فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
8

الهدية :الإطار المرجعي والممارسة قرية الديه بالبحرين نموذجا

العدد 8 - عادات وتقاليد
الهدية :الإطار المرجعي والممارسة قرية الديه بالبحرين نموذجا
كاتبة من البحرين

يتناول هذا البحث موضوع الهدية وهوعبارةعن دراسة اثنوغرافية لها باعتبارها أداة تقوي العلاقات الاجتماعية وتزيد الترابط الاجتماعي بين أفراد القرية سواء كانت هذه الهدايا معنوية او مادية وتختلف الهدايا باختلاف المناسبات التي تقدم فيها سواء دنيوية أم دينية وتأثير العادات والتقاليد والمعتقدات في تبادلها.

يتعلق البحث أساسا بمنطقة الديه وهي قريتي التي أعيش فيها والتي يبلغ عدد سكانها ما يقارب 5000/6000 نسمة وتقود إليها أربعة مداخل مدخلين على الجهة الشمالية ومدخلين على الجهة الجنوبية. أما سبب تسميتها فعرفت الديه بعدة تسميات فكان يطلق عليها في فترة من الفترات اسم (البدعة) وسبب هذه التسمية كما أخبرنا بعض كبار السن من القرية أن الديه كانت محط الأنظار في فصل الصيف قديماً لأنها قرية ساحلية وريفية فكان أهالي القرى الأخرى يقصدونها لقضاء الصيف في جوها البارد وريفها الخصب وساحلها اللطيف. فكانوا يبنون لهم منازل مؤقتة يطلق عليها (البدع) لأنها مبتدعة وليست دائمة. أما إسم الديه الحالي فهو كلمة فارسية معناها قرية صغيرة.

ومن مميزات قرية الديه كثرة البيوت المتلاصقة ببعضها البعض مما يساعد على تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع. ومن الملاحظ أيضاً كثرة الأزقة التي لا تستطيع السيارات المرور فيها. تكثر في قرية الديه المرافق العامة والخدمات القادرة على تلبية احتياجات الأفراد حيث تكثر حركة البيع والشراء بين الأفراد وتنتشر بشكل كبير المطاعم والمحلات التجارية والسوبر ماركت والبقالات ودور النشر والباعة المتجولون حتى أن بعض القرى المجاورة يقصدونها بكثرة لقضاء معظم احتياجاتهم.

مازالت قرية الديه متمسكة بالعادات والتقاليد مثلها مثل أي قرية في البحرين وتقوم بجميع الشعائر الدينية مثل الشعائر الحسينية والاحتفالات في المناسبات الدينية المختلفة.

ويهدف هذا البحث إلى:

1. التعرف  على  مفهوم الهدية  في المجتمع.

2. التعرف على أنواع الهدايا.

3. التعرف على المناسبات التي تقدم فيها الهدايا.

4. التعرف على المعتقدات المتعلقة بالهدايا.

5. التعرف على الأهداف التي يطمح لها الأفراد من وراء إعطاء الهدية.

6. التعرف على الهدايا التي نستطيع إهداءها والتي  لا  نستطيع .

مفاهيم الدراسة:

- الهدية،التعريف النظري :

هي الأفعال والخدمات أو الأشياء التي يقدمها الشخص لغيره من الناس دون أن يتوقع منهم أن يقدموا له أي مقابل لها.(1)

التعريف الإجرائي: هي تبادل أشياء مادية ومعنوية بين أفراد مجتمع ما.

- تبادل الهدايا:  (Gift exchange)الهدية هبة يقدمها شخص لآخر وكان تقديم الهدايا من الأساليب الهامة في توزيع الانتاج في المجتمعات القديمة وقد ظل فعالية اقتصادية هامة بين عدد كبير من الشعوب البدائية وخاصة بين الهنود الأمريكيين الشماليين وبعض شعوب (أوشينا) ويعتبر تقديم الهدايا الذي يتم في مناسبات خاصة كالزواج والأعياد والزيارات أمراً متوقعاً من الأشخاص اللذين يرتبطون بعلائق إجتماعية معينة. كما يقترن دائماً بتوقع رد الهدية لأن التقاليد الاجتماعية تفرض تطبيق مبدأ (المقابلة بالمثل) وقد يكون التبادل احتفالياً رغم أنه يكون مصحوباً بنوع من المقايضة ويذهب بعض الباحثين إلى أن تقديم الهدايا وردها من العلائق الاجتماعية وإنهما ينطويان على معانٍ رمزية ولذا فهما أمران لازمان ومتلازمان كذلك .وكان أول من درس الهدية دراسة أنثربولوجية اجتماعية هو (موس) وأول من درس التبادل الإحتفالي للهدايا دراسة أنثربولوجية مستفيضة هو (مالينوفسكي).(2)

- الرمز:(Symbol) للرمز مفهوم عام يشمل الأصوات والكلمات والإرشادات والحركات التي تمثل حقائق ترتبط بمفاهيم لا علاقة عضوية بينها وبين الرمز. والانسان هو الكائن الوحيد الذي يفهم الرموز ويستجيب لها .وتولي الانثربولوجيا الحديثة للرموز أهمية خاصة لأنها تصور (البناء الاجتماعي) والعلائق الاجتماعية لدى الشعوب كما تمثل أساليب تفكيرها وتصور مشاعرها.(3)

- القربان: يعرف هوبير القربان بقوله: هو عمل ديني يقوم عن طريق نذر أضحية بتغيير حالة الشخص المعنوي الذي يؤديه أو حالة بعض الأشياء التي يهتم بها أما مارسيل موس فيعتبرالقربان وسيلة متاحة أمام المدنس للتواصل مع المقدس بواسطة أضحية ما.(4)

- العادة الاجتماعية:(Custom)العادة الاجتماعية هي سلوك أو نمط سلوكي تعده الجماعة صحيحاً وطيباً وذلك بسبب مطابقته للتراث الثقافي القائم ويعد المصطلح عادة من المصطلحات الأساسية في الدراسات الاجتماعية والأنثربولوجية .وهناك عدة تعريفات لهذا المصطلح أهمها تعريف مالينوفسكي للعادة الاجتماعية الذي ينص على انها أسلوب مقنن من أساليب السلوك ويتم فرضه تقليدياً على أفراد المجتمع المحلي. بينما يقول سابير تستخدم كلمة عادة للدلالة على مجموع الأنماط السلوكية التي يحملها التراث وتعيش في الجماعة أما شبايزر فيقول يجب أن لا ما كان حياً منبعثاً عن الوعي الموحد للجماعة وما كان كل واحد من أبناء الشعب يعتبره مفيداً. لقد أوضح ريل أن السلوك يتحول إلى عادة عندما يثبت من خلال عدة أجيال ويتوسع وينمو ومن ثم يكتسب سلطاناً.

وقد قبل معظم الدارسين تعريف العادة كقوة معيارية وكظاهرة تتطلب الامتثال الاجتماعي بل الطاعة الصارمة فهي في ذلك رائدة للقانون ويقول فايس إن التاريخ يثبت بأن العادة قد تحولت إلى قانون وأن القانون قد تحول بدوره إلى عادة غير أن رادكليف براون يرى بأن كلاً من العادة والقانون يعدان معياراً ولكنهما يختلفان في نوع الجزاء المرتبط بهذا المعيار. فالعادة تفرض بواسطة عدم الرضا الاجتماعي على خرقها أما القانون فيفرض بواسطة القسر الاجتماعي الذي يترتب على خرقه.(5)

-  العلاقة الاجتمــــاعية:(Social Relation  Ship) وتتعلق بأي اتصال أو تفاعل يقع بين شخصين أو أكثر من أجل إشباع حاجات الأفراد الذين يكونون مثل هذا الاتصال أو التفاعل كاتصال البائع بالمشتري واتصال الطالب بالأستاذ واتصال القاضي بالمتهم... الخ.

وتستلزم العلاقة الاجتماعية توفر ثلاثة شروط أساسية هي :

1. وجود الأدوار الاجتماعية التي يشغلها الأفراد الذين يكونون العلاقة الاجتماعية.

2. وجود مجموعة رموز سلوكية وكلامية ولغوية يستعملها أطراف العلاقة الاجتماعية.

3. وجود هدف أو غاية تتوخى العلاقة الاجتماعية إشباعها والإيفاء بالتزاماتها.(6)

- النذر: هو التعهد بالقيام بعمل معين أو تخصيص حيوان ليقدم قرباناً إذا ما تحقق أمر معين وكان القربان يقدم استجلاباً للحظ الحسن. وقد جرت عادة بعض الرعاة على أن يقدموا ثوراً أو بقرة أو خروفاً إذا ما وصل عدد القطيع إلى مائة رأس. والنذر معروف في كثير من بقاع العالم وتتعهد بالوفاء به أم إذا شفى الله إبنها المريض أو إمرأة عاقر إذا رزقت بطفل أو أي انسان في كرب إذا فرج الله كربه أو مسافر إذا نجاه الله من أهوال السفر في البر أو البحر والجو. وقد يكون النذر تقديم ذبيحة أو التبرع بمبلغ من المال في وجه البر أو صيام أيام معينة أو اعتزال الناس والاعتكاف في مسجد من المساجد وقد تنذر الأم ألا ترجل شعرها أو تتزين حتى ترى أولادها يتبوّأون المكانة المرموقة التي تنشدها والنذر عهد والتزام مقدس يجب الوفاء به ومن يتقاعس عن أداء هذا الواجب يرتكب إثماً عظيماً.(7)

- المعتقدات الشعبية (Popular beliefs) هي مجموعة الأفكار التي يؤمن بها الشعب , فيما يتعلق بالعالم الخارجي و العالم فوق الطبيعي, وتمثل منظور الجماعة في حياتها الاجتماعية  وهي «نسق فكري يضم الاعتقاد والشعائر والطقوس وغيرها, يزود الشعب الخلق و الحكمة و الرشد في الأفعال»(8)

وقد اعتمدنا في هذا البحث المنهج الـتأويلي الرمزي : فقد أخضع جيرتز منهجه العلمي لطبيعة الدراسة التأويلية الرمزية التي يهدف إلى تحقيقها فهو من ناحية يهتم بتحليل أنساق المعنى المتضمنة في الرموز ومن ناحية أخرى يربط أنساق المعنى بالعمليات الاجتماعية وأنماط التفاعل الاجتماعي.

