبب تجوال ذرية الأفعى بالجوار.. وحكايات أخرى تسير في نفس الأفق الذي يتحدث عن أصل الرقصة..وإن كانت الرواية الأولى أكثر انتشارا حيث تنتهي القصة بلا غالب ولا مغلوب وذلك من خلال وقوع الأفعى في غرام أحد الشبان الثلاث. ولهذه الرقصة عدة تسميات منها «اللغطة» وهي تسمية محلية للرقصة الحاضرة بقوة في الأعراس الهوارية والمناسبات الجهوية. وتسمى كذلك بـ«الدقة الهوارية» والتي تستعمل آلات إيقاعية (الطارات والكورال) إلى جانب الضرب بالأكف والأرجل. وتقام عادة بعد كل موسم فلاحي من أجل التعبير على التعاون والتضامن وفي مناسبات أخرى.

تتكون رقصة «هوارة» أو الدقة الهوارية من الرقص والإيقاع الهواري والنتف الشعرية المغناة والتي يقول بعضها:

واضوي يالكمرة واهيا لالاة

والزين بغا يتسارا واهيا لالاة

رقصة ذات عمق أسطوري تقود فيها المرأة دفة الفرجة. رقصة تراثية تدون تاريخ منطقة فلاحية تبعد عن مدينة أكادير جنوب المغرب ب44كلمتر..تتشكل فرقة «الدقة الهوارية» عادة من خمسة عشر رجلا وامرأة، والهيمنة العددية ترجمة لهيمنة الرجل في المجتمع الذكوري المغربي .رقصة تستمد اسمها من قبيلة هوارة الموجودة بسوس بين تارودانت وأكادير(جنوب المغرب) وإن تم ترحيلهم على عهد المولى إسماعيل إلى الغرب والشمال الغربي.. قبيلة ذات جذور أمازيغية لكنها عربت لأسباب سياسية في الفترة السعدية حسب ابن خلدون وإن كان المختار السوسي يرى أنها ذات أصول عربية. والمثير للانتباه أن قبيلة هوارة موزعة على وفرة من دول شمال إفريقيا ومنها على الخصوص:ليبيا وتونس والجزائر ومصر.

تقفز المرأة في رقصة هوارة رفقة رئيس الفرقة عاليا بخفة ورشاقة لافتة للانتباه على إيقاعات (الطارات ) . نقرات بارزة على دفوف صغيرة مصحوبة بأصوات الضرب على ناقوس معدني في مشهد يمكن اعتباره حوارا حركيا بين الرجل والمرأة. أما الراقصة فتكرر رفعها لقطع قماش أكمام يدي لباسها التقليدي (التكشيطة) عاليا محولة إياه لأجنحة وكأنها تود الطيران عن عيون العسس وحراس حركية الجسد وتحرره.. فالرقص بالنسبة للمرأة لحظة استثنائية تعتبرها لحظة منفلتة من قبضة الرقابة.. تسمى هذه المحطة من الرقصة «الركزة» غير أنه قبلها وفي مستهل الرقصة تؤدي الفرقة مواويل تتغنى بعلاقة الإنسان بالأرض وعلاقة المرأة بالرجل وحثها على العناية بالبيت والزوج انسجاما والقيم الذكورية السائدة عموما في المجتمع المغربي.يتوحد الرجال بلباس أبيض، لباس موحد يشير إلى الاصطفاف الرمزي في وجه العدو أو الدخلاء كما يشير إلى ذائقة الراقص وحالته النفسية..تعلق الخناجر بأحزمة الرجال، خناجر تظهر براعة الصانع التقليدي. والخنجر عموما رمز الشجاعة والشهامة والرجولة.يذهب الباحث عبد الله الهلالي في خلاصة دراسته لرقصة هوارة إلى أنها: «عرض تتداخل فيه مجموعة من الأنساق السيمولوجية؛ تكمن دلالتها، بالدرجة الأولى، في ذاتها، ويتحقق هذا المستوى الدلالي حينما يحس المتلقي بالعدوى الحركية للراقصين وهي تجتاحه، وتكمن أيضا في الإيحاءات التي تخلقها الوحدة الحركية الأكثر تميزا على المستوى الاستطيقي، مما يجعلها ذروة الرقص بؤرتها الرمزية، ومركزا مرجعيا للوحدات الحركية الأخرى؛يمثل راقصو «اللغتة» أجسادا حاضرة تكتب عن حركات أجساد أخرى غائبة، وهكذا فقد قادنا البحث عن الدلالة الإيحائية لـ«اللغتة» إلى أن العلامة المركزية التي يمكن الانطلاق منها هي الحوار الكوريغرافي بين الراقص والراقصة، ذلك أنه يضعنا أمام ذاتين:ذات معاقبة تعبر حركاتها عن «الجلد»أو «الرجم»وذات معاقبة تتلوى وتترنح بفعل الألم الجسدي الذي يلحقها.وتلعب «التكشيطة» التي ترتديها الراقصة دورا وظيفيا في إبراز الحركات، وتضخيمها، وإبطاء تلاشيها أمام نظر المتفرج، ورسم الحدود الحركية للجسد الذي يتستر فيها»(10).

