فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
9

نظام الأعراس في المغرب نموذج قبائل بني وراين الأمازيغية

العدد 9 - عادات وتقاليد
نظام الأعراس في المغرب  نموذج قبائل بني وراين الأمازيغية
كاتب من المغرب

تجسد العائلة1 في المجتمع القبلي لآيت وراين النواة الأساسية في كل تشكل اجتماعي. لذلك، يجد المتتبع للتكوين المورفولوجي لقبائل آيت وراين، نفسه أمام بناء اجتماعي ممتد يصل إلى أكثر من أسرتين في المنزل يسهر الشيخ الكبير على تدبير أمور البيت إلى جانب زوجته.

وهكذا، فإن الحياة الاجتماعية بدون عائلة لا طعم لها في المجتمع الورايني، بل إن الشاب الذي يبلغ سن الزواج لا يتريث أبوه حتى لاستشارته في أمر تزويجه من فتاة تناسبه و تناسب أهله. بل يصبح هذا الشاب، إن لم ينخرط في مؤسسة الزواج، فردا منعزلا لا قيمة له، وأهميته ثانوية و لا يتم الاعتراف به إلا بعد الزواج.

إن العائلة، إذن، هي العنصر الأساسي والحيوي للحياة الاجتماعية في المجتمع القبلي الورايني وهي السبيل إلى حركيته و ديناميكيته.

وككل المجتمعات الإنسانية، يمر تكون العائلة الوراينية عبر مؤسسة الزواج حيث الخضوع لآليات و ميكانزمات تعطيه تميزا ينفرد به المجتمع الورايني، وإن كان في بعض أبعاده يتقاطع مع نمط الزواج السائد لدى قبائل أخرى كالمجتمع الفاسي مثلا2.

وهكذا، نجد أنفسنا أمام مجموعة من التساؤلات حول ممارسة طقوس الزواج في المجتمع الورايني، وتستوجب الإجابات عنها القيام بمقاربة أنتروبولوجية تعتمد على الوصف والملاحظة والمقابلة. فكيف يتم الزواج لدى هذه القبائل؟ ماهي الأشواط التي يمر عبرها؟ كيف تتم الخطبة؟ ما هي آلياتها؟ ما هي مستلزمات العرس الورايني؟ وقبل كل ذلك ما هي دوافع الكتابة عن العرس الورايني؟

جدير بالإشارة، قبل التطرق للتساؤلات السابقة، أن نضع إطارا جغرافيا و طبيعيا لقبائل آيت وراين، والتي يمكن حصرها في منطقة الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي. تمتد هذه المنطقة إلى حدود هوارة بمدينة كرسيف شرقا وقبائل آيت سغروشن إلى الجنوب الغربي وشمالا بقبائل غياثة و مدينة تازة وغربا بقبائل لحياينة وآيت سادن.

إن الحديث عن الزواج و طرحه موضوعا للبحث لا يجب النظر إليه كثقافة طوباوية أو كفولكلور فيثشي3، لأن ما يعانيه الآن وما يتعرض له من انقراض ممنهج ومقصود يدفعنا إلى ضرورة الحفاظ عليه عبر كتابته و توثيقه. وككل مهتم بالأدب الشعبي، والشفوي منه على وجه الخصوص، اقتحمت هذا المسكوت عنه من منطلق أن الزواج هو في حد ذاته ليس أداة من أدوات الترفيه الاجتماعي فحسب،  ولكنه، قبل ذلك، وسيلة للتواصل الاجتماعي. وهكذا سيضحى الزواج، وعلى وجه التدقيق ممارسة الأحيدوس، قناة من قنوات التلاقي و التبادل و التبليغ، فلا تلامس أثرا للتفاوت الاجتماعي و لا يلزم طبقة اجتماعية دون أخرى4، بل الكل يذوب ضمن نسيج اجتماعي متكامل يظهر في شكل لوحة فسيفسائية تستقطب الوافد من المدينة لينصهر ضمن هذه اللوحة الجشطلتية. على هذا الأساس، لا ينبغي اعتبار الزواج عند قبائل آيت وراين خاصا بها ما دام الكل ينخرط في ممارسته إذا تصادف وجوده مع مناسبة زواجية. أو بالأحرى، لا ينبغي اعتبار الأحيدوس الورايني، ومن ثمة الفولكلور على وجه العموم، بدويا صرفا، كما أنه لا يختص بطبقة اجتماعية معينة.

في تحديد المفهوم (الأحيدوس):

لا يجب النظر إلى « الأحيدوس « بأنه القول الشعري فقط الذي يتفرع إلى نوعين وهما: « تيفارت»  و « الذكير» اللذان يتقاربان كليا في المعنى و الشكل، و لكنه عبارة عن لوحة يتمازج فيها القول مع التعبيرات الجسدية ومنظومات اللباس5، مما يجعله «نظاما دلاليا قائما بذاته، ولكنه ليس بمعزل عن الأنظمة الأخرى المرتبطة بها، أي أن طقس أحيدوس هو بمثابة مختبر تعلن الثقافة من خلاله عن تجلياتها القيمية،الاجتماعية والفنية، الجمالية و الأخلاقية. ويتأسس كنظام على حدين أو فريقين: فلا يقف الفريق إلا في مقابلة فريق آخر، لا بد من المحافظة على الشكل النصف الدائري، وهي مهمة يساهم فيها كل الأفراد سواء المؤيدين للطقس أو المتابعين له. وينبني كذلك على تراتبية تتمظهر في:

وجود مركز يمثله الشيخ و مساعده،

وجود هامش يمثله باقي الأفراد»6.

ما هي إذن، المراحل التي يمر بها الزواج لدى قبائل بني وراين؟ ما هي الآليات و الإجراءات المتخذة عند كل شوط؟

لقد تم تقسيم هذه لمراحل حسب الشكل التالي:

ما قبل الخطوبة،

الخطوبة الأولى،

الخطوبة الثانية (أمعرقب) إضافة إلى تحديد المهر و تحرير العقد،

ما قبل العرس (الدفوع)،

إلباس العريس،

ليلة حناء العروس،

ما قبيل العرس: (شات) أو ليلة العروس،

حفل العرس: ليلة العريس،

ما بعد العرس:

اليوم الثاني،

ليلة الدخلة،

اليوم الثالث، أو يوم الصبوح ونهار حل الرأس،

اليوم السابع،

1.ما قبل الخطوبــة:

تنص أعراف و تقاليد قبائل آيت وراين أن زواج الشاب البالغ من فتاة ما يمر عبر عائلته عامة، ووالديه بدرجة خاصة، وأمه على الوجه الأخص. و يعني البلوغ في الثقافة الشعبية لقبائل آيت وراين، قدرة الشاب أو الفتاة على تحمل مسؤولية إدارة البيت حتى وإن كانت العملية من صميم أدوار الكبار. وهو ما يعني تأهيله و البحث له عن فتاة تخلف له ذرية للحفاظ على استمرارية الدم و اللقب العائلي.

وهكذا، تشرع الأم في عملية البحث عن فارسة أحلامه دون علم منه، وبتنسيق مع والده، مستعملة في ذلك جميع الأساليب وفي كل المناسبات. تلجأ الأم، إذن، إلى التشاور مع صديقات لها تثق بهن لأجل تعيين فتاة من القبيلة أو الدوار. وبمجرد ما أن تقع عينها على إحداهن حتى ترسل في، هذا الشأن، رسولا، وقد تكون امرأة في سنها وخبيرة بشؤون النساء لتعقب خطاها و مراقبتها على مستوى قوة التحمل وبعض المقاييس المتعارف عليها.

   الأم لا تقوم بهذه الخطوة إلا بعد استئذان زوجها وأخذ موافقته، فإذا اعترض على ذلك تم غض الطرف عن الفتاة المعنية وتم استبدالها بفتاة أخرى تليق بمقام العائلة الخاطبة. وغالبا ما يتم اختيار الخطيبة وفقا لمعايير اجتماعية متداولة، بحيث لا تستطيع العائلة الباحثة عن زوجة ابنها قصد عائلة أخرى ليست في مستواها الاجتماعي من حيث الوجاهة و المكانة الاجتماعية الرمزية لطلب ابنتهما خشية رفضها، مما يجعلها تبحث عن العائلة الأنسب لها اجتماعيا.

    وقد يحدث أن «ترمش» الأم فتاة في إحدى المناسبات الاحتفالية فتثيرها من حيث المعايير الجمالية: القد، الشعر، جمال العينين... تناقش المقترح مع زوجها لتطلب من إحدى صديقاتها التوجه إلى عائلتها لمراقبتها على مستويات أخرى، كالخبرة في اللياقة والخدمة المنزلية، والاحتشام؛ ويحصل كل هذا دون إشعارها أو تحسيس عائلتها بذلك.

تعود هذه المرأة، وتدعى في المعجم الأمازيغي الورايني «طرقاست»، بالجواب على طلب والدة الشاب بالإيجاب، فتخبر زوجها بذلك، ثم يحددان يوما للذهاب فيه إلى عائلة مشروع الزوجة بعد إعلامهما بذلك.

يجب التأكيد أن أم العائلة هي التي تأخذ على عاتقها مسؤولية اختيار خطيبة ابنها. أما الفتى/الشاب فليس له الحق في ذلك، بل لا تتم حتى استشارته في هذا الشأن، و لا يقوم بأية مبادرة في هذا الإطار. إنها الفكرة التي أكدها لوطورنو في كتابه « فاس قبل الحماية « عندما خصص الفصل الثالث من الكتاب السابع، للزواج في المجتمع الفاسي7.