الإطار النظري لدراسة الهدية:

ومن منطلق اهتمام جيرتز بدراسة المعاني المتضمنة في الرموز أو الأفعال أو الأحداث أو الموضوعات فإنه طور الدراسة الاثنوجرافية وعمقها وجعل منها منهجاً أطلق عليه الوصف المكثف Thick description  الذي هو جوهر المدخل التأويلي الرمزي hermeneutic- interpretive ويحدد جيرتز أربع خصائص هامة تميز الوصف الأتنوغرافي المكثف وهي أولاً: أنه تأويلي ثانياً : أن ما يؤوله أو يفسره هو سياق الخطاب الاجتماعي وثالثاً: التأويل يضمن محاولة تأمين أوحماية ما «يقال» في مثل هذا الخطاب الاجتماعي من المواقف أو الظروف التي يمكن أن تمحى وذلك من خلال تثبيته في حدود أو كلمات أو مصطلحات يمكن تتبعها. رابعاً: إن مثل هذا الوصف يكون محلياً ومكثفاً ومن منظور تفصيلي دقيق microscopic أو يسعى للوصول إلى أدق التفاصيل.(9)

وتعمل الأنثربولوجيا التأويلية على مستويين الأول أنها تقدم تقارير مكثفة عن العالم الذي يعيش فيه الأفراد وهذه التقارير تكون من الداخل أو طبقاً لرؤى الأفراد أنفسهم ويعرف ذلك الاتجاه في الأنثربولوجيا بأسماء أو مصطلحات مختلفة مثل الدراسة من الداخل emic أو المعرفي Cognized أو التجربة عن قرب أو من وجهة نظر الشخص المواطن. ثانيا: التفكير والتأمل بإمعان في الأسس المعرفية والفكرية لهذه التقارير بغرض استنتاج الرموز أو أنساق الرموز والمعاني المرتبطة بها. ويعرف ذلك في الدراسات الانثروبولوجية بمصطلحات مختلفة مثل الدراسة من الخارج etic أو الاجرائية operational التي تخضع للملاحظة الموضوعية.ً

ويذهب كليفورد جيرتز إلى أن عملية التحليل الرمزي التأويلي تتلخص في معالجة الظاهرة المدروسة على أنها نص TEXT يمكن قراءته وأن قراءة النص هنا تعني العملية التي من خلالها تصبح الأنماط غير مكتوبة من السلوك والكلام (اللغة) والمعتقدات والتراث الشفاهي والشعيرة مؤلفة لنص متناسق ذي معنى وهذا النص ذو المعنى يمكن عزله عن الموقف الحالي الذي حدث فيه مع ربطه بمضمون ذلك الموقف بحيث يمكن قراءة وفهم ذلك النص فيما بعد وفي غياب الموقف ذاته ولكن ليس منفصلاً عن المضمون.(10)

وتسعى نظرية مارسيل موس إلى تحليل نظام التبادل عن طريق الهدايا من منظور ثقافي مميز حاول فيه دراسة الظاهرة الاجتماعية ككل. وبالرغم من أهمية الكثيرمن أفكار موس التي تتضمن تصوراته وإسهاماته في علم الاجتماع الاقتصادي إلا أنه أشار أيضاً خلال تحليلاته الى انتقادات عديدة للمداخل الفردية والنفعية في النظرية الاقتصادية. وتعد فكرته عن البناء الاجتماعي للهدايا The Social Structure of Gifts أحد الأفكار الهامة حيث رفض الفكرة القائلة بأن الهدايا ببساطة مجرد رمز يدل على الكرم Generosity وأكد أن  لها ثلاث سمات رئيسية من الالتزامات وهي:

1. الالتزام بتقديم الهدايا.

2. الالتزام بتسليم الهدايا.

3. الالتزام بإعادة دفع أو تقديم الهدايا.

كما تعكس فكرة موس عن الهدايا بعض التحليلات النظرية والفروض الهامة التي تقوم عليها الظاهرة الاقتصادية حيث تشير إلى الكرم ودفع الدين والمصالح والرعاية الاجتماعية والاستهلاك والتعاقد الاجتماعي. ومن ثم فإن تصوراته عن الهدايا توضح مجموعة متداخلة من النظم الاجتماعية التي لها أبعاد في دراسة البناء الاجتماعي ككل. ومن ناحية أخرى سعى موس لتحليل العلاقة المتبادلة بين تلك النظم الاجتماعية وخاصة عند تركيزه على الدور الاجتماعي والاقتصادي لنظم التبادل عن طريق الهدايا وهذا ما يتمثل على سبيل المثال في تصوره لفكرة دفع الدين حيث تشير عملية إعادة دفع الهدايا إلى الدائن كنوع من الالتزام للدفع وتسليم الهدايا إلى أصحابها في المستقبل وهذه الظاهرة ترتبط بالكثير من المظاهر والبناءات الاجتماعية المختلفة والتي تختلف عملية حدوثها عن طريق الدفع أو التسليم بين أفراد المجتمع أو الجماعات الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق لا تبدو عموما عملية تفسير سبل وكيفية دفع وتسليم الهدايا في المستقبل شيئاً بسيطاً واعتبارها مجرد نظام معين يدل على العلاقة بين الافراد بقدر ما تحمل الكثير من المعاني والعلاقات الاجتماعية ودرجة القرابة علاوة على ذلك أن نظام تبادل الهدايا يعكس مرحلة تاريخية واجتماعية لتطور المجتمعات والعلاقات الاجتماعية وتختلف صور تقديم الهدايا حسب طبيعة المجتمع ونوعية العلاقة وأهدافها وهذا ما يجعل تحليلات النظرية الاقتصادية بعيدة تماماً عن دراسة الأبعاد الاجتماعية الحقيقية للظواهر والنظم الاقتصادية مثل نظام الهدايا التي أشار إليها موس في تصوراته عن الهدايا ونظام الالتزام المتعدد الجوانب في المجتمع وطبيعة القوانين العرفية والعادات والتقاليد التي ظهر فيها هذا النظام وأدى إلى تطوره في صورته الحديثة في الوقت الحاضر.

إن تحليلات موس عن نظام الهدايا توضح الأبعاد المتعددة لواقع النظم والانشطة الاقتصادية وتطورها خلال المراحل المختلفة للمجتمعات البشرية كما تكشف أيضاً عن نوعية إسهامات موس في علم الاجتماع الاقتصادي وإلى أي حد يمكن الاستفادة من المداخل السوسيولوجية في دراسة الظواهر والمشكلات الاقتصادية كما تعكس هذه التحليلات طبيعة العلاقة بين علم الاجتماع الاقتصادي وغيره من العلوم الاجتماعية الأخرى ولا سيما علم الأنثربولوجيا.(11)

الهدية :تعريفها وأنواعها:

 الهديّة .. معنى سام جميل ..  يزيد في النفوس المحبة والود .. وينزع ما فيه من بغضاء وتشاحن ويزيد الترابط الاجتماعي قوةً والهدية نوع من أنواع التبادل الرمزي الذي تكلم عنها بير بورديو  ومارسيل موس وغيرهم.

وللهدية عدة تعاريف من نواح متعددة مثل تعريفها لغة واصطلاحاً ودينياً وأيضاًعرفيا.

تعريف الهدية لغة:

أما الهدية: فإنها ما أتحفت به، والتهادي: أن يهدي بعضهم إلى بعض، يقال: أهديت له وإليه، والجمع هدايا، وهداوى، وهداوي، وهداوٍ كما هي في بعض روايات أهل اللغة، والهدية: مفرد هدايا، يقال: أهدى له وأهدى إليه، كلاهما صحيح، فيتعدى الفعل باللام وإلى، ويقال: أهدى الهدية إلى فلان، وأهدى له هدية، أي: بعث بها إكراماً له. ويقال أيضاً: أهديت العروس إلى بعلها، أي: زفت إليه، وهادى فلانٌ فلاناً أي: أرسل كلٌ منهما هدية إلى صاحبه.(12)

تعريف الهدية اصطلاحاً:

«فهي تمليك في الحياة بغير عوض» (انظر: المغني 8/239).

وقال في (المجموع شرح المهذب 15/370): «والهبة والعطية والهدية والصدقة معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض واسم العطية شامل لجميعها وكذلك الهبة.

والصدقة والهدية متغايران، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.(13)

تعريف الهدية دينياً:

ذكر الهدية في القرآن

وقد جاء في القرآن الكريم ذكر الهدية، فقالت ملكة سبأ- بلقيس - لما خافت من سليمان عليه السلام، قالت للملأ من حولها: }وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون{َ (النمل:35-36). فأرادت استمالة قلب سليمان لدفع الضرر عنها، وأرادت مصانعته، وأن تثنيه عن دعوته لها ولقومها وتهديده لهم، وسليمان لم يقبل الهدية؛ لأنها لم تكن لوجه الله، ولا كان فيها معروف، وإنما أرادت إيقافه عن الجهاد وقتال هذه البلدة وهي اليمن، فلما رأى سليمان عليه السلام أن هذه الهدية ليس فيها خير ولم يرد بها وجه الله ردها، وقال: }بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ , ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا{(النمل:36-37) ليعلموا أننا نريد الجهاد وإقامة الدين، وليست القضية مجاملات وهدايا، كما هي العادة بين الملوك: }ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ{ (النمل:37) حتى لا ينخدعوا بحطام هذه الدنيا أو يظنوا أننا نغتر بالهدايا أو أننا سنترك الجهاد لأجل هديتهم: }ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا{ (النمل:37).

ومما يدخل -أيضاً- في الهدية مثل العطية والهبة، أو مما يقرب من معناها ما جاء في قوله تعالى: }وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً{ (النساء:4) فالله عز وجل أمر بإيتاء النساء المهور. }وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً{ (النساء:4) ومعنى نحلة: عطية عن طيب نفس. وقال: }فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء{ٍ (النساء:4) وهبنه لكم، وتنازلن عنه لكم: }َإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً {(النساء:4) فإذا تنازلت عن جزء من الصداق لزوجها أو أعطته إياه بعدما استلمته منه دون ضغط منه ولا إكراه، وإنما عن طيب نفسٍ منها ورضا: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (النساء:4) ولذلك جاء عن بعضهم أنه قال: إذا أردت أن تستشفي فاستوهب درهماً من زوجتك عن طيب نفسٍ منها، ثم اشتر به عسلاً، وهاتِ إناءً واجمع فيه من ماء المطر، ثم اقرأ القرآن وأذب العسل فيه واشربه، قال: أما ماء المطر فإنه ماءٌ مبارك، والعسل فيه شفاءٌ للناس، والقرآن -أيضاً- فيه شفاء، ودرهم الزوجة هنيئاً مريئاً، فإنك تبرأ بإذن الله.(14)

ذكر الهدية في السنة

والهدية قد وردت في السنة النبوية، وجاء النص عليها لما لها من الأثر العظيم في النفوس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) وقد رواه البخاري في الأدب المفرد وقال ابن حجر : إسناده حسن. ولا شك أن الهدية سببٌ للمحبة وتآلف القلوب، وكان التابعون يرسلون بهداياهم، ويقول الواحد لأخيه الذي يهديه: نحن نعلم غناك عن مثل ذلك، وإنما لتعلم أنك منا على بال، يعني: نحن نعلم أنك مستغن عن هديتنا، ولكن لتعلم أننا نقدرك وأن لك في أنفسنا مكانة،

قال أحدهم:

 إن الهدايا لها حـظٌ إذا وردت أحظى من الابن عند الوالد الحدبِ

يكون لها مكانة في النفس إذا جاءت.

