فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
65

«الأزياء التقليدية السعودية.. المنطقة الوسطى» للدكتورة ليلى البسام بين توثيق النص التوصيفي وجمالية السرد البصري

العدد 65 - فضاء النشر
«الأزياء التقليدية السعودية.. المنطقة الوسطى» للدكتورة ليلى البسام بين توثيق النص التوصيفي وجمالية السرد البصري
مملكة البحرين

 

في كتابها «الأزياء التقليدية السعودية.. المنطقة الوسطى»، الصادر عن «دارة الملك عبد العزيز» في مجلدٍ فخم الطباعة والإخراج، مزاوجاً بين النص التوصيفي والسرد البصري، تذهب الدكتورة السعودية ليلى بنت صالح البسام، الخبيرة والمصممة للأزياء التراثية، وأستاذة تاريخ الأزياء والمنسوجات التقليدية بـ «جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن»، إلى التأكيد بأن الملابس التقليدية في جغرافيا المنطقة الوسطى الواقعة بالمملكة العربية السعودية، والتي تتضمن منطقتي (الرياض) و(القصيم) و(حائل) وأجزاء من مناطق أخرى... ذات امتدادٍ تاريخي تمتد جذورها إلى العصور الإسلامية وحضارتها العربية، وهو ما تشي به الزخارف وأنماط التصميم التي تأثرت بالحالات الاجتماعية والثقافية، وتشكلت وفق منظومة من العادات والتقاليد والأعراف، مع اعتبارات للطبقات المجتمعية، والمناسبات الشعبية.

فالكتاب الذي جاء في 292 صفحة، وضم توثيقاً فوتوغرافياً محترفاً، بعدسة المصور السعودي عبد الله بن منصور المشرف، قُسم إلى عدد من الأقسام، متضمناً بعضها مجموعة من الفصول، بدءاً بإلماحة عامة عن الملابس العربية، وأخرى عن الأزياء في مناطق السعودية، لتشرع البسام في الحديث عن الأزياء التقليدية في المنطقة الوسطى من المملكة، عبر فصلين يتناولان ملابس الرجال والنساء، وهو القسم الذي مثل الجزء الأكبر من الكتاب، بأكثر من الثلث؛ 73 %.  

ثم تذهب البسام لمقارنة الأساليب والزخارف بين ملابس الجنسين، متطرقة لزخارف المنسوجات، وكميات وأشكال الزخرفة والتطريز، والخيوط المستخدمة فيها، لتفصل الأقسام الأخرى طبيعة الخامات المستخدمة، وأسماء الغرز اليدوية التقليدية، وصولاً للحديث عن مكملات الزي، لتختم باستنتاجات تكشف العلاقة بين الملابس التقليدية والعوامل الحضارية والاجتماعية والثقافية.

المحافظة وتحديات التطور الحتمية:

تشهد الثقافات في كل الأمكنة تحديات جمة تتعرض لها مخرجاتها، والأمر ينسحب على الأزياء التي شهدت وتشهد تغيرات كبيرة، الأمر الذي يجعل البسام، تؤكد على أن «لا مانع أن يعايش التراث حركة التطور الحتمية، وأن يتلاءم مع روح العصر، لأنه من المستحيل الرجوع إلى القديم»، لكنها في الوقت نفسه، تشدد على أهمية «محاولة توظيف التراث، لتكون لنا شخصيتنا المميزة بأصالتها النابعة من ذلك التراث».

وهو الأمر الذي يلفت إليه المؤرخ والباحث السعودي الدكتور فهد بن عبد الله السماري، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، في مقدمته للكتاب، مؤكداً أن «للأزياء التقليدية السعودية خصائص ثقافية استلهمتها من الأزياء العربية الإسلامية»، وهي إلى جانب هذا الاستلهام، مبتدعة من المجتمع «بذوقه الفطري المتميز بزخارف ذات أسلوب إبداعية وجمالية خاصة مرتبطة بالبيئة، ولها وظائف تفي بحاجته»، وقد حافظت على حضورها إلى اليوم، حيث تشير تلك الاستدامة في حضور الأزياء التقليدية «دلالة على تميز الإبداع فيها، المرتبط بالمجتمع المحلي، وبعراقتها التي جعلت منها أزياء قابلة للتجدد والظهور» كما يؤكد السماري.