2. الخطوبة الأولــى:

 بمجرد ما أن يقتنع الأب/أو رب العائلة بالفتاة المقترحة من طرف زوجته و يقبل بها حسب الوصف المقدم له عنها، تقوم الأم بالخطوة الأولى، حيث تطلب من بعض جاراتها أو قريبات الابن (العمة أو الخالة...) الاستعداد للتوجه عند عائلة الفتاة لتطلعها بشأن الزيارة. وما أن يصلن إلى عين المكان حتى يتم الترحيب بهن فتتفضل إحداهن لاطلاع أم الفتاة بمقصود الزيارة بعد تناول كأس شاي يتخلله حديث عن قضايا نسائية مرتبطة عادة بالشغل و الأتعاب المنزلية... وقد يكون العريس في هذه الأثناء على علم بما يجري.

وشيء طبيعي ألا تقدم الأم الجواب النهائي، إذ تطلب من ضيفاتها مهلة للتشاور مع زوجها، وهي في العادة، إشارة أولى لقبول الفكرة دون الحسم النهائي فيها.

خلال هذه الفترة التي تمكثها أم العريس عند عائلة الفتاة (وعادة ما تكون أمسية)، تحاول قدر الإمكان لمح الفتاة التي جعلتها حشمتها لا تجاريهن في تبادل أطراف الحديث أو شرب الشاي. ورغم أن القواعد الاجتماعية كانت تفرض على الفتاة عدم الظهور للائي يقدمن لخطبتها انسجاما مع اللياقة والأعراف.

ومع أن الفتاة دائما تمارس نوعا من الحذر والاحتراز حتى لا تكون عرضة للأعين التي تتربص بها، فإن إحدى الخاطبات، وقد تكون الأم،  تطلب رؤيتها فتنادي عليها أمها للمجيء للسلام على الحاضرات. تظهر حينذاك علامات الرضا والقبول على محيا الخاطبات، خاصة أم العريس، إذ بمجرد ما أن تسلم عليهن حتى يرفق ذلك بعبارات التكبير (تبارك الله، الله يعمي عين الشيطان...)

تنتهي الزيارة الأولى بالاتفاق بين النساء على ضرورة الإسراع بالرد وبتوديع كل منهن وتوجيه الدعاء لله لتحقيق مقصودهن.

تعود النسوة إلى حالهن، وتصل الأم إلى بيتها، تقدم نتيجة زيارتها إلى زوجها و ربما إلى ابنها كذلك. يصل الموعد المتفق عليه من طرف الخاطبات وأم الفتاة، فتقوم أم الشاب بزيارة ثانية إليها لاستقصاء الخبر النهائي، فإذا حصل الاتفاق و القبول صرحت لها بذلك، وإذا كان العكس، فالرفض يتم بلباقة وآداب على شاكلة أن أباها ما زال يفكر في الأمر، أو أن الفتاة ما زالت مترددة، إلى غير ذلك من أشكال الرفض المهذب.

تستقبل الأم الخاطبة من جديد من طرف عائلة الفتاة، وهذه المرة قد تكون لوحدها، ولا تنتظر كثيرا لتلقي الخبر، إذ تزف لها أم الفتاة بأن ابنتها لابنها (الخاطبة) وتدعو لها بالكمال. تنهيان الحديث المرفق بالشاي أو القهوة في وقت وجيز، ويطلب من الأم الخاطبة أن تجعل الفتاة في مكانة أولادها. تنصرف الأم الخاطبة إلى حالها بعد أن ودعت الفتاة و أمها مؤكدة على رغبتها الجامحة في الفتاة، وتنقل الخبر إلى زوجها وإلى ابنها إذا تم إقحامه في الأمر.

تقف هنا مساعي الأم الخاطبة، ليفسح المجال للآباء للتداول في الأمور الصعبة بدءا بالخطبة الرسمية. يتم تحديد الموعد لمناقشة حيثيات أمر الزواج و تحديد الوقت المناسب لزيارتهم مع الاتفاق على واجبات هذه الزيارة.

يصل الموعد المحدد للذهاب، يقتني الأب مستلزمات الخطبة الرسمية من ألبسة (وقد تكون لبسة واحدة) وخضراوات و كمية من اللحم، فتكون هذه المشية رمزية لأنها تقتصر على والدي الابن وأحد أقربائه. تتم الجلسة الأولى الرسمية بين العائلتين، يكون موضوع الحديث فيها محدودا نسبيا و مرتبطا بالحياة اليومية إلى حين الانتهاء من وجبة الغذاء ليتم الاتفاق على موعد الخطوبة الثانية ومستلزماتها.

3. الخطوبة الثانيــة:

«أمعرقب» وهي المفردة التي تطلق على الخطوبة الثانية عند قبائل آيت وراين. إنها العملية التي تقصد فيها العائلة الخاطبة بيت العروس بشكل رسمي و أمام الملأ. فإذا كانت الخطوبة الأولى تتم بنوع من السرية تفاديا لأقاويل الناس والنميمة في هذه العائلة أو تلك، فإنها الآن تتم علانية يصطحب فيها أهل العريس مجموعة من ذوي القرابة و الجيران بعد أن تخبر عائلة الفتاة باليوم.كما تعمل هذه الأخيرة على إخبار أقرباء الفتاة و الجيران ليتم إعداد الفضاء.

    تقوم عائلة الشاب بإحضار جميع مستلزمات «أمعرقب» بدءا من الذبيحة (كبش) وكل مستلزمات الإطعام (كسكس، زيت، سكر، توابل...) وبعض الهدايا الخاصة بالفتاة. وهكذا، تتوجه العائلة نحو بيت أهل الفتاة صباحا حيث تجد في استقبالها أب الفتاة إلى جانبه أبناؤه الكبار في حالة تواجدهم، وعمها و خالها وبعض الجيران. وبمجرد وصولها يرحب بهم هؤلاء، ويتم إدخال المستلزمات السابق ذكرها إلى البيت، أما الذبيحة فعلى الحين يتم ذبحها وهو إعلان رسمي، في ثقافة الإنسان الورايني، عن المصاهرة بين العائلتين.

    ينشغل الضيوف بتبادل الآراء والأحاديث حول قضايا ومشاكل الحياة في البادية، فيتحول المشهد من الاستعداد للعرس إلى مشهد اجتماعي تطرح فيه حاجيات القبيلة من ماء أو  أرض أو مراع أو غنم...هكذا يصبح الزواج عند قبائل آيت وراين ليس فقط مصاهرة عائلتين وإنما قناة من قنوات التواصل الاجتماعي.

في هذه الأثناء، تكون النساء، من جهتهن، وفي مكان إقامتهن يتداولن في أمور نسوانية منتظرات وجبة الغذاء. وقد تطلب الأم الخاطبة، في هذه الحال، من العروس الجلوس بجانبها.

يسير كل شيء على هذا المنوال، إلى حين الانتهاء من وجبة الغذاء، لينصرف الحاضرون كل إلى حال سبيله باستثناء أهل العروس و العريس، وبدرجة أخص الوالدين، حيث يتم البت في يوم «الدفوع» وتحرير العقد والمهر. أما الفترة التي تفصل الخطوبة الأولى عن الثانية فقد تمتد من سبعة أيام إلى شهر أو أكثر.

4. يوم «الدفـوع»:      

 وهو اليوم الذي يتم الاتفاق عليه من طرف أهل العريس و العروس لتقديم حاجيات ليلة العروس وليلة حنائها. وعادة ما يكون هذا اليوم قبل العرس بأسبوع. فإذا كانت الخطبة الأولى والثانية تتمان في غالب الأحيان خلال الخريف، فإن العرس عادة ما يكون خلال فصل الصيف، حيث يتفرغ الكل للمرح و النشاط بعدما تم الانتهاء من المحصول الصيفي.

وهكذا، يتفضل أهل العريس بتسليم ما تم الاتفاق عليه من مواد و هدايا للعروس ستحتاجها خلال ليلتها (الحناء و العرس).

وجرت العادة على أن تكون المواد المقدمة في هذا اليوم تتكون من دقيق وسكر وزيت و توابل وخضر و ذبائح و كسكس و هدايا أخرى من قبيل اللباس و الشربيل...، وهي مواد يتكفل أب العريس بإعدادها.

تسلم كل هذه الحاجيات في جو فولكلوري (فرقة « إعزابن « أو « إلعابن «، وهي فرقة فولكلورية تردد لازمة/أنشودة/اللغا) تنطلق من منزل أهل العريس نحو بيت أهل العروس. وأثناء الوصول، يتم الترحيب بالجميع و تتناول وجبة الغذاء هناك أو اللمجة (le goûté)، ويعود كل إلى حاله للاستعداد للعرس.    

ما أن يصل الموكب إلى أهل العروس حتى تتسلم أم الفتاة المستلزمات، ويتم ذبح الذبيحة، فيشرع في إعداد الغذاء. أما حاجيات العروس الأساسية من لباس وحلي و هدايا، فتقوم أم العريس أو أخته بتسليمها لأم العروس لوضعها في مكان آمن.

