فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
63

الأكلات الشعبية في جبال اليمن

العدد 63 - عادات وتقاليد
الأكلات الشعبية  في جبال اليمن

مقدمة :

يعد الأكل الشعبي من أهم الموروثات التي تعكس حضارة الشعوب وهويتها التي تميزها عن غيرها، فالأمم تتوراث طرق طهي أطعمتها و تقديمها والمعدات المستخدمة في تحضيرها وكذا الأواني المخصصة لتقديمها وكذا آداب التحضير والتقديم والتناول والتعازم والتهادي كآداب وعادات مرافقة. فتتجسد كمنظومة متكاملة من الثقافة المادية والمعنوية في نفس الوقت، تتوارثها كما تتوارث أغانيها وملابسها ولهجاتها وطرق عيشها وأمثالها وفنونها الشعبية والتي تعتبرسمات تقارب وسمات تباين وسمات تمايز بين الشعوب الانسانية المتعددة في هذا الكوكب الفسيح .

تعريف الأكلات الشعبية :

هي الأطباق الدارجة في مجتمع معين ويعرفها معظم أفراد ذاك المجتمع ويطبخونها ويتناولونها في أغلب أيام الأسبوع، حيث أن مواردها متاحة للجميع وممارسة تحضيرها بسيطة وميسرة للجميع ويتم تطبيقها بشكل اعتيادي .

وبالطبع فان المجتمع اليمني كغيرة من المجتمعات الإنسانية الأخرى يفرد للمرأة دوراً أساسياً في المطبخ، فهي من تحضر كل أصناف الطعام بشكل يومي في مجتمع المدينة، أما في المجتمعات الريفية فإن دورها لا يقتصر على العمل في المطبخ فقط ! بل تعدى ذلك إلى مشاركة الرجل في العمل بالحقول من أجل توفير المواد الأساسية التي تستخدمها العائلة كموارد لكل الأطباق المحضرة في المنزل، وتتعدد الأكلات بتعدد المحاصيل التي تزرع في الحقول وبما يملكه الريفيون من حيوانات وطيور حيث تُعد هي الموارد الأساسية للحبوب والطحين والبقوليات والسمن والبيض والحليب... وغيرها من المنتجات التي تعتمد عليها الأسرة الريفية في إنتاج الغذاء اليومي والذي ينقسم إلى ثلاث وجبات رئيسية وهي (الفطور- والغداء – والعشاء) ويضيفون أحيانا وبشكل غير رتيب وجبتين (وكأنهما سناك فود) أو وجبة إضافية داعمة تستهدف الأطفال أو العمال أو أي فرد من أفراد الأسرة لكنها لا تؤكل بشكل جماعي كما الثلاث وجبات الأساسية السابقة الذكر، وتلك تسمى ب(الشِرَّاقَة) (بلهجة قريتنا وماجاورها في مديرية القفر لواء إب) وهي تؤكل مابين وجبتي الفطور والغداء أي حوالي الساعة الحادية عشر ظهراً وماحولها، أما (الغَوَاثْ) وهي الوجبة الإضافية الثانية فهي تكون بين وجبتي الغداء والعشاء أي حوالي الساعة الخامسة مساءً وما حولها .

والجدير بالذكر أنّ التباين موجود وظاهر بين الثلاث وجبات الأساسية. فالفطور لا يمكن أن يشبه الغداء، لكن لوجبة العشاء صفة مميزة وهي أنها قد تشبه الفطور أو الغداء . فلا حرج في ذلك حتى إن الأغلب يعدونه وقت إعداد الغداء أو يقسمون جزءا منه أو يحفظون ما تبقى منه خصوصا الأسر الفقيرة أو تلك التي فيها محدودية الأفراد كأيدي عاملة وأيادي شابة تساعد بتحضير العشاء كوجبة مفردة .

واليمن حيث تتعدد فيها الجغرافيا وتتعدد فيها اللهجات وتتعدد فيها المواسم وكذا العادات والتقاليد والأفكار، فها هو المجتمع الساحلي يتسم بالبساطة عكس المجتمع الجبلي الذي يكون أقسى وأكثر تعقيدا ومحافظا جدا على موروثه الشعبي وعاداته وتقاليده المتوارثة . وقد يكون للبحر تأثيره وللجبل تأثيره أيضا . وهناك المناطق الوسطى حيث تتوسط الوطن من ناحية الجغرافيا فتشمل العديد من مديريات محافظة إب وصولاً إلى مديريات من محافظة أبين ... وهناك الشمال مثل صعدة والجوف وهناك الجنوب مثل عدن ولحج .. هناك المحافظات الشرقية كحضرموت والبيضاء وهناك الغربية مثل الحديدة وحجة ... مانقصده هنا أن لموقع المجتمع على الخارطة اليمنية ومدى قربه من الساحل أومن الجبل أو من الصحراء ومدى انتشار نسبة المساحات الريفية فيه مقارنة بالمساحات الحضرية أثراً واضحاً على نوعية الأطعمة والأكلات الشائعة فيه ...هناك أيضا أثر وبعد آخر مؤثر جدا على نوع الطعام وكيفية إعداده وهو من أهم المعطيات إنه نوع الثروة الحيوانية المتواجدة في تلك المنطقة ونوع الأنشطة الزراعية وكذا الموسم هل هو موسم بذر البذور أم موسم الحصاد. مما لا شك فيه أن الإنسان ابن بيئته ويتأثر بكل المعطيات حوله ويحاول جاهدا أن يستفيد منها ويسخرها لخدمته فهناك من النباتات والمزروعات ما يستخدمها كمدخل أساسي في تكوين طعامه وأخرى يعدها مدخلا يتسخدمها في التطبيب الشعبي وقد يكون نفس الصنف لكنه يستخدمه بتركيز متفاوت وهذا نتيجة الخبرات التراكمية التي تنتقل من الأجداد إلى الأبناء إلى الأحفاد كتسلسل طبيعي لانتقال المعلومة والخبرة والممارسة .