وفي سياق جهود المملكة للمحافظة على إرثها الثقافي، تأسست تحت مظلة «وزارة الثقافة» السعودية، هيئة خاصة بالأزياء، ترتكن لرؤية قائمة على «الارتقاء بقطاع الأزياء في المملكة من خلال الثقافة، وتعزيز التراث والهوية الوطنيين بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات العالمية وتحقيق الأثر في الاقتصاد الوطني». ويتكامل ذلك مع الجهود التوثيقية التي يقوم بها الباحثون ومنهم البسام، إذ يلفت السماري بأن الدارة قامت «بدعم مشروع البسام في إصدار سلسلة من الكتب عن الأزياء في جميع أنحاء المملكة، وستتضمن الإصدارات الأخرى الأزياء في شرق المملكة وجنوبها وشمالها وغربها، كما ستتضمن السلسلة إصدارات خاصة بأبرز النماذج للفنون والتصاميم في الأزياء التقليدية السعودية بصفة عامة».

الأزياء ابنة البيئة وتداخل البيئات الأخرى:

لا تنفصل الثقافات عن محيطها الجغرافي والثقافي، فهي ابنة هذه العوامل، وابنة الوقت، وإذا ما نظرنا للأزياء التقليدية السعودية، فلابد من وضع الإطار الذي تدخل فيه هذه الأزياء، وهو الإطار العربي الإسلامي، لكن هذا الإطار تأثر بالشعوب الأخرى، إذ تشير البسام، إلى أن أساليب الحياة المختلفة انتقلت إلى العرب عن طريق التجارة «إذ كانوا يتبادلون المنسوجات الفاخرة والحلي الثمينة من منتجات الأقطار القريبة والبعيدة وهو ما أدى إلى ظهور بعض الأسماء الأجنبية» المتصلة بالأزياء وأدواتها وموادها كالديباج، والدمقس، والاستبرق، والسندس، والخز.. وهو ما يكشف بأن الثقافة العربية «استخدمت ضروباً من الثياب مما أنتجته مناسج البلاد المختلفة، مثل: اليمن، والشام، ومصر، والعراق، وما جاء من فارس، وسواحل الهند، والصين».

وتصنف البسام الألبسة العربية إلى صنفين، الأول «ما يفصل ويخاط من قمصان وجلابيب وسراويل»، والثاني «الأردية والمطاف والأزر والرياط، وجميعها تُلف على الجسم». وقد استخدمت هذه الألبسة والأردية في أزمنة وأمكنة مختلفة من البلاد العربية والإسلامية، بيد أن السعودية، كغيرها من البلدان، تفردت في أزيائها فرادةً مناطقية، ففي المنطقة الوسطى (نجد) - موقع الدراسة - «يرتدون أزهى الملابس وأثمنها، فالرجال يرتدون الثياب البيضاء الفضفاضة ذات الأردان الطويلة وفوقها الجبب المزركشة الموشاة بخيوط الذهب، ويتمنطقون بأحزمتهم، سواء أكانت أحزمة السيف أم أحزمة البنادق، ويتوسط الحزام فوق السرة الخناجر اللامعة».

أما المنطقة الشرقية من المملكة، فقد «اشتهرت دون غيرها بصناعة العباءات والمشالح الرجالية، إذ تخصصت بعض أسر مدينة الهفوف، وبرزت في مجال النسج والتطريز الخاص بهذه العباءة والمشالح، وتوارثت الصناعة أباً عن جد. وبرع سكان قريتي العيون والكلابية في صناعة الطواقي ونسجها بنوعيها؛ ذات الثقوب، التي تلبس في فصل الصيف، أو العادية التي تلبس في فصل الشتاء، وكذلك صناعة الجوارب الصوفية والقطنية».

كما تقدم البسام إلماحة عن أزياء المنطقة الشمالية، التي تشتهر بصناعة الأحزمة والعباءات الصوفية، والمنطقة الغربية (الحجاز)، التي راعت ألبستهم البيئة الجغرافية الصحراوية الحارة صيفاً، والباردة شتاءً، فيما انعكس تنوع المناخ في المنطقة الجنوبية على أشكال ألبستهم، إذ «يرتدي سكان السهول الملابس الخفيفة التي تتكون من الأزر والقمصان (الحوكة والسديرية)، أما في الجبال فيرتدون الأردية الثقيلة كالبيدي والكوت والبشت التي تؤمن لهم الدفء، ويرتدون عامة العصائب النباتية على رؤسهم وعلى خصورهم المحازم (...)، ويعد غطاء الرأس جزءاً مميزاً في الملابس التقليدية، وعادة ما يتناسب مع المناخ والبيئة».