رقصة كناوة:

تجدر الإشارة بداية إلى أن «كناوية» أو النزعة الزنجية بالمغرب هي طريقة صوفية أكثر مما هي رقصة أو موسيقى روحية أو أذكار دينية فحسب.. فقط ارتأينا تسليط الضوء على التعبير الحركي لمريديها لخصوصية رقصهم المصحوب بأغاني الوجع والتغني بآلام ماضي العبودية والتهجير القسري الذي عانت منه هذه الطائفة الزنجية.رقص مفعم بالحركة والخفة والحيوية، رقص طقوسي على إيقاعات الطبل الكبير و«الهجهوج» و«القراقب». رقص يمارس سحرا خاصا على المتلقي ويقترب من «الجذبة»التي تعني التحرر والشفاء من الروتين اليومي وتخليص الذات من خدوشها. رقص يبدأ عادة من الشارع العام وينتهي إما بالزوايا أو بيوت «المعلمين»في حفلة خاصة وفق طقوس دقيقة تنفذ بدقة لحيازة شفاء الراقص/المريض..

لكن قبل الاسترسال في رصد خصائص هذه الرقصة نرى لزاما علينا تحديد التسمية «كناوة» مفردة يرجعها الدكتور عبد الرزاق المصباحي إلى أن «اسم(كناوة) الذي أطلق عليهم والمشتق من العبارة الأمازيغية (أكناو) يعني (الأبكم)، وهي عبارة تبخيسية، قد تكون بسبب صعوبة لهجات الأفارقة المنتمين إلى بلدان الساحل، الذين استقدموا باعتبارهم عبيدا للعمل في قصور الملوك والسادة في شمال إفريقيا. وهنا وجه الشبه بين زنوج شمال إفريقيا الذين أبدعوا «كناوة» وزنوج أمريكا الذين عانوا العبودية إلى وقت متقدم. لكن تسمية (أكناو)تبقى مجرد افتراض مادامت هناك روايات أخرى تنسب هذا الفن إلى دولة غينيا»(11). وهناك من يرجع مفردة «كناوة»إلى تحوير لكلمة غينيا البلد الإفريقي المعروف. كما أن الباحث الفرنسي روني باسي انتهى في بحثه إلى أن كلمة«كناوة»تعني أرض الرجل الأسود، وهو اسم أطلقه أهل الجزائر ومناطق جنوب ليبيا على أرض إفريقيا...و«كناوة»عموما هم مجموعة إثنية في المغرب ينحدرون من سلالة العبيد الأفارقة الذين استجلبوا في العصر الذهبي المغربي نهاية القرن السادس عشر الميلادي من إفريقيا السوداء(السودان، غانا، غينيا..)

في ذاكرة المغاربة ارتبطت الطريقة «الكناوية» بالرقص المشفي من المس بالجن والأمراض النفسية.طريقة تتبع طقوس راقصة لا تختلف عن طرق صوفية شعبية مغربية أخرى إلا قليلا مثل «عيساوة وحمادشة وغيرهما» طقس روحي راقص وهو حسب المريدين والمتعاطفين يشفي المرضى الذين يعجز الطبيب عن علاجهم والسبب موسيقى هذه الطريقة الروحية ذات العمق الإفريقي؛ موسيقى تشبه إلى حد بعيد موسيقى أمريكا اللاتينية: (كوبا والبرازيل تحديدا). موسيقى تدخل المستمع في حالة روحية خاصة، موسيقى تقبل التحاور مع العديد من الأصناف الموسيقية العالمية حيث بتنا أمام ثنائيات عدة منها:كناوة/جاز وكناوة/الريغي وكناوة/البلوز.. مروحة من الأشكال الموسيقية التي ناهضت الاستبداد واحتفت بالنصر وتقول ما لا تقوله الكلمات بالرقص والحركات الدالة على الوجع وفجيعة الاجتثاث من الجذور..