ومما لاشك فيه أن هوية الإنسان تعرف بأنها ماهيته وتكوينه وتفاعله مع محيطه وطريقة تفرده وتعكس أهم الخصائص التي تميزه عن غيره. فقد كان ولايزال الإنسان اليمني متذوقاً جيداً وقادراً على التعريف بنفسه بذلك الزخم الهائل من المكونات الثقافية التي تعكس هويته المتفردة والجميلة والثرية والتي تزخر بها كل مكونات الإرث الثقافي . ومن الجدير بالذكر هو أن ذلك التفرد قابله الكثير من التعدد والتباين والتدرج في نفس الوقت من منطقة إلى أخرى... فهاهو الأكل الشعبي في المناطق الجبلية يختلف عنه في المناطق الساحلية لماذا !

لأن المدخلات الطبيعية تختلف وبالتالي فإن الطبق الشعبي ستختلف مكوناته أحيانا وتختلف طريقة إعداده أحيانا أخرى، أيضا هناك تأثير للحركة في المجتمع فالمجتمع المستقر لا تتغير أكلاته بسهوله عكس ما يحدث عند المجتمعات الثرية التي تنتقل وتسافر وتتعرض لتجربة أطعمة أخرى وتحرص على تقليدها أو تطوير أكلاتها الشعبية بناءً عليها.

الأطعمة الشعبية في المناسبات الاجتماعية :

تكاد تكون المناسبات الاجتماعية هي المحطة التي يحرص كل أفراد المجتمع على استعراض المهارات في إعداد الأطباق المتعددة و استعراض الكرم والحفاوة بالضيوف الذين يجتمعون في تلك المناسبات والتي عادة ما تكون هي نفس الأطباق سواءً كانت المناسبة احتفالا بزواج أو مأتم لوفاة أو احتفاءً بقدوم طفل جديد إلى العائلة، وأهم ما يتواجد في السفرة الممتدة والتي تكفي لمئات الحضوركأطباق متعارف عليها خصوصاً في المناطق الجبلية والتي تمتد بطول وعرض الخارطة اليمنية.

الشفوت، العصيد، اللحم والمرق، الفتة، الشجور، الهريش، السلتة، الخبز، الملوج، بنت الصحن، السبايا، هذه الأطباق هي الاساسية والتي أضيف لها أطباق أخرى مثل الرز أو المكرونة أوالشعيرية وأطباق التحلية التي تعددت وتم اعتمادها في أكثر المناطق بسبب السفرقديماً، أو تلك التي انتقلت من الأتراك أيام الاحتلال التركي للشمال أومن الاحتلال البريطاني للجنوب، وانتشرت مؤخراً كتأثر طبيعي بوسائل التواصل الاجتماعي والتي سوَّقت لكل أصناف الطعام في العالم .

هناك ايضا تنوع للأطعمة في المواسم الدينية انظر إلى شهر رمضان المبارك وكيف تزدان المائدة العربية والإسلامية عموما بمئات من الأصناف والأطباق الشهية، وكذلك الأعياد فعيد الفطر وعيد الأضحى وكذلك رأس السنة الهجرية وأول جمعة من رجب الحرام والتي تصادف ذكراها دخول اليمنيين في الإسلام وإيمانهم بالرسالة المحمدية عبر مبعوثه إليهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ولاحظ حتى على مستوى أيام الاسبوع فإن الجمعة تعتبر أصغر مناسبة دينية وأصغر محطة شعبية تكاد معظم الأسر أن تجتمع فيها وتكون فيها السفرة مميزة والغداء يجب أن يُحَضَّر بوقت أبكر من بقية الأيام خصوصاً أن الأبناء المتزوجين والمستقلين عن البيت الأصلي للأسرة من يعيشون في بيوت منفردة يجتمعون يوم الجمعة مع زوجاتهم. ويكون الغداء بعد صلاة الجمعة مباشرة حيث تفرد فيها سفرتان سفرة للرجال وسفرة للنساء، حيث تجتمع بنات الأسرة ونساء إخوانهن ويحظى الجميع بحفاوة الأم والأب ويعبرون عنها باختيار اللّحم المميز ويفضل اللحم الغنمي (لحم الخروف) أو العجل (لحم بقري)، أو لحم الدجاج إن لم تستطع الأسـرة تكـاليف اللحـوم الـحيــوانيــة لارتفاع اسعارها خصوصا في السنوات السبع الأخيرة والتي تفاقمت بها الاسعار بشكل حاد جدا ! اما السمك فان تواجده محدود في المائدة الشعبية لأغلب سكان الجبال والمرتفعات وذلك لبعدها من البحر وبالتالي لم يعتادوه مثلما اعتادوا اللحوم الأخرى.

الأمثال الشعبية اليمنية ذات الصلة :

هناك أمثلة شعبية ارتبطت بأنواع من الطعام وهناك أمثلة ركزت على دور المرأة ووصفت المرأة التي لديها مهارة عالية في إتقان الطبخ أو إتقان المهام التحضيرية للطعام مثل الطحن أو العجن أو تجهيز التنور وإحمائه أو القيام من النوم باكرا حتى تجهز طعام الإفطار للأسرة منذ وقت مبكر .