 وقال آخر:

إن الهدية حلوةٌ كالسحر تجتذب القلوبا

تدني البغيض من الهوى حتى تصيره قريبا

وتعيد مضتغن العداوة بعد نفرته حبيبا

وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى كراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت) وهو في صحيح البخاري.(15)

تعريف الهدية في العرف:

الهدية تعبير مادي يقصد تبليغ رسالة من مقدم الهدية، بأن من قدمت له يحتل مكانة مميزة في قلب من أهداها له؛ ومن ثَمّ فإن تأثيرها يكون في القلب قبل أي شيء· والهدية غالبا ما تكون شيئا ماديا، ولكنها أيضا قد تكون شيئا معنويا،لذلك فهي خطاب للنفس والقلب.

وللهدية أبعاد مهمة في الحياة الاجتماعية وهي ظاهرة اجتماعية تشترك فيها كل الشعوب مهما اختلفت ثقافتهم وديانتهم، المغزى من ورائها حفظ الترابط الاجتماعي والعلاقات الطيبة بين أفراد المجتمع واستمرارية التواصل بين أفراد الاسرة والأصدقاء. وهذا ما أكدته بعض النساء اللاتي سألتهن عن الهدية حيث تقول « أم علي « إن الهدية هي أحد الأبواب التي تساعد للدخول إلى قلوب الآخرين فهي كما قالت» تلين القلب» أي أنها تجعل القلب يلين إذا كان قاسياً.

وتقول أميرة «موظفة» تعد الهدية معنى يشعر الإنسان من خلاله بقيمته بين أهله وأصدقائه عندما يتذكرونه في المناسبات التي تخصه وقد تعودنا على أن الهديةلا ترد مهما كانت قيمتها لأنها تعني التذكر والاهتمام والحب والمودة.

وكما يقول الشاعر

هـدايـــا النـــاس  بعضـهــم لبـعــــــض

تولــــــــــد في قلوبهــــــــــم الوصـــــــــــالا

 وتـزرع في الضــــمـــير هـــــــوى وودّا  

 وتكســـوهم إذا حضــــــــــروا جــمــــــــــــالا

مسميات للهدية:

هناك عدة مسميات تدخل ضمن نطاق الهدايا وتعتبر بمثابتها يقدمها الناس كهدية كالهبة والمكافأة والعطية وغيرها .

 الهبة:

الهبة بالمعنى العام هي تمليك شيء للغيربلا عوض.

والهبة تشمل الهدية والصدقة فإن قصد منها طلب التقرب إلى الله تعالى بإعطاء محتاج فهي صدقة وإن حملت إلى مكان المهدى إليه إعظاما له وتوددا , فهي هدية وإلا فهي هبة .

وروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: «أنت بالخيار في الهبة مادامت في يدك، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها».

 الرزق:

كلمة الرزق تعني العطايا التي ليس للإنسان خيار في قبولها أو رفضها فهي تأتي من عند الله سبحانه وتعالى فأصل كلمة الرزق أتت من أحد أسماء الله تعالى ألا وهو «الرزاق» والرزاق هو من غلبت نعمه شكر العباد، ولا يصح إطلاقه إلا على الله سبحانه وتعالى. والرزق نوعان النوع الأول هو رزق مادي وهو رزق ظاهر للأبدان كالأقوات والمال ورزق معنوي هو الرزق الذي يتمثل في نور الإيمان.. التوكل على الله.. الرضى بالله.. الخشية.. الخشوع.. الزهد.. الخوف.. الرجاء.. الفتح.. العلم النافع.. العمل بالعلم النافع.. الإخلاص.. تعليم الناس.. خدمة الدين.. الأخلاق.. حيث يقول الكثيرممن توجهنا إليهم بالسؤال إن هذه أرزاق يكرم الله تعالى بها من يكرم وهذا الرزق يكون هدية من عند الله سبحانه وتعالى فالوالدان عندما يدعوان الله بأن يرزقهما الذرية الصالحة وعندما يرزقهما الله الطفل يكون ذلك بمثابة هدية من عند الله إلى هذين الوالدين.

 المكافأة:

من خلال سؤالي عن المكافأة تبين لي أن المكافأة هي الهدية التي ينتظرها الشخص مقابل قيامه بعمل ما ويكون هذا الشخص يستحق أن يكافأ مقابل قيامه بهذا العمل كالهدية التي يكافأ بها الطالب عندما يكون من المتفوقين.أو الهدية التي يكافأ بها العمال على حسن عملهم وإخلاصهم.

 العطية:

هي الهدية التي تعطى من شخص إلى آخر دون مبرر أو دون مناسبة تسمى عطية والتي يكون المعطي فيها لا ينتظر عطية أخرى من المعطى إليه مقابل إعطائه هذه الهدية. وتعتبر العطية  من مرادفات الهدية.

 التبرعات:

وهي الأشياء المادية التي يهديها الشخص إلى مؤسسة أو شخص ما ولا ينتظر من ورائها مقابلا ماديا في الحياة الدنيا وإنما يهديها لينال الثواب والجزاء الحسن في الآخرة ومن ضمن التبرعات تكون الصدقة وهي تختلف عن الهدية في أن الشخص الذي يتصدق لا ينتظر المقابل في حياته وإنما ينتظر الثواب والجزاء في الآخرة حيث يقال «إن الصدقة تلامس يد الله قبل أن تلامس يد الفقير الذي سوف تعطيه الصدقة» أما الهدية فإنه ينتظر رد الهدية إليه بالمثل في حياته.

أنواع الهدايا:

هناك نوعان من الهدايا وهما الهدايا المادية والهدايا المعنوية :

 الهدايا المادية:

هي الهدايا التي تكون محسوسة وملموسة والتي تعيش طويلاً والتي كلما نظر إليها ذكر من أهداها والمناسبة التي قدمت فيها .

 والهدية تترجم مدى أهمية الشخص عند الأشخاص الآخرين الذين تربطه بهم علاقات اجتماعية بغض النظر عن الوضع الاجتماعي.  ويحضرني مثل شعبي يقول «أنا غنية وأحب الهدية».

وهناك بعض الأشخاص ينظرون إلى الهدية بقيمتها والمكان الذي تم شراؤها منه حيث أن البعض يقيس معزته بالحجم والقيمة المادية للهدية.

في حياتنا مواقف كثيرة ..ومناسبات عديدة. «كالأعياد، الزواج،الولادة،السفر....الخ» تكون الهدية هي الناطق فيها وهناك مشاعر تمر علينا لا نستطيع أن نبوح بها لكن تبقى الهدية التعبيرالوحيد عن مشاعرنا .

وليكون إهداء الهدايا المادية مؤثراً في الشخص الذي تهدى إليه  لابد أن تصحبها هدايا معنوية :

 الهدايا المعنوية:

الهدايا المعنوية تكون غير محسوسة و يكون تأثيرها كبيراً على النفس أياً كان شكلها وهناك عدة أنواع من الهدايا المعنوية نذكر منها ما يلي:

* الكلمات الخاصة بالمناسبة التي يقدم فيها الشخص الهدية والتي قد تكون قيمتها أكبر عند الشخص المهدى إليه كالكلمات التي يقولها الشخص في مناسبة عيد الميلاد «كل عام وأنت بخير» «كل سنة وأنت طيب» «كل عام وأنت إلى الله أقرب»  والكلمات التي يقولها الشخص في الأعياد كعيد الأضحى وعيد الفطر»عيدكم مبارك، عساكم من عواده» وفي مناسبة الزواج « متباركين» «منه المال ومنش لعيال» «إنشالله تكونين مرت عمره ورجل عمرش» ... الخ. هذه الكلمات لها تأثير كبير في نفس متلقي الهدية حيث أن الشخص متلقي هذه الكلمات تتضح له منزلته في نفس مقدم الهدية من خلال نبرات صوته وتعابير وجهه ووقت قوله لتلك الكلمات.

 الابتسامة: هي أقدم وأسرع وسيلة للتواصل عرفها البشر وتعتبر الابتسامة إحدى لغات الجسد، ووسيلة من وسائل الاتصال غير اللفظي لدى الكائن البشري . فالابتسامة سلاح قوي وفعال يستخدمه الإنسان منذ طفولته للاقتراب والتودد للآخرين .وقد مثلت الابتسامة بالصدقة  حيث يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم « الابتسامة في وجه أخيك المؤمن صدقة» ووضحنا في بداية الدراسة أن الصدقة نوع من أنواع الهدايا التي لا ينتظر منها مقابل في الحياة الدنيا. والابتسامة يكون لها تأثير إيجابي في الآخرين قد يكون أكبر من الهدايا المادية. وكما يقال الابتسامة هي جواز السفر إلى القلوب.

 الدعاء: الدعاء هو تعبير عن ظاهرة روحية مستقلة تنطلق من إحساس النفس المؤمنة بعظمة من تلجأ إليه، وعبوديتها له، وحاجتها للارتباط به .

وعلى هذا الأساس فهو أقرب شعائر الإيمان للخالق العظيم، والصلة المشتركة بين بني الإنسان بمن يتصلون به. ويكون الدعاء هدية معنوية عندما يقدم من شخص لآخر مريض فيدعو  له بالشفاء. فهو بذلك يقدم له هدية إذ هو يدعو الله تعالى ويتقرب منه من أجل هذا الشخص المريض. وكذلك عندما يقول لك شخص  ادع لي عندما يكون في شدة وضيق. وتقوم أنت بالدعاء له وتقول له بأنك قمت بالدعاء له فهو بعد ذلك سوف يفرح ويسعد وترتاح نفسه إليك وكأنك قدمت له هدية . فسوف تقوى العلاقة بينك وبين هذا الشخص .ذلك أن الهدايا المعنوية تقوي العلاقات الاجتماعية وتزيد الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع. لكن في واقعنا اليوم لا يعير الناس الهدايا المعنوية أهمية بالغة فهم يسعدون بها ولكن لا يفرحون بها فرحتهم بالهدايا المادية لأنها تقاس قيمتها .وكلما زادت قيمتها شعر الشخص أن قيمته أكبر في نظر المُهدي.

أهداف إعطاء الهدية

هدايا المحبة:

الهدية رسالة رقيقة تحمل بين طياتها الكثير من معاني المودة والألفة وتساعد على تعميق الروابط الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء.ليس المهم أن تكون الهدية غالية الثمن لكي تكون جذابة ومؤثرة، فمن الممكن أن تكون هدية  بسيطة وتعطي صورة عن مدى تقديرنا لمن سنقدمها له. ومن أجمل أنواع  الهدايا  تلك التي تعبر عن المحبة مثل الهدايا التي تهدى بين الأزواج والخطيب وخطيبته والأبناء إلى أمهم والهدايا التي تهدى بين الأصدقاء التي تكون ولو بكلمة حلوة ولفظ محبب ووصف جميل وتزداد الهدية قيمة كلما كانت مصحوبة بتعبير صادق عن مشاعر موجودة حقا وليس نفاقا .