تعددية وفرادة تتناغم مع المعطى البيئي:

كما أشرنا، تخصص البسام لقسم الملابس الرجالية والنسائية ما يمثل 73 % من إجمالي الكتاب، لتستعرض جمعاً مفصلاً من المعلومات التي جمعتها عبر العمل الميداني، إلى جانب العرض الفوتوغرافي البديع، الذي اقترن بالمعلومة، ليستعيض عن التخيل والرسومات التخطيطية بالصور الدقيقة التي التقطت مختلف جوانب الزي وتفاصيله حتى أدقها، لتشكل بذلك مشهدية متكاملة تعاضد فيها الصورة البيانات المدونة، والتي تتطرق لأسماء الملابس، وأنوعها، وخاماتها، ومصادرها، وألوانها، وزخرفها... حيث تؤكد البسام بأن الملابس التقليدية تتبع «خطوطاً رئيسة وأساسية متشابهة، وإن كانت تختلف أسماء بعض هذه القطع عند أهل منطقة أو أكثر»، وتشكل تناغماً بين الملبس والمعطى البيئي.

ما يتصدر الجسد؛ أغطية الرأس:

تنطلق البسام من الملابس الرجالية وزخارفها، التي تنقسم إلى أغطية الرأس، والملابس والأردية الخارجية، وملابس النوم والمنزل، مستعرضةً مراحل تطور تلك الملابس، وأشكالها عبر الصور، ابتداءً بأغطية الرأس، وأولها (الطاقية)؛ وهي «كل ما يلبس على الرأس مباشرة»، وتنقسم إلى ثلاث أنواع: الطاقية البيضاء المصنوعة من قماش القطن، والطاقية المنطية التي تعد «من أقدم أنواع الطواقي، ومنها نوع ينسج (ينطى) من وبر الإبل محلياً بطريقة يدوية (....) ومنها ما هو ذو لون واحد، ومنها ما يضاف إليه لون آخر أو لونان، إذ يؤخذ الوبر من أكثر من حيوان للحصول على ألوان متعددة». أما الطاقية الملونة، فتنقسم إلى طاقة (الشالكي) و(الجنينية)، حيث «تصنع من قماش الصوف الشاكلي المزخرف بورود ذات ألوان متعددة على أرضية بيضاء»، وطاقة الزري المصنوعة من «قماش الزري الملون المستخدم في ملابس النساء». أما زخارف الطاقية، فتقتصر على أشكالٍ هندسية بيئية في الطاقية المطرزة يدوياً، فيما في الطاقية المطرزة آلياً أكثر تعقيداً، حيث أن «الأشكال تعددت وتداخلت الخطوط المستمرة، لتنتج عنها دوائر ومثلثات، وأحياناً أشكال نباتية سهلة ومحورة».

بالإضافة للطاقية، تفصل البسام في «الغترة»، التي «تعد الغطاء الأساسي للرأس، ولا يمكن للرجل البالغ في القديم أن يخرج من منزله دونها، وإلا غدا خارجاً عن العرف أو فاقداً بعض قواه العقلية»! والغترة عبارة عن قماش مربع الشكل، يثنى أحد قطريه على الآخر ليبدو مثلثاً، و«تسمى عملية الثني (روجلة)»، فيما تتنوع أنواع (الغتر) وألوانها، فمنها الغترة البيضاء التي تهذب أطرافها بالتطريز أو بالزخارف البيضاء. أما الغترة الحمراء أو «الشماغ» فيتزخرف بالزخارف الهندسية الناتجة عن «عملية تطريز آلية في أثناء التصنيع، بطريقة تشبه غرزة الحشو، بخيط ملون على أرضية بيضاء، وقد شاع استخدام اللون الأحمر منه في المملكة، أما الألوان الأخرى وهي الأسود والأخضر، فقد يرتديها الوافدون من أماكن أخرى كالعراق والشام».

ومن أنواع الغتر كذلك «الشال»، وهو غطاء رأس يلبس في فصل الشتاء، يميل إلى الأصفر أو البني، ويزين «بزخارف نباتية مطرزة بخيوط ذات ألوان متعددة على شكل كنار أو حاشية أو (حضية)، تحيط به من الجهات الأربع، مع وجود وحدات زخرفية في كل ركن من الأركان الأربع، وقد تطرز أرضية الشال كلها».