وهنا أفردنا بعضا من الأمثلة التي اقتربت من ذكر الطعام صراحة أو تلميحاً:

  المِحميِة والمِدقِّة فاقت جميع الغواني :

هذا المثل لم تحفظه إلا جداتنا المهتمات بالأكل والحرافة في الطبخ التي تعتبر سمة أساسية في المرأة... فهاهي المحمية (التي تزيد النار في التنور) والمِدقّة- بكسر الميم وتشديد القاف المكسورة – (التي تصنع الخبز رقيقاً جدا- وتطحن الحب بالرحى حتى يكون كالغبار في دقته) هي في نظرهم من فاقت جميع النساء المتسمات بالحرافة والمهارة حتى إنها تفوق صاحبات الجمال والحُسن بحسن آدائها وإتقان عملها .

  إِلِفْ الفَقِيهْ الرَوْبَهْ :

هنا تهكم على الفقيه- وهو المدرس الذي يدرس طلاب القرية القرآن واللغة - الذي ألف(اعتاد) أكلا جديدا فلن يصرف نظره عنه، ولن يرغب بأكل غيره... والروبة هي خالص اللبن قبل أن يفصل الدسم عنه وهو ألذ أنواع اللبن.

  أيش الّف الرُباح مأكل التفاح:

هذا التساؤل عندما ترى أناسا يتصرفون بطريقة غريبة وغير مقبولة والسبب عدم تعودهم عليها من قبل، كما القرود (الرباح) التي تأكل التفاح وهي بالأصل لم تتعود على هكذا رفاهية ! فسيكون تعاملها مع التفاح بطريقة غير مناسبة .

  حقكم حق وحق الناس مرق :

لغة الحقوق والمساواة متجسدة هنا ولسان الحال بأن الناس سواسية في الحقوق والواجبات ...فلغة العتاب واضحة لمن يعتقد بأن حقه حق هام وحقوق غيره من الناس وكأنها (حساء) أو شوربة سهلة العمل سهلة الشرب ...فليس له أدنى أهمية .

و هنا يعد دفاعا عن الحق وتعظيما إذا كان لهم أما عندما يكون لغيرهم فهو أمر عادي كشرب المرق (حساء) وهي أكلة شعبية شائعة تصنع من الدجاج أو اللحم بسهوله وتشرب بسهوله ...فكان الحق للغير عندما يطالبون به لا يعيرونه اهتماما لأنهم يظنونه أمرا لا يستحق لبساطته ..وهذا يختلف تماما عندما يريدون حقوقهم حتى لو كان نفس الحق إلا أنه نسب لهم فشأنه عظم وكبر ..

عادة يطلق على من يعظم أموره واحتياجاته وأهدافه، لكنه بالمقابل يهمش حقوق الآخرين ويستصغر شؤون الآخرين واحتياجاتهم وأهدافهم .

  سَع ليلة بغير عشاء :

سَع هي باللهجة المحلية وتعني مثل، أي (مثل الليلة مفرد ليال التي يكون أصحابها جائعين فلاهم ناموا ولا خلص ليلهم بصبح يغير حالهم هذا، فهم منتظرون الصبح بفارغ الصبر ليحصلوا على وجبة الإفطار فالجوع يحاصرهم من جهة وطول الليل من جهة أخرى وكأنهم يشعرون به أطول ما يكون ..وهذا فيه إشارة إلى جمع ظرفين سيئين في نفس التوقيت فلا أكل ولا فسحة من نهار للتصرف وتغيير الحال !

يرمز هذا المثل لطول الوقت الممل، وخاصة عندما يكون انتظارا، ويعبر عن السأم من حدث يطول في استهلاك الوقت دون حصول المتعة أو الفائدة .

  ساعة الأكول تضيع العقول :

أي ساعة الأكل يتشوش العقل ..وخاصة إذا كان المرء جائعاً جداً ..فلا ينتبه أو يستطيع أن يركز على تفاصيل قد يعيها في وقت آخر .

  صام صام وفطر بلصّام :

هنا تقديس للصيام بأن يكون إفطاره مميزا، ليس صياما صياما ثم ينتهي بإفطار غير مجد وهو هنا (اللصام) أي (العلك) والمقصود بأن نهاية الصبر ينبغي أن تكون نهاية ظفر ونيل .

  عليك وعلى أول المرق وآخر القهوة :

هذه نصيحة في تخير أطيب الأكل ..فأول الحساء هو أطيبه لتركز الطعم فيه ..

وآخر القهوة هو الأطيب من أولها ..لأن أول كأس منها لازال غير مركز...هنا الجمع بين المرق والقهوة بطريقة بلاغية فاستخدام الأضداد جاء جميلا ومحقا في نفس الوقت.

  عِصرِة وسِنِّة سوى :

تقال هذه الجمله لمن يأكل أكلاً ذا رائحة ثابتة مثل الثوم أو البصل فإن أكل ربطة منها كما هو حال أكل سنّ (فص) لذا يلزم الحذر من السن كما الربطة ... كما يستخدم هذا المثل تورية برائحة الثوم على من يفسد أو يأكل مالا حراما ..فإن من يسرق مالاً حراماً كثيراً كان أم قليلاً فإن رائحته سوف تفوح ...