فإن الهدية نوع من تكوين العاطفة الإيجابية تجاه الآخرين والتعبير عن تلك العاطفة أمر مهم وقد نص ديننا الإسلامي على الحب والتراحم والتفاهم . فالهدية تؤلف بين القلوب وقد أمرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالتهادي .

وللهدية تاريخها في سحر العيون، فهي لمحة من أفنان جنّة الدنيا وزخرفها، يسعد الإنسان عند رؤيتها، وهي رمز للمشاعر الجيّاشة التي تنمّ عما تكنـّه صدورنا من حب وتقدير واحترام، فتدوم بدوامها في قلوبنا، وتبقى ببقائها في عيوننا، تلطفنا الهدية دائماً بسحرها الحاضر المضيء والذي لا تزعزعه فتنة ولا محنة، ولا تحرّكه أعاصير اللوم والعتاب.

ولا يجب ان تقتصر الهدايا التي نعبر فيها عن محبتنا ومعزتنا لشخص ما على المناسبات الكبيرة، مثل حفلات الزفاف والخطوبة والنجاح في الدراسة، او الانتقال إلى بيت جديد، وغيرها من الأمور لتقديم هدية، كونها في هذه الحالات تتحول إلى عملية أقرب إلى «الواجب» لذلك لا بأس أن نعبر عن حبنا أو امتناننا لشخص قريب، من حين لآخر، من خلال هدايا بسيطة ورمزية تجدد أواصر المحبة وتوطد العلاقات التي قد يعتريها بعض الفتور بسبب انشغالنا بروتين الحياة اليومية، إضافة إلى أن عنصر المفاجأة يكون له وقع جميل في هذه الحالات.

هدايا التفاخر:

تشكل الهدية رمزا ومعنى هاماً في الأعراف الاجتماعية وتحرص أغلب الأسر أو الأشخاص على تقديمها. وعبر العصور اختلفت الأهداف من الهدايا وقيمتها الإنسانية والاجتماعية وصارت في وقتنا الحالي نوعاً من المباهاة والافتخار. وأصبح مألوفاً أن تستعرض المهدى إليها الهدية أمام صديقاتها أو زميلاتها وأصبح أغلب الرجال يتباهون بالهدية أمام زملائهم مما يجعلها تفقد قيمتها وتفقد أهمية صاحبها.

«عبدالله» أشار إلى أن الهدية تعتبر من أغلى الأشياء لدى الإنسان وتترك في ذاكرته ذكرى طيبة لا ينساها بل إنها تعدت ذلك إلى الحرص على إرجاع هدية تفوقها قيمة .ولكن في الآونة الأخيرة فقدت الهدية الكثير من بريقها وأصبحت نفاقاً أكثر من كونها معزة وتقديرا، أي إن الهدية أصبحت من قبيل الواجب وصار الكل يلتزم بها في المجتمع وليس حباً في إهداء الهدية.

وما نلاحظه الآن أن الهدايا تقدم على حسب المستوى المادي للمهدى إليه. فإذا كان الشخص الذي سوف تقدم له هدية ذامكانة مرموقة وميسورا فستشترى له هدية غالية الثمن حتى لا يبدوالمهدي أقل مستوى منه وحتى لو كانت الهدية عبئاً ماديا عليه. وعلى عكس ذلك فإذا كان من ستقدم له الهدية مستواه المادي منخفضا فإن الشخص الذي سوف يقدم الهدية سوف يشتري له هدية رخصية تتناسب مع مستواه المادي.

وهناك بعض الفئات من الناس ينتظرون أقرب فرصة ومناسبة لرد الهدية وتكون دائماً الهدية أفضل وأغلى من الهدية التي قدمت لهم وبالخصوص إذا كانت الهدية التي قدمت لهم لم تعجبهم. فهم بذلك كأنهم يوجهون رسالة إلى من قدم لهم الهدية إنهم ليسوا محتاجين إلى هديته أو أن الهدية ليست من مستواهم المادي. وهذا ما أكدته «أمل» وهي طالبة في المرحلة الثانوية أشارت إلى  أنه في الوقت الحالي لم يعد للهدية قيمة. ففي السابق كانت تشكل شيئاً غالياً وعزيزاً حتى ولو كانت رخيصة الثمن. وفي الوقت الحالي لو أهديت أحدهم هدية فإنه يرغب أن تكون من أغلى الأنواع وأفخرها لكي يتباهى بها أمام أهله وأصدقائه.

ولا يخفى علينا أن الأشخاص الذين يحبون أن يتفاخروا بالهدايا يشترونها عادة غالية الثمن وتكون دائما عبئا مادياً حتى لو اضطروا إلى «السلفة» على حد تعبير المجتمع المحلي وتعني (الاقتراض). وأيضاً يعلنون دائما أمام الناس أنهم قدموا هدية من «المحل الفلاني» وب «السعر الفلاني» إلى هذا الشخص لكي يبينوا إلى الناس أنهم لا يقبلون الهدايا البسيطة أو الرخيصة وهم بذلك يقدرون الهدايا على حسب سعرها أي يهتمون بالهدايا المادية منتزعين القيمة المعنوية للهدية ومتناسين أنها إن لم تكن بقيمتها المعنوية تفقد معناها الرمزي.

هدايا المصلحة:  

هي الهدايا التي يقدمها الشخص وينتظر من ورائها عملا معينا أو مصلحة معينة وهي بذلك تكون هدية أقرب إلى الرشوة ذلك أن الشخص يعطي الهدية ليقوم آخر بعمل قد يكون محتاجا إليه ولن يقوم هذا الشخص بالعمل إلا بإعطائه هدية معينة. وفي أغلب الأحيان يكون مستلم الهدية لا يعلم ما تخفيه هذه الهدية ويقوم لا شعورياً بعمل ما يريده مقدم الهدية تقديرا وامتنانا لإعطائه إياها.

هدايا البغضاء:

هي الهدايا التي يقدمها أشخاص معينون إلى أشخاص آخرين ليس حباً فيهم ولكن لأنهم يكرهونهم  ويضمرون لهم الشر وبالخصوص الهدايا التي تكون من الأطعمة والألبسة حيث تؤخذ هذه الهدايا إلى مشعوذين أو «أصحاب أعمال» ويقرأون على هذه الهدايا أشياء قد تؤذي من سوف يستخدمها وتصيبه بالمرض. لذلك يحترس البعض من استخدام الهدايا التي قد تعطى لهم من أشخاص تكون معهم عداوة لأنهم يضعون هذه الأشياء في حسبانهم.

تتعدد المناسبات التي نسعى فيها إلى تقديم الهدايا لنعبر عن صدق مشاعرنا واهتمامنا تجاه الآخرين حيث أن لكل مناسبة هدايا تعبر عنها وتليق بها وتنقسم هذه المناسبات إلى مناسبات دينية ومناسبات دنيوية مرتبطة بدورة الحياة .

مناسبات تقديم الهدايا والمعتقدات المحيطة بها:

* هدية عيد الفطر:

تتعدد أنواع الهدايا في عيد الفطر السعيد خاصة أنه يأتي بعد شهر رمضان شهر الصوم وكذلك يأتي بعد مدة طويلة من آخر عيد ألا وهو عيد الأضحى. ومن أهم أنواع مظاهر العيد التي تعبر عن الهدايا هي العيدية وصلة الرحم وغيرها .

العيدية: في العيد يقوم الكبار بإعطاء صغارهم عيدية العيد، وهي غالبا ما تكون مبلغا من المال.. والعيدية كلمة عربية منسوبة إلى العيد بمعنى العطاء أو العطف فيأخذ الأطفال «العيدية» من الأقارب، كالجد والجدة والأعمام والأخوال، والتي تضاف إلى «العيدية» التي يقدمها الأب والإخوة الكبار صباح أول أيام العيد. وهي هدية من الكبار إلى الصغار في صباح أول أيام العيد كذلك يقوم الأبناء المتزوجون بإعطاء أمهاتهم مبلغاً من المال في يوم العيد وأيضاً بعض أنواع أخرى من الهدايا كالملابس الجديدة والعطور والحلي. تعبرالعيدية عن اهتمام الأبناء بالأباء خصوصاً إذا كانوا كباراً في السن وتعبر كذلك عن التقدير والاحترام والشكر على ما بذلوه في السنوات السابقة  لأبنائهم .

وكذلك زكاة الفطرة التي تعتبر هدية  للمستحقين من الفقراء والمساكين تعطى لهم يوم العيد حيث إن زكاة الفطرة توجب بدخول ليلة العيد ويجوز تأخيرها إلى زوال الشمس يوم العيد إذا تم عزلها أي عزلها عن المال الأخر.16 ويكون مقدار زكاة الفطرة للشخص الواحد بقيمة كيلو أرز في تلك الفترة حيث إن رب البيت وفي أغلب الأحيان يكون الأب من يدفع عن كل شخص يسكن في نفس المنزل ويجمع المبلغ ويعطى إلى الفقراء في يوم العيد. والهدف من ذلك كما ذكرت سابقاً إدخال الفرح في قلوب هؤلاء الفقراء كفرحة الأطفال بالعيدية.

ولا ننسى صلة الرحم للأهل والأصدقاء والأقارب في يوم العيد حيث تصبح صلة الأرحام في العيد فرصة لجلسة مليئة بالود والحب والذكريات العائلية التي تبتهج بها القلوب ويفرح بها الصغار الذين يقرنون في أذهانهم روح الترابط العائلي بالعيد، بعد أن أصبحت صلة الأرحام حلقة مفقودة في حياة مثقلة بالشواغل والهموم والأعباء. فهذه الزيارات تفرح  الأشخاص وكأنك أعطيتهم هدية بزيارتك لهم فيشعرون بالفرح والسعادة لتذكرك لهم في هذه المناسبات السعيدة.

ومن أهم الهدايا يوم العيد التي تبث روح التآلف بين الأهل والأقارب والجيران في «الفريق» أو الحي الواحد  هي أطباق الغذاء التي توزع بين بعضهم البعض من غذاء العيد .ففي أغلب الأحيان يكون غذاء العيد مميزا ويكون معدا من اللحم أو الدجاج في معظم الأحيان. ويكون نادراً من السمك.و كل ربة منزل تعطي جارتها من غذاء العيد فتفرح هذه الجارة كثيراً بهذا الطبق الذي يمثل لها هدية من عند جارتها في يوم العيد .وهي تقوم في نفس الوقت بإعطاء جارتها طبقا آخر من غذاء العيد.