وفي هذا اليوم، كذلك، يتم تحديد موعد يوم تحرير العقد بعد أن يتسلم أب العروس المهر الذي اتفق عليه خلال الخطوبة الأولى أو الثانية. وعادة ما يكون اليوم المتفق عليه هو يوم السوق الأسبوعي حيث يتوجه العريسان وأبواهما إلى السوق ويتم الالتقاء هناك عند أحد العدول، فيتم تحرير العقد بحضور الأربعة، ويقرأ على مسامعهم قصد اطلاعهم على مضمونه.

وخلال اليوم ذاته يلجأ العريس وأبوه إلى اقتناء المواد المألوف شراؤها أسبوعيا، خاصة وأن اليوم هو يوم تحرير عقد القران. إنه اليوم الذي يحس فيه العريسان بالفعل قد ارتبطا، وبالنسبة للعائلتين انصهرتا في قرابة دموية.

بعد الانتهاء من تحرير العقد، وشراء الحاجيات الأسبوعية، يعود الجميع إلى حاله، حيث الموعد، هذه المرة، هو منزل العريس إذ ينادى على أهل العروس وعمها وخالها لتناول العشاء جميعا عند أهل العريس، ويدعى ذلك بـ «أمنسي الكاغيط» أي عشاء عقد الزواج.

5. ما قبيل الزواج:

تفاوتت آراء المستجوبين حول عادات الزواج عند قبائل بني وراين، خاصة ما يتعلق بليلة حناء العروس والعريس. فحسب روايات البعض تنظم هذه الليلة بالنسبة للعروس خلال الأيام السبعة قبل العرس، وحسب روايات أخرى خلال ليلة عرسها (شات) أو بالأحرى صباح تلك الليلة.

5.1. ليلة حناء العروس:

والمهم في كل هذا، أن فترة قبيل العرس تمتد من يوم الدفوع إلى يوم تنظيم العرس، وخلالها تقام ليلة الحناء لكل منهما، إضافة إلى عملية إلباس العريس و ليلة عرس العروس، وانتهاء بليلة العرس، وهي الليلة التي تروح فيها العروس إلى بيت الزوجية.

سواء أقيمت ليلة حناء العريس خلال ليلة عرسها أو قبلها، فإن أبيتوسها8 كان ينتظم وفق قواعد ومعايير اجتماعية مضبوطة. وهكذا، حينما تكون هذه العملية تقام خلال ليلة عرسها، أي بعد إلباس العريس الزي الخاص بالعرس، وتوجه أهل العريس، مع فرقة فولكلورية، للاحتفال معها بليلتها، يجدون في انتظارهم أهل العروس. وبعد الوصول تشرع الفرقة الفولكلورية (إعزابن/إلعابن) في ترديد لازمة/أنشودة في شوط غنائي بهيج حيث يشاركهم في ذلك كل من يستهويه طقس الأحيدوس من المتواجدين. بعد تناول العشاء، يتواصل الحفل، وهذه المرة، بتقابل فرقتين في شكل مبارزة شريفة إلى أن يحل الصباح، حيث يتم فتح باب الغرامة بعد انصراف المدعوين الرسميين وعودتهم إلى منازلهم ليفسح المجال لأقرباء العروس و العريس للمشاركة أو بالأحرى للمنافسة على من سيدفع أعلى غرامة. تعمل أم العروس أو أختها الكبيرة المتزوجة على إحضار طابق يحتوي على حناء و بيض وقالب سكر و (إموشكن9)، والكحل، والخاتم والحلي ثم الخنديرة و الشربيل. يشرع في إقامة الحناء إذ تعمد إحدى الفتيات إلى تزيين يديها  ورجليها، وهي عملية يختلف مضمونها عن مضمون ليلة الحناء عند أهل فاس و التي تعرف بـ «التقويسة»10. ترافق هذه العملية زغاريد و أهازيج نسائية، بحيث يتم البدء بالبسملة:

باسم الله و بالله نبديسش أ رب  ( 2)

باسم الله بدأنا بك يا رب

أس بدان الطلبة

ما يبدأ به الطلبة (حفظة القرآن) (2)

إزلان خ النبي مونتد ألحباب نغ

قوموا يا أحبابي لترديد أناشيد حول النبي

أنفرح شواي  أنصرط إتسليت نغ(2)

لنفرح قليلا  بإلباس عروسنا

وبعد تزيينها بالحناء، يتم ترديد بعض الأهازيج الشعرية الأخرى من قبيل:

مد يدك يا خت مد يدك نحن ليك

راه الحنة جات من فاس، جابوها جواد لناس

واس احنان إلا لا وس حنان

من حنى لسيدتي من حنى لها؟

للا فاطم الزهراء أياس احنان

للا فاطم الزهراء هي التي حنت لها

الحن نم المزور أتسليت

حناؤك الأولى يا عروس

أتي أرب د سعد إزيدن أتسليت

الله يزيده سعدا لك يا عروس

ويمارس طقس الغرامة بوقوف شخصين أو فتاتين أحدهما على يمين العروس والثاني على يسارها وفي قبضتهما عصا من القصب يلاقيانها بضربة سيف، و مناديان على كل شخص قريب منهما في جو حماسي، ويرددان ما يلي:

 أحناوين أحناوين، من جنا إجيه الخير

وبمجرد البدء في إعطاء الغرامات (هدايا)، يشرع في ترديد: والله مع فلان، والله مع فلان، وراه حن بـ.....، يرفق ذلك بزغاريد نسائية. يستمر الحفل إلى حدود الصباح و يتخلله في بعض الأحيان مستملحات كالمناداة على كل من هو قريب من العروس ولم يقدم هديته، كوالديها مثلا إذا تخلفا عن غرامتهما، إذ ينادي عليهما المناديان قائلين:

أيماس نتسليت فلانت آيم نقار (ننادي على أم العروس فلانة)، فلا يكفان على المناداة عليها إلا بعد أن تستجيب للطلب. في نهاية هذا الطقس، تجمع هذه الهدايا و تعد أمام الملأ ويجهر بها أمام الجميع و تقدم للعروس.    

 إذا أقيم حفل الحناء قبل ليلة عرسها (شات) بأيام، فإن العروس تتكلف باستدعاء أهل الدوار، حيث تقوم بزيارة منازلهم رفقة خادمتها (الوزيرة) التي تخاف عليها، فتتقدمها في السير تفاديا لكل مصيبة قد تدبر ضدها من طرف أعدائها. وهكذا تستضيف من كل منزل أسرة تقدم لها هذه الأخيرة هدية رمزية قد تكون نقودا، أو هدايا أخرى بسيطة كتزيين يديها بالحناء تقديرا لها واحتراما لقدسيتها، حيث تضحى العروس بمثابة الرمز الطاهر و مصدر القدسية و الفأل الحسن.

أما إذا تم ذلك خلال ليلة عرسها، فإن عملية الحناء تقام بعد الانتهاء من طقس الأحيدوس، حيث تشرع إحدى قريباتها أو أخواتها بتزيين يديها بالحناء و مستتبعاتها من الأدوات التي أرسلت لها في «الدفوع»، وتفتح الغرامة بعد ذلك. بعد الانتهاء من الحناء و تناول وجبة الفطور، يستسلم البعض للنوم لمدة قليلة ، والبعض الآخر للحديث الثنائي حتى تشرف وجبة الغذاء، حيث يهم الحاضرون إلى تناولها و الاستعداد لإلباس العروس الزي الخاص بالعرس، وهي الحاجيات التي بعثت لها في يوم (الدفوع)، ويتكون هذا الزي من اللباس الداخلي (بيجامة، سروال أبيض)، تبردوحت، القبة التي يؤتى بها في يوم الإلباس. يحدث كل ذلك في جو مليء بالخشوع و التأثر.

5.2. إلباس العريس/السلطان:

تختلف الآراء حول زمان إلباس العريس، فهناك من اعتبر من المبحوثين أن هذه العملية تتم خلال أسبوع قبل العرس، و بالتدقيق خلال الاستعداد للذهاب عند العروس بنفقة ليلتها، أي (الدفوع)، بينما أكد مبحوثون آخرون بأنها تتم في اليوم الذي تقام فيه ليلة العرس (شات). وإذا كان هناك اختلاف على مستوى زمان تنظيم هذا الطقس، فإن الإجراءات المتخذة و التدابير اللازمة لإلباس العريس لا تتفاوت كثيرا.

يتأهب الجميع، إذا، لإلباس السلطان الزي المخصص لعرسه والذي اقتناه أسوة بهدايا وألبسة العروس. يبدأ هذا الحفل بعد صلاة العصر، حيث يشرع الضيوف، بمن فيهم (إلعابن/إعزابن)، في الوصول إلى مكان العرس، والبدء في وصلة فولكلورية بعد تناول كأس شاي طبعا.

يؤتى بالعريس، بعد أن اغتسل، إلى وسط هذا الجمع الخليط من النساء و الفتيات و الأطفال والرجال، الكل موجود هنا في هذه اللحظة. إنه فضاء فسيح يتوسطه كرسي مخصص للعريس للجلوس عليه، و أمامه طبق يشمل على قالب سكر وبيضتان و الملابس الجديدة (جلابة بيضاء، وسروال فضفاض، وتحتية، وزرة، وجوارب بيضاء، وبلغة، وعطر...) يتطوع أحد كبار الجمع والوجهاء، أو أحد أقربائه للبدء في إلباس العريس وسط أهازيج و أناشيد الفرقة الفولكلورية التي تكون في البداية مقسمة إلى فريقين سرعان ما تلتصق مشكلة دائرة لا بداية و لا نهاية لها تدور على العريس والحاشية التي تسهر على إلباسه. إنه جو حماسي حيث الكل مغمور بالفرح و الابتهال.