وتجدر الإشارة هنا أنه إبان رقصة «كناوة» تثور كل طاقة الجسد الروحية والعضوية وتفرغ الطاقة الجنسية وتحررها في نفس الوقت من اللعنة النفسية والخمول على اعتبار أنها رياضة جسدية حقيقية موزعة على عشر مقامات «محلات لونية» (محلة الأبيض والأسود والأزرق والأحمر والمبرقش والأخضر ثم الأبيض والأسود والأبيض والأصفر.)رقصة يحاكي فيها الراقص طيران النوارس وخفقان أشرعة السفن التي حملتهم من سواحل إفريقيا الغربية إلى مدينة الصويرة قبل أربعة قرون خلت مصفدين بالأغلال. فقط تجدر الإشارة هنا أن الفرجة «الكناوة» لم تعد مقصورة على مدينة الصويرة فهي موجودة بمدن أخرى مثل مراكش ومكناس. وبحكم وجود ضريح «سيدي بلال» بالصويرة وهو المرجع الأعلى عندهم تعتبر هذه المدينة مركزا محوريا لهم إلى الآن.

ترافق رقصة «كناوة» أذكار وصلوات على النبي محمدﷺ والأولياء والصالحين، كما تردد الفرقة ترانيم تنم عن معاناة الاستعباد والفراق، مناشدة قيم السلام.تعبر الرقصة عدة محطات حيث يتصاعد الإيقاع ليدخل المريدون الذين وصلوا إلى الحالة واستجابوا روحيا للخلاص وتسافر موسيقى «كناوة» بالراقصين إلى عوالم غير مرئية.رقص يتأسس على توافق حركات الجسد الراقص مع إيقاعات محددة ينتجها «الكنبري» وهو آلة وترية من ثلاثة أوتار وآلة إيقاعية «الدربوكة» إلى جانب «القراقب»

ومعلوم أن رقصة «كناوة» وموسيقاها حظيت بشهرة واسعة بعد إطلاق مهرجان الصويرة سنة 1997 بعد أن كانت فرجة حبيسة الزوايا ومنازل «المعلمين» وإن كانت فرجتها الطقوسية كاملة لا تقام إلا ليلة «دردبة» بالمنازل الخاصة لا بالمهرجانات؛ فهناك ليلة خاصة بعشاق الفرجة، وليلة أخرى تسمى ليلة المريض، هنا يحترم المريض الطقوس المتعارف عليها ويؤديها كاملة طلبا للشفاء، وهذه الطقوس: هي إحضار الذبيحة والبخور والشموع والرقص على أنغام الموسيقى الكناوية حتى الإغماء للوصول إلى النشوة والاكتفاء، وهذا ما يسمى بالدارجة المغربية «الجذبة» وهنا يعتقد المريض أنه قد شفي من مرضه. بل هناك من يصل لدرجة فقدان الوعي أو ضرب الذات بآلة حادة أو المشي فوق شظايا الزجاج.. فمع الموسيقى الكناوية يتحول الرقص من ترف إلى علاج وبلسم لجرح الاجتثاث، ويمكننا القول دون مبالغة إن هذه الجماعة العرقية تفوقت على جرح الاسترقاق القديم بالرقص والموسيقى.كما يمكن اعتبار الرقص والموسيقى والأشعار والأعلام الملونة والأبخرة» أقنعة طقوسية تمثل رموزا تعبيرية تكشف تدرج أهواء وأحوال الذوات الكناوية، وكذلك تشكل رموزا تحيل على روح الأسلاف والقوى الخفية التي تستوطن الجسد في حالة جذبة»(12).

نخلص إلى أن رقصة «كناوة» تروم انخراط الجسد في الجذبة، باعتبارها رقصة طقوسية، تطهره من جرح الأمس، وتعالجه من ألم الانفصال عن أرض الأسلاف. بل يمكننا القول إن رقصة كناوة تصير بالنسبة لأتباع هذه الطائفة خريطة طريق للتصالح مع النفس.تقول إحدى المرددات الكناوية في «محلة أولاد بامبارا»:

جابونا من السودان

السودان يا يمة

السودان غير عبيد

السودان يا السودان

جابوني وباعوني

فارقوني على حبابي

إن الرقص»الكناوي» العنيف بالنتيجة يشكل شرطا إلزاميا لجعل الجسد يتحرر من قيود الوعي الشقي بتاريخ الاستعباد والاجتثاث، وإن كان الأتباع يتوسلون في ذلك كائنات غائبة حاضرة وذات قدرات خارقة، وبسبب هذا فهي رقصة تطهيرية توفق غالبا في «محو الشعور بالذنب وتيسر التوبة»(13).

رقصة الكدرة.