* هدية عيد الأضحى

يعتبر عيد الأضحى العيد الأكبر للمسلمين جميعاً  وتعتبرهدايا عيد الأضحى مثل هدايا عيد الفطر ما عدا الأضحية. إذ يقوم البعض بذبح بقرة أو عجل أو خروف كأضحية وتسمى «دفعة للبلاء» وتعني كف الأذى والسوء عن صاحب الأضحية لمدة سنة كاملة إلى أن يأتي العيد في السنة التي تليها. ويذبح أضحية أخرى، ويوزع اللحم هدية إلى الفقراء. أما الذين لا يستطيعون فإنهم يقومون بصنع «الضحية» حيث إن الضحية تكون أرخص ثمناً ويمكن صنعها في المنزل على عكس ذبح بقرة او عجل حيث يتطلب مبلغاً من المال لا يستطيع الكل دفعه لأضحية العيد والتي تعتبر هدية يقدمها الأطفال نقوم بشرائها أو صنعها بأنفسنا. وهي من أشهر القرابين في التراث الشعبي البحريني حيث يقوم الأطفال بتقديم الأضحية (الحية بيه) في عيد الأضحى المبارك . واختلفت مسميات الحية بية فالبعض يسميها الضحية والبعض الحية بية ولكنهما تشيران إلى نفس المعنى.

«الحية» تعني الحجة أي القفة الصغيرة المصنوعة من سعف النخيل التي يقوم الأطفال بزرع  بعض الحبوب فيها كالشعير والقمح وبعض العدسيات كالماش والحبة الحمرة والزنجبيل الأخضر وتعلق بحبل على عمود مستعرض في المنزل لكي تتعرض لأشعة الشمس والهواء لتنمو بشكل صحيح.

ويتنافس الأطفال على العناية بهذه النبتة من أول يوم من ذي الحجة بالري يومياً صباحاً ومساءً وتعليقها في مكان معرض للهواء الطلق وتصله الشمس بشكل مباشر حتى تظهر فيها النباتات وتنمو ويتفاخر الأطفال فيما بينهم بنمو « الضحية» وحسن عنايتهم بها.

في اليوم العاشر وهو يوم العيد أو يوم الحادي عشر من ذي الحجة وهو ثاني ايام عيد الأضحى المبارك يذهب الأطفال بعد غروب الشمس إلى سواحل البحر لرمي الأضحية «الحية بية» نسبة للأضاحي التي يقدمها الحجاج في مكة وتيمناً بما قام به نبي الله إبراهيم عليه السلام مع إبنه اسماعيل عليه السلام.

وقبل أن يرمي الأطفال «حياتهم أو أضحياتهم» بعيدا قدر استطاعتهم في مياه البحر وكأنهم في سباق فإنهم يودعونها بتقديم هدية لها وتأتي هنا دور المنافسة بين الأطفال فالبعض يقدم الأرز «العيش» والبعض الآخر اللحم وآخرون البيض والفواكه وهكذا. 

إن رمي الحية بية في البحر يعود إلى مئات السنين حيث كانت البحرين تعتمد على البحر بشكل كبير.فعندما يذهب الرجال إلى الغوص ويغيبون بالأشهر ويأتي العيد ولا يكونون مع أهلهم  يعتقد الأهالي بأن صنع الحية بية ورميها في البحر يرضي البحر فيرجع بذلك لهم أهلهم. فالبحر غدار وبهذه الهدية سوف لن يفعل شيئا بهم. كذلك كان الحجاج يذهبون باللنجات (السفن)إلى الحج لذلك عند رمي الحية بية يقول الأطفال ضمن الأغنية الخاصة بهذه المناسبة «حجي بي» أي أن تأخذهم إلى الحج مرة أخرى في السنة القادمة .وبذلك يكون للحية بية وظيفة أخرى وهي طلب الأمنيات عن طريق البحر. أما الآن فمع التطور واندثار مهنة الغوص فمازالت هذه العادة متوارثة جيلا بعد جيل فقد أصبحت هذه العادة من التقاليد والمعتقدات التي يهتم بها الأشخاص في القرية.

أثناء رمي الحية بية يردد الأطفال بعض الأهازيج الخاصة بالحية بية وتختلف هذه الأهازيج من منطقة إلى  أخرى وهذه خاصة بمنطقة البحث:

يا حييته يا بيتيه.. راحت حية ويات حية

على درب الحنينية... عشيتش غديتش

نهار العيد لا تدعين عليه..

ضحيتي ضحيتي.. حجي بي حجي بي

إلى مكة إلى مكة... زوري بي زوري بي

وزوري الكعبة... المعمورة

أم السلاسل والذهب ...

والنورة والنورة..

الله وياش يا ضحيتي... الله وياش يا ضحيتي

حلليني وابري ذمتي... حلليني وابري ذمتي

حجي بي حجي بي... راحت بي وجات بي

يا حيتي حجي بي... بيت مكة وديني

عشيتش وغديتش... نهار العيد لا تدعين علي

حلليني وابري ذمتي... مع السلامة يا حيتي

 

هدية عيد الغدير

لقد وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أعتاب غدير خم في حر الهجير آخذاً بيد أخيه علي (ع) وخاطباً لذلك العدد الهائل و الغفير من المسلمين قائلاُ : «يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

وحسب المذهب الشيعي في 18 من ذي الحجة من كل عام تحتفل الطائفة الشيعية «بعيد الولاية» (عيد الغدير) وبهذه المناسبة العظيمة في ليلة عيد الغديريحتفل الناس في المآتم والمساجد حيث يتم قراءة تنصيب أمير المؤمنين خليفة من بعد رسول الله (ص) .

 وتوزع المأكولات والمشروبات في الشوارع على المارين بالسيارات أو سيراً على الأقدام وتهدى الرسائل التلفونية بين بعضهم البعض ومن هذه الرسائل:

- على الكل بديتك  وبالغدير هنيتك وعسى عيدك سعاده وعساك دوما من عواده

- عسى درب الهنا دربك  وبهالليله يمتحي ذنبك  وابعث تهئنة بعيدالغدير  من قلبي الى قلبك

- لك من القلب رساله أهنيك فيها بعيد الولايه وأدعو ربي يثبتنا للنهايه متباركين.

وفي هذا اليوم تهدى أيضاً المصافحة بين الإخوان والأصدقاء من الطائفة الشيعية حيث يوضع كل شخص إبهامه لصيقاً بإبهام الآخر ويقول كل شخص إلى الآخر «الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب والولاية والحماية لأمير المؤمنين علي إبن أبي طالب وأولاده الطاهرين وعيدكم مبارك» . وهو بذلك قد قدم هدية  في الدنيا يكون سعيداً بها أكثر في الحياة الآخرة.

والأفضل في المصافحة أن تكون في البداية مع السادة أي اللذين من نسل رسول الله (ص) وبعدها مع عامة الناس.

ولا ننسى الهدية الأكبر التي يقدمها الشيعة في هذا اليوم وهي الهدية التي يقدمونها إلى أمير المؤمنين علي (ع) وهي تجديد البيعة إليه والبقاء على ولايته إلى يوم القيامة.

هدية مولد الإمام المنتظر (الناصفة)

تلبس القرية أفخر الثياب، وتكتسي حلة بهيّة، وتتعطر بالورد المحمدي، وتزف التهنئة إلى مقام النبي الأعظم وآل بيته الأطهار بمناسبة ليلة النصف من شهر شعبان المعظم .هذه الليلة المباركة التي تأتي منزلتها بعد ليلة القدر ليلة ولادة ولي الله في الأرض وحجته البالغة الإمام المبشر بالنصر محمد المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام عند الشيعة الأثني عشرية.

فنلاحظ  في هذه الليلة المباركة خروج الناس عن بكرة أبيهم، فترى الأطفال وقد لبس كل منهم أفخر وأجمل ثيابه وَرَشَّ عليه عطراً مهدويّاً (عطراً ممزوجاً بفرحة مولد الإمام المهدي)  وخرج وحده أو صحبة أبيه أو أمه أو أحد زملائه حاملاً بيده كيساً جميلاً ماراً به على بيوت قريته وعلى شفتيه بسمة عريضة ينظر يميناً وشمالاً ولسان حاله يقول

((ناصفه حلاوه على النبي صلاوه . . اعطونا من مالكم .. سلم الله عيالكم .. اعطونا من مال النبي .. سلم الله عبد النبي، اعطونا من مال الله .. سلم الله عبد الله))

حيث إن الأطفال إذا أعطوهم «القسام» (عبارة عما يقسم في ليلة النصف من حلويات ونقود) فإنهم يقولون «الله يعودكم» .

وكان في السابق وما زال حتى الآن ولكن بنسبة قليلة يوزع الفول السوداني والحمص المحمص ويخلط مع  الحلويات ومن ثم يوضع في «زبيل» (سلة كبيرة من خوص النخيل) كبير ويوزع على الأطفال اللذين يمرون على البيت. أما الآن فقد تعددت الهدايا التي توزع في تلك الليلة. فبعض الناس يهدون النقود المعدنية (الخردة) وفي أغلب الاحيان قد تكون 25 فلس او 50 فلس او 100 فلس. وأيضاً تنوعت أشكال الحلويات التي تهدى فهي الآن تصنع بأشكال مبتكرة تناسب الناصفة .تعملها صاحبة الحلاوة أو تأخذها لمحل متخصص لصنع هذه الأشكال وتقوم بإهدائها إلى أقاربها وأصدقائها المقربين ويكتب عليها اسم الطفل الذي صنعت من أجله هذه الحلاوة.

وفي هذه الليلة تزداد التهاني والتبريكات حيث نرى كل شخص يبارك لصاحبه ويقبله ويقول له « مبارك عليك ميلاد الإمام الحجة»

ويقوم معظم شباب القرية بخدمة المارة وإطعام الطعام وعمل «البوفيهات» المفتوحة ووضع عليها  كل ما لذَّ وطاب .

ومن المناسبات المرتبطة بدورة الحياة من الولادة، الزواج إلى الموت.

 هدايا الولادة:

هي مناسبة خاصة ليس فقط للأم والأب ولكن لكل أفراد الأسرة والأصدقاء لذلك يحتفل الكل بهذه المناسبة المبهجة بأناقة. ويسعون لإعطاء هدايا أنيقة ونافعة في الوقت ذاته، والهدايا المرتبطة بالولادة مقسمة إلى عدة أقسام وهي:

هدايا من الأم إلى الناس.

هدايا من الناس إلى الأم.

هدايا من الناس إلى المولود.

هدايا من الأم إلى المولود.

