فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

حوته وخمسه وقرن غزالة: موجودات مادية بقدرات غيبية

العدد 61 - عادات وتقاليد
حوته وخمسه وقرن غزالة: موجودات مادية بقدرات غيبية
كاتبة من تونس

 

يعدّ السلوك البشري ذا رمزية في جوهره لأن الإنسان وحده هو القادر على إبداع الرموز دون غيره من المخلوقات وينفرد عنها جميعا بالسلوك الرمزي والقدرة على استعمال الرمز، فكل أنماطه من السلوك تتألف من رموز وعلامات اصطلح عليها الجميع. والمجتمع بدوره هو الذي يحدد معنى الرمز، ويفقد الرمز معناه وقيمته إذا خرج عن نطاق المجتمع أو الجماعة، فليس في الرمز خصائص ذاتية تحدد بالضرورة ذلك المعنى وتفرضه على المجتمع.

لقد اعتمد الانسان البسيط رموزا وعلامات «تراثية» ذات الصدى العميق في دواخل المجتمع العربي عامة والمجتمع التونسي بصورة أخصّ وفي عاداته ومعتقداته. رموزا طالما سكنت لاوعي التونسي وخلفياته الذهنية والعقائدية، توارثها مجتمعنا جيلا عن جيل فانعكست على سطح حياتهم المعيشة لتكون مرآة صادقة عن ذواتهم. والرموز كثيفة ومتنوعة تحاكي في شكلها عالم المرئيات وتعانق دلالاتها فضاءات الماورائيات تضيف على المادة المثال شحنة تعبيرية تعزز جذور خطابه على أكثر من محمل على غرار؛ الحوته والخمسة وقرن الغزال.

يتجلّى عموما الرمز نقشا وحفرا ونحتا ورسما، أشكالا هندسية، نقطا، خطوطا منكسرة أو مستقيمة أو متعرجة، هيئات هندسية تجريدية... نزعة زخرفية تنحو إلى التجريد. تختلف التقنيات والأساليب بتنوّع المحامل وينتج الأثر وليد ذاتية صانعة، والعناصر المادية المكوّنة له. لعلّ العناصر المادية على غرار الحوته والخمسة وقرن الغزال فهي ترمز إلى حرص السكان على إيجاد عناصر رمزية لطرد الأرواح الشريرة (حسب بعض المعتقدات والأقاويل)، كذلك إضفاء علامة معبرة أخرى لمحيطهم المعيشي ورمزا لوحدتهم. المثلث علامة متكرّرة بأشكال مختلفة ونمط هندسي يمكن ملاحظته في الزخارف الموجودة داخل البيت أو في حواشي المبنى والواجهة الرئيسية.   

رموز ومواضع: 

إنّ كلّ ما خطّته أيادي البنائين والحرفيين هو فعل رمزي يحيل بشكل أو بآخر على معان مجرّدة تتخطى أحيانا الواقع الحسّي الذي تنطلق منه. وعلى عكس ما قد يوحي به الظاهر الزخرفي والجمالي للعلامات والرموز، فإن الانسان ماثل فيها بقوة عبر كلّ تفاصيلها1، فمواضيعها تتمحور حول الانسان في إطاره البيئي الملموس وضمن شروط الحياة الواقعية دون إغفال للتاريخ2، فيأتينا الكثير منها، تلك الرموز، مستوحى من بيئته مع بعض من التجريد، ومع ذلك فهي تتطابق مع الطابع التشخيصي للفن البدائي والممارسات التشكيلية.