  عَصِّبْ لك فِرسِكْ :

أي ربط لك فرسك (أجاص) بحبل تخيل كيف ستستطيع أن تكمل المهمة بنجاح ...ويقال هذا لمن يصعب عليه إتمام أمر متعلق بآخرين غير متفقين معه بالرأي .

  كل شيء يُمذر إلا الدَّرْ :

أي كل الطعام اذا أُكل بشكل يومي فإنه يُمل إلا الطعام المشتق من الألبان..(الدر) فانه لا يمل ففي كثير من قرى اليمن وخصوصا تلك التي في الجبال والتي تكثر فيها مراعي الأبقار والأغنام والماعز حيث يعتمدون على الحليب واللبن كوجبات يومية متكررة .. و يدخل في كل الوجبات الثلاث ... وبأشكال متنوعة ولا يملون ذلك التكرار .

  لا شبع الربح برذم :

أي إذا شبع الربح - وهو القرد - وهنا المقصود بأن الشبع يقود إلى التبذير والإسراف ...وخاصةً عند من لم يتعود على العيش في ترف من صغره، و(برذم) فعل ماضِ يدل على اللعب بالأكل ورفسْ النعمة بعد الإحساس بالكفاية والشبع .

  من خبَّى من عشاه أصبح يراه :

هنا نصيحة للادخار فمن يقتصد في عشائه وخبأ جزءا منه (أي احتفظ) فسيفرح برؤيته حين يصبح مبكراً يبحث عن فطور ..

  لا شبعت البطن استحى الوجه :

لاحظ أن - لا - هنا بمعنى إذا الشرطية وهذا مثل شعبي قديم يؤكد أن أكل الطعام يؤثر على العلاقات بين الناس . فاذا عزمت أحدهم على طعام مميز أو أهديته نوعا من الطعام مثل السمن أو العسل أو أي هدية حتى وإن كانت نقداً، ومن ثم طلبت منه طلباً فبالغالب سينفذه لك حياءً منك وردا جميلا على هديتك.

تأثير الطعام على العلاقات بين الأفراد :

كما لخصها المثل الشعبي في أن الشخص يستحي ممن جلب له طعاما وبالتالي لا يرد له طلباً، فإن العلاقات لاشك أنها تتأثر بفعل الطعام سواء من ناحية فردية أومن ناحية أخرى اجتماعية تعكس انفعالا يخص المجتمع المضيف ككل، فالمجتمع الذي يكرم ضيفه بذبح ذبيحة سواء من الغنم أو من الماعز يعد مجتمعا مضيافا وموسوما بالكرم وبـ «القبَيلَة» (صفة مفردها قبيلي أي كريم) المستحسنة والتي يعكسها الضيف (صاحب التجربة) على كل من ينتمي لتلك القبيلة ويظل يكن لهم الاحترام والتقدير متى ما قابل أحداً منهم في حياته .

ومن ناحية أخرى فإن التشابه بالأكل الشعبي بين المجتمعات نقطة اتفاق تجعل الشعوب أكثر تقارباً وتجعل الأفراد أكثرإنسجاما وألفةً مع بعضهم .

وكما أن التشابه في أنواع الأكل يعطي ألفة والاختلاف في أنواع الأطباق أو نوع البهارات المستخدمة في الطبق ذاته يعطي اندهاشا وتجربة جديدة وبالتالي ففي كل الحالتين فإن تأثير نوع الأكل أمر محمود غالباً .

وعكس الحال إن سافرت إلى مكان بعيد ورأيت السكان يتناولون طعاماً غريباً أو غير مستساغ فإنك لا شك ستحكم عليهم بأحكام تحمل الإقصاء وعدم التقبل لهم ولأفكارهم الأخرى وستربطها بذاك الطعام الغريب أو غير المنطقي بالنسبة لك !

ولهذه الأسباب ولوجود المعرفة المجتمعية لتأثير الطعام على العلاقات والتقدير بين الناس فقد حرصت الأعراف على تأطير اختيار نوع الأكل المقدم للغريب أو للضيف بحيث يحرص المجتمع المضيف على تقديم الأفخر والأطيب واللائق جدا عن غيره من الأطباق للضيوف والغرباء. ويفضلون تقديمه بأفخر الأواني وبأوقات مناسبة وبطريقة مناسبة أي أنها تكون مؤطرة بآداب وأعراف متوارثة ومعتادة لا يمكن تجاوزها. ومن أهمها إظهار الفرحة بوجه الضيف والترحيب به بفرد الوجه وبالكلمات التي تعني أهلاً وسهلاً ومرحبا، وأيضا بالتصرفات أثناء تحضير الطعام. ففي اليمن عندما تطهو النساء الطعام للضيوف ينبغي ألًا يصدُر منهن ضجيج ولا صوت مزعج لأنه عُرفياً يعكس أنه غيرمرحب بالضيف، حتى وإن رحب به رب البيت إلا أن هدوء المرأة أثناء الطبخ مهم جدا خصوصا إن كان المطبخ قريبا من الديوان -الغرفة التي عادة يجلس فيها الضيوف – وقد لخص المثل الشعبي الذي يقول(لاقيني ولا تغديني) على أهمية إظهار الحفاوة والبشاشة بالضيف حتى أن ذلك أهم من إظهارالكرم وتقريب أطيب الطعام، (فطيبة النفس أهم من طيب الأكل كما يقال) .