تقدم الأم إلى زوارها في المستشفى بعض الهدايا  «والتوزيعات» تقديرا لهم على زيارتهم لها وتقديرهم لها لمجيئهم لها لتهنئتها بالمولود الجديد, حيث تتنوع الأشكال والأصناف من الحلويات التي توزعها عليهم والتي غالباً ما يكون مكتوباً عليها بعض العبارات مثل :

«شكرا لمن زارني في لفتي،،وعقبال ماتشوفوني في زفتي «

« شيلوني برفق وحنان أنا هدية من الرحمن، شيلوني شوية شوية الماما تعبت فيه»

«يا فرحتي بأمي و أبوي هم شمعتي، يا فرحتي بأختي و أخوي هم بهجتي

يا فرحتي بزيارة أقاربي و حبايبي، يا فرحتي بقيامهم بواجبــــي

 كان ساعة خير يوم جيــــت( جيتي) (اسم) يقول شكرا للي شاركوني فرحتي

التوقيع اسم المولود

تاريخ الولادة»

إن هذه الأشكال من الهدايا تقدمها الأم في أولى أيام الولادة في المستشفى أما في اليوم السابع فيقوم الوالدان بعمل «عقيقة» وهي سنة مؤكدة حث عليها الرسول (ص) و«العقيقة» «هي اسم لما يذبح عن المولود يوم سابعه، ومن الأفضل أن تذبح عن الولد شاتان متقاربتان شبها وسنا، وعن البنت شاة. والذبح يكون يوم السابع بعد الولادة إن تيسر، وإلا ففي اليوم الرابع عشر وهكذا،»17 بعد الذبح تعمل الوليمة ويقوم الوالدان بدعوة الأهل والأقارب والأصدقاء على الطعام، مع مراعاة أن الأم والأب لا يأكلان من هذه الوليمة،وبعض الأشخاص لا يدعون الأقارب على الوليمة إنما يوزعونها على الفقراء والمحتاجين.

 وبهذه المناسبة تحتفي العائلة والحي بهذا المولود، وانضمام فرد جديد إلى هذه العائلة، مما يقرب بين الجماعة ويشدد أواصرها، حيث أن للعقيقة أهمية بالغة في المجتمع، إذ يجمع المولود الجديد الأهل والأقارب والأرحام، ويصل بين قلوبهم، ويعيد ترميم العلاقات المتصدعة. وهناك فضائل عديدة تدفع الناس إلى عمل العقيقة ومن هذه الفضائل التي تعود على الأم والأب :

 شكر المنعم الذي له الخلق والأمر، فمن يؤمن بأن الله أكرمه وأعطاه ولو شاء لحرمه، يدرك حتمية شكر الله الواهب على ما وهب.

 إشراك الأحبة والأقرباء والأصدقاء بالفرحة.

 الوقاية من حسد من حرموا نعمة الإنجاب. فمن شكر الله لم يُحسد، وتقديم الأطعمة يذوب المشاعر السلبية.

 التأمين على المولود، ففي الحديث: «كل غلام رهين بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه» (رواه أبو داود)، وفي هذا الإخبار ما يجعلنا نحرص على العقيقة حماية لتلك الهبة، وأملا في خير يعود من ورائها.

أما الهدايا الخاصة بيوم الختان (الختان هو استئصال أو إزالة قلفة القضيب (Foreskin) جلد مقدمة القضيب، ويتم عادة ختان الطفل فى أول عدة أيام أو أسابيع من ميلاده، ويقوم البعض بختان أطفالهم اتباعاً للعادات الاجتماعية المتبعة والبعض الآخر يقوم بها لمعرفتهم بفوائده الصحية)18. يقوم الوالدان يوم ختان الطفل بتوزيع الحلوى والخبز المحلى على الأهل والجيران والأصدقاء بهذه المناسبة. تقول زهرة وهي ربة منزل « في نفس اليوم الذي يتم فيه ختان الولد يقوم الأب بشراء طشت19 حلوى وخبز محلى ونقوم بتوزيعه في علب على الأهل والجيران والأصدقاء وهذا يوزع ليقوم الطفل بالسلامة من بعد ختانه حيث كل من يأكل منه يبارك الى والديه بمناسبة ختان الطفل».

- هدايا من الناس إلى الأم

يقدم الناس إلى الأم هدايا تعبيراً عن فرحتهم بسلامتها هي والمولود الجديد حيث أن الهدايا التي يقدمونها قد لا تكون هدايا مادية فقط .وإنما قد تكون عبارة أيضاً عن خدمات حيث يقوم أقاربها  أخواتها أو امها بتجهيز المنزل قبل قدومها من المستشفى فيقمن بتنظيفه وترتيبه وتجهيز الغرفة التي ستجلس فيها طيلة فترة النفاس و يقمن أيضا باستقبال الضيوف الذين يأتون ليباركوا  لها بمولودها ويحسن خدمتهم وضيافتهم . وكذلك تقوم أم النفساء بصنع الأطعمة الخاصة بالنفساء وتوزيعها على الأهل والجيران في الفريق. ومن تلك الأطعمة الرشوفة (والتي تكون عبارة عن طحين وماء ودهن ورشاد وبعض أنواع البهارات). والعصيدة (والتي تكون عبارة عن ماء ودهن وسكر وطحين) .وغالباً ما ينتظر أهل الفريق هذه الأطعمة الخاصة بالنفساء، فهذه المأكولات  مفيدة جداً للنفساء، و عندما يأكل الأخرون من طعام النفساء فإنهم يتبركون به وبالخصوص النساء اللاتي يرغبن بالحمل فإنهن يأكلن ويدعون بأن يحملن ويلدن.

وكذلك تتنوع الهدايا التي تقدم إلى الأم من أقاربها وأصدقائها الذين يأتون إلى زيارتها فهم يقدمون لها غالباً الذهب، المال، العطور والحلويات.

- هدايا من الناس إلى المولود

ويعتبر قدوم الطفل الجديد إلى العائلة حدثا مميزا مليئا بالحب والدعم والرعاية. سواء كان هذا الطفل الأول أم العاشر وتقوم العائلة والأقارب والأصدقاء بتقديم الهدايا إلى المولود الجديد حيث يعطي البعض المولود مبلغاً رمزياً من المال فيوفرون بذلك عليهم عملية اختيار الهدية الصعب .ذلك أن بعض الهدايا تعجب الأم وبعضها قد لا يعجبها. لذلك يكون أسهل عليهم أن يعطوها مبلغاً من المال، والبعض الآخر يقدم الهدايا المادية فتتنوع هذه الهدايا ما بين مستلزمات الطفل التي تتضمن الألبسة القطنية الداخلية، والرضاعات، والألعاب المسلية للطفل، وأدوات الاستحمام التي تسعد بها الأم في أولى أيام الطفل الجديد.

كذلك لحاف صغير للأطفال الرضع، وتعتبر هذه هدية عظيمة خصوصا إذا كان اللحاف مطرزا ويحتوي على العديد من الرسومات المحببة للأطفال، فقد يصبح لحافه المفضل بعمر سنة كذلك مجموعة مميزة من أغطية السرير، التي يمكن الحصول عليها من متاجر مستلزمات الأطفال. ومن الهدايا المشهورة التي تتداولها السيدات هي:

 سريرللطفل. كرسي للسيارة، عربة  للطفل، مجموعة رضاعات. مجموعة أغطية ووسائد للسرير، حوض استحمام.، طاولة لتغيير حفاظة الطفل،جهاز تدريب للمشي. وغيرها من الهدايا التي تستفيد منها الأم في سنوات الطفل الأولى.

- هدايا من الأم إلى المولود

تقوم الأم بتجهيز مستلزمات الطفل من قبل أن تنجبه فهي تقوم بشراء السرير والألحفة والألبسة القطنية الخاصة بالطفل وتقوم بشراء الفراش الخاص بالطفل في المستشفى فتختاره بعناية فائقة وخصوصاً إذا كان المولود الأول لأن كل من سيزورها في المستشفى  سيرى نوعية أغراض الطفل هل هي غالية أم رخيصة هل هي جميلة وأنيقة أم عادية. فلذلك تعتني الأم كثيراُ بتجهيزات الطفل من قبل أن تدخل الشهور الأخيرة من الحمل. وغالباً ما تعرف الأم ماذا ستنجب لذلك تشتري المستلزمات حسب نوع جنس الطفل فإذا كانت فتاة فإن معظم مستلزماتها باللون الوردي و اذا كان ولدا فيطغى اللون الأزرق.

- هدايا الزواج

  تبدأ أولاً بهدايا الخطوبة وهذا النوع من الهدايا تعبير عن طلب المودة والمحبة وتوثيق للعلاقات بين الخطيبين وبداية للعلاقة الجديدة بينهما، وتبقى كنوع من الذكرى لما بعد الزواج وتجديد لمودة الزوجين لبعضهما البعض. وتكون هذه الهدايا عبارة عن طقم الذهب الذي يقدمه الخطيب إلى خطيبته والدبل حيث تكون دبلة الزوجة من الذهب ودبلة الزوج من الفضة وذلك لأن الذهب من أدوات الزينة التي تحتاجها المرأة ولأن الرجل لا يحتاج إلى الزينة مثل المرأة .وهناك تأويل دائماً يقال إن الذهب يجعل الرجل لا ينجب أولادا،  كذلك هناك بعض العوائل تقدم إلى الزوجة العطور والألبسة والمكياج وغيرها من الأمور الخاصة بالنساء. والبعض الآخر يعطي العروس مبلغاً من المال تقوم بشراء ما تريد من الحاجيات الخاصة بها والتي تكون على ذوقها وليست من اختيار أهل العريس.

وفي يوم « الملجة»  وهو يوم العقد يقوم العريس بإحضار الفواكه والمكسرات والمأكولات الخفيفة والعصائر إلى بيت العروس لتقديمها إلى المعازيم اللذين سيأتون لتهنئة العروس.

وكل هذه الهدايا التي يقدمها العريس أو أهله تعبر عن المحبة والسرور والاستهلال بالخير والترحيب بها.

أما الهدايا التي يقدمها الأهل والأصدقاء والأقارب إلى العروس فهي تكون بعد الزواج عندما يقومون بزيارتها في منزلها الجديد حيث تتنوع الهدايا التي يقدمونها ويكون أغلبها من الذهب والساعات ومستلزمات المطبخ كالأطباق والتحف وغيرها.

وفي أغلب الأحيان يقوم الأهل والأصدقاء بالتشارك بشراء هدية جميلة وغالية للعروسين.فيقوم كل شخص بوضع مبلغ رمزي من المال على قدر استطاعته ويجمع هذا المال لشراء الهدية التي يودون شراءها وتسمى هذه الطريقة « بالحطية».

هدايا الموت

نعلم جميعاً أن الهدية رسالة رقيقة تحمل بين طياتها كثيرا من معاني المودة والألفة وتساعد على تعميق الروابط الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء . فلا نتردد وننتهز أول مناسبة تمر بنا لتقديم الهدايا لمن نحب .فإذا أردنا أن نشعر المحيطين بنا بمدى اهتمامنا بهم فنقدم لهم هدية بسيطة لتكون أبلغ تعبير عما نكنه لهم. لكن الغريب عندما يكون هؤلاء الأشخاص غير موجودين في حياتنا ولا نستطيع الوصول إليهم كـ«الأموات» فكيف نستطيع أن نقدم لهم هذه الهدايا؟؟

كثيرون هم الأشخاص اللذين يتساءلون هل هناك فعلاً هدايا تقدم إلى الميت؟؟ وما هي هذه الهدايا؟؟ وما هو الغرض من وراء إهدائهم هذه الهدايا؟؟ وهل أهمية هذه الهدايا للأموات مثل أهميتها للموجودين على قيد الحياة؟؟

هناك الكثير من الهدايا التي نهديها إلى الميت وهذه الهدايا تتمثل في الأعمال التي نقدمها إليه وكثيرة هي الأعمال التي نقوم بإهدائها إلى الميت تتمثل في:

  صوم الغير نيابة عن الميت. فقد يتوفى المرء وعليه بعض الأيام التي يجب عليه صيامها لذلك يقوم بعض من أهله وأصدقائه المقربين بالصوم عنه وإهداء ثواب صوم هذه الأيام إليه.