تنتسب رقصة «الكدرة» للتراث الحساني الصحراوي المغربي.نشأت في منطقة واد نون (جنوب المغرب) ومن هناك انتشرت في باقي الجهات الصحراوية.اختلف الباحثون حول سبب تسميتها بـ«الكدرة» فإبراهيم الحيسن مثلا يرى أن التسمية مشتقة من «الكادرة» أي المرأة القادرة والمقتدرة على إدارة دفة الرقصة والتحكم في تمفصلاتها إلى جانب (النكار) العازف على «الكدرة». وهناك من يرجعها للقدر أي ذاك الإناء الطيني المغطي من جهة واحدة بجلد المعز والمحدث لأصوات إيقاعية منغومة.. و«الكدرة» عموما هي الآلة الإيقاعية الأساسية في موسيقى رقصة «الكدرة». ومكوناتها: الطين وجلد المعز ، مكونات تحيل على ارتباط الفرد الصحراوي بالأرض تماما كما هو حرصه على إقامة هذه الرقصة تحت الخيام حيث كؤوس الشاي تزيد الفضاء دفئا. تبدأ رقصة«الكدرة» بأمداح وأذكار نبوية وتنتهي بـ«هيا هيا» والقصد بهذه الجملة (هيا أقبل) وهي موجهة من الراقصة لرجل بعينه كي يبادر للارتباط الشرعي بها. تحضر الراقصة عادة بصيغة المفرد وفي حالات بصيغة المثنى: تكون إحداهن مبتدئة والأخرى محترفة (القادرة) مقتدرة تشكل محط اهتمام رجال الفرقة لأنها بخبرتها تدفعهم دفعا لإعطاء أجود ما عندهم. وحضور المرأة عادة يرفع من منسوب الأداء كما في الرقصات السابقة.. يشتبك في هذه الرقصة التعبير الجسدي والقول الشعري والموسيقى، كما تحتكم هذه الرقصة لنظام عروضي صارم، فهناك مقام «الحماية» وهو بطيء، وبعده يأتي مقام متوسط السرعة خلافا للمقام الثالث ويسمى «التهوهي» وهو سريع جدا.تؤدى أشعار رقصة «الكدرة»باللسان الحساني كدارجة محلية.

يرجع بعض الباحثين شكل رقصة «الكدرة» إلى اقتباسها من رقصة النعامة وذلك من خلال إخفاء الراقصة لرأسها في مستهل الرقص، وهناك من شبهها برقصة الثعبان في قبيلة «كاليبياس» الهندية.رقصة تقلد فيها المرأة حركات الأفعى وترتدي لباسا أسود يحيل الذهن على ثعبان «الكوبرا».. رقصة تتمايل فيها الراقصة وسط جموع المعجبين منتجة إحساسا ملتبسا: فهي تعجب وتخيف في الآن نفسه.

ترقص راقصة الفرقة -والتي تكون عادة عزباء أو مطلقة ونادرا ما تكون متزوجة- بأقدام حافية ابتغاء تماس مباشر مع رمال الصحراء (الأم المجالية الأولى للإنسان) . راقصة تتوسل لتواصلها مع الآخرين إشارات الأصابع وحركة الأذرع وتلويحات الضفائر في لعبة إغواء دقيقة وهي ترسم بجسدها وتشكل الفضاء وفق رغبات تختلف باختلاف السياق.تؤثت هذه الرقصة عموما الأعراس الصحراوية والحفلات المحلية.يرافق الرقص نتف شعرية غزلية للإثارة وحث الجميع على الانخراط الكلي في رقص ساخن.تقول إحدى «التحميات»:

طفيلة وني بيك مزين خدك وعينيك

الخد ياحيلة خديد الكحلة والنيلة

تخضع هذه الشذرات لتقسيم حيث يلقي «النكار» الشطر الأول ويرد عليه باقي أفراد الفرقة ببقية البيت..تدخل بعدها الراقصة إلى الحلقة لتأخذ مكانها أمام «النكار»وهي بزيها الصحراوي الأصيل (الملحفة). كما أن الرجال يحرصون أشد الحرص على ارتداء «الضراعة» الزرقاء أو البيضاء لونان يتكاملان مع ألوان الصحراء المغلقة، ويتم شد الرأس بعصابة خاصة. وتبدأ هي في الرقص وتشجيعا لها توضع أوراق نقدية بعنقها كدليل رمزي على الرغبة في الارتباط الشرعي بها. أما «النكار» فيهتم بتوجيه باقي أفراد المجموعة ويثير الانتباه إلى تفادي الأخطاء المحتملة.