1)     العتبة: 

تعدّ العتبة فاتحة السّكن، فيتمّ تخصيصها بطقوس عدّة تختلف العناصر المستخدمة فيها، إلاّ أنّــها تتجانس بين ما يعتقد أنّه «طبيعة العتبة» ومستقبل المسكن وساكنيه، فإن كانت العتبة مباركة، جـاء كلّ ما تأسّس عليها ميمونا مباركا، والعكس صحيح، وهو ما يترجمه المثل الشعبي الدّارج «نواصي وعتب والبعض من الذريّة». كما أن المثل الشعبي القائل «الدار عتبة والمرا قصّة» له دلالاته الرمزية والمعنوية لذلك لا نستغرب ممارسات الأهالي لعادات صارت طقسا خاصا بالبناء، فعند المطاوى3 يرمون قطعة ذهب على شكل حوتة أو شعير4. وهي الوظيفة نفسها الّتي يؤمّنها الباب عبر ثنائية الانغلاق والانفتاح والضيق والاتّساع، وهو ما تجسّده لحظة التأسيس عبر الطقوس التي بمقتضاها يدشّن البناء. 

2)     الباب: 

يُعدّ عنصر الباب أكثر الوحدات المعمارية المشحون دلالات رمزية، ففي المخيال الشعبي مثلا «فإنّ الملائكة تسكن بالباب فلا يمكن تجاوز العتبة إلا بعد أن تقول بِسْمِ الله الرّحْمَانِ الرّحيمِ، فكأن الملائكة تحرس هذا العالم الداخلي الخاص من عالم خارجي مليء بالشرّ والحسد»، وغيرها من المعتقدات والتصوّرات التي تعطي لهذا العنصر المعماري قيمته وتجعله مجال تفنّن ومركز اهتمام خاص من قبل المجتمعات المحلّية.    

يحضر الباب بعناصره الإنشائية والزخرفية بوصفه الجزء الأكثر كثافة في التعبير عن السكن تعيينا وترميزا وتشكيلا، وإذا كان حضوره هندسيا لا يكتمل إلاّ في أواخر مراحل عملية البناء، فإنّ تمثّله يبدو واضحا منذ البداية لا سيما عبر التعامل مع موضع العتبة بكثير من مظاهر الخشية والانفعال، فيتمّ تخصيصه دون غيره من الأجزاء والوحدات المعمارية بطقوس عدّة تختلف العناصر المستخدمة فيها، إلاّ أنّــها تتجانس في تمثّل ضرب من العلاقة الحتميّة القدرية بين ما يعتقد أنّه «طبيعة العتبة» ومستقبل المسكن وساكنيه5. وما الانفعال الخاصّ في التعامل مع العتبة والفتحة المعروفة «بـالخوخة»، واللجوء إلى تعليق بعض الرموز المادية كالقرون والخمسة و«الحوته» إلاّ إحالات على نظام دلالي بصريّ وفضائيّ قد أحكم المجتمع شحنه. ولعلّه وبفضل عناصره المادية الوظيفية والرمزية يتحوّل الباب إلى نظام دلالي بصري وفضائي فيه أنماط مختلفة من التعبير كالرسم والحفر والكتابة. 

تعدّ النقوش الرّمزية المختلفة التي ميّزت جلّ أشكال الزينة المستعملة على واجهات مداخل أفضية الحوش التقليدي (الواجهة الأمامية للمدخل ومداخل الغرف والأبواب) مثل اليد، الخمسة، الهلال والنجمة الخماسية6 والحوتة التي تشير إلى أن المكان مفتوح ثقافيا وغير مغلق على نفسه. ومن جهة أخرى يراد من ذلك طلب البركة وطرد العين والحسد. 

 

 

الحوت فوق «قُصّة» باب الدار، تشكيل أول. الموقع: شنني قابس (تونس)

«إذا كانت السمكة في زوجين فهي ترمز للحياة والاقتران والخصب والألفة»7.              

 

 

الحوت على باب الدار، تشكيل ثان الموقع: قبلي القديمة (تونس).

«يتمثل هذا التشكيل الشعبي في صورة لسمكتين متقابلتين، وإذا ما ارتبطت السمكة (الحوتة) في المخيال والاعتقاد الشعبي بالخصوبة فان وجودها في هذا الموقع من الباب الرئيسي للمسكن لا يمكن الا أن يمثل أمنيات أصحابه بالبنين والبنات «والعمار والثمار».