استدعت الغترة ما يثبتها، ويقوم بهذا البعض الوظيفي «العقال»، وهو من أبرز ألبسة الرأس التي تشتهر في منطقة الخليج العربي وبعض مناحي البادية العربية، إذ يستخدم العقال «في تثبيت الغترة فوق الرأس»، وله عدة أنواع، أشهرها العقال الأسود «النوع المستخدم قديماً من جميع الطبقات حتى الوقت الحاضر، ويصنع من خيوط رفيعة من الصوف الأسود»، وعلى العكس منه، العقال الأبيض المصنوع من الصوف الأبيض، «وهو أقدم من العقال الأسود، إلا أنه لم يعد يستخدم» كما تبين البسام.

ومن أنواع العقال، عقال الزري، أو العقال القصب «الشطفة» الذي «يتخذ شكلاً هندسياً خماسي الأضلاع، يتكون من طبقتين، أي إن مجموع أضلاعه عشرة، إضافة إلى وجود جزء صغير لين قابل للانثناء في منطقة الخلف ليسمح بثنيه إلى طبقتين»، إلا أن هذا العقال لا يُلبس من قبل عامة الناس «فهو في الأغلب من ملابس الطبقات العالية من الملوك والأمراء والمشايخ».

وتجيء العمة، كشكل من أشكال أغطية الرأس، وهي قماش أبيض يلف الرأس بدلاً من الغترة والعقال، «ويستخدمها مشايخ العشائر والقبائل ورجال الدين».

أما على صعيد أغطية الرأس المخصصة للنساء فتتعدد وفق حاجتها ومناسباتها، ومنها الشيلة «الغدفة»، أكثر الأنواع أساسية والمستعملة، و«المقرن (الشيلة أم عسقة)»، المستخدمة لغرض الزينة في المناسبات وليلة العرس، بالإضافة لـ «شيلة التلي» وترتدى كذلك في الأعراس، و«البخنق (المخنق)» الخاص بالفتيات الصغيرات، و«الجلال (الرداء أو الشرشف)» للاستخدام أثناء التواجد في المنزل، و«المسفع (الطرحة)» الذي ترتديه الشابات بدلاً من الشيلة مع بداية التطور التي مر بها التراث الملبوس كما تؤكد البسام.

ألبسة الجسم:

تتعدد الألبسة على سائر الجسد بتعدد مواضعها، فالرجل يرتدي الدراعة التي تشبه الثوب الرجالي، والثوب المردون (أبو ردون)، و(الزبون) الذي يرتدى في المناسبات والأعياد وأثناء أداء الرقصات الشعبية (العرضة)، بالإضافة لـ «الصاية» وهي كذلك من ملابس المناسبات، بالإضافة لـ «الدقلة» التي تعد من ملابس الطبقة الغنية، وترتدى في الشتاء، والجبة وهي من ملابس المنطقة الغربية، بيد أن البسام تشير إلى استخدامها بشكلٍ محدود في المنطقة الوسطى، فيما تميز الفرسان والشجعان والأمراء وعلية القوم بلبس الـ «جوخة». اما «الدامر أو الفرميلة»، فشبيهة للجوخة، إلا أنها أقصر منها، وتغطي المنطقة العلوية من الجسم فقط. 

كما يرتدي الرجل «الصديرية» أو «الكوت»، و«الزخمة» وهي أردية قصيرة دون أكمام، بالإضافة لـ «المشلح (البشت)»، بتعدديته حسب المناسبة وفصول السنة.

وتخصص البسام عدداً من الصفحات للحديث عن مراحل تطور الملابس الرجالية، وملابس المناسبات الخاصة بالرجل، إذ «مرت ملابس الرجل بتغيرات كثيرة، من حيث الشكل العام، وأساليب التنفيذ، ونوع الأقمشة، وأنواع الملابس المرتداة وعددها. وذلك بحكم تقدم الزمن وتوافر الإمكانات المادية والتقنية وتطورها».