الأواني تعكس هوية الشعوب :

إن أدوات المطبخ سواء تلك التي تستخدم لتحضير الأكل أو تلك التي تخصص لتقديمه أدوات عديدة ومتأصلة في الموروث اليمني ولها تسميات قد تتوافق وقد تختلف من منطقة إلى أخرى، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر :

1. البرْمَة: وجمعها برم وهي إناء دائري كبير ومتوسط وصغير تستخدم الأحجام بحسب حجم العائلة أو عدد الضيوف وهي مخصصة لتجهيز العصيد والهريش (الطبق الرئيسي الشعبي) .

2. المَسْخُن :وجمعها مساخن شكله يختلف عن البرمة قليلا حيث يستخدم لطبخ اللحوم والمرق والحساء والزوم والشوربة فقط أو كل ما سيؤكل مع الوجبة الرئيسية (السِبْغ) .

3. الطًّاسَة : هي نفس البرمة لكنها مصنوعة من الألمونيوم وممكن أنها دخلت المجتمع اليمني أواخر الستينات وبدأت تزاحم البرم المذكورة آنفاً.وتستخدم للعجين وللطبخ ايضا وشكلها وحجمها هو من يحدد طبيعة استخدامها .

4. المَرْبَشَة: هي عود متفرع من أعواد شجيرات (الشَوْحَط) او(الشَخَظْ) وهي شجيرات تمتاز بالمتانة والقوة وتستخدم لتحضير العصيد أو الهريش حيث تحرك دائريا بحركات سريعة حتى يخلط اللبن مع الطحين بشكل متجانس .

5. المِحْوَاش : وهو عود من الخشب رأسه مدبب أكثر من ذراعه قليلا وهذا يستخدم بعد إخراج المربشة حين تكون العصيدة أكثر متانة أي في المرحلة التالية قبل أن تنضج العصيدة تماما حيث تخلط بطريقة دائرية أو كالضرب بمرات متتالية حتى تصبح متينة ومتجانسة لذلك تسمى العملية (تمتين) أي زيادة سماكة العصيدة أو الهريش، لكن في حالات العصيدة الخفيفة (الرِبشَة) أو حالة تحضير (الشَجُور) فيكتفى باستخدام المربشة فقط .

6. المَخْبَزَة :وهي دائرة اسطوانية مصنوعة من الخزف بوسطها مقبض دائري أصغر من قبضة اليد يتم إمساكها بواسطته ومحشوة من الجهة الأخرى بنبات يشبه القطن في ملمسه ويستخلص من شجرة الرَّاء (حرف الراء مخفف) ومغشى بقماش من القطن المقاوم للحرارة ويشترط أن يكون لونه أبيض، حيث يُشّد على الحشوة عدة مرات، ولها أحجام متعددة تتناسب مع أحجام التنور الذي يستخدم للخبز، والمخبزة هذة تستخدم لفرد الخبز ثم خبزه في التنور حيث لايكون الخبز خبزا إلا باستخدامها، وأما نفس العجين اذا تم تقريصه و خبزه باستخدام اليد دون استخدامها فيسمى ملوج حتى أن طعمه يختلف قليلا عن الخبز حتى لو كانت العجينة مقسومة إلى نصفين نصفها خبز ونصفها ملوج حتى أنه من الشائع جدا عندما تقرب وجبة فاصوليا أو فول أو سلتة أو فحسة والتي عادة ما تؤكل مع الخبز أو الملوج ترى أحد أفراد الأسرة أو ربة البيت حينما تقدمها تسأل كل فرد هل تفضل الخبز أم الملوج . ويقرب كل شخص قطعة من خبزة أو ملوجة كما يحب ويهوى كل فرد . وبالطبع كما غالب شعوب العالم لدى اليمنيين إشاعة شعبية يكثر تداولها أمام الأطفال خصوصا وهي أن (من يأكل الخبز الحارق سيدخل الجنة) من باب تعويد الاطفال قديما على تقدير النعمة خصوصا نعمة اللقمة (الخبز أو الملوج أو أي مخبوزات مصنوعة من طحين القمح) .

7. المَسْحَقَة :وهي مكونة من قطعتين من الحجر الصلب الأسود، الأولى تكون مسطحة والثانية دائرية بحجم أكبر قليلاً من قبضة اليد، وهذه قد تكون منحوتة من قبل الحرفيين أو مكونة في الطبيعة بحيث يتم أخذها من مجرى السيول لأن أجود الأنواع توجد هناك حيث أن عوامل التعرية قد جعلت منها أحجاما متعددة وأكثر ملاسة من غيرها من الأحجار الموجودة بأعالي الجبال.

وتستخدم المسحقة لسحق الثوم المستخدم في أغلب الصلصات الشعبية أو سحق البسباس والنعناع والخوعة وذاك المزيج الذي يستخدم كحوايج للبن أو الحقين الذي يعتبر أساسا في تكوين وجبة الشفوت، ويعد العمل الأساسي للمسحقة هو سحق وجبة «السحاوق» التي تعتبر من المقبلات التي لا تغيب عن أي سفرة يمنية سواء كانت شعبية أو حديثة .

