فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
63

تداول الحكاية الشعبية في زمن التطور التكنولوجي من الرواية الشفهية إلى الوسائط الإلكترونية

العدد 63 - آفاق
تداول الحكاية الشعبية في زمن التطور التكنولوجي من الرواية الشفهية إلى الوسائط الإلكترونية
المملكة المغربية
الحكاية الشعبية فن تتداخل فيه مؤثرات وعوامل عديدة منها الأدبي والاجتماعي والثقافي والديني...وهذا جعل منها محطا لأبحاث كثيرة رامت الكشف عن خباياها الفنية وأبعادها الاجتماعية، والوشائج التي تصلها بغيرها من الفنون والقضايا.
 
 ورغم أن الحكاية الشعبية تتقاسم مع غيرها من الأنواع السردية معظم الخصائص الجوهرية والعناصر البنيوية كالحدث والشخصية والزمان والمكان والوصف والسرد...إلا أنها تتفرد بنهلها من مشارب عدة تجعلها مكونا من مكونات الهوية التي يتمتع بها شعب معين.
 
ولم يكن إنتاج الحكاية الشعبية وليد لحظة، أو نتاج قريحة فنان أديب في ظرف وجيز، بل هي ميراث أجيال تهيأت قريحة إبداعه عبر زمن بعيد، وتكاملت عناصره جيلا بعد جيلا، واجتمعت مكوناته وعناصره من مصادر عديدة، وتوافق على إقرار نصها شعب كامل بمختلف شرائحه قبل أن يستوي على لسان راو ومستمع...
لقد شكل هذا الفن وسيلة تربوية فعالة تتوارثها الأجيال، ومثلت لحظات الرواية موقفا تربويا مؤثرا حين تجلس الجدات والأمهات...يحدثن أبناءهن بين يدي النوم فتسري مشاعر الود والإخلاص والصدق والعدل والأمن والأمان...قبل أن تتجسد مظاهر الأشياء وتتعاقب الأحداث...فيتداخل السرد بالتربية والتعليم.
 
تعريف الحكاية الشعبية: 
تدل الحكاية في المعجم العربي على معنى رواية الحديث ونقله، جاء في لسان العرب:  الحكاية  من حكى يحكي، كقولك حكيت فلانا وحاكيته: فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله، وحكيْت عنه الحديث حكاية، وحكوْت عنه حديثا في معنى حكيته»1 ولا يبعد المعنى الاصطلاحي الأدبي عن الأصل اللغوي كثيرا رغم تعدد تعريفات المعاجم العربية، ففي المعجم الأدبي لجبور عبد النور مثلا نجد جردا لست تعريفات متقاطعة، منها ما ينظر إلى الامتداد التاريخي، ومنها ما يشير إلى السمات والخصائص، ومنها ما يستحضر الأنواع الأخرى كالأقصوصة...وبالتأليف بين هذه التعريفات نستطيع أن نخلص إلى مفهوم شامل للحكاية نصوغه كالآتي: «الحكاية فن سردي قديم حافظ على استمراريته إلى يومنا هذا، وإذا كان في القدم يعتمد الخيال والمغامرات الغريبة وتوظيف العجائب والخوارق...فإنه أصبح مع الأدب المعاصر ينحو نحو الواقعية ذلك أن الأساطير التي كانت محل اهتمام في الزمن الغابر لم تعد كذلك نظرا لغلبة العقل والمنطق على التفكير الإنساني»2.
 
أما مصطلح الحكاية الشعبية فضميمة وصفية تلخص نظرة المجتمع وتعامله مع هذا النوع السردي، ذلك أن الحكاية لما غدت موروثا شعبيا تتناقله الأجيال، غدت ذات حمولة تفتل في شعبية، وكانت دون حيز الأدب الفصيح الذي تتقاسمه شعوب متعددة ذات منزع واحد، واتسمت بالتنوع الآتي من تعدد عادات الشعوب وتقاليدها وخصوصياتها، فجذورها تضرب في أعماق موروثات ذلك الشعب، وخاصة تراثه الشفاهي3 ولذا فالحكاية الشعبية كما تعرفها الدكتورة نبيلة ابراهيم «قصة ينسجها الخيال الشعبي حول حدث مهم، وإنّ هذه القصة يستمتع الشعب بروايتها والاستماع إليها إلى درجة أنه يستقبلها جيلا بعد جيل عن طريق الرواية الشفهية»4. 
 