أما على صعيد الملابس النسائية فهي الأخرى تغيرت في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المملكة، وقد امتازت الألبسة الخارجية للمرأة بالزخارف والتطريز، فـ «تعدد أساليب تزيينها أكسبها صفة التنوع والتجدد في المظهر»، مثل «المقطع (الدراعة)» الذي يمثل اللباس الأساس للمرأة، والثوب الذي يرتدى فوق «المقطع»، حيث تختلف أقمشته حسب المناسبة، كما يزخرف ويطرز بأشكال متعددة، أبرزها الخطوط الهندسية، والأشكال النباتية، والموتيفات الأخرى الموجودة في البيئة، فيما يستخدم في التطريز والزخرفة خيوط الذهب، و«الزري» و«الترتر»... كما تلبس المرأة «الزبون»، والعباءة، التي طرأت عليها الكثير من التغيرات نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين.

إجمالاً تمتاز ملابس النساء بوحداتها الزخرفية ودلالاتها، إذ «تتوافق الزخارف بتكوينها الفني مع وقائع البيئة، إذ تبرز الوحدات المنقوشة على الملابس طبيعة تلك البيئة، فقد استمدت بعض الوحدات الزخرفية أسماءها ومعانيها من البيئة، ومن أسماء أشجارها وثمارها المتعددة، ... ومن أشكال مبانيها التقليدية...ومن أشكال زخارف المفروشات المستخدمة فيها...، ومن أسماء الشخصيات المشهورة لدى سكانها...».

خصائص ملابس المنطقة الوسطى

تشير البسام في دراستها، إلى أن ملابس الرجل والمرأة في المنطقة الوسطى تتصف «بالاتساع والطول والحشمة والوقار، فهي لا تظهر تفاصيل الجسم، وتوفر الراحة وحرية الحركة، وتتناسب مع العوامل المناخية والبيئية»، كما أن المنسوجات اعتمدت بشكل أساسي «في صنع ملابس الرجل والمرأة على الخامات الطبيعية، وتحديداً القطن، وذلك تطبيقاً لتعالم الدين الإسلامي الذي حرم على الرجل ارتداء الحرير، واستخدمت المرأة الحرير الطبيعي في ملابس الزينة والمناسبات واستخدمت الأنسجة الشفافة في صناعة الثوب الخارجي حتى يشف عما تحته، وصنع الثوب الخارجي للرجل من أقمشة قطنية قد تكون خفيفة أحياناً من الململ، أو عادية من الخام».

كما تخلص البسام إلى أن الرجل «حافظ على زيه التقليدي، على الرغم مما طرأ عليه من تغيير ...، وتخلت المرأة عن ملابسها التقليدية وتأثرت بالموضات المستوردة، ولكنها حافظت على طول ملابسها، واختارت من تلك الملابس ما يناسبها بوصفها امرأة مسلمة، وتمسكت بالعباءة، إلا انها أصبحت تصنع من الحرير الطبيعي والصناعي، هذا فضلاً عن أن العباءة توفر لها مظهراً محتشماً ووقوراً».

كما تطرقت البسام إلى أنواع التطريز في الملابس، وطريقة أدائها، بالإضافة لمكملات الزي، كالأحذية من نعال الخوص؛ المصنوع من خوص النخيل، وصولاً إلى نعال الجلد، ومنها الزرابيل الذي يشبه البوت، والمداس، والجرابات المصنوع من الجلد، والكنادر، والتليك وهو «نعال من الجلد الأسود أو البني اللامع، والجزء الأعلى منه يغطي الأصابع فقط، أما باقي القدم فيظل مكشوفاً». كما تفرد البسام مساحة للحديث عن الجوارب «الشوارب»، التي عُرفت في وقت قريب. والقفازات، التي عرفت منذُ القدم بأسماء عدة: دسوس، مداعيس، كفوف، شراب اليدين... 

وتشير البسام إلى أن الامتداد التاريخي للملابس في المنطقة الوسطى دلالة على أصالتها، إذ تعود في امتداد جذورها إلى العصور الإسلامية وحضارتها العريقة، وهي كذلك «مرتبطة بالملابس التقليدية وزخارفها في البلاد العربية»، ولهذا فإن تعاليم الدين، والعوامل البيئية والجغرافية، والحالة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة للعادات والتقاليد والأعراف، انعكست على ملابس المجتمع بوضوح.