8. التَنًور : وهو إناء أسطواني عملاق إن قارناه ببقية الأواني في المطبخ وهو الذي يصنع من الطين وتصنعه النساء الماهرات أو الرجال الحرفيون حتى يومنا هذا، وهو الموقد الأساسي في البيت، حيث يملأ بالحطب يوميا أثناء تحضير وجبتي الإفطار والغداء ويوجد بأغلب المطابخ الشعبية تنوران أو ثلاثة، حتى يتم استخدام الأصغر أثناء تجهيز وجبة الإفطار والآخر أثناء تحضير وجبة الغداء، ويظل مصدرا للحرارة حتى وقت متأخر من الليل، لذا يسخن فيه الماء الخاص بتحضير الشاي والقهوة وكذا لتسخين ما أفرد لوجبة العشاء .وبالاستعانة بغطاء طيني أو حديدي لتغطية الفوهة والمحافظة على الجمر والحرارة في قعر التنور لوقت طويل. ومازالت الكثير من قرى وأرياف اليمن تستخدمها وتصنعها، وإن حل بجوارها ذاك التنور المصنوع من الحديد والذي يشغل بالغاز المنزلي .

9. المَلَحَة : وهي نوع من أنواع المواقد الفخارية ويوضع عليه صاج دائري مصنوع أيضا من الفخار هي خاصة بخبز اللحوح وهو نوع من الخبز المكون من الذرة والبر ويخمر بطريقة مختلفة تماما حيث تكون العجينة سائلة وتغرف ثم تصب بشكل دائري إلى الصاج بعد أن يسخن بشكل ملائم . واللحوح مفرده لحوحة حيث لا يعد الشفوت إلا بهذا النوع من الخبز.

10. الموقد الفخار :هو موقد مصنوع من الفخار تشعل فيه الأخشاب أو يتم نقل قليل من جمر التنور إليه ويستخدم للتدفئة وللطبخ إن كانت الأواني صغيرة الحجم أو لتحضير وجبات بسيطة كالبيض والفول أو الزلابياء أو لتحضير المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة، وتسمى عملية نقل الجمر من التنور إلى الموقد بعملية الجوح، والصحن المستخدم لهذا الغرض يسمى مَجْوَحْ !

11. الصحن المدر : وهو مصنوع من الفخار ويستخدم لتقريب العصيد أو الفتة أو الشجور أو الهريش، وقديما كان يستخدم حتى لتقديم اللحم .

12. المطيبة: وجمعها مطايب حيث تستخدم لتقديم المرق والحلبة والسحاوق والسمن والعسل وكل الأسباغ المقدمة في الطاسة الكبيرة مع وجود مغرفة للنقل إلى الطاسات الأصغر حجما وقد تصنع من الألمونيوم أو الفخار .

13. الصحون المعدن : وهذه مصنوعة من الألمونيوم تستخدم لتجهيز بنات الصحن والسبايا والمطرح حيث تجهز على الصحن ثم تخبز ثم تقدم إلى السفرة بنفس الصحن أو قد تستخدم لتقريب اللحم والأرز والشفوت .

14. المَنخُل: وهذا هو غربال معدني يستخدم لفصل الطحين عن النخالة قبل العجن، وله عدة أحجام .

15. الثُمَيْن : وهو عبارة عن أصغر وحدة قياس يستخدم لكيل الطحين قبل عجنه خصوصا عندما يخلط نوع أو أكثر من الحبوب في تلك العجينة .

16. القَوّارَة : وجمعها قوارات وهي قطع متلاصقة من القماش تخيطه ربة البيت أو خياطة القرية من بقايا الثياب الجديدة التي خيطت كفساتين، وتبطن بقطعة يفضل أن تكون قطنية وثقيلة وتستخدم لتغطية الأكل بعد تجهيزه، ويقولون الأكل مقور عليه أي مغطى بإحكام تحت القوارة. وتستخدم لتغطية الأطباق حين المهاداة بها بين الجيران فمن العيب وغير اللائق أن يُهدى طعام مكشوف !، وتستخدم بشكل يومي حتى يومنا هذا لتغطية المخبوزات للحفاظ على نظافتها وطراوتها لوقت أطول .

أما المخبوزات والمعجنات من خبز وملوج وخمير وكعك وكبان وذمول وغيرها فإنها تخصص لها أوان مصنوعة من الخزف وهي حرفة شعبية مشهورة تعملها النساء غالبا وتتفرغ للقيام بها أثناء فصل الشتاء حيث لاتوجد لديهن أعمال في الحقول لأن الامطار والمواسم الزراعية لا تكون إلا في الصيف والخريف، أما الشتاء فانه غالبا يفرد لتجميع الحطب للسنة كاملة أو لصنع الآنية مثل صنع التنانير أو الأغطية الترابية كذا صنع الأواني الخزفية وتتجمع فيه نساء القرية في ديوان واحد من بعد العصر حتى آذان المغرب يتجمعن لصناعة وتعليم هذه الحرفة للفتيات الصغار، وغالبا من يتقن الطبخ هن أنفسهن من يتقن (العَزَف) أو كما تسمى هذه الحرفة، وهناك عدة أشكال منها :

1. التُوَار : ومفردها تَورَة وهي مصنوعة من سعف النخيل أو من (الزراق) وهو جزء من الحشائش التي تنبت بكثرة في فصل الصيف تلقائيا حول الحقول والمزارع ويتم تجميعه من قبل النساء وتشذيبه بطريقة معينة ثم يجفف ويخزن إلى فصل الشتاء حيث تتفرغ النساء لصنع هذه القدور والأواني .

2. الأفْتَار: ومفردها فِتِر، وهي تصنع من سعف النخيل أو من(الزراق) لكن تشكيلتها الهندسية مختلفة قليلا عن التورة .والأفتار تستخدم لتنقية الحبوب من الشوائب أو تنقية البن حين فصله عن قشرته، أو للنخل قبل عجن الطحين .