 حج الغير نيابة عن الميت. فقد يموت الشخص وهو لم يحج بعد فيقوم أحد من أهله بالحج نيابة عنه إذا كانت متوفرة فيه جميع شروط الحج. وإذا لم يستطع أحد من الأهل القيام بذلك يعطى  مبلغ الحج إلى أحد الأشخاص الموثوق بهم ليقوم بالحج نيابة عنه.

 هدايا تتمثل في صدقة الغير نيابة عن الميت. حيث يقوم الأهل والأصدقاء بدفع صدقة من أول الساعات التي يتم فيها تشييع جنازة الميت فهذه الصدقة كما يقول البعض تخفف من «رعصة القبر» أي ضغطة القبر التي يحس بها الميت في أول ساعات موته.

 هدايا تتمثل في الصلوات والدعاء والقراءة الحسينية. فيعتقد أن الميت تصله هدايا فور وصول خبر دفنه للناس فيقول كل من يسمع خبر موته: «الله يرحمه» وكلما ترحم على الميت خف عذابه. بعد ذلك يقوم الأهل والجيران والأصدقاء بالتجمع في مكان معين والقيام بــ«صلاة الوحشة» والبعض يسميها «صلاة الهدية»20 على الميت. فيقوم البعض بصلاتها جماعة لأن البعض لا يعرفها والبعض الآخر يقوم بصلاتها بمفرده. فهذه الصلاة تخفف من عذاب ووحشة القبر ويقولون إن هذه الصلاة تؤنس الميت في قبره.

كذلك يقوم البعض بالقراءة الحسينية كل سنة مرة في يوم معين ويتم إهداء هذا المجلس إلى روح الميت ويسمى هذا اليوم بـ«سنوية فلان».

كذلك الأدعية التي يقوم البعض بقراءتها وإهدائها إلى روح الميت ومن هذه الأدعية التي تقرأ في الصلاة  كما ورد على لسان  «أم حسين» ويتم إهداؤها إلى الميت هذا الدعاء (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده)..

 هدايا تتمثل في زيارة القبور. يقوم البعض بزيارة الميت عند قبره في المقبرة.  فيقوم بعض   الناس بزيارة أهلهم وأصدقائهم  يوم الخميس ويوم الأثنين من كل أسبوع. وتكون هذه الزيارة عبارة عن هدية نقدمها إلى الميت حيث يقوم البعض بشراء «المشموم»21 ووضعه على قبر الميت كذلك بعض الأزهار والأشجار التي يتم زراعتها عند قبره. وأيضا يقومون برش الماء على قبر الميت وقبل ذلك تتم قراءة «دعاء القدح» على الماء قبل رشه على قبر الميت. وكذلك تقرأ بعض السور القرآنية مثل سورة (يس) وبعض الأدعية مثل هذا الدعاء الذي أخبرتني به «أم محسن» ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا، إن شاء الله بكم للاحقون ) ودعاء آخر يهدى لهم من عند بوابة المقبرة ((السلام على أهل لاإله إلا الله من أهل لاإله إلا الله ياأهل لاإله إلا الله بحق لاإله إلا الله كيف وجدتم قول لاإله إلا الله من لاإله إلا الله يالاإله إلا الله بحق لاإله إلا الله اغفر لمن قال لاإله إلا الله واحشرنا في زمرة من قال لاإله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله))

 هدايا تتمثل في السورالقرآنية حيث يقوم البعض بقراءة بعض أو كل القرآن الكريم وإهدائه إلى روح الميت وإذا لم يتمكنوا من قراءته دفعوا مبلغا معينا عن كل جزء من القرآن إلى قارئة قرآن وتقوم هي بقراءة ما يريدون. وتهدى السور والآيات باسمهم إلى روح الميت الذي يريدون إهداءه.

كل هذه الهدايا التي ذكرتها لا يعلم المُهدي ما هي علامات وجه المُهدى إليه عند تلقيه الهدية. ولا يرى ردة فعله كما يرى ردود أفعال الأشخاص اللذين يعيشون معه عندما يتهادون الهدايا فيما بينهم. مع ذلك يشعر المهُدي بالسعادة والسرور والرضى عندما يهدي أهله وأصدقاءه من الأموات .هذه الأعمال تشعره أنه ما زال مترابطا  ومتفاعلا معهم . ويذكرهم ويحن إليهم وأنه يقدم لهم ولو القليل من الهدايا لتوطيد العلاقة بهم.  كذلك يؤمن الناس أن الأموات أحياء في السماء لذلك يرون ما نقوم به ويشعرون بما نقدمه إليهم. ذلك أن هناك اعتقادا أن الميت دائما يزور أهله ليلة الجمعة على شكل حمامة أو طير ينتظر منهم الهدايا في هذه الليلة المباركة.

مناسبات أخرى لتقديم الهدايا

  هدايا السفر:

ظاهرة اجتماعية كانت منتشرة بنطاق واسع، البعض مازال متمسكا بها و البعض الآخر تنازل عنها، نجدها تبرز في مجتمع النساء أكثر من مجتمع الرجال،و هي عبارة عن جلب الهدايا والحلويات إلى الأقارب و الأصحاب والجيران عند العودة من السفر،وخصوصاً من المسافر الذي قام بزيارة الأماكن المقدسة حيث أن الناس تتبرك بالهدايا التي تكون من تلك الأماكن.

 هدية السفرأو «الصوغة»: هي الهدية التي يعطيها القادم من السفر إلى أهله وجيرانه وأصدقائه اللذين هم بالمثل يقدمون له هدايا عند قدومهم من السفر. وتختلف أنواع الهدايا بإختلاف البلدان التي يُسافر إليها وايضاً باختلاف المستوى الإقتصادي للمُسافر وكذلك باختلاف قرب وبعد الشخص عن المسافر. وحسب ما أجده في مجتمع البحث فإن معظم البلدان التي يسافر إليها هي المدينة المنورة ومكة للحج أو للعمرة، سوريا وإيران والتي يزورها البعض سنوياً في العطلة الصيفية. وبالنسبة لنوع الهدايا التي يقدمونها تقول « سعاد»وهي ربة منزل تختلف نوعية الهدايا من منطقة إلى أخرى.فهدايا الحج والعمرة تتميز «بالتمر،وماء زمزم، وسجادة الصلاة و«العكاسة»22 للأطفال. وتقول أخرى اسمها «مريم» إن من أحلى أنواع الهدايا التي تصل إلي من إيران «المكسرات والحلويات وحلوى المعصومة التي تشتهر بها إيران» وتقول أخرى تعجبني كثيراً هدايا سوريا لأنها تحتوي على الملابس والشنط والأحذية التي تكون على الموضة ..

كل هذه الهدايا التي ذكرتها توزع وتهدى بعد عودة المسافر ولكن ماذا عن الهدايا التي توزع قبل ذهاب المسافر إلى السفر؟

من الممارسات التي تمارس في الوقت الحالي بشكل بسيط ونادروكانت في السابق تمارس بشكل أوسع أن يقوم بعض الأشخاص الذين ينوون السفر إهداء المال إلى أهله وجيرانه ومعارفه قبل ذهابه إلى السفر فإنه عندما يعطيك هذا المال تقول له « تروح وترجع بالسلامة». وكأن المُسافر يريد أن تدعو له  بالسلامةً، فالمسافر يعطي المال و يستلم كلمات الدعاء له بالسلامة.

إن هدية السفر عند البعض أصبحت ضرورية بل واجباً اجتماعياً أكثر مما هو إبراز للمحبة. قالت إحداهن إن أمها بعد العودة من السفر تقوم بفتح الحقائب أمام أخواتها و بناتهن وتقول «اتفضلوا اللي تبونه ما يغلى عليكم «وتكمل أنه في أحيان كثيرة يأخذن الأغراض التي  قامت بشرائها لنفسها أو لبناتها أو ربما لإحدى صديقاتها و لكنها تخجل أن تبوح بذلك أمامهن فتستسلم للأمر الواقع.

تقول أخرى إننا أحيانا تنفذ أموالنا في السفر و لم نكمل شراء الهدايا للأهل و الأقارب فنضطر عند عودتنا تكملة شراء هذه الهدايا من البحرين.

في موقف ثالث: تقول إحداهن كانت والدتي تقوم بشراء هدية واحدة لكل فرد يقرب لنا، فإذا اعتبرنا أن الأم لديها تقريبا 7 إخوان و أخوات و جميعهم متزوجون تقوم بشراء هدية واحدة على الأقل لكل أخ و أخت و أبنائهم فردا فردا. و كذلك الحال بالنسبة إلى عماتها و أبنائهم فردا فردا. و لكن في السنوات الأخيرة توقفت الأم عن ذلك و تم الاقتصار على شراء الهدايا لأفراد الأسرة فقط ( يعني البنت و أخواتها و إخوانها(. ولكن بالرغم من كل ذلك لا ننكر دور الهدية في تقوية العلاقات وتوطيدها بين الأهل والأصدقاء والجيران ولا ننسى فرحة الأشخاص بالهدايا كونها من السفر حتى لو كانت بسيطة فهي تكون كبيرة في نظر متلقيها.

من جانب آخر هناك هدايا معنوية يقدمها المسافر إلى أصحابه وأقربائه إذا سافر إلى الدول التي توجد بها المعالم الدينية والأضرحة كسوريا لزيارة السيدة زينب؟ (ع) وإيران لزيارة الإمام الرضا (ع) فيقوم المسافر هناك بقراءة الزيارة لهؤلاء المعصومين. وتكون نيابة عن أحد إخوانه أو أقربائه. فتكون هدية لهم ولكنها بشكل معنوي كذلك الصلوات التي يقوم بها المسافر هناك عند الأضرحة قد تكون ركعتين .ولكنها تكون نيابة من أحد الأشخاص وبذلك يفرح بها هذا الشخص أكثر من الهدية المادية التي يأتي بها من تلك الدولة.

   هدايا الانتقال لمنزل جديد

إن من أجمل السلوكيات التي توضح سعادتك بما يحدث إلى أصدقائك أو إخوانك أو جيرانك عند انتقالهم لمنزل جديد هو زيارتهم وتقديم هدية إلى المنزل حتى ولو كانت هدية بسيطة تعبر عن فرحتك بمنزلهم الجديد.