 

 

الحوت على افريز السّطوان وسط الدار، زخرفة بأسلوب الحفر البارز، تشكيل ثالث. الموقع: دار الطرابلسي. المنزل قابس (تونس).

«يعدّ الحوت في أبعاده الرمزية رمزا للبركة والتكاثر، يعني الحياة والخصب نظرا لقدرة السمكة (الحوتة) الفائقة على البيض. وفي مخيالنا الشعبي فإن الأسماك تتواجد ذكورا واناثا، وهذا ما يعني أنهما يرمزان للاقتران والألفة والتكاثر والتزواج»8. فالسمكة رمز التكاثر، رمز قديم يعني التجدد والخير والعيش الرغيد وترمز لسعة الرزق وجلب الحظ والخصوبة. والسمكة رمز للتجديد والأدلة في الميثولوجيا قاطعة، ففي الأساطير العربية والحضارات السامية وفي المعتقدات الدينية السماوية، غالباً ما يدل هذا المخلوق على الانبعاث. والسمكة في موروثنا الشعبي طاردة للأعين الحاسدة، ويعتقد أن برسمها على واجهة الدار حمايته من أعين الحاسدين.

عموما، ولغاية المحافظة على بناء المجتمع التقليدي، تنشأ عددا من الرموز من الطوطم والتابو (هما معتقدان سحريان) مؤداها قانون التبجيل والتحريم. وكلّ «عشيرة» ويقابلها طوطم يكون محط تحريم وتقديس ومعتقد سحري، وتكون التمثلات الرمزية كفيلة بطرد الأرواح الشريرة ومصدر إسعاده وتحقيق رغباته مثلا. وذلك لظنّه أنه يسنده قدرة خارقة. ونشاهد في تمزرط بعض الرّموز القديمة المتعلّقة بالسّكن، أشكالا رسمت ونقشت على الأبواب والجدران لحماية المسكن وتحصينه.    

على اختلاف أشكالها، تمثّل الرموز المعلّمة طابعا فنيا متجانسا مع مكوّنات الزخرفة الحفرية (الغائرة والناتئة) والزخرفة المركبة بهذه الوحدات السكنيّة التي يطغى عليها الطابع العقدي. فكلّ هذه الرموز التي تزيّن الباب وإطاره تعكس قيما ثابتة بالمجتمع الواحي بالجنوب التونسي، فيتحوّل الباب إلى قيمة في حدّ ذاته لا يدلّ على هوية متساكنيه فقط بل يعكس هوية مجتمع بما يحمله من معتقدات متوارثة.

رغبة الإنسان في حماية نفسه من قوى الشر غير المعروفة، أو خلق حظ حسن لنفسه، قادته إلى ابتداع الخرافات الجالبة للحظ الجيد وأخرى للحظ السيء. الخمسة، تعتبر واحداً من الطقوس الواسعة الانتشار، ويتصور من يضع خمسة أعلى باب بيته، بقدرتها العجيبة على حماية أهل البيت من الحسد، فهو يهدف أساساً إلى جذب اهتمام الناظر قبل دخوله الدار إذا كان حسوداً، وبهذا يذهب حسده دون أن يستطيع التأثير على ساكني الدار.

3)     المفروشات: 

Ce tapis est un véritable catalogue des motifs récurrents dans les tapis berbères :

1.     Homme dans un palmier (cueilleur de dattes).

    -    رجل على شجرة النخيل (جني التمور) 

2.     Homme. Toujours représenté les bras en bas, et souvent portant un sarouel.

    -    رجل (يرمز له دوما بيدين مبسوطتين إلى الأسفل ويرتدي سروالا)

3.     Femme. Toujours représentée les bras en l’air. Étonnamment, c’est exactement la figure de la déesse punique Tanit (cliquer sur le tag carthage).