يبدو العريس بهذا اللباس في أبهى حلته كأنه الصفاء و الطهارة و القدسية حيث لا شيء يعلو فوق كلمته، إنه سلطان بالفعل، يأمر ولا يؤمر. وما أن يتم الانتهاء من عملية الإلباس حتى يشرع أحد أفراد الفرقة الفولكلورية في المناداة على كل أقرباء العريس مسائلا إياهم عن هديتهم للعريس/مولاي السلطان، كما في المثال التالي:

(أيماس مولاي فلانة آيم نقار)  أم مولاي السلطان فلانة هي التي نناديها و نريدها. ولا يتم الكف عن مناداتها إلا بعد تلبية الطلب، ليتم الانتقال إلى قريب آخر، قد يكون هذه المرة الأخ أو الأب أو... إلى أن تتم تغطية كل أفراد الأسرة وعائلة الزوج وأقربائه. وهذه صورة من صور إلباس العريس وقد التقطت بجانب سد تلي وليس بمناسبة حفلة الزفاف.

5.3. الذهاب إلى العروس:

يتأهب الجمع للتوجه نحو العروس لمشاركة أسرتها الفرح، و تكون هي الأخرى في انتظارها. وهكذا، يقصد هؤلاء مكان العرس (ليلة العروس) في موكب بهيج يرددون أهازيج و أناشيد، يتوقفون عن ترديدها إذا كانت المسافة طويلة وبمجرد مغادرة البلدة و ابتعادهم عنها، ويستأنفون نشاطهم بمجرد اقترابهم من مكان الحفل. وما أن يصلوا إلى عين المكان حتى يجدوا في استقبالهم أهل «الرحبة»11، يتقدمهم أب الزوجة وأعمامها وأخواله و إخوتها و الجيران يصيحون مرحبين بالقادمين إليهم، مشروع العائلة الواحدة و القرابة الدموية.

تؤدي الفرقة الفولكلورية (إعزابن)، بعد وصولها وصلة/رقصة أحيدوسية لمدة وجيزة (من 15 دقيقة إلى 30 د) يشاركهم في ذلك أهل الزوجة إناثا و ذكورا. عند الانتهاء تتفضل الفرقة الفولكلورية لتناول اللمجة (وهي عبارة عن الثريد بلحم الدجاج). وبينما ينشغل أهل الزوج بتناول وجبتهم وسط لياقة أخلاقية لا نظير لها، لأنهم في ضيافة عائلة تستدعي اللباقة و اللياقة و الآداب، يكون أهل الزوجة، بدورهم، منشغلين باستقبال ضيوفهم القادمين إليهم بهدية تدعى «الوسادة»، وعادة ما يكون هؤلاء تربطهم بأهل الزوجة قرابات أو سبق لهؤلاء أن قدموا لهم هدية في مناسبة زواجية لإحدى فتياتهن.

وفي وقت مبكر من الليلة يتوافد الضيوف الآخرون على بيت أهل الزوجة قادمين بهدية رمزية (قالبان إلى أربعة من السكر) تسلم لأب الزوجة من طرف ضيفه، أو إلى أمها من طرف زوجة الضيف.

إلى عهد قريب، كانت توضع خيمتان لاستقبال الضيوف، إحداها تخصص للنساء والأخرى للذكور، فيتم الذهاب بالضيوف كل إلى خيمته. أما الآن، فلم يعد هناك مكان للخيمة، بل حلت محلها المنازل، إذ يطلب من الجيران إعدادها استعدادا لاستقبال الضيوف لتناول وجبة العشاء فقط.

عند انتهاء أفراد الفرقتين الفولكلوريتين من عشائهم، يتوجهون إلى مسرح الحفل «رحبة إسلان» (ساحة العرس)، وهي فضاء شاسع تمت تنقيته و تجهيزه بالحصير المجمع من جيران الزوجة، لممارسة هذا الطقس، ويكون ذلك إيذانا ببدء ليلة العرس، فيهم كل من أتم عشاءه للخروج إلى هذه الساحة كل إلى جهته للاستمتاع بهذا الفن عن طريق حس الرؤية و حس الاستماع.

5.4. بداية حفل عرس العروس:

يبدأ أول مشهد من طرف الفرقة الفولكلورية القادمة مع أهل العريس بافتتاح الحفل بأنشودة (لازمة) يرددها أعضاء الفرقة والتي تكون من إبداع أحدهم يدعى بـ» الشيخ اللغا»، أي الشاعر أو شيخ القول، ويدوم ذلك مدة زمنية معينة ريثما تنتهي الفرقة الفولكلورية الثانية، والتي تنتمي إليها العروس، من تناول عشائها. وعادة ما يكون مضمون الأنشودة هو أنهم ضيوف عند أهل الخير والجاه قدموا للفرح معهم في هذه الليلة.

تستمر هذه الفرقة في آداء رقصتها حتى تخرج نظيرتها بعدما انتهت من العشاء مرتدية الزي الرسمي لممارسة الأحيدوس (الجلباب، العمامة، السلهام) ويكون أبيض اللون، وهو نفس الزي الذي ترتديه الفرقة الأخرى، مما يعطي للرقصة نكهة عجيبة.وهذا نموذج لذلك:

تنتصب هذه الفرقة في الجهة المقابلة لتلك المفتتحة للحفل (شات) مرددة، هي الأخرى، مقطع تلك الأنشودة التي كانت ترددها نظيرتها، بحيث يصبح الدور متبادلا بين الفرقتين، وبين هذه وتلك يتواجد شخص أو أكثر، إلى حدود أربعة، يقرع طبلا، يدعى بـ«الشيخ والون» (شيخ البندير). يستمر هذا الحفل لمدة معينة من الزمن، ثم يحدث ليستأنف من جديد، وهذه المرة، بشكل مختلف عن سابقه.

وهكذا، تبادر الفرقة الثانية (المنتمية إلى أهل العروس) بمواصلة الحفل، إذ يهم بعض أعضائها إلى حفظ «إزلي»، والبعض الآخر إلى حفظ اللغا12 الذي أنتجه شاعر هذه الفرقة. وما أن يتم التأكد من عملية الحفظ هذه إلا وباشرت في قوله جهرا بعد أن تشكلت، مرة أخرى، في شكل قوس، مرسلة إياه إلى الفرقة الأخرى التي تستدعي منها قواعد العرس الأمازيغي حفظه و إعادته، و إذا تبين بأنها لم تستطع ذلك، يكرر من طرف الفرقة المرسلة له حتى تتمكن الفرقة الثانية من رده.

يتواصل الحفل على هذه الشاكلة، إذ تتقابل الفرقتان في إطار مبارزة كلامية شعرية بين شاعرين اثنين يفترض أن يكون كل «إزلي» بمثابة جواب عن مضمون «إزلي» شاعر الفرقة الأخرى. ويتراوح موضوع المبارزة بين أنثى جميلة ومدح لأهل العروس و هجاء للفرقة الضيف.

ولإضفاء الدفء على هذا الحفل يتفضل شاعر الفرقة الفولكلورية، أهل الرحبة، إلى مناوشة شاعر الفرقة الثانية (الضيفة) عندما يحس بتجاوزه للخطوط الحمراء، وهي التغزل في بعض نساء أو فتيات قبيلته/دواره، أو الاعتزاز برجولته ورجولة قبيلته. وجرت العادة على أن كل شاعر يوجه نوعين من الـ»إزلي» إلى خصمه و يكررهما مرتين بعد أن تستطيع الفرقة الأخرى من رد الأول. وعند الانتهاء من قول هذين «الإزلين» تشرع أعضاء كل فرقة فولكلورية إلى أخذ مكانها في «الريف»13. في هذه الأثناء، يعمل الأفراد المكلفون بالطبول (آيت والون) على تسخين أدواتهم (الطبول) للبدء في نشاطهم حيث بدأ الحفل، ومن هناك يتم افتتاح شوط جديد من لعبة الأحيدوس.

وعندما يتشكل «ريف» الفرقة التي كانت في استقبال الـ «إزلي» يتوجه هؤلاء، شيوخ البندير (آيت والون)، نحوه في إيقاع ونقرة واحدة على الطبل، ثم يقفون بعيدين عنه ببضعة أمتار (بين 4 إلى 6) وقفة واحدة يدعون أعضاءه للانتظام في سلسلة واحدة، ثم يعودون من جديد إلى الفرقة المرسلة لـ»لإزلي»، فيصبح دورهم متبادلا بين هذه الفرقة وتلك. وفي الوقت الذي يحس فيه أحد أعضاء فرقة الطبول ببرودة طبله ينسحب في اتجاه آخر لتسخينه من جديد ولإضفاء الدم والدفء على هذا الطبل. والصورة التالية تعبر بشكل حي عن رقصة أحيدوس وهي تمارس في بداية تشكل «الريف «يردد أعضاؤه «اللغا»:

ومن جهتهن، تترصد النساء، اللائي كن يمتعن الجمهور المتفرج بزغاريدهن عند سماعهن لكل «إزلي ينال إعجابهن تشجيعا منهن لهذه الفرقة أو تلك، أو بالأحرى تحفيزا لشاعر هذه الفرقة أو للآخر، الفرصة لمشاركة كل فرقة نشاطها، بحيث يلج بعضهن «ريف» الفرقة/صاحبة الرحبة. وفي حقيقة الأمر، تلج النساء والفتيات الفرقة التي تنتمي إليها حتى لا يصبحن مدعاة للسخرية والاستهزاء من طرف سكان قبيلتهن أو دوارهن. أما بالنسبة للعروس التي تتريث قليلا حتى تحس بهيجان وحرارة الأحيدوس لتتفضل وسط زغاريد الفتيات والنساء مارة وسط الجمهور بزيها اليانع ترافقها خادمتها لتقتحم تلك السلسلة من أفراد الفرقة الفولكلورية التي تمثل أهلها إلى جانب أخيها أو عمها أو خالها ونفس الشيء بالنسبة لمرافقاتها.