3. المايدة : وجمعها موايد وهذة تشبه التورة إلا أنها أكبر حجما لأنها تستخدم لتقديم الكعك أو الخبز أو خمير القاع في المناسبات الكبيرة كالأعراس .

 

4. الطَبَق : وجمعه أطْباَق ويصنع من (الزراق) الخفيف الملون (يتم صبغه منزليا) أو من القش .

الرَبْعَة: وجمعها رِبَاع، وهي تصنع من العزف(سعف النخيل) وتستخدم لحفظ الخبز والملوج حتى إنه من الممكن ان يظل لمدة ثلاثة ايام وهو بكامل طراوته إذا مااستخدمت الربعة، حيث يترك الخبز قليلا حتى يبرد ومن ثم يتم رصه داخل الربعة خبزة، خبزة.

 

وجبات شعبية شائعة في كل القرى الجبلية :

سنفرد هنا فقرة خاصة بمجموعة مختارة من الأطباق الشعبية والتي تعد الأشهر والألذ والأكثر فائدة غذائية والتي تعكس اهتمام الإنسان اليمني بغذائه، وتعكس مدى رفاهيته وانسجامه مع المعطيات التي سخرها الله في بيئته سواءً من مكونات نباتية أو حيوانية أو معرفة متوارثة في كيفية اقتناء الأفضل والأجود من المحاصيل والمدخلات ومن ثم كيفية إعدادها بطريقة احترافية. وسيتم ترتيبها حسب ترتيب أكلها حيث يتم الابتداء بالشفوت والختام ببنت الصحن أو السبايا

  الشفوت :

عبارة عن نوع خاص من الخبز ويسمى لحوح ومفرده لحوحة يتم وضعها بشكل أفقي على صحن دائري ثم يصب فوقها اللبن المحوج (المضاف إليه ثوم وكزبرة ونعناع وفلفل أخضر) ثم تضاف إليه سلطة الخضار وسحاوق أوإذا كان موسم الرمان يرش على الصحن قبل تقديمه حبيبات الرمان بديلًا عن السلطة.

ويمكن وضع أكثرمن لحوحة ويفصل بينها قدر كاف من اللبن .

  العصيد :

وهي عبارة عن لبن يتم تفويره على النار وعندما يبدأ بالغليان يرش عليه كميات متتالية من طحين الذرة أو الرومي أو مزيجا من القمح والذرة، يتم صب الطحين واستخدام المربشة بعناية فائقة حتى تكون العصيدة متينة ومتماسكة ثم يضاف إليها قليل من الملح وتغطى. وتظل على النار حوالي ربع ساعة حتى تتشكل قاعدة محروقة على قعر البرمة المستخدمة في تحضيرها، ثم يتم نقلها إلى إناء فخاري يسمى الصحن أو المدرة، ثم يتم عمل دائرة صغيرة في منتصف الطبق ويتم ملؤها بالمرق أو السمن أو الزوم وتسمى جميعها (بالسبغ) حيث لا يمكن أن تؤكل العصيدة إلا بوجود السبغ، ويفضل المرق لكن الزوم والسمن مرتبطان غالبا بيوميات الفلاحين الذين يستخلصون الزوم والسمن من الحليب بشكل يومي.

  المرق :

هو الحساء الدارج عند معظم شعوب العالم، وفي اليمن يتم تحضيره بغسل اللحم جيدا ثم إفراد إناء له ويتم تكشينه بتقطيع البصل الطويل وسحق الثوم وتقطيع الطماطم ثم يتم التحريك على نار هادئة ثم بعدها تتم إضافة البهارات والملح حتى يحمر اللحم قليلا ويصبح لونه ذهبيا، بعدها يضاف الماء المفور (المغلى) ويترك الخليط حتى ينضج اللحم، بالطبع في وقتنا الحالي يتم استخدام الضغاطة ونصف ساعة كفيلة بتنضيج اللحم، بعدما يتم التأكد من ذلك تتم إضافة قليل من الماء الفاتر وملعقة ونصف من طحين الذرة أو طحين الشعير وتخلط بالماء الفاتر (تسمى هذه العملية بالعلط) ثم يضاف الخليط إلى إناء اللحم فيصبح الحساء أكثر ثقلا وسماكة والإناء المستخدم لطهي اللحم هنا يسمى المسخن وهو نوع فخاري يجعل طعم الحساء أكثر تميزا، هناك في قرى إب يصنع المسخن من الفخار، وفي محافظة صعدة يصنع من الأحجار وهي الأجود .

  الشجور :

يعتبر صنفا من أصناف العصيد، لكن تعد له خصوصية تميزه في الطعم الغني بالحليب والسمن ويتفرد تحضيره في قرى مديرية القفر العالي ويرتبط تحضيره بالرفاهية والكرم وكذا الحرافة في صنع أطباق ذات مذاق خاص، حيث إنه وجبة لا يتم عملها إلا في المناسبات الخاصة جدا ويتكون من الحليب الكامل الدسم يتم تفويره ويضاف له طحين الدقيق الأبيض الناعم (المخصص لصنع الكيك) يتم الغرف من الحليب المفور في الإناء الأساسي إلى إناء آخر عليه قليل من الدقيق ويتم تشكيل كرات صغيرة من العجينة ومن ثم يتم إرجاعها إلى الإناء الأساسي وخلطها بمربشة بلطف حتى لا تذوب تماما بين الحليب ثم يصب القليل من الطحين على الخلط حتى تكون عصيدة متماسكة ثم يضاف لها قليل من السكر وقليل من الملح وتقلب على نار هادئة حتى تنضج. وقبل أن تنقل إلى إناء التقديم يسكب قليل من الحليب المركز عليها. وتحرك حركة أخيرة ثم ترفع من على النار وتصب إلى مدرة تشبه مدرة العصيد، ويرش عليها حبة سوداء كآخرلمسة قبل التقديم . ثم يتم عمل دائرة عميقة في المنتصف ويسكب فيها سمن بلدي خالص مع عسل .