    -    امرأة (يرمز لها دوما بيدين مبسوطتين إلى الأعلى على شاكلة التانيت)

4.     Dromadaire.

    -    جمل

5.     Serpent.

    -    أفعى

 

 

هناك أشكال طبيعية تتحوّل إلى أشكال مجرّدة، ويزداد تجريدها إلى الحدّ الذي يتعذر معه على المرء أن يدرك أصل تلك الرموز. فرمز العين الواقية مثلا اتخذ شكل الخطوط المنكسرة واستخدم في النسيج والمصوغ والمشغولات الخشبية. واتخذ شكل المربّعين المتقاطعين، وشكل المثلث أحيانا. فتوحي الخطوط الرأسية بالثبات، وباتجاه من أعلى إلى أسفل، وسبب ذلك أن العين تتبع اتجاه الثقل في قراءة الخط حيث تبذل مجهوداً أقل من ذلك المجهود اللازم لقراءة خط بحركة صاعدة وبنفس الطول. إن ظاهرة الجاذبية الأرضية هي إذن -بالنسبة لإحساسنا-الحركة الطبيعية، وكل حركة مضادة تتطلب مجهودا أكبر حتى نتحقق، فصعود مستوى مائل أكثر مشقة من نزوله.

لم تكن السمكة الرمز الوحيد المعتمد لطرد العين الحاسدة على مداخل المساكن التقليدية، ففي توزر مثلا يستدعي قدر أسود من الطين المشوي لا يحمل عروتين كان يوضع في واجهة البيوت للتطيّر والتصدّي للعين الحسودة يسمّى «البُونِي».  كذلك في الدويرات (تطاوين) وجدت بعض النقائش على نحو النجمة (النجمة الخماسية) والهلال على مدخل الحوش. 

كذلك تكون الخمسة وهو نوع من «حماية» اليد أو «يد الله». ويرد بعض الباحثين أهمية الأصابع الخمس إلى كتب التوراة الخمسة لليهود، وأركان الإسلام الخمسة للسنة أو أهل الكساء الخمسة من آل البيت للشيعة. البديل هو أن مصطلح اليد الإسلامية فاطمة أو عين فاطمة، في اشارة إلى فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم اسم آخر يهودي وهو يد مريم، في اشارة إلى مريم، أخت موسى وهارون.

4)     الحليّ:

لعلّ الثلاثي «حوتة وخمسة وقرن غزالة» لا يغيب على الحليّ التقليدي التونسي حتى وإن كان فرادة. هم رموز للتبرك وطرد العين الحاسدة حتى منذ الولادة. 

رموز واصطلاحات: 

لعلّ العلاقة العميقة التي تجمع مجتمعاتنا التقليدية والرمز هي التي تهبه القدرة على البقاء. فمحاولات التعديل والتطوير التي تمرّ بها الرّموز كانت إحياءً مستمرا لها. وهذا ما من شأنه أن يحدث نوعا من التوافق والمعايشة المستمرّة للرمز. فالرمز هو دائما نتاج المتطلّبات العضوية النفسية ضمن محيط مادي واجتماعي، هذا النتاج هو ما أسميناه المسار الانتروبولوجي11. ففي بعض المجتمعات يعلق الناس رموزا بعينها كحدوة الفرس مثلا أو اقتناء قطة سوداء لجلب الحظ الحسن أما في مجتمعاتنا فنعلق الرموز لطرد سوء الحظ ولإبعاد شر العين المعيانة على غرار القرن12، والتي تشكل تهديدا لصحة الفرد ورزقه وأولاده. 