تنتهي هذه الجولة، ليشرع شاعر الفرقة الثانية في إعداد رسالته لشاعر الفرقة الأولى، وهي 2 «إزلان»، وما أن يتم ذلك حتى يقوم بتحفيظهما لأعضاء فرقته (إعزابن) التي تلفظه جهرا و على مسامع الجمهور حيث يلي ذلك زغاريد النساء والفتيات. وبمجرد تمكن الفرقة المستقبلة للرسالة و ردها، تبدأ فرقة الطبول في إعداد عدتهم وهي تسخين الطبول إيذانا ببدء الجولة الثانية حيث يلتزم كل فرد من الفرقتين بمكانه في «الريف»/ السلسة. تمر الجولة الثانية كسابقتها في جو بهيج من الاحتفال والحماس.

يستمر هذا الحفل على هذا المنوال، وتستمر معه المبارزة الكلامية بين الفرقتين سواء في مدح أهل العروس، أو في التغزل في إحدى الفتيات التي بدت في زينة ما، أو في التهجي. يستمر كل ذلك إلى وقت مبكر من صبيحة الغد والذي هو يوم عرس العريس «إسلان».

    في هذه اللحظة التي ينتهي فيها حفل العروس ينفض الجمع، ويفترق الكل حيث يعود كل واحد إلى بيته بما في ذلك أهل العريس باستثناء إحدى قريباته التي تمكث مع زوجة أخيه، فيستسلم الكل للنوم هنيهة في انتظار حلول الصباح14 للتهيؤ لاستقبال أهل العريس من جديد.

 إن مسرح الأحداث التي شهدتها دار أهل العروس خلال تلك الليلة يبدو أنه لم يشهدها قط، إذ الجميع يستيقظ على إيقاع جديد، إنه الاستعداد لرواح العروس لبيت الزوجية. تكون العروس آخر من يستيقظ بعد أن كانت أول من نام حفاظا على قوتها و طراوتها الجسمانية التي ستحتاجها خلال ليلة الدخلة. يتناول الفطور، ثم يشرع في إرجاع الأواني و الأدوات المنزلية إلى ذويها من الجيران بعد أن استفادوا منها خلال تلك الليلة.

في هذه الأثناء، يكون بيت العريس هو الآخر مسرحا لأحداث أخرى. فبعد الرجوع من حفلة العروس، يستسلم أهله، كذلك، للنوم لمدة قليلة من الزمن، ثم يستيقظ الكل في الصباح الباكر، وتوزع الأدوار للتدبير اللوجستيكي ليوم الزفاف «إسلان». فهناك من يتكفل بجلب الأدوات والأواني ( الكؤوس، المنادل، أباريق القهوة والشاي، الأطباق، الطاولات، الحصائر، الكراسي إن وجدت...) من عند الجيران، و من يتكفل بجلب المياه/الماء الشروب، ومن يسهر على نصب الخيام... وآخر يقوم بذبح الذبائح.

 أما النساء و الفتيات، فيزاوجن بين إعداد الأكل (الطعام/الكسكس) وبين الزغاريد والقيام بوصلات أحيدوسية من حين لآخر، وتنظيف الفضاء و تهييء غرفة بيت الزوجية. وغالبا ما تناط مهمة تهييء الطعام لامرأة تكون خبيرة بقواعد الطهي.

يقترب موعد وجبة الغذاء، ويكون ذلك بإذن من المرأة الطباخة و باستشارة مع القائم على تنظيم العرس، فيجتمع الكل لتناول وجبتهم وسط مداعبة العريس الذي يرافقه خادمه ( الوزير )أينما حل، وهو مازال مرتديا زيه الرسمي. وقد يتناولان غذاءهما بمفرديهما. ثم يأتي دور النساء، وبعد ذلك الأطفال. إنه تنظيم هرمي يعكس الهرمية الاجتماعية المميزة للمجتمع القبلي.

5.5. الاستعداد للتوجه إلى العروس:

    ما أن يتم الانتهاء من الغذاء، إلا ويبدأ في الاستعداد للتوجه إلى بيت أهل العروس لاستقدامها. ويكون هو الآخر، مسرحا لأمداح وأناشيد وزغاريد نسوانية فرحا بهذا اليوم التاريخي و المشهود، واستعدادا كذلك لاستقبال الضيوف (أهل العريس). فتقوم إحدى قريبات الفتاة باغتسالها وعادة ما تكون امرأة مسنة ووقورة، يحصل ذلك بعد تناول الغذاء.

يتشكل الموكب المتوجه نحو العروس بعد أن يحصل التهافت حول الذهاب بين الصغار والكبار، ثم ينطلق بعد صلاة العصر أو قبلها بقليل، حسب درجة بعد منزل العروس عن بيت العريس. وقد تتميز هذه الانطلاقة بنوع من الفوضى في بدايتها وبتوتر العريس الذي يكون ضمن الوفد المتوجه نحو العروس إلى جانب أمه وأبيه وإخوته وأقربائه، خاصة عمه وخاله الذي قد يغضب أحدهما في حالة عدم الذهاب، إلى جانب أفراد يتشكلون في فرقة فولكلورية تردد لازمة تضفي بها رونقا على الموكب، وبفضلها يحس العريس بنوع من الاسترخاء.

5.6. إلباس العروس:

ما أن يصل الوفد المتوجه نحو العروس حاملا مستلزمات لباسها حتى تتولى إحدى قريبات العريس تسليمه لأم العروس لتهيىء المكان للبدء في عملية الإلباس، فتشرع النسوة في ذلك، وعادة ما تقوم بهذه المهمة إحدى النساء العارفات بآداب الإلباس من القادمات مع العريس، أو إحدى قريباتها (عمتها أو خالتها) تفاديا للسحر وكيد المكائد. ويتزامن مع هذه العملية ترديد الأهازيج المؤثرة في نفوس الحاضرين، خاصة العروس، وهي أهازيج مبكية أكثر مما هي مسلية تبدأ بالبسملة على غرار:

باسم الله نبد س ربي

باسم الله بدأنا بك يا رب،

ويتم ترديدها مرتين من طرف النسوة الحاضرات المنقسمات إلى مجموعتين، وعندما يبدأ في مشط الشعر يتم ترديد ما يلي:

أوكلين أدللا يتودوم س الزين أمالي

لمن هذا الشعر المدلى بالزينة

يليس ننبي محمد آش تلين أمالي

 إنه شعر بنت محمد

أرولي مشيطة، أرولي خيوطها

 مدوا لي المشط، ومدوا لي خيوطها

ودموع لعروسة إرشو لحيوط

ودموع العروس ترش الجدران 

أيداد أمزن خغلوي نتافشت

 جاء المرسول وقت غروب الشمس

ويما من لهلينو أنمسافط

يا أمي أين أحبابي لتوديعهم

أيداد أمزن خغلوي نتافشت

جاء المرسول وقت غروب الشمس

أيما من كورغ تهزي ترججوت

إلى أين أذهب يا أمي؟ لقد بدأت أحس بالرعدة

طيط نشم إعدن أ ثعم أن ثلا

العين التي تؤذيك ستصاب بالعور

إسل ثسليث أدين أم أخليج أيما

العريس والعروس مثل أخليج15 أيتها الأم

كل أسكاس أدرنين ألقوح أيما

كل عام سيزيدون لقاحا يا أم

فغد غري فغد غري أللا الحوريا

اخرجي عندي أخرجي عندي يا سيدتي الحورية

دببم آشم يوشين أللا الحةرية

أبوك هو الذي أعطاك يا سيدتي الحورية

سقنطار د لميات أللا الحورية

بالقنطار و المئات يا سيدتي الحورية

إلعابن ترجان أللا الحورية

أفراد الفرقة الفولكلورية ينتظرون يا سيدتي

    إبان هذا المشهد الذي يغلب عليه الحزن من جهة أهل العروس، والفرح من جهة أهل العريس، تلاحظ الدموع وهي تنهمر على خدي العروس ومعها كل عاطفة هشة. في هذه الأثناء، يكون أحد أقرباء العروس يتحين فرصة اختطاف أحد لوازمها لكي يقايضها برشوة من طرف العريس، وقد تكون عبارة عن فردة من حذائها أو القبة قبل وضعها على الرأس. وهذه صورة للعروس وهي في حلتها الزوجية:

5.7. الاستعداد للعودة إلى بيت الزوجية:

بعد تلبية الطلب، وعند الانتهاء من عملية الإلباس، يتكفل أحد أقرباء العريس بنقلها نحو الدابة (فرس أو بغل)، وقد يكون عمها أو خالها إن لم يكن أحد إخوتها. يجسد ذلك إعلان عن فك الارتباط بين الفتاة وبيت أهلها، ويعتبر ذلك من المشاهد التي تبقى راسخة في ذهن العروس بالأخص.

