فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

لماذا البعد عن الصون العاجل للتراث؟

العدد 60 - التصدير
لماذا البعد عن الصون العاجل للتراث؟
عضو هيأة مستشاري التحرير - الثقافة الشعبية

 

هذا سؤال محير جدًا.. ولم أجد حتى الآن إجابة صريحة عليه.. وأنتظر مناقشته على مستوى واسع بين المهتمين بمجال التراث الشعبي أو التراث الثقافي غير المادي خاصة في منطقتنا العربية: لماذا نهمل ونبتعد عن تسجيل عناصر التراث اللامادي على قائمة الصون العاجل باليونسكو...؟ ولطالما طرحت هذا السؤال مصحوبًا بعلامات التعجب، خلال عشرات من ورش العمل التي قدمتها خلال السنوات العشر الفائتة كخبير في اليونسكو. وكنت ألفت الانتباه دومًا إلى أن الكثير من تراثنا يحتاج إلى صون عاجل.. غير أن تقرير اللجنة الدولية للتراث الثقافي غير المادي يرصد كل عام إهمال العالم لصون عناصر التراث المعرضة للاندثار أو المخاطر.

عندما أعلنت اليونسكو عن اتفاقية التراث الثقافي غير المادي، كان الهدف من الاتفاقية هو: التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي، ومن ثم تؤكد الاتفاقية في المادة 12 على أنه يتعين على كل دولة طرف وضع قائمة حصر أو أكثر للتراث الثقافي غير المادي الموجود على أراضيها، بطريقة تتلاءم مع وضعها الخاص. وعلى هذا النحو أعلنت الاتفاقية عن قائمتين رئيسيتين، وسجل لحصر التراث على النحو التالي:

    -    الأولى: قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.

    -    الثانية: القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

والقائمة الأولى تؤكد على كل دولة ضرورة الاهتمام بعناصر التراث المعرضة للاندثار، وتحتاج لصونها واستدامتها إلى صون عاجل.. كأن نجد لدينا حرفة من الحرف لا يقوم على العمل فيها سوى عدة أفراد فقط كحرفة تكفيت النحاس بالفضة على سبيل المثال، أو حرفة صياغة الذهب التقليدية، أو حرفة صناعة ورق البردي، أو آلة موسيقية قاربت على الاندثار لتراجع القائمين على صنعها أو يعزف عليها كآلة الأرغول.. وهكذا. وقائمة الصون العاجل على هذا النحو تتميز بأن الدولة التي تقدم عناصر عليها من حقها أن تطلب ميزانية مادية من أجل القيام بإجراءات الصون، لإنقاذ هذا العنصر أو ذاك من الاندثار.. وذلك بتوسيع دائرة ممارسته، وتدريب المهتمين به، فضلاً عن نشره على أوسع نطاق..

أما القائمة الثانية والخاصة بتسجيل العناصر على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، فإنها مختصة بتسجيل العناصر الحية، والتي تمارس على أوسع قدر من الانتشار في الدولة، كما تتضمن تدابير صون من الجماعات ومن الدولة يحقق لها هذه الاستمرارية.. أي أن هذه القائمة لا تشمل عناصر تتعرض للاندثار أو أي من إشكاليات الصون.. وتسجيل عناصر على هذه القائمة يعني أن الدولة تحاول فقط أن تتباهى بأن هذا العنصر موجود لديها، ومنتشر، وأنها هي صاحبته.. وعليه فإن اليونسكو لا تدعم العناصر الموجودة على هذه القائمة_ ماديًا_ مادامت حية تمارس بين الجماعات.

والسؤال الذي نطرحه هنا: إلى أي من القائمتين ينبغي أن نهتم بالتسجيل عليها في هذا السياق.؟. الإجابة الطبيعية هي القائمة الأولى التي تهتم بعناصر التراث الثقافي غير المادي التي تحتاج إلى صون عاجل، فهي كثيرة جدًا على مستوى العالم، وهي التي من أجلها أُعلنت اتفاقية. ومع ذلك فإنه منذ إعلان الاتفاقية عام 2003 لم يُسجل على قائمة الصون العاجل كل عام سوى 5 عناصر في المتوسط، باستثناء عام 2009 الذي سجلت فيه دول العالم 12 عنصرا على هذه القائمة. وفي المقابل فإن القائمة التمثيلية تشهد أضعاف هذا العدد كل عام، يكفي فقط أن نشير إلى أن عدد العناصر المسجلة على هذه القائمة عام 2022 بلغ 46 عنصرا في مقابل 5 عناصر على قائمة الصون العاجل قدمتها كل من: فيتنام- أوكرانيا- شيللي- تركيا- ألبانيا. وقد لفتت سيسيسل دوفيل الرئيس الأسبق للجنة الدولية للتراث الثقافي غير المادي عام 2014 النظر إلى هذه القضية، مشيرة إلى أننا ربما نكون قد ابتعدنا عن هدف الاتفاقية. 