رموز ورسوم وزخارف تتناقلها الأجيال عبر الذاكرة الجماعية. هذه الذاكرة هي حافظة التراث وقد وصفها بول روبرت «بأنها الملكة التي تجمع وتحفظ المدركات الماضية وما يرتبط بها. وهي في الواقع الفكر الذي يخزن ذاكرة الماضي»13 فالرمز هو الاشارة الصادقة التي توضح تاريخية التراث الشعبي ومعانيه. لنستنتج من عرضنا لعدد من الرموز المتناقلة -على اختلاف محاملها-أن المجتمع هو الذي يحدّد قيمة الرّمز وهو الذي يضفي على الأشياء الماديّة معنى معينا فتصبح رموزا.

في بلداننا المغاربية وخاصة تونس يعلقون قرن غزال أو أي قرن، وقد يعلقون يد بأصابع مفتوحة وهناك من يعلق سمكة (حوتة). أما المصطلحات التي استحدثناها لدرء شر العين فهي إن نعدّها فلن نحصيها، منها مثلا:

ما شاء الله، 

تبارك الله، 

يخزي العين، 

عينى عليك باردة، 

عيني ما تضرك، 

بسم الله وما شاء الله، 

اللهم صلي عالنبي، 

خمسة وخميسة في عين ابليس، 

حويتة واخميسة وقرن غزال، 

الحوت والصبارص14، إلخ...

والمشكلة في محادثاتك مع الناس أنك تضطر للاعتذار بالإسراع بذكر كلمة حاشا عيونك حالما تنطق بكلمة خمسة أو عشرة، أما إذا ذكرت كلمة حوت أو قرن فالاعتذار يمسي واجبا لابد منه… وقد توصف بالوقاحة إذا ذكرت كلمة حوت أو قرن أو حتى قرين دون أن تقول حاشا عيون المستمعين…يعنى حاشا لأعينكم أن تكون من الأعين الشريرة ذوات القوة التدميرية الرهيبة. 

الرمز الآخر الذي يفسخ الحسد هو الملح، حيث يقولون في مصر حصوة ملح في عين اللي ما يصلي عالنبي.  ويقال على الملح ربح في تونس. وكمحاولة لدفع النحوسة والأرواح الشريرة عن المنازل الجديدة يقومون بنثر شيء من (الملح)، أو إدخال كميّة قليلة من هذه المادة، كذلك ما يزال هناك أناس ممّن يحتفظون بكميّة قليلة منه معهم ليضمنوا نجاح جميع معاملاتهم، ويحملون قبضة في أيديهم عند خروجهم ليلاً ليحميهم في الظلام. يعتبر التونسيون العين أقوى تأثيرا من الحسد، لأن الحسد ينقلب على الحاسد (عين الحسود فيها عود). يقول المثل «ماري15 ولا تكون حسود»، كذلك جاور حسود ولا تجاور معيان.

رموز وإحالات: 

إن الأشكال والرموز الشعبية نابعة من الفكر الشعبي السائد في المجتمع والظروف المحيطة. والسلوك الإنساني رمزي في جوهره لأن الإنسان وحده هو القادر على إبداع الرموز دون غيره من المخلوقات وينفرد عنها جميعا بالسلوك الرمزي والقدرة على استعمال الرمز، فكل أنماطه من السلوك تتألف من رموز اصطلح عليها الجميع.

والمجتمع بدوره هو الذي يحدد معنى الرمز، ويفقد الرمز معناه وقيمته إذا خرج عن نطاق المجتمع أو الجماعة، فليس في الرمز خصائص ذاتية تحدد بالضرورة ذلك المعنى وتفرضه على المجتمع. والرمز التشكيلي الشعبي يتميز بانطلاقة التعبير والبعد عن المقاييس المقننة.  وتزخر مفردات معتقدنا الشعبي بمجمـوعات هائلة من الرموز ذات الدلالات والعلامات والرسوم والأشكال والنصوص والكتابات، والتي تحوي العديـد من القيم التشكيلية والتعبيـرية، والتي يمكن الاستفادة منها في صياغات تشكيلية معاصرة. فالموروث الثقافي تتلاقى فيه الأصالة مع الحداثة في الجمع بين المعرفة بمفهومه الموروث والحفاظ على الهوية، وأشكال الإبداع الشعبي الأصيل. 