لا تبخل الأم، في هذه الأثناء، على ابنتها بالنصائح والوصايا و النواهي وكيفية التصرف خلال ليلة الدخلة بشكل خاص. إنها تقوم بذلك وهي في وضعية حزينة لأنها ستفترق عنها إحدى فتياتها التي كانت أحد سواعدها في ترتيب أمور البيت، أما الأب فقد يكون منزويا في أحد الزوايا كأنه لم يتأثر بفراق ابنته عنه، وإن كان في العمق يعاني من ذلك، خاصة إذا كانت الفتاة الوحيدة لديه، وهي التي تقوم مقام أمها في الإعداد السيكولوجي لراحة الأب ومساعدته في المواقف الصعبة، هذا دون استحضار الميل الوجداني للأب تجاه ابنته أو هذه الأخيرة إزاء أبيها كما تفيد كتابات فرويد التحليل النفسية.

وهكذا تبدأ لحظة وداع الفتاة لدار أهلها وإخوتها و أحبابها، وخاصة لأبيها وأمها اللذين لن يرافقاها إلى بيت الزوجية. إنها تودعهما عبر تقبيل رأسيهما و الدموع تسكب من عينيها، غير أن ذلك لا يعني أنها نادمة على الزواج، بل الفتاة لا ترضى إلا و هي في حضن زوجها، كما أن أباها، هو 16الآخر، يشرع في نهيها و الكف عن البكاء لأن مصلحتها تكمن في دارها مع زوجها و أبنائها. في هذا السياق، أكد لوطورنو بأن الدموع أضحت مضرب المثل بـ«فاس»17، إذ يحكي أن أبا، وهو متأثر من رؤية ابنته البكر في أسى شديد، اقترح عليها أن يزف أختها الصغيرة مكانها، فأجابت وهي تشهق: «لا، لا، كلهن بكين لكنهن ذهبن»18.

تمتطي العروس الدابة المخصصة لنقلها أو الفرس وقد يرافقها فارس أحلامها وهو أيضا على فرسه، ويسهر على هذه العملية أخوها البكر أو خاله، بحيث يحملها بنفسه من مكان إلباسها حتى يضعها فوق الدابة دون أن تخطو بأقدامها خطوة واحدة تجنبا لكل سوء أو ما من شأنه أن يعيق أو يعكر حياتها الزوجية.

ينطلق الموكب الزفافي عائدا إلى مكان العرس وسط زغاريد و وصلات فولكلورية وعمة العروس ممسكة بذيل الدابة خشية من السحر ومن كل مكروه قد يصيب الفتاة المسكينة. و عند بعض القبائل يرافق العريس الوفد المتوجه إلى العروس للقدوم معا إلى بيت الزوجية كما تدل على ذلك الصورة أسفله.

5.8. لحظة الوصول:

وعند الوصول يجدون أهل العريس و ممن تبقى في ساحة العرس/بيت الزوجية في استقبالهم بعدما يرحبون بهم. وبمجرد ما يقترب الموكب إلا و تشرع النسوة الحاضرات في العرس في ترديد اللازمة التالية:

ترسيت ترست أتميمونت إنو

ترسيت إرسن إربان دا

وتفيد هذه اللازمة أن نزول الفتاة في الدار الجديدة والقادمة بكيان آخر سيكون له فأل حسن على العائلة بإنجابها لها الأولاد. ثم تنتقل النسوة إلى لازمة أخرى:

تروحد لالة   تروحد اشسن دوولي

ومعنى ذلك، أن دخول هذه العروس و رواحها إلى هذا المنزل سيكون مصدر الخيرات من قبيل الخيول والغنم.

    يتخذ الزواج عند قبائل آيت وراين إذا بعدا آخر، فهو ليس فك ارتباط فحسب، ولكنه رمز للخير ومصدر الفأل الحسن بالنسبة لوالدي الزوج، وهذا ما يجعل أهلها يجنبوها كل سوء  سواء في ليلة الحناء أو ليلة عرسها أو وقت إلباسها ثم خروجها من بيت أبيها.

وبمجرد الوصول، يتقدم العريس إلى الدابة التي امتطتها العروس، ثم يمر تحتها و بين قدميها تتبعه أخته، وهي إشارة إلى أن أهل العريس لن يؤذوها وهم في خدمتها وستكون محط اهتمام هؤلاء  وواحدة من بين أفراد العائلة.

تتبادل العروس و العريس الحذاء (البلغة) حيث يلبس كل منهما حذاء الآخر لإشارة منهما إلى التفاهم  والانسجام ودرءا لكل خلاف. ثم تقوم العروس بعد ذلك، بتوزيع الحلوى والعلك من صحن كبير يقدم لها عندما تقترب من عتبة المنزل. يتم هذا التوزيع برمي هذه الحلوى في كل الجهات ليلتقطها الحاضرون والحاضرات عبر التسابق نحوها. و مؤدى ذلك، أن الإمساك بهذه الحلوى و أكلها هو تعبيد الطريق نحو الزوجية بالنسبة للفتيات و الشبان بدليل أن المتزوجين الملتقطين لها يمنحونها للفتيات العازبات والعازيين وفي ذلك دعاء لهن و لهم بالزواج.

تناول أم العريس الدقيق و الحليب للعروس لتضع يدها اليمنى فيه لإزالة الدسائس و تأكيد صفائها. يجب أن تكون صافية مثل صفاء وبياض الدقيق و الحليب.

يتم ذلك بعد أن تكون الفرقة الفولكلورية قد توقفت عن الأحيدوس لتترك المجال للنسوة المنتظرات قدوم العروس. وعند الانتهاء من هذه الطقوس يهم أحد أفراد العريس بإنزالها عن الدابة وحملها إلى المكان المخصص لها و لأحبابها القادمين معها في جو مليء بالأهازيج والزغاريد، ليشرع بعد ذلك في إطعامهم وجبة اللمجة والتي هي عبارة عن الثريد مروي بالدجاج البلدي. يؤتى بالعريس للجلوس بجانب زوجته ومشاركتها في الأكل، كما يمكن أن يظل بعيدا عنها بداعي الحشمة و الاستحياء. وهكذا، يبدأ أهل العريس بدعوة ضيوفهم لتناول الأكل و الترحيب بهم تماشيا مع ما تمليه آداب استقبال الضيف و اللياقة.

6. بداية حفل الزفــاف:

في الوقت الذي يصل فيه الموكب الزفافي ويستقبله أهل العريس ، ينتظر هؤلاء، كذلك، الأفواج الأولى من ضيوفهم التي تقصد رحبة العرس قبل صلاة المغرب في أحد طقوس الزواج عند آيت وراين، إنه «اضزيوة» (القصعة). يعبر هذا الطقس عن هدية يساعد بها الشخص القادم بها أهل العرس، وهو عبارة عن صحن كبير مملوء بالطعام (الكسكس) تقدمه عائلة قريبة من أسرة العريس في شكل إعانة والهدف من ذلك هو تحسيسهم بأن هناك سواعد في الخلف تقف إلى جانبهم. و قد يكون ذلك عبارة عن دين يوجد في ذمة هذه العائلة قدم لها، هي الأخرى، في شكل مساعدة أثناء مناسبة زواجية. ورمزية كل ذلك، أن ثقافة المجتمع الورايني تتميز بالترابط العضوي الحاصل بين مكوناته و الذي يتخذ شكل التواصل بالخيرات المادية. وقد لا تقتصر هذه المساعدات المقدمة إلى أهل العرس على أقربائهم، بل يمكن أن تكون من جهات ودواوير أخرى، خاصة إذا كانت عائلة العريس ذات مكانة و وجاهة اجتماعيتين.

وهكذا نجد أنفسنا أمام ديناميكية قبلية تتمثل في التواصل الزواجي من جهة، وفي التواصل بواسطة الخيرات المادية، وهو ما أكد عليه كلود ليفي ستراوس في دراساته حول القرابة في المجتمعات الأمريكية.

ترافق عملية تقديم هذه المساعدات/الهدايا فرق فولكلورية مرتدية الزي الخاص بالعرس، وتكون خلف أهل الهدية «اضزيوة» (وتدعى كذلك بـ «تفسي» أو «ساشو» مملوء بالزرع) مشكلة هلالا وتردد لازمة. وعند الوصول، يجدون في استقبالهم أب العريس وأحد إخوته الكبار والساهرين على تنظيم العرس و أخواله وأعمامه، فتنطلق الزغاريد و التهليل بالقادم الجديد، إذ يتطوع أحد هؤلاء مرحبا بأصحاب الهدية قٌائلا بشكل جهري:

ومرحبا بك أفلان، والله إكثر خيرك، والعقبة نثرشث د الخير (نرده لك خيرا).  ويكون ذلك لمرتين أو ثلاث.

يتسلم أهل العريس الهدية وينتظرون انتهاء الفرقة الفولكلورية من وصلتها الأحيدوسية التي أشعلوا حرارتها، وقد شاركهم فيها أهل العريس ذكورا وإناثا بما في ذلك العريس.