الحكاية الشعبية وأدب الأطفال:
أدب الأطفال قسم مهم من الأدب على إطلاقه، وعلى هذا فالأدب قسمان أدب للكبار وأدب للصغار، وتبقى الأنواع النصية المندرجة تحت كل قسم متقاطعة شكليا على الأقل، بينما تجب مراعاة الفئة العمرية المستهدفة من كل نوع، فالشعر والقصة والرواية والمسرح...كل أولئك قوالب أدبية مشتركة بين الفصيلين وإن تعددت المضامين والغايات...
ومن أخص خصائص أدب الطفل مخاطبة الكيان الإنساني وهو في مراحل نموه الأولى، بمعنى أن أديب الأطفال ملزم بمعرفة خصوصيات التكوين الجسمي والنفسي لهذه الفئة حتى يتسنى له تطويع الشكل والمضمون ليكون مركبا سهلا للأهداف المتوخاة من الإنتاج الأدبي.
والمتأمل لتلقي الأدب في العصر الحديث يلحظ بيسر أن السرديات بمختلف أنواعها أضحت تستأثر بأكبر  شريحة من جمهور الصغار والكبار، ولعل هذا راجع إلى تسارع الأحداث وتطوراتها، وانهماك المجتمعات في غمرتها، وهو ما يتم على حساب انحصار مساحات التأمل، بمعنى أن عصر السرعة لم يعد يسمح للإنسان بالتوقف برهة من الزمن لأخذ نفس تلقي النصوص ذات الطابع التخييلي التأملي كالشعر مثلا، وإنما أصبح يحاصره ويدفعة إلى التلقي بالتوازي، فأنت تسمع حكاية أو تطالعها في الوقت الذي تقوم بمهمة حياتية آنية.
ومن هنا فالحكاية الشعبية بمختلف أنواعها تمثل اليوم موضوعا أدبيا مهما من التأليف إلى التلقي، فهي منهل عذب للتأليف الحكائي الموجه للأطفال، لكنه في الآن نفسه مركب صعب يجب تطويعه وفق متطلبات الفئة المستهدفة وخصوصيات الظرفية التاريخية والحضارية، فالحكايات الشعبية «ليس مجرّد تسلية للأطفال أو إشباع رغبة فقط، أو تزجية للوقت بل هي عمل مؤسّس ومقصود»5.
 
الرواية الشفهية للحكاية الشعبية:
شكلت الحكاية الشعبية ردحا من الزمن المنهل العذب لأدب الطفل، فقد كانت الجدّات والأمّهات يقمن بتسلية الأبناء والأحفاد وتغذية مخيلاتهم اعتمادا على ما يمتلكْنَه من ذاكرة قوية تحفظ مئات المرويات الشعبية الأصيلة المتوارثة الخيالية والواقعية في ظل حياة بسيطة لا تتعدد فيها المهام ولا تتداخل المشاغل: يخرج الآباء نهارا لطلب ما تيسر من قوت، ويقصد الأطفال مدارسهم يقضون أحلى الأوقات بين يدي معلميهم، في الوقت الذي تتولى النساء مشاغل البيت ومحيطه، ليلتئم الشمل، آباء وأمهات وجدات مساء، فيحلو السمر، وتتم رواية ما تيسر من حكايات، فلا تلفاز ولا هواتف ذكية، ولا ألعاب إلكترونية...فينفض الجمع في صفاء ونقاء خالص، ويستسلم الصغار لنوم مريح يستقبلون به يوما جديدا يبعث على الانشراح. 
مرّ الزمن وحفظ الأبناء والأحفاد الكثير من المرويات وابتهجوا بها، وغدت منهلا عذبا لكيانهم الروحي والفكري، وظلوا يحتفظون بها علّهم يوما ما يروونها لأبنائهم وأحفادهم، لكن الزمن دار دورة جديدة وغدت الوسائط الإلكترونية تغزو الوسط الأسري يوما بعد يوم، وظهر التلفاز وتصدر المجلس، وجذب أنظار الكبار والصغار، فهذا يتابع نشرات الأخبار وتحليلاتها والأشرطة السينمائية وملاحقها وهذه مشدودة لحلقات مسلسل لا يكاد ينتهي، والآخرون مُنهمكون في متابعة أطوار رسوم كرتونية لا تخلو من شغب مزعج...وما هي إلا بُرهة زمن حتى دخلت على خط المنافسة مخترعاتٌ عجيبة ذات تأثير جنوني، واستقل الصغار والكبار بوسائط إلكترونية ذات طابع شخصي من حواسيب وألواح إلكترونية وهواتف ذكية...وساد البيوت عالم افتراضي يعرف خلاله الشخص عن أصدقائه في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر مما يعرفه عن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه...وانهمك الأطفال في عالم الألعاب الإلكترونية المتعددة المتفاوتة شكلا وتأثيرا، وانتشرت في أوساطهم ظواهر مزعجة، حتى غدت تلك الألعاب خطرا يتهدد أمنهم الروحي ومستقبلهم الاجتماعي...
 
الحكاية الشعبية وفن الحكواتي: 
على صفحات الأيام وساحات المدن والقرى العربية ومقاهيها وأنديتها مِثل دمشق وصيدا والقاهرة ومراكش...نشط الحكواتي يؤلف جمهوره من الكبار والصغار والرجال والنساء، ويحْفزه للتلقي المباشر مستعينا بأدواته البسيطة: صوته وحركاته وتفكيره...يبدأ الحكاية ويتحكم في خيوطها، يوقف الحكي ويستأنفه بدقة عالية تجعل المتلقي يتابع إلى آخر لحظة، بل يمُد يده إلى جيبه متطوعا بما يحقق قوت مَن أتحفَهُ ومنحَه المتعة والمنفعة.
 
لقد جسد الحكواتي للحكاية الشعبية وجودها، وبثّ فيها الحياة، وجعل منها وسيلة لتربية الشباب على القيم والفضائل، وتوعيتهم بما لهم وما عليهم بأسلوب فني جميل مؤثر، فكان عمله ذاك عملا مسرحيا مبكرا يعالج الظواهر الاجتماعية والإنسانية.
 