لذا تمثل المفردات الشعبية مصدراً هاماً من مصـادر الرؤية لدى مصممينا في الوقت الحاضرعبر عصرنة تلك المفردات الميتافيزيقية المطلسمة، ذات الطابع الرمزي من ناحية والفلكلوري من ناحية أخرى، والتي تضرب بجذورها بعيدا. 

إن هذه المفردات بدائية فطرية، ولكنها معبرة موحية لما فيها من فطرة ورمزية، ومن ثم فإن هذه التصورات والرؤى، وإن كانت الخرافة مصدرها، إلا أنها كانت على جانب كبير من الأهمية. ذلك ما دفع بالباحثين في مجال التراث من مصممين وحرفيين إلى تناول مفردات المعجم الشعبي بالدراسة لرغبة صريحة في التوصل إلى نتائج قد تثري الجانب التصميمي من خلال استخلاص تصاميم مشبعة تراثيا والتي ترتكز عليهـا تلك المفردات. والرموز كثيفة ومتنوعة تحاكي في شكلها عالم المرئيات وتعانق دلالاتها فضاءات الماورائيات تضيف على العمل شحنة تعبيرية تعزز جذور خطابه في أرض عربية.

لنختم فنقول: 

إن العلامات والرموز لا تزال وفيرة ومتعددة في المعتقدات الشعبية، فالعلامة المستمدة من الموروث (السمكة، خمسة اليد، القرن...) في حد ذاتها هي شيء من الماضي تناوله الفنانون ضمن مظهرية اللون والشكل وضمن لعبة فريدة خاصة بالمصمّم والحرفي حد ذاته، تخترق كل المرجعيات حتى تفرد مساحة لمظهرية فنية مستقلة تكتفي بذاتها بحيث لا تقدم إلى الجمهور مجرد المعرفة بهذا الرمز أو ذاك، بل تتجاوزه لتحقيق الاستمرارية والتواصل. 

 

 

 الهوامش :

1.    Louis (André), étrange cité berbère du sud tunisien, Douiret, Tunis, STD, 1975, page 47.

2.    Ibid.

3.    نسبة لأهالي المطوية (قرية تتبع إداريا لولاية قابس بالجنوب التونسي).

4.    رواية لمسعودة بنت ضو بنت محمد بو فايد (خالتي الصّوفية)، أصيلة مدينة المطوية، عمرها 80 سنة.

5.    يقول نربرغ شلوز ان الباب -قد ينغلق او ينفتح- انه يمكن ان يوحد ويفصل من الناحية السيكولوجية يكون على الدوام مفتوحا ومغلقا بالوقت نفسه وان كان مظهرا واحدا هو المهيمن مادام يمكن فتح الباب، ان الفتحة هي العنصر الذي يجعل المكان حيا لان اساس اية حياة هو التفاعل مع البيئة لكن الفتحة المفردة في انغلاق لا تعير الجهات الاصلية اعتبارا، نعود مرة اخرى للمسكن التقليدي وعلاقة الداخل - الخارج التي نعتقد انها كانت علاقة عميقة ومزدحمة بالأعراف الاجتماعية - الثقافية تتمثل هذه العلاقة في اعم صورها من كون المجتمع التقليدي مجتمعا جمعيا الامر الذي جعل المرأة ترتبط بالمسكن بينما الرجل هو دائم التعلق بالخارج، هذا التباين في دور الرجل والمرأة في البيئة العمرانية طور تركيبة من العلاقات تقنن ظاهرة الداخل - الخارج في المسكن الواحي التقليدي، فلو نظرنا لمدخل المسكن الذي يمثل الحد الفاصل بين الداخل والخارج سنجده يعكس كثيرا من المعاني الظاهرة والضمنية كما انه يؤثر تأثيرا كبيرا على التوزيع الفراغي للمسكن ويعكس المكانة الاجتماعية للأسرة من الناحية البصرية.