تهيأ غرفة خاصة لاستقبال هؤلاء الضيوف وتقدم لهم وجبة اللمجة، هم الآخرون، والتي هي عبارة عن الثريد والدجاج البلدي، وينبغي أن تكون في المستوى اللائق بهذه الهدية. يستمر الجو على هذا المنوال إلى أن تبدأ الوفود الأخرى من الضيوف تصل إلى العرس فرادى أو في شكل أزواج، ويكون ذلك بعد صلاة العشاء.

6.1. ليلة العــرس:

تضاء ساحة العرس بالقناديل و مختلف أدوات الإنارة، ويبدأ الاستعداد للشروع في الحفل من طرف الفرقتين الفولكلوريتين و اللتين غالبا ما تكون إحداهما تمثل القبيلة/الدوار التي قدمت منها العروس والأخرى تمثل القبيلة التي ينتمي إليها العريس. وإذا شاءت الأقدار أن يكون العريسان من نفس القبيلة/الدوار، فإن الفرقة الثانية التي ستنشط الحفل تكون من دوار/قبيلة أخرى، حيث تتم دعوتها لمقابلة نظيرتها تلك الممثلة لقبيلة العريس.

وهكذا، يبدأ الحفل من طرف الفرقة الضيفة أو من طرف الفرقة صاحبة الرحبة، باستهلاله بلازمة (اللغا) يطلب فيها التسليم و الضيافة كما في المثال التالي:

«طالبين ضيف الله الليلة نقسرومحبة».

 ولا ترى في هذه الأثناء إلا الجلاليب والعمامات البيضاء، وبمجرد ما أن تشتعل حرارة هذه الوصلة إلا وترى، كذلك، النسوة يستعددن للمشاركة فيها إلى جانب الذكور، فتلاحظ ألبسة يانعة مزركشة بالموزون.

ويجسد لهيب من النار المشتعل وسط ساحة العرس مؤشرا من مؤشرات قوة هذا الحفل، إذ يقبل أحد أحباب العريس والساهر على النظام إلى إشعال نار بواسطته يتم تسخين الطبول كلما شعر شيخ19 ما ببرودة طبله.

تتقابل الفرقتان كل واحدة بشاعرها في هذا الفناء الواسع حيث الكل يسمع و ينصت إلى ما يقوله هذا الشاعر أو ذاك، وتتوالى الزغاريد والهتافات بمجرد سماع ما تم إنشاده. أما الموضوع الذي تدور حوله أشعار (إزلان) هؤلاء، فغالبا ما تكون، كما جرى في عرس العروس إما التمجيد بالعريس وأهله، أو حول إحدى النساء المعجبات بأحدهما أو هجاء في شاعر الفرقة الأخرى، والأكثر من ذلك، قد تكون هذه المبارزة استمرارا لسابقتها التي جرت أثناء ليلة العروس. وهذه بعض النماذج20:

1. حجرة مذهبة تضوي كيف لويز،

عاد نزلها مهنديس دبلومي،

راه عمل طاج فوق طاج.(م.ت).

2.  الحمامة كطير او تنزل،

ويلا وقف لي الزهر غدي،

نشدها و تكون فداري مربية.(م.ت).

3. لحمام طار علا،

 وأعطى بالراس القبلة،

راني حاضيه فين ولا،

دارت العسة عليه شلا،

يادي صياد لاش تشقا غير تهنا فراسك.

تمر الليلة في حفل بهيج، حتى حلول الصباح، كلها نشاط و لعب و استمتاع، وما أن تصل الواحدة صباحا حتى يبدأ بعض كبار السن الذين لا يقدرون على مقاومة التعب في الإسراع إلى النوم الذي أصابهم من كثرة السهر. أما المهووسون (ذكورا و إناثا) بالأعراس فإنهم يقاومون التعب إلى أبعد الحدود، بل في بعض الأحيان حتى بزوغ الشمس.

ينفض الجمع صباح اليوم الثاني من العرس باستثناء أفراد عائلة العروس وخادمتها. وبعد تناول وجبة الفطور، وإزالة بعض الألبسة ليلة العرس بما في ذلك القبة، يطلب من العروس الذهاب إلى أقرب عين و معها مجموعة من الفتيات بهدف الإتيان بدلو مملوء بالماء إلى بيت زوجها لقياس مدى خفتها من جهة، ومن جهة أخرى عربون على صفائها و حسن نيتها. فإذا كانت حماتها قدمت لها، أثناء وصولها عشية يوم العرس، الحليب والدقيق رمزا للصفاء، فلأن العروس لا تجد ما تبادله به إياها سوى الذهاب إلى العين لسقي الماء الشروب.

في الوقت الذي تعود فيه العروس من العين يتم إخفاء العريس ضمن مجموعة من الشبان بواسطة غطاء غير كاشف، لتقوم العروس بالبحث عنه وسط جو مرح يسوده الضحك و الترقب (ترقب حصيلة البحث عن الزوج).

يعتبر هذا اليوم الموالي للعرس يوما متنفسا بالنسبة لأهل العريس و الترفيه عن الذات بعدما نال منهم العياء طيلة الاستعداد للعرس. وهكذا بمجرد تمكن العروس من ايجاد زوجها، تشرع إحدى النسوة، وغالبا ما تكون كبيرة السن، في إنشاد أنشودة تمجد فيها العريس و العروس معا، ويدعى ذلك بأنشودة «أمناي».

خلال هذه الفترة، يكون العريسان لم يجلسا بعد وجها لوجه، ولم يتقابلا، بحيث يكون خدامهم لا يبارحونهما خوفا من كل سوء ودرءا لكل مصيبة. وبعد تناول وجبة الغذاء، يستسلم البعض للقيلولة طلبا لأخذ النفس، والبعض الآخر يعيد إلى الجيران أدواتهم المنزلية تهيئا للحظة تاريخية قادمة تسجل لصالح العريسين، إنها ليلة الدخلة.

6.2. ليلة الدخلــة:

وتكون بعد تناول وجبة العشاء من اليوم الثاني للعرس، إذ تقوم فتاتان أو امرأتان شابتان بتهييء غرفة الزوجية، وهي الغرفة التي خصصت لإقامة العروس مع زوجها، يتم فرشها بفراش أنيق، وتخلع العروس عنها بعض الألبسة الأخرى التي مازالت عليها منذ ليلتها باستثناء قميص رقيق وشفاف وسروال ناصع أبيض اللون يرمز إلى البكارة.

تدخل الفتاة بداية إلى الغرفة ومعها خادمتها وإحدى قريباتها وقريبات العريس دون إثارة الحاضرين مع أنهم على علم بما يجري، يبقين معها لمدة وجيزة ثم يتركنها. خلال هذه اللحظة يكون العريس مع خادمه/ الوزير منزويين لوحدهما في ركن من أركان خارج البيت، وبمجرد ما يشعران بخروج مرافقات العروس، يتسرب خلسة إلى الغرفة دون إشعار الآخرين، بل هناك من هم للنوم. يلحق العريس بالعروس إلى الغرفة، وينتظر وراء بابها كل من خادمة العروس وخادم العريس وأمه وإحدى قريباتها التي بقيت معها عند أهل العرس، وبعض النسوة الأخريات المنتظرات لنتيجة اللقاء الأول (الصبوح).

قد يكون العريس ذكيا، إذ بمجرد دخوله الغرفة إلا ويستسلم للنوم مع زوجته تاركا المنتظرين في وضعية الانتظار ليستفيق فجر اليوم الثالث ويفك لغز العرسية و البكارة، بتنسيق مسبق مع خادمه. يتسرب، بعد أن ينهي واجبه، في صمت مطلق مناديا على خادمه للتوجه إلى مكان ما للاغتسال. وما أن تحس النسوة المنتظرات بخروج العريس إلا وتتهافت جهة العروس لرؤية الدم ملطخا في سروالها أو على قطعة قماش بيضاء، فتتعالى الزغاريد، و تنشط الحماة أكثر و كذلك الشأن بالنسبة لأب العريس لأن ابنهما أصبح فعلا رجلا فحلا، والفحولة هي إيذان بالقدرة على تحمل المسؤولية.

تعود النساء والفتيات المتبقيات مع العروس في بيت العرس إلى أهل العروس ومعهن قطعة قماش أو السروال الملطخ بدم البكارة، فتعمل أختها أو إحدى قريباتها (تدعى في كل الحالات بـ«تموشيلت، أي تلك التي ترافق العروس وتبقى معها أثناء ليلة العرس، وفي الصباح تقوم بنقل الخبر إلى ذويها») وقد تكون إما خالتها أو عمتها أو إحدى بناتهما أو إحدى بنات الجيران، على جمعه لتتوجهن إلى أمها و معهن بعض الشبان.

6.3. الصبـوح:

تكون الأم المسكينة تنتظر بشوق عودة هؤلاء النسوة ومعهن نتيجة ليلة الدخلة. وهكذا تظهر على محياها علامات البهجة والسرور عند رؤيتها للسروال الملطخ بالدم، سرعان ما يتحول ذلك إلى بكاء وحضن بين الأم وأخت العروس دلالة على قدسية الشرف لدى العائلة عند قبائل آيت وراين.