وفي زمن لاحق تمكّن الحكواتي من استمالة جمهور عريض من خلال الكم الهائل من حكايات الموروث الشعبي التي يجمعها ويقدمها في قوالب جديدة مستعينا بتنوع مؤثرات العرض وتقنياته التي أتاحها التطور التكنولوجي كالإضاءة والديكور والصور والمشاهد...وظهر مبدعون أثّلوا هذا المجال مثل عبد الرحيم المقوري بالمغرب، وعبد العزيز العروي بتونس وعماد الوزان بلبنان...
 
وتميزت أعمال الحكواتيين بالاختلاف من حيث المصادر المعتمدة لاستمداد المتن الحكائي، وتعدد كيفيات ووسائل العرض المصاحبة لعملية الحكي مثل اللغة الموظفة (بين العامية المحلية والفصحى، بين العرض التقريري البسيط والأساليب البيانية) والصوت والحركة...واختلاف الجمهور (أطفال، كبار نساء، رجال...) وما يترتب عنه من اختلاف طرائق العرض...ويبقى القاسم المشترك بينها هو مركزية شخصية الحكواتي التي تضطلع بكافة المهام تقريبا من الاسترجاع إلى القص، فهو الذي يضع لنفسه السيناريو ويرسم خطة الإلقاء ويحدد متى يبدأ؟ وكيف؟ وبم؟ ومتى يوقف الحكي أو يستأنفه؟ فضلا عن تجسيد الشخوص والأدوار...مهما كان جمهوره بقاعة العرض أو عبر الأثير أو خلف الشاشات...
 
ويجدر بنا الرجوع إلى أعمال الحكواتيين الموثقة بالصوت والصورة للوقوف على بعض ملامح الدور الذي اضطلعوا به لجعل الحكاية الشعبية تستميل جمهورها وتأخذ حظها من تأثير الوسائط السمعية البصرية، ولنأخذ مثلا حكاية «الفقيه الفقير»6 من إنتاج الحكواتي المغربي عبد الرحيم المقوري المشهور بعبد الرحيم الأزلية الذي ترعرع بساحة جامع الفنا بمراكش، وظل صوته يصدح هناك بمئات الحكايات الشعبية معتمدا على إمكاناته البسيطة من الصوت والحركة وتفاعل الجمهور قبل أن تأخذ أعماله سبيلها إلى الشاشة، وتتوسع دائرة الجمهور لتنتقل من الحضور الجسدي على أرضية ساحات الفنا إلى المتابعة السمعية البصرية فتبدع الفرجة بوسائل بسيطة وإن تنوع العرض.  
 
1) متن الحكاية: 
تتمحور الحكاية حول رجل فقير يحفظ القرآن، تزوج امرأة أنجبت له سبعة أولاد، كان يقتات من حضور الجنازات وقراءة القرآن على الأموات، وقد أحوجه الفقر إلى أن يعيش مشاكل أسرية، ويدخل في خلاف مع زوجته جعله يفكر في وضع حد لحياته، فقرر أن يموت شنقا بحبل من على جذع شجرة، لكن الجذع انكسر فسقط الرجل أرضا، وقال: وا أماه حتى الموت لا يريدني! فكر ثانية وهام على وجهه في الغابة فأبصر نهرا هادرا، فقال: ألقي بنفسي في الماء، فأنا لا أجيد السباحة، ومن ثم سأغرق وانتهى الأمر، قفز في الماء لكن أمواج النهر قذفت به إلى الخارج، تعجب لحاله مرة أخرى، وهام على وجهه إلى أن أبصر فأسا قديمة ملقاة على الأرض، تناول الفأس فتبادر إلى ذهنه أن يحفر قبره ثم يجلس فيه فيضع حدا لحياته بهذه الفأس، وبالفعل بدأ يحفر إلى أن أبصر شيئا لامعا فواصل الحفر بحماس، وإذ به يبصر جرة مملوءة بالذهب، طار فرحا حملها بانتشاء، وهمّ بالرجوع، وسط الغابة أبصر سارقا مفتول العضلات عريض الرأس...وبعد مساومات استسلم الفقيه مسلما السارق الجرة، لكنه عاد ليفكر في حاله قبل إذ كان يبحث عن الموت منتحرا، وكيف به يستسلم الآن بسهولة؟! رجع، وقرر متابعة حركة السارق من بعيد، فلاحظ أنه يبحث عن الماء في غور بئر وقد وضع الجرة ونزع ثيابه وهبط ليشرب...وإذا بالفقيه ينادي: يا فلان! يقولون «الي بغاها خلاها كاع ولا يبقى في الكاع» وألقى عليه صخرة عظمية فأرداه قتيلا ثم رجع إلى بيته فعاش في سعادة مع زوجته وأبنائه.  
 
هذه الحكاية تبدو بسيطة للغاية، يمكن أن يسمعها الطفل من جدته أو أمه أو يقرأها على صفحات مؤلف قصصي للأطفال...أو يسمعها الكبير من راو بسيط أو يقرأها مكتوبة فلا يكون لها الوقع الذي حققه الحكواتي بفعل تأثير شخصيته القوية ذات الطابع المسرحي الشعبي المتمثل في استثمار كافة قدراته اللغوية والفكرية،  وقواه العقلية والحسية والحركية لاستمالة جمهوره، فهو يؤلف المشهد ويدير الحوار، ويحرك شخصياته...
 
