فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
63

عُقُودُ الجُمَان في سيرة أحمد بن سلمان

العدد 63 - المفتتح
عُقُودُ الجُمَان في سيرة أحمد بن سلمان
رئيس التحرير

 

سيبدو لمن يتابع، أن هناك حركة التفات ناشطة لدى بعض العائلات الخليجية المتنورة، لاستعادة تأريخ سير رجالاتها، ممن عانوا كثيراً قبل اكتشاف النفط في التأسيس لحياة غير عادية بهذه المنطقة، التي كانت لفترة لا يستهان بها فقيرة، ونهباً للاحتلال ولصراعات الدول الكبرى. ذلكم الرجال، الذين بذلوا من فطنتهم وفكرهم وجهدهم الكثير ليسهموا في حركة التطوير والتنوير، وجعل هذه المنطقة رغم فقرها واعتمادها على خيرات البحر مصدراً أساسياً للرزق ومنطقة جذب استثماري حيوي مبكر، فاجترحوا بها العديد من الفرص الاقتصادية والتربوية والأدبية والفنية. وكانت البحرين منذ البدايات الأكثر انفتاحاً والأكثر تفاعلاً مع مستجدات الحياة، بما عُرف عن مرونة شخصية شعوب الجُزُر وقدراتهم الفطرية في القبول بالآخر والتفاعل الذاتي المنفتح على الغير، كائناً من يكون .

ولفترة طويلة لم يُلتفت إلى تسجيل سيَر وأعمال رجالات البحرين والجزيرة العربية الذين أسهموا بجهودهم الذاتية أو العائلية وتركوا بصماتهم على العديد من المجالات الحيوية التأسيسية، في التجارة والثقافة والتربية وخدمة المجتمع. ولفترة طويلة أيضاً، ضاع من بين أيادينا العديد مما يجب أن يُدوّن وأن يُسجّل، وأن يؤرّخ له، وأن يوثّق كجزء مهم من النشاط البشري الفطري المميّز  لسكان هذه الأرض. إلا أنّه كان بيناً الجهد الصحفي التوثيقي الذي يسهم به الدكتور عبدالله المدني، منذ فترة، بجريدة (أخبار الخليج) في تقصي سيَر روّاد العمل التجاري والاجتماعي بهذه المنطقة، ونشر صور ووثائق مهمة ذات علاقة.

ولقد وصلتْ إلى «الثقافة الشعبية» من دولة الكويت مؤخراً، نسخة مهداة من كتاب (هلال فجْحان المطيري: رجلٌ من مهد الذهب/1855-1938: دراسة وثائقية)،كما وصلتنا محلياً، نسخة مهداة من كتاب(عقودُ الجُمان:في سيرة أحمد بن سلمان / 1866 – 1960: دراسة وبحث:بشار بن يوسف الحادي)، وكان قد صدرت في البحرين قبل ذلك عدة مؤلفات قيّمة منها(العم أحمد علي كانو: سيرة حياة وإنجازات) وضعه الراحل الأستاذ خالد البسام، (بيت كانو : قرنٌ من الأعمال  التجارية لشركة عائلية عربية) وضعَه الأستاذ خالد محمد كانو، تناولت سير رجالات عائلة الوجيه يوسف بن أحمد كانو في كتاب (يوسف بن أحمد كانو  1890-1945)، إلى جانت مؤلفين حول سيرة وأعمال عبدالعزيز  وعبدالرحمن ابني جاسم كانو، هذا إلى جانب كتب مماثلة صدرت في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وبقية أقطار الخليج العربي الأخرى، عن أبرز  المؤسسين للشركات والمؤسسات التجارية والثقافية وغيرها. وفي كل تلك المؤلفات جهد بحث ثمين، وصور لوثائق تجارية ورياضية وثقافية مهمة ونادرة، تؤكد كلها تلك الأواصر العائلية الحميمة التي تجمع بين العائلات.

حركة التسجيل والتوثيق هذه لها أهميتها الخاصة لدينا، من باب صدق مصادر الوثائق والمعلومات وأهميتها، ومدى الوثوق بها، في الكشف عن طبيعة التواصل وأساليب التراسل وطرق البيع والشراء وتبادل المنافع بمنتهى الصدق والأمانة،كتاريخ لحياة مجتمع في مرحلة مهمة من تاريخه وتسجيل أدوار رواده الأوائل الذين أثّروا بجهودهم الذاتية في خلق حركة تجارية ناشطة، كانت تزدهر على كل جانب منها حركة اجتماعية وأخرى ثقافية وتربوية، بصورة أو بأخرى.

من خلال قراءة محتوى تلك الكتب الوثائقية المهمة، تتجلى الجهود الذاتية التي بذلها بعض من الرواد في التأسيس لذواتهم ولعائلاتهم وما قدموه لمجتمعاتهم من خدمات جليلة، كلما تم تسجيلها وتوثيقها ونشرها تتضح مجالات لتقصي العلم بجوانب اجتماعية وثقافية أخرى، كانت مهملة وقتها، أو ربما لم تكن أهميتها ذات بال، ومنها جوانب اجتماعية وتربوية وثقافية، وغير ذلك من تفاصيل، قد تعين في رسم صورة دقيقة لمجمل الجهود التي بذلها رواد ذلك الزمان.

ولو قُدّر لكل عائلة خليجية أن تعمل على تجميع الوثائق والمستندات المتوفرة عن عائلها، من ذوي الأهمية المفصلية في الحياة التجارية والاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها من المجالات الحيوية ذات الصلة بالحياة في هذه المنطقة عند البدايات، وترميم تلك الوثائق، والبحث عما فُقد منها، وتسجيل إفادات الرواة والإخباريين من ذوي المعرفة بالتفاصيل، للإحاطة بكل الجوانب الممكنة وتوثيقها، ومن ثم طباعتها ونشرها، كجزء من تاريخ كل بلد، لتوفرت لدى الأجيال معرفة موثقة بالجهود التي أسّست للحياة ببلادهم.

إن الكتابين اللذين وصلا إلينا، بهما جهد بحثي متقن، تقصّى دقائق حياة الرجلين الكريمين، وعَنيَ بتجميع الوثاق وربط كل ما كان بها من معلومات، لتقديم صورة جليّة وناصعة لجهود قطبين شكل كل واحد منهما حياة زاخرة بالجد والعمل، في فترتين متعاقبتين تقريباً، في بلدين تجمع بينهما العديد من الأواصر. 

ولعل هذا ما يُنبئ بالكثير القادم من السير  المهمة الموثقة . . وإن غداً لناظره لقريب.

 

أعداد المجلة