وفي اليوم نفسه، يتم إعداد الفطور بسرعة إن لم يكن مهيئا من طرف النسوة العائدات من العرس أو اللائي بقين مع أم العروس للقدوم به إلى بنتهن (العروس)، ويكون ذلك غالبا في وقت الضحى دون استقدام الأب إلا في وقت الغذاء. وهكذا، يصل الوفد المتكون عادة من النساء والفتيات إلى الفتاة (العروس) مع ترديد أهازيج في الطريق تعبيرا منهن عن الفرحة والسرور، لأن البنت حافظت على شرف وكرامة العائلة. وتكون الزوجة، الآن، قد تم تزيينها من جديد إذ ظفر شعرها ووضعت لها الغلالات «تبرطين» والموزون وأزيلت القبة وتدعى بـ«حل الرأس» وأخصب وجهها، وتبقى في مكانها طيلة ذلك اليوم، ويسمى عند أهل فاس بـ«نهار حل الرأس». أما العريس، فإنه لم يعد بعد إلى المنزل لأن اللياقة تفرض عليه احترام حماته بالبقاء بعيدا عنها طيلة الأسبوع بداعي الحشمة و الحياء.

   يتناول الغذاء من طرف الجميع الذي قدم مع أهل العروس، وتتم المناداة على أبيها وعلى بعض الجيران. يتوجه الأب صوب بنته التي تقبل رأسه فيثنى عليها بالدعاء الحسن «الله يرضى عليك»، ويبدو أنه فخور بها لأنها شرفته و حافظت على سمعته بين أهل القبيلة/الدوار، ويعود إلى غرفة الضيوف ح  يث الرجال جالسون منكبون على شرب الشاي، ثم تقدم لهم وجبة الغذاء.

ما زال العريس، في هذه الفترة، غائبا عن المنزل ومعه وزيره بدعوى الاستحياء من أصهاره. يعود أهل العروس إلى بيتهم بعد تناول الغذاء وفي أقصى الحالات بعد تناول اللمجة، أما العروس فتبقى إلى جانبها إحدى أخواتها الصغيرات ريثما تستأنس بالمقام الجديد.

بعد عودة الأصهار إلى حالهم، يعود العريس إلى البيت في تستر تام دون إشعار الآخرين كأنه كان موجودا معهم، يقضي الليلة مع زوجته. وفي صباح اليوم الرابع يتناول الجميع الفطور، بل هناك من الأسر التي تطلب من زوجتهم الجديدة إعداده للوقوف على مدى حنكتها و تمكنها من قواعد الطبخ. وهكذا، قد يطلب منها إعداد «البغرير» مثلا، أو الحريرة ...وفي هذه اللحظة يتم الحكم على الزوجة بذات(الدراع) أو دون ذلك.

7. ما بعد العـرس:

خلال اليوم السابع من العرس، يتوجه أهل العريس إلى الأصهار الجدد ومعهم الزوجة الجديدة التي لا تفارق زوجها (ويدعى هذا الطقس بـ«الصواب»)، مرفقين بهدية (ذبيحة) ومواد غذائية (طحين، زيت، توابل، سكر، خضر...)، وعند الوصول يستقبلونهم استقبالا حارا فيتقدم أب العريس للسلام على أب العروس وعلى أمها، ونفس الشيء بالنسبة لأم العريس وباقي الأشخاص القادمين معهم، أما نكهة هذا اللقاء فهو التقاء العريس مع أصهاره خاصة والدي زوجته حيث يتحتم عليه تقبيل رأسيهما ويقدم هدية لأم العروس، في شكل نقود أو قميص، عرفانا منه لها باحترامه لها وتقديرا منه لها.

وبالمقابل، فإن عائلة الزوجة، هي الأخرى، ستقوم بزيارة رسمية لابنتها حاملة معها ذبيحة.

خاتمــةخلاصة القول، أن نظام الأعراس عند قبائل آيت وراين لا تشكل تفردا تتميز بها هذه القبائل بقدر ما تجسد هوية ثقافية و نظاما اجتماعيا مبنيا على التعاضد و التماسك الاجتماعيين. إلا أن المفارقة التي تفرض التوقف عندها تتمثل في بدء انقراض طقوس العرس الورايني نتيجة اختراق الثقافة المدنية لبنيات  و هياكل المجتمع القبلي الورايني. لذلك، كان لزاما القيام بمحاولة إنقاذ هذه الطقوس والإبقاء عليها ولو على مستوى التوثيق والتدوين ما دامت  تمكن أوسع نفر من الناس من التعبير عن أنفسهم وعما يحيط بهم ومخافة إخماد هذه التعبيرات عن طريق الثقافات المدعاة وطنية.

شكر:  أتوجه بشكري لكل من: أحمد العراف ورحو أمحرف اللذين مداني بكثير من معلومات هذا البحث، وإلى ميمون عبيد الذي زودني بالصور المتضمنة فيه. وبعض الصور الأخرى مأخوذة من موقع يوتيوب: (أحيدوس تاهلة).

 

البيبليوغرافيـا  والهوامش

البيبليوغرافيـا:

1. بغدادي (ال) محمد، المدرسة وتمثل المستقبل، رسالة لنيل الدكنوراه في علم الاجتماع، كلية الآداب و العلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، 2001 – 2002.

2. زكاف (ال) عبد المجيد، ملاحظات حول سوسيولوجية الأدب الشفوي، مجلة الزمان المغربي، السنة الخامسة، عدد 17، 1983.

3. برت فلنت، الثقافة الشعبية و ثقافة النخبة، ت: محمد عياط، مجلة عيون المقالات، عدد: 12، 1989. 

4. لوطورنو، روجيه، فاس قبل الحماية، ت: محمد حجي و محمد الأخضر، دار العرب للملايين، بيروت، لبنان، الكتاب السابع، الفصل الثالث، 1986.

5. هرهار، عبد الله، النظام الإيكولوجي والنظام الثقافي لقرى تاهلة، أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، 2005 - 2006.

 

الهوامش:

1- العائلة في المجتمع القبلي لآيت وراين تعتبر النواة الأساسية لكل تشكيل اجتماعي. وتختلف عن الأسرة، إذ الأخيرة تتكون من الزوج والزوجة والأبناء. بينما قد تتشكل العائلة من مجموعة من الأسر و تعيش في بيت واحد، وهو ما نجده عند قبائل آيت وراين.

2- روجيه لوطورنو، فاس قبل الحماية، ت: محمد حجي ومحمد الأخضر، دار العرب للملايين، بيروت، لبنان، الكتاب السابع، الفصل الثالث، 1986.

3- عبد المجيد الزكاف، ملاحظات حول سوسيولوجية الأدب الشفوي، مجلة الزمان المغربي، السنة الخامسة، عدد 17، ص:137.

4- عبد المجيد الزكاف، المرجع السابق ذكره، ص: 138.

5- عبد الله هرهار، النظام الإيكولوجي و النظام الثقافي لقرى تاهلة، أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب و العلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، الفصل الثالث، ص.ص: 100 – 139.

6- عبد الله هرهار، نفس المرجع السابق ذكره، ص.ص: 128 -129.

7- روجيه لوطورنو، فاس قبل الحماية، ت: محمد حجي ومحمد الأخضر، دار العرب للملايين، بيروت، لبنان، الجزء الثاني، 1986، ص: 724.      

8 -   الأبيتوس هو نسق الاستعدادات المكتسبة بتعبير بورديو. للمزيد من التفصيل انظر: محمد البغدادي، المدرسة وتمثل المستقبل، رسالة لنيل الدكنوراه في علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، ص.ص: 192 - 200.

9-   إموشكن في القاموس المستعمل عند بني وراين عبارة عن خيط منسوج من الصوف يلوى على معصم اليدين والرجلين بعد الحناء ويكونان من الأدوات التي ترسل إلى العروس.

01-   روجيه لوطورنو، فاس قبل الحماية، ت: محمد حجي ومحمد الأخضر، مرجع سبق ذكره، ص: 737.

11-  الرحبة فضاء شاسع مخصص لتنظيم الحفل، وهو المكان الذي سيمارس فيه طقس الأحيدوس.

21- الصباح في البادية المغربية يبدأ باكرا ومع آذان الفجر.

31- أخليج نبتة مائية  تسيج بها الحقول.

41- القبة أداة تصنع من غصن شجر الكرم مغشاة بأنسجة صوفية يغلب عليها اللون الأبيض و الأحمر والأسود مرفقة بإزار يدعى بـ«السبنية» والموزون، وإبرة وخيط ومرآة، توضع على الجبهة الأمامية من الرأس على شكل هلال تمتد من أسفل الأذن اليمنى إلى الأذن اليسرى.

51- مدينة مغربية توجد في حهة الشمال المغربي.

61-روجيه لوطورنو، فاس قبل الحماية، مرجع سبق ذكره، ص: 743.

71-  الشيخ بمعناه التخصصي، إذ نجد هناك شيخ خاص بالبندير وشيخ خاص بالقول و شيخ خاص بتنظيم الريف.

81- عبد الله هرهار، النظام الإيكولوجي والنظام الثقافي لقرى تاهلة، أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب و العلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، الفصل الثالث، ص: 119.

91- روجيه لوطورنو، فاس قبل الحماية، مرجع سبق ذكره،ص: 748.

02-  برت فلنت، الثقافة الشعبية وثقافة النخبة، ت: محمد عياط، مجلة عيون المقالات، عدد: 12، ص: 63.

أعداد المجلة