ونتابع التساؤلات حول هذا الموضوع: هل إعلان أي من الدول عن تراثها المعرض للاندثار هو أمر غير مستحب، أم أن ذلك من شأنه أن يلفت الانتباه إلى ثغرات في التعامل مع عناصر التراث؟. أم أنها توجهات سياسية؟. أم أن استمارة البيانات الخاصة بالصون العاجل والتي تتضمن إعداد ميزانية الصون تحتاج إلى جهد في إعدادها؟ أم أن معظم دول العالم لا يحتاجون إلى دعم مادي للصون العاجل؟ أم أنه لا يوجد أصلاً عناصر تحتاج إلى صون عاجل في معظم دول العالم؟ جميع هذه الاستفسارات لها إجابات واضحة بالفعل، خاصة السؤال الأخير، إذ أن اندثار العناصر التراثية هو أكثر ما يقلق العاملون في المجال.. 

تعالوا نتأمل الوضع الراهن في المنطقة العربية سنجد أننا جميعًا قمنا بتسجيل عناصر متنوعة من التراث الثقافي غير المادي عام 2022 جميعها على القائمة التمثيلية، في غياب واضح عن البحث عن العناصر التي تحتاج إلى الصون العاجل، وقد نجح العرب في تسجيل جميع العناصر المرشحة على القائمة التمثيلية والتي جاءت على النحو التالي:

    -    الأردن: الممارسات الاجتماعية والدلالات المرتبطة بأكلة المنسف الأردنية.

    -    الإمارات: التللي: مهارات التطريز التقليدي في الإمارات العربية المتحدة. 

    -    تونس: المعارف والمهارات المرتبطة بطهي الهريسة. 

    -    الجزائر: الراي من الأغاني الشعبية الجزائرية.

    -    السعودية: التقاليد الشفهية المرتبطة بحداء الإبل (ملف مشترك مع سلطنة عمان والإمارات)

    -    السعودية: المعارف والممارسات المتعلقة بزراعة حبوب البن الخولاني.

    -    سلطنة عمان: المهارات والممارسات المرتبطة بالخنجر العماني.

    -    سوريا: فن آلة العود (ملف مشترك مع إيران)

    -    مصر: الاحتفالات الشعبية المرتبطة برحلة العائلة المقدسة.

    -    الإمارات: المعارف والممارسات والمهارات المرتبطة بالنخلة (ملف مشترك مع 15 دولة عربية)

لا نستطيع أن ننكر أن نجاحنا في تسجيل عشر عناصر على هذه القائمة عام 2022_ وأضعافها في الأعوام السابقة_ هو أمر مهم وحيوي للترويج لتراثنا الشعبي العربي، غير أن العناصر التي تحتاج إلى صون عاجل لها حق علينا في الاهتمام بها، والاهتمام بمبدعيها، والجماعات الممارسة لها والتي تسعى للحفاظ عليها، دون أن تجد من يمد لها يد العون. وهناك الكثير من البلدان خاصة في مناطق الشام ووادي النيل وشرق أفريقيا وشمال أفريقيا تحفل بالكثير من العناصر التي تحتاج إلى صون عاجل، كما أن معظم هذه البلدان قد تكون في حاجة إلى دعم مادي مستحق لصون تراثها المعرض للاندثار.

تبقى الإشارة إلى أن هناك قائمة ثالثة أعلنت عنها اليونسكو في الاتفاقية، وهي قائمة الممارسات الجيدة، التي تحتفل بالبلدان التي قامت بصون تراثها على نحو يستدعي عرض تجربتها لتكون نموذجًا يحتذى به.. وهذه القائمة أيضًا تحفل بعدد محدود للغاية من دول العالم. غير أن هناك دائرة ضوء قدمتها الكويت على هذه القائمة عام 2022 حيث سجلت عليها: برنامج السدو التعليمي: تدريب المدربين على فن النسيج.

 

أعداد المجلة