إن رقصة «الكدرة»في واقع الأمر مسرحية مرتجلة، تقدم على شكل حوار بين شعر الرجل ورقص المرأة وإن كان الاهتمام ينصرف في المقام الأول لـ«خطاب الجسد (باعتباره) موضوع الإيماءة ومركز الرؤية ومصدر الحركة في أهم تمفصلاته وتمظهراته ضمن سياقات كوريغرافية كثيرة ومتنوعة يتكامل فيها الديني والجمالي والميتافيزيقي والأسطوري.. بل وتقوم على سيميائية الرقص الفردي داخل حوار جماعي يعج بالكلمة والنغمة والحركة والقول الشعري»(14).

نخلص إلى أن رقصة«الكدرة» إذا كانت تمثل إحدى الرقصات الشعبية المغربية التي تلطف حياة البدو في الصحراء وتكسر رتابة اليومي والمتكرر، فإن الرقص عموما يظل مظهرا من مظاهر الاحتفال باعتباره «تظاهرة حسية تعبر من خلالها الحياة عن وجودها واستمرارها وتجددها-وهي كذلك-تظاهرة محركها الأساس هو الإنسان الحي، هذا الإنسان الذي يعقل الأشياء ويحسها ويغضب ويقلق ويحزن، والذي يترجم هذه الأحاسيس اللامرئية إلى فعل حسي متطور، وهو رقص حينا أو عناء، أو تمثيل، أو نحت، أو عزف أو جنازة أو عرس، أو مظاهرة. ولهذا كان الاحتفال مرتبطا بحقيقتين، الحياة والإنسان وهما في حالات الفعل لا في حالة الثبات والسكون»(15).

الهوامش

1. زكريا إبراهيم،مشكلة الفن، القاهرة، مكتبة القاهرة، 1964، ص106.

2. الجيلالي الغرابي، توظيف التراث الشعبي في الرواية العربية، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر. 2010.ص45.

3. نك كاي، مابعد الحداثة والفنون الأدائية، ترجمة: نهاد صليحة، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999، ص131.

4. محي عبد الحي، الرقص الشعبي في النوبة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.2016،ص115.

5. لحسن موهو، الرقص الشعبي، دائرة الفولكلور المغربية، مجلة الفنون الكويتية. العدد46، السنة4، أكتوبر 2004. ص41.

6. حسام محسب،نماذج من أهم أشكال الرقص الشعبي العربي،مجلة الثقافة الشعبية البحرينية، العدد1/2008. ص83.

7. فوزي العنيل، الفلكلور ماهو؟ القاهرة، دار المعارف،1965، ص144،143.

8. عبد الكبير الخطيبي ،الاسم العربي الجريح، ترجمة محمد بنيس، منشورات عكاط، 2000، ص68.

9. ألكسندر كراب،علم الفلكلور،ترجمة رشدي صلاح،دار الكتاب العربي القاهرة.1967.ص464-467

10. عبد الله الهلالي، رقصة هوارة، مقاربة سيمولوجية واثنولوجية، ضمن مجلة الثقافة الشعبية البحرينية، ع50، السنة الثالثة عشر.صيف 2020. ص166.

11. عبد الرزاق المصباحي، موسيقى كناوة، مجلة العربي،ع 701 ،2017. ص135.

12. د.عبد القادر المحمدي. انتربولوجية الجسد الأسطوري، بحث في الهوية والامتداد، مطبعة فاس بريس، 2013، ص7.

13. Abdelkader Mana. Les regraga.Eddif Maroc.1988.p162.

14. إبراهيم الحيسن، رقصة الكدرة،الطقوس والجسد.، دار المقام.2007، ص13.

15. عبد الكريم برشيد، المسرح الاحتفالي، الدار الجماهرية للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى ،1989 / 1990.ص90/91.

الصور :

1. https://img.over-blog.com/600x481/1/50/59/42/album-Mario-Scolas----photos-du-Maroc/mario-scolas/mario-scolas-2471-1.JPG

2. https://i.ytimg.com/vi/2ptgbYCy7VU/maxresdefault.jpg

3. https://www.thereference-paris.com/upload/photo/news/0/1/600x338o/160.jpg?q=2

4. https://www.barlamane.com/wp-content/uploads/2020/06/art_populaire_12.jpg

5. https://i.ytimg.com/vi/U7_VIvs9vEs/maxresdefault.jpg

6. https://www.francetvinfo.fr/pictures/wWLMVGxLXHCgNNCPDbTlUe4nWlc/1200x1200/2019/06/25/phpIfMETd.jpg

7. https://i2.wp.com/www.housepresse.ma/wp-content/uploads/2019/07/87a7b87073.jpg?fit=950%2C640&ssl=1

8. https://i.ytimg.com/vi/CoFrm_kaRIw/maxresdefault.jpg

أعداد المجلة