ومما يؤكد أهمية عمل الحكواتي سواء كان ذلك بوعي منه أو من تلقاء طبعه:
- الخطاب: نسج الحكاية في إطار تلفظي يراعي الوعاء التواصلي الذي تنقل عبره يجعل منها عملا فنيا متكاملا حيث يبدأ الحكواتي حديثه بالإشارة إلى السياق الثقافي لعمله فيذكر أن عمله يندرج تحت إطار المشاركة في مهرجان «مغرب الحكايات».
- الحكي: يمر بمراحل سردية واضحة هي:
1. اللازمة: افتتح الحكواتي مرويته بذات اللازمة التي عادة ما تبدأ بها الحكاية الشعبية، «كان يا مكان في قديم الزمان» وإن كان زادها طولا بتأليف بين عبارات عدة تتردد في أعمال حكائية مختلفة مثل حكايات «ألف ليلة وليلة» فجاء بها كالآتي: «يُحكى والله أعلم، وقضى وأحكم، أنه كان يا مكان في قديم الزمان وصارف العصر والأوان...».
2. وضعية الانطلاق: توقف الحكواتي لتحديد شخصيته الرئيسية محددا ملامحها وظروفها الاجتماعية ممهدا للأحداث الموالية، وسرعان ما انتقل إلى جعل الحكاية في تنامٍ مستمر من خلال الأحداث الموالية.
3. الحدث المحرك: اختار الحكواتي أن ينتقل بالمتلقي من وضعية الاستقرار إلى وضعية التشوق والانتظار بإيراد حدث محرك: تفكير «الفقيه» في التخلص من نفسه بالانتحار.
4. العقد: الحكاية على قصرها تعتمد لولبية الأحداث فهي تتضمن ثلاثة توتّرات على الأقل: الفشل لمرتين في محاولتي الانتحار، اعتراض السارق سبيل «الفقيه» بعد عثوره على الكنز. 
5. الحلول: كان الحل بعد كل عقدة مرتبطا بتفكير «الفقيه» إلى أن انتهى به المطاف إلى  الانتصار.
6. النهاية: أضاف الحكواتي فقرة دالة على التغير الإيجابي في حياة «الفقيه» بعد كل الأحداث التي مرت بها شخصيته، ولعله هدف من ذلك إلى ترسيخ قوة هذه الشخصية في ذهن المتلقي، فهي تشكل رمزا دينيا واجتماعيا مهما.  
 
- اللغة: يستغل الحكواتي اللهجة المحلية (العامية المغربية) فينتقي مفرداتها بعناية، ويتقن تعابيرها ويرصعها بعبارات دارجة على الألسنة لكنها مكتنزة المعاني والدلالات قادرة على شدّ انتباه المتلقي، فيختار أن يكرر لفظ التسييد بصيغة الجمع «آسيادنا» مما يشعر المتلقي بمنزلة مهمة لدى المتكلم، ويعتمد السجع لملاطفة الأسماع سواء في حالة الكلام المباشر (يحكى والله أعلم وقضى وأحكم ـ شي كركيعات غادي بيهم للوليدات ـ الواد ما بغى يديني، والشجرة ما بغات تقتلني..كان رزقي لي كيتسناني...) أو حتى في العبارات المسكوكة (لي بغاها كاع خلاها كاع، ولا يبقى في القاع...) أو العبارات القريبة من الفصاحة (مفتول الذراعين، واسع الكتفين، غليظ الجمجمة، كأنه طود من الأطواد، أو واحد من قوم ثمود أو عاد)
- الصوت: يجعل الحكواتي الصوت متناغما مع دلالات الألفاظ والجمل، مجسدا للأحداث والصفات والأدوار، فينتج من خلاله شخوصه ويصور ملامح الأشياء، فهو يبدأ الحكاية بصوت مستقر النبرات «يحكى والله أعلم...» لكن سرعان ما يلج إلى وصف وضعية الانطلاق فيرفع صوته بها «كان واحد الفقيه...» ثم يجسد حال «الفقيه» المثير للشفقة «مزوج واحد السيدة، والد معاها سبعة دلوليدات...» 
ويبدو الصوت مؤثرا أكثر حين يتقمص الحكواتي شخصيتي «الفقيه» والسارق، فالأول يبدو ضعيفا مثيرا للشفقة في معظم الحكاية، فكان لابد أن يكون في الصوت مسكنة، فهو يحاور نفسه حائرا أو متأسفا بما يجعل الصوت متذبذبا: فيبدأ الحكواتي بصوت منخفض: «لا حول ولا قوة إلا بالله، وتالموت ما بغاتني...» ثم يرفع صوته: «أجي يا عقلي...» بينما يستقر مرتفعا متناغما مع السياق في آخر الحكاية حين يسترجع «الفقيه» قوته المعنوية ويُسائل نفسه عن ضعفه وسهولة استسلامه: «أجي آه يا انت كنت كتقلب على الموت وما لقيتيها، وملي جاك رزقك وليتي خفت من الموت... !» ويبلغ ذروته حين يوقن أنه على وشك الإيقاعَ بالسارق فيناديه: «وا الشفار...» ثم ينخفض معبرا عن الشماتة فيجيب السارق «أنا...الفقيه لي ديتيلو رزقو..»
أما صوت السارق فيبدو مرتفعا غليظا دالا على القوة، حادا خشنا معبرا عن استهداف الضحية دون شفقة ولا رحمة، ففي البداية يرفع الحكواتي صوته متقمصا دور السارق «آي انت زيد لهنا...» ويستمر الحوار بما يُجلي مشهد السارق وهو يحاور الفقيه: 
- السارق: آش ذاك الشي تحتك؟!
- الفقيه: أسيدي غي شي كركيعات..
- السارق: أنا ضرني العطش...
- الفقيه: أسيدي راه ما شي الكركاع لي كتلك...
- السارق: آه يا! كتدخل وتخرج في الهدرة...»
هكذا ينهض الصوت وسيلة مؤثرة جدا من شأنها أن تبث في الحكاية قوة تواصلية تأسر المتلقي.
 