وتأكيداً على ذلك، تلفت إلى العلاقة بين زخارف الملابس التقليدية في المنطقة الوسطى والفنون الإسلامية، إذ تبين «تنوعت التصميمات الزخرفية في الملابس التقليدية، لكنها في معظمها اعتمدت على التقاسيم الهندسية والزخارف النباتية، وأهملت استخدام الزخارف الحية، وهذا يدل على أنها امتداد للزخارف الإسلامية التي اقتبست عناصرها الزخرفية عادة من الخطوط الهندسية أو العناصر النباتية»، إلى جانب استخدام بعض الوحدات الزخرفية كالنجوم، والقمر، والهلال.. والتي «ظهرت في الزخارف الإسلامية لاعتناء المجتمع الإسلامي بعلم الفلك».

وفي سياق تطرقها للعلاقة بين الملابس التقليدية والبيئة الجغرافية، تؤكد البسام بأن البيئة الطبيعية والمناخ لعب دوراً في مواصفات الملابس، إذ «اتصفت بالاتساع الشديد، وهذا يساعد على دخول الهواء وتجدده، وهو ما يلطف درجة حرارة الجسم في الجو الصحراوي الحار، إضافة إلى استخدام الأقمشة القطنية الرقيقة بكثرة، وكذلك اللون الأبيض في ملابس الرجال اليومية، وهو ما يحافظ على حرارة الجسم ويؤمن له الدفء، و... توافر أنواع مختلفة من الأردية الخارجية المصنوعة من صوف الحيوانات ذات الألوان الداكنة وهو ما يؤمن الدفء أيضاً، ويساعد على امتصاص حرارة الشمس». 

وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية، فإن للملابس دوراً بالغ الأهمية، حيثُ كانت من صفات الفتاة المطلوبة للزواج «إتقانها فن الخياطة والتطريز». كما كان للعادات انعكاسها على الملابس، إذ «تكثر الزخارف في ملابس الزواج، وملابس الاحتفالات الشعبية، وملابس الأعياد، وتقل في ملابس الحياة اليومية العادية، ويتضح من ذلك أن العلاقة بين المناسبة واللبس، علاقة وثيقة»، هذا إلى جانب كون الملابس راعت حاجتها لإرضاع طفلها عبر «إيجاد فتحة في خياطة البدن أو بالقرب من الإبط، وذلك لإرضاع طفلها منها دون إظهار الثدي».

أما على الصعيد الاقتصادي، فتؤكد البسام بأن المجتمع راعى جوانب الكفاف، إذ تميزت الملابس بخطوط ثابتة، قللت الحاجة إلى اقتناء عدد كبير منها، ولعب اتساعها دوراً في «جعلها لا تتغير تبعاً لتغير أبعاد الجسم بزيادة الوزن أو نقصه أو حدوث الحمل». كما «عكست الملابس التقليدية صورة واضحة عن الحالة الاقتصادية لمرتديها، فهناك الخامات الثمينة، والثياب المطرزة بخيوط الذهب والفضة، وهناك الخامات المتواضعة التي تطرز بخيوط القن الزاهية»، وهو ما يكشف عن البعد الطبقي، إذ «كانت الملابس التي تستعمل في المناسبات الخاصة من الطبقات العادية أو المحدودة الدخل، هي نفسها التي كانت تستخدم في الحياة اليومية للطبقة الميسورة الدخل».

وتختم البسام بالتطرق إلى بعض الاستنتاجات التي تشرح أسباب حدوث التغيرات في الملابس التقليدية في المنطقة الوسطى، منها اكتشاف النفط «الذي أدى لحدوث الانفتاح الكبير على العالم الخارجي واختلاط أهل المنطقة بالشعوب الأخرى، وقدوم الأجانب إلى البلاد للعمل بها، واختلاط الثقافات، إضافة إلى توفر الإمكانات وحدوث تطور شامل في جميع جوانب الحياة»، كما لعبت سهولة المواصلات وتبادل الثقافات مع الشعوب الأخرى دوراً مهماً. أما تغير طبيعة الحياة اليومية وخروج المرأة للتعليم والعمل، فقد فرض تغييراً كبيراً، وزامن كل ذلك «تطور صناعة الملابس والأنسجة وتقدم أساليب التفصيل والخياطة والزخرفة وحلول الآلة مكان العمل اليدوي، وظهور أنواع جديدة من الملابس الجاهزة، وهو ما أدى إلى التخلي عن الأساليب التقليدية ومسايرة الأساليب الحديثة».

 

أعداد المجلة