  السلتة والفحسة :

تعد السلتة وجبة شعبية مرتبطة بالرجال تحديدا خصوصا من يمضغون القات لأنها تعبر عن الأكل الثقيل الذي لا يطيب القات إلا بعد أكل وجبة دسمة وثقيلة لا يتم هضمها خلال ساعات قليلة بالإضافة إلى أنها وجبة حارة بسبب كمية البهارات المستخدمة فيها والفلفل الأخضر تجعل المرء يحتاج شرب الماء طوال العصر. وهذا امر محبب في وقت جلسة القات حيث يفضل شرب الماء مع مضغ القات لساعات طوال .

والسلتة عبارة عن طبيخ مكون من مجموعة من الخضار أهمها الباميا والبطاطس يتم هرسها في إناء مصنوع من الحجر (مقلى) ويتم إضافة كمية مناسبة من مرق اللحم لها، وقليلا من الفلفل الأخضر والحلبة المخضوبة والمحوج’ بالكزبرة والبيبار والبيعه بعناية .وتختلف الفحسة عن السلتة في أن الأخيرة بها كمية كبيرة من اللحم البقري الذي تم فحسه بدقه مع البيبار والثوم البهارات ومن ثم سكب المرق عليه (يشترط أن يكون بقريا) ثم إضافة الحلبة أخيرا، وتؤكل السلتة والفحسة بتغميس الخبز الملوج عليها (يفضل ملوج الشعير إن أردنا طقسا شعبيا بامتياز) .

  بنت الصحن و السبايا

هذا الطبق يعد من أشهر الأطباق اليمنية واشتهر شهرة واسعة بسبب طعمه اللذيذ وارتباطه بالمناسبات والأعياد وقدوم الضيوف .

وهو عبارة عن عجينة معجونة من دقيق القمح الأبيض الصافي مع نسبة بسيطة من القمح الأحمر (كامل الحبة) تعجن على بيض وحليب وخميرة وحبة سوداء وملح، ثم تقلب العجين عدة مرات قبل أن تقرص إلى قطع صغيرة يتم فردها باليدين بخفة ومهارة ويتم رش السمن البلدي بين الطبقات حتى لا تلتصق ببعضها ويتم وضع الفردات أو الطبقات في صحن معدني وقد تصل من خمسة عشر إلى عشرين قطعة في الصحن الواحد . وفوق آخر قطعة يتم رشها بكمية مناسبة من الحبة السوداء، ثم تترك حتى تتخمر، ومن ثم يتم تجهيز الفرن أو التنور وتسخينه بدرجة متوسطة من الحرارة ثم يدخل صحن الألومنيوم أفقيا ويتم خبزها لمدة ربع أو ثلث ساعة حتى تتحمر من الأطراف والوجه ويفضل أن يكون لونها ذهبيا، وتقدم ساخنة ولا يفضل تقطيعها قبل تقديمها فالتقاليد تحتم تقديم الصحن مكتملا إذا كان هناك ضيوف رجال ونساء فيتم تحضير صحنين صحن لسفرة النساء وصحن لسفرة الرجال، ويسكب عليه العسل البلدي (عسل النحل الذي لا يكتمل مذاق بنت الصحن إلا به) وإن تعذر وجوده لدى الاسرة _لغلاء سعره _ فيستعاض عنه بالعسل الصناعي الأرخص ثمنا، وتجدر الإشارة إلى أن السبايا هنا هو نفس بنت الصحن إلا أنه يعد من القمح دون إضافة الحليب والبيض إلى العجين .

  نضيف هنا كبانة الشام :

حيث يتم أكلها بعد الغداء مع القهوة القشر والكثير من الأسر تعتبرها وجبة عشاء أو إفطار، وقد يتم تقديمها في مقيل النساء مع الشاي الأحمر أو شاي الحليب في عصرنا هذا كبديل عن الكيك والكعك .

تتكون من طحين الشام (الذرة الشامية) والذي يخلط بنصف حجمه من الدقيق الأبيض ويعجن على كمية مناسبة من البيض والسمن والحليب والملح والخميرة والحبة السوداء حسب حجم الصحن المستخدم، ثم تفرد العجين على صحن الألومنيوم وتترك حتى تخمر، ثم تخبز في التنور أو الفرن حتى تصبح ذهبية اللون وإن كان التنور يعمل بالحطب فسيكون الناتج بالطعم لا يقارن .

ويفضل تقديم كبانة الشام بفتر أو تورة مصنوعة من الخزف الغليظ أو الرقيق (الزراق) وتفضل تلك التي بها ألوان عدة وتغطى بقوارة هي الأخرى بها من الألوان الكثير .وكأن الألوان تعطي ذوقا وبعداً آخر لمن يقدم إليه الطعام بأن هذه هي جماليات اليمن ودرر اليمن والتي تزخر بها كافة تفاصيل موروثنا الشعبي، كوفرة وثراء وزخم أنَّى له الحَجْب أو النسيان .

 

الصور

 من  الكاتبة

 

أعداد المجلة