وعند تقديم الهدية يقول مقدم الهدية بعض العبارات مثل « إنشالله منزل مبروك تتهنون فيه» أو « عساه بيت معمور»

وكذلك المنتقلون إلى المنزل الجديد يقومون بعمل وليمة غذاء للعائلة والأقارب بالمناسبة وكذلك البعض يقومون بقراءة سورة الأنعام أو سفرة أم البنين ويدعون الأقارب والأصدقاء إلى الاستماع إليها .وبعد ذلك يقوم أهل البيت الجديد بتوزيع المأكولات والمشروبات والحلويات على المدعوين.

  هدايا حفل التكليف

حفل التكليف من الاحتفالات المستحدثة التي انتشرت بشكل واسع في السنوات العشر الأخيرة وهو الحفل الذي تقيمه الأم لابنتها التي وصلت سن التكليف وهو تسع سنوات. وذلك لتشجيعها على  الصلاة ولبس الحجاب والقيام بالأمور المكلفة بها دينياً. حيث تقوم الأم بدعوة النساء والبنات من الأهل والأصدقاء والأقارب ويبدأ البرنامج للحفلة  بالقرآن الكريم ثم بكلمة لإحدى الأخوات اللاتي لهن دور في هذا المجال توجه للناشئات والأمهات بأسلوب شيق ثم كلمة من المكلفة تصف فيها تغير حياتها من قبل التكليف إلى مابعده .

وتقوم الأم بعد ذلك بتوزيع المأكولات والمشروبات على الحاضرات وهن بذلك يقدمن إلى المكلفة هدايا متنوعة تفرح بها بمناسبة تكليفها. وتقوم أم المكلفة بتوزيع بعض الهدايا على الحاضرات من سن البنت المكلفة و هدايا الحفل  عبارة عن   (قرآن،حرام للصلاة) وهو قطعة من القماش تغطي جميع أجزاء الجسم ما عدا الوجه والكفين، حجاب، ومصلى وتربة ومسباح إن وجدت وكتيب ديني سواء كان قصة أو غيرها وجوراب وغرشة عطر صغيرة أو شموع أو مغلفات حلاوه).

ونَخلُصُ مما تقدم أنّ الهدية تلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية لكثير من الشعوب فهي نظام منتشر فى المجتمعات البدائية والمجتمعات الحديثة يؤثر بطريقة غير مباشرة في التفاعل الاجتماعى بين الأفراد والمجموعات. وهو من الظواهر الاجتماعية الأساسية في حفظ التماسك والتعاون الاجتماعيين ومن خلال الدراسة الميدانية التى قمنا بها في قرية الديه استنتجنامايلي:

إن تبادل الهدايا فى المجتمع يزيد بين الأقارب والأصدقاء وبين أفراد الأسرة ويقل كلما قلت صلة القرابة بين أفراد المجتمع .

إن الهدية تزيد من الترابط الاجتماعي وتزيد من قوة العلاقات الاجتماعية كما أنها تساعد على استمرار العلاقات بين الأفراد والجماعات .

يتبين من الدراسة تمسك أفراد المجتمع بسنة الرسول (ص) فى قبول الهدية والحرص على عملية التهادي التى تؤدي إلى حفظ التماسك الاجتماعى .

ارتباط ثمن الهدية بمنزلة الشخص المُهدى إليه حيث أنه كلما زادت معزته ارتفع ثمن الهدية.

إن من أكثر المناسبات التي يتم فيها تبادل الهدايا المعنوية في مجتمع البحث هى مناسبة الوفاة أي (هدايا الميت) .

إن أكثر الهدايا تداولاً وبالخصوص في أشهر العطلة الصيفية هي هدية السفر والتي تكون إلى الأماكن المقدسة وذلك للتبرك بها .

إن عملية التهادي في مجتمع البحث لا تكون فقط مع العوالم المنظورة وإنما تكون أيضا مع العوالم غير المنظورة .

إن تقدير متلقي الهدية للهدية لا يحكمه ثمن الهدية إنما قوة أو ضعف العلاقة بين المُهدي والمُهدى إليه .

وقد ينظر المُهدى إليه إلى هدية المُهدي كتفاخر أو « فشار» كما يقول بعض الأشخاص خصوصاًُ إذا أعطى المُهدي الهدية للمُهدى إليه أو أن تكون الهدية غالية الثمن بشكل مبالغ فيه. وقد يكون مبلغها يفوق طاقة المُهدي والمُهدى إليه فى نفس الوقت، هنا يحاول المُهدي أن يتظاهر بأن مستواه المادي مرتفع وأنه دائماً يشتري من الأماكن غالية الثمن ويريد أيضا أن يبين للمهُدى إليه أنه دون مستواه.

من ناحية أخرى الهدية تغير نظرة المهُدى إليه عن المهُدي فقد تغير من المشاعر وتذهب الضغائن وتقوي العلاقات بين الأشخاص

وقد ترجم العالم الغربي مارشال سالينز هذا المعنى حين قال: « إذا كان الأصدقاء يتبادلون الهدايا فإن الهدايا هي التي تصنع الأصدقاء».

هذه الدراسة أعدت بإشراف الدكتورة سوسن كريمي أستاذة الانثروبولوجيا بجامعة البحرين، وراجعتها وأعدتها للنشر مقالاً الأستاذة الدكتورة نورالهدى باديس.

 

هوامش

(1) أبو زيد، أحمد، 1967، البناء الاجتماعي، الجزء الثاني، المكتب الجامعي الحديث، ص251.

(2)  قاموس الأنثربولوجيا (انجليزي، عربي)/ د. شاكر مصطفى سليم/ الطبعة الأولى 1981 ص 398

(3) المرجع السابق, الصفحة نفسها

(4)  معجم الأنثربولوجيا :إشراف بيار بونت، ميشال إيزار/ 2006/ ترجمة مصباح العمد/ مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ص 730-734

(5) موسوعة علم الاجتماع/ الاستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن/ الدار العربية للموسوعات/ الطبعغة الاولى 1999م ص404-405

(6) مرجع سابق 5 ص 405-406

(7) معجم الفلكلور/ الدكتور عبد الحميد يونس/ 1983/ مكتبة لبنان.

(8) الجوهري، 1982، ص 255

(9) السيد الأسود، المدخل الرمزي. 1991، مرجع سابق ص 530.

(10) السيد الأسود، 1990- تصور- رؤية العالم مرجع سابق ص 323.

(11) علم الإجتماع الإقتصادي/ عبدالله محمد عبد الرحمن/ دار المعرفة الجامعية 2005/ ص 220-221

(12) الشيخ د.رياض المسيميري/عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام/»أحكام تبادل الهدايا والتهادي بين المسلمين والكفار»

http://saaid.net/mktarat/aayadalkoffar/42.htm

(13) مرجع سبق ذكره.

(14) محاضرة لمحمد المنجد/تسجيلات الشبكة الإسلامية.

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=100579

(15) مرجع سبق ذكره. (3)

(16) مؤسسة الامام علي / لندن/ http://www.najaf.org/learn/

(17) http://www.islamonline.net/Arabic/In_Depth/BackToAllah/Articles/2006/03/07.SHTML

(18) http://www.feedo.net/MedicalEncyclopedia/BodyHealth/SexAndFertility/Circumcision.htm

(19) طشت: إناء معدني كبير يوضع فيه الحلوى.

(20) المشموم: هو نوع من أنواع النباتات له رائحة زكية.

(21)  صلاة الوحشة هي ركعتين يقرأ في الركعة الأولى: الحمد وآية الكرسي مرة إلى (هم فيها خالدون) وفي الثانية: الحمد مرة وإنا أنزلناه (عشر مرات) ويقول بعد الصلاة (اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى فلان بن فلانة)

(22)  العكاسة: كاميرا للاطفال مصنوعة من البلاستيك موجود فيها معالم  مكة المكرمة والمدينة المنورة مثل صور الكعبة ومقام إبراهيم والحجر الأسود ..... الخ.

المراجع

فاروق إسماعيل/ مدخل إلى الأنثربولوجيا النظرية والمنهج/ دار المعرفة الجامعية/ الاسكندرية.

السيد الآسود/ الدين والتصور الشعبي للكون/ المجلس الأعلى للثقافة 2005م.

ميخائيل أسعد يوسف/ معتقدات وخرافات/دار النهضة العربية/ القاهرة 1982م .

الحياة البرزخية/ تأليف العلامة المحقق جعفر السبحاني/ مؤسسة الإمام الصادق.

السيد حافظ الأسود/ دراسة انثربولوجية لعمليات التبادل الرمزى في مجتمع الإمارات/ العدد التاسع/1995.

السيد حافظ الآسود/صورة الآخر بين الثبات والتغير/ دراسة أنثربولوجية مقارنة لطلاب ينتمون الى مجتمعين عربيين/ مجلة العلوم الإجتماعية/ ربيع 1996/ الكويت- صفاة.

د.إسماعيل على الفحيل ، آمنة راشد الحمدان/عادات الميلاد فى مجتمع الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت/ دراسة ميدانية/ مركز التراث الشعبي قطر 1997م .

عبدالله محمد عبدالرحمن/ علم الإجتماع الإقتصادي –دار المعرفة الجامعية 2005م .

أحمد أبو زيد/ البناء الإجتماعي الإقتصادي – الجزء الثاني/ المكتب الجامعى الحديث/ 1967م .

د.شاكر مصطفى سليم/قاموس الأنثربولوجيا (انجليزي ، عربي) / الطبعة الأولى 1981

معجم الأنثربولوجيا  / تحت إشراف بيار بونت ، ميشال إيزار/2006/ترجمة مصباح العمد/ مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .

الاستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن/ موسوعة علم الاجتماع/ الدار العربية للموسوعات/ الطبعة الأولى 1999م .

الدكتور عبدالحميد يونس/معجم الفلكلور/ 1983/مكتبة لبنان .

شكري، مارسيل، 1971، علم الاجتماع والأنتروبولوجيا ، بحث فى الهدايا الملزمة ، ترجمة الدكتور محمد طعلت عيسى- مكتبة القاهرة الحديثة .

الشيخ د.رياض المسيمري/ عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام/»أحكام تبادل الهدايا والتهادي بين المسلمين والكفار»

محاضرة لمحمد المنجد / تسجيلات الشبكة الإسلامية .

مؤسسة الامام علي / لندن / http://www.najaf.org/learn

http://www.islamonline.net/arabic/indepth/backtoallah/articles/shtml

http://www.alseraj.net/a-k/mraa/zikra/q  ليوسف أحمد الغانم الحسائى .

ابن سيرين/تفسير الأحلام الكبير/

مجلة العصر/ يوم الغدير/ إعداد. قيصر التميمي/ العدد الواحد والأربعون- محرم 1426- فبراير 2005/ الحميضي لأعمال الطباعة/ الكويت- حولي .

مجلة الصدى/ الهدية عربون ذوق امتنان/ إعداد – سعاد واكيم / ص 106-107

أعداد المجلة