ـ الحركة: كما يستعين الحكواتي بالصوت يجعل من الحركة وسيلة فعالة للوصف والتمثيل، ويستمر في ذلك من بداية الحكي إلى نهايته، فتكون حركته اعتيادية بتحريك اليدين والأصابع والرأس إذ كان السرد أو الوصف مستقرا ثم تشتد عندما يهم بتجسيد الأفعال والأحوال النفسية كما في وصف حركة «الفقيه» وهو يشد الحبل، وهو يضع الحبل في عنقه، وهو يسقط...أو تصوير تأسفه، وحيرته، وتردده بعد سقوطه، وكذا تفكيره في البديل...وفرحه وسروره بعد العثور على الكنز (حمل الحكواتي وسادة بين يديه...) وتأخذ الحركة ذروتها عندما يوقف السارق «الفقيه» حيث يتقمص الحكواتي دور كل منهما، فيصور بجسده قوة السارق: عضلاته المفتولة، قامته وعصاه الطويلة، تجهم وجهه، إشاراته وأحكامه القطعية...بينما يشير إلى مسكنة «الفقيه» وضعفه بانخفاض الحركة وعودتها إلى مربعها الأول إلى أن يحين وقت الانتقام فيتجلى الفقيه وهو يحمل الصخرة العظيمة ويطل برأسه على قاع البئر فيطلقها بقوة...
وبإزاء نبرة الصوت في تناغمها مع السياق وتكاملها مع الحركة، يجد المتلقي نفسه وكأنه يتابع عرضا مسرحيا تنهض به شخصيتان متقابلتان بين القوة والضعف: شخصية «الفقيه» التي ترمز إلى المظلوم، وشخصية السارق رمز الظالم المتجبر.
 
هكذا يبدو عمل الحكواتي معقدا وإن كانت الحكاية بسيطة، فهو يتولى القيام بأدوار متعددة قبل وأثناء الحكي، من الإخراج إلى العرض، فيضع سيناريو الحكاية ويترجمه عمليا بمفرده إلى عرض مسرحي بسيط بإمكانات خاصة محدودة، مما يجعله يستثمر كل المتاح من قدرات فطرية ولغة وصوت وحركة...فيتولى بذلك مهمات المخرج والممثل والناقد...ليصل بمتلقيه إلى استشعار المتعة وتحقيق المنعة في آن معا.
 
الحكاية الشعبية من الرواية الشفهية إلى التمثيل: 
صحيح أنه لم تعد الجدّات والأمهات ولا مروياتهن تحظى بالاهتمام ذاته الذي كان يوليه لهن الأبناء والأحفاد في السابق، بعد أن تطورت الحياة، وتداخلت مساربها، وتعددت منعرجاتها، وتعقدت مخرجاتها، فتقهقرت الحكاية عن موضعها، لكن الأنا الجمعي ظل يحتفظ بتوقده كشعلة تنتظر هبة ريح، وظل الصغار يحنون لتلقي الحكي، وتفطن المؤلفون إلى أهمية ذلك فواصلوا الإنتاج بمختلف الأشكال والوسائط المكتوب منها والمسموع والبصري...فاستعادت الحكاية الشعبية بريقها وتصدرت عناوينها المؤلفات المختلفة، وحجزت لها نصيبا من البرامج الإذاعية والمتلفزة، ومن أبرز المظاهر الدالة على ذلك أعمال الحكواتي التي غدت تقدم عبر أمواج الإذاعة أو شاشة التلفاز العربي منذ العقود الأخيرة من القرن المنصرم.
 
لقد أتاح التطور التكنولوجي نقلة نوعية في تاريخ وسائل الاتصال والتواصل والإعلام بعدما وفر كمّا هائلا من وسائط إلكترونية متنوعة تتسم بالدقة والسرعة وقوة التأثير، وقد امتد الاعتماد على هذه الوسائط ليشمل مختلف مجالات التلقي وعلى كافة المستويات... 
 
ولقد تحولت كثير من الحكايات الشعبية إلى مرويات إذاعية أو أفلام كرتونية بالصوت والصورة، تجسد أدوارها شخصيات تشد انتباه المتلقي ـ وخصوصا الطفل ـ وترسخ لديه وازع الانتماء إلى مجتمعه من خلال التذكير بوشائج التراث وما يكتنزه من قيم وخصوصيات... 
 