6.    الهلال والنجمة رمزان اسلاميان، "كثيراً ما ظهرا في الصور الدينية، وهما يدلان على التفاؤل، فالمسلمون يتفاءلون بهلال اول الشهر، ويحددون اوقات اعيادهم على اساس هلال القمر، وتقويمهم الهجري مقسم على اساس السنة القمرية". أكرم قانصو، التصوير الشعبي العربي، عالم المعرفة، الصفحة 93.

7.    عبد الرحمان أيوب، رموز ودلالات بالبلاد التونسية، تونس 2003، الصفحة 50.

8.    أيوب عبد الرحمان، رموز ودلالات بالبلاد التونسية، وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، تونس، الصفحة 50.  

9.    أو السمكة: رمز التكاثر، رمز قديم يعني التجدد والخير والعيش الرغيد وترمز لسعة الرزق وجلب الحظ والخصوبة. والسمكة رمز للتجديد والأدلة في الميثولوجيا قاطعة، ففي الأساطير العربية والحضارات السامية وفي المعتقدات الدينية السماوية، غالباً ما يدل هذا المخلوق على الانبعاث. انه رمز عرف في الأساطير الفرعونية، ونسج في المنسوجات القبطية، ورسم على الخزف الإسلامي. صور في الرسم الشعبي على الأواني والنسيج والزجاج والورق.

10.    القلادة تُتّخَذُ من قَرَنْفل وسُكٍّ ومَحْلَب.

11.    Durand (Gilbert), les structures anthropologiques de l’imaginaire, Ed. Dunod, Paris, 1992, page 21.

12.    أصدرت دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد، ضمن سلسلة معاجم وموسوعات، كتاباً بعنوان (معجم المعتقدات والخرافات) لمؤلفته فيليبا وارنغ، وترجمة الأستاذ رمضان مهلهل سدخان، يقع الكتاب في (320) صفحة، وقد ضمّ بين دفتيه أكثر من (550) مادة لتجعل منه مؤلفته أوسع عمل من نوعه، إذ يمثّل أكثر الخرافات شيوعاً في أوروبا، والتي ما زال أكثرها موجوداً حتى لحظة تأليف الكتاب. ومما ذكرته المؤلفة فيما يخصّ عقائدهم الشعبية المتعلقة بالحيوانات، تقول الخرافة الأمريكيّة إن الاحتفاظ بقرن ثور في المنزل فعال جداً ضد الشيطان، أما قرن الغزال فسيدرأ الإصابة بالعين الشريرة في بريطانيا واسبانيا، وأنّ (حدوة الحصان) إذا علقت على مدخل البيت فإنها تشير إلى الحظ الحسن، ومن المتفق عليه أنه لابد أن تشير إلى الأعلى، لأنه عندما تكون إلى الأسفل فإن الحظ سوف يهرب، ويعتقد صيّادوا السمك الاسكتلنديون أن (حدوة الحصان) المثبتة على الصارية ستحمي السفينة من العواصف، أما سكان الريف الشمالي فيقولون بأنه عندما تجد حدوة حصان، ابصق عليها وارمها فوق ذراعك اليسرى وأطلب أمنية، وسوف تتحقق هذه الأمنية.

13.    Paul Robert, le robert, dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française, Paris 1920, page 351.

14.    نوع من السمك صغير الحجم ولذيذ الطعم.

15.    ماري تعني قلّد، أي إذا أعجبك فعل أو انجاز لشخص، لا تحسده بل قلده، كن طموحا ومثابرا مثله حتى يصيبك ما أصابه من خير وحتى لا تأكلك نار الحسد

16.    تصغير لكلمة المائدة، وهي طاولة قصيرة السيقان. 

 

 

الصور

    -     الصور من الكاتبة 

 

أعداد المجلة