ومن نماذج التعبير الحكائي التمثلي الذي اتخذ من المتون الشعبية العربية القديمة مادة له:
 
1) التأليف الإذاعي:
انتبه رواد الإذاعات العربية مبكرا لجدوى الحكاية الشعبية في استمالة جمهور المستمعين خصوصا الأطفال منهم، فجعلوا منها مادة لتأليف البرامج والمسلسلات المناسبة للبث عبر الأثير، مستعينين في ذلك بمختلف إمكانيات التأليف، والإخراج، والتمثيل التي كانت تتمتع بها الإذاعة العربية في أوج عطائها إبان عقود النصف الثاني من القرن العشرين.
وكان من بواكير الإنتاج الحكائي الشعبي المنقول من الرواية الشفهية المباشرة إلى التمثيل الصوتي من إنتاج الإذاعة المصرية، وفي طليعته العمل الفني المتألق «ألف ليلة وليلة» من إخراج الإذاعي محمد محمود شعبان، وتأليف طاهر أبو فاشا، وأداء ثلة من الفنانين المصريين. ففي هذا العمل الكبير تحولت الحكايات المكتوبة إلى روايات مسموعة على أمواج الإذاعة، حيث يجد المستمع نفسه كأنه يتابع حلقات مسلسل مدبلج يحكي قصصا من التراث، فالسرد غير المباشر الذي يقوم بمهمة نسج هيكل الحكايات تتخلله مقاطع سمعية تمثيلية تنهض بها أصوات ممثلين بارعين في تقمص الشخوص وأداء الأدوار المتراوحة بين القوة والضعف، والفرح والحزن، والارتفاع والانخفاض، الاستقرار والتوتر...فيستدرجون خيال المتلقي ليتصور تلك الأصوات مشاهد،  فينخرط في متابعة الحكايات حتى النهاية.
 
ففي الحلقة الأولى مثلا: «لقاء شهرزاد مع شهريار» يبدأ السرد مباشرا بصوت جهوري ممتلئ رنان، بلغة محكمة مصاحبا للموسيقى التراثية الهادئة، فيُفتتح باللازمة التراثية: «يحكى والله أعلم، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان» ثم تُذكر الشخصية «ملك من ملوك بني ساسان» ثم يُدلف إلى سرد الحكاية، ومن دون سابق تنبيه يشرع في تقديم أول مقطع تمثيلي مسموع، يتصور معه المتلقي الملك شهريار وهو يهم بالرجوع إلى القصر بعد أن تذكر الجوهرة التي كان ينوي إهداءها لأخيه...
 
ولا يملك المستمع أن ينفك عن إصغاء سمعه إذ تأخذه الحكاية بقوة الإثارة والتشويق النابعة من توالي الأحداث تماما كما كانت الجدات والأمهات تستدرج الصغار للنوم، وكان الحكواتي يستدرج جمهوره للسخاء ببعض الدنانير على إيقاع الرواية الشفهية، بل إن تأثير الحكاية بلغ مدى أرفع مع التأليف الإذاعي لما استهوى الآذان بلفيف من المؤثرات الصوتية، فالموسيقى الشعبية في بداية الحكاية تؤشر على أن الآتي على صلة بذكريات الماضي الجميل، والصوت الجهوري الذي يتولى السرد غير المباشر يُطرب الأسماع ويغذي العقل ويحرك العاطفة...أما أصوات الممثلين وهم يؤدون الأدوار المختلفة فيدرجون المتلقي في فضاء المشاهد الخيالية وليدة اللحظة في زمن لم يكن فيه للتلفاز وغيره من المرئيات سطوة.
 
لقد استطاع التأليف الحكائي الإذاعي بهذا الصنيع أن يحفظ للحكاية الشعبية استمرارية وجودها جنبا إلى جنب مع مختلف المواد الإذاعية مشكلا بذلك حلقة الوصل بين مرحلتي الرواية الشفهية والتمثيل الذي ازدهر لاحقا مع اكتساح التلفاز المجتمع العربي واستحواذه على جمهور المشاهدين بمختلف فئاتهم.
 
2) التأليف المتلفز:
لما كانت الشاشة تؤثر في المشاهدين ـ وخصوصا الأطفال ـ تأثيرا قويا «عندما تقدم لهم في كل دراما، وعندما تكون لهذه القيم علاقة بأفكار أو بقيم تكون حساسيتهم مستعدة لقبولها، وعندما لا يكون بإمكان الطفل الحصول على أخبار أو معلومات في الموضوع من أبويه أو زملائه...»7  حرص رواد التأليف الحكائي على أن يكون للحكاية الشعبية نصيب أوفر باعتبارها مادة دسمة للتداول عبر الوسائط الإلكترونية، فهي تضم كافة العناصر القابلة للتجسيد الدرامي، فضلا عن كونها تحقق الإثارة والتشويق لدى المتلقي الطفل على الخصوص.
ومرة أخرى بادر الفنانون المصريون أنفسهم  ـ إلى جانب مبدعين آخرين ـ فاستثمروا التلفاز في الأيام الأولى من وجوده العربي، وعملوا على تطويع العمل الإذاعي السابق ليصبح تأليفا متلفزا. 
 
وفي ثمانينات القرن الماضي ظهر أول عمل درامي على التلفزيون المصري يستوحي حكايات «ألف ليلة وليلة»، وكان من تأليف أحمد بهجت وإخراج عبد العزيز السكري، وبطولة نجلاء فتحي وحسين فهمي، ثم توالت الإنتاجات الدرامية جاعلة من المتن الحكائي نفسه محورا لها، وكان آخرها مسلسل «ألف ليلة وليلة» عام 2015م من تأليف محمد ناير، وإخراج عزيز عبدالرؤوف، وبطولة شريف منير ونيكول سابا8.
 
لقد كانت هذه الأعمال الدرامية موجهة بالدرجة الأولى إلى المشاهد العربي الراشد، فطغت عليها صبغة الصناعة السينمائية بمختلف أدواتها المؤثرة من هيئات الممثلات والممثلين وإكسسوارات وديكورات وأزياء...في الوقت الذي خفت فيه صوت المتن الحكائي الشعبي الذي استوحته، كما أن شريحة الأطفال استبعدت تماما، فلم تراع خصوصيتها، مع أن الواقع في ـ غالب هذه العقود ـ كان يحتم أن تشاهد الأسر التلفاز بمختلف أفرادها، ولعل هذا راجع إلى الاعتقاد بأن هذه الشريحة ستأخذ حظها من الفرجة من طريق الأفلام الكرتونية والرسوم المتحركة، وهذا لا جدال فيه ولكن الأطفال من تلك الأجيال المعاصرة لمعظم فترة الازدهار الدرامي التلفزي كانوا محشورين مع ذويهم على شاشات صغيرة موحدة لا يستطيعون الفكاك عنها، فالواقع كان يحتم عليهم أن يشاهدوا الحكايات، فتستهويهم وإن لم تلائم خصوصياتهم. 
 
3) تأليف الأفلام الكرتونية والرسوم المتحركة: 
لاشك أن الحكاية الشعبية بالمفهوم الذي ذكرناه أعلاه وبينا صلته بفئة الأطفال تعد أنسب إلى أن تكون منهلا عذبا للتأليف الموجه لهذه الشريحة، غير أن المتصفح لتاريخ التلفاز العربي يجد شحّا في استثمار المتون الحكائية الشعبية بمجهودات ذاتية ـ خصوصا الأفلام الكرتونية والرسوم المتحركة ـ إذا ما قورنت بالمواد والمضامين المستوردة التي تكاد تستحوذ على أكثر من نصف الحصة من إجمالي هذا الإنتاج الإعلامي.  
 
فمن المفارقات الغريبة أنه في الوقت الذي «لم يقدم الإعلام العربي ما هو جديد في حكايات «ألف ليلة وليلة للطفل» ولا يوجد ما يستحق الذكر في هذا الشأن، إذ أنه لا يتعدى الشخصيات المعروفة منذ أوائل القرن العشرين مثل علي بابا، السندباد البحري، علاء الدين، دون الخروج من هذا المأزق بشخصيات جديدة قوية ومؤثرة... قدمت استوديوهات الرسوم المتحركة العالمية الكثير منها ثم يعيد العالم العربي تلقيها مجددا، ويتأثر أطفال العرب بعد أن يشاهدوها بألوان جذابة وتقنيات عالية وقصص جميلة ومؤثرات صوتية وخدع سينمائية»9.
ومن هنا خضع التراث الحكائي العربي للتحوير في العديد من الأعمال الغربية قبل أن تتم ترجمتها حرفيا إلى العربية فيتلقاها الطفل العربي لتتشكل لديه حالة من الانفصام، مثال ذلك شخصية السندباد التي ترتسم في فيلم أمريكي على أنها مثال للعربي السارق النهم، بينما هو في حكايات ألف ليلة وليلة إنسان فقير يخرج للمغامرة في سبع رحلات10  أما بعض الأعمال فاختارت العامية لتجعل من عملها شبه مقتصر على أطفال منطقة عربية دون غيرها في الوقت الذي فوتت على نفسها فرصة تلقين الفصحى للنشء، ومن ذلك ما كانت تبثه قنوات النيل التي خلفت تراثا ضخما من الأفلام الكرتونية بالعامية المصرية منها: الملك والحكيم، كذاب الكذاب، التفاحة الثالثة...
 
ومن هنا يمكن القول أن حظ الطفل العربي من الفرجة لم يكتمل مرتين: في الأفلام الحكائية التراثية العامة، ثم الأفلام الكرتونية خاصة. ولعل العامل المحوري في هذه النتيجة ضعف الإرادة الحقيقية لإحياء التراث والحفاظ على مقومات الخصوصية لدى المنتجين والفاعلين في هذا المجال.
 
تدوال الإنتاج الحكائي عبر وسائط الأنترنت: 
مما ساعد على انتشار التراث الحكائي الشعبي واستعادته لبريقه الثورة الإعلامية التي أتاحتها شبكة الأنترنت، وأججتها أكثر الطفرةُ النوعية لمواقع التواصل الاجتماعي التي اكتسحت جمهورا كبيرا، وأغنته عن متابعة شاشات التلفاز، ووفرت للمعنيين وسيلة نشر فعالة، فموقع يوتيوب مثلا يوفر آليات احتساب المشاهدات والمشاركات ويُلزم المنتجين بالعمل على نسج علاقات افتراضية واسعة حتى يتمكنوا من الوصول إلى أكبر شريحة من المشاهدين، ويتمكنوا من صناعة الشهرة وتحقيق الأرباح...
 
فالمادة الحكائية المتداولة بين التلفاز وشبكة الأنترنت هي نفسها تقريبا، والمروجون والجمهور واحد،غير أن وسيلة النشر مختلفة، تجعل من العمل الحكائي مَهما كان شكله ومضمونه أكثر انتشارا، وأسرع إلى مسمع ومرآى جمهوره.
 
فالحكواتي يؤثث حكاياته بمؤثرات صوتية ومرئية، فيختار الموسيقى والألوان والأشكال والأبعاد، قبل أن يجعل من عمله مادة مناسبة للعرض، ولا غرابة أن نجد بنقرة واحدة على متصفح اليوتيوب أعمال كثيرين من الحكواتيين، وحتى المنتجين الإذاعيين والسينمائيين على قنوات يوتيوت أو صفحات الفايسبوك أو الإنستغرام...
 
ومن نماذج المنتجات التي استفادت من إمكانيات الأنترنت الحديث قنوات الحكاية الشعبية على اليوتيوب، ومنها: حكايات شعبية، حكاية السبيل، ضع سماعتك واستمع، أجمل الحكايات... ومعظمها تمتلك صفحات على مواقع أخرى كالفايسبوك والإنستغرام...ولا تختلف المواد المقدمة في هذه القنوات عن الأعمال الحكائية السابق ذكرها، فهي تعتمد طرائق العرض البسيطة ذاتها:
- السرد بصوت جهوري متفاعل مع الأحداث والأحوال،
- الصورة المصاحبة للسرد، وهي في الغالب صورة فتوغرافية معبرة،  
- الموسيقى الممهدة والموازية للحكي تعد مؤثرا صوتيا يأخذ بخيال المتلقي قبل وأثناء السرد، 
- اللازمة المتعارف عليها بصيغة من الصيغ، ففي قناة «حكايات  شعبية» هي لازمة واحدة تتكرر بين يدى معظم الحكايات تبدأ كالآتي: «من بين ثنايا العصور جئناكم بأحلى السطور، حكايات لكم نرويها، وبعبق التاريخ نمليها...»
 
إلا أن الطابع الاجتماعي لوسائل التواصل الجديدة ساعدها على الانتشار، وأكسبها جمهورا مهما من عشاق الحكاية الشعبية.
 
خاتمة:
 إن التراث العربي الحكائي الشعبي بات مهددا بالهجر في ظل الثورة المعلوماتية وانهماك الأطفال في الألعاب الإلكترونية وما تتميز به هذه الاخيرة من جاذبية ناتجة عن التأثير السمعي البصري والمحاكاة والتفاعل والذاتية...تجعل الطفل مدمنا على اللعب بلاشعور، ومصمما على متابعة سلسلة من المراحل المتلاحقة، وتلتهم بذلك وقتا كبيرا من يومه، راغبا عن الأنشطة الأخرى بما فيها مطالعة القصص ومشاهدة الأفلام الكرتونية، ومن هنا بات من الضروري التفكير في آليات جديدة لتقريب التراث الحكائي الشعبي من الأطفال وجعلهم ينخرطون في متابعته.
 
ولا جرم أن الاهتمام بالحكاية الشعبية وجعلها متداولة في مختلف وسائل التواصل الشفهي والمسموع والمرئي داخل في دائرة صوت جزء مهم من التراث اللامادي للشعوب العربية، وكذا هو من أساسيات حفظ الذاكرة الجمعية وتنشئة الأطفال على الارتباط بالخصوصية بدل التيه في دروب الصناعة الدرامية الأجنبية ودهاليزها. 
الهوامش:
1.   ابن منظور، لسان العرب،  ت  يوسف خياط، نديم مرعشلي، دار لسان العرب ، بيروت، بدون ط، مج 2، ص 690
2.   جبور عبد النور، لمعجم الأدبي، دار العلم للملايين، بدون تاريخ، ص 97
3.   معجم المصطلحات الأدبية، إبراهيم فتحي، التعاضدية العمالية للطباعة والنشر، 1986م ، 142-143
4.    نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار مكتبة غريب للطباعة القاهرة، ط 1، 1991، ص 19.
5.   اسماعيل سعدي، الحكايات الشعبية للأطفال بين الحفاظ على الموروث ونمطية ترسيخ القيم، مجلة العمدة في اللسانيات، مج 6، ع1، 2022، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد بوضياف المسيلة، الجزائر، ص 205.
6.   المهرجان الدولي مغرب الحكايات، الدورة 17: الكلمة في مواجهة جائحة كورونا.
7.   هادي نعمان الهيتي، أدب الأطفال: فلسفته فنونه وسائطه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، ص 360 
8.   إنجي إبراهيم، ألف ليلة وليلة: شهريار وشهرزاد في ذاكرة الدراما المصرية، 09/05/2019، https://www.ida2at.com/
9.   معمري إيمان، ألف ليلة وليلة بين أدب الطفل والرسوم المتحركة، Aleph langues médias et sociétés, Vol 7, N14, p 69 spécial 2020. 
10.   المصدر نفسه، ص 70 
 
الصور :
- صور مولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي «Midjourney»

